جواهر الكلام - ج ١٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وكيف كان فقد قيل أيضا : إن مقتضى إطلاق النص والفتوى انه لا فرق بين من هيأ له طعاما وغيره ، وبين من يشق عليه المخالفة وغيره ، قلت : لكن قد يومي ما في بعضها مما هو كالتعليل لذلك بإدخال السرور ونحوه إلى خلاف ذلك بل في‌ خبر الحسين بن حماد (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أدخل على رجل وأنا صائم فيقول لي : أفطر فقال : إن كان ذلك أحب إليه فأفطر ».

وعلى كل حال فقد نص الفاضلان وغير هما على اشتراط كونه مؤمنا ، ولعله لكونه المتبادر من الأخ ، ولأنه الذي رعايته أفضل من الصوم.

ثم إن الحكمة في الإفطار ليست من حيث الأكل بل من حيث إجابة دعاء المؤمن وعدم رد قوله ، وانما يتحقق الثواب على الإفطار مع قصد الطاعة به لذلك ونحوه من إدخال السرور وغيره لا بمجرده ؛ لأنه عبادة يتوقف ثوابها على النية ، فتأمل جيدا.

وظاهر المصنف وغيره عدم الفرق في ذلك بين الصوم المندوب وغيره من الواجب الموسع كالقضاء ، لإطلاق النص والتعليل بإدخال السرور ، وخبر عبد الله الخثعمي (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ينوي الصوم فيلقاه أخوه الذي هو على أمره أيفطر؟ قال : إن كان تطوعا أجزأه وحسب له ، وإن كان قضاء فريضة قضاه » والله أعلم.

وأما الصوم المحظور فـ ( تسعة ) :

الأول والثاني صوم يومي العيدين بإجماع علماء الإسلام والنصوص المستفيضة (٣) نعم قد استثنى الشيخ من ذلك خصوص القاتل في أشهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب آداب الصائم ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب آداب الصائم ـ الحديث ٢ عن صالح بن عبد الله الخثعمي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه.

١٢١

الحرم فإنه يصوم شهرين منها وإن دخل فيهما العيد وأيام التشريق ، وقد عرفت ضعفه فيما تقدم.

والثالث والرابع والخامس أيام التشريق لمن كان بمنى وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل عن الغنية والمعتبر والتذكرة والمنتهى الإجماع عليه ، وفي‌ خبر الزهري (١) « وأما الصوم الحرام فصوم يوم الفطر ويوم الأضحى وثلاثة أيام من أيام التشريق » وفي‌ خبر زياد بن أبي الجلال (٢) عن الصادق عليه‌السلام « لا تصم بعد الأضحى ثلاثة أيام ، ولا بعد الفطر ثلاثة أيام إنها أيام أكل وشرب » وفي‌ صحيح أبي أيوب (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « في رجل كان عليه صوم شهرين متتابعين في ظهار فصام ذا القعدة ودخل عليه ذو الحجة كيف يصنع؟ قال : يصوم ذا الحجة كله إلا أيام التشريق في منى ، ثم يقضيها في أول يوم من المحرم حتى يتم ثلاثة أيام » إلى غير ذلك من النصوص التي هي وإن كانت مطلقة كبعض الفتاوي لكن يجب تنزيلها على من كان بمنى ، لصحيح معاوية بن عمار (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصيام أيام التشريق فقال : أما بالأمصار فلا بأس ، وأما بمنى فلا » وللإجماع في الروضة على عدم الحرمة لمن لم يكن بمنى ، وربما لحظ المطلق أن جمعها كاف عن تقييد كونها بمنى لأن أقل الجمع ثلاثة ، وأيام التشريق لا تكون ثلاثة إلا بمنى ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ١ عن زياد بن أبي الحلال.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ١.

١٢٢

أما في غيرها فيومان لا غير ، إذ لا يجزي التضحية بعد اليومين ولا يستحب أو يجب التكبير إلا فيهما ، وحينئذ يرتفع الخلاف في البين ، ولا يكون قول المصنف هنا : على الأشهر إشارة إلى هذا الخلاف وإن كان قد يشهد له ما في المعتبر ، بل هو إشارة إلى ما سمعته سابقا من خلاف الشيخ في خصوص القاتل في أشهر الحرم كما يشهد لذلك عبارته في النافع ، فلاحظ وتأمل ، وقد عرفت ضعفه فيما تقدم كما انك قد عرفت وتعرف إن شاء الله ضعف ما عن ابن الجنيد من جواز صيامها بدل كفارة الهدي ، وما عن غيره من جواز صوم الثالث منها في ذلك ، إذ الجميع كما ترى مناف لإطلاق النص والفتوى ، هذا.

