جواهر الكلام - ج ١٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بعضها ، فما عن الصدوق في العلل ـ من أن الذي اعتمده وأفتي به أن الحج على أهل الجدة في كل عام فريضة ـ واضح الضعف ، وفي محكي المنتهى « قد حكي عن بعض الناس الوجوب في كل سنة مرة ، وهي حكاية لم تثبت ، ومخالفة للإجماع والسنة » إلى آخره ، أو محمول على ما حمل عليه بعض النصوص الموهمة لذلك ـ كخبر علي بن جعفر (١) عن أخيه موسى عليه‌السلام « ان الله تعالى فرض الحج على أهل الجدة في كل عام ، وذلك قول الله عز وجل (٢) ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ) قال : قلت : من لم يحج منا فقد كفر قال : لا ، ولكن من قال : ليس هكذا فقد كفر » وخبر حذيفة بن منصور (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « الحج فرض على أهل الجدة في كل عام » ومرسل التميمي (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « ان في كتاب الله عز وجل فيما أنزل الله ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ) في كل عام ( مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ) » ـ من إرادة الوجوب على البدل ، بمعنى أن من وجب عليه الحج فلم يفعل في السنة الأولى وجب عليه في الثانية ، وهكذا في كل عام ، أو الندب أو تأكده أو غير ذلك ، لأن ظاهرها مخالف لإجماع المسلمين كما اعترف به في المعتبر وغيره ، لما عرفت من عدم الوجوب إلا مرة ، فليس هو بعدها إلا مستحبا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١.

(٢) سورة آل عمران ـ الآية ٩١ و ٩٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٢ و ٥ مع الاختلاف في اللفظ.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٧ وهو مرفوع عبد الله بن الحسين الميثمي.

٢٢١

ومن الغريب ما في الوسائل من حمل هذه النصوص على الوجوب كفاية وإن جعله الوجه بعض الأفاضل مؤيدا له بما دل من النصوص (١) التي فيها الصحيح وغيره على جبر الامام الناس على الحج إذا تركوه ، وإلا استحقوا العقاب ولم ينظروا ، إذ هو مخالف لإجماع المسلمين على الظاهر أيضا ، فلا بد من طرحها أو تنزيلها على ما عرفت ونحوه ، ونصوص الجبر خارجة عما نحن فيه ، ضرورة عدم اختصاصها بأهل الجدة كما يومي اليه اشتمال الصحيح (٢) منها على أنه إن لم يكن لهم مال أنفق عليهم من بيت المال ، بل اشتمل أيضا على الجبر على المقام عند البيت وعلى زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمقام عنده ، ولعلنا نقول به كما أومأ إليه في الدروس ، قال فيها : « ويستحب للحاج وغيرهم زيارة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة استحبابا مؤكدا ، ويجبر الامام الناس على ذلك لو تركوه ، لما فيه من الجفاء المحرم كما يجبرون على الأذان ، ومنع ابن إدريس ضعيف ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) : « من أتى مكة حاجا ولم يزرني إلى المدينة فقد جفوته يوم القيامة ، ومن أتاني زائرا وجبت له شفاعتي ، وجبت له الجنة » وفي المختلف « قال الشيخ : إذا ترك الناس الحج وجب على الامام أن يجبرهم على ذلك ، وكذلك إذا ترك الناس الحج وجب على الامام أن يجبرهم على ذلك ، وكذلك إذا تركوا زيارة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان عليه إجبارهم عليها أيضا ، وقال ابن إدريس لا يجب الإجبار ، لأنها غير واجبة ، واحتج الشيخ بأنه يستلزم الجفاء ، وهو محرم » وعلى كل حال فالوجوب بهذا المعنى خارج عما نحن فيه من الوجوب كفاية على خصوص أهل الجدة المستلزم لكون من يفعله من حج في السنة السابقة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ و ٥ ـ من أبواب وجوب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ٣ من كتاب الحج.

٢٢٢

منهم مؤديا لواجب ولو كان مع من لم يحج منهم ، وقد صرحت النصوص بأن ما عدا المرة التطوع ، كقول الصادق عليه‌السلام للأقرع بن حابس (١) إذ سأله : « في كل سنة مرة واحدة ، ومن زاد فهو تطوع » بل هو مقتضى‌ قوله عليه‌السلام أيضا في خبر هشام بن سالم (٢) المروي عن المحاسن والخصال : « وكلفهم حجة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك » وقول الرضا عليه‌السلام في علل الفضل (٣) : « إنما أمروا بحجة واحدة لا أكثر من ذلك لأن الله وضع الفرائض على أدنى القوة » ونحوه في علل ابن سنان (٤).

وكيف كان فهذه الحجة الواجبة بأصل الشرع هي الحجة التي هي أحد أركان الإسلام ، إذ‌ في كثير من الأخبار (٥) « انه بني الإسلام على خمسة أشياء : على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية » وبهذا الاعتبار أطلق عليها حجة الإسلام في النص والفتوى.

وتجب بعد فرض إحراز الشرائط على الفور اتفاقا محكيا عن الناصريات والخلاف وشرح الجمل للقاضي ، وفي التذكرة والمنتهى إن لم يكن محصلا ، وربما يومي اليه ما نص فيه من الأخبار (٦) على نهي المستطيع عن الحج نيابة ، وسأل الشحام (٧) الصادق عليه‌السلام « التاجر يسوّف الحج قال : ليس‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٤ وهو قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ، لأن الأقرع بن حابس انما كان في زمانه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب وجوب الحج الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب النيابة في الحج.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٦.

