جواهر الكلام - ج ١٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كالعراق وخراسان ونحوهما مما علم فيه اختلاف المطالع أو احتمل ، فلا يجب الصوم ولا القضاء بل يلزم حيث رؤي للأصل بعد انصراف النصوص إلى غير الفرض ، لكنه قد يشكل بمنع اختلاف المطالع في الربع المسكون ، إما لعدم كروية الأرض بل هي مسطحة ، فلا تختلف المطالع حينئذ ، وإما لكونه قدرا يسيرا لا اعتداد باختلافه بالنسبة إلى علو السماء ، وربما يومي إلى ذلك ـ مضافا إلى الإطلاق المزبور ، خصوصا صحيح هشام المشتمل على النكرة الشائعة المتناولة للجميع على البدل ـ قوله عليه‌السلام في الدعاء (١) : « وجعلت رؤيتها لجميع الناس مرأى واحدا » وعدم اتفاق حصول الاختلاف بين البلاد الشرقية والغربية في ذلك ، ولعله لذا قال في الدروس بعد نسبة ما في المتن إلى قول الشيخ : ويحتمل ثبوت الهلال في البلاد المغربية برؤيته في البلاد المشرقية وإن تباعدت ، للقطع بالرؤية عند عدم المانع ، بل ظاهر المحكي عن المنتهى اختياره في أول كلامه ، لكن قال في آخره : وبالجملة إن علم طلوعه في بعض الأصقاع وعدم طلوعه في بعضها للتباعد عنه لكروية الأرض لم يتساو أحكامهما ، أما بدون ذلك فالتساوي هو الحق ، واستجوده في المدارك ، ويمكن أن لا يكون كذلك ، ضرورة عدم اتفاق العلم بذلك عادة ، فالوجوب حينئذ على الجميع مطلقا قوي ، وحينئذ يسقط ما ذكره في الدروس من التفريع بما لو رأى الهلال في بلد وسافر إلى آخر يخالفه إلى ( في ل ظ ) حكمه انتقل حكمه إليه ، فيصوم زائدا أو يفطر على ثمانية وعشرين يوما ، حتى لو أصبح معيدا ثم انتقل أمسك ، ولو أصبح صائما للرؤية ثم انتقل ففي جواز الإفطار نظر ، أي لو رأى الهلال في بلد ليلة الجمعة مثلا ثم سافر إلى بلد بعيدة مشرقية قد رؤي الهلال فيها ليلة السبت أو بالعكس صام في الأول أحد وثلاثين يوما ، ويفطر في الثاني على ثمانية وعشرين يوما ، ولو أصبح‌

__________________

(١) وهو من جمل دعاء السمات.

٣٦١

معيدا ثم انتقل ليومه ووصل قبل الزوال أمسك بالنية وأجزأه ، ولو وصل بعد الزوال أمسك مع القضاء ، ولو أصبح صائما للرؤية احتمل جواز الإفطار لانتقال الحكم ، وعدمه لتحقق الرؤية ، وسبق التكليف بالصوم ، ضرورة سقوط ذلك كله على المختار ، لكن في الدروس انه لو روعي الاحتياط في هذه الفروض كان أولى ، وفي المدارك انه لا ريب في ذلك ، لأن المسألة قوية الإشكال ، قلت : لكن يسهل الخطب ندرة وقوع شي‌ء من الفروض السابقة ، والله أعلم.