وفي المسالك انه يمكن أن يعود قيد « على الأشهر » إلى ما دل عليه إطلاق تحريم صوم هذه الأيام لمن كان بمنى ، فيكون إشارة إلى خلاف من خص التحريم بالناسك أي بحج أو عمرة ، قلت : لكن فيه إنا لم نجده لأحد قبل المصنف ، نعم هو للفاضل في القواعد والإرشاد وإن استشكل فيه في التحرير والتذكرة ، وقد رده غير واحد بإطلاق النص والفتوى ، اللهم إلا ان يدعى انسياق ذلك منهما فيبقى إطلاق ما دل على الندب بحاله ، لكنه لا يخلو من بحث ، ويمكن على تكلف إرجاع القيد إلى جميع ذلك ، والأمر في ذلك كله سهل ، هذا ، وفي كشف الأستاذ أن صومها محرم لمن كان بمنى أو بمكة على الأقوى ، منذورة أو لا ، قضاء أو لا مبعضة كأن يخرج منها أو يدخلها قبل الزوال أو لا ، وأما في غير هما فلا بأس ، ولا يخلوا من بحث في البعض ، والله أعلم.

والسادس صوم يوم الثلاثين من شعبان بنية الفرض أي رمضان لورود النهي عنه ، ولأنه تشريع ، وقد تقدم تفصيل الكلام فيه.

والسابع صوم أيام مطلقة مثلا أو مخصوصة بعنوان الوفاء عن نذر المعصية بفعل محرم أو ترك واجب شكرا أو زجرا عن فعل الواجب أو‌

١٢٣

ترك المحرم لا زجرا عن العكس ، فإنه يصح حينئذ ، والمائز النية ، ولا خلاف أجده في حرمة الصوم ، بل نسبه بعضهم إلى قطع الأصحاب ، وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام في خبر الزهري (١) : « وصوم نذر المعصية حرام » كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصيته (٢) لعلي عليه‌السلام فيما رواه الصادق عن آبائه عليهم‌السلام في خبر حماد بن عمرو وأنس بن محمد عن أبيه جميعا عنه عليه‌السلام ، كما انه لا ينبغي الإشكال في حرمة النذر إذا أوقعه بعنوان التقرب به ، ضرورة كونه حينئذ تشريعا ، وليس هو كنية المعصية التي يعفو الله عنها إذا لم تقع المعصية كما عساه يظهر من بعض متأخري المتأخرين ، وربما كان في‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر أبي حمزة الثمالي (٣) إشارة اليه ، قال : « من صام شعبان كان طهرا له من كل زلة ووصمة قال : قلت : وما الوصمة؟ قال : اليمين في المعصية ، والنذر في المعصية » كصحيح محمد بن مسلم (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام « انه سئل عن امرأة جعلت مالها هديا ، وكل مملوك لها حرا إن كلمت أختها أبدا ، قال : تكلمها وليس هذا بشي‌ء إنما هذا وشبهه من خطرات الشياطين » بل ربما ظهر من الأصبهاني وغيره أن مبنى الحرمة في الصوم التي يتبعها الفساد التشريع أيضا ، واليه يرجع ما في المدارك من انه لا ريب في عدم انعقاد هذا النذر وتحريم الصوم على هذا الوجه ، لأن الصوم يفتقر إلى القربة ، وهذا مما لا يمكن التقرب به ، قلت : لا يخفى عليك أن المتجه بناء على ذلك تعميم الحكم لكل صوم نذر لم ينعقد إذا جاء على هذا الوجه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب الايمان ـ الحديث ٢.

١٢٤

من غير فرق بين المعصية وغيرها ، وهو مشكل باعتبار كون النهي لأمر خارج عن حقيقة الصوم المأمور به لنفسه قبل النذر ، وانما أفاده النذر إلزاما ، فيمكن أن يقال بالصحة بعد فرض نية التقرب بالصوم وإن لاحظ مع ذلك حيثية النذر ، نعم خرج من ذلك للنص والفتوى صوم نذر المعصية ، ويبقى غيره على الأصل ، بل قد يقال بالاقتصار على خصوص الصوم دون الصلاة ونحوها من العبادات ، فتأمل جيدا.

وصوم الصمت في شرعنا عند علمائنا أجمع كما في محكي التذكرة والمنتهى وغيرهما ، وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام في خبر الزهري (١) : « وصوم الصمت حرام » كقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما رواه أبو جعفر عليه‌السلام في صحيح منصور بن حازم (٢) : « لا صمت يوما إلى الليل » كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا (٣) في الوصية لعلي عليه‌السلام بالإسناد السابق : « ولا صمت يوما إلى الليل ـ إلى ان قال ـ : وصوم الصمت حرام » وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضا في خبر زيد بن علي عن أبيه عن علي عليهم‌السلام المروي عن معاني الأخبار (٤) « ليس في أمتي رهبانية ولا سياحة ولا ذم يعني سكوت » إلى غير ذلك ، وانما يحرم بأن ينوي الصوم ساكتا ولو في بعض اليوم ، لا الصوم ساكتا ولو في تمام اليوم بدون جعله وصفا للصوم بالنية ، فإنه من المباحات ، بل لو صمت ناويا بعد الصوم فإنما المحرم التشريع بذلك إن لم يتعلق به غرض صحيح دون الصوم الذي صمت فيه ، وأما صوم الصمت بمعنى نية الصوم عن الكلام خاصة فهو غير مراد هنا ، ضرورة كون المراد بيان أنواع الصوم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث ٤.

١٢٥

بالمعنى المعروف دون هذا المعنى وإن كان هو حراما أيضا إذا لم يتعلق به غرض صحيح يوجبه أو ندبه.