٢٢٣

له عذر » وقال عليه‌السلام أيضا في صحيح الحلبي (١) : « إذا قدر الرجل على ما يحج به ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره به فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام » بل قد تدل عليه النصوص (٢) الكثيرة التي فيها الصحيح وغيره الدالة على أن من وجب عليه ثم سوفه العام والعام الآخر ثم مات فقد ترك شريعة من شرائع الإسلام ، وانه المراد بقوله تعالى (٣) ( وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ) ومن قوله تعالى (٤) ( وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى ) باعتبار أن الوعيد مطلقا دليل التضييق كما اعترف به في المنتهى والمدارك.

بل الظاهر أن التأخير مع الشرائط عن عام الاستطاعة معصية كبيرة موبقة ومهلكة كما صرح به غير واحد وإن حج بعد ذلك ، لكونه كذلك في نظر أهل الشرع ، ولما رواه الصدوق عن الفضل بن شاذان (٥) عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام انه كتب إلى المأمون تفصيل الكبائر ، ومن جملتها الاستخفاف بالحج الصادق بالتأخير عن عام الاستطاعة ، مضافا إلى ما قيل من أنه قد يصادف الترك أصلا الذي لا إشكال في أنه كبيرة ، بل في الكتاب والسنة إطلاق اسم الكفر عليه المعلوم انه من الكبائر في النصوص والفتاوى ولو الكفر بمعنى الخروج عن الطاعة الشامل لما نحن فيه ، كما يشهد له‌ الصحيح (٦) « سألت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب وجوب الحج.

(٣) سورة الإسراء ـ الآية ٧٤.

(٤) سورة طه ـ الآية ١٢٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٣٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٤ مع الاختلاف في اللفظ.

٢٢٤

أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكبائر فقال : هي في كتاب علي عليه‌السلام سبع : الكفر بالله عز وجل وعقوق الوالدين وأكل الربا بعد التنبه وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة ، قلت : فهذه أكبر المناهي قال : نعم ، قلت : فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصلاة؟ قال : ترك الصلاة ، قلت : ما عددت ترك الصلاة في الكبائر فقال : أي شي‌ء أول ما قلت لك ، قال : قلت : الكفر ، قال : فان تارك الصلاة كافر يعني من غير علم » فإنه ظاهر في إرادة ما يشمل المقام من الكفر المعدود في الكبائر ، بل لو قلنا إن الحج أعظم من الصلاة أو أن المراد من الصلاة ما يشمل صلاة الطواف كانت الدلالة ظاهرة ، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه ، ضرورة أن ذلك في الترك لا في التأخير عن عام الاستطاعة وإن حج بعده في العام الآخر الذي هو مفروض البحث دون الترك أصلا ، بل دون تكرار التأخير إصرارا بلا تخلل توبة ، فإنه لا صغيرة مع الإصرار فالعمدة حينئذ ما ذكرناه أولا ، أما الترك أصلا فكونه من الكبائر مفروغ منه بل يمكن دعوى كونه ضروريا.

ثم المراد بالفورية وجوب المبادرة إليه في أول عام الاستطاعة ، وإلا ففيما يليه وهكذا ، ولو توقف على مقدمات من سفر وغيره تعين الإتيان بها على وجه يدركه كذلك.

ولو تعددت الرفقة في العام الواحد قيل وجب المسير في أولها ، فإن أخر عنها وأدركه مع التالية ، وإلا كان كمؤخره عمدا في استقرار الحج ، وبه قطع في الروضة ، وجوز في الدروس التأخر عن الأولى إن وثق بالمسير مع غيرها ، واستحسنه في المدارك ، قال : بل يحتمل قويا جواز التأخير بمجرد احتمال سفر التالية ، لانتفاء الدليل على فورية المسير بهذا المعنى ، وأطلق العلامة في التذكرة جواز التأخير عن الرفقة الأولى ، لكن المسألة في كلامه مفروضة في حج النائب ،

٢٢٥

وينبغي القطع بالجواز إذا كان سفر الأولى قبل أشهر الحج وقبل تضييق الوقت الذي يمكن إدراكه فيه ، لأنه الأصل ، ولا مقتضي للخروج عنه ، قلت : لعل المقتضي تحقق الخطاب بالمقدمات ، والأصل عدم مقدمة أخرى تقوم مقام هذه المتيسرة ، وخصوصا إذا كان المظنون عدم حصولها ، فهو في الحقيقة كإتلاف الطهورين بعد الوقت مع عدم العلم بحصول غيرهما ، فاكتفاؤه بمجرد الاحتمال كما ترى.

نعم قد يقال إن له التأخير مع الوثوق الذي ذكره في الدروس ، مع أن الظاهر استقرار الحج بالتمكن من الرفقة الأولى ، كمن وجبت عليه الصلاة ومضى وقت يمكن أن يفعلها ولم يفعلها ومات مثلا ، فإنه لا إشكال في تحقق وجوب القضاء عليه بذلك ، على أنه في الفرض مندرج في جميع النصوص الدالة (١) على أن من استطاع الحج ولم يحج ومات فان شاء أن يموت يهوديا أو نصرانيا ونحوها ، فمن الغريب اكتفاء السيد المزبور بما سمعت ، ودعواه القطع بالجواز فيما عرفت ، وإطلاق التذكرة يمكن تنزيله على ما لا يشهد له من غلبة التأخير مع الوثوق ، على أن كلامه مفروض في حج النائب على ما صرح به ، وحكم الأجير يتبع رضي المستأجر ، ومعلوم منه عادة المضايقة في التأخير مع عدم الوثوق ، ولو سلم جواز التأخير في حق النائب فلا يلزم منه الجواز لغيره ، إذ الفورية فيه تتبع العقد ، وفي غيره تثبت بمقتضى الدليل ، ومع اختلافهما في المدرك لا يجب توافقهما في الحكم.

