جواهر الكلام - ج ١٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وهكذا ، ونحوهما في ذلك كشف الأستاذ حيث قال : « ولكل ربح عام مستقل ، والقدر المشترك بينهما يوزع عليهما ، وعليه يتجه حينئذ سقوط الخمس عمن كان له ربح قام ببعض مئونة سنته نصفها مثلا ثم حل له ربح آخر عند انقضاء مئونة الأول قام بالنصف الآخر من سنته وزاد لكن لا يحملها إلى زمان أول حصوله وهكذا وإن كان قد حصل له تمام مئونة سنة من الربح وزاد ، بل وعمن يحل له في كل يوم ربح ككثير من أرباب الصنائع والحرف ، لكن لا يقوم كل واحد منها بمئونته إلى أول حصوله ولو مع ملاحظة توزيع المشترك بينهما من المدة عليهما سواء أريد بإخراج مئونة المشترك منهما التوزيع على حسب النسبة أو غيره » وهو وإن كان قد يوافقه ظاهر الفتاوى لكن كأنه معلوم العدم من السيرة والعمل ، بل وإطلاق الأخبار ، بل‌ خبر عبد الله بن سنان (١) المتقدم سابقا المشتمل على قوله عليه‌السلام : « حتى الخياط يخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق » كالصريح بخلافه وإن كان هو مقيدا بأخبار المئونة ، ولعله لذا قال في الدروس والحدائق « ولا يعتبر الحول في كل تكسب ، بل يبتدئ الحول من حين الشروع في التكسب بأنواعه ، فإذا تم خمس ما فضل » وهو جيد لا يرد عليه ما سمعت موافق للاحتياط ، بل وللاقتصار على المتيقن خروجه عن إطلاق الأدلة بل قد يدعى القطع به في نحو الصنائع المبني ربحها على التجدد يوما فيوما أو ساعة بعد اخرى ، تنزيلا لها باعتبار إحرازها قوة منزلة الربح الواحد الحاصل في أول السنة ، ولذا كان يعد صاحبها بها غنيا ، بل لعل بعض الحرف مثلها فيما ذكرنا أيضا ، فتأمل.

لكن قد يناقش بأنه لا دليل على احتساب المئونة السابقة على حصول الربح مع فرض تأخر حصوله عن أول زمان التكسب ، إذ هو حينئذ كالزمان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٨.

٨١

السابق على التكسب ، بل المنساق من النصوص والفتاوى احتساب مئونة السنة من أول حصول الربح ، إذ ذلك وقت الخطاب بالخمس ، ومن هنا مال في المدارك والكفاية لما في الدروس لكن جعل أول السنة ظهور الربح في أولهما ، فقال بعد ان نظر في استفادة ما سمعته عن جده من الأخبار : ولو قيل باعتبار الخول من حين ظهور شي‌ء من الربح ثم احتساب الأرباح الحاصلة بعد ذلك إلى تمام الحول وإخراج الخمس من الفاضل عن مئونة ذلك الحول كان حسنا والله أعلم.

الفرع الثالث إذا اختلف المالك للدار مثلا والمستأجر لها في الكنز الفرع الثالث إذا اختلف المالك للدار مثلا والمستأجر لها في الكنز فان اختلفا في ملكه بأن قال كل منهما انه لي فالقول قول المالك المؤجر مع يمينه لأصالة يده ، وفرعية يد المستأجر عنها ، وقيل قول المستأجر ، لفعلية يده ، ومخالفة دعوى المؤجر الظاهر المتعارف من عدم إجارة داره وفيها كنز ، وقد تقدم البحث في ذلك ونظائره مفصلا وان اختلفا في قدره فالقول قول المستأجر المنكر للزيادة الموافق بإنكاره أصالة البراءة وغيرها كما ان القول قول المالك لو فرض إنكاره الزيادة ، بأن ثبت مثلا انه للمستأجر فادعى على المالك مقدارا أنكره عليه فالقول قوله أيضا لعين ما عرفت ، فالضابط انه يقدم قول من نسب إلى الخيانة بيمينه ، وتخصيص المصنف المستأجر ، بناء منه على تقديم قول المالك في السابق وتعارف إنكار الزيادة من المستأجر حينئذ إذ لا وجه لا دعاء غير المالك الزيادة والمالك النقصان ، كما هو واضح.

الفرع الرابع الخمس يجب بعد إخراج المئونة الفرع الرابع الخمس يجب بعد إخراج المئونة التي يفتقر إليها إخراج الكنز والمعدن والغوص ونحوها من آلات وحفر وسبك وغيره بلا خلاف أجده كما اعترف به في المفاتيح ، بل في المدارك نسبة ما في المتن إلى القطع به في كلام الأصحاب ، كما انه في الخلاف الإجماع عليه ، ولعله كذلك ، بل يمكن تحصيله في الجميع وإن سمعت الخلاف فيه في الغنيمة ، مضافا‌

٨٢

إلى إشعار‌ قوله عليه‌السلام في مكاتبة يزيد (١) السابقة : « وحرث بعد الغرام » إلى آخره ، وخبر علي بن محمد بن شجاع النيسابوري (٢) المتقدم آنفا المشتمل على السؤال عن الضيعة وما حصل منها من الأكرار التي صرف منها ثلاثون كرا على عمارة الضيعة إلى آخره بذلك بعد إلغاء الخصوصية وعدم القول بالفصل ، بل قد يقال بإمكان تحميل لفظ المئونة الوارد خروجها قبل الخمس في النصوص السابقة لذلك أيضا على ان يراد منها الأعم من مئونة العيال ، على ان اسم الغنيمة والفائدة ونحوهما الظاهر من الأدلة اعتبارهما في جميع أنواع الخمس لا يتحقق قبل خروجها ، بل هو الموافق للعدل والمناسب للطف الذي يقرب العبد إلى الطاعة.

