جواهر الكلام - ج ١٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ممن لا يستطيع إثباته عليه أو سرق منه أو نحو ذلك ، فان احتساب ذلك كله من المئونة وإن لم يكن من مال التجارة لا يخلو من إشكال أو منع.

ومن هنا صرح في المسالك والروضة والدروس وغيرها بعدم جبر تلف أو خسران غير مال التجارة بالربح وإن كان في عامه ، بل قد يقوى ما هو الأحوط من عدم جبر خسارة أو تلف مال تجارة بربح أخرى ، خصوصا إذا فرض تعقب الربح للخسارة ، ضرورة مراعاة مؤن الحول من حين حصوله ، فلا يخرج منه الخسارة السابقة ، بل ولا التجارة الواحدة في الوقتين ، إذ هي في الحقيقة كالتجارتين ، سيما أيضا لو كان الربح في الوقت الثاني ، بل ولا هي في وقت واحد أيضا إذا فرض التلف بسرقة ونحوها لا بتغير السعر ونحوه مما يحصل به الخسران في التجارة ، نعم قد يقوى الجبر لخسران بعض مال التجارة بربح الآخر في الحول الواحد كما لو فرض انه بيع بعض أعيان التجارة الواحدة بأنقص من رأس المال ثم تغير السعر فباعه بأضعافه ، لعدم صدق الربح والغنيمة عرفا بدون ملاحظة خروجه ، لكن في الروضة وفي جبر خسران التجارة بربحها في الحول وجه قطع به المصنف في الدروس إلا انه لعله يريد ما ذكرنا ، وإلا كان محلا للنظر والتأمل ، كما ان ما في كشف الأستاذ كذلك أيضا حيث قال فيه : « ولا يجبر خسران غير مال التجارة بالربح منها ، والأحوط ان لا يجبر خسران تجارة بربح اخرى ، بل يقتصر على التجارة الواحدة » انتهى. فظهر حينئذ ان إطلاق بعض الأصحاب عد ما يأخذه الظالم قهرا أو مصانعة منها قد ينزل على ما هو المتعارف والمعتاد من الظلم كالخراج ونحوه لا الاتفاقي ، بل قد يستفاد من‌ قوله عليه‌السلام في خبر ابن مهزيار (١) الطويل : « تخفيفا مني عن موالي ومنا مني عليهم » إلى آخره خروج جميع ما يغتاله السلطان في أموالهم عنها حتى يلائم التخفيف والامتنان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٥.

٦١

وكذا الإشكال في احتساب أروش جناياته وقيم متلفاته العمدية منها بخلاف الخطائية ، وإن كان قد يدفع بأنه من الديون التي قد عرفت احتسابها من المئونة ، بل هي مما يحتاجه الناس في كثير من الأوقات ، بل هو من أعظم مؤنهم ، لكن يعتبر في ذلك وفي الديون وفي النذور والكفارات ونحوها. سبقها أو مقارنتها لحول الربح مع الحاجة ، بل قد لا تعتبر الحاجة في الدين السابق مثلا لصيرورة وفائه بعد شغل الذمة به من الحاجة وإن لم يكن أصله كذلك دون المتجدد منها بعد مضي الحول ، فإنه لا يزاحم الخمس في ربح ذلك العام الماضي ، بل سائر المؤن السابقة كذلك أيضا ، كما صرح به بعضهم ، بل هو ظاهر الأصحاب جميعهم على ما اعترف به في الكفاية حتى استطاعة الحج فإنها من المئونة بالنسبة إلى عام الاستطاعة ، اما لو استطاع من فضلات أحوال متعددة وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة ، وكانت مئونة الحج في ذلك العام من جملة مئونة السنة إذا صادف سير الرفقة حول تلك الفضلة ، وإلا فكالفضلة المتقدمة ، كما لو كان حول فضلة سنة الوجوب رمضان فمضى شعبان المكمل لحولها قبل سير القافلة للحج وقد تكمل ما يكفي الحج ، فإنه يجب الخمس في تلك الفضلة وإن كانت الاستطاعة للحج حصلت في تلك السنة.

نعم لو لم يسافر مع تيسر الرفقة عصيانا بقي الخمس على سقوطه ، إذ هو كالتقتير حينئذ المصرح باحتساب ما قتر فيه له في البيان والمسالك والروضة والمدارك والكفاية ، بل لا أعرف فيه خلافا ، بل لعله ظاهر معقد إجماع الغنية والسرائر والمنتهى والتذكرة. لصدق كونه من المئونة التي لا يتعلق الخمس إلا بالزائد عليها وإن لم يصرفه فعلا فيها ، مع انه نظر فيه في الأخير بالنسبة إلى ترك الحج عصيانا ، ولعله لا يخلو من وجه أو قوة فيه وفي سائر التقتيرات ، لانصراف المئونة عرفا إلى ما يتلفه في حوائجه ومآربه إرفاقا من الشارع بالمالك ، خصوصا‌

٦٢

بالنسبة إلى بعض الأشياء التي لا يعد تركها نقصا في حقه من شراء كتب ومراجعة أطباء وصنعة ولائم ونحوها وإن كانت هي لو فعلها من مؤنة ، إذ لا تلازم بين كونها منها وعدم النقص في تركها ، ضرورة أعمية المئونة من ذلك ، ولعله لذا قال الأستاذ في كشفه : « لو اقتصر في قوت أو لباس أو آلات مساكن أو أوضاع ولم يفعل ما يناسبه لم يحسب التفاوت من المئونة على الأقوى » بل ظاهره ذلك حتى فيما يحتمل النقص بتركه ، فلو فضل من مئونته حينئذ بسبب التقتير مما لم يتخذ للقنية كالحبوب وجب الخمس فيه ، وأولى منه الفاضل لا للتقتير.