وكيف كان ففي المدارك ظاهر الأصحاب ان الصوم على هذا الوجه يقع فاسدا لمكان النهي ، ويحتمل الصحة لصدق الامتثال بالإمساك عن المفطرات مع النية ، وتوجه النهي إلى الصمت المنوي ونيته ، وهو خارج عن حقيقة العبادة ، وفيه أنه إن كان مبنى الفساد النص ومعقد الإجماع فلا إشكال في ظهورهما في توجه النهي إلى نفس الصوم على هذا الوجه ، وإن كان مبناه التشريع فالتحقيق الفساد أيضا مع الإدخال في العمل على وجه التشخيص للمأمور به من حيث تعلق الأمر ضرورة عدم حصول الامتثال حينئذ لعدم أمر كذلك ، والفرض عدم ملاحظة غيره مما هو ثابت ، وأما التشريع في أثناء العمل أو في ابتدائه لكن لا على الوجه المزبور بل على ضم الصمت إلى المفطرات فالأصح عدم إبطاله ، لعدم الدليل ، لأنه أمر خارج عن العبادة ، لكن قد ينافي ذلك حينئذ عدم اختصاص صوم الصمت بالحكم المزبور ، فلا ينبغي الاقتصار عليه ، اللهم إلا أن يكون تبعا للنص ، ولأن الثابت في شرع بني إسرائيل الصوم عن الكلام كالصوم عن الطعام ، بل ربما فسر به قوله تعالى (١) ( فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا ) فلذلك ناسب ذكره بالخصوص.

وكذلك البحث في صوم الوصال الذي قد حكي الإجماع على حرمته أيضا في محكي التذكرة والمنتهى وغيرهما ، وقال علي بن الحسين عليهما‌السلام في خبر الزهري (٢) : « وصوم الوصال حرام » والصادق عليه‌السلام في صحيح زرارة (٣) :

__________________

(١) سورة مريم عليها‌السلام ـ الآية ٢٦ و ٢٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث ١ وفيه الثاني‌ « لا وصال في صيام ».

١٢٦

« لا صيام في وصال » وفي‌ صحيح منصور بن حازم (١) : « لا وصال في صيام » كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الوصية لعلي عليه‌السلام (٢) : « لا وصال في صيام » و « كان يواصل ويقول : إني لست كأحدكم ، إني أظل عند ربي فيطعمني ويسقيني » (٣) وقال أبو جعفر عليه‌السلام في خبر زرارة (٤) المروي عن المستطرفات : « ولا قران بين صومين » الى غير ذلك من النصوص التي جعل في الوسائل منها من تقدم في بعض أخبار المسألة تقديم الصلاة على الإفطار أنه قد حضرك فرضان فابدأ بأفضلهما ، وأفضلهما الصلاة ، وإن كان فيه ما فيه ، فما عساه يظهر من ابن الجنيد من جواز الوصال لا ريب في فساده ، قال : لا يستحب الوصال الدائم في الصيام ، لنهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك ، ولا بأس بما كان منه يوما وليلة ويفطر في السحر ، ويكره أن يصل الليلة التي من أول الشهر باليوم الذي هو آخر الشهر ، مع احتمال إرادته عدم الجواز من نفي الاستحباب بقرينة الاستدلال عليه بالنهي المفيد للحرمة ، وان العبادة لا تكون إلا راجحة ، ويكون قوله : « لا بأس » إلى آخره خلافا في المراد بالوصال كما ستعرف ، ومرجعه حينئذ إلى كلام ابن إدريس ، ويحتمل أيضا إرادته صوم الدهر عدا يومي العيدين من الوصال الدائم ، والكراهة من نفي الاستحباب للنصوص الدالة عليها ، وما في المختلف من احتمال المنع فيه واضح الضعف ، وحينئذ فلا يكون في كلامه تعرض للوصال بالمعنى الذي تسمعه من ابن إدريس ، وأما قوله : « ويكره » إلى آخره فقد يناسبه في الجملة‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر عمر بن خالد (٥) : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصوم شعبان وشهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ١٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ٥.

١٢٧

رمضان يصلهما ، وينهى الناس أن يصلوهما » خصوصا إذا أريد منه العموم لا خصوص ذلك ، وكيف كان فخلافه غير محقق أو غير معتد به في تحصيل الإجماع على ذلك كما اعترف به في المختلف.

وانما الكلام في موضوعه ، ففي المتن والنافع والإرشاد والمختلف وغيرها هو أن ينوي صوم يوم وليلة إلى السحر بل في المدارك نسبته إلى الشيخ في النهاية وأكثر الأصحاب ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (١) : « الوصال في الصيام أن يجعل عشاءه سحوره » وقوله في الصحيح أيضا عن حفص ابن البختري (٢) : « المواصل في الصيام يصوم يوما وليلة ويفطر في السحر » وفيما أرسل (٣) عن الصدوق أيضا « الوصال الذي نهي عنه أن يجعل الرجل عشاءه سحوره » مضافا إلى قوله تعالى (٤) ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ).

وقيل والقائل ابن إدريس حاكيا له عن اقتصاد الشيخ ولم نتحققه ، والفاضل في محكي التلخيص هو أن يصوم يومين مع ليلة بينهما لخبر محمد بن سليمان عن أبيه (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام سأله « عن صوم شعبان ورمضان لا يفصل بينهما ، قال : إذا أفطر من الليل فهو فصل ، قال : وانما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا وصال في صيام ، يعني لا يصوم الرجل يومين متواليين في غير إفطار ، وقد يستحب للعبد أن لا يدع السحور » وربما أشعر به خبر المستطرفات (٦) أيضا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ٥.