نعم هل يعتبر النصاب فيما اعتبر فيه من أنواع الخمس قبلها أو بعدها؟ وجهان في المدارك أقواهما في النظر الثاني ، للأصل وظاهر المنساق إلى الذهن من مجموع الأدلة وفاقا للمنتهى والتذكرة والبيان والدروس ، بل ظاهر الأولين كونه مجمعا عليه بيننا حيث نسب الخلاف فيه فيهما إلى الشافعي وأحمد ، بل في المسالك نسبته إلى تصريح الأصحاب أيضا ، بل قال : إنهم لم يتعرضوا فيه لخلاف كما ذكروه في مئونة زكاة الغلات.

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٧.

٨٣

الفصل الثاني

من فصلي كتاب الخمس

في قسمته

والمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا بل هي كذلك في صريح الانتصار وظاهر الغنية وكشف الرموز أو صريحهما انه‌ في بيان مصرف الخمس وهو ستة أقسام يقسم ستة أقسام ، ثلاثة منها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي‌ ثلاثة منها سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى سهم الله وسهم رسوله وسهم ذي القربى كما صرح به في القواعد وغيرها ، بل كأنه مفروغ منه ، ولعله لأن المراد بذي القربى الامام عليه‌السلام كما ستعرفه ، وهو الإمام في حياته ، فيأخذ الثلاثة حينئذ سهم له بالأصالة وسهم الله ، لأن ما كان له فهو لوليه وسهم ذي القربى باعتبار أنه الإمام عليه‌السلام حال حياته ، ولا إمام غيره ، وحينئذ فإطلاق المصنف كون الثلاثة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هذا الوجه ولو لأنه لم يعرف في ذلك خلاف وإن كان ظاهر الآية وغيرها من النصوص خلافه ، وكذا لم يعرف خلاف أيضا في ان سهم الله عز وجل ملك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقيقة يتصرف به كيف يشاء كغيره من أملاكه ، بل هو قضية إجماع المرتضى كما في الحدائق دعواه عليه ، وفي‌ خبر معاذ صاحب الأكسية (١) عن الصادق عليه‌السلام « ان الله تعالى لم يسأل خلقه مما في أيديهم قرضا من‌

__________________

(١) أصول الكافي ج ١ ص ٥٣٧ « باب صلة الإمام عليه‌السلام » ٣.

٨٤

حاجة به الى ذلك ، وما كان لله من حق فهو لوليه » وفي‌ خبر البزنطي (١) عن الرضا عليه‌السلام « انه قيل له : فما كان لله ـ من الخمس ـ فلمن هو؟ فقال عليه‌السلام : لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو للإمام » إلى آخره ، وفي‌ مرسل ابن بكير (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام في تفسير آية الغنيمة « خمس الله عز وجل للإمام عليه‌السلام وخمس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليه‌السلام ، وخمس ذي القربى لقرابة الرسول الامام واليتامى يتامى آل الرسول والمساكين منهم وأبناء السبيل منهم ، فلا يخرج منهم إلى غيرهم » وفي‌ مرسل أحمد المرفوع (٣) « فأما الخمس فيقسم على ستة أسهم : سهم لله وسهم للرسول وسهم لذوي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل ، فالذي لله فلرسول الله فرسول الله أحق به ، فهو له والذي للرسول هو لذوي القربى والحجة في زمانه ، فالنصف له خاصة ، والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد عليهم‌السلام الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة ، عوضهم الله مكان ذلك بالخمس ، هو يعطيهم على قدر كفايتهم ، فان فضل منهم شي‌ء فهو له ، وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمه لهم من عنده ، كما صار له الفضل كذلك لزمه النقصان » الى غير ذلك من الأخبار الدالة على المطلوب صريحا وضمنا المعتضدة بفتاوى الأصحاب ومحكي الإجماع بل ومحصله على الظاهر.

فما في‌ خبر زكريا بن مالك الجعفي (٤) عن الصادق عليه‌السلام « انه سأله عن آية الغنيمة فقال : أما خمس الله فللرسول يضعه في سبيل الله ، وأما خمس الرسول فلأقاربه ، وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه ، واليتامى يتامى أهل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ٢.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ١ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ٩ وذيله في الباب ٣ منها ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ١.

٨٥

بيته ، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم ، وأما المساكين وأبناء السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة ولا تحل لنا ، فهي للمساكين وأبناء السبيل » يجب تأويله أو طرحه ، سيما مع ملاحظة اشتماله على غير ذلك مما هو مخالف للمعلوم من المذهب كما ستعرف.