أما لو أسرف وجب عليه خمس الزائد قطعا كما صرح به جماعة ، بل لا أعرف فيه خلافا ، بل لعله لذلك أوله ولسابقه أشير بتقييد المئونة بالاقتصاد في معقد إجماع الغنية والسرائر والمنتهى والتذكرة ، ومنه يعلم وجه ما في الدروس مستجودا له في الكفاية من انه لو وهب المال في أثناء الحول أو اشترى بغبن حيلة لم يسقط ما وجب من الخمس حينئذ.

ولو كان عنده مال آخر لا خمس فيه أو أخرج خمسه ففي إخراج المئونة منه خاصة أو من الربح كذلك أو بالنسبة بمعنى انه لو كانت المئونة مائة والأرباح مائتين والمال الآخر ثلاثمائة مثلا بسطت المئونة عليهما أخماسا ، فيسقط من الأرباح خمسها ، ويخمس الباقي ، وهو مائة وستون؟ وجوه كما في الروضة والمسالك وغيرهما ، أحوطها الأول ، وأعدلها الأخير ، وأقواها الثاني وفاقا للكفاية والحدائق وظاهر الروضة ، للأصل ، وظاهر النصوص والفتاوى ومعاقد الإجماعات خصوصا في مثل رأس المال المحصل للربح ، فان كلامهم كالصريح في عدم احتساب شي‌ء منه في المئونة ، وإن أطلق في الدروس ، فقال : « والمئونة مأخوذة من تلاد المال في وجه ومن طارفه في وجه ، ومنهما بالنسبة في وجه » لكن قد يريد غيره ، فتأمل ، وخلافا لمجمع البرهان فالأول للاحتياط الذي لا يجب مراعاته‌

٦٣

عندنا ، وإطلاق أدلة الخمس المحكوم عليها بما دل على اعتبار المئونة مما عرفت الذي لا يقدح فيه عدم صحة السند على تقدير تسليمه بعد انجباره بما سمعت ، وعدم انحصار الدليل فيه ، كما انه لا شاهد لتنزيله على غير ذلك ممن لا مال له آخر غيره إلا دعوى تبادر المئونة في ذلك الممنوعة على مدعيها ولزوم عدم الخمس في نحو أرباح أموال السلاطين والأكابر وزراعاتهم مما ينافي أصل حكمة وجوب الخمس الذي لا بأس بالتزامه.

نعم قد يقوى عدم احتساب ما عنده من دار وعبد ونحوه مما هو من المئونة إن لم يكن عنده من الأرباح ، لظهور المئونة في الاحتياج وإرادة الإرفاق فمع فرض استغنائه عن ذلك ولو بسبب انتقال بارث ونحوه مما لا خمس فيه وقد بنى على الاكتفاء به يتجه حينئذ عدم تقدير احتساب ذلك من المئونة ، بل قد يتجه مثله في ربح مال من قام غيره بمئونته لوجوب شرعي كالزوجة أو تبرع قد رضي المتبرع له به ، كما ان المتجه الاكتفاء بما بقي من مؤن السنة الماضية مما كان مبنيا على الدوام كالدار والعبد ونحوهما بالنسبة إلى السنة الجديدة ، فليس له حينئذ احتساب ذلك وأمثاله من الربح الجديد ، نعم لو تلفت أو انتقلت ببيع ونحوه اتجه احتسابه لكن مع إدخال ثمن المبيع منها في ما يريد ان يستجده ، فان نقص أكمل ، وإن اتفق انه ربح به دخل في الأرباح التي يجب إخراج خمسها ، وكذا في كل ما اتخذه للقنية إذا أراد بيعه ، فتأمل.

نعم قد يقال ان ظاهر تقييد المئونة في السنة (١) يقتضي وجوب إخراج خمس ما زاد منها عليها من غير فرق بين المأكل وغيره من ملبس أو فرش أو أواني أو غير ذلك إلا المناكح والمساكن ، فإنها إذا أخذت من ربح سنة لا يجب إخراج‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية والصواب « تقييد المئونة بالسنة ».

٦٤

خمسها بعد السنة ، بخلاف غيرهما فإنه يجب إخراج خمس الجميع بعد السنة ، ولعله لهذا استثنيت المناكح والمساكن كما ستسمع الكلام فيهما دون غيرهما لا طلاق أدلة الخمس المقتصر في تقييدها على المتيقن ، وهو مئونة السنة ، والله العالم.

السادس مما يجب فيه الخمس إذا اشترى الذمي أرضا من مسلم السادس مما يجب فيه الخمس إذا اشترى الذمي أرضا من مسلم وجب فيها الخمس عند ابني حمزة وزهرة وأكثر المتأخرين من أصحابنا ، بل في الروضة نسبته إلى الشيخ والمتأخرين أجمع ، بل في المنتهى والتذكرة نسبته إلى علمائنا ، بل في الغنية الإجماع عليه ، وهو بعد اعتضاده بما عرفت الحجة ، وإن كان قيل إنه لم يذكر الخمس في ذلك جماعة من القدماء كابن أبي عقيل وابن الجنيد والمفيد وسلار والتقي ، إذ هو مع عدم منافاته لحجية الإجماع المنقول عندنا أعم من الحكم بالنفي ، مضافا إلى المروي في‌ التهذيب عن أبي عبيدة الحذاء (١) بسند صحيح بل قيل أعلى درجات الصحة ، قال : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : أيما ذمي اشترى من مسلم أرضا فإن عليه الخمس » بل في الحدائق انه رواه المفيد في المقنعة عن الحذاء أيضا والمحقق في المعتبر عن الحسن بن محبوب ، بل قال : إنه روى الشيخ المفيد في باب الزيادات من‌ المقنعة عن الصادق عليه‌السلام (٢) مرسلا « الذمي إذا اشترى من المسلم الأرض فعليه فيها الخمس » وبذلك كله ينقطع الأصل ، ويقيد مفهوم حصر الخمس في الكنوز والمعادن وفي الغنائم إن لم نقل إنها منها كما ادعاه في المنتهى ، فما عن الشهيد الثاني في فوائد القواعد من الميل إلى عدم الخمس فيها استضعافا للرواية ضعيف جدا ، إذ هي مع اعتضادها بما سمعت في أعلى مراتب الصحة كما عرفت ، فما في الروضة تبعا لما عن المختلف انها من الموثق ليس في محله ، على انه حجة عندنا أيضا.