ولا يثبت الهلال بشهادة الواحد على الأصح خلافا لسلار فاجتزأ في هلال شهر رمضان بالنسبة إلى الصوم دون حلول الأجل ونحوه بشهادة العدل الواحد ، لقول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر محمد بن قيس (١) قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين ، وإن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام إلى الليل ، وإن غم عليكم فعدوا ثلاثين يوما ثم أفطروا » لكن مع ندرة خلافه ، بل يمكن دعوى استقرار الإجماع بعده بل وقبله على ذلك ، وكون خبره في شوال ، مضافا إلى الطعن في سنده باشتراك محمد بن قيس بين الثقة والضعيف ، وإن كان قد يدفع بأنه هنا البجلي الثقة بقرينة كون الراوي عنه يوسف بن عقيل ، وفي دلالته بصحة إطلاق لفظ العدل على الواحد فما زاد ، لأنه مصدر يقع على القليل والكثير ، فيقال رجل عدل ورجلان عدل ورجال عدل ، واضطرابه لأن الشيخ رواه في الاستبصار بطريقين أحدهما ما سمعت ، والثاني « إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو يشهد عليه بينة عدل من المسلمين » وفي التهذيب بطريقين أيضا ، أحدهما ما سمعت ، والثاني « إذا رأيتم الهلال فأفطروا وأشهدوا عليه عدولا من المسلمين » وقصوره عن معارضة المعتبرة المستفيضة لعدم الاكتفاء بما دون العدلين من وجوه لا ينبغي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ١.

٣٦٢

الالتفات اليه ، كما هو واضح.

وكذا لا يثبت بشهادة النساء منفردات ومنضمات إلى الرجال إجماعا بقسميه ونصوصا (١) وكذا لا اعتبار في ثبوته بالجدول الذي هو حساب مخصوص عند المنجمين مأخوذ من مسير القمر واجتماعه مع الشمس ، لاستفاضة النصوص (٢) في عدم ثبوت دخول الشهر إلا بالرؤية أو مضي ثلاثين يوما من الشهر السابق ، على ان أكثر أحكام التنجيم من الحدس الذي خطأه أكثر من صوابه ، بل هم لا يثبتون أول الشهر على وجه لزوم الرؤية بذلك وانما هو على معنى تأخر القمر عن محاذاة الشمس ليرتبوا عليه مطالبهم من حركات الكواكب وغيرها ، ويعترفون بأنه لا يمكن رؤيته ، وانما يظنون في بعض الأحوال مقارنة الرؤية للتأخر المفروض ، فقد يخطئ وقد يصيب ، فضبط الحساب المزبور وكونه كأيام الأسبوع عندنا وأنه من القطعيات وليس من أحكام المنجمين لا تقتضي تحقق الرؤية به التي يظنها المنجم بسبب التأخر المزبور وحينئذ فما عن بعض الجمهور وشاذ منا لم نتحققه ـ من الثبوت به ، لقوله تعالى (٣) ( وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ) وبأن الكواكب والمنازل يرجع إليها في القبلة والأوقات التي هي أمور شرعية ـ واضح الضعف ، ضرورة تحقق الاهتداء بالنجم بمعرفة الطرق ومسالك البلدان ومعرفة الأوقات ونحو ذلك ، وان الذي يرجع إليه في الوقت والقبلة مشاهدة النجم لا ظنون أهل التنجيم الكاذبة في أكثر الأوقات الذين مما‌ ورد (٤) فيهم « من صدق كاهنا أو منجما فهو كافر بما أنزل على محمد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٣) سورة النحل ـ الآية ١٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٢.