والمراد بذي القربى في الكتاب والسنة هو الامام عليه‌السلام بلا خلاف معتد به أجده فيه بيننا ، بل الظاهر الإجماع عليه ، بل هو من معقد إجماع الانتصار والغنية ، كما انه في التذكرة نسبته إلى علمائنا ، وفي المنتهى عن الشيخ الإجماع عليه للمرسلين السابقين ، ومرسل ابن عيسى (١) عن العبد الصالح « الخمس على ستة أسهم : سهم لله وسهم لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لأبناء السبيل ، وسهم الله وسهم رسوله لأولي الأمر من بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وراثة ، فله ثلاثة أسهم ، سهمان وراثة ، وسهم مقسوم له من الله ، وله نصف الخمس كملا ، ونصف الخمس الباقي بين أهل بيته » إلى آخره ، إلى غير ذلك من المعتبرة الصريحة فيه والظاهرة وغير الممتنع إرادته منها حتى ما جاء فيها بلفظ الجمع بالحمل على إرادة مجموع الأئمة عليهم الصلاة والسلام مضافا إلى ما في المنتهى والمختلف وعن المعتبر من أن لفظ ذي القربى في الآية مفرد لا يتناول أكثر من واحد ، فينصرف إلى الامام ، لأن القول بأن المراد منه واحد هو غير الإمام منفي بالإجماع ، لكن قد يناقش باحتمال إرادة الجنس منه كابن السبيل ، وإن كان قد يفرق بينهما بأنه مجاز صير إليه في الثاني للقرينة ، إذ ليس هناك واحد متعين يمكن حمل اللفظ عليه دون الأول ، فإنه لا قرينة ، بل قد عرفت مما تقدم وجودها بخلافه ، بل لعل عطف اليتامى والمساكين وابن السبيل مع أن المراد منهم أقرباؤه أيضا يعين إرادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ٨.

٨٦

الامام من الأول ، فتأمل ، فما عن بعض علمائنا ـ والظاهر انه ابن الجنيد كما حكاه عنه في المختلف من عدم هذا السهم للإمام بل هو لأقارب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بني هاشم كالمحكي عن الشافعي بزيادة المطلب مع هاشم ـ ضعيف جدا ، وإن كان قد يشم من المدارك الميل اليه لظاهر بعض الأخبار (١) التي منها خبر زكريا السابق القاصرة عن مقاومة ما تقدم من وجوه ، بل لا تأبى الحمل عليه ، لكنه في غير محله قطعا ، بل كاد يكون مخالفا للمقطوع به من المذهب.

ومما سمعت ظهر لك أن ما كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من سهمه وسهم الله ينتقل بعده للإمام عليه‌السلام القائم مقامه فيكون حينئذ الآن نصف الخمس كملا لصاحب الأمر روحي له الفداء ونفسي لنفسه الوقاء ، سهمان بالوراثة ، وسهم بالأصالة كما هو مضمون الأدلة السابقة المعتضدة بإجماع الانتصار وغيره ، بل هو محصل على الظاهر ، فما عن الشافعي من انتقاله بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى المصالح كبناء القناطر وعمارة المساجد وأهل العلم والقضاة وأشباه ذلك وأبي حنيفة من السقوط أصلا غلط عندنا قطعا ، وأوضح منه غلطا ما عن الثاني خاصة من سقوط سهم ذي القربى بموت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ هو اجتهاد منشأه هوى النفس والشيطان في مقابلة الكتاب والسنة إن لم يكن الضرورة ، ولا غرو في حرمان الورثة غير الامام السهمين المذكورين بعد أن كان الظاهر أن استحقاقهما سيما سهم الله عز وجل بمقام النبوة المساوي لمقام الإمامة ، أو أعلا منه بمرقاة ، بل قيل بعلو مقام الإمامة منه.

نعم ما كان قد قبضه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام عليه‌السلام من الأسهم السابقة ينتقل إلى وارثه ضرورة صيرورته حينئذ كسائر أمواله التي فرض الله تقسيمها على الوارث ، واحتمال اختصاص الامام عليه‌السلام به‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس.

٨٧

أيضا لقبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له مثلا بمنصب النبوة أيضا باطل قطعا ، إذ هو وإن كان كذلك لكنه صار ملكا من أملاكه بقبضه وإن كان سببه منصب النبوة ، وفرق واضح بينه وبين انتقال الاستحقاق السابق للإمام بعد أن علم ملاحظة الوصف فيه الذي لا يشاركه فيه غير الامام ، بخلاف المقبوض فإنه قد صار خصوصية الذات لها مدخلية ، وما في خبر زكريا السابق من أن خمس الرسول لأقاربه مطرح أو يراد به الأئمة بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على إرادة الخمس المستحق لا المقبوض ، أو ورثته على إرادة الثاني ، وإلا فهو على ظاهره غير مطابق للمعلوم من المذهب ولذا قال في الحدائق : ان أريد حال الحياة فلا قائل به ، ولا دليل عليه ، بل الإجماع والأخبار على خلافه ، وان أريد بعد موته فلا قائل به أيضا هنا مع دلالة الأخبار على خلافه ، لدلالتها على كونه للإمام عليه‌السلام وابن الجنيد وان خالف في سهم ذوي القربى إلا انه لم يخالف في سهم الرسول ، والأمر سهل بعد وضوح الحال ، ومن ذلك كله علم مصرف الثلاثة من الأسهم الستة.

