جواهر الكلام - ج ١٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

( الثاني في الشروط )

( وهي قسمان‌ )

الأول ما باعتباره يجب الصوم ، وهو سبعة : البلوغ وكمال العقل فلا يجب على الصبي ولا على المجنون إلا ان يكملا قبل طلوع الفجر فإنه يجب عليهما حينئذ بلا خلاف ولا اشكال واما لو كملا بعد طلوعه لم يجب الصوم النهار ولم يفطر فبلغ وجب عليه الإتمام الذي يرجع الى ما عن المبسوط إذا بلغ حال الصوم جدد النية وكان صوما صحيحا قال انه خلاف إجماع أصحابنا وانه من فروع المخالفين فلا يلتفت اليه ، قلت خصوصا بعد ان كان المحكي عنه في الجمل الاقتصاد وكتابي الصلاة من المبسوط والخلاف إطلاق ان عليه الإمساك بقية النهار تأديبا لا وجوبا من غير تقييد بتناول المفطر وغيره ، بل استدل في الأخير بعد أن نص على عدم وجوب القضاء عليه على عدم وجوب الإمساك بأن أول النهار لم يكن مكلفا فتجب عليه العبادة ، وبقية النهار لا يصح صومه ، ووجوب‌

٢

الإعادة يحتاج إلى دليل ، والأصل براءة الذمة ، ومن ذلك يعلم ضعف ما يحكى عن الاقتصاد من وجوب القضاء بعد القول بعدم وجوب الإمساك ، كما انه يعلم حينئذ ضعف الخلاف المزبور وان حكي عن ابن حمزة القول به ، بل أطلق وجوب الصوم عليه إن بلغ في الأثناء ولم يفطر من غير تقييد بالنية ، وعن المصنف وفي المعتبر انه قواه تمسكا بأن الصوم ممكن في حقه ، ووقت النية باق ، ثم قال لا يقال لم يكن الصبي مخاطبا لأنا نقول لكنه الآن صار مخاطبا ، ولو قيل لا يجب صوم بعض اليوم قلنا متى إذا تمكن من نية يسرى حكمها إلى أول النهار أو إذا لم يتمكن ، وههنا هو متمكن من نية تسرى إلى اوله ، ومال إليه في المدارك وفيه منع ما يدل هنا على سريان النية بعد أن لم يكن مكلفا إلا القياس الممنوع عندنا بل المتجه منعه هنا عند غيرنا أيضا لكونه مع الفارق ، هذا ، وقد تقدم في آخر المواقيت من كتاب الصلاة في مسألة ما لو بلغ الصبي في أثناء الصلاة ما له نفع في المقام في الجملة ، فلاحظ وتأمل ، وكذا الحال في المجنون.

وكذا المغمى عليه وان أفاق قبل الزوال وقد سبقت منه النية ، لما عرفته فيما تقدم من كون الإغماء مفسدا كالحيض وعرفت أيضا ضعف ما قيل من أنه إن نوى الصوم قبل الإغماء صح صومه وإلا كان فاسدا وعليه القضاء ولا ريب في ان الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده ، كما أن الأشبه أيضا سقوط القضاء عنه أيضا كما تعرفه في محله ان شاء الله.

ومنها الصحة من المرض لما تقدم سابقا من عدم صحة الصوم من المريض الذي يتضرر به إجماعا بقسميه ، وكتابا (١) ونصوصا (٢) مستفيضة‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٨٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب من يصح منه الصوم.

٣

أو متواترة فإن بري‌ء قبل الزوال ولم يتناول شيئا يقتضي الإفطار وجب عليه الصوم بتجديد النية على المشهور ، لتمكنه منه حينئذ ببقاء وقت النية فيشمله عموم ما دل على وجوب صوم الشهر ، لكن قد يناقش بمنع ما يدل على بقاء وقت النية فيه إلا القياس على المسافر والناسي والجاهل ونحوهم ، وهو معلوم البطلان عندنا ، ولعله لذا أطلق ابن زهرة استحباب الإمساك للمريض إذا بري‌ء ، وعد ابن حمزة من الصوم المندوب صوم المريض إذا بري‌ء وأطلق ، وقال والمسافر إذا قدم أهله قبل الزوال ولم يفطر وجب عليه الصوم ، فكأنه فرق بينه وبين المريض للنص ، وهو جيد ان لم يقم إجماع على المساواة في ذلك.