ثم إن ما ادعاه من القطع انما يستقيم لو كان وجوب قطع المسافة لتعلق الخطاب المنجز ، وهو باطل ، وإلا لزم جواز التخلف عن الوفد الخارج قبل أشهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب وجوب الحج.

٢٢٦

الحج مع الانحصار ، وعدم استقرار الحج في الذمة بالتمكن من الخروج قبلها ، وسقوطه عن البعيد إذا كان بحيث لا يمكنه قطع المسافة في تلك المدة ، واللوازم كلها باطلة ، فكذا الملزوم ، فتجب إناطة التكليف بالخطاب المعلق ، ولا يختلف الحال بدخول أشهر الحج وعدمه كما هو ظاهر ، ضرورة كونه حينئذ كباقي أفراد الواجب الموسع الذي يتضيق بخوف الفوات ، ومنه محل الفرض باعتبار عدم الوثوق برفقة أخرى ، فيجب التقديم ، وهو المطلوب ، على أن اشتغال الذمة يقينا يوجب الإتيان بما يعلم معه حصول الامتثال ، ولا يتحقق ذلك في محل الفرض إلا بالخروج مع الوفد الأول ، ضرورة انتفاء العلم فيه مع التأخير ، فكذا ما يقوم مقامه من الظن ، ومجرد الاحتمال لا عبرة به ، إذ لا أقل من الظن فيما الأصل فيه اليقين ، وحينئذ فلا ريب في عصيانه بالتأخير مع التمكن من الرفقة الأولى من دون الوثوق بغيرها ، إذ هو لا يخلو إما أن يتأتى له الخروج بعدها أم لا ، أما الثاني فظاهر ، لأنه تأخير للحج من عام إلى آخر مع التمكن ، وأما الأول فإن قلنا ببدلية العزم في الواجب الموسع فكذلك ، لاستحالة العزم على الفعل مع عدم الوثوق بالتمكن من مقدماته ، وإلا فالعصيان ثابت له من حيث التعرض للمعصية والجرأة عليها بالتأخير عن الرفقة الأولى مع عدم الوثوق بالثانية وإن تبين له الخلاف بعد ذلك ، والتمكن اللاحق لا يرفع حكم الاجتراء السابق ، ولا فرق في المجتري بين المصادف للتمكن وغيره مما يتعلق بالاختيار ، والقول بعصيان أحدهما دون الآخر تحكم ظاهر ، ولذا يتوجه عليه الذم على التقديرين ، وما يقال من أن العزم على المعصية ليس بمعصية فعلى تقدير تسليمه انما هو في العزم الذي يبقى معه الاختيار لا في مطلق العزم.

ثم إن الوفد الخارجين إلى مكة إما أن يكونوا متوافقين في الخروج زمانا أو مختلفين متقاربين ، أو متباعدين في أشهر الحج ، أو قبلها ، أو خروج أحدهم‌

٢٢٧

فيها والآخر قبلها ، وعلى كل حال فاما أن يكون أحد الوفدين مثلا موثوقا به خروجا وسلامة وإدراكا دون الآخر ، أو يكون كلاهما موثوقا به مع التساوي أو الأوثقية في الكل أو البعض مع التساوي الباقي أو اختلافه ، كما لو كان السابق أوثق خروجا واللاحق أوثق سلامة وإدراكا ، والاختلاف من غير جهة الوثوق لا تأثير له في الحكم ، وأما باعتباره فان كان في أصل الوثوق تعين المسير مع المعتمد منهم وإن لم يكن سابقا ، وإلا فالأولى الخروج مع الأوثق ، ومع التساوي أو اختلاف الجهات المتساوية فالمكلف بالخيار ، والمراد بالإدراك إدراك التمتع الذي هو فرض البعيد بأركانه الاختيارية ، فلو ضاق وقت التأخير عن ذلك وجب الخروج مع السابق ، فلو أخر عصى وصح حجه وإن علم فوات التمتع أو اختياري أحد الموقفين بالتأخير ، لصدق الاضطرار المسوغ للعدول بذلك وإن كان منشأه سوء الاختيار كما في نظائره.

وكيف كان فـ ( قد يجب الحج بالنذر وما في معناه ) من العهد واليمين وبالإفساد على ما ستعرفه وبالاستيجار للنيابة ونحو ذلك وحينئذ فـ ( يتكرر ) الوجوب بتكرر السبب وتعدده من جنس واحد أو أجناس مختلفة وما خرج عن ذلك ونحوه فهو مستحب إن لم يعرض ما يقتضي تحريمه أو كراهته ومع عدم ذلك فلا خلاف نصا وفتوى في أنه يستحب لفاقد الشرائط ، كمن عدم الزاد والراحلة إذا تسكع سواء شق عليه السعي أو سهل ، وكالمملوك إذا أذن له مولاه وواجدها المتبرع به بعد أداء الواجب ، والله العالم.