وأما الثلاثة الأخرى فهي للأيتام والمساكين وأبناء السبيل وأما ال ثلاثة الأخرى فهي للأيتام والمساكين وأبناء السبيل كتابا وسنة مستفيضة جدا بل متواترة وإجماعا بقسميه عليه ، بل وعلى أن المراد بهم أقارب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا مطلقا ، وان حكي عن ابن الجنيد ذلك مع استغناء ذي القربى ، لكن خلافه غير قادح في محصل الإجماع فضلا عن محكيه ، خصوصا بعد استفاضة الأخبار التي مرت وسيمر عليك بعضها في ذلك ، وفي أن ما زاد من الخمس عليهم للإمام ، وأنه لا يحل الخمس لغير بني هاشم ، جعله الله لهم عوض تحريم الزكاة ، فمن تحل له الزكاة يحرم عليه الخمس وبالعكس ، وبعد أن لم لعثر له على مستند ، إذ إطلاق الآية وبعض الأخبار‌

٨٨

مقيد عندنا بالسنة والإجماع بقسميه ، وعنده وإن كان بغير دليل ، كما ان خبر زكريا بن مالك المتقدم يجب حمله على إرادة ما ذكرنا أو غيره ، وإلا فهو لا يتم أيضا عندنا وعنده كما هو واضح.

وقيل ولم نعرف قائله منا كما اعترف به في المسالك وغيرها ، نعم هو محكي عن الشافعي وأبي حنيفة بل يقسم الخمس خمسة أقسام بحذف سهم الله تعالى وإن افتتح به في الآية تيمنا وتبركا ، وإلا فالأشياء كلها له ، فالمراد حينئذ ان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة ، أو المراد ان من حق الخمس ان يكون متقربا به إلى الله تعالى لا غير ، وان قوله ( وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) من قبيل التخصيص بعد التعميم تفضيلا لهذه الوجوه على غيرها ، كقوله تعالى (١) ( وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ ) إلى غير ذلك من اللغو الذي لا يستحق أن يسطر ، نعم قد يظهر من المدارك الميل إلى هذا القول مستدلا عليه بأصح رواية وصلت اليه ، وهي‌ صحيحة ربعي (٢) عن الصادق عليه‌السلام « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس ويأخذ خمسه ، ثم يقسم أربعة أخماس بين الناس الذين قاتلوا عليه ، ثم قسم الخمس الذي أخذه خمسة أخماس يأخذ خمس الله عز وجل لنفسه ثم يقسم الأربعة أخماس بين ذوي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل ، يعطي كل واحد منهم جميعا ، وكذلك الإمام يأخذ كما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وهي ـ مع أنها حكاية فعل محتمل لرفع يده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن حقه توفيرا‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ٩٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ٣.

٨٩

لغيره ، ومشتملة على حذف سهمه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا سهم الله تعالى الذي هو مذهب ذلك القائل ـ قاصرة عن معارضة ما تقدم من محكي الإجماع بل ومحصله على الظاهر وظاهر الكتاب والمعتبرة المستفيضة جدا ، بل ما اشتمل منها على ثبوت سهم الله متواتر على الظاهر.

ومنه يعلم حينئذ أن الأول مع كونه أشهر أقوى وأصح بل لا شهرة ولا قوة ولا صحة في غيره ، إذ هو وإن كان لمجهول النسب القادح في تحصيل الإجماع على بعض الطرق إلا انه حيث يكون له جهة صحة ، لا إذا كان موافقا للعامة ومخالفا للكتاب والمستفيض من السنة أو المتواتر ومحكي الإجماع المعتضد بتتبع فتاوى الأصحاب وغير ذلك ، فلا ريب في إمكان تحصيل الإجماع حينئذ بخلافه حتى على الطريق المذكور كما هو واضح ، فتأمل.

ويعتبر في الطوائف الثلاثة انتسابهم إلى عبد المطلب بالأبوة ، فلو انتسبوا بالأم خاصة لم يعطوا شيئا من الخمس على الأظهر الأشهر ، بل عليه عامة أصحابنا كما اعترف به في الرياض عدا المرتضى رحمه‌الله وابن حمزة على ما حكي عنهما ، مع ان فيما حضرني من نسخة وسيلة الثاني موافقة المشهور ، ويؤيده نسبة غير واحد من الأصحاب ذلك للمرتضى خاصة ، نعم وافقه عليه المحدث البحراني في حدائقه حاكيا فيها عن المسالك نقله أيضا في ميراث أولاد الأولاد عن الحلي ومعين الدين المصري ، وفي بحث الوقف عن المفيد والقاضي أيضا ، بل وعن رسالة لبعض أفاضل العجم صنفها في اختيار مذهب السيد ، نقله عن القطب الراوندي والفضل بن شاذان وابن أبي عقيل وأبي الصلاح والشيخ في الخلاف وابني زهرة والجنيد ، بل وعن كتاب الميراث من كنز العرفان عن الراوندي أيضا والشيخ احمد بن المتوج البحراني ، ثم قال : ونقل عن المقدس الأردبيلي الميل اليه ، وهو مختار المدقق مير محمد باقر الداماد والمولى محمد صالح المازندراني في شرح الأصول‌