وكيف كان فـ ( ان كان ) قد تناول قبل البرء أو كان برؤه بعد الزوال أمسك استحبابا ولزمه القضاء احتراما لشهر رمضان وتشبيها بالصائمين وأمنه من تهمة من يراه وقول علي بن الحسين عليه‌السلام في رواية الزهري (١) « وكل من أفطر لعلة من أول النهار ثم قوي بقية يومه أمر بالإمساك عن الطعام بقية يومه تأديبا وليس بفرض » خلافا لظاهر المفيد والمرتضى فاوجباه ، ويمكن أن يريدا تأكد الندب ، لعدم الدليل عليه بل ظاهر الأدلة خلافه ، لكن في الخلاف « القادم من سفره وكان قد أفطر والمريض إذا بري‌ء والحائض إذا طهرت والنفساء إذا انقطع دمها يمسكون بقية النهار تأديبا ، وكان عليهم القضاء ، وقال أبو حنيفة ليس عليهم الإمساك وان أمسكوا كان أحب إلينا ، دليلنا إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط ولأن هذا اليوم واجب صومه وانما أبيح الإفطار لعذر ، وقد زال العذر ، وبقي حكم الأصل ـ ثم قال ـ إذا بلغ الصبي والكافر إذا أسلم والمريض إذا بري‌ء وقد أفطروا أول النهار يمسكون بقية النهار تأديبا ولا يجب ذلك بحال ـ ثم قال ـ : دليلنا إجماع الفرقة وأيضا الأصل براءة الذمة ولا يجب عليهم الا بدليل وربما جمع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ١.

٤

بينهما بنفي الوجوب أصالة ، فلا ينافيه حينئذ تأديبا » قلت ومنه ينقدح الشك في دلالة خبر الزهري الا أن الجميع كما ترى لا يصلح لقطع الأصل وغيره ، والله أعلم.

ومنها الإقامة عشرا أو ما في حكمها من الحضر والمتردد ثلثين يوما وكثير السفر وغير ذلك فلا يجب الصوم على المسافر ولا يصح منه بلا خلاف أجده فيه بيننا بل الإجماع بقسميه عليه والنصوص (١) بعد الكتاب العزيز (٢) مستفيضة أو متواترة فيه وفي أنه يلزمه القضاء مضافا الى الكتاب والإجماع وحينئذ فـ ( لو صام لم يجزه مع العلم ) قطعا للنهي وغيره نعم يجزيه مع الجهل بكون السفر موجبا للإفطار حتى خرج الوقت بلا خلاف أجده فيه‌ للصحيح (٣) عن ابن أبي شعبة « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل صام في السفر فقال ان كان بلغه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن ذلك فعليه القضاء ، وان لم يكن بلغه فلا شي‌ء عليه » وسأله أيضا عبد الرحمن بن الحجاج (٤) في الصحيح « عن رجل صام شهر رمضان في السفر فقال ان كان لم يبلغه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن ذلك فليس عليه القضاء وقد أجزأ عنه الصوم » الى غير ذلك من النصوص التي لا ريب في صراحتها بأن الجهل هنا عذر على حسب ما سمعته في القصر والإتمام ، ومن هنا لا يخفى عليك جريان كثير مما تقدم هناك فلاحظ وتأمل كي تعلم أن المتجه الاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن من النص والفتوى ، فلا يلحق حينئذ بجاهل الحكم ناسية وان حكي عن بعضهم ذلك للاشتراك في العذر ، ومرجعه الى القياس المعلوم بطلانه عندنا ، فيجب عليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من يصح منه الصوم.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٨٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٢ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله.

٥

القضاء حينئذ ، ومن الغريب ما في المسالك من أن الناسي هنا كالجاهل وان افترقا في الصلاة ، إذ لا يتصور إعادة الناسي هنا في الوقت إذا كان مراده أنه مثله في المعذورية المزبورة ، ضرورة عدم اقتضاء عدم تصوره ذلك ، بل أقصاه أنه يتعين عليه القضاء لو لم يذكر حتى خرج الوقت ، ويجب عليه الإفطار مع ذلك لو تذكر قبله كالجاهل الذي يعلم في الأثناء ، فإنه لا إشكال في وجوبهما عليه كما هو واضح.

وعلى كل حال فلا يلحق به المريض لو تكلف الصوم وصام غير عالم بنهي الشارع عنه ، لما عرفته من حرمة القياس نعم لو حضر المسافر بلده أو بلدا يعزم فيه على الإقامة عشرا كان حكمه حكم المريض في الوجوب لو كان قبل الزوال ولم يفعل المفطر وعدمه لو كان بعد الزوال أو كان قد فعل المفطر ويستحب له الإمساك بقية يومه بلا خلاف معتد به أجده في شي‌ء من ذلك ، وفي‌ خبر أحمد بن محمد (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل قدم من سفر في شهر رمضان ولم يطعم شيئا قبل الزوال قال يصوم » وخبر أبي بصير (٢) « سألته عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان فقال إن قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به » وصحيح يونس بن عبد الرحمن (٣) عن الكاظم عليه‌السلام « انه قال في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل فعليه ان يتم صومه ولا قضاء عليه » بناء على كون المراد الجنابة عن احتلام ونحوه مما لا يقدح البقاء عليها في الصوم ، ومن ذلك يعلم بقاء وقت النية بالنسبة كالناسي والجاهل بكونه شهر رمضان ، وما في الغنية من إطلاق استحباب الإمساك للمسافر إذا قدم أهله يجب تنزيله على ما بعد الزوال كتنزيل الخيار بين الصوم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٥.