ثم إن ظاهر النص والفتوى قصر الحكم على الشراء خاصة ، للأصل ، لكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٢.

٦٥

في البيان واللمعة والروضة عمومه له ولغيره ، بل ظاهرها مطلق الانتقال من مسلم ولو بغير عقد معاوضة تنقيحا للمناط ، وفيه تأمل بل منع بالنسبة إلى غير عقود المعاوضة ، ولذا اقتصر عليها الأستاذ في كشفه. ولعله لدعوى إرادة مطلق الانتقال بعوض من الشراء ، وكذا ظاهر النص والفتوى بل هو صريح جماعة عدم الفرق بين ارض المزرع والمسكن وغيرهما ، خلافا لما عن المعتبر فخصها بالمزرع دون المسكن ، وتبعه عليه في المنتهى بعد اعترافه بأن إطلاق الأصحاب يقتضي العموم ، واستجوده في المدارك ، ولعله لا يخلو من وجه ، للأصل ، ودعوى تبادر ذلك من الأرض وتعارف التعبير عن غيرها بالدار والمسكن ، إلا ان فيهما معا تأملا خصوصا إن أرادا حتى الأرض المتخذة للمسكن.

فالأولى ثبوت الخمس سواء كانت مزرعا أو مسكنا بل وسواء كانت مما فيه الخمس كالأرض المفتوحة عنوة حيث يصح بيعها ، كما لو باعها إمام المسلمين في مصالحهم أو باعها أهل الخمس ، إذ قد عرفت ثبوته في الأراضي من الغنائم أو غير ذلك ، بل قد يقال به في المبيع منها تبعا لآثار التصرف فيها وفاقا للمحكي عن جمع من المتأخرين بناء على حصول الملك للمتصرف بذلك ، وإن كان هو يزول بزوال تلك الآثار ، لكنه لا يمنع تناول النص والفتوى له فتأمل الأردبيلي في هذا التعميم من المصنف وغيره معللا له بعدم جواز بيع المفتوحة عنوة لعدم ملك احد بالخصوص لها ولزوم تكرار إخراج الخمس فيها حينئذ في غير محله ، وإن تبعه تلميذه في المدارك في خصوص البيع لآثار التصرف ، لما عرفت ، وعدم وضوح بطلان اللازم ، بل الظاهر صحته لاختلاف جهتي الخمس فيهما ، فتأمل.

أو كانت ليس مما فيه الخمس كالأرض التي أسلم عليها أهلها طوعا بل وسواء باعها الذمي من ذمي آخر أولا لتعلق الخمس فيها ، نعم أرباب الخمس بالخيار بين الرجوع على البائع والرجوع على المشتري ، فيرجع‌

٦٦

على البائع بما قابل خمسها من الثمن إن لم يختر الفسخ ، لتبعض الصفقة ، بل وكذا لو باعها لمسلم وإن كان الأصلي ، بل وكذا لا يسقط لو ردها إليه بالإقالة وإن احتمله في البيان والمسالك ، بل قد يقال به أيضا فيما لو ردها بخيار كان له بشرط أو غيره ، لا طلاق الأدلة ، وإن كان لا يخلو من تأمل ، لإمكان دعوى ظهور اللازم المستقر من الشراء ، لكن عليه يكون هو المستقر في ذمته الخمس ، بل قد يكون ليس له الرد بدون رضى الناقل بناء على تعلق الخمس بالعين ولم نكتف بضمانه للزوم تبعض الصفقة عليه حينئذ.

وكذا لا يسقط الخمس بإسلامه بعد صيرورة الأرض في ملكه ، بخلاف ما لو أسلم قبله وإن كان بعد العقد قبل القبض الذي يتوقف عليه الملك ، ولو تملك ذمي من مثله بعقد مشروط بالقبض فأسلم الناقل قبل الإقباض أخذ من الذمي الخمس في وجه قوي ، وعلى كل حال فليس للذوي الخيار مع عدم لزوم الضرر في أخذ الخمس منه ، بل ومعه على الأقوى ، لأنه حكم شرعي من غير قبل المالك ، ولو اشتراها من مسلم ثم باعها منه أو من مسلم آخر ثم اشتراها كان عليه خمس الأصل مع خمس الأربعة الأخماس وهكذا حتى تفنى قيمتها ، ولو اشترى الخمس في جميع الدفعات أخذ منه خمسه ، ولو كرر الشراء مرتين فخمسا الخمسين ، ولو شراها وشرط نفي الخمس أو تحمله بطل الشرط بل والعقد على الأقوى.

ومصرف هذا الخمس مصرف غيره من الأخماس كما هو ظاهر النص والفتوى بل كاد يكون صريحهما ، بل هو كذلك وإن لم نقل بالحقيقة الشرعية ، ضرورة كفاية المتشرعية الواجب حمل الفتاوى ومثل هذا النص عليها فيه ، لكن في المدارك وعن المنتقى احتمال إرادة تضعيف العشر الذي هو الزكاة على الذمي من النص تبعا للمحكي عن مالك من القول بمنع الذمي من شراء الأرض العشرية ، وانه إذا اشتراها ضوعف عليه العشر فيجب الخمس ، بل في الأخير احتمال صدور‌

٦٧

هذا الخبر تقية منه ، فان مدارها على الرأي الظاهر لأهل الخلاف وقت صدور الحكم ، ومعلوم ان رأي مالك كان هو الظاهر في زمن الباقر عليه‌السلام ، فينقدح حينئذ ما في التمسك به لا ثبات هذا الحكم ، وليس بمظنة بلوغ الإجماع ليغني عن طلب الدليل ، فان جمعا منهم لم يذكروه ، كما عن آخر التوقف فيه ، وهو منهما بعد ما سمعت مما تقدم عجيب ، كالعجب في التوقف في متعلق الخمس هنا بعد ظهور النص والفتوى في كون الأرض كغيره مما ثبت فيه الخمس.