٩٠

والسيد نعمة الله الجزائري والشيخ عبد الله بن صالح البحراني ، لكن قد عرفت انهم هنا لم ينسبوا الخلاف إلا للمرتضى رحمه‌الله وكأنه لأن مبناه في المقام ليس صدق اسم الولد حقيقة وعدمه ، حتى انه يلزم مدعي الصدق في غيره موافقة المرتضى هنا كما استفاده هذا المحدث ، وجعل مدار المسألة ذلك وجودا وعدما ، حتى انه نسبه لبعض من عرفت من هذه الجهة ، بل هو صريح المرسل الطويل (١) عن العبد الصالح المروي في كتب المحمدين الثلاثة الذي يكفي اتفاقهم على روايته جبرا لإرساله فضلا عن شهادة النظر في متنه والتأمل فيه وفيما اشتمل عليه من الأحكام المخالفة لمن جعل الله الرشد في خلافهم ، وعن عمل كافة الأصحاب عداه به وإن ذكر في بعض الكتب مستندا غيره الذين فيهم من لا يعمل إلا بالقطعيات ، وعن اعتضاده بموافقة الاحتياط الذي جعله الله طريق السلامة خصوصا فيما اشتغلت الذمة به بيقين ، وبإمكان دعوى انصراف اسم الولد إلى غيره وإن كان هو حقيقة فيه سيما المضاف منه ، كإمكان دعوى منع دخوله بذلك وإن سلم كونه حقيقة أيضا تحت اسم القبيلة والعشيرة التي حرم الله عليها الصدقة معوضا لها عنها بالخمس ، ولان دخل بذلك فدخوله من جهة الأب تحت اسم القريشي مثلا الذي أحل الله له الصدقة وجرم عليه الخمس أولى حينئذ من وجوه.

ودعوى ان الموجود في اخبار الخمس لفظ الآل والذرية والعترة وذوي القرابة وأهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحو ذلك من الألفاظ التي لا كلام في دخول المفروض فيها ، دون لفظ الابن واسم القبيلة ، خصوصا بعد تفسير الآل في رواية (٢) بالذرية ، وأخرى (٣) بمن حرم نكاحه على محمد ( صلى الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ٨.

(٢) معاني الأخبار ص ٩٤ « باب معنى الآل والأهل والعترة والأمة » الحديث ٢.

(٣) معاني الأخبار ص ٩٤ « باب معنى الآل والأهل والعترة والأمة » الحديث ١.

٩١

عليه وآله ) ونص الكتاب العزيز (١) على ان عيسى من ذرية إبراهيم ، وليس إلا من جهة الأم ، يدفعها ـ بعد منع دخوله عرفا في أكثر هذه الألفاظ أو جميعها عدا الذرية ـ انه لا ينبغي التوقف في كون المفهوم من أخبار المقام وأخبار تحريم الصدقة ان موضوع الخمس وحرمة الصدقة الهاشمي أو نحوه ـ قال الصادق عليه‌السلام في خبر زرارة (٢) : « لو كان عدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة إن الله جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهما » ـ مما لا يدخل فيه المفروض عرفا بل ولا في بني هاشم وبني عبد المطلب وإن كان ابنا حقيقة ، إذ المصاديق العرفية للتراكيب لا تدور مدار نحو ذلك ، فتأمل إلى غير ذلك من العواضد والجوابر والمبعدات لقول المرتضى إذ قضيته تحليل الخمس لسائر الفرق حتى الأموية ، إذ قل ما يخلو أحد من كون احد جداته من امه أو أبيه وإن علت علوية ، فيشارك حينئذ بني هاشم سائر الناس في خمسهم ، وهو معلوم البطلان ، بل قد يدعى السيرة القطعية بخلافه ، مع انه لو كان كذلك لشاع وذاع حتى خرق الأسماع ، فكيف والشائع خلافه ، كما ان المروي عن أئمتنا كذلك ، قال في‌ المرسل المزبور (٣) بعد ان ذكر ان نصف الخمس للإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنصف الآخر بين أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين ذكرهم الله تعالى ، فقال (٤) : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) وهم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم والأنثى ، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب احد ، ولا فيهم ولا منهم في هذا‌

__________________

(١) سورة الأنعام ـ الآية ٨٤ و ٨٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ٨.

(٤) سورة الشعراء ـ الآية ٢١٤.

٩٢

الخمس من مواليهم ، وقد تحل صدقات الناس لمواليهم ، وهم والناس سواء ، ومن كانت امه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فان الصدقات تحل له ، وليس له من الخمس شي‌ء ، لأن الله تعالى يقول ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ) ».