(٤) سورة البقرة ـ الآية ١٨٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ١٢.

١٢٨

بل لعله المفهوم من الوصال ، ضرورة كون المنساق منه وصال اليومين بالصوم ، وقوله تعالى ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) لا دلالة فيه إلا على عدم وجوب الصيام بعد الليل دون الحرمة ، وظاهر المحكي عن اقتصاد الشيخ في المختلف ان صوم الوصال جعل عشائه سحوره أو طي يومين ، ويقرب منه ما في الروضة من انه أن ينوي صوم يومين فصاعدا بحيث لا يفصل بينهما بفطر ، أو صوم يومين إلى وقت متراخ عن الغروب ، ومنه ان يجعل عشاءه سحوره بالنية ، ولعله كذلك بناء على أن مبنى الحرمة فيه التشريع ، ضرورة اشتراك الجميع فيه على هذا التقدير ، نعم تظهر ثمرة الخلاف بناء على كونه محرما لنفسه وإن خلاف عن التشريع ، ولعل الأقوى حينئذ ما في الاقتصاد من كونه الأعم من الأمرين جمعا بين النصوص ، وعلى الأول يتجه عدم الحرمة إذا أخر الإفطار بغير النية ، أو تركه رأسا ليلا ، لعدم التشريع حينئذ ، بل يظهر من الفاضل وغيره أنه لا وصال مع عدم النية ، بل في المدارك نسبته إلى قطع الأصحاب ، قيل : لأن تناول المفطر أمر مباح لا دليل على وجوبه ، ولا ظهور للنصوص ولا كلام الأصحاب في الإطلاق ، فإن الظاهر منهما ملاحظة النية التي هي معتبرة في مفهوم الصيام شرعا ، فبمجرد ترك الإفطار لا يصدق صيام يومين مثلا ، وكذا لو نوى ترك الإفطار أو تأخيره في الليل أو في أثناء النهار من غير أن يجعل ذلك في نية الصوم لم يؤثر فيه فسادا ولا حرمة ، قلت : لكن في المدارك أن الاحتياط يقتضي اجتناب ذلك ، إذ المستفاد من الرواية تحقق الوصال بتأخير الإفطار إلى السحر مطلقا ، وربما يؤيده قوله عليه‌السلام فيما تقدم في مسألة تأخير الإفطار عن الصلاة انه قد حضر فرضان فابدأ بأفضلهما وأفضلهما الصلاة ، وما في المحكي من نكاح المبسوط ان من خصائص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إباحة الوصال ، قال : وهو أن يطوي الليل بلا أكل وشرب مع صيام النهار لا أن يكون صائما ، لأن الصوم في الليل لا ينعقد ، بل إذا دخل الليل صار الصائم مفطرا‌

١٢٩

بلا خلاف ، ونحوه عن نكاح التذكرة أيضا ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

والثامن أن تصوم المرأة ندبا بدون إذن زوجها أو مع نهيه لها لقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (١) : « ليس للمرأة أن تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها » وقوله عليه‌السلام في خبره الآخر أيضا (٢) : « جاءت امرأة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألت ما حق الزوج على المرأة؟ فقال : أن تطيعه ولا تعصيه ، ولا تتصدق من بيته إلا باذنه ، ولا تصوم تطوعا إلا باذنه ، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب » وقال الصادق عليه‌السلام في خبر عمرو بن حبيب العرزمي (٣) : « جاءت امرأة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله ما حق الزوج على المرأة؟ فقال : هو أكثر من ذلك ، فقالت : أخبرني بشي‌ء من ذلك ، فقال : ليس لها أن تصوم إلا باذنه » وفي‌ خبر الزهري (٤) عن علي بن الحسين عليهما‌السلام « وأما صوم الإذن فالمرأة لا تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها ، والعبد لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه » ومرسل قاسم بن عروة (٥) « لا يصلح للمرأة ان تصوم تطوعا إلا بإذن زوجها » كل ذلك مضافا إلى ما تقدم سابقا من النصوص (٦) في الولد والضيف المشتملة على ذلك وعلى العبد أيضا ، وإلى ما في المعتبر من الإجماع عليه أيضا كالإجماع عليه بالنسبة إلى العبد.

ولذا قال المصنف وكذا المملوك الذي حكى في المدارك الإجماع على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث ١ والثالث عن عمرو بن جبير العزرمي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث ٣ والثالث عن عمرو بن جبير العزرمي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث ٤ والثالث عن عمرو بن جبير العزرمي.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه.