نعم يتخير من إليه أمر الخمس بين أخذ رقبة الأرض وبين ارتفاعها من إجارة وحصة مزارعة ونحوهما كما صرح به غير واحد ، لكن في الحدائق ان الأقرب التخيير إذا لم تكن الأرض مشغولة بغرس أو بناء ، وإلا تعين الأخذ من الارتفاع ، وطريقه ان تقوم الأرض مع ما فيها بالأجرة ، وتوزع الأجرة على ما للمالك وعلى خمس الأرض ، فيأخذ الإمام عليه‌السلام أو المستحق ما يخص الخمس من الأجرة ، قلت : قد يقال إن له أخذ خمس الرقبة هنا أيضا وإن كان ليس له قلع الغرس والبناء اللذين في حصة الخمس ، بل عليه إبقاؤه بالأجرة ، كما ان له أخذ القيمة لو بذلت له ، فتقوم الأرض حينئذ مشغولة بالغرس أو البناء بالأجرة ، ثم يأخذ خمس تلك القيمة ، ولذا أطلق في البيان فقال : « ويجوز الأخذ من الرقبة ومن الارتفاع » وفي المسالك « ويتخير الامام عليه‌السلام أو الحاكم بين أخذ خمس العين أو خمس الارتفاع » وفي الروضة بعد ان اختار عموم الحكم لأرض المزرع والمسكن قال : « وطريق معرفة الخمس ان تقوم مشغولة بما فيها بأجرة للمالك ـ ثم قال ـ : ويتخير الحاكم بين أخذ خمس العين والارتفاع » كما ان الأستاذ في كشفه بعد ان اختار ذلك قال : « وطريق الأخذ في هذا القسم ان يقوم مشغولا بما فيه بأجرة للمالك » وقال الشهيد الأول في المنسوب اليه من حواشي القواعد : « ويتخير الامام عليه‌السلام بين خمس أصلها وحاصلها » وفي حاشية‌

٦٨

على الإرشاد مدونة أظن أنها لولد المحقق الثاني « والظاهر ان المراد أرض الزراعة كما صرح به بعض أصحابنا ، فيتخير بين إخراج الخمس من رقبتها أو ارتفاعها » إلى غير ذلك من عباراتهم الظاهرة فيما ذكرنا عدا الأخيرتين منها ، بل يمكن إرادة ذلك أيضا من أوليهما بل وثانيتهما ، فتأمل.

ومقصودهم بقولهم : « مشغولة » إلى آخره مراعاة ذلك في التقويم احترازا عن دخول النقص لمن له الخمس لو قوم بدون ملاحظة الأجرة ، بل لولاه لأحاط بالقيمة كما اعترف به في المسالك ، وعن دخوله لمن عليه لو لم يلاحظ استحقاق بقاء المشغولية ، فتأمل جيدا.

ولا حول ولا نصاب هنا للإطلاق ، بل ولا نية على الذمي قطعا ، بل ولا على غيره حين الأخذ والدفع لا طلاق الدليل ، خلافا لما عن الدروس فأوجبها عند الأخذ والدفع عن الآخذ والدافع لا عن الذمي ، ولعله ظاهر المسالك حيث قال : « ويتوليان أي الحاكم والامام عليه‌السلام النية عند الأخذ والدفع وجوبا عنهما لا عنه ، مع احتمال سقوط النية هنا ، وبه قطع في البيان ، والأول خيرة الدروس » انتهى ، غير ظاهر الوجه بالنسبة للآخذ بعد فرض كون النية عن الآخذ لا الذمي ، والأمر سهل.

ويلحق بالذمي والمسلم في ذلك كله ما هو في حكم أحدهما من صبيانهم ومجانينهم وغيرهم كما في غيره من الأحكام ، بل في كشف الأستاذ « وفي دخول المنتحل للإسلام الخارج عنه في الحقيقة وجهان » لكن ستعرف فيما يأتي ان بعضهم استوجه اشتراط التكليف في وجوب الخمس ، والله أعلم.

السابع مما يجب فيه الخمس الحلال إذا اختلط بالحرام السابع مما يجب فيه الخمس الحلال إذا اختلط بالحرام ، ولا يتميز صاحبه أصلا حتى في عدد محصور ولا قدره أيضا أصلا ولو على الإشاعة مما اختلط معه وجب فيه الخمس وفاقا للنهاية والغنية والوسيلة والسرائر والنافع‌

٦٩

والقواعد والتذكرة والمنتهى والإرشاد والتحرير واللمعة والبيان وحواشي البخارية والتنقيح والروضة وحاشية الإرشاد والحدائق والرياض وغيرها ، بل في المنتهى نسبته إلى أكثر علمائنا ، والمفاتيح إلى المشهور ، بل في ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه ، وهو بعد شهادة التتبع له في الجملة الحجة ، مضافا إلى ما في البيان من دعوى اندراجه في الغنيمة » وإلى ما في‌ صحيح ابن مهزيار (١) السابق « ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ، ومثل مال يؤخذ لا يعرف له صاحب ، وما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة » إلى آخره ، وإلى‌ خبر ابن زياد (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال : « إن رجلا أتى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين إني أصبت مالا لا أعرف حلاله من حرامه فقال له : اخرج الخمس من ذلك المال فان الله عز وجل قد رضي من المال بالخمس ، واجتنب ما كان صاحبه يعلم » ونحوه‌ خبر السكوني (٣) الذي رواه المشايخ الثلاثة أيضا بل وعن المفيد روايته مرسلا أيضا ، بل وعن البرقي روايته عن النوفلي عن الصادق عن آبائه عن علي عليهم‌السلام « انه أتاه رجل فقال : إني كسبت مالا أغمضت في طلبه حلالا وحراما ، وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط علي ، فقال عليه‌السلام : تصدق بخمس مالك ، فان الله رضي من الأشياء بالخمس ، وسائر المال لك حلال » كمرسل الصدوق (٤) في الفقيه « جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : يا أمير المؤمنين أصبت مالا أغمضت فيه أفلي توبة؟ قال عليه‌السلام : ائتني بخمسه ، فأتاه بخمسه فقال : هو لك ، إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٥.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ١.