٦

وعدمه في‌ صحيح ابن مسلم (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار فقال : إذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل أهله فهو بالخيار ان شاء صام وان شاء أفطر » وحسن رفاعة (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقبل في شهر رمضان من سفر حتى يرى أنه سيدخل أهله ضحوة أو ارتفاع النهار قال : إذا طلع الفجر وهو خارج لم يدخل فهو بالخيار ان شاء صام وإن شاء أفطر » على ما قبل القدوم ، بل يجب تنزيل‌ صحيح ابن مسلم (٣) الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا سافر الرجل في شهر رمضان ، فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم ويعتد به من شهر رمضان ، فإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم ، وان دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه ، وان شاء صام » وما في‌ خبر سماعة (٤) « ان قدم بعد زوال الشمس أفطر ولا يأكل ظاهرا ، وان قدم من سفره قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم ان شاء » على ما لا ينافي ذلك من ان له الخيار قبل القدوم إذا عرف أنه يقدم قبل الزوال ، أو غير ذلك مما هو أولى من الطرح.

وعلى كل حال فلا ريب في عدم الاجتزاء بالصوم منه إذا قدم بعد الزوال لما سمعته من النصوص ، مضافا الى‌ خبر محمد بن مسلم (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقدم من سفر بعد العصر في شهر رمضان فيصيب امرأته حين طهرت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٢.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ١ وذيله في الباب ـ ٦ ـ منها الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ١٠.

٧

من الحيض يواقعها فقال لا بأس به » المعتضدة بفتاوى الأصحاب على وجه يمكن تحصيل الإجماع عليه ، فما عن نهاية الشيخ من إطلاق وجوب الصوم عليه وسقوط القضاء عنه إذا قدم أهله ولم يكن قد فعل ما ينقض الصوم يجب تنزيله على ما قبل الزوال ، وإلا كان محجوجا بما عرفت بل في محكي السرائر انه مخالف للإجماع نعم عليه أن يمسك بقية يومه استحبابا احتراما لشهر رمضان ، كمن أفطر قبل الدخول قبل الزوال وكالمريض ، ودعوى الوجوب فيه أضعف من دعواه فيه.

وقد تقدم في كتاب الصلاة ان في حكم الإقامة كثرة السفر كالمكاري والملاح وشبههما ما لم يحصل لهم الإقامة عشرة أيام والعاصي بسفره والمتردد ثلاثين يوما في مكان واحد وغير ذلك مما هو مذكور هناك مفصلا.

ومنها الخلو من الحيض والنفاس فلا يجب الصوم عليهما أو لا يصح منهما وعليهما القضاء بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا ، بل لإجماع بقسميه عليه ، والنصوص (١) مستفيضة أو متواترة فيه.

الثاني من الشرائط ما باعتباره يجب القضاء وينتفي بانتفائه وهو ثلاثة شروط البلوغ وكمال العقل والإسلام ، فلا يجب على الصبي القضاء لما فاته من الأيام في حال الصبا بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه مضافا الى أصل البراءة وغيره وما عن ابن أبي عقيل من « ان الكافر إذا أسلم والصبي إذا بلغ وقد مضى بعض رمضان أو بعض يوم منه لم يلزمهما إلا صيام ما يستقبلانه ولو قضيا ما مضى ويومهما كان أحب الي وأحوط » يجب حمله على ضرب من الندب لما عرفت من عدم وجوبه عليه الا اليوم الذي ، قد بلغ فيه قبل طلوع فجره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الحيض والباب ـ ٦ ـ من أبواب النفاس من كتاب الطهارة.

٨

ولم يصمه فإنه يجب عليه قضاؤه قطعا ، لإطلاق الأدلة حينئذ حتى لو كان بلوغه قبله في زمن لا يسعه الطهارة من الجنابة مثلا ولو الترابية ، ضرورة كونه حينئذ معذورا في ذلك كمن أفاق كذلك ، واما اليوم الذي قد بلغ في أثنائه قبل الزوال ولم يفعل المفطر فقد عرفت البحث فيه ، وان الأصح عدم وجوبه عليه ، فلا يلزمه قضاؤه ، ولو قارن بلوغه طلوع الفجر قوي القول بوجوب الصوم عليه لشمول الأدلة حينئذ ، ولو شك في تقدمه وتأخره بنى على تأخر مجهول التاريخ منهما ، ولو جهلا حكم بالاقتران ، فيجب الصوم حينئذ ، لكن فيه ما أشرنا إليه سابقا في كتابي الطهارة والصلاة من ان الاقتران حادث أيضا ، والأصل عدمه ، فالمتجه الرجوع الي غيرهما من أصل ونحوه ، وهو هنا البراءة كما يشهد له جعلهم ذلك شرطا فالشك فيه حينئذ شك في المشروط ، بل ربما قيل بنحو ذلك في الصورة الأولى أيضا ، لعدم اقتضاء الأصل تأخر المجهول عن المعلوم ، بل أقصاه التأخر في نفسه وهو لا يجدي في ثبوت التكليف أو سقوطه ، فتأمل جيدا.