١٣٠

عدم انعقاد صومه بدون الاذن فضلا عن النهي ، وإلى ما ذكره غير واحد من الأصحاب من ملك المولى والزوج من منافعهما ما ينافي الصوم ، ولا سيما في المرأة والأمة ، لكن عن علم الهدى وجماعة منهم سلار وابن حمزة التصريح بالكراهة ، ويقرب من ذلك ما عن ابن زهرة من استحباب أن لا يصوما بدون الاذن حاكيا عليه الإجماع ، بل لعله هو الذي يعطيه ما عن النهاية في المرأة ، قال : « وأما صوم الاذن فلا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها ، فان صامت من غير إذن جاز له أن يفطرها ويواقعها » اللهم إلا ان يكون المراد منها ما في السرائر « وأما صوم الاذن فلا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها ، فان صامت من غير إذنه فلا ينعقد صومها ولا يكون شرعيا ، وله مواقعتها فيه وإلزامها الإفطار ، ويجب عليها مطاوعته » فترجع حينئذ إلى ما في محكي المبسوط ، وأما التفصيل بين عدم الاذن والنهي فيكره في الأول ويحرم في الثاني فلم أجد به قائلا هنا سوى ما يظهر من الشهيد في اللمعة ، كما اني لا أعرف له دليلا سوى ما عرفته سابقا في حكم الضيف والولد ، وسوى ما عساه يقال من حمل جميع ما في هذه النصوص على الكراهة بقرينة « لا يصلح » في المرسل المزبور ، وضمهما مع الولد والضيف اللذين قد عرفت الحال فيهما ، وغير ذلك مما عرفته فيما تقدم ، مضافا إلى ضعف سند جملة منهما ، وإلى‌ خبر علي بن جعفر (١) المروي في المحكي من كتابه عن أخيه عليه‌السلام « سألته عن المرأة تصوم تطوعا بغير إذن زوجها قال : « لا بأس » ودعوى الملكية للمنفعة على وجه تمنع من الصوم بدون الإذن واضحة المنع ، خصوصا بعد تجويز الاستمتاع للزوج وان الصوم لا يمنعه ، وخصوصا بعد تجويز ما لا ينافي منافع السيد من العبادات الشرعية كالذكر والتفكر ونحوهما ، بل قد يمنع وجوب طاعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ٥.

١٣١

السيد في نحو ذلك لو صرح بالنهي ، لإطلاق أدلة شرعيتها الشامل للعبد والحر ، فإنه وإن كان بينه وبين ما دل على وجوب طاعة السيد تعارض العموم من وجه إلا انه قد يمنع تحكيمه ، على أن ذلك إن سلم في العبد فلا يسلم في الزوجة المعلوم عدم وجوب طاعتها للزوج في ذلك ونحوه مما لا ينافي الاستمتاع ، ومقتضى ذلك صحة الصوم مع النهي فضلا عن عدم الاذن ، اللهم إلا ان ينعقد إجماع عليه ، فاني لا أجد خلافا فيه ، إذ من ذكرنا عنهم الخلاف انما هو منهم في عدم الاذن واحتمال إرادتهم منه ما يشمل النهي بعيد ، فيبقى حينئذ هو مظنة الإجماع ، أما مع عدمه فلا يخلو القول بالصحة من قوة ، لما عرفت ، خصوصا مع غيبة الزوج ونشوزه ومرضه ونحو ذلك مما لا معارضة فيه لحقه ، وسيما في الطفل ونحوه بل قد يشك في تناول تلك النصوص له ، ضرورة ظهورها في كون الزوج ممن له أهلية الاذن ، ودعوى الانتقال إلى وليه كما ترى ، ومن الغريب ما في المدارك هنا لظهوره في أن الحكم بعدم الصحة في الزوجة والعبد من المسائل المفروغ عنها والمسألة الواضحة ، خصوصا في العبد حيث انه لم ينقل فيها خلافا ولا ترددا ، وقد ظهر لك حقيقة الحال ، ولكن الاحتياط لا ينبغي تركه في ذلك بل في سائر الأفعال المندوبة التي تنافي الاستمتاع في الجملة أو الخدمة ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

والتاسع صوم الواجب سفرا عدا ما استثني من المنذور سفرا وحضرا وثلاثة الهدي والثمانية عشر بدل البدنة كما عرفت الحال فيه مفصلا ، وأما صوم الدم (١) فإنه وإن روى الزهري (٢) في خبره عن علي بن الحسين عليهما‌السلام حرمته فيه ، كالوارد في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام (٣) لكن قيل :

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح « وأما صوم الدهر ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ٣.

١٣٢

إن المراد به مع صوم الأيام المحرمة ، أما بدونها فلا ، إجماعا على الظاهر إلا من بعض متأخري المتأخرين ، ويمكن إرادة الكراهة من الحرمة فيهما كما أفتى بها الشهيد في الدروس ، وقال الصادق عليه‌السلام لما سأله زرارة (١) عنه : « لم يزل مكروها » وفي‌ خبر آخر له (٢) أيضا « لم نزل نكرهه » وقال سماعة (٣) : « سألته عنه فكرهه ، وقال : لا بأس بأن يصوم يوما ويفطر يوما » واحتمال العكس يدفعه ما عرفت من اتفاق الأصحاب على الظاهر ، بل ربما أشعر التشبيه به في نصوص (٤) بعض الأيام المستحبة بأنه أفضل الأفراد ، وفي كتاب الملهوف لابن طاوس (٥) « ان زين العابدين عليه‌السلام بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره قائما ليله » والله أعلم.