٧٠

وبسنده المروي عن الخصال بسند قوي إلى عمار بن مروان (١) « سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس ».

بل ربما استدل عليه أيضا‌ بالموثق (٢) عن الصادق عليه‌السلام « انه سئل عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل قال : لا إلا ان لا يقدر على شي‌ء يأكل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة. فإن فعل فصار في يده شي‌ء فليبعث بخمسه إلى أهل البيت عليهم‌السلام » بل في مجمع البرهان إمكان الاستدلال عليه‌ بصحيح الحلبي (٣) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم ويكون معهم فيصيب غنيمة فقال : يؤدي خمسا ويطيب له » لكنهما كما ترى وإن كانا لا يخلوان من نوع تأييد ، خصوصا بعد انجبارهما كقصور غيرهما سندا ودلالة بما عرفت.

فما في مجمع البرهان ـ من التأمل في ذلك ، بل مال إلى خلافه تلميذه في المدارك وتبعه عليه الكاشاني بل والخراساني في الظاهر بل ربما استظهر أيضا من ترك جماعة من القدماء التعرض له ، فأوجب عزل ما تيقن انتفاؤه عنه ، والتفحص عن مالكه إلى ان يحصل اليأس من العلم به ، فيتصدق به على الفقراء كغيره من مجهول المالك الذي قد ورد بالتصدق به نصوص (٤) كثيرة مؤيدة بالإطلاقات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٦ وفيه قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام. إلخ ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢ و ٧ و ١٣ والباب ٧ منه.

٧١

المعلومة والاعتبارات العقلية ـ في غير محله ، بل هو مع مخالفته الاحتياط في المصرف بل والمال في بعض الأحوال اجتهاد في مقابلة النصوص ، خصوصا مع ظهور تلك الروايات في غير ما نحن فيه من الممتزج المجهول قدرا وصاحبا ، ولقد أجاد في رده في الحدائق بأن طرح هذه النصوص المتكررة في الأصول المتفق عليها بين الأصحاب مما لا يجترئ عليه ذو مسكة ، وكذا المناقشة منه ومن غيره في مصرف هذا القسم من الخمس بأنه لا دلالة في هذه النصوص على مساواته لغيره من الخمس في ذلك ، بل ظاهر الأمر بالتصدق في خبر السكوني وإعطائه إياه في مرسل الفقيه وما ورد في حكم مجهول المالك خلافه ، إذ يدفعها ـ بعد موافقة الاختصاص للاحتياط كما صرح به بعضهم ، بناء على اختصاص الصدقة المحرمة عليهم بالزكاة المفروضة ونحوها ـ ظهور لفظ الخمس في النصوص والفتاوى في ذلك بل لعله حقيقة شرعية فيه ، بل ينبغي القطع بالمتشرعية التي تحمل عليها الفتاوى وبعض النصوص ، خصوصا بعد ذكر الأصحاب له في هذا الباب ، ومن هنا اعترف في البيان ان ظاهر الأصحاب ذلك ، على ان خبر الخصال كالصريح فيه ، بل وصحيح ابن مهزيار ، بل وخبري السكوني وابن زياد بمعونة التعليل السابق فيهما ، بل الموثق السابق صريح فيه بناء على ظهوره فيما نحن فيه ، والأمر بالصدقة بعد وقوع التعبير بمثله عن الخمس مستدلا عليه بآية التطهير والتزكية لا دلالة فيه كإعطائه إياه إن سلم رجوع الضمير فيه إلى الخمس بعد ما سمعت ان للإمام عليه‌السلام التصرف فيه يفعل به ما يشاء ، بل لعل قوله عليه‌السلام فيه : « ائتني » مشعر بالمختار ، وأخبار مجهول المالك مع ظهورها في غير ما نحن فيه يجب الخروج عنها بما هنا.

نعم لو علم قدر المال والصاحب سقط الخمس ووجب الدفع اليه كغيره من‌

٧٢

الشركاء من غير إشكال بل ولا خلاف ، وإن كان ظاهر ترك الاستفصال في بعض الأخبار السابقة يقتضي خلافه ، لكن الضرورة وخبر الخصال وصحيح ابن مهزيار كاف فيه ، بل لعل الظاهر أيضا سقوطه لو علمه في عدد محصور ، فيجب التخلص من الجميع بالصلح ونحوه كما صرح به في المدارك والروضة ولو إجبارا بمعنى التوزيع عليهم حتى لو ظنه خصوص واحد منه ، إذ هو لا يجدي ولا يغني كما في سائر الشبه المحصورة ، بل وكذا لا عبرة به لو ظن ان زيدا مثلا صاحبه في غير المحصور ، لكن في الحواشي المنسوبة للشهيد في إعطائه إياه وجهان ، بل ظاهر بل عبارته فيها جريانه مجرى العلم في تعبد المكلف به هنا ، وهو لا يخلو من نظر بل منع ، وإن كان يوافقه الاحتياط في بعض الأحوال.