٢٢٨

( المقدمة الثانية )

في القول ( في الشرائط )

( والنظر في حجة الإسلام ، وما يجب بالنذر وما في معناه وفي أحكام النيابة ، القول الأول في حجة الإسلام ، وشرائط وجوبها خمسة ) :

( الأول كمال العقل والبلوغ ، فلا يجب ) الحج ( على الصبي ) المميز وغيره ولا على المجنون المطبق والأدواري الذي تقصر نوبته عن أداء تمام الواجب أومأ في حكمه إجماعا بقسميه ، ونصوصا (١) وحينئذ فلو حج الصبي ولو قلنا بشرعية عبادته أو حج عنه الولي أو عن المجنون على الوجه الذي تعرفه إن شاء الله لم يجز عن حجة الإسلام إجماعا بقسميه ، وقال الصادق عليه‌السلام في خبر مسمع (٢) : « لو أن غلاما حج عشر حجج ثم احتلم كانت عليه فريضة الإسلام » وسأل إسحاق بن عمار (٣) أبا الحسن عليه‌السلام « عن ابن عشر سنين يحج قال : عليه حجة الإسلام إذا احتلم ، وكذا الجارية عليها الحج إذا طمثت » إلى غير ذلك من النصوص المعتضدة بما عرفت وبالأصل وغيره ، نعم لو دخل الصبي المميز أو المجنون في الحج ندبا ثم كمل كل واحد منهما وأدرك المشعر أجزأ عن حجة الإسلام على المشهور بين الأصحاب ، بل في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ و ٤ ـ من أبواب مقدمة العبادات والباب ١٢ و ١٣ من أبواب وجوب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١.

٢٢٩

التذكرة ومحكي الخلاف الإجماع عليه في الصبي ، قال في الأول : « وإن بلغ الصبي أو أعتق العبد قبل الوقوف بالمشعر فوقف به أو بعرفة بالغا أو معتقا وفعل باقي الأركان أجزأ عن حجة الإسلام ، وكذا لو بلغ أو أعتق وهو واقف عند علمائنا أجمع » وهو الحجة ، مضافا إلى تظافر الأخبار (١) بأن من أدرك المشعر أدرك الحج كما تسمعها إن شاء الله فيما يأتي في حكم الوقوفين بعرفة والمشعر ، وخصوص المورد فيها لا يخصص الوارد ، بل المستفاد منها ومما ورد (٢) في العبد هنا ونحو ذلك عموم الحكم لكل من أدركهما من غير فرق بين الإدراك بالكمال وغيره ، ومن هنا استدل الأصحاب بنصوص العبد على ما نحن فيه مع معلومية حرمة القياس عندهم ، فليس مبنى ذلك إلا ما عرفته من عموم الحكم المستفاد من النصوص المزبورة ، مضافا أيضا إلى ما يأتي من أن من لم يحرم من مكة أحرم من حيث أمكنه ، فالوقت صالح لإنشاء الإحرام ، فكذا لانقلابه أو قلبه ، مع أنهما قد أحرما من مكة وأتيا بما على الحاج من الأفعال ، فلا يكونان أسوأ حالا ممن أحرم من عرفات مثلا ولم يدرك إلا المشعر ، بل في كشف اللثام « إن كملا قبل فجر النحر وأمكنهما إدراك اضطراري عرفة مضيا إليها ، وإن كان وقفا بالمشعر قبل الكمال ثم كملا والوقت باق وجب عليهما العود ما بقي وقت اختياري المشعر » وفي الدروس « ولو بلغ قبل أحد الموقفين صح حجه ، وكذا لو فقد التمييز وباشر به الولي فاتفق البلوغ والعقل ، ولو بلغ بعد الوقوف والوقت باق جدد النية وأجزأ ».

لكن في المتن كالمحكي عن المعتبر والمنتهى الاجزاء عن حجة الإسلام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب وجوب الحج.

٢٣٠

على تردد بل عن ظاهر النافع وصريح الجامع العدم ، للأصل ومنع الإجماع ودلالة الأخبار ، فإنها إنما دلت على إدراك الحج بإدراك المشعر ، ولكن انما يدرك الحج الذي نواه وأحرم به ، وصلاحية الوقت للإحرام لا يفيد إلا إذا لم يكن محرما ، أما المحرم فليس له الإحرام ثانيا إلا بعد الإحلال أو العدول (١) إلى ما دل عليه الدليل ، ولا دليل هنا ، ولا الاستطاعة ملجأه اليه ، ولا مفيدة للانصراف إلى ما في الذمة ، فإنا نمنع وجوب الحج عليه بهذه الاستطاعة ، لاشتغال ذمته بإتمام ما أحرم له ، مع أن صلاحية الوقت إذا فاتت عرفة ممنوعة ، والحمل على العبد إذا أعتق قياس ، لكن فيه أن الأصل مقطوع بما عرفت ، ولا وجه لمنع الإجماع الذي نقله الثقة العدل وشهد له التتبع ، كما لا وجه لمنع دلالة الأخبار إن كان المراد منها ما ورد في العبد ، فإنها صريحة في الاجزاء عن حجة الإسلام ، بل هو المنساق من إطلاق أن إدراك المشعر إدراك الحج لا الحج الذي نواه وأحرم به ، فإنه مدرك له قبل حصول هذه الصفة ، وصلاحية الوقت انما ذكرت استيناسا لما نحن فيه لا أنها دليل ، ضرورة وضوح الفرق بين نفس الموضوعين ، ومنع الوجوب بهذه الاستطاعة لما عرفت مصادرة ، كما أن الحمل على العبد ليس قياسا بعد ما عرفت من الإجماع وظهور نصوص العبد في عدم الخصوصية له.