النظر الثالث في اللواحق ، وفيه مسائل :

الأولى المرض الذي يجب معه الإفطار ما يخاف منه الزيادة بالصوم ، ويبني في ذلك على ما يعلمه في نفسه أو يظنه لامارة كقول عارف بل قد عرفت فيما تقدم الاكتفاء بالخوف الذي يتحقق بالاحتمال المعتد به وإن لم يصل إلى حد الظن كما سمعت تفصيل الكلام في ذلك وفيما لو صام مع تحقق الضرر متكلفا قضى‌ وفي غيره مما يتعلق بهذه المسألة ، بل والمسألة الثانية التي هي ان المسافر إذا اجتمعت فيه شرائط القصر وجب عليه ذلك في الصوم والصلاة وحينئذ فـ ( لو صام عالما بوجوبه ) أي القصر لم يجزه ذلك ووجب عليه قضاؤه المأمور به في الكتاب والسنة والفتاوى نعم إن كان جاهلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ٥ و ٨ و ١٥ وغيرها.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ٦.

١٣٣

بالوجوب أجزأه ذلك ولم يقضه نحو ما سمعته في الصلاة ، ولا يلحق به الناسبي كما قدمنا الكلام فيه آنفا ، بل وتقدم في كتاب الصلاة ما له نفع في المسألة هنا ، فلاحظ وتأمل ، والله أعلم.

المسألة الثالثة لا خلاف أجده في أن الشرائط المعتبرة في قصر الصلاة معتبرة في قصر الصوم للاشتراك في الأدلة ، بل ويزيد الصوم على ذلك عند الشيخ وابني حمزة والبراج والفاضلين في المعتبر والكتاب والنافع والتلخيص باعتبار تبييت النية للسفر ، فان لم يبيتها أتم صومه ، بل في خلاف الأول منهم الإجماع عليه ، كما انه في السرائر نفي الخلاف عن الإفطار مع التبييت أي وقت خرج بعد طلوع الفجر ، نعم قال في النهاية : « ومتى بيت نيته للسفر من الليل ولم يتفق له الخروج إلا بعد الزوال كان عليه أن يمسك بقية النهار ، وعليه القضاء » ونحوه عن الاقتصاد والجمل ، وقال في المبسوط : « ومن سافر عن بلده في شهر رمضان وكان خروجه قبل الزوال فان كان يبيت نية السفر أفطر وعليه القضاء ، وإن كان بعد الزوال لم يفطر ، ومتى لم ببيت النية للسفر وانما تجددت له أتم ذلك اليوم ولا قضاء عليه » فان أراد من عدم الإفطار الإمساك تعبدا كان نحو ما سمعته من النهاية ، وإلا كما عساه يومي اليه التعبير بالإفطار ـ كان قولا آخر ، كما وأظهر منه في ذلك ما في الخلاف من إطلاق حرمة الإفطار على من تلبس بالصوم أول النهار ثم سافر آخره محتجا عليه بالإجماع وبالاستصحاب وبقوله تعالى ( أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) ضرورة ظهوره في الاجتزاء بهذا الصوم وإن كان قد بيت النية ، كظهور ما في كتابي الأخبار من التخيير للمسافر بعد الزوال بين الصوم والإفطار ، وأفضلية الأول في ذلك أيضا ، مع احتمال الجميع إرادة الإمساك ، فيتفق ما في كتبه جميعها ، وعلى كل حال فقد اشترط في جميعها على ما حكي عن بعضها التبييت في جواز الإفطار وقيل والقائل المفيد‌

١٣٤

والإسكافي وأبو الصلاح والفاضل في أكثر كتبه والشهيدان وغيرهم لا يعتبر ذلك بل يكفي في جواز إفطاره خروجه قبل الزوال وإن لم يكن مبيتا للسفر إلا أن أبا الصلاح منهم أوجب الإمساك تعبدا مع القضاء لو خرج بعد الزوال وقيل والقائل علي بن بابويه واختاره في السرائر لا يعتبر ذلك أيضا ، بل يجب القصر ولو خرج قبل الغروب ولم يكن مبيتا للسفر ، فتكون الأقوال حينئذ ستة أو سبعة.

والأول منها أشبه عند المصنف ومن عرفت ، لمضمر أبي بصير المرسل (١) « إذا خرجت بعد طلوع الفجر ولم تنو السفر من الليل فأتم الصوم واعتد به من شهر رمضان » وبخبر علي بن يقطين (٢) عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام « في الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال : إذا حدث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله ، وإن لم يحدث نفسه من الليل ثم بدا له في السفر من يومه أتم صومه » وخبر رفاعة (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعرض له السفر في شهر رمضان حين يصبح قال : يتم صومه ذلك » وخبر سليمان بن جعفر الجعفري (٤) « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الرجل ينوي السفر في شهر رمضان فيخرج من أهله بعد ما يصبح قال : إذا أصبح في أهله فقد وجب عليه صيام ذلك اليوم إلا ان يدلج دلجة » وخبر أبي بصير (٥) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا أردت السفر في شهر رمضان فنويت الخروج من الليل فان خرجت قبل الفجر أو بعده فأنت مفطر وعليك قضاء ذلك اليوم » وصحيح صفوان (٦) عن الرضا عليه‌السلام في حديث ، قال : « ولو أنه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ١٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ١١.