فالأقوى حينئذ انه كما لو لم يظن له صاحبا أصلا يتصدق به على من يشاء من الفقراء بعد اليأس كما صرح به في الحواشي المذكورة والبيان والروضة والمدارك سواء كان بقدر الخمس أو أزيد أو انقص ، لإطلاق الأمر بالتصدق بمجهول المالك ، ولأنه أقرب الطرق إيصالا إلى صاحبه ، لكن في الحدائق ـ بعد ان حكى ذلك عن المدارك ومستنده والقول بوجوب إخراج الخمس ثم الصدقة بالزائد عن غيرها ـ اعترض الأول بأن ظاهر تلك الأخبار المال المتميز في حد ذاته لا المشترك الموقوف صحة قسمته على رضا الشريكين الذي هو صلح عن استحقاق كل منهما في المقسوم بالآخر أو كالصلح ، والثاني بذلك أيضا بالنسبة إلى الصدقة بالزائد ، ثم قال : « وبما ذكرنا يظهر ان الأظهر دخول هذه الصورة تحت إطلاق الأخبار المتقدمة ـ أي أخبار الخمس ـ وانه لا دليل على إخراجها » وفيه ـ مع عدم ثبوت ما ذكره من القول الثاني لأحد من الأصحاب وإن حكاه في المدارك عن التذكرة وجماعة لكن الموجود فيها في الفرض وجوب الإخراج سواء قل عن الخمس أو كثر ، نعم قال بعد ذلك : « وكذا لو عرفه بعينه ، ولو عرف انه أكثر‌

٧٣

من الخمس وجب إخراج الخمس وما يغلب على الظن في الزائد » وهو مع انه لا ظهور فيه بوجوب إخراجه خمسا ، بل لعل ظاهر العطف خلافه ، إلا ان يدعى إيجابه صرف الزيادة في مصرف الخمس أيضا كما فهمه منه في البيان على الظاهر ، بل حكى في الكفاية عن بعضهم احتماله ، وإن كان لا دليل عليه حينئذ ، بل ينبغي الصدقة بها كما في الروضة ، وغير (١) ما نحن فيه ، إذ يمكن دعوى وجوب الخمس فيه دونه كما هو ظاهر الروضة بل صريحها ، لصدق عدم معرفة المقدار وعدم التمييز فيه وإن علم مقدارا إجماليا انه أكثر من الخمس مثلا ، فيندرج تحت إطلاق تلك الأدلة ، بل لو علم انه أقل من الخمس أوجب في الروضة دفع ما يتيقن البراءة به خمسا في وجه ، وإن كان قد استظهر قبل ذلك كونه صدقة ـ انه لا شمول في أكثر نصوص المقام لذلك ، سيما المشتمل على التعليل برضا الله في التطهير بالخمس ، إذ ظاهرها عدم معرفة الحلال من الحرام عينا وقدرا ، على انه لو اكتفى بإخراج الخمس هنا لحل ما علم من ضرورة الدين خلافه إذا فرض زيادته عليه ، كما انه لو كلف به مع فرض نقيصته عنه وجب عليه بذلك ما له الخالص له ، وأما مانع الشركة فهو مشترك الإلزام على الصدقة والخمس ، فان استند إلى اقتضاء الأمر بإخراج خمسه قيام من في يده المال مقام المالك الأصلي في ذلك كنا اولى بتقرير ذلك أيضا في الصدقة به ، مع إمكان التخلص باستئذان حاكم الشرع الذي هو ولي الغائب وغيره.

نعم في المدارك « ان الاحتياط يقتضي دفع الجميع إلى الأصناف الثلاثة من الهاشميين ، لان هذه الصدقة لا تحرم عليهم قطعا » قلت : هو كذلك ، لكن قد يظهر من البيان خلافه حيث قال هنا : « تصدق به على مصارف الزكاة » أما لو علم الصاحب وجهل قدر المال إجمالا وتفصيلا وجب الصلح كما صرح‌

__________________

(١) الظاهر زيادة حرف الواو في قوله : « وغير ما نحن فيه » لأنه خبر لقوله « وهو ».

٧٤

به جماعة ، وكان مرادهم ولو إجبارا ، لكن في الرياض « وجوب مصالحته بما يرضى به ما لم يعلم زيادته على ما اشتغلت الذمة به بيقين » وهو جيد ، وعنده حينئذ يتجه إجبار الحاكم له على الصلح ، وفي التذكرة « انه ان أبى دفع اليه خمس المال ، لأن هذا القدر جعله الله مطهرا للمال » وهو لا يخلو من وجه ، خصوصا مع ملاحظة التعليل السابق ، وان استشكله بعضهم بظهور النصوص السابقة سيما خبر الخصال في خلافه من مجهولية المالك ، ثم قال : « فالاحتياط يقتضي وجوب دفع ما يحصل به يقين البراءة من يقين الشغل ، ولا يبعد الاكتفاء بدفع ما يتيقن انتفاؤه عنه ، لأصالة براءة الذمة عن الشغل بغيره ، قلت : لعل الصلح ولو إجبارا بما يرضى به ما لم يزد اولى منه هنا ، للقطع بكون بعض الأعيان المختلطة له فلا يجوز التصرف في ذلك المال إذا لم يأذن ، نعم ما ذكره متجه بالنسبة للديون ، فتأمل.

ولو علمه إجمالا أي أكثر من الخمس أو الثلث مثلا دفع اليه ما تيقنه ، بل وما يحصل به يقين البراءة احتياطا ان لم يصالحه ، وفي المدارك في نحو الفرض يحتمل قويا الاكتفاء بإخراج ما يتيقن انتفاؤه عنه ، ووجهه ما عرفت ، ولا فرق في ذلك كله بين المختلط بكسبه أو من ميراث كما صرح به جماعة ، وإن كان ظاهر جملة من النصوص الأول.

ولو تبين المالك بعد إخراج الخمس أو الصدقة ففي الضمان وعدمه وجهان بل قولان ، من إطلاق‌ قوله (ص) (١) : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » ومن انه تصرف باذن المالك الأصلي فلا يستعقب ضمانا ، ولعل الأقوى الأول وفاقا للروضة والبيان وكشف الأستاذ ، لمنع اقتضاء الاذن رفع الضمان ، بل أقصاها رفع الإثم وبعد التسليم فاقتضاؤها إياه إن لم يكن هناك دليل عليه ، لا انها بحيث تعارضه ،

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٦ ص ٩٠ وكنز العمال ج ٥ ص ٢٥٧ الرقم ٥١٩٧.

٧٥

فالجمع حينئذ بينهما بالضمان وعدم الإثم هو المتجه.

ولو كان خليط الحرام مما فيه الخمس أيضا لم يكف خمس واحد لهما كما صرح به بعضهم ، لتعدد الأسباب المقتضي لتعدد المسببات ، فيجب حينئذ بعد إخراج خمس التطهير خمس آخر ، فما في الحواشي البخارية من الاكتفاء به ضعيف جدا ، كدليله من الإطلاق الذي لم يسق لبيان ذلك ، ولو علم زيادة الحرام عن الخمس بعد إخراجه منه تصدق بها ، لكن في البيان احتمال استدراك الصدقة في الجميع بالاسترجاع ، فان لم يمكن أجزأ وتصدق بالزائد بل في الكشف احتمال الاكتفاء بالسابق ، وهما كما ترى أولهما مبني على حرمة مثل هذه الصدقة على بني هاشم ، كما ان ثانيهما مستلزم لحلية معلوم الحرمة.

ولو خلط الحرام بالحلال عمدا خوفا من كثرة الحرام ، وليجتمع شرائط الخمس فيجتزئ بإخراجه عصى بالفعل ، وأجزأه الإخراج ، ويحتمل قويا تكليف مثله بإخراج ما يقطع معه بالبراءة إلزاما له بأشق الأحوال ولظهور الأدلة في غيره ولو تملك شيئا بمقابلة ذلك المخلوط أمكن الرجوع في الخمس إلى الناقل والمنقول اليه ، لكن يختص ذلك في المال المختلط دون ما أخذ في مقابلته إلا إذا جهل صاحبه ، بل وإن جهل فإنه يجب إخراج خمسه حينئذ عن صاحبه صدقة لا خمسا ، لمعلومية قدره الباقي على ملكه.

ولو تصرف في المختلط بحيث صار الحرام منه في ذمته لم يسقط الخمس ، فان لم يعرف مجموع ذلك المختلط حتى يخرج خمسه وجب عليه دفع ما يحصل به يقين البراءة في وجه ، وفي آخر دفع ما ينتفي معه يقين الشغل ، وفي ثالث وجوب الصلح مع الامام عليه‌السلام أو من يقوم مقامه ، لكونه من معلوم الصاحب أو كمعلومه ، بل الامام عليه‌السلام ممن يستحقه معلوم قطعا ، بل قد يقال إن عليه الصلح بما يرضى به ما لم يعلم زيادته على ما اشتغلت ذمته به ، كما عرفته.

٧٦

سابقا في نظيره ، لكن قد يفرق بينهما بوجود الأعيان المختلطة هناك المحتاج تصرفه فيها إلى الصلح دونه هنا ، فالوجه حينئذ الصلح مع إمكانه ، وإلا فدفع ما يحصل به يقين البراءة ، أو ما ينتفي معه يقين الشغل في وجه قوي.

أما لو تصرف بالحرام قبل اختلاطه ثم اشتبه عليه مقدار ما ثبت في ذمته كان له حكم مجهول المالك يتصدق بما يحصل به اليقين احتياطا ، أو يرتفع به اليقين لكن في كشف الأستاذ انه يعالج بالصلح ثم الصدقة ، ولا ريب ان الأحوط الأول وإن كان هو أحوط من الأخير.

ولو كان الاختلاط من أخماس أو زكوات فهو كمعلوم الصاحب في وجه قوي ، وفي الكشف ان الأقوى كونه كالسابق.

ولو كان الاختلاط مع الأوقاف فهو كمعلوم الصاحب في وجه قوي.

ولو حصل الاشتباه بين الثلاثة أو أحدها وبين غيرها أو بينها بعضها مع بعض فالأقوى فيه الرجوع إلى الحكم السابق ، وهو إخراج الخمس إلا في اختلاط الأوقاف ، فإن علاجها الصلح ، ثم قال : « ولو كان ما فيه الواجب مشتركا فامتنع أحد الشركاء عن القسمة أدى غير الممتنع سهمه وحل التصرف بمقدار أربعة أخماس حصته ، ولو أمكن جبره على القسمة أجبر » انتهى ، وهو جيد ، لكن المتجه فيما ذكره بل وفي غيره من الفروع المتصورة هنا التي يصعب إرادتها من ظاهر النصوص مراعاة الاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة ، بل قد يقوى في النظر عدم اندراج نحو اختلاط الزكاة مثلا فيما نحن فيه من اختلاط الحلال والحرام الذي يجب إخراج خمسه للذرية ، بل ينبغي القطع به ، فتأمل جيدا ، والله اعلم.

( فروع ) :

الأول الخمس يجب في الكنز الأول الخمس يجب في الكنز لما عرفت من الأدلة السابقة ، بل ظاهرها‌

٧٧

ذلك سواء كان الواجد له حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا كما في التحرير والقواعد والمنتهى والتذكرة والبيان والمسالك وغيرها ، بل هو قضية إطلاق الباقين بل سواء كان مجنونا أو عاقلا ذكرا أو أنثى مسلما أو ذميا كما صرح به أيضا في بعض هذه الكتب ، للأدلة السابقة الظاهرة في انه من أحكام الوضع والأسباب التي لا تفاوت فيها بين المكلف وغيره ، نعم يكلف ولي الطفل والمجنون ومولى العبد إن لم يكن مكاتبا ، وإلا كان عليه إخراج الخمس بل وكذا المعادن والغوص كما في القواعد لعين ما سمعت أيضا ، لكن ما في المتن كالقواعد قد يشعر باعتبار التكليف والحرية في غير هذه الأنواع الثلاثة ، واستشكله في المدارك بالنسبة للثاني بأن مال المملوك لمولاه ، فيتعلق به خمسه ، كما انه استوجهه بالنسبة للأول ، وقضيته عدم الخمس في أرباح تجاراته أو ماله المختلط بالحرام ، بل وأرضه المشتراة له لو كان ذميا وغنيمته ، وفي غير الأخير منه نظر وتأمل إن لم ينعقد إجماع عليه ، خصوصا الثاني منه الذي إخراج الخمس فيه لتطهير المال ، بل والأول لمساواة بعض أدلتهما السابقة بعض أدلة الثلاثة السابقة في إفادة تعلق الخمس بالمال نفسه ، وإن لم يكن صاحبه مكلفا كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما تقدم منها ، ولا ينافيه الخطابات التكليفية في البعض الآخر ، كما لم ينافه في الثلاثة المتقدمة ، ضرورة ظهور موردية المكلف فيه لا شرطيته كي يحصل التنافي ، فلاحظ وتأمل جيدا ، بل قد يؤيده إطلاق الفتاوى ومعاقد الإجماعات.

الفرع الثاني لا يعتبر الحول في وجوب شي‌ء من الخمس مما تقدم عدا الأرباح الفرع الثاني لا يعتبر الحول في وجوب شي‌ء من الخمس مما تقدم عدا الأرباح بلا خلاف أجده فيه ، بل في المدارك الإجماع عليه ، بل فيها عن المنتهى انه قول العلماء كافة إلا من شذ من العامة ، بل في الرياض نسبته إلى إجماعنا الظاهر المصرح به في كلام جماعة ، بل في التذكرة نسبته في المعدن إلى عامة أهل العلم ، وهو الحجة بعد إطلاق الأدلة السابقة كتابا وسنة المعتضد به وبإطلاق‌

٧٨

الفتاوى ومعاقد الإجماعات ، بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع عليه ، بل وعلى وجوبه فورا زيادة على ذلك أيضا ، لأنه حق للغير المطالب به حالا إن لم يكن قولا ، مع انه يكفي في عدم جواز إبقائه عدم الاذن من مستحقه ، إذ هو من قبيل الأمانة الشرعية عنده.

بل وكذا لا اعتبار للحول في الأرباح أيضا على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما يحكى عن السرائر من اعتباره ، مع ان عبارتها ليست بتلك الصراحة ، بل ولا ذلك الظهور كما اعترف به بعضهم ، بل قد وقع لمثل العلامة في المنتهى ـ ممن علم ان مذهبه عدم اعتبار ذلك ـ بعض العبارات الظاهرة في بادئ النظر في عدم الوجوب إلا بعد الحول المراد منها بعد التروي التضيق كعبارة السرائر ، خصوصا بعد دعواه الإجماع فيها ظاهرا على ذلك ، ضرورة كون مظنته التضييق لا أصل الوجوب ، على انه محجوج بإطلاق الأدلة حتى معاقد الإجماعات ، بل فيما حضرني من نسخة المفاتيح الإجماع عليه أيضا واستثناء المئونة لا دلالة فيه على تأخر الوجوب بعد إرادة إخراج قدرها تخمينا منها ، لصدق اسم المئونة به لا المصارف الفعلية كي يستلزم تأخر الوجوب عنها ، لعدم تعقل تعقب وجوبه عليها قبل حصولها ، ولعل ذا هو الذي ألجأ الحلي إلى الخلاف إن كان ، إلا انه كما ترى.

فالأقوى حينئذ اتحاد جميع محال الخمس في عدم اعتبار الحول ولكن يؤخر جوازا خصوص ما يجب في أرباح التجارات كما صرح به جماعة ، بل لا أجد فيه خلافا ، بل الظاهر الإجماع عليه ، بل قد يشعر به صحيح ابن مهزيار (١) الطويل المتقدم سابقا احتياطا للمكتسب وإرفاقا به ، لإمكان تجدد مؤن له لم يكن قد دخلت في تخمينه ، بل في البيان « وللمستحق ، لاحتمال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٥.

٧٩

نقصان المئونة » لكن قد يشكل بأن تعجيل الإخراج عن الزائد المعلوم لا يسقط الوجوب فيما تجدد وعلم زيادته ، إذ التقديم مبني على التخمين والظن فمتى فضل شي‌ء من المئونة وجب إخراج خمسه سواء كان بسبب نقص النفقة أو بغيره ، فتعجيل الإخراج مما علم زيادته أغبط للمستحق على التقديرين ، ولو عورض ذلك بمثله في المكتسب فان له الرجوع على المستحق لو ظهر له نقص ما قدره عن المئونة دفع بالمنع مع تلف العين وعدم علم المستحق ، لأنه هو الذي سلطه عليه باختياره ، بل ومع العلم أيضا وبقاء العين في وجه قوي ، كما استوجهه في المسالك فضلا عن أحدهما ، لاحتمال كون المعتبر عند إرادة التعجيل تخمين المئونة وظنها وإن لم تصادف الواقع ، على انه بعد تسليمه ولو في الجملة لا يرفع الاحتياط للمكتسب ، لما فيه من تكلف المطالبة ، واحتمال عدم الحصول له معها أيضا ، وغير ذلك ، هذا. وقد يشعر تعليل المصنف وغيره التأخير بالاحتياط وتخصيص فائدته به بل ظاهر غيره حصرها فيه بعدم جواز التصرف والاكتساب بالخمس ، وهو كذلك لكونه مال الغير ، نعم لو ضمنه وجعله في ذمته جاز له ذلك ، لكن ليس في الأدلة هنا تعرض لبيان ان له ضمانه مطلقا أو بشرط الملاءة أو الاطمئنان من نفسه بالأداء أو غير ذلك ، بل لا تعرض فيها لأصل الضمان ، وجواز التأخير أعم من ذلك ، بل هو أمانة في يده يجري عليه حكم الأمانات ، فتأمل.

ثم المراد بالحول في معقد الإجماعات وغيرها هنا تمام الاثنى عشر كما صرح به بعضهم ، لأصالة الحقيقة ، فلا يكفي الطعن في الثاني عشر قياسا على الزكاة ، ومبدئه كما في المسالك والروضة ظهور الربح ، بل فيهما انه لو حصل له ربح في أثناء الحول لوحظ له حول آخر بانفراده ، نعم كانت مئونة بقية الحول الأول معتبرة منهما ، ويختص هو بالباقي إلى زمان حصوله ، كما انه اختص الأول بالمدة السابقة عليه ،

٨٠