وكذا البحث في المجنون الذي هو كالصبي في ذلك ونحوه عند الأصحاب من غير خلاف يعتد به بينهم ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه بل حكاه عليه في الروضة من غير فرق بين ما كان الجنون بفعله على جهة الحرمة وعدمها وبين ما كان بفعل الله تعالى ، لإطلاق الأدلة ، خلافا للمحكي عن الإسكافي فأوجب القضاء عليه إذا كان بفعله على جهة الحرمة قال : والمغلوب على عقله من غير سبب ادخله على نفسه لا قضاء عليه إذا لم يفق في اليوم كله ، فإن أفاق في بعض اليوم ولم يكن فعل ما بمثله يفطر الصائم صام ذلك اليوم وأجزأ ، وان كان من محرم قضى كل ما غم عليه منه ، ولعله لاندراجه في الأول تحت‌ « كل ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر » (١) بخلافه في الثاني فإنه هو الذي فوت على نفسه الشرط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٦.

٩

كالكافر ، وربما مال اليه بعض متأخري المتأخرين ، لكن قال : لا فرق بين المحرم والمحلل إذا علم إفضاؤه إلى الإغماء يوم الصوم في وجوب القضاء كما لا فرق في عدمه إذا لم يعلم الإفضاء ثم قال : ويمكن تنزيل كلام من أطلق نفي القضاء على هذا التفصيل وفيه ان الأدلة مطلقة سيما ما تعرفه ان شاء الله تعالى من نصوص الإغماء التي فيها الصحيح وغيره ، نعم يمكن تنزيل كلام الإسكافي على السكران الذي ستعرف الحال فيه ، وعلى كل حال فمن ذلك يعلم ضعف ما يحكى عن الشيخ أيضا من تكليف المجنون بالقضاء إذا أفاق إن لم تتقدم النية على جنونه ، والا كان صومه صحيحا والله أعلم.

والكافر الأصلي وان وجب عليه الصوم ، لأنه مكلف بالفروع لكن لا يجب عليه القضاء إجماعا بقسميه إلا ما أدرك فجره مسلما لأن الإسلام يجب ما قبله بناء على منافاة القضاء وان كان بفرص جديد لجب السابق باعتبار كون المراد منه قطع ما تقدم ؛ وتنزيله منزلة ما لم يقع ، كالمراد من قوله (١) ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) لا ان المراد جب خصوص العصيان ، ول‌ صحيح الحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سئل عن رجل أسلم في النصف من شهر رمضان ما عليه من صيامه قال : ليس عليه الا ما أسلم فيه » وصحيح العيص (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قوم أسلموا في شهر رمضان وقد مضى منه أيام هل عليهم ان يقضوا ما مضى منه أو يومهم الذي أسلموا فيه قال ليس عليهم قضاء ولا يومهم الذي أسلموا فيه إلا ان يكونوا أسلموا قبل طلوع الفجر » وخبر الحلبي (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أسلم بعد ما دخل‌

__________________

(١) سورة الأنفال الآية ٣٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٥.

١٠

من شهر رمضان أيام قال : ليقض ما فاته » محمول على الندب كما سمعته من ابن أبي عقيل أو على من أسلم وفاته ذلك لعارض من مرض ونحوه ، أو من أسلم ولم يعلم وجوب الصوم وأفطر ، ثم علم الوجوب أو غير ذلك لقصوره عن افادة الوجوب من وجوه.

ومن ذلك كله يعلم الحال فيما لو أسلم في أثناء اليوم فان نفي قضائه عنه ظاهر في نفي وجوبه عليه كما هو المشهور شهرة عظيمة ، نعم أمسك بقيته استحبابا احتراما للشهر ويصوم ما يستقبله وجوبا ، وقيل والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطة يصوم إذا أسلم قبل الزوال وجدد النية ، وكان صومه صحيحا وان ترك قضى وقواه المصنف في المعتبر لعين ما سمعته سابقا في الصبي ، وظاهر صحيح الحلبي المتقدم آنفا الذي محل الفرض أول ما يدخل فيه بل لعله لا ينافيه صحيح العيص ، لاحتمال وجوب صومه أداء ويكون فائدة النص فيه على عدم قضائه لرفع توهم وجوبه معه باعتبار خلو بعض اليوم من شرط الصحة ، وفيه ان ما دل على جب الإسلام ما قبله شامل لبعض اليوم أيضا الذي قد تعمد ترك النية فيه ، ولا دليل هنا على سراية النية الأخيرة ، والاستثناء في خبر العيص يأبى التنزيل المزبور المحتاج الى تقييد نفي القضاء فيه بما إذا أدوا الصوم ، فالصواب حمل صحيح الحلبي على النصف الأخير الذي حصل الإسلام فيه ، فلا يدخل فيه إلا اليوم الذي يدرك فجره مسلما ، إذ الناقص مندرج في عموم النفي عنه ، فإذا سقط وجوب صوم ذلك البعض أداء وقضاء لم يجب عليه صوم الباقي لأنه لا يتبعض ولذا كان الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده.