١٣٥

وجائيا لكان عليه أن ينوي من الليل سفرا والإفطار ، فإن هو أصبح ولم ينو السفر فبدا له من بعد أن أصبح في السفر قصر ولم يفطر يومه ذلك » وللأمر بالإتمام في الآية (١) الشامل للخارج قبل الزوال خرج منه المبيت بالإجماع ، فيبقى ما عداه ، ولاستصحاب صحة صومه المعتضد بظاهر قوله تعالى (٢) ( وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ ) ضرورة انه إذا كان السفر بدون تبييت فهو حاصل بعد انعقاد الصوم ، بخلاف ما إذا كان مبيتا ، فإنه لم ينو الصوم فلم ينعقد ، بل في المعتبر ولو قيل يلزم على ذلك لو لم يخرج ان يقضيه التزمنا ذلك ، فإنه صامه من غير نية إلا ان يجدد ذلك قبل الزوال.

إلا ان الجميع كما ترى ، إذ النصوص فيه ـ مع ضعف السند في أكثرها وضعف الدلالة في بعضها ، ومخالفتها لما سمعته من الشيخ من القضاء ، وعدم الاعتداد به من شهر رمضان ، مع عدم دلالتها على تمام الدعوى ، وموافقتها كما في الحدائق للمحكي عن الشافعي وأبي حنيفة والأوزاعي وأبي ثور والنخعي ومكحول والزهري ـ معارضة بما هو أصح منها سندا وأقوى دلالة ، كصحيح الحلبي (٣) عن الصادق عليه‌السلام « انه سئل عن الرجل يخرج من بيته يريد السفر وهو صائم ، فقال : إن خرج قبل أن ينتصف النهار فليفطر وليقض ذلك اليوم ، وإن خرج بعد الزوال فليتم يومه » وصحيح محمد بن مسلم (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار فعليه صيام ذلك اليوم‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٨٣.

(٢) سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الآية ٣٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ١.

١٣٦

ويعتد به من شهر رمضان » وحسن زرارة أو صحيحه (١) عنه عليه‌السلام أيضا « في الرجل يسافر في شهر رمضان يصوم أو يفطر ، قال : إن خرج قبل الزوال فليفطر وإن خرج بعد الزوال فليصم » وموثقه (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا خرج الرجل في شهر رمضان بعد الزوال أتم الصيام ، فإذا خرج قبل الزوال أفطر » والجمع بينها باعتبار التبييت والخروج قبل الزوال في الإفطار يقتضي الاعتداد بالصوم ووجوبه مع فقدهما أو أحدهما ، وهو خلاف ما سمعته من صريح النهاية ومحتمل غيرها ، بل لم أتحقق قائلا به ممن اعتبر التبييت أو أنه نادر كما عرفت ، على انه فرع التكافؤ المفقود هنا من وجوه وقد أشرنا إلى بعضها ، فلا بأس حينئذ بطرح ما لا يقبل التقييد منها بهذه إن كان ، وتقييد الباقي بها ، كل ذلك مضافا إلى ما في عدم الدلالة في بعضها كخبر الادلاج (٣) بل قيل : إنه لم يقل به أحد ، ضرورة ظهوره في عدم الاكتفاء بالتبييت ، بل لا يبعد ان يكون مبنى هذا الخبر على حرمة السفر في شهر رمضان من بعد الفجر إذا لم تدع حاجة إليه ، لاستلزامه إبطال الصوم الواجب ، فلذلك كان عليه إتمام الصوم ، بخلاف ما إذا أدلج ، فإنه لم يقطع صومه وإن لم يضطر إلى السفر ، بل قيل : إنه يجوز ان يكون تبييت النية في النصوص المزبورة كناية عن السفر المضطر اليه بناء على الغالب ، كما انه قيل : يحتمل في خبر علي بن يقطين (٤) منها عدم السفر أصلا ، إلى غير ذلك مما قيل أو يقال فيها على حسب غيرها من النصوص التي ثبت رجحان غيرها عليها ، واستصحاب الصوم والأمر بالإتمام والنهي عن الابطال بناء على شمولها لمثل المقام يجب الخروج عنها بنصوص الزوال.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٣ عن عبيد بن زرارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٤ عن عبيد بن زرارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ١٠.

١٣٧

ودعوى عدم النية مع التبييت مع عدم جريانها في المتردد يدفعها منع المنافاة بين نية الصوم ونية السفر ، ضرورة الاكتفاء في تحقق الأولى بأصالة عدم وقوعه منه وإن بيت نيته ، إذ ذلك أعم من وقوعه ، وليس السفر من المفطرات كي يجب العزم على عدمه في أصل نية الصوم ، وانما هو مناف له بمعنى انه يرتفع وجوب الصوم عند تحققه ، فلا يقدح حينئذ العزم عليه في نية الصوم في حال عدم وقوعه الذي هو الموافق للأصل العقلي ، وكذا المتردد في وقوعه ، واستوضح ذلك في منافيات الصوم القهرية كالحيض ونحوه مع فرض التردد في حصولها أو الظن فإنه لا إشكال في تحقق النية لذويها اعتمادا على ذلك الأصل الشرعي الذي لا يتفاوت جريانه بين الاختياري والاضطراري ، ومن هنا يمكن دعوى الإجماع على خلاف ما التزمه المصنف ، إذ كلام الشيخ الذي هو الأصل في المذهب المزبور صريح في اعتبار الخروج مع التبييت في الإفطار ووجوب القضاء ، وانه لا يكفي الثاني عن الأول ، فمن حكى عنه ذلك كان مخطئا بالحكاية ، وإن كان أول عبارته في النهاية قد يعطي ذلك ، إلا ان آخرها صريح فيما قلناه.