وعلى كل حال فلا ريب في أن الأقوى الاجزاء عن حجة الإسلام إنما الكلام في وجوب تجديد النية للإحرام بحجة الإسلام وللوجوب كذلك في الوقوف ، سيما على تقدير اعتبار الوجه من آن الإدراك ، لأنه لا عمل إلا بنية ،

__________________

(١) هكذا في المخطوطة المبيضة ولكن في المسودة « ولا العدول إلا إلى ما دل عليه الدليل » وهو الصواب.

٢٣١

والفرض عدم نية حجة الإسلام سابقا ، وعدمه للأصل وانعقاد الإحرام وانصراف الفعل إلى ما في الذمة إذا نوى عينه وإن غفل عن خصوصيته ولم يتعرض لها في النية ولا للوجوب في نية الوقوف ، ولعله الأقوى تمسكا بإطلاق النص في العبد والفتوى فيه وفي المقام ، فهو إجزاء شرعي ، وتظهر الثمرة فيمن بلغ قبل فوات المشعر ولم يعلم حتى فرغ منه أو من باقي المناسك ، فما عن الخلاف من وجوب تجديد نية الإحرام والمعتبر والمنتهى والروضة من إطلاق تجديد نية الوجوب والدروس من تجد النية محل للنظر بل المنع ، كما أن الأقوى عدم اعتبار الاستطاعة بعد الكمال من البلد أو الميقات في الاجزاء عن حجة الإسلام للإطلاق المزبور ، بل هو كالصريح بالنسبة إلى العبد ، ولا استبعاد في استثناء ذلك مما دل على اعتبارها فيها ، بل في التذكرة « لو بلغ الصبي وأعتق العبد قبل الوقوف أو في وقته وأمكنهما الإتيان بالحج وجب عليهما ذلك ، لأن الحج واجب على الفور ولا يجوز لهما تأخيره مع إمكانه كالبالغ الحر ، خلافا للشافعي ، ومتى لم يفعلا الحج مع إمكانه فقد استقر الوجوب عليهما سواء كانا موسرين أو معسرين ، لأن ذلك واجب عليهما بإمكانه في موضعه ، فلم يسقط بفوات القدرة بعده » وفي كشف اللثام من المعلوم أن الاجزاء عن حجة الإسلام مشروط بالاستطاعة عند الكمال ، لكن الإتمام لما جامع الاستطاعة التي للمحكي غالبا وكانت كافية في الوجوب هنا وإن كانا نائيين كما مرت الإشارة اليه لم يشترطوها ، ولذا قال في التذكرة إلى آخر ما سمعت ، ثم قال : ومن اشترط استطاعة النائي لمجاورة مكة اشترطها هنا في الاجزاء ، فما في الدروس والروضة وغيرهما ـ من اعتبار سبق الاستطاعة وبقائها ، لأن الكمال الحاصل أحد الشرائط ، فالإجزاء من جهته ـ محل للنظر ، إذ لو سلم أن التعارض بين ما هنا وبين ما دل على اعتبار الاستطاعة‌

٢٣٢

من وجه أمكن الترجيح لما هنا من وجوه ، خصوصا بملاحظة نصوص العبد ، ولذا قال في الروضة بعد أن حكم بما عرفت : ويشكل ذلك في العبد إن أحلنا ملكه ، وربما قيل بعدم اشتراطها فيه للسابق ، أما اللاحقة فتعتبر قطعا.

وكيف كان فالمنساق من المتن وغيره اعتبار إدراك اختياري المشعر ، فلا يجزيه اضطرارية وإن وجب عليهما ما أمكنهما من اضطراري عرفة ، ولعله كذلك اقتصارا على المتيقن ، نعم لا فرق في الحكم المزبور بين حج المتمتع والافراد والقران للإطلاق ، فلو كان قد اعتمر عمرة التمتع ثم أتى بحجة وكان فرضه عند الكمال التمتع بقي على التمتع ، وكفاه لعمرته ما فعل منها قبل الكمال ، كما نص عليه في محكي الخلاف والتذكرة ، بل في الدروس نسبته إلى ظاهر الفتوى ، فما في كشف اللثام ـ من أنه لم يساعده الدليل إن لم يكن عليه إجماع ، فإن إدراك أحد الموقفين الاختياريين يفيد صحة الحج ، والعمرة فعل آخر مفصول منه وقعت بتمامها في الصغر أو الجنون كعمرة أوقعها في عام آخر ، فلا جهة للاكتفاء بها ، ولذا قيل بالعدم ، فيكون كمن عدل إلى الافراد اضطرارا ، فإذا أتم المناسك أتى بعمرة مفردة في عامه ذلك أو بعده ـ فيه أن إطلاق متن الإجماع المعتضد بظاهر الفتوى وإطلاق نصوص العبد كاف في إثبات ذلك ، بل لعله المنساق من ظاهرهما ، ولا حاجة إلى ما قيل من انه يأتي بعد التمام بعمرة أخرى للتمتع في ذلك العام إن كانت أشهر الحج باقية ؛ ويسقط الترتيب بين عمرة التمتع وحجه للضرورة ، وإن لم يبق أشهر الحج أتى بالعمرة في القابل ، وهل يجب عليه فيه حجة أخرى؟ وجهان ، من الأصل ، ومن دخول العمرة في الحج ، ووجوب الإتيان بهما في عام واحد على المتمتع ، وأما إن كان فرضه الافراد أو التمتع وكان الذي أتى به الافراد فالأمر واضح ، ويأتي بعد الإتمام بعمرة مفردة ، وعلى الأخير يكون عادلا عن فرضه إلى الافراد ضرورة ، ومن ذلك تعرف الحال فيما في‌