الثالث في ما يلحقه من الاحكام وان بان لك مما تقدم بعضها وهو من فاته شهر رمضان أو شي‌ء منه لصغر أو جنون أو كفر أصلي فلا قضاء عليه للأصل وغيره ، بل عن جواهر ابن البراج والمعتبر والمنتهى والتذكرة‌

١١

الإجماع عليه في الأخير فضلا عن الأولين وكذا ان فاته لإغماء على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل عن ظاهر فقه القرآن للراوندي الإجماع حيث قال : لا قضاء عليه عندنا ، وحمل كلام المخالف على الاستحباب ، للأصل وقاعدة معذورية ما يغلب الله عليه التي ينفتح منها ألف باب ، وصحيح أيوب ابن نوح (١) قال : « كتبت الى ابى الحسن الثالث عليه‌السلام اسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا فكتب لا يقضي الصوم لا يقضي الصلاة » وصحيح علي بن مهزيار (٢) « سألته عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته من الصلاة أم لا فكتب لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة » ومكاتبة القاشاني (٣) « كتبت إليه أسأله عن المغمى عليه يوما أو أكثر هل يقضي ما فاته فكتب لا يقضي الصوم » السالمة عن المعارض سوى دعوى كون الإغماء مرضا فيشمله ما دل (٤) على وجوب القضاء الصلاة عليه من الكتاب والسنة ، وسوى النصوص (٥) الواردة في وجوب قضاء الصلاة عليه بناء على انه لا قائل بالفرق ومنع الاولى واضح ، وبعد التسليم يتجه تخصيص تلك الأدلة بما هنا ، على أنه لا كلام في تخصيصها بما يضر ، ومقتضاه تخصيص الإغماء بذلك بناء على اندراجه في المرض ، وهو تفصيل لم يقل به احد ، واما الثانية فالمتجه حمل تلك النصوص على الندب ، لمعارضتها بالأقوى منها من وجوه كما تقدم بيانه في محله ، ولو سلم الفتوى بها اقتصر عليها دون الصوم ، لحرمة القياس عندنا ، على أنه مع الفارق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قضاء الصلوات الحديث ١٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٢.

(٤) سورة البقرة ـ الآية ١٨٠ والوسائل ـ الباب ٢٥ من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب قضاء الصلوات.

١٢

باعتبار كون الصلاة آكد ، ودعوى عدم القول بالفصل على وجه يحصل منه إجماع معتد به على التسوية ممنوعة كل المنع ، إذ عدم العلم بالقائل لا يقتضي عدمه كما هو واضح ، وخبر حفص (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « يقضي المغمى عليه ما فاته » مع ضعفه بالإرسال وغيره قاصر عن مقاومة غيره من وجوه.

ومن ذلك كله وما قدمناه سابقا فيمن يصح منه الصوم يظهر لك ضعف ما قيل من انه يقضي ما لم ينو قبل إغمائه فإن نوى صح صومه ولو بقي مغمى عليه تمام الشهر بناء على الاجتزاء بنية واحدة ، وان حكي ذلك عن المفيد والمرتضى وسلار وابن البارج ، قال الأول : « إذا أغمي على المكلف قبل استهلال الشهر ومضى عليه أيام ثم أفاق كان عليه قضاء ما فاته من الأيام ، فإن استهل الشهر عليه وهو يعقل فنوى صيامه وعزم عليه ثم أغمي عليه وقد صام شيئا منه أو لم يصم ثم أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه ، لأنه في حكم الصائم بالعزيمة على أداء فرض الصيام » ونسبه الفاضلان الى الشيخ ، ولعله لظهور وقوله في الخلاف « إذا نوى الصوم من الليل فأصبح مغمى عليه يوما ويومين وما زاد عليه كان صومه صحيحا ، وكذلك إن بقي نائما يوما أو أياما ، وكذلك من أصبح صائما وجن في بعضه أو مجنونا فأفاق في بعضه ونوى فلا قضاء عليه » في ان الإغماء كالنوم إن سبقت منه النية صح ، والا كان عليه القضاء ، خصوصا بعد قوله أيضا إذا نوى ليلا وأصبح مغمى عليه حتى ذهب اليوم صح صومه ، ولا فرق بين الجنون والإغماء ، بل لعل ظاهر موضع من مبسوطة ذلك أيضا ، قال : « والمغمى عليه إذا كان مفيقا في أول الشهر ونوى الصوم ثم أغمي عليه واستمر به أيام لم يلزمه قضاء شي‌ء ، لأنه بحكم الصائم ، وان لم يكن مفيقا في أول الشهر بل كان مغمى عليه وجب عليه القضاء على قول بعض أصحابنا ، وعندي انه لا قضاء عليه أصلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب من أبواب يصح منه الصوم ـ الحديث ٥.

