جواهر الكلام - ج ١٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عشرين دينارا فيه ضعيف لا نعرف له مأخذا معتدا به ، كما اعترف به غير واحد.

ومما تقدم سابقا في المعدن والكنوز يظهر لك البحث هنا في اعتبار اتحاد الإخراج والمخرج والنوع وتعدد الشركاء ونحو ذلك ضرورة تساوي الجميع في جهة البحث ، كما اعترف به في الرياض وغيره ، لكن في الروضة ان الأجود اعتبار اتحاد النوع في الكنز والمعدن دون الغوص وفاقا للعلامة (ره) وعليه بيان الفرق.

ثم إنه لا يراد بوجوب الخمس في المذكور باعتبار ذاته ، بل المراد خروجه بالغوص وإلا فـ لو أخذ منه شي‌ء وكان خارجا لنفسه على الساحل ونحوه من غير غوص لم يجب الخمس قطعا للأصل السالم عن معارضة الأدلة السابقة الظاهرة في غيره عدا خبر الدينار (١) بل وهو أيضا بناء على انصرافه إلى المتعارف ، بل ظاهر المشتمل (٢) على العدد منها عدمه فيه أيضا ، وكذا المخرج بالآلات من غير غوص ، لكن في البيان انه لو أخذ منه شي‌ء بغير غوص فالظاهر انه كحكمه ولو كان مما ألقاه الماء على الساحل ، ولعله للخبر (٣) السابق المحتاج إلى جابر في ذلك ، وليس ، بل الموهن متحقق على الظاهر.

كما انه في المسالك جزم بإلحاق ما يخرج من داخل الماء بآلة مع عدم دخول المخرج في الماء بالغوص ، وفيه منع ، كمنع ما في الوسيلة من تعلق الخمس بما يؤخذ على رأس الماء في البحر إن أراد غير جهة الربح كما هو ظاهره ، نعم قد يقوى تعلق الخمس فيما لو غاص وشده بآلة مثلا ثم اخرج بل هو من افراد الغوص على الظاهر ، كما انه يقوى وجوب الخمس فيما ذكره الأولان مع دخوله في قسم الأرباح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٤ و ١١ والباب ٣ منها ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٥.

٤١

ولا ينافيه إطلاق العبارة نفيه فيه بعد ظهوره في إرادة ذلك من جهة الغوص ، إذ لا ينافي نفيه من جهة ثبوته من اخرى ولو من جهة بلوغ النصاب وعدمه ، كما لو فرض اجتماع جهتي الخمس أو جهاته فبلغ نصاب إحداها دون الأخرى تعلق به الخمس من هذه الجهة قطعا كما لو فرض معدن تحت الماء بحيث لا يخرج منه إلا بالغوص فأخرج منه شي‌ء لا يبلغ نصاب المعدن ويبلغ نصاب الغوص وجب فيه الخمس حينئذ بناء على تعلقه بمثل ذلك مما يخرج بالغوص ، فتأمل.

ثم الخمس على الغواص إن كان أصيلا ، وإن كان أجيرا فعلى المستأجر ، والمتناول من الغواص لا يجري عليه حكم الغوص إلا إذا تناول وهو غائص مع عدم نية الأول الحيازة على إشكال فيه ، للشك في اندراجه في إطلاق الأدلة ، كالشك في اندراج ما لو غاص من غير قصد فصادف شيئا ، وإن جزم بهما الأستاذ في كشفه.

ولا يجب الخمس فيما يخرج بالغوص من الأموال الغارقة في البحر وإن كانت لآلي ونحوها ، للأصل وظهور النصوص والفتاوى في غيرها ، وإن استشكل فيه في الحدائق ، بل هو لآخذه بعد إعراض صاحبه وانقطاع رجائه ، لخبر الشعيري والسكوني (١) « في سفينة انكسرت في البحر فأخرج بعضه بالغوص واخرج البحر بعض ما غرق ، فقال : أما ما أخرجه البحر فهو لأهله ، الله أخرجه ، وأما ما اخرج بالغوص فهو لهم ، وهم أحق به » وإن كان يشكل انطباق تفصيلهما على القواعد الشرعية ، ضرورة اتحاد إباحتهما مع الاعراض ، وعدمها مع عدمه ، اللهم إلا ان يقال بعدم اعتبار الاعراض فيما يخرج بالغوص ، بل يكفي في ملك آخذه انقطاع رجاء صاحبه عن حصوله وتركه التعرض لخروجه كما هو المتعارف بين غريقي البحر ، لا الاعراض والإباحة لكل احد ، فلو أخرجه البحر حينئذ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢ و ١.

٤٢

فهو على ملك مالكه اقتصارا فيما خالف الأصل واستصحاب الملك على المتيقن ، فتأمل جيدا.

وكذا لا يجب في الحيوان ونحوه مما هو من غير المعادن المعتاد خروجها بالغوص ، للأصل وغيره ، فما حكاه الشهيد في بيانه عن بعض من عاصره من جعله من قبيل الغوص ضعيف جدا بل باطل قطعا ، كالمحكي عن الشيخ في التذكرة والمنتهى من تعلق الخمس به لو أخذ غوصا أو أخذ قفيا.

نعم لو غاص فأخرج حيوانا بغوصه فظهر في بطنه شي‌ء من المعدن فالأحوط بل الظاهر كما في كشف الأستاذ تعلق الخمس به ، مع انه لا يخلو من إشكال أيضا إذا فرض عدم اعتياد كون الحيوان محلا لذلك.