٢٣٣

الدروس من انه لو حج العبد الأفقي أي غير المحكي أو المميز كذلك قرانا أو إفرادا أو حج الولي بغير المميز أو المجنون كذلك وكملوا قبل الوقوف ففي العدول إلى التمتع مع سعة الوقت نظر ، من الأمر بإتمام النسك ، والأقرب العدول للحكم بالاجزاء مطلقا ، ومع عدم القول بالعدول أو لم يمكن العدول ففي إجزاء الحج هنا نظر ، من مغايرته فرضهم ، ومن الضرورة المسوغة لانتقال الفرض ، وهو قوي ، قلت : قد عرفت التحقيق في ذلك ، وأما إن كان فرضه الافراد والذي أتى به التمتع فهل يبقى عليه ويجزي عن الافراد أو يعدل بنيته اليه أو ينقلب حجه مفردا وإن لم ينوه وجوه ، أوجهها أحد الأخيرين ، وحينئذ فعليه عمرة مفردة ، قيل : وعلى ما في الخلاف والتذكرة الظاهر الأول ، وهو مشكل جدا ، والاحتياط في جميع ذلك لا ينبغي تركه ، ضرورة انسياق الاكتفاء بأحد الموقفين للمتلبس بما هو فرضه لو كان كاملا من الأدلة ، فالمتجه الاقتصار عليه وعدم ترك الاحتياط في غيره ، هذا ، وفي نصوص العبد ومعقد إجماع التذكرة وجملة من العبائر الاكتفاء في إدراك الحج بإدراك أحد الموقفين لا خصوص المشعر كما في المتن وبعض العبارات ، ولعله لأن إدراك المشعر متأخر عن موقف عرفة ، فالاجتزاء بأحدهما يقتضي أنه الأقصى في الإدراك ، ولو فرض تمكنه من موقف عرفة دون المشعر فلا يبعد عدم الإجزاء ، ضرورة ظهور النص والفتوى في أن كل واحد منهما مجز مع الإتيان بما بعده لا هو نفسه ، وربما يأتي لذلك تتمة إن شاء الله في العبد.

وعلى كل حال فلا إشكال في أنه يصح إحرام الصبي المميز وإن لم يجب عليه بناء على شرعية عبادته ، نعم لا بد من إذن الولي بذلك لاستتباعه المال في بعض الأحوال ، فليس هو عبادة محضة ، مع احتمال العدم لعدم كونه تصرفا ماليا أولا وبالذات إن لم يكن إجماعا ، كما هو ظاهر نفي الخلاف فيه بين‌

٢٣٤

العلماء من محكي المنتهى والتذكرة ، أما البالغ فالأقوى عدم اعتبار إذن الأب في المندوب منه فضلا عن الأم ما لم يكن مستلزما للسفر المؤدي إلى إيذائهما باعتبار مفارقته أو سبق نهيهما عنه في وجه ، خلافا للفاضل في القواعد فاعتبر إذن الأب بل عن ثاني الشهيدين في المسالك أنه قوى توقفه على إذن الأبوين ، لكن قال في الروضة : « إن عدم اعتبار إذنهما حسن إذا لم يكن الحج مستلزما للسفر المشتمل على الخطر ، وإلا فالاشتراط أحسن ».

وعلى كل حال فـ ( يصح أن يحرم عن غير المميز وليه ندبا وكذا المجنون ) فيستحق الثواب حينئذ عليه ، وتلزمه الكفارة والأفعال والتروك على الوجه الذي ستعرفه بلا خلاف أجده في أصل مشروعية ذلك للولي ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه مضافا إلى دلالة النصوص الكثيرة عليه ، كقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن عمار (١) : « انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموهم إلى الجحفة أو إلى بطن مر ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم ، ويطاف بهم ويرمى عنهم ، ومن لا يجد الهدي فليصم عنه وليه » وسأله عبد الرحمن بن الحجاج (٢) في الصحيح « إن معنا صبيا مولودا فقال عليه‌السلام : مر أمه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها ، فأتتها فسألتها فقالت : إذا كان يوم التروية فأحرموا عنه وجردوه وغسلوه كما يجرد المحرم ، وقفوا به المواقف ، وإذا كان يوم النحر فارموا عنه واحلقوا رأسه ثم زوروا به البيت ، ومري الجارية ان تطوف به بالبيت وبين الصفا والمروة » وقال أحدهما عليهما‌السلام في خبر زرارة (٣) : « إذا حج الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره أن يلبي ويفرض الحج‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج الحديث ٥.

٢٣٥

فان لم يحسن أن يلبي لبوا عنه ويطاف به ويصلى عنه ، قال زرارة : ليس لهم ما يذبحون فقال عليه‌السلام : يذبح عن الصغار ويصوم الكبار ويتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب والطيب ، فان قتل صيدا فعلى أبيه » إلى غير ذلك مما هو واضح الدلالة عليه ، خلافا لأبي حنيفة فأنكره من أصله ، ولا ريب في ضعفه.