١٣

لان نيته المتقدمة كافية في هذا الباب ، وانما يجب ذلك على مذهب من رأى تعيين النية أو مقارنة النية التي هي القربة ولسنا نراعي ذلك » ضرورة ظهوره في كون المسقط للقضاء صحة صومه بتقدم النية ولو على الشهر ، فيلزمه وجوب القضاء مع عدمها أصلا ، ويكون الفرق بينه وبين المفيد بجواز تقديم النية على الشهر وعدمه والا فهما متفقان على القضاء ، لكن قال قبل ذلك : « واما إذا زال عقله بفعل الله مثل الإغماء والجنون وغير ذلك فإنه لا يلزمه قضاء ما يفوته في تلك الأحوال فعلى هذا إذا دخل عليه شهر رمضان وهو مغمى عليه أو مجنون أو نائم وبقي كذلك يوما أو أياما كثيرة أفاق في بعضها أو لم يفق لم يلزمه قضاء شي‌ء مما مر به الا ما أفطر فيه ، أو طرح في حلقه على وجه المداواة له ، فإنه يلزمه حينئذ القضاء لان ذلك لمصلحته ومنفعته ، سواء أفاق في بعض النهار أو لم يفق ، فان الحال لا يختلف فيه » وظاهره نفيه مطلقا الا في الصورتين.

وعلى كل حال فلا ريب في أن الأول أظهر لما عرفت من الأصل والنصوص السالمة عن المعارض عدا ما عرفت مما هو واضح الضعف ، كمرسل حفص بن البختري (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « يقضي المغمى عليه ما فاته » القاصر عن معارضة غيره من وجوه ، فلا بأس بحمله على الندب ، ومن الغريب ما في المختلف من الاستدلال عليه بخبر حفص بن البختري الآخر (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « المغمى عليه يقضي صلاته ثلاثة أيام » الوارد أولا في خصوص الصلاة وفي خصوص ثلاثة أيام منها ، وقياس الصوم عليها يقضي بكونه كذلك ، ولا قائل به وهذا من أقوى الشواهد على حمل تلك النصوص على الندب كما لا يخفى على من لاحظها متأملا لما فيها من الاختلاف بنفي القضاء مطلقا ، وإثباته كذلك ، وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب من أبواب يصح منه الصوم ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٧.

١٤

خصوص بعض الأيام كما تقدم الكلام فيها سابقا ، فلاحظ ، وتأمل.

ويجب القضاء على المرتد سواء كان عن فطرة أو عن كفر بلا خلاف أجده فيه ، لعموم « من فاتته » وغيره مما هو دال على وجوب القضاء لكل تارك ، وخصوصا العامد الذي محل الفرض منه السالم عن معارضة ما دل (١) على سقوطه عن الكافر بعد ظهوره في الأصلي ولو بمعونة فهم الأصحاب ، ولا ينافي ذلك قولنا بعدم قبول توبة المرتد عن فطرة ظاهرا وباطنا ، إذ أقصاه عدم التمكن من القضاء كغيره من التكاليف حتى الإسلام ، الا ان ذلك غير مانع من تكليفه على وجه يترتب عليه العقاب بعد ان كان ذلك بسوء اختياره ، كما حررناه في كتاب الطهارة ، واما المخالف فقد أشبعنا الكلام فيه في باب القضاء من الصلاة وفي كتاب الزكاة ، فلاحظ وتأمل ، والله أعلم.

وكذا يجب القضاء على الحائض والنفساء وكل تارك له بعد حصول ما تقدم من شرط وجوبه عليه من البلوغ والعقل ، فيدخل حينئذ النائم ونحوه ممن يجب القضاء عليه وان لم يكن مكلفا بالأداء ، نعم انما يجب عليه إذا لم يقم الشارع مقامه غيره كالفدية للشيخ والشيخة وذي العطاش والحامل المقرب ومن استمر عليه المرض كما ستعرف تفصيل ذلك كله عند تعرض المصنف له.

واما السكران ونحوه ممن لا يدخل تحت اسم المجنون والمغمى عليه فالمتجه وجوب القضاء عليه ، لعموم « من فاتته » كما عن الشيخ وابن إدريس والفاضلين والشهيد القطع به ، بل المتجه عدم الفرق بين كون ذلك منه على جهة الحرمة وعدمها كالغافل والمكره والمضطر ونحوهم ، خلافا لما يظهر من بعضهم من الفرق بينهما في القضاء وعدمه ، وفيه ان الدليل عام ولا معارض له ، والإثم وعدمه‌

__________________

(١) المتقدم في ص ١٠.

١٥

لا مدخلية له في القضاء وعدمه ، لكن استفاضة الفتوى في اعتبار كما العقل في وجوب القضاء ينافي ذلك ، اللهم الا ان ينزل على ارادة نفيه عن خصوص المجنون والمغمى عليه من ذلك ، كما يومي اليه تفريعهم ذلك عليه لا مطلق زوال العقل ، ولو سلم يمكن منع وصوله الى حد الإجماع الذي يرفع العذر ، فتأمل جيدا والله أعلم.