وعلى كل حال فلا ريب في أن الأقوى ما اختاره المفيد وجماعة لصحة دليله وصراحته ، وأما ما ذهب اليه علي بن بابويه فلم نجد له دليلا بعد إطلاق الآية المنزل على التفصيل المزبور ، كإطلاق ما دل على التلازم بين القصر والإفطار سوى‌ مضمر عبد الأعلى مولى آل سام (١) « في الرجل يريد السفر في شهر رمضان قال : يفطر وإن خرج قبل أن تغيب الشمس بقليل » الضعيف سندا بل ودلالة بما قيل من احتمال كون « حرج » فيه بالحاء المهملة ، فيكون الظرف فيه متعلقا بقوله : « يفطر » والمعنى حينئذ ان على المسافر في شهر رمضان أن يتناول مفطرا ولو قبل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ١٤.

١٣٨

مغيب الشمس وإن كان يعسر عليه ذلك ، إجراء للسنة ؛ ومخالفة للمنافقين الذين يصومون في السفر ، وعلى كل حال فمثله لا يصلح معارضا لتلك النصوص ، كما ان‌ صحيح رفاعة بن موسى ـ (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يريد السفر في شهر رمضان قال : إذا أصبح في بلده ثم خرج فان شاء صام وإن شاء أفطر » ـ كذلك ، لعدم قائل بمضمونه ، نعم احتمل العلامة في المختلف العمل به فيما بعد الزوال ، قال : وانما قيدنا بذلك للجمع بين الأخبار ، وفي المدارك هذا الحمل بعيد نعم لو قيل بالتخيير مطلقا كما هو ظاهر الرواية لم يكن بعيدا ، وبذلك يحصل الجمع بين الأخبار ، قلت : بل هو أبعد من ذلك ، بل لعل التأمل في النصوص فضلا عن الفتاوى يورث القطع بعدم ذلك ، ومنه يعلم ضعف ما سمعته من الشيخ من التخيير للمبيت لو خرج بعد الزوال ، لعدم دليل معتد به له ، كعدم دليل له فيما ذكره هو وغيره من وجوب الإمساك عليه تعبدا ، ضرورة بطلان إرادة ذلك من لفظ الصوم في تلك النصوص ، خصوصا مع التصريح في بعضها بالاعتداد به من شهر رمضان ، وقد بان لك بحمد الله ضعف الجميع ، وأن الأقوى التفصيل بين ما قبل الزوال وبعده من غير مدخلية للتبييت وعدمه ، وإن كان الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة لا ينبغي تركه ، وهو هنا يحصل بالتبييت مع الخروج قبل الزوال دون غيره ، لدوران الأمر بين وجوب الصوم وحرمته فيما عداه ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( كل سفر يجب قصر الصلاة فيه يجب قصر الصوم ) فيه وبالعكس اللغوي ، أي كل سفر يجب قصر الصوم فيه يجب قصر الصلاة فيه ، لا الاصطلاحي الذي هو العكس المستوي بقرينة قوله إلا لصيد التجارة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٧.

١٣٩

على قول ضرورة كون الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل ، وهو يقضي بكون المستثنى منه موجبة كلية ، فلا يكون من المصطلح ، على أن ذلك هو مقتضى أدلة المقام من النصوص وغيرها ، قال الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن وهب (١) : « هما واحد إذا قصرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت » كخبر سماعة (٢) عنه عليه‌السلام « ليس يفترق التقصير والإفطار ، فمن قصر فليفطر » أي ومن أفطر فليقصر مضافا إلى كون المناط فيهما معا السفر ، قال في‌ صحيح عمار بن مروان (٣) : « من سافر قصر وأفطر إلا ان يكون رجلا سفره في الصيد أو في معصية الله أو رسولا لمن يعصي الله أو في طلب شحناء أو سعاية ضرر على قوم من المسلمين » وقال أبو جعفر عليه‌السلام في خبر تغلب (٤) : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : خيار أمتي الذين إذا سافروا أفطروا وقصروا » الخبر ، وقال المرتضى رحمه‌الله في الانتصار : « لا خلاف بين الأمة في ان كل سفر أسقط فرض الصيام ورخص في الإفطار فهو بعينه موجب لقصر الصلاة » ونحوه في الغنية.

فما عن الشيخ في النهاية والمبسوط وابن حمزة ـ من الفرق بينهما فيما إذا كانت المسافة أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه بتحتم الصوم والتخيير في الصلاة بين القصر والإتمام ، إلا ابن حمزة اشتراط في التخيير المزبور إرادة الرجوع من الغد ـ واضح الضعف ، خصوصا بعد إطلاق الآية (٥) القضاء في الصوم بمطلق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٦ عن أبان بن تغلب.

(٥) سورة البقرة ـ الآية ١٨١.

١٤٠