وإلا فقد توافق المرتضى رحمه‌الله وغيره في كونه ابنا حقيقة كما يظهر من جماعة من الأصحاب في غير المقام ، بل قد يظهر من المحكي عن ابن إدريس في كتاب المواريث الإجماع عليه ، كما عن المرتضى فيه أيضا نفي الخلاف فيه ، بل وكذا المحكي عن خلاف الشيخ في باب الوقف والميراث ، بل ظاهره فيهما إجماع الأمة على ذلك ، فلاحظ ، لكثرة استعماله في الحسن والحسين عليهما‌السلام بل وباقي الأئمة كثرة يبعد معها إرادة المجاز ، خصوصا في المقام الذي أريد منه الافتخار والاستظهار على الغير ، كبعد احتمال الخصوصية في الأئمة عليهم‌السلام وإن كان قد يحتمل ، لأنهم من طينة واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض بل لم يعلم حقائقهم وكيفية خلقهم سوى خالقهم ، إلا ان الظاهر مما ستسمع خلافه ، ولمعلومية حرمة زوجة ابن البنت بقوله تعالى (١) ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ ) وحرمة بنت ابن البنت بقوله (٢) ( وَبَناتُكُمْ ) وحرمة زوجة الجد بقوله (٣) ( ما نَكَحَ آباؤُكُمْ ) وحلية إراءة الزينة لابن البنت وابن بنت البعل ، وحجب الأبوين عما زاد من السدس والزوج إلى الربع والزوجة إلى الثمن بقوله (٤) ( إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ) ول‌ خبر أبي الجارود (٥) قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام : يا أبا الجارود ما يقولون لكم في الحسن والحسين عليهما‌السلام؟ قلت : ينكرون علينا انهما ابنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : فبأي شي‌ء احتججتم عليهم؟ قلت : احتججنا عليهم‌

__________________

(١) و (٢) سورة النساء ـ الآية ٢٧.

(٣) و (٤) سورة النساء ـ الآية ٢٦.

(٥) البحار ج ١٠ ص ٦٦ من طبعة الكمباني.

٩٣

بقول الله عز وجل (١) في عيسى بن مريم عليهما‌السلام ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ ) إلى قوله ( وَعِيسى ) ، قال : فأي شي‌ء قالوا لكم؟ قلت : قالوا : قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب ، قال : فبأي شي‌ء احتججتم عليهم قلت : بقول الله تعالى (٢) لرسوله ( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) قال : فأي شي‌ء قالوا لكم؟ قلت قالوا : قد يكون في كلام العرب أبناء رجل ويقول آخر : أبناؤنا ، قال : فقال أبو جعفر عليه‌السلام : يا أبا الجارود لأعطينكها من كتاب الله عز وجل (٣) ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) إلى ان انتهى إلى قوله ( وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ ) ، فسلهم يا أبا الجارود هل كان لرسول الله نكاح حليلتهما؟

فان قالوا نعم كذبوا وفجروا ، وإن قالوا لا فهما ابناه لصلبه ».

وصحيح ابن مسلم (٤) عن أحدهما عليهما‌السلام « لو لم يحرم على الناس أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقول الله عز وجل (٥) ( وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ ) حرم على الحسن والحسين عليهما‌السلام بقول الله عز وجل (٦) ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ ) ، ولا يصلح للرجل ان ينكح امرأة جده ».

والمروي (٧) عن عيون الأخبار واحتجاج الطبرسي في حديث طويل يتضمن‌

__________________

(١) سورة الأنعام ـ الآية ٨٤ و ٨٥.

(٢) سورة آل عمران ـ الآية ٥٤.

(٣) و (٦) سورة النساء ـ الآية ٢٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ـ الحديث ١ من كتاب النكاح.

(٥) سورة الأحزاب ـ الآية ٥٣.

(٧) عيون أخبار الرضا عليه‌السلام ج ١ ص ٨١ الى ٨٥ ـ الحديث ٦ من الباب ٧.

٩٤

ذكر ما جرى بينه وبين الرشيد لما أدخل عليه ، وموضع الحاجة منه انه قال له الرشيد : « لم جوزتم للعامة والخاصة أن ينسبوكم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقولون : يا ابن رسول الله وأنتم من علي عليه‌السلام وإنما ينسب المرء إلى أبيه وفاطمة انما هي وعاء ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جدكم من قبل أمكم ، فقلت : يا أمير المؤمنين لو ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نشر فخطب إليك كريمتك هل كنت تجيبه؟ فقال : سبحان الله لم لا أجيبه بل افتخر على العرب وقريش بذلك ، فقلت : لكنه لا يخطب إلى ولا أزوجه ، فقال : ولم؟ فقلت : لأنه ولدني ولم يلدك ، فقال : أحسنت يا موسى ، ثم قال : كيف قلتم إنا ذرية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنبي لم يعقب ، وانما العقب للذكر لا الأنثى ، وأنتم ولد لابنته ولا يكون لها عقب ـ ثم ساق الخبر إلى ان قال ـ فقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف ـ إلى ان قال ـ وعيسى ، من أبو عيسى يا أمير المؤمنين؟ فقال : ليس لعيسى أب فقلت : إنما ألحقناه بذراري الأنبياء من طريق مريم وكذلك ألحقنا بذراري النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قبل أمنا فاطمة الزهراء عليها‌السلام وكذلك أزيدك يا أمير المؤمنين قال : هات قلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فمن حاجك فيه ـ الآية ـ ولم يدع أحد أنه أدخله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحت الكساء إلا علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام فالأبناء هم الحسن والحسين ، والنساء هي فاطمة ، وأنفسنا وأنفسكم إشارة إلى علي بن أبي طالب ».

والمروي (١) عن كتاب الاختصاص للمفيد في حديث طويل عن الكاظم عليه‌السلام مع الرشيد أيضا ، قال فيه : « واني أريد أن أسألك عن مسألة فإن أجبتني اعلم انك قد صدقتني وخليت عنك ووصلتك ولم اصدق ما قيل فيك‌

__________________

(١) الاختصاص ـ ص ٥٥ و ٥٦.