وتستحب الموالاة في القضاء احتياطا للبراءة ولا تجب إجماعا محكيا عن الناصريات والخلاف والمختلف ان لم يكن محصلا للأصل وإطلاق الأمر بالقضاء في الكتاب والسنة ، وصحيح سليمان بن جعفر (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان أيقضيها متفرقة قال : لا بأس بتفريق قضاء شهر رمضان انما الصيام الذي لا يفرق كفارة الظهار وكفارة الدم » وغيره من النصوص التي سيمر عليك بعضها ، نعم يستحب احتياطا للبراءة من احتمال اعتبارها كالمقضي الذي ينبغي ان يكون قضاؤه مثله ، ول‌ صحيح الحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا كان على الرجل شي‌ء من صوم شهر رمضان فليقضه في أي الشهور شاء أياما متتابعة ، فان لم يستطع فليقضه كيف شاء ، وليحص الأيام ، فإن فرق فحسن وان تابع فحسن ، قال : قلت : أرأيت إن بقي عليه شي‌ء من صوم شهر رمضان أيقضيه في ذي الحجة قال : نعم » وصحيح ابن سنان (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « من أفطر شيئا من شهر رمضان في عذر فان قضاه متتابعا فهو أفضل ، وان قضاه متفرقا فحسن ».

وقيل والقائل بعض الأصحاب على ما أرسله في السرائر بل يستحب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٨ والأول عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٥ وذيله في الباب ٢٧ منها الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٤ والأول عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام.

١٦

التفريق للفرق بين الأداء والقضاء ، وفي المدارك وغيرها انه مال إليه في المقنعة فإنه بعد أن حكم بالتخيير بين التتابع والتفريق قال : وقد‌ روي (١) عن الصادق عليه‌السلام « إذا كان عليه يومان فصل بينهما بيوم ، وكذا إن كان عليه خمسة أيام وما زاد ، فان كان عليه عشرة أو أكثر تابع بين الثمانية ان شاء ثم فرق الباقي » والوجه في ذلك أنه ان تابع بين الصيام في القضاء لم يكن فرق بين الشهر في صومه وبين القضاء ، فأوجبت النية الفصل بين الأيام ليقع التفريق بين الأمرين لكنه كما ترى ليس فيه استحباب التفريق مطلقا ، كما أنا لم نجد ما ذكره من الوجه في شي‌ء مما وصل إلينا من النصوص ، والاعتبار يقضي بأولوية المشابهة لأن من فاتته فريضة يقضيها كما فاتته.

وقيل والقائل بعض الأصحاب على ما أرسله في السرائر أيضا : يتابع في ستة ويفرق في الباقي للرواية التي هي‌ موثق عمار (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها؟ فقال ان كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما ، وان كان عليه خمسة فليفطر بينها أياما ، وليس له ان يصوم أكثر من ستة أيام متوالية ، وان كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أفطر بينها يوما » ورواه الشيخ في الزيادات بهذا السند (٣) عنه أيضا « سألته عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان كيف يقضيها؟ قال : ان كان عليه يومان فليفطر بينهما يوما ، وان كان عليه خمسة أيام فليفطر بينها يومين وان كان عليه شهر فليفطر بينهما أياما ، وليس له ان يصوم أكثر من ثمانية أيام يعني متوالية ، وان كان عليه ثمانية أيام أو عشرة أفطر بينهما يوما » إذ لم نجد غيره لكنه كما ترى لا دلالة فيه على استحباب المتابعة في الستة أو الثمانية ، بل أقصاه‌

__________________

(١) المقنعة ص ٥٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٧.

١٧

الرخصة اللهم إلا ان يستدل عليها بإطلاق الأدلة السابقة وقوله هنا : « إذا كان عليه ثمانية أو عشرة » الى آخره بناء على كون المراد التفرقة بين الستة أو الثمانية وما زاد كما يقضي به قوله « بينهما » بصيغة التثنية على ما وجدته فيما حضرني من نسخة التهذيب وان كان قد كتب عليها « بينها » فوق نسخته ، وأيضا لا بد من حمل ذيله على ان ذلك فرد آخر للتفريق ، والا نافاه ما ذكره من الفصل بين الخمسة بأيام ويومين كما في الثاني ، واحتمال التعبد في ذلك بعيد ، فيكون المتجه حينئذ حمله علي بيان افراد التفريق ، وان الكامل منها فصل كل يومين بيوم ، فالخمسة حينئذ تحتاج الى الفرق بأربعة ، ودونه الفرق بينها بيومين ، ودونه الفرق بين الثمانية والعشرة بيوم ، وعلى هذا يصلح الموثق دليلا للقول السابق من استحباب التفريق بناء على كون المراد ذلك في جميع أيام القضاء على معنى فصل كل يومين منه بيوم ، لا ان المراد منه الفرق في الجملة.

وعلى كل حال فالظاهر هو الذي أشار إليه المفيد بل والمرتضى في المحكي عن جمله ، حيث قال : « القاضي مخير بين المتابعة والتفريق ، وقد روي انه ان كان عليه عشرة أيام أو أكثر منها كان مخيرا في الثمانية الأول بين المتابعة والتفريق ثم يفرق ما بقي ليقع الفصل بين الأداء والقضاء » بل وابن الجنيد حيث قال : وقد‌ روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ليس له ان يصوم أكثر من ثمانية أيام ثم يقطعها » وفي محكي المبسوط وما لا يراعى فيه التتابع أربعة مواضع الى ان قال : « وصوم قضاء شهر رمضان لمن أفطر لعذر ، وان كان التتابع فيه أفضل فإن أراد الفضل فليصم ستة أيام متعاقبات ثم يفرق الباقي » ونحوه عن النهاية إلا أن فيها « فان لم يتمكن من سرده » وفي محكي الوسيلة « فإن صام ثمانية أو ستة متتواليات وفرق الآخر كان أفضل » وهو يشعر بأفضليته من التتابع مطلقا والتفريق مطلقا جميعا وفي محكي السرائر ومنهم من قال : « ان كان الذي فاته عشرة أيام وثمانية فليتابع‌

١٨

بين ثمانية أو ستة ، ويفرق الباقي ».