كما أن ظاهر النص والفتوى كون الإحرام بالصبي على معنى جعله محرما بفعله لا أنه ينوب عنه في الإحرام ، ومن هنا صرح غير واحد بأنه لا فرق في الولي بين كونه محلا أو محرما ، فما عن الشافعية في وجه من كون الإحرام عنه واضح الضعف.

وعلى كل حال فكيفيته أن ينوي الولي الإحرام بالطفل بالعمرة أو الحج ، فيقول : اللهم إني أحرمت بهذا إلى آخر النية ، وفي الدروس أنه يكون حاضرا مواجها له ويلبسه ثوبي الإحرام ويجنبه ما يجنب المحرم ، ويلبي عنه إن لم يحسنها وإلا أمره ، بل في القواعد وغيرها « ان كل ما يتمكن الصبي من فعله من التلبية والطواف وغيرهما فعله ، وإلا فعله الولي عنه » ولعل خبر زرارة (١) فيه إشارة إلى ذلك ، وليكونا في الطواف متطهرين وإن كانت الطهارة من الطفل صورية ، وفي الدروس « يحتمل الاجتزاء بطهارة الولي » وفي كشف اللثام وعلى من طاف به الطهارة كما قطع به في التذكرة والدروس وهل يجب إيقاع صورتها بالطفل أو المجنون؟ وجهان كما في الدروس وظاهر التذكرة من أنها ليست طهارة مع الأصل ، ومن أنه طوافه ، لأنه طواف بالمحمول ، وفي التذكرة « وعليه أن يتوضأ للطواف ويوضأه ، فان كانا غير متوضئين لم يجز الطواف ، وإن كان الصبي متطهرا والولي محدثا لم يجزه أيضا ، لأن الطواف بمعونة الولي يصح ، والطواف لا يصح إلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٥.

٢٣٦

بطهارة ، وان كان الولي متطهرا والصبي محدثا فللشافعية وجهان ، أحدهما لا يجزي » قلت : لا ريب في أن الأحوط طهارتهما ، معا ، لأنه المتيقن من هذا الحكم المخالف للأصل ، وان كان يقوى في النظر الاكتفاء بطهارة الولي كما يومي اليه ما في خبر زرارة (١) من الاجتزاء بالصلاة عنه ، ولعله فرق بين أفعال الحج نفسها وشرائطها ، فيجب مراعاة الصوري منه في الأول دون الثاني ، فتأمل جيدا.

ولو أركبه دابة فيه أو في السعي ففي التذكرة والدروس وجب كونه سائقا أو قائدا ، إذ لا قصد لغير المميز ، وهو حسن ، وفي المدارك أنه ينبغي القطع بجواز الاستنابة في الطواف ، لإطلاق الأمر بالطواف به ، ولقول حميدة في‌ صحيح ابن الحجاج (٢) : « مري الجارية » إلى آخره ، قلت : بل لا يبعد جواز الاستنابة في غيره أيضا كما عساه يلوح من النص والفتوى ، وأما الصلاة فقد سمعت ما في خبر زرارة ، لكن في الدروس « وعلى ما قاله الأصحاب من أمر ابن ست بالصلاة يشترط نقصه عنها ، ولو قيل : يأتي بصورة الصلاة كما يأتي بصورة الطواف أمكن » وكأنه اجتهاد في مقابلة النص.

وكيف كان فإن أحرم به بالحج ذهب إلى الموقفين ، ونوى الوقوف به ، ثم يحضره الجمار ويرمي عنه ، وهكذا إلى آخر الأفعال ، وفي القواعد ومحكي المبسوط « انه يستحب له ترك الحصى في يد غير المميز ثم يرمي الولي أي بعد أخذها من يده » ولكن لم نظفر له بمستند ، وفي محكي المنتهى « وإن وضعها في يد الصغير ويرمي بها فجعل يده كالآلة كان حسنا » قلت : هو كذلك محافظة على الصورة منه ، لأن الرمي من أفعال الحج ، وربما يأتي لذلك كله تتمة عند تعرض المصنف له ولغيره من الأحكام.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ١.

٢٣٧

والمراد بـ ( الولي ) هنا من له ولاية المال كالأب والجد للأب والوصي بلا خلاف أجده في الأولين ، بل في التذكرة الإجماع عليه ، وأما الوصي ففي المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب ، ويشهد له إطلاق الولي في النصوص ، بل منه يستفاد ولاية الحاكم التي بها صرح الشيخ في المحكي عنه ، بل عن مبسوطة « أن الأخ وابن الأخ والعم وابن العم إن كان وصيا أو له ولاية عليه وليها فهو بمنزلة الأب ، وإن لم يكن أحدهم وليا ولا وصيا كانوا كسائر الأجانب » ونحوه عن السرائر ، قال في التذكرة : وهذا القول يعطي أن لأمين الحاكم الولاية كما في الحاكم ، لأن قوله : « أو له ولاية » إلى آخره ، لا مصرف له إلا ذلك ، وحكى عن الشافعي في توكيل كل من الوصي وأمين الحاكم وجهان ، قلت : الأقوى ذلك ، بل عن الشهيد الثاني التصريح بجواز التوكيل من الثلاثة ، لأنه فعل تدخله النيابة كما أومأنا إليه ، بل عن الشيخ أن غير الولي إن تبرع عن الصبي انعقد إحرامه ، ولعله لإطلاق أكثر الأخبار ، واحتمال الولي فيما تضمنته المتولي لإحرامه واحتماله كأبيه الجريان على الغالب أو التمثيل.