٣٦٣

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وكذا لا اعتبار بالعدد المراد به هنا ما صرح به المصنف في المحكي عن معتبره من عد شعبان ناقصا ابدا وشهر رمضان تاما ابدا الذي يكذبه الوجدان ، والنصوص الصحيحة الصريحة ، كقول الصادق عليه‌السلام في صحيح حماد بن عثمان (١) : « شهر رمضان شهر من الشهور يصيبه ما يصيب الشهور من النقصان » وقال له عليه‌السلام الحلبي (٢) في الصحيح أيضا : « أرأيت إن كان الشهر تسعة وعشرين يوما أقضي ذلك اليوم؟ قال : لا إلا ان تشهد لك بينة عدول ، فان شهدوا أنهم رأوا الهلال قبل ذلك فاقض ذلك اليوم » وقال أبو جعفر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (٣) : « إذا كانت علة فأتم شعبان ثلاثين » إلى غير ذلك من النصوص التي لا يعارضها غيرها من النصوص (٤) المنسوبة إلى أهل البيت (ع) التي جميعها أو أكثرها لا يخلو من ضعف وإن تكثر عددها واشتملت على القسم بالله ، خصوصا بعد إعراض الأصحاب عنها ، بل في محكي المعتبر أن عمل المسلمين على خلافها ، بل لو ص ح سندها لوجب تأويلها بما ذكره الشيخ في كتابي الأخبار أو بغيره أو طرحها بعد منافاتها للوجدان والمشاهد بالعيان ، فما عن قوم من الحشوية كما في المعتبر من العمل بها لا ينبغي أن يلتفت اليه ، ولعل المراد بها ـ سيما المشتمل منها على القسم بالله على ان شهر رمضان لا ينقص ـ التعريض بما يستعمله المخالفون في هذه الأزمنة من نقصان يوم أو يومين بدعوى رؤية الهلال على وجه هم يعلمون كذبها ، ولذلك لم يوفقوا لعيد فطر ولا لأضحى ابدا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٢٤ إلى ٣٠.

٣٦٤

فمن الغريب ما عن المفيد في بعض كتبه من القول بالعدد ، اللهم إلا ان يريد به عند غم الشهور الذي ستعرف الحال فيه ، وأغرب منه ما في من لا يحضره الفقيه حيث انه ـ بعد ان ذكر جملة من الروايات الدالة على ذلك المشتركة في الضعف كما في المدارك ـ قال : « من خالف هذه الأخبار وذهب إلى الأخبار الموافقة للعامة في ضدها اتقي كما يتقي العامة ولا يتكلم إلا بالتقية كائنا من كان إلا ان يكون مسترشدا فيرشد وببين له ، فإن البدعة إنما تمات وتبطل بترك ذكرها ، ولا قوة إلا بالله » وكأنه إليه أشار المصنف ببعض الحشوية ، لكن لا ينبغي ترك الأدب معه ، لأنه من أجلاء الطائفة ومن خزان آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فهو أعلم بما قال وإن صدر منه ما هو أعظم من ذلك من القول بجواز السهو على المعصومين (ع) ووقوعه الذي من ضرورة مذهب الشيعة خلافه ، ونسأل الله العفو والعافية والمغفرة لنا وله ، فإنه الغفور الرحيم الرؤف الحليم العليم الحكيم.

وكذا لا اعتبار بغيبوبة الهلال في ليلة الرؤية بعد الشفق في ثبوت كونه لليلة السابقة ، لما عرفته من النصوص (١) المعتضدة بالعمل بل لعل الوجدان على انه قد يكون كذلك فيما هو معلوم انما هو هلال ليلته إذا كان الشهر تاما ، خلافا للصدوق أيضا في المحكي من مقنعه ، قال فيه : « اعلم ان الهلال إذا غاب قبل الشفق فهو لليلة ، وإن غاب بعد الشفق فهو لليلتين ، وإن رؤي فيه ظل الرأس فهو لثلاث ليال » ولعله لقول الصادق عليه‌السلام في خبر إسماعيل بن الحر (٢) « إذا غاب الهلال قبل الشفق فهو لليلة ، وإن غاب بعد الشفق فهو لليلتين » الذي هو مع ضعفه معلوم القصور عن معارضة غيره من وجوه ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه ، مضافا إلى ما سمعته من دعوى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٣.

٣٦٥

الوجدان الذي لا تصلح هذه الأخبار لمعارضته ، والله أعلم.

وكذا لا اعتبار برؤيته يوم الثلاثين قبل الزوال في ثبوت أنه لليلة الماضية على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة يمكن تحصيل الإجماع معها ، ولذا نسبه في المنتهى إلى أكثر علمائنا إلا من شذ منهم ، بل في الغنية دعواه على ