جواهر الكلام - ج ١٧

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الصيقل (١) : « خرج علينا أبو الحسن الرضا عليه‌السلام في يوم خمس وعشرين من ذي القعدة فقال : صموا فإني أصبحت صائما ، قلنا : جعلنا فداك أي يوم هو؟ قال : يوم نشرت فيه الرحمة ودحيت فيه الأرض ونصبت فيه الكعبة وهبط فيه آدم » وعن عبد الله بن عباس (٢) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خلال حديث : « انزل الله الرحمة لخمس ليال بقين من ذي القعدة ، فمن صام ذلك اليوم كان كصوم ستين سنة » وعن ابن طاوس بسنده الى عبد الرحمن السلمي (٣) عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام قال : « أول رحمة نزلت من السماء إلى الأرض في خمس وعشرين من ذي القعدة ، فمن صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة فله عبادة سنة صام نهارها وقام ليلها » وعنه انه قال في رواية (٤) « خمس وعشرين ليلة من ذي القعدة أنزلت الرحمة من السماء ، وانزل تعظيم الكعبة على آدم ، فمن صام ذلك اليوم استغفر له كل شي‌ء بين السماء والأرض » وفي‌ خبر إسحاق بن عبد الله (٥) عن أبي الحسن علي بن محمد عليه‌السلام في حديث قال : « الأيام التي يصام فيهن أربعة ـ الى ان قال ـ ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة فيه دحيت الأرض » الى غير ذلك من النصوص ، وحينئذ فلا إشكال في تأكد صومه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٨ عن عبد الله بن مسعود وفيه‌ « كان كصوم سبعين سنة ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٧ وفي الأول‌ « عبادة مائة سنة ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٩ وفي الأول‌ « عبادة مائة سنة ».

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٦ هكذا في الوسائل الا ان الصحيح أبو إسحاق بن عبد الله كما تقدم الإشارة إليه في ص ٩٨.

١٠١

نعم في المحكي من حاشية القواعد لثاني الشهيدين دحو الأرض بسطها والمراد هنا بسطها من تحت الكعبة ، وهو يقتضي خلق الكعبة قبل بسط الأرض والموجود في الرواية (١) انه في اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة ، وفي بعض الروايات (٢) دحو الكعبة لا الأرض ، وكلها ضعيفة جدا والحكم بها مشكل لما علم من ان الله تعالى ( خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ) ، وان المراد من اليوم دوران الشمس في فلكها دورة واحدة ، وهو يقتضي خلق السموات قبل ذلك ، فلا يتم عد الأشهر في تلك المدة ، مع ان‌ ابن بابويه روى (٣) ان الكعبة أنزلت يوم التاسع والعشرين من ذلك الشهر ، وإثبات مثل هذه الاحكام المتناقضة بالأخبار الضعيفة بعيد وان اشتهرت ، فرب مشهور لا أصل له ، وقد يدفع بأن دحوها غير خلقها ، لقوله تعالى (٤) ( بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ) واما دحو الكعبة فبمعنى دحو الأرض من تحتها ، أو على ظاهره ولا منافاة ، فإن الأرض قبل الدحو انما كانت موضع الكعبة ، فدحوها هو دحو الأرض بعينه ، وأما رواية (٥) نزول الكعبة في يوم التاسع والعشرين فالمراد بها الياقوتة أو الدرة التي كانت هناك قبل الطوفان كما ورد في الاخبار (٦) وبفهم منها انها الكعبة والقطعة من الأرض موضعها ، فالمراد بها في اخبار النزول هي الجوهرة ، وفي اخبار الدحو موضعها ، والله أعلم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١.

(٤) سورة النازعات ـ الآية ٣٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١.

(٦) البحار المجلد ٢٢ ص ١٤ و ١٥ من طبعة الكمپاني.

١٠٢

والسابع صوم يوم عرفة وهو اليوم التاسع من ذي الحجة لمن لم يضعفه الصوم عما عزم عليه من الدعاء كما وكيفا ويحقق الهلال على وجه لا يقع في صوم العيد ، لخبر سليمان الجعفري (١) « سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول كان أبي يصوم يوم عرفة في اليوم الحار في الموقف ، ويأمر بظل مرتفع فيضرب له فيغتسل مما يبلغ منه الحر » وأرسل الصدوق (٢) عن الصادق انه قال : « صوم يوم التروية كفارة سنة ، وصوم يوم عرفة كفارة سنتين » بل قال : روي (٣) « ان في تسع من ذي الحجة نزلت توبة داود ، فمن صام ذلك اليوم كان كفارة تسعين سنة » وفي‌ صحيح ابن مسلم (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام « انه سئل عن صوم يوم عرفة فقال : أنا أصومه » وفي‌ خبر عبد الرحمن (٥) عن أبي الحسن عليه‌السلام « صوم يوم عرفة يعدل السنة » الى غير ذلك من النصوص التي لا ينافيها وقوع ترك صومه من بعضهم عليهم‌السلام المحتمل كونه للضعف عن الدعاء ، ومخافة الوقوع في صوم العيد ، ومخافة الناسي به ، فيكون واجبا ، كما نص عليه‌ الحسين عليه‌السلام في خبر سالم (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « اوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى علي عليه‌السلام وحده ، واوصى علي عليه‌السلام الى الحسن والحسين عليهما‌السلام جميعا ، فكان الحسن امامه ، فدخل رجل يوم عرفة على الحسن عليه‌السلام وهو يتغدى والحسين عليه‌السلام صائم ، ثم جاء بعد ما قبض الحسن عليه‌السلام فدخل على الحسين عليه‌السلام يوم عرفة وهو يتغدى وعلي بن الحسين عليه‌السلام صائم ثم دخلت عليك وأنت مفطر ، فقال : ان الحسن عليه‌السلام كان إماما فأفطر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١٣.

١٠٣

لئلا يتخذ صومه سنة وليتأسى به الناس ، فلما قبض كنت أنا الإمام فأردت أن لا يتخذ صومي سنة فيتأسى الناس بي » ولعله على ذلك ينزل‌ خبر محمد بن مسلم (١) « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يصم يوم عرفة منذ نزل صيام شهر رمضان » وعلى ان المراد لم يصمه بعنوان الوجوب ، أو لأنه يضعفه عن الدعاء ، فإن الذي يظهر من النصوص ان الدعاء فيه أفضل من صومه‌ قال محمد بن مسلم (٢) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن صوم يوم عرفة فقال : من قوي عليه فحسن ان لم يمنعك من الدعاء فإنه يوم دعاء ومسألة فصمه وان خشيت ان تضعف عن ذلك فلا تصمه » وقال سدير (٣) « سألته أيضا عن صوم يوم عرفة فقلت : جعلت فداك انهم يزعمون انه يعدل صوم السنة قال : كان أبي لا يصومه ، قلت : ولم ذاك جعلت فداك؟ قال : انه يوم دعاء ومسألة ، وأتخوف أن يضعفني عن الدعاء واكره أن أصومه ، وأتخوف ان يكون يوم عرفة يوم اضحى وليس بيوم صوم » ومنه يعلم الوجه في اعتبار تحقق الهلال في استحباب صومه ؛ كما انه يمكن ان يكون الترك من بعض أئمتنا عليهم‌السلام لصومه لغلبة كونه عيدا في تلك الأزمنة كما‌ عن الصادق عليه‌السلام (٤) « انه لما قتل الحسين عليه‌السلام أمر الله ملكا ينادي أيتها الأمة الظالمة القاتلة عترة نبيها لا وفقكم الله لصوم ولا فطر » وفي حديث آخر (٥) « لا وفقكم الله لفطر ولا اضحى » بل مقتضاه كالخبر السابق كراهية صومه في الحالين المزبورين المنزل عليهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٦.

(٤) الفقيه ج ٢ ص ٥٤ ـ الرقم ٢٣٦.

(٥) الفقيه ج ٢ ص ٥٤ ـ الرقم ٢٣٧.

١٠٤

خبر زرارة (١) عن الصادقين عليهما‌السلام « لا تصم في يوم عاشوراء ولا عرفة بمكة ولا في المدينة ولا في وطنك ولا في مصر من الأمصار » والله أعلم.

والثامن بلا خلاف أجده فيه ، بل في ظاهر الغنية الإجماع عليه صوم يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من المحرم الذي قتل فيه أبو عبد الله عليه‌السلام لا التاسع كما عن ابن عباس في أحد النقلين عنه ، لخبر أبي همام (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام « صام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم عاشوراء » وخبر عبد الله بن ميمون القداح (٣) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « صيام يوم عاشوراء كفارة سنة » وخبر مسعدة بن صدقة (٤) عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام « ان عليا عليه‌السلام قال : صوموا العاشوراء التاسع والعاشر فإنه يكفر ذنوب سنة » وخبر كثير النواء (٥) عن الباقر عليه‌السلام « لزقت السفينة يوم عاشوراء على الجودي فأمر نوح من معه من الجن والإنس أن يصوموا ذلك اليوم ».

لكن قيده المصنف وجماعة بأن يكون على وجه الحزن لمصاب سيد شباب أهل الجنة عليه‌السلام وما جرى عليه في ذلك اليوم مما ينبغي لوليه ان يمنع نفسه عن الطعام والشراب طول عمره فضلا عن ذلك اليوم ، لا أن يكون على جهة التبرك والشكر كما يصنعه بنو أمية واتباعهم ، وبذلك جمع الشيخان وغير هما بين ما سمعت وبين النصوص المتضمنة للنهي عن صومه ، كصحيح زرارة ومحمد بن مسلم (٦) « سألا الباقر عليه‌السلام عن صوم يوم تاسوعاء وعاشوراء من شهر المحرم فقال عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٢ وهو خبر أبان عن عبد الملك.

١٠٥

تاسوعاء يوم حوصر فيه الحسين عليه‌السلام وأصحابه بكربلاء ، واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه ، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها واستضعفوا الحسين عليه‌السلام وأصحابه كرم الله وجوههم ، وأيقنوا ان لا يأتي الحسين عليه‌السلام ناصر ولا يمده أهل العراق ، بابي المستضعف الغريب ، ثم قال : واما يوم عاشوراء فيوم أصيب فيه الحسين عليه‌السلام صريعا بين أصحابه ، وأصحابه صرعى حوله ، أفصوم يكون في ذلك اليوم؟ كلا ورب البيت الحرام ما هو يوم صوم وما هو إلا يوم حزن ومصيبة دخلت على أهل السماء وأهل الأرض وجميع المؤمنين ، ويوم فرح وسرور لابن مرجانة وآل زياد وأهل الشام غضب الله عليهم وعلى ذرياتهم ، وذلك يوم بكت عليه جميع بقاع الأرض خلاف بقعة الشام ، فمن صام أو تبرك به حشره الله تعالى مع آل زياد ممسوخ القلب ومسخوطا عليه ، ومن اذخر فيه الى منزله ذخيرة أعقبه الله نفاقا في قلبه الى يوم يلقاه ، وانتزع البركة عنه وعن أهل بيته وولده ، وشاركه الشيطان في جميع ذلك » وخبر جعفر بن عيسى (١) « سألت الرضا عليه‌السلام عن صوم يوم عاشوراء وما يقول الناس فيه ، فقال : عن صوم ابن مرجانة تسألني ، ذلك يوم صامه الأدعياء من آل زياد لقتل الحسين عليه‌السلام وهو يوم يتشأم به آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويتشأم به أهل الإسلام ، واليوم الذي يتشأم به لا يصام ولا يتبرك به ، ويوم الاثنين يوم نحس قبض الله فيه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما أصيب آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا يوم الاثنين ، فتشأمنا منه وتبرك به عدونا ، ويوم عاشوراء قتل فيه الحسين عليه‌السلام وتبرك به ابن مرجانة وتشأم به آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمن صامهما أو تبرك بهما لقي الله تبارك وتعالى ممسوخ القلب ، وكان محشره مع الذين سنوا صومهما والتبرك بهما » وخبر يزيد النرسي (٢) قال : « سمعت عبيد بن زرارة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٤ عن زيد النرسي.

١٠٦

يسأل الصادق عليه‌السلام عن صوم يوم عاشوراء فقال : من صامه كان حظه من صيام ذلك اليوم حظ ابن مرجانة وآل زياد ، قال : قلت وما كان حظهم من ذلك قال : النار أعاذنا الله من النار ومن عمل يقرب من النار » وخبر نجية بن الحرث العطار (١) « سألت الباقر عليه‌السلام عن صوم يوم عاشوراء فقال : صوم متروك بنزول شهر رمضان ، والمتروك بدعة قال : نجية فسألت الصادق عليه‌السلام من بعد أبيه فأجابني بمثل جواب أبيه ، ثم قال : أما انه صوم يوم ما نزل به كتاب ولا جرت به سنة إلا سنة آل زياد بقتل الحسين عليه‌السلام » ومنه يعلم ان صومه كان واجبا خلافا لأبي حنيفة ، وخبر زرارة (٢) عن الباقر عليه‌السلام أيضا « لا تصم في يوم عاشوراء ولا عرفة بمكة » وقد تقدم ، وخبر الحسين بن أبي منذر (٣) عن أبيه عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن صوم عرفة فقال : عيد من أعياد المسلمين ويوم دعاء ومسألة ، قلت : فصوم عاشوراء قال : ذلك يوم قتل فيه الحسين عليه‌السلام فان كنت شامتا فصم ، ثم قال : ان آل أمية نذروا انذرا ان قتل الحسين عليه‌السلام ان يتخذوا ذلك عيدا لهم ، فيصومون شكرا ويفرحون ، فصارت آل سفيان سنة الى اليوم ، فلذلك يصومونه ويدخلون على عيالاتهم وأهاليهم الفرح ذلك اليوم ، ثم قال ان الصوم لا يكون للمصيبة ، ولا يكون إلا شكرا للسلامة ، وان الحسين عليه‌السلام أصيب يوم عاشوراء ، فان كنت فيمن أصيب به فلا تصم وان كنت ممن سره سلامة بني أمية فصم شكرا لله ».

بل جزم بعض متأخري المتأخرين بالحرمة ترجيحا لهذه النصوص وحملا لتلك على التقية ، وأن صوم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انما كان قبل نزول شهر رمضان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٧ وهو عن الحسين بن أبي غندر عن أبيه.

١٠٧

لا على الوجه المزبور الذي قد ينافيه‌ قول الصادق عليه‌السلام (١) « ان الصوم لا يكون للمصيبة » الى آخره. لكن فيه ـ مع انه مناف لظاهر اتفاق الأصحاب ومعلومية حصر الحرمة في غيره ـ ان أقصى ما يستفاد من هذه النصوص الكراهة خصوصا بعد جمعه مع الاثنين ومع يوم عرفة ، كمعلومية أن المذموم والمنهي عنه اتخاذه كما يتخذه المخالفون والتبرك به وإظهار الفرح والسرور فيه ، لا أن المنهي عنه مطلق صومه وانه كالعيد وأيام التشريق وإلا لم يكن ليخفى مثل ذلك على زرارة ومحمد بن مسلم حتى يسألا عنه ، ضرورة حينئذ كونه كصوم العيدين ، نعم قد يقال بنفي التأكد عنه لمشاركته في الصورة لأعداء الله وان اختلفت النية ، بل لعل ذلك انما يكون إذا لم يتمكن من إفطاره ولو للتقية ، فينوي فيه الوجه المزبور لا مطلقا ، خصوصا مع ملاحظة‌ خبر عبد الله بن سنان (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال : « دخلت عليه يوم عاشوراء فألفيته كاسف اللون ظاهر الحزن ، ودموعه تنحدر كاللؤلؤ المتساقط ، فقلت يا بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مم بكاؤك لا ابكى الله عينيك ، فقال لي : أو في غفلة أنت؟ أما علمت أن الحسين عليه‌السلام أصيب في مثل هذا اليوم؟ فقلت يا سيدي فما قولك في صومه؟ قال لي صمه من غير تبييت وأفطره من غير تشميت ، ولا تجعله صوم يوم كملا ، وليكن إفطارك بعد صلاة العصر بساعة على شربة من ماء ، فإنه في ذلك الوقت من ذلك اليوم تجلت الهيجاء عن آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانكشف الملحمة عنهم » وخصوصا بعد ما روي (٣) عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٧.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٩.

(٣) علل الشرائع ـ ج ـ ١ ـ الباب ١٦٢ ـ الحديث ٣ ـ ص ٢١٧ الطبع الحديث.

١٠٨

ميثم التمار في حديث طويل مما يدل على كذب ما ذكروا وقوعه فيه من خروج يونس من بطن الحوت ، واستواء سفينة نوح على الجودي ، وقبول توبة داود وتوبة آدم ، ويوم فلق الله البحر لبني إسرائيل ، وبه يظهر ضعف خبر كثير النواء (١) الذي روى ذلك ، مضافا الى ما قيل فيه (٢) من أنه بتري عامي قد تبرأ الصادق عليه‌السلام منه في الدنيا والآخرة ، وعلى كل حال فلا ريب في جواز صومه سيما على الوجه الذي ذكره الأصحاب ، وما في المسالك من أن مرادهم بصومه على جهة الحزن الإمساك إلى العصر كما في الخبر المزبور واضح الضعف ، بل يمكن القطع بفساده بأدنى ملاحظة ، والله أعلم.

والتاسع صوم يوم المباهلة بأمير المؤمنين عليه‌السلام وزوجته وولديه عليهما‌السلام وهو اليوم الرابع والعشرين من ذي الحجة ، قيل وهو الذي تصدق فيه أمير المؤمنين عليه‌السلام بخاتمه في ركوعه (٣) فنزل قوله تعالى (٤) ( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ ) وأظهر الله فيه نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على خصمه (٥) كما أنه ظهر فيه قرب سيدنا علي ( صلوات الله عليه ) من ربه وأنه نفس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٦) فهو حينئذ أشرف الأيام الذي ينبغي فيه الصيام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٥.

(٢) راجع رجال الكشي في ترجمة كثير النواء.

(٣) البحار ـ ج ٣٥ ص ١٩٠ الطبع الحديث.

(٤) سورة المائدة ـ الآية ٦٠.

(٥) إرشاد المفيد ص ٧٨ والبحار المجلد ٦ ـ الباب ٦٢ ص ٦٣٩ والمجلد ٩ الباب ٧ من طبعة الكمپاني وص ٢٥٧ من ج ٣٥ الطبع الحديث.

(٦) البحار ـ ج ٣٥ ص ٢٥٧ الطبع الحديث.

١٠٩

شكرا لهذه النعم الجسام والمنن العظام.

والعاشر والحادي عشر صوم كل خميس لانه اليوم الذي تعرض فيه الاعمال وكل جمعة لخبر الزهري (١) عن علي بن الحسين عليهما‌السلام « وأما الصوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار فصوم يوم الخميس والجمعة والاثنين » وقول الرضا عليه‌السلام في المحكي عن العيون (٢) بسنده اليه « من صام يوم الجمعة صبرا واحتسابا أعطي ثواب صيام عشرة أيام غرر زهر لا تشاكل أيام الدنيا » وخبر هشام (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل يريد أن يفعل شيئا من الخير مثل الصدقة والصوم ونحو هذا قال : يستحب أن يكون ذلك يوم الجمعة ، فإن العمل يوم الجمعة يضاعف » وقال عبد الله بن سنان (٤) : « رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام صائما يوم الجمعة فقلت له : جعلت فداك ان الناس يزعمون انه يوم عيد ، فقال : كلا انه يوم خفض ودعة » وللمحكي من فعله في‌ خبر محمد بن مروان (٥) عن الصادق عليه‌السلام « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصوم حتى يقال لا يفطر ، ويفطر حتى يقال لا يصوم ، ثم صام يوما وأفطر يوما ، ثم صام الاثنين والخميس ، وكان عليه‌السلام يقول : ذلك صوم الدهر » ، وفي‌ خبر أنس بن مالك (٦) المروي في المقنعة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من صام من شهر حرام الخميس والجمعة والسبت كتب الله له عبادة تسعمائة سنة »

لكن عن ابن الجنيد ان صوم الاثنين والخميس منسوخ ، وصوم السبت منهي عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفيه كما في المختلف وكذا الدروس انه لم يثبت عندنا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٥ مع الاختلاف.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٤.

١١٠

شي‌ء من ذلك ، ولم يذكر المشهورون من علمائنا ذلك ، نعم روى جعفر بن عيسى (١) عن الرضا عليه‌السلام ما سمعته سابقا في صوم عاشوراء ، فان صح كان صوم الاثنين مكروها لا منسوخا ، وإلا فلا ، وكذا ما حكي عنه أيضا من انه لا يستحب إفراد يوم الجمعة بصيام ، فان تلا به ما قبله أو استفتح جاز ، نحو ما رواه‌ الجمهور عن أبي هريرة الكذاب (٢) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله أو بعده » وروايتهم (٣) « انه سأل رجل جابر بن عبد الله وهو يطوف فقال له : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن صيام يوم الجمعة قال : نعم ورب الكعبة » وفي شرح الأصبهاني انه ان صح يمكن حمله على كراهيته لمن يضعفه عن الفرائض ونوافل الجمعة والأدعية وأداء صلاتها على وجهها والسعي ، وهو كما ترى انما يحتمل في الأخير دون الأول الموافق‌ للمروي (٤) عن العيون بسنده الى آدم بن فضة عن الرضا عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا تفرد الجمعة بصوم » كما أن ما في الوسائل ـ من احتمال الأول النسخ ، والتأويل بإرادة نفي الوجوب ، وكون الاستثناء منقطعا ، أو الكراهة ، أو نفي تأكد الاستحباب قال : وهما متقاربان ـ لا يخفى عليك ما فيه ، فليس حينئذ إلا الطرح أو نحوه للقصور ، خصوصا بعد اعتضاد الأول بفتوى الأصحاب ، أو يحمل على الزيادة في التأكد كما أومأ إليه الشيخ في المصباح ، قال : روي الترغيب في صومه إلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٣.

(٢) صحيح مسلم ج ٣ ص ١٥٤ « باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردا » ٣ من كتاب الصيام.

(٣) صحيح مسلم ج ٣ ص ١٥٤ « باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردا » ١ من كتاب الصيام.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٣ عن دارم بن قبيصة.

١١١

ان الأفضل ان لا ينفرد بصومه الا بصوم يوم مثله قبله ، والأمر سهل.

والثاني عشر أول ذي الحجة لمرسل سهل (١) عن أبي الحسن الأول عليه‌السلام « في أول يوم من ذي الحجة ولد إبراهيم خليل الرحمن عليه‌السلام فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا » ولا ينافيه ما في‌ خبر الوشاء (٢) عن الرضا عليه‌السلام المتقدم « ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيها إبراهيم عليه‌السلام » لاحتمال كونه ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومرسل (٣) ابن بابويه وغيره عن موسى بن جعفر عليه‌السلام « من صام أول يوم من ذي الحجة كتب الله له صوم ثمانين شهرا ، فان صام التسع كتب الله له صوم الدهر » بل قال في المحكي عنه في كتاب ثواب الأعمال انه‌ روي (٤) « من صامه كان كفارة تسعين سنة » كما انه‌ روي (٥) فيه مسندا إلى عائشة « ان شابا كان صاحب سماع وكان إذا أهل هلال ذي الحجة أصبح صائما ، فارتفع الحديث الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأرسل إليه فدعاه فقال : ما يحملك على صيام هذه الأيام؟ فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيام المشاعر وأيام الحج عسى الله أن يشركني في دعائهم ، قال : فان لك بكل يوم تصومه عدل عتق مأة رقبة ومأة بدنة ومأة فرس يحمل عليها في سبيل الله ، فإذا كان يوم التروية فلك عدل ألفي رقبة وألفي بدنة وألفي فرس يحمل عليها في سبيل الله ، فإذا كان يوم عرفة فلك عدل ألفي رقبة وألفي بدنة وألفي فرس يحمل عليها في سبيل الله ، وكفارة ستين سنة قبلها وستين سنة بعدها ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٣.

(٤) لم نجد ذلك في كتاب ثواب الاعمال وانما رواه في الوسائل عن الفقيه في الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٦.

١١٢

والثالث عشر والرابع عشر صوم رجب كله أو بعضه ولو يوما منه أولا أو آخرا أو وسطا وكذا شعبان بالضرورة من المذهب أو الدين ، بل لا يمكن إحصاء ما ورد في فضل صومهما من سنة سيد المرسلين وعترته الهادين ، كما لا يمكن إحصاء ما وعد الله على ذلك إلا لرب العالمين ، بل من شدة ما ورد في شعبان منهما ابتدع أبو الخطاب وأصحابه وجوبه ، وجعلوا على إفطاره كفارة ، ولعله لذا ترك كثير من الأئمة عليهم‌السلام صيامه مظهرين للناس بذلك عدم وجوبه في مقابلة بدعة أبي الخطاب لعنه الله ، بل يستفاد مما ورد فيهما أحكام أخر متعلقة بهما كالاستغفار والصدقة (١) ونحوهما ، كما يستفاد من النصوص ثبوت التأكد في غير ذلك أيضا كالنيروز (٢) وأول يوم من المحرم وثالثه وسابعه (٣) والتاسع والعشرين من ذي القعدة (٤) وستة أيام بعد العيد (٥) لكن في الدروس وفيها بحث ذكرناه في القواعد ، وروي صحيحا (٦) كراهة صيام ثلاثة بعد الفطر بطريقين ، وصوم داود عليه‌السلام يوم ويوم لا (٧) ويوم التروية (٨) وثلاثة أيام للحاجة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ و ٣٠ ـ من أبواب الصوم المندوب.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الصوم المندوب.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ١ و ٢ و ٩ و ١٠ وفي الحديث الأخير‌ « فإذا أصبحت من تاسعه فأصبح صائما ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الصوم المندوب.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الصوم المندوب.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ٤ و ٦.

١١٣

بالمدينة (١) ويوم النصف من جمادى الأولى (٢) وغير ذلك لكن قد سمعت ما في الدروس في الستة الأيام بعد الفطر ، والأولى صومها بعد مضي الثلاثة لقول الصادق عليه‌السلام في خبر زياد بن أبي الجلال (٣) : « لا صيام بعد الأضحى ثلاثة أيام ولا بعد الفطر ثلاثة أيام ، إنها أيام أكل وشرب » وسأله عليه‌السلام أيضا عبد الرحمن بن الحجاج (٤) عن اليومين بعد الفطر فقال له : « اكره لك ان تصومهما » كما ان‌ حريز (٥) روى عنهم عليهم‌السلام « إذا أفطرت من رمضان فلا تصومن بعد الفطر تطوعا إلا بعد ثلاثة يمضين » وان اقتصر المصنف منه على هذه الأربعة عشر ، والله أعلم.

هذا كله في الصوم المندوب وأما صوم التأديب فقد عرفت فيما تقدم أنه يستحب الإمساك تأديبا وإن لم يكن صوما شرعا ، وهو المراد بصوم التأديب كما في خبر الزهري (٦) في سبعة مواطن : المسافر إذا قدم أهله أو بلدا يعزم فيه الإقامة عشرا فما زاد بعد الزوال أو قبله وقد أفطر ، وكذا المريض إذا بري‌ء بعده أو قبله وقد تناول وتمسك الحائض والنفساء إذا طهرتا في أثناء النهار ، والكافر إذا أسلم ، والصبي إذا بلغ ، والمجنون إذا أفاق ، وكذا المغمى عليه من غير فرق فيها بين ما قبل الزوال وبعده كما تقدم الكلام فيها مفصلا ولا يجب عندنا صوم النافلة بالدخول فيه إلا في الاعتكاف على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب المزار من كتاب الحج.

(٢) مصباح المتهجد ص ٥٥٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ١ عن زياد بن أبي الحلال.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ٢ عن أبي الحسن عليه‌السلام على ما في الكافي.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ١.

١١٤

قول يأتي للأصل ، وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح جميل (١) في الذي يقضي شهر رمضان : « إنه بالخيار إلى زوال الشمس ، وإن كان تطوعا فإنه إلى الليل بالخيار » وقوله عليه‌السلام في صحيح عبد الله بن سنان (٢) : « صوم النافلة لك أن تفطر ما بينك وبين الليل متى شئت ، وصوم قضاء الفريضة لك أن تفطر إلى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس فليس لك ان تفطر » إلى غير ذلك من النصوص التي لا أجد خلافا في الفتوى بمضمونها ، بل الإجماع بقسميه عليه ، فالنهي عن إبطال العمل في الآية (٣) يجب تنزيله على غير ذلك بناء على شموله له وحينئذ فـ ( له الإفطار ) في أي وقت شاء ولكن يكره بعد الزوال لخبر مسعدة بن صدقة (٤) عن أبي عبد الله عن أبيه عليه‌السلام المحمول على ذلك أو نحوه لقصوره عن معارضة ما دل على الجواز من وجوه لا تخفى ، قال : « إن عليا عليه‌السلام قال : الصائم تطوعا بالخيار ما بينه وبين نصف النهار ، فإذا انتصف النهار فقد وجب الصوم » والمناقشة بأنه انما يدل على تأكد الندب بعد التجوز بلفظ الوجوب لا الكراهة يدفعها ان المفهوم الأول يقضي بكون المراد من الوجوب مجازا الراجح الفعل المكروه الترك ، على انه قد يحتج لها بخبر معمر بن خلاد (٥) عن أبي الحسن عليه‌السلام « قلت له : النوافل ليس لي ان أفطر فيها بعد الظهر قال : نعم » والمناقشة باحتمال كون المراد من « نعم » أن لك أن تفطر نحوها في قوله :

أليس الليل يجمع أمر عمرو

وإيانا فذاك بنا تداني

نعم وأرى الهلال كما تراه

ويعلوه النهار كما علاني

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ٩.

(٣) سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الآية ٣٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ١١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ٥.

١١٥

يدفعها انه لا ينافي الظهور الذي يكفي في غيرها من الأحكام فضلا عن الكراهة المبنية على التسامح ، نعم ينبغي تقييدها بالإفطار اقتراحا لا الأعم الشامل من دعي إلى طعام ، فإنه لا كراهة فيه ، بل ربما كره له المضي على الصوم كما ستعرف.

وأما القسم الثالث من الصوم فـ ( المكروه ) على حسب كراهة غيره من العبادات ، وقد ذكر المصنف منه أربعة : الأول ما عرفته سابقا من صوم عرفة لمن خشي أن يضعفه عن الدعاء الذي هو أفضل من الصوم وكذا يكره مع الشك في الهلال ولو لوجود غيم ونحوه مما يفيد التخوف أن يكون يوم أضحى ، لصحيح محمد بن مسلم (١) وخبر سدير (٢) المتقدمين سابقا.

والثاني ما تقدم سابقا من صوم النافلة في السفر عند المصنف وجماعة عدا ثلاثة أيام بالمدينة للحاجة وقد عرفت تحقيق الحال في ذلك ، فلاحظ وتأمل.

والثالث صوم الضيف نافلة من دون إذن مضيفه كما في القواعد والدروس والمحكي عن سلار ، ويقرب منه ما في الغنية من انه يستحب أن لا يصوم إلا باذنه ، ونحوه ما في الوسيلة والمنتهى والتذكرة لخبر الزهري (٣) عن علي بن الحسين عليهما‌السلام « والضيف لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه ، قال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ٤ وفي الأول النهي عن الصوم مع خوف الضعف فقط ، وأما الخوف عن كونه يوم أضحى فهو في خبر سدير كما تقدم في ص ١٠٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ٦ وفي الأول النهي عن الصوم مع خوف الضعف فقط ، وأما الخوف عن كونه يوم أضحى فهو في خبر سدير كما تقدم في ص ١٠٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ١.

١١٦

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من نزل على قوم فلا يصوم تطوعا إلا بإذنهم » المحمول على ذلك ، لعدم صلاحيته سندا لتقييد أصالة الجواز وعدم الاشتراط المستفادة من إطلاق الأمر بالصوم الذي هو جنة من النار‌ كالنهي (١) في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام التي أكثرها من ذلك ، أو المستحب « يا علي لا تصوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها ، ولا يصوم العبد تطوعا إلا بإذن مولاه ، ولا يصوم الضيف تطوعا إلا بإذن صاحبه » خصوصا بعد إشعار « لا ينبغي » مع التعليل في‌ خبر الفضيل بن يسار (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام بها ، قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا دخل رجل بلدة فهو ضيف على من بها من أهل دينه حتى يرحل عنهم ، ولا ينبغي للضيف أن يصوم إلا بإذنهم لئلا يعملوا الشي‌ء فيفسد عليهم ، ولا ينبغي لهم أن يصوموا إلا بإذن الضيف لئلا يحتشمهم ، فيشتهي الطعام فيتركه لهم » بل لعلها تفوح أيضا من‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر هشام بن الحكم (٣) قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن صاحبه ، ومن طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعا إلا باذنه ، ومن صلاح العبد وطاعته أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن مولاه وأمره ، ومن بر الولد أن لا يصوم تطوعا إلا بإذن أبويه وأمر هما ، وإلا كان الضيف جاهلا وكانت المرأة عاصية وكان العبد فاسقا وكان الولد عاقا » وزاد في‌ المروي (٤) عن العلل في الأخير « ولا يحج تطوعا ، ولا يصلي تطوعا » ضرورة كون المقصود منها المبالغة في تحقق الأوصاف المزبورة ، لا ان المراد بيان المصداق ، فإطلاق الشيخين وجماعة النهي عن الصوم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه الحديث ٣.

١١٧

بدون الاذن منزل على ذلك أو محجوج به كالذي في المعتبر والسرائر والنافع والإرشاد والتلخيص والتبصرة من انه لا يصح ، بل وزاد في الثاني يكون مأزورا لا مأجورا بل في الأول الإجماع عليه ، وهو مع معارضته بإجماع الغنية الذي يشهد له التتبع ويعضده ما عرفت واضح الضعف بعد مصيره نفسه إلى خلافه هنا ، اللهم إلا ان ينزل على النهي فيكون كقوله في المتن والأظهر انه لا ينعقد مع النهي وهو القول الثالث المفصل بين عدم الاذن فيكره ، وبين النهي فلا ينعقد ، وفيه ان الأدلة المزبورة قد اعتبرت عدم الاذن الشامل للنهي وعدمه ، فلا دليل حينئذ على التفصيل المزبور ، اللهم إلا ان يقال بدلالة خبر هشام عليه باعتبار عدم تحقق العقوق والعصيان في الزوجة والعبد إلا بالنهي ، وكذا الجهل فان المراد به الجهل بحق المضيف وما يجب رعايته من جانبه ، فان صام بدون إذنه ولا علمه لم يحصل له انكسار قلب إلا إذا قدم ما يتناوله ، فيمتنع منه ، وهو غير لازم ، فلا جهل بالصوم من غير علمه ، وانما يكون إذا نهي فلم ينته ، وهو كما ترى ، فان الجهل لا يتعين ان يكون بالمعنى المذكور ، ولو سلم فاقتضاؤه الفساد ممنوع ، وأغرب من ذلك الاستدلال عليه بفحوى كراهة استدامة الصوم إذا دعي إلى طعام ، فإنها تقتضي مرجوحية الابتداء عند نهي المضيف ، ولا تقع العبادة مرجوحة فإنه لا يليق وقوعه من محصل ، كما لا يليق بالخريت الماهر المتدبر العارف بأساليب كلامهم عليهم‌السلام وما يلحنون به من خطاباتهم ويرمزون به فهم غير الكراهة من هذه النصوص القاصرة عن إفادة غيرها سندا ودلالة ، كما هو واضح.