ولكن لا ريب في ضعفه ، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن المعتضد بظاهر النص والفتوى ، نعم قيل والقائل المبسوط أيضا والخلاف والمعتبر والمنتهى والتحرير والمختلف والدروس ، بل في المدارك نسبته إلى الأكثر : للأم ولاية الإحرام بالطفل لخبر عبد الله بن سنان أو صحيحه (١) عن الصادق عليه‌السلام « ان امرأة قامت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعها صبي لها فقالت : يا رسول الله أيحج بمثل هذا؟ قال : نعم ولك أجره » ضرورة اقتضاء الأمر لها (٢)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب وجوب الحج ـ الحديث ١.

(٢) هكذا في المخطوطة المبيضة ولكن في المسودة « الأجر لها » وهو الصواب لمطابقته للخبر أي « ولك أجره ».

٢٣٨

كونها محرمة به أو آمرة لغيرها وغير وليها أن يحرم به ، وحينئذ فتلتزم لوازم الإحرام كالولي ، ولعله الأقوى ، خلافا لظاهر المتن والقواعد ومحكي السرائر وغيرها للأصل المقطوع بما عرفت ، خصوصا بعد التسامح في المستحب.

وكيف كان فـ ( نفقته الزائدة ) على نفقة الحضر مثل آلة سفره وأجرة مركبة وجميع ما يحتاج إليه في سفره مما كان مستغنيا عنه في حضره تلزم الولي في ماله دون الطفل بلا خلاف أجده ، لأنه هو السبب ، والنفع عائد إليه ، ضرورة عدم الثواب لغير المميز بذلك ، وعدم الانتفاع به في حال الكبر ، ولأنه أولى من فداء الصيد الذي نص عليه في خبر زرارة (١) فما عن الشافعي في أحد الوجهين من الوجوب في مال الصبي كأجرة المعلم واضح الضعف ، خصوصا بعد وضوح الفرق بأن التعلم في الصغر يغنيه عنه في الكبر ، ولو فاته لم يدركه بخلاف الحج والعمرة ، نعم قد يتوقف في الحكم المزبور فيما إذا توقف حفظ الصبي وكفالته وتربيته على السفر ، وكانت مصلحته في ذلك ، ولعل إطلاق الأصحاب منزل على غير ذلك ، وأما الهدي الذي يترتب عليه بسبب الحج فكأنه لا خلاف بينهم في وجوبه على الولي الذي هو السبب في حجه ، وقد صرح به في صحيح زرارة (٢) بل صرح فيه أيضا بأنه إن قتل صيدا فعلى أبيه ، وبه أفتى الأكثر في كل ما لا فرق في لزومه للمكلف في حالتي العمد والخطأ ، خلافا للفاضل في محكي التذكرة فعلى الصبي الفداء لوجوبه بجنايته ، فكان كما لو أتلف مال غيره ، وكأنه اجتهاد في مقابلة النص المعتبر ، نعم قد يقال ذلك فيما يختلف حكمه في حال العمد والسهو في البالغ كالوطي واللبس إذا اعتمد الصبي ، فعن الشيخ أنه قال : « الظاهر أنه تتعلق به الكفارة على وليه ، وان قلنا إنه لا يتعلق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٥.

٢٣٩

به شي‌ء ـ لما‌ روي (١) عنهم عليهم‌السلام « ان عمد الصبي وخطأه واحد » والخطأ في هذه الأشياء لا يتعلق به كفارة من البالغين ـ كان قويا » واستجوده في المدارك لو ثبت اتحاد عمد الصبي وخطأه على وجه العموم ، لكنه غير واضح لأن ذلك انما ثبت في الديات خاصة ، قلت : وهو كذلك ، لبطلان سائر عباداته من صلاة ووضوء ونحوهما بتعمد المنافي ، ومن هنا قيل بالوجوب تمسكا بالإطلاق ونظرا الى أن الولي يجب عليه منع الصبي عن هذه المحظورات ، ولو كان عمده خطأ لما وجب عليه المنع ، لأن الخطأ لا يتعلق به حكم ، فلا يجب المنع ، فما في المدارك ـ من أن الأقرب عدم الوجوب اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع النص وهو الصيد ـ واضح الضعف ، ضرورة عدم الفرق بين الصيد وغيره في حال العمد كما عرفت ، فتشمله الخطابات التي هي من قبيل الأسباب ، ومقتضاها وإن كان الوجوب على الصبي بعد البلوغ أو في ماله إلا أنه قد صرح في صحيح زرارة (٢) بكونه على الأب باعتبار أنه هو السبب.

ومما ذكرنا يظهر لك الحال فيما حكي عن الشيخ من أنه يتفرع على الوجهين ما لو وطأ قبل أحد الموقفين متعمدا ، فان قلنا إن عمده وخطأه سواء لم يتعلق به حكم فساد الحج ، وإن قلنا إن عمده عمد أفسد حجه ولزمه القضاء ، ثم قال : « والأقوى الأول ، لأن إيجاب القضاء يتوجه إلى المكلف ، وهذا ليس بمكلف » وفي المدارك وهو جيد ، ثم إن قلنا بالإفساد فلا يجزيه القضاء حتى يبلغ فيما قطع به الأصحاب ، ولا يجزي عن حج الإسلام إلا أن يكون بلغ في الفاسد قبل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب العاقلة ـ الحديث ٢ من كتاب الديات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج ـ الحديث ٥.

٢٤٠