والأنهار العظيمة كفرات ودجلة والنيل حكمها حكم البحر بالنسبة إلى ما يخرج منها إذا فرض تكون مثل ذلك فيها كالبحر ، لا طلاق الأدلة التي لا يحكم عليها ذكر البحر في الخبر السابق (١) بعد خروجه مخرج الغالب ، نعم قد يقال بانصراف الإطلاق إلى ما يخرج من البحر خاصة لأنه المتعارف ، لكن لعل ذلك من ندرة الوجود لا الإطلاق ، إلا ان ظاهر الأستاذ انه من الثاني حيث أطلق مساواة ما يخرج منها لما يغرق في البحر ، فتأمل.

ولو غاص قاصدا للمعدن فأخرج معه مالا آخر فهل يوزع المصرف عليهما لما ستعرف إن شاء الله من عدم تعلق الخمس بالغوص إلا بعد إخراج مئونته منه أو يختص بالمعدن؟ وجهان أقواهما الثاني وأحوطهما الأول ، كما انه يقوى عدم احتساب المصرف عليه لو كان المقصود غيره فاتفق الإتيان به ، اما لو شركهما بالقصد فالوجه التوزيع.

ولو غاص غوصات متعددة فأصاب ببعضها في مقام واحد قوي أخذ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٥.

٤٣

مصارف الجميع منه ، بخلاف ما إذا اختلف الزمان أو المكان ، لكن ومع ذلك فقد أجاد الأستاذ في كشفه بقوله : لا بد من الاحتياط الكامل في مثل هذه المسائل الفاقدة للأقوال والدلائل.

تفريع تفريع : لا يجب في المسك خمس إذا لم يدخل في قسم الأرباح عند أهل العلم كافة إلا في رواية عن احمد وعمر بن عبد العزيز كما في التذكرة والمنتهى ، وهو مع الأصل الحجة ، بل ولا في شي‌ء من أنواع الطيب عدا العنبر فإنه يجب فيه بلا خلاف أجده بل في المدارك والحدائق الإجماع عليه ، كظاهر الغنية أو صريحها ، لصحيح الحلبي المتقدم (١) سابقا ، لكن هل لا نصاب له كما هو ظاهر النهاية والوسيلة بل والسرائر ، بل قد يظهر من الأخير الإجماع عليه إن لم يكن صريحه ، لا طلاق الصحيح ، ومال إليه في المدارك والحدائق ، بل استقر به في الكفاية ، أو ان له حكم المعادن مطلقا فيعتبر فيه العشرون كما عن غرية المفيد ، لأنه منها أو ملحق بها ، لأصالة البراءة في الناقص عنه ، أو ان له حكم الغوص مطلقا كما هو ظاهر جمع الحلبي لهما في السؤال أو يفصل بأنه إذا خرج بالغوص روعي فيه مقدار دينار لاندراجه في الخبر السابق (٢) الذي لا يقيده ما بعد « من » البيانية بعد إرادة المثال وإن جني من وجه الماء أو من الساحل كان له حكم المعادن لأصالة البراءة في الناقص عنه كما صرح به في المنتهى والتذكرة وغيرهما بل في المدارك والكفاية والحدائق نسبته إلى الأكثر؟

أقوال سوى الثالث ـ فلم أجد قائلا به ولا من نسب اليه ذلك عدا ظاهر الأستاذ في كشفه أو صريحه هنا وإن قوى نصاب المعادن فيه ـ أحوطها أولها بل أقواها في غير الخارج بالغوص منه ، بل وفيه على تأمل ، لعدم تحقق الجاب ر للخبر (٣)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٥.

٤٤

المذكور حتى يحكم على إطلاق الصحيح (١) السابق بعد تسليم عدم ظهور البيان فيه لما لا يشمل ذلك وإن كان المراد منه المثال ، فتأمل.

والعنبر معروف ، لكن عن القاموس انه روث دابة بحرية ، أو نبع عين فيه ، وعن المبسوط والاقتصاد انه نبات في البحر ، وفي السرائر عن كتاب الحيوان للجاحظ « انه يقذفه البحر إلى جزيرة ، فلا يأكل منه شي‌ء إلا مات ، ولا ينقره طير بمنقاره إلا نصل فيه منقاره ، وإذا وضع رجليه عليه نصلت أظفاره » وفيها أيضا عن منهاج البيان لابن جزلة المتطيب « انه من عين في البحر » وفي البيان « قال أهل الطب : هو جماجم تخرج من عين في البحر ، أكبرها وزنه ألف مثقال » وفي الحدائق عن كتاب مجمع البحرين عن كتاب حياة الحيوان « العنبر المسموم قبل ان يخرج من قعر البحر يأكله بعض دوابه لدسومته ، فيقذفه رجيعا ، فيطفو على الماء ، فيلقيه الريح إلى الساحل » والأمر سهل ، إذ لا مدخلية لجميع ذلك فيما نحن فيه من تعلق الخمس به.

الخامس في أرباح المكاسب الخامس مما يجب فيه الخمس ما يفضل عن مئونة السنة على الاقتصاد له ولعياله من أرباح التجارات والصناعات والزراعات بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل في الخلاف والغنية والتذكرة والمنتهى الإجماع عليه ، بل في ظاهر الانتصار والسرائر أو صريحهما ذلك ، بل أرسله في الرياض عن الشهيد الثاني أيضا ، بل في الأخيرين من الأربعة دعوى تواتر الأخبار به ، وهو الذي استقر عليه المذهب والعمل في زماننا هذا ، بل وغيره من الأزمنة السابقة التي يمكن دعوى اتصالها بزمان أهل العصمة عليهم‌السلام ، فما عن ظاهر القديمين ـ من عدمه أو العفو عنه في هذا القسم ، للأصل المعلوم انقطاعه بغير واحد من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ١.