٩٥

فقلت : ما كان علمه عندي أجبتك فيه ، فقال : لم لا تنهون شيعتكم عن قولهم لكم يا ابن رسول الله وأنتم ولد علي ، وفاطمة انما هي وعاء ، والولد ينسب إلى الأب لا الأم ، فقلت : إن رأى أمير المؤمنين ان يعفيني عن هذه المسألة فعل ، فقال : لست افعل أو تجيب ، فقلت : فأنا في أمانك أن لا يصيبني من آفة السلطان شي‌ء فقال : لك الأمان ، فقلت : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ووهبنا له إسحاق ـ إلى ان قال ـ وعيسى ، فمن أبو عيسى؟ فقال : ليس له أب إنما خلق من كلام الله عز وجل وروح القدس ، فقلت : إنما ألحق عيسى بذراري الأنبياء من قبل مريم ، وألحقنا بذراري الأنبياء من قبل فاطمة لا من قبل علي عليه‌السلام فقال : أحسنت أحسنت يا موسى زدني من مثله ، فقلت : اجتمعت الأمة برها وفاجرها ان حديث النجراني حين دعاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المباهلة لم يكن في الكساء إلا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام فقال الله تبارك وتعالى ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ : تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ) ، فكان تأويل أبناءنا الحسن والحسين عليهما‌السلام ونساءنا فاطمة ، وأنفسنا علي عليه‌السلام فقال : أحسنت ».

والمروي (١) عن الكافي عن بعض أصحابنا ، قال : « حضرت أبا الحسن الأول عليه‌السلام وهارون الخليفة وعيسى بن جعفر وجعفر بن يحيى بالمدينة ، وقد جاءوا إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال هارون لأبي الحسن : تقدم فأبى فتقدم هارون فسلم وقام ناحية ، فقال عيسى بن جعفر لأبي الحسن : تقدم فأبى فتقدم عيسى فسلم ووقف مع هارون فقال جعفر لأبي الحسن عليه‌السلام :

__________________

(١) فروع الكافي ج ٢ ص ٥٥ الطبع الحديث.

٩٦

تقدم فأبى فتقدم جعفر وسلم ووقف مع هارون فتقدم أبو الحسن عليه‌السلام وقال : السلام عليك يا أبة أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك ان يصلي عليك فقال هارون لعيسى : سمعت ما قال؟ قال : نعم ، فقال : أشهد أنه أبوه حقا ».

والمروي (١) عن المشايخ الثلاثة بطرق عديدة ومتون متقاربة عن عابد الأحمسي ، قال « دخلت على أبي عبد الله وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل فقلت : السلام عليك يا ابن رسول الله فقال : وعليك السلام إي والله إنا لولده ، وما نحن بذوي قرابته ».

والمروي عن كتاب مطالب السؤل (٢) في مناقب آل الرسول لمحمد ابن طلحة الشامي الشافعي قال : « قد نقل ان الشعبي كان يميل إلى آل الرسول وكان لا يذكرهم إلا وهو يقول : هم أبناء رسول الله وذريته ، فنقل عنه ذلك إلى الحجاج بن يوسف وتكرر ذلك منه وكثر نقله عنه ، فأغضبه ذلك من الشعبي ونقم عليه ، فاستدعاه الحجاج يوما وقد اجتمع لديه أعيان المصرين الكوفة والبصرة وعلماؤهما وقراؤهما ، فلما دخل الشعبي لم يهمش له ولا وفاه حقه من الرد عليه ، فلما جلس قال له : يا شعبي ما أمر يبلغني عنك فيشهد عليك بجهلك قال : ما هو يا أمير؟ قال : ألم تعلم ان أبناء الرجل هل ينسبون إلا اليه والأنساب لا يكون إلا بالآباء ، فما بالك تقول عن أبناء علي انهم أبناء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذريته ، وهل لهم اتصال برسول الله إلا بأمهم فاطمة ، والنسب لا تكون بالبنات وانما يكون بالأبناء ، فأطرق الشعبي ساعة حتى بالغ الحجاج في الإنكار عليه وقرع إنكاره مسامعه والشعبي ساكت ، فقال : يا أمير ما أراك إلا‌

__________________

(١) فروع الكافي ج ١ ص ٤٨٧ « باب النوادر » ـ الحديث ٣.

(٢) ص ٤ المطبوعة عام ١٢٨٧ مع الاختلاف في اللفظ.

٩٧

متكلما بكلام من يجهل كلام الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو يعرض عنهما فازداد الحجاج غضبا منه ، وقال : المثلي تقول هذا يا ويلك ، قال : نعم ، هؤلاء قراء المصرين حملة الكتاب العزيز أليس قد قال الله تعالى ( يا بَنِي آدَمَ ) ـ ( يا بَنِي إِسْرائِيلَ ) وعن إبراهيم ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ). ( عِيسى ) ، وهل كان اتصال عيسى بالثلاثة إلا بأمه ، وقد صح النقل عن رسول الله هذا ابني سيد ، فخجل الحجاج وعاد يتلطف الشعبي ».