ولا يخفى عليك ان نظر الجميع الى هذا الموثق إذ لم نجد غيره ، نعم‌ خبر علي بن جعفر (١) عن أخيه عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد فرق بين اليومين وغيرهما قال : « سألته عمن كان عليه يومان من شهر رمضان كيف يقضيهما قال : يفصل بينهما بيوم ، فان كان أكثر من ذلك فليقضها متوالية » ولعله لذا قال في المختلف لا يقال قد اشتهر هذا النقل بين الأصحاب ، فإن أكثر علمائنا نقلوا هذا الحديث مرسلا عن الصادق عليه‌السلام ولولا ثبوته عندهم لما نقلوه كذلك ، لأنا نقول : الذي ذكروه انه روي كذا ولم يذكروا على سبيل القطع ، قال مع أنها قابلة للتأويل بما قاله الشيخ من ان الأمر بالفصل ليس على الإيجاب بل على جهة التخيير ، لئلا يتوهم وجوب التتابع في القضاء كما وجب في الأعداء ، واليه يرجع ما عن المنتهى من انه على جهة التخيير والإباحة لا على سبيل الإيجاب ولا الندب ليحصل الإرشاد لكن فيه انه يدفع ذلك اشتماله على قوله « ليس له » الى آخره ومن هنا قال بعض متأخري المتأخرين : « ان الصواب جعل السؤال في الخبر عن رجل معهود كان يضر به التوالي » وان كان هو كما ترى أيضا الا انه أولى من طرحه ، وان أبيت إلا ذلك كان حقيقا به باعتبار معارضته لما عرفت ، خصوصا مع اشتماله على ما يقتضي كراهة المتابعة ، ولا أظن أحدا منا يقول بها بعد الغض عن اضطرابه في نفسه كما سمعت ، على ان من ذكره من الأصحاب لا يأتي بتمام ما تضمنه.

وحينئذ فلا ريب في ان الأول أي القول باستحباب المتابعة مطلقا أشبه بل ربما يستفاد كراهة التفريق من المفهوم في‌ خبر غياث بن إبراهيم (٢) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام في قضاء شهر رمضان « ان كان لا يقدر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٣.

١٩

على سرده فرقه » بل ومن‌ قوله عليه‌السلام فيه أيضا « لا يقضي شهر رمضان في عشرة من ذي الحجة » بناء على كون ذلك للتحرز عن التفريق بالعيد وأيام التشريق ، ولعله لذلك قال المصنف أنها أحوط إذ لم نجد قائلا بوجوبها سوى ما يلزم المحكي عن ابى الصلاح من القول بفورية القضاء ، مع انه في غاية الضعف بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، بل في محكي الناصريات انه لو كان الأمر بالقضاء هنا على الفور لكان يجب متى أمكنه القضاء ان يتعين الصوم فيه حتى لا يجزي سواه ، ولا خلاف في انه يؤخر القضاء ، مضافا الى ما سمعته من النصوص ومما ورد في صحيح البختري (١) من تأخير نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القضاء الى شعبان ، نعم انما يحكى القول بوجوب المتابعة عن بعض العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم.

وكما لا يجب المتابعة لا يجب الترتيب بلا خلاف أجده ، للأصل وإطلاق الأدلة ، وعدم وجوبه في الأداء ، وانما كان فيه من ضرورة الوقت ، وحينئذ فلو أخلى النية من التعيين أو عين الأخير أجزأ كما نص عليه بعضهم ، نعم في المسالك وغيرها انه أفضل ، لكون الأسبق أحق بالمبادرة ، مع انه لا يخلو من اشكال كما في الدروس ، ولعله لتساوي الأيام في التعلق بالذمة ، وكون الترتيب في الأداء من ضرورة الوقت ، فالأصل حينئذ لا معارض له ، والسبق أعم من ذلك ، لكن على كل حال ظاهر من تعرض لهذا الحكم انه يتعين بالتعيين لا أن نيته تقع لغوا باعتبار كون الأمر بالقضاء كالأمر بصوم عدد معين من الزمان لا جهة لتعيين أحدها ، ضرورة وضوح الفرق بين ما نحن فيه وبين ذلك بوجود جهة التعيين هنا ، وهو السبق واللحوق بخلافه هناك ، وتظهر الثمرة فيما لو ظهر صحة ذلك اليوم الذي نوى قضاءه ، فان المتجه حينئذ عدم وقوعه عن غيره ، لعدم نيته ، ولو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٤ عن حفص بن البختري.

٢٠