٤٥

الأدلة القطعية ، وحصر الخمس في غير هذا القسم في‌ خبر عبد الله بن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام « ليس الخمس إلا في الغنائم خاصة » الواجب تقييده بما عرفت أيضا إن لم نقل بشمول لفظ الغنائم له كما دلت عليه الأخبار (٢) المعتبرة المتقدمة سابقا ـ باطل قطعا ، بل في البيان دعوى انعقاد الإجماع على خلافه في الأزمنة السابقة لزمانهما ، مع ان المحكي من عبارة الإسكافي منهما بل قيل والعماني لا ظهور فيها بذلك ، بل ظاهرها التوقف في حصول العفو منهم عليهم‌السلام عنه وعدمه ، لاختلاف الرواية في ذلك.

بل ربما مال اليه بعض متأخري المتأخرين ، لخبر حكيم مؤذن بني عبس (٣) عن الصادق عليه‌السلام قال : « قلت له : واعلموا انما غنمتم ـ إلى آخرها ـ قال : هي والله الإفادة يوما بيوم إلا ان أبي جعل شيعتنا في حل من ذلك ليزكوا » وصحيح حرث بن المغيرة النضري (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « قلت له : إن لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك وقد علمنا ان لك فيها حقا ، قال : فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم ، وكل من والى آبائي فهو في حل مما في أيديهم من حقنا ، فليبلغ الشاهد الغائب » وخبر يونس بن يعقوب (٥) قال : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال : جعلت فداك يقع في أيدينا الأموال والأرباح والتجارات نعلم ان حقك فيها ثابت وانا عن ذلك مقصرون ، فقال عليه‌السلام : ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم » وأبي خديجة (٦) عنه عليه‌السلام أيضا ، قال : « قال له رجل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٨ والباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٥ و ٦.

(٣) و (٤) و (٥) و (٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال الحديث ٨.

٤٦

وأنا حاضر حلل لي الفروج ففزع أبو عبد الله عليه‌السلام فقال له رجل : ليس يسألك أن يعترض الطريق إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه فقال : هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب والميت منهم والحي وما توالد منهم إلى يوم القيامة ، فهو لهم حلال ، أما والله لا يحل إلا لمن أحللنا له ، ولا والله ما أعطينا أحدا ذمة وما لأحد عندنا عهد ولا لأحد عندنا ميثاق » وعبد الله بن سنان (١) قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة عليها‌السلام ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس ، فذلك لهم خاصة يضعونه حيث شاءوا وحرم عليهم الصدقة ، حتى الخياط يخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منه دانق إلا من أحللناه من شيعتنا ليطيب لهم به الولادة ، انه ليس شي‌ء عند الله يوم القيامة أعظم من الزنا ، انه ليقوم صاحب الخمس فيقول : يا رب سل هؤلاء بما نكحوا » إلى غير ذلك ، مضافا إلى ما دل على إباحة مطلق الخمس لشيعتهم فضلا عن خصوص هذا القسم منه.

بل يظهر من الخبر الأخير وغيره وسؤال الثاني والثالث ان خمس هذا القسم من الخمس لهم خاصة ، كخبر علي بن مهزيار أو صحيحه (٢) قال : « قال لي أبو علي ابن راشد قلت له : أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك فأعلمت مواليك ذلك ، فقال لي بعضهم : وأي شي‌ء حقه فلم أدر ما أجيبه ، فقال : يجب عليهم الخمس ، فقلت : ففي أي شي‌ء؟ فقال : في أمتعتهم وضياعهم ، قلت : فالتاجر عليه والصانع بيده فقال : ذلك إذا أمكنهم بعد مؤونتهم » كصحيحه الآخر (٣) عن علي بن محمد بن شجاع النيشابوري سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن رجل أصاب من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٢.

٤٧

ضيعته من الحنطة مائة كر ـ إلى ان قال ـ : فوقع عليه‌السلام لي منه الخمس مما يفضل عن مئونته » بل وغيرها من الأخبار السابقة ونحوها المتضمنة لإباحة خمس هذا القسم ، ضرورة ظهور ذلك في انه لهم ، إذ لا معنى لإباحة مال غيرهم ، فيندرج حينئذ فيما دل من الأخبار التي تأتي إن شاء الله في محلها على إباحة حقهم وما لهم لشيعتهم.

ومن ذلك كله قال في المدارك : إن الأخبار الواردة بثبوت الخمس في هذا النوع مستفيضة جدا ، وإنما الإشكال في مستحقه وفي العفو عنه في زمن الغيبة وعدمه ، فان في بعض الروايات دلالة على ان مستحقه مستحق خمس الغنائم وفي بعض آخر إشعارا باختصاص الامام عليه‌السلام بذلك ، ورواية علي بن مهزيار مفصلة كما بيناه ، وفي الجميع ما عرفت ، ومقتضى صحيحة الحرث بن المغيرة النضري (١) وصحيحة الفضلاء (٢) وما في معناهما إباحتهم عليهم‌السلام لشيعتهم حقوقهم من هذا النوع فان ثبت اختصاصهم بخمس ذلك وجب القول بالعفو عنه مطلقا كما أطلقه ابن الجنيد ، وإلا سقط استحقاقهم من ذلك خاصة وبقي نصيب الباقين ، والمسألة قوية الاشكال ، والاحتياط فيها مما لا ينبغي تركه بحال ، بل يظهر من الخراساني في كفايته الميل أو الجزم باختصاصه به وإباحته ، بل احتمل تنزيل كلام المتقدمين والأخباريين المبيحين للخمس على ذلك أيضا.

لكن لا يخفى عليك ان هذا وسابقه منهما من غرائب الكلام ، ضرورة عدم الإشكال في ان مستحقه مستحق الخمس من غيره من الأقسام ، وإن حكي عن المنتقى تشييده أو اختياره كالذخيرة ، لكنه ضعيف جدا ، بل ظاهر الأصحاب كافة أو صريحهم خلافه كما عن جماعة الاعتراف به أيضا ، بل هو ظاهر الأخبار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١.

٤٨

أيضا التي سيمر عليك في بيان قسمته وغيره من المباحث طرف منها ، وإلا فهي أكثر من ان تحصى ، بل لعلها من قسم المتواتر ، خصوصا ما ورد منها في كون المراد بالغنيمة في الآية الشريفة ما هو أعم من غنائم دار الحرب ، منها‌ الصحيح الطويل (١) « فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام ، قال الله تعالى (٢) ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ) ـ إلى آخرها ، إلى أن قال ـ : فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء ، والفائدة يفيدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ».

فتدل الآية حينئذ بناء على ذلك مضافا إلى الأخبار (٣) على اشتراك هذا القسم من الخمس بين الأصناف كغيره من الأقسام والمناقشة فيها ـ بعد التسليم باختصاصها ، لاشتمالها على خطاب المشافهة بالحاضرين ، وإلحاق غيرهم بهم بالإجماع الممنوع دعواه هنا كما ترى ، لمنع حصول شرطه من توافق الحاضرين وغيرهم في سائر الشرائط ، إذ لا ريب في اختلاف الزمانين بحضور المعصوم وعدمه ، وبعد التسليم فلا بد من تخصيصها أو حملها على بيان المصرف لا الملكية والاختصاص جمعا بينها وبين ما دل على الإباحة من الأخبار ـ واضحة الفساد ، إذ مقتضاها أولا صيرورته مختصا بهم عليهم‌السلام بالعرض دون الأصالة ، وهو كما ترى ، بل مخالف لما استشعره من تلك الأخبار التي هي الأصل في هذا الوهم هنا ، وابتناؤها ثانيا على منع إمكان الاستدلال بقاعدة الاشتراك الثابتة بالإجماع وغيره ، لعدم إحراز التوافق من كل وجه المعلوم بطلانه ، ضرورة عدم قدح مثل هذه الاحتمالات الفاقدة لشهادة إمارة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٥.

(٢) سورة الأنفال ـ الآية ٤٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس.

٤٩

من الامارات ، والقاضية ببطلان الاستدلال في أكثر المقامات بسبب قيام احتمال شرطيته بشي‌ء من المقارنات لنزول تلك الخطابات ، كما هو واضح.

وأوضح منه فسادا ما في آخرها من لا بدية تخصيصها أو حملها على ما سمعت المتوقفين على معارض مقاوم لمقابله الظاهر من أكثر النصوص وسائر الفتاوى ، خصوصا الثاني منهما ، لشدة مخالفته ظاهر الآية من عدم تساوي المعطوف والمعطوف عليه منها من الأصناف ، وليس إلا ظاهر تلك الخطابات والإضافات في الأخبار السابقة المطعون في أسانيد أكثرها ، والمعارضة بالأقوى منها من وجوه تقدمت الإشارة إلى بعضها ، فلا محيص عن حمل تلك الإضافات والخطابات على إرادة ولاية التصرف والقسمة ، خصوصا وهم في الحقيقة عياله وأطفاله ، ومع انها غير مساقة لبيان الاختصاص والملكية له دونهم ، بل ولا دلالة في بعضها كاباحته إياه على اختصاصه به ، ضرورة تسلطهم على أموال سائر بني آدم وأبدانهم فضلا عن عيالهم من أيتامهم ومساكينهم ومن إذا أعوزهم خمسهم كان الإتمام عليهم لهم من أموالهم ، على ان بعض المعتبرة كالصحيح (١) المتضمن لحكاية صالح الواقفي واستباحته الخمس وغيره من صحيح ابن مهزيار (٢) الطويل ظاهر أو صريح في ان لهم إباحة حصصهم وحصص غيرهم من الأصناف ، لظهور كون غالب ما في أيديهم في ذلك الوقت من الخمس من هذا القسم ، فلا ريب حينئذ في إرادة ما عرفت من نحو هذه الخطابات ، سيما بعد معارضتها بما سمعت من ظهور أكثر النصوص وكافة الفتاوي بخلافها المعتضد أيضا بما دل من النصوص الكثيرة التي منها بعض أخبار الخصم السابقة على حكمة تحريم الصدقة على بني هاشم ، وانه وجب الخمس عوضا عنها ، إكراما لهم وصيانة لهم عن الأوساخ ، وكفا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٥.

٥٠

لوجوههم عن السؤال لرعيتهم وخدامهم وعبيدهم ، وانه لو علم احتياجهم إلى أزيد من ذلك لأوجب لهم غيره.

ومن الواضح البين ان خمس ما عدا الأرباح قليل التحقق في هذه الأزمان بل وغيرها ، فلو فرض اختصاص ذلك بالإمام عليه‌السلام بقت يتامى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومساكينه وأبناء السبيل منهم حيارى في شدة الضيق والعسر ، بل من هذا الأخير ينقدح لك وضوح بطلان الإشكال في الثاني أيضا ضرورة منافاة إباحة مثل هذا القسم من الخمس في عام زمان الغيبة ، لما عرفت من حكمة أصل مشروعية الخمس. مضافا الى ظهور النصوص والفتاوى بل وصريح إجماع البيان بل والكتاب أيضا بخلافه ، نعم في خصوص حقه عليه‌السلام منه بحث يأتي تفصيله عند تعرض المصنف له ان شاء الله ، فما ورد منهم عليهم‌السلام مما هو ظاهر في إباحة الخمس مطرح أو منزل على حصة خاصة ، أو خصوص ذلك الوقت من خصوص زمان ذلك الامام عليه‌السلام بخصوصه ، إذ أمر خمس كل زمان راجع الى إمام ذلك الزمان عليه‌السلام ، بل قد يمنع تسلط إمام زمان على اباحة ما يتجدد في زمان إمام آخر ، إلا ان يكون ذلك منه عن أمر مالك الخلائق لا إباحة منه جارية على نحو إباحة الملاك وأهل الولاية لأموالهم وما لهم الولاية عليه ، وإلا فهي لا تشمل ما يتجدد في غير زمانه مما يتعلق به الخمس ، فتأمل.

وعلى كل حال فلا ينبغي الإشكال في شي‌ء من الأمرين السابقين إنما البحث في متعلق الخمس من هذا القسم ، فان النصوص ومعاقد إجماعات الأصحاب فضلا عن عباراتهم لا تخلو من اختلاف فيه في الجملة ، ففي المقنعة والقواعد والإرشاد ومعقد إجماع الانتصار كالمتن ، بل اليه يرجع ما في النافع واللمعة والبيان والتنقيح والتذكرة وان كان في الأول الاقتصار على أرباح التجارات‌

٥١

كالثاني ، لكن مع إبدالها بالمكاسب ، وفي الثالث والرابع كمعقد إجماع الخامس حاصل أنواع التكسبات من التجارة والصناعة والزراعة ، بل وكذا معقد إجماع الخلاف أيضا جميع المستفاد من أرباح التجارات والغلات والثمار ، وفي السرائر تارة كالتحرير ومعقد إجماع المنتهى أرباح التجارات والمكاسب وما يفضل من الغلات والزراعات على اختلاف أجناسها ، واخرى سائر الاستفادات والأرباح والمكاسب والزراعات كالنهاية جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح التجارات والزراعات وغير ذلك ، بل وكمعقد إجماع الغنية أيضا كل مستفاد من تجارة وزراعة وصناعة أو غير ذلك من وجوه الاستفادة اي وجه كان.

وأما النصوص ففي خبر حكيم مؤذن بني عبس (١) وعلي بن محمد بن شجاع النيسابوري (٢) وعبد الله بن سنان (٣) وصحيح ابن مهزيار (٤) المتقدمة سابقا ما عرفت ، كخبر محمد بن الحسن الأشعري (٥) قال : « كتب بعض أصحابنا الى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام أخبرني عن الخمس أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير من جميع الضروب وعلى الصناع؟ وكيف ذلك؟ فكتب بخطه الخمس بعد المئونة » وموثق سماعة (٦) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الخمس فقال : في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير » ومكاتبة يزيد (٧) المتضمنة للسؤال عن الفائدة ، فقال : « الفائدة مما يفيد إليك في تجارة من ربحها وحرث بعد الغرام أو جائزة » والمروي (٨) في مستطرفات السرائر نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب « كتبت إليه في الرجل يهدي اليه مولاه والمنقطع اليه هدية تبلغ إلى ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيه الخمس فكتب الخمس في ذلك ، وعن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٨.

(٢) و (٣) و (٤) و (٥) و (٦) و (٧) و (٨) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٢.

الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٢ ـ ٨ ـ ٣ ـ ١ ـ ١ ـ ٦ ـ ٧ ـ ١٠.

٥٢

الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة تأكله العيال إنما يبيع منه الشي‌ء بمائة درهم أو خمسين درهما هل عليه الخمس فكتب أما ما أكل فلا ، وأما البيع فنعم هو كسائر الضياع » وخبر الريان بن الصلت (١) قال : « كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام ما الذي يجب علي يا مولاي في غلة رحى أرض في قطيعة لي وفي ثمن سمك وبردي وقصب أبيعه من أجمة هذه القطيعة فكتب يجب عليك فيه الخمس » وعن الرضوي (٢) بعد ذكر الآية قال : « وكل ما أفاد الناس غنيمة ، لا فرق بين الكنوز والمعادن والغوص ـ إلى ان قال ـ : وربح التجارة وغلة الضيعة وسائر الفوائد والمكاسب والصناعات والمواريث وغيرها ، لأن الجميع غنيمة وفائدة » وفي‌ مكاتبة ابن مهزيار في الصحيح (٣) الطويلة المشتملة على إباحة نوع من الخمس للشيعة في بعض السنين ، قال فيها : « وانما أوجب عليهم الخمس في سنتي هذه من الذهب والفضة التي قد حال عليها الحول ، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دواب ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارته ولا ضيعة إلا ضيعة سأفسر لك أمرها تخفيفا مني عن موالي ومنا مني عليهم ، لما يغتال السلطان من أموالهم ولما ينوبهم في ذاتهم ، وأما الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كل عام ، قال الله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ) ـ إلى آخرها ـ فالغنائم والفوائد يرحمك الله فهي الغنيمة يغنمها المرء والفائدة يفيدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر ، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن ، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله ، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب ، وما صار إلى موالي من أموال الخرمية الفسقة ، فقد علمت ان أموالا عظاما صارت إلى قوم من موالي ، فمن كان عنده شي‌ء من ذلك فليوصله إلى وكيلي ، ومن كان نائيا بعيد الشقة فليعمد لإيصاله ولو بعد‌

__________________

(١) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٩.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ١.

٥٣

حين ، فإن نية المؤمن خير من عمله ، فأما الذي أوجب من الضياع والغلات في كل عام فهو نصف السدس ممن كانت ضيعته تقوم بمئونته ، ومن كانت ضيعته لا تقوم بمئونته فليس عليه نصف سدس ولا غير ذلك ».

وخبر الحسين ابن عبد ربه (١) قال : « سرح الرضا عليه‌السلام بصلة الى أبي وكتب إليه أبي هل علي فيما سرحت إلى خمس ، فكتب اليه لا خمس فيما سرح به صاحب الخمس » والمستفاد من التأمل في النصوص والفتاوى وبعض معاقد الإجماعات تعلقه بكل استفادة تدخل تحت مسمى الكسب حتى حيازة المباحات ، بل وإن لم يكن من الأمور الاختيارية في وجه كالنماء الحاصل بالتولد ونحوه مما لا خمس فيه من المأخوذ هبة أو المنتقل ميراثا كما ستعرف ، ولا ينافيه نحو ما في المتن بعد احتمال أو ظهور إرادة ذلك مما ذكر فيه ، ومنه أو ملحق به عندهم فاضل الزراعات والغلات لا الهبة والمواريث والصدقات ونحوها إلا إذا نمت مثلا ، فإنه يجب في نمائها الخمس كما نص عليه في البيان ، ويقتضيه إطلاق غيره ، وإن كان قد يشكل في النماء الذي لا يدخل تحت مسمى الاكتساب كالتولد ونحوه ، لكن قد يدفع بظهور جملة من عبارات الأصحاب كالسرائر والغنية والنهاية التي بعضها معقد إجماع فيما هو أعم من الاكتساب عرفا ، بل لعل فاضل الغلات والزراعات من ذلك ، بل ما نحن فيه حينئذ كالمال الخمس الذي قد يزداد بعد تخميسه زيادة متصلة أو منفصلة فإنه يجب الخمس حينئذ في الزائد كما صرح به في الروضة والمسالك سواء اخرج الخمس من العين أو القيمة ، وسواء نما المخرج خمسا أيضا بقدر تلك الزيادة أولا ، إذ هي زيادة في ملك المستحق ، فلا تحتسب خمسا لغيره ، بخلاف نماء مال المالك فإنه ربح جديد ، فيجب خمسه كما صرح به في المسالك ، بل قد يقال إن المتجه وجوب خمس تلك الزيادة وإن لم يكن قد اخرج الخمس مثلا انتظارا به لتمام الحول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٢.

٥٤

كما لو ربح مثلا مقدار مائة فلم يخرج خمسة ثم اتجر بذلك الربح غير ضامن لمقدار الخمس منه ، أو قلنا ليس له ضمانه ، أو كان ممن ليس له ذلك فربح ، فإنه يجب إخراج خمس الربح الأول ، ويتبعه نماؤه من الربح الثاني لكونه نماء مال الغير ضرورة اشتراك ذوي الخمس معه وإن كان له تأخير الأداء الى تمام الحول ، ثم يجب عليه إخراج خمس الربح الثاني ، فلو ربح أولا مثلا ستمائة وكانت مئونته منها مائة وقد أخذها فاتجر بالباقي مثلا من غير فصل معتد به فربح خمسمائة كان تمام الخمس مائتين وثمانين ، مائة من الربح الأول ، ويتبعها نماؤها من الربح الثاني ، وهو مائة أيضا ، فيكون الباقي من الربح الثاني أربعمائة ، وخمسها ثمانون ، فيكون المجموع مائتين وثمانين كما ذكرنا ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فعبارات الأصحاب السابقة لا تخلو من نوع إجمال بالنسبة إلى تعلق الخمس في النماء الحاصل من المال المنتقل بارث ونحوه بناء على عدم الخمس فيه إذا فرض حصول ذلك النماء بما لا يدخل به تحت مسمى الكسب كالتولد ونحوه ، بل لعل ظاهر كثير من عبارات الأصحاب خلافه ، وان كان الأحوط الإخراج ، لظهور جملة منها كما عرفت في إرادة الأعم من ذلك إن لم يكن الأقوى لكن على كل حال ما عن الشيخ في مبسوطة من عدم الخمس في المن والعسل الذي يؤخذ من الجبال للأصل محجوج بجميع ما عرفت ، بل هما حينئذ كغيرهما من الترنجبين والصمغ والشيرخشت ونحوها.

ومن الاكتساب قطعا الاستئجار على الأعمال عبادات كانت أو غيرها ، فما في‌ خبر ابن مهزيار (١) « كتبت اليه رجل دفع اليه مال ليحج به فعلى ذلك المال حين يصير اليه الخمس أو على ما فضل في يده بعد الحج فكتب ليس عليه الخمس » مطرح أو محمول على إرادة نفيه بالنسبة للقسم الأول من السؤال ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ١.

٥٥

ضرورة وجوب إخراج ما يحتاجه نفس العمل وإن لم يرد إيقاعه في تمام الإجارة ، إذ هو حينئذ كرأس المال ومئونة السنة أولا ثم يجب الخمس في الباقي أو على غير ذلك ، إذ لم نعرف أحدا من الأصحاب توقف في ذلك ، بل ولا في النصوص عداه إشارة اليه ، بل عمومها وإطلاقها قاض بخلافه.

بل قد يستفاد من معقد إجماع الغنية وبعض العبارات وخبر الأشعري (١) وموثق سماعة (٢) ومكاتبة يزيد (٣) وخبر السرائر (٤) والرضوي (٥) وصحيح ابن مهزيار (٦) بل ومفهوم خبر ابن عبد ربه (٧) وإن كنا لم نجد عاملا بظاهره من التفصيل تعلقه بنحو الهبات والهدايا والجوائز بل والمواريث وغيرها ، إلا ان ظاهر الأصحاب عدمه ، نعم حكي عن أبي الصلاح تعلقه بالهبة والهدية والميراث والصدقة ، وأنكره عليه ابن إدريس ، فقال : إنه لم يذكره احد من أصحابنا غيره ولو كان صحيحا لنقل أمثاله متواترا ، والأصل براءة الذمة ، لكن لا يخفى عليك قوته من جهة الأدلة ، بل مال إليه في اللمعة ، فالاحتياط لا ينبغي ان يترك بل قد يدعى دخول نحو الهبة في الاكتساب ، كما لعله الظاهر من الروضة ، لأن قبولها نوع منه ، ومن ثم يجب حيث يجب كالاكتساب للنفقة ، وينتفي حيث ينتفي كالاكتساب للحج ، بل كثيرا ما يذكر الأصحاب ان قبول الهبة ونحوها اكتساب ، وحيث نقول بتعلق الخمس بها ففي كشف الأستاذ « لا يجوز لمالكها الرد إذا تعلق وإن كانت هي في نفسها مما يصح فيه ذلك ، لخروج بعضها عن الملك‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) و (٧) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٧ ـ ٢ ـ ٣ ـ ١ ـ ٥ ـ ٤.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ١.

(٧) المستدرك ـ الباب ـ ١١ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٢.

٥٦

الذي هو أقوى من التصرف ، نعم لو اعتبر في تعلق الخمس استقرار الملك اتجه حينئذ جواز الرد قبله ، لعدم الخروج حينئذ ، وكذا البحث في المنتقل بوجه الجواز كالذي فيه الخيار ، فليس له الرد حينئذ بعد ظهور الربح ، لتبعض الصفقة » انتهى. وفيه بحث لسبق تعلق حق جواز الرجوع عليه.

ثم لا فرق في الربح بين النماء والتولد وارتفاع القيمة ولو للسوق كما صرح به في الروضة وغيرها ، لصدق الربح والفائدة ، لكن في المنتهى واستجوده في الحدائق « لو زرع غرسا فزادت قيمته لزيادة نمائه وجب عليه الخمس في الزيادة ، أما لو زادت قيمته السوقية من غير زيادة فيه ولم يبعه لم يجب عليه » وكذا في التحرير إلا انه لم يقيده بعدم البيع ، ونظر فيه في المسالك فقال : « ولو زاد مالا خمس فيه زيادة متصلة أو منفصلة وجب الخمس في الزائد. وفي الزيادة لارتفاع السوق نظر » وقطع العلامة في التحرير بعدم الوجوب فيه ، بل جزم بخلافه في الروضة ، فقال : الرابع أرباح المكاسب من تجارة ـ إلى ان قال ـ : ولو بنماء وتولد وارتفاع قيمة وغيرها ، خلافا للتحرير حيث نفاه في الارتفاع ، قلت : قد يريد بقرينة قيده في المنتهى الغرس الذي يراد الاكتساب بنمائه دون أصوله ، فإنه لا خمس فيها حينئذ وان ارتفعت قيمتها كما صرح به الأستاذ في كشفه ، بل وبعدمه أيضا في زيادة أعيانه إذا لم يقصد الاكتساب بها ، بل قال أيضا : إن ما لم يقصد الاسترباح به ولا بفوائده وانما الغرض الانتفاع بها فالظاهر انه كسابقه وفوائده كفوائده أي يتعلق الخمس بها دون أعيانه ، ولعله لإطلاق خبر السرائر (١) المتقدم وغيره.

وكيف كان فخمس هذا القسم وإن شارك غيره في توقف تعلقه شرعا على إخراج سائر الغرامات التي حصل بسببها النماء والربح لعدم صدق اسم الفائدة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ١٠.

٥٧

والغنيمة بدونه ومكاتبة يزيد (١) وخبر الأكرار (٢) المتقدمين سابقا وغيرهما لكنه يزيد باختصاص تعلقه بالفاضل عن مئونة السنة له ولعياله ، كما صرح به أكثر الأصحاب ، بل في المدارك نسبته إليهم مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، كنسبته في المنتهى والتذكرة إلى علمائنا ، بل في السرائر دعواه صريحا عليه غير مرة ، كظاهر إجماع غيرها ، وهو بعد شهادة التتبع له والأصل الحجة ، مضافا إلى خبري ابن مهزيار (٣) والأشعري (٤) المتقدمين سابقا وصحيح ابن أبي نصر (٥) « كتبت إلى أبي جعفر عليه‌السلام الخمس أخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة فكتب بعد المئونة » وخبر إبراهيم بن محمد الهمداني (٦) ان من توقيعات الرضا عليه‌السلام اليه « ان الخمس بعد المئونة » ، وهي وان أطلق فيها لفظ المئونة لكن بمعونة ما عرفت وظاهر خبر السرائر وذيل خبر ابن مهزيار الطويل بل والآخر يجب إرادة ما عرفت من المئونة فيها ، بل قد يشعر قوله في‌ الخبر الأخير (٧) « فأما الغنائم والفوائد » إلى آخره بتحديد ذلك بالسنة التي هي معقد الإجماع السابق ، بل لعله المتعارف المعهود من إطلاق هذا اللفظ كما اعترف به غير واحد ، كما انه يستفاد من خبر السرائر إرادة مئونة عياله مع مئونته ، بل هو من مئونته المستفاد اعتبارها من خبر ابن مهزيار ، بل هو صريح‌ خبر إبراهيم بن محمد الهمداني (٨) المروي عن ابن مهزيار في التهذيب أيضا ، قال : « كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام أقرأني علي بن مهزيار كتاب أبيك فيما أوجبه على صاحب الضياع نصف السدس من بعد المئونة وانه ليس على من لم يقم ضيعته بمئونته نصف السدس ولا غير ذلك ، واختلف من قبلنا في ذلك ، فقالوا :

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) و (٧) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٧ ـ ٢ ـ ٣ ـ ١ ـ ٥ ـ ٤.

(٥) و (٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ١ ـ ٢.

٥٨

يجب على الضياع الخمس بعد المئونة مئونة الضيعة وخراجها لا مئونة الرجل وعياله ، فكتب عليه‌السلام بعد مئونته ومئونة عياله وبعد خراج السلطان » فليست الأخبار حينئذ خالية عن الإشارة إلى المراد بالمئونة ، بل ولا عن تحديدها بالسنة ، نعم هي خالية عن تفصيل المئونة وبيانها كخلوها عن بيان العيال وأجبى النفقة أو الأعم منهم ومندوبيها ، وهو في محله في كل منهما سيما الأول ، لعدم إمكان الإحاطة ببيان ذلك جميعه ، خصوصا مع ملاحظة الأشخاص والأزمنة والأمكنة وغيرها.

فالأولى إيكاله إلى العرف كايكال المراد بالعيال إليه ، إذ ما من أحد إلا وعنده عيال ، وله مئونة ، ولعله لا فرق فيه على الظاهر بين واجبي النفقة وغيرهم مع صدق اسم العيلولة عليه عرفا ، كما صرح به في المسالك والمدارك والرياض وإن أطلق بعضهم ، بل اقتصر في السرائر وعن غيره على الأول ، لكن لا صراحة فيه بعدم اندراج غيره معه ، كما انه لا فرق في تناول المئونة بين ما يحتاجه لنفس المأكل والمشرب والملبس والمسكن ونحوها وبين ما يحتاجه لزياراته وصدقاته وجوائزه وهداياه وأضيافه وغيرها مما هو جار على نسق العرف والعادات بحيث لا يعد من السرف والسفه والمستنكر عادة مع ملاحظة حال الشخص بالنسبة إلى ما يناسبه من جميع ذلك ، وبالجملة إيكال المئونة والعيال إلى العرف اولى من التعرض لبيانهما وتفصيلهما ، وإن قال في المسالك والروضة وتبعه عليه غيره : المراد بالمئونة هنا ما ينفقه على نفسه وعياله الواجبي النفقة وغيرهم ، كالضيف والهدية والصلة لإخوانه وما يأخذه الظالم منه قهرا أو يصانعه به اختيارا ، والحقوق اللازمة له بنذر أو كفارة ومئونة التزويج وما يشتريه لنفسه من دابة وأمة وثوب ونحوها ويعتبر في ذلك ما يليق بحاله عادة ، وزاد في الأخير والمدارك والرياض ما يغرمه في أسفار الطاعات من حج مندوب أو زيارات ، بل لم يستبعده في المسالك أيضا‌

٥٩

وقال في كشف الأستاذ : « ما يفضل عن مئونة السنة لنفسه ونفقة عياله الواجبي النفقة ومماليكه وخدامه وأضيافه وغيرهم وعطاياه وزياراته وحجاته فرضا أو ندبا ونذوره وصدقاته ومركوبه ومسكنه وكتبه وجميع حوائجه مما يناسب حاله » ثم قال بعد ذلك : « ويدخل في المئونة دار تناسبه وزوجة كذلك وما يحتاج من ظروف وأسباب وغلمان وجوار وخيل وفراش وغطاء ولباس ومراكب ونحوها مما يليق بحاله » وفي البيان « مئونة سنة له ولعياله ، ومنها قضاء ديونه وحجه وغزوة وما ينوبه من ظلم أو مصادرة » إلى غير ذلك من العبارات التي لا استقصاء فيها لتمام ذلك ، لعدم انحصار أنواع الاحتياج وأفراده الذي هو معنى المئونة.

بل قد يندرج فيه حلي نسائه وبناته وثياب تجملهم مما يليق بحاله ، بل وما يحتاجه لتزويج أولاده واختتانهم ومرضهم أو مرض أحد من عياله غيرهم ، بل وما تعارف في مثل هذا الزمان من المصارف عند موت احد منهم وغير ذلك مما لا يمكن عده ولا حصره ، ومن هنا ترك التعرض له في النصوص وأكثر الفتاوى نعم لو شك في شي‌ء بالنسبة لاحتسابه من المئونة احتمل عدم اعتباره ، لا طلاق الأدلة في وجوب الخمس الواجب الاقتصار معها على المتيقن ، مع احتمال الاعتبار وإن بعد للأصل ، وتقييد الإطلاق بدليل المئونة المحتمل اندراج ذلك فيها ، فهي كالمجمل حينئذ بالنسبة اليه وإن تيقن في بعض الأشياء انه منها ، لا انه تمام المراد بها ، كما انه قد يشك أيضا في اعتبار بعض ما تقدم من المئونة أو يستظهر عدمه ، إما لأنه من مئونة السعة ، ضرورة اختلاف مراتب المئونة بالنسبة للشخص الواحد ، والمعتبر الوسط المعتاد الذي لا يعد بتركه مقترا وإن كان بفعله لا يعد سرفا ، لأنه الذي ينصرف إليه الإطلاق كما في أمثاله أو لأنه من غير المعتاد ، كما لو اتفق انه ظلم أو غصب منه شي‌ء أو أنكر عليه بعض من له في ذمته‌

٦٠