بل هو من الآل أيضا ، والمروي عن‌ تفسير العياشي عن أبي عمر والزبيري (١) عن الصادق عليه‌السلام « قلت له : ما الحجة في كتاب الله أن آل محمد هم أهل بيته؟ قال : قول الله تبارك وتعالى (٢) ( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ ) وآل محمد ، هكذا نزلت ( عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ، ولا يكون الذرية من القوم إلا نسلهم من أصلابهم ، وقال ( اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ ) ».

والمروي (٣) عن العيون والمجالس عن الرضا عليه‌السلام في مجلس له مع المأمون ـ إلى ان قال ـ : « وأما العاشرة فقول الله عز وجل (٤) ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ ) الآية ، أخبروني هل كانت ابنة أحدكم يصلح ان يتزوجها لو كان حيا؟ قالوا : نعم ، قال : ففي هذا بيان اني من آله ولستم من آله ، ولو كنتم من آله لحرم بناتكم عليه كما حرم عليه بناتي ، لأني من آله وأنتم من أمته ، فهذا فرق بين الآل والأمة ، لأن الآل منه والأمة إذا لم تكن من الآل ليست منه ، وأما‌

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ١٦٩ سورة آل عمران ـ الحديث ٣٥.

(٢) سورة آل عمران ـ الآية ٣٠.

(٣) عيون أخبار الرضا (ع) ج ١ ص ٢٣٩ و ٢٤٠ المطبوعة عام ١٣٧٧.

(٤) سورة النساء ـ الآية ٢٧.

٩٨

الحادية عشر فقوله عز وجل (١) في سورة المؤمن : ـ وساق الكلام إلى ان قال ـ وكذلك خصصنا نحن إذ كنا من آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بولادتنا منه ». وقال أيضا في الخبر المذكور ردا على من ادعى ان الآل هم الأمة « أخبروني هل تحرم الصدقة على الآل؟ قالوا : نعم ، قال : فتحرم على الأمة قالوا : لا ، قال : هذا فرق بين الآل والأمة ».

بل قد يستظهر من هذا الأخير ما نحن فيه ، إذ المنتسب بالأم داخل في الآل لما ورد من تفسيره بالذرية في خبر (٢) وبمن حرم نكاحه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في آخر (٣) فتحرم عليه الصدقة بنص الخبر المذكور ، وإذا حرم عليه ذلك حل له الخمس ، لأنه لمن حرمت عليه ، فيعارض المرسل (٤) السابق المصرح بحلية الصدقة له ، على أنه مع موافقته للعامة مشتمل على التعليل بالآية الكريمة الظاهرة في إرادة التقريب منه لا التحقيق ، وإلا فهي بمعزل عما نحن فيه ، حيث ان سبب نزولها ما كان معتادا في الجاهلية من تبني اليتيم وجعله كالولد الحقيقي في سائر الأحكام حتى انهم عابوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما تزوج بزينب زوجة زيد بن حارثة ، لأنه كان تبناه صغيرا حتى كان يدعى زيد بن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنزلت الآية ردا عليهم ، لا انها لنفي بنوة ابن البنت الذي هو المطلوب ، كما ان قول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهن أبناء الرجال الأباعد

مع انه قول أعرابي جاهل لا يعارض الكتاب والسنة محتمل لإرادة المتعارف‌

__________________

(١) سورة المؤمن ـ الآية ٢٩.

(٢) معاني الأخبار ص ٩٤ « باب معنى الآل والأهل والعترة والأمة » الحديث ٢.

(٣) معاني الأخبار ص ٩٤ « باب معنى الآل والأهل والعترة والأمة » الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ٨.

٩٩

المعتاد في جلب المنافع الدنيوية ودفع المضار بالأولاد وأولادهم دون أولاد البنات فكانوا كالأباعد بالنسبة إلى ذلك ، بل لعل ظهور إرادة هذا الشاعر المجاز والمبالغة في النفي شاهد على العكس ، إذ من البعيد إرادته بيان الوضع واللغة ، فتأمل ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « أنت ومالك لأبيك » إذ المراد منه نوع من المجاز قطعا لا ما نحن فيه.

والقول ان الولد مخلوق من ماء الأب ، والأم ظرف ووعاء كما في‌ خبر عبد الله ابن هلال (٢) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن رجل تزوج ولد الزنا فقال : لا بأس ، انما يكون مخافة العار ، وانما الولد للصلب ، وانما المرأة وعاء » من غرائب الكلام بعد ما عرفت من الأخبار (٣) المتضمنة لرد عين هذه الدعوى من المخالفين بل قوله تعالى (٤) ( يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ ) أي صلب الرجل وترائب المرأة ، وقوله (٥) ( نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ ) أي نخلطه من مائهما أقوى شاهد على رده أيضا ، مضافا إلى الأخبار الدالة على ذلك.

وكذا القول انه يصح سلب اسم الولدية عنه عرفا ، إذ فيه انه إن سلم فالمراد نفيه بلا واسطة كولد الولد ، بل قد يناقش في العمل بالمرسل المذكور بعدم حجيته في نفسه ، بل وعدم قابلية الشهرة لجبره أيضا بعد ظهور كون مستندها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٨ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ١ من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ـ الحديث ٨ من كتاب النكاح.

(٣) المتقدمة في ص ٩٥ و ٩٦.

(٤) سورة الطارق ـ الآية ٧.

(٥) سورة الدهر ـ الآية ٢.

١٠٠