وعلى كل حال فقد قيل : إن الحكم باشتراط الاذن في الصوم صحة أو فضلا ثابت وإن جاء نهارا فلا يتمه إلا بالإذن ، لإطلاق النص والفتوى ما لم تزل الشمس ، فان زالت لم يشترط ، لإطلاق النص والفتوى بكراهة الإفطار بعده ، وفيه أن بين الإطلاقين تعارض العموم من وجه ، ودعوى ظهور الإطلاقات هنا في‌

١١٨

ابتداء الصوم دون استدامته يمكن معارضتها أولا بظهور ذلك الإطلاق في الاشتراط من حيث الصوم نفسه لا من حيث الضيافة ، وثانيا بأنها منافية لتعميم الاشتراط لما قبل الزوال ، ولولا أن الكراهة مما يتسامح بها أمكن القول بعدمها في الفرض للأصل ، أما على الحرمة مطلقا أو مع النهي فالمتجه ذلك ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

وكذا يكره صوم الولد وإن نزل في احتمال من غير إذن والده وإن علا كذلك كما في القواعد وكذا المنتهى والتذكرة لعين ما سمعته في الضيف خلافا للنافع والإرشاد والتلخيص والتبصرة والدروس وشرح الإرشاد لفخر الإسلام على ما حكي عن بعضها ، فلم يصح لخبر هشام (١) المتقدم الدال على اعتبار إذن الوالدين معا ، قيل : ويمكن حمل الوالد في كلام الأصحاب على الجنس الشامل للذكر والأنثى والواحد والمتعدد ، وهو كما ترى ، فلا عامل به حينئذ على ظاهره ، وهو مضعف آخر للعمل به ، مضافا إلى ضعف سنده وغيره مما عرفت سابقا ، ومن ذلك يظهر لك ضعف القول بعدم الصحة ، بل لعله كذلك حتى مع النهي ، لعدم ما يدل على وجوب طاعته في ذلك ما لم يستلزم إيذاء بذلك من حيث الشفقة التي لا فرق بين الوالد والوالدة معها ، وهو خارج عن محل البحث ، والله أعلم.

والرابع الصوم ندبا لمن دعي إلى طعام كما ذكره الفاضل والشهيد ، لكن في المدارك وغيرها انه لم نقف على ما يدل عليها من النصوص ، وانما تدل على أفضلية القطع التي حكى الاتفاق عليها في المعتبر ، قال‌ علي بن حديد (٢) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الصوم المحرم والمكروه ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب آداب الصائم ـ الحديث ٧ عن علي ابن حديد عن عبد الله بن جندب.

١١٩

« قلت لأبي الحسن الماضي عليه‌السلام : أدخل على القوم وهم يأكلون وقد صليت العصر وأنا صائم فيقولون : أفطر فقال : أفطر فإنه أفضل » وقال الصادق عليه‌السلام في خبر داود (١) : « لإفطارك في منزل أخيك المسلم أفضل من الصيام سبعين ضعفا أو تسعين ضعفا » والترديد من الراوي ، أو تقسيم من الامام عليه‌السلام بحسب تفاوت الاخوة والأغراض والدواعي ، وقال أبو جعفر عليه‌السلام (٢) : « من نوى الصوم ثم دخل على أخيه فسأله أن يفطر عنده فليفطر وليدخل عليه السرور ، فإنه يحسب له بذلك اليوم عشرة أيام ، وهو قول الله عز وجل (٣) ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) » وقال عليه‌السلام أيضا في صحيح جميل (٤) : « من دخل على أخيه وهو صائم فأفطر عنده ولم يعلمه بصومه فيمن عليه كتب الله له صوم سنة » ولعله لذا قيد ابن إدريس الأفضلية بعدم الاعلام ، وفيه ان ذلك مستحب في مستحب ، ويمكن ان يكون مراده إلى غير ذلك من النصوص التي لا تدل إلا على أفضلية القطع من الصوم ، والاكتفاء بذلك لإثبات الكراهة وإن كانت في العبادة غير واضح.

نعم قد يستدل عليها مضافا إلى فتوى المصنف وغيره بها بما دل على النهي عن معارضة المؤمن وترك إجابته ، بل‌ قال الصادق عليه‌السلام في خبر سماعة بن مهران (٥) : « إذا دخلت إلى منزل أخيك فليس لك معه أمر » وقال عليه‌السلام أيضا في خبر الحسين بن حماد (٦) : « إذا قال أخوك : كل وأنت صائم فكل ولا تلجئه إلى ان يقسم عليك » وكفى بذلك دليلا لمثلها.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب آداب الصائم ـ الحديث ٦ وفي الثالث « قال أبو عبد الله عليه‌السلام. إلخ ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب آداب الصائم ـ الحديث ١ وفي الثالث « قال أبو عبد الله عليه‌السلام. إلخ ».

(٣) سورة الأنعام ـ الآية ١٦١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب آداب الصائم ـ الحديث ٤ وفي الثالث « قال أبو عبد الله عليه‌السلام. إلخ ».

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب آداب الصائم ـ الحديث ١٤ وفي الثالث « قال أبو عبد الله عليه‌السلام. إلخ ».

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب آداب الصائم ـ الحديث ١١ وفي الثالث « قال أبو عبد الله عليه‌السلام. إلخ ».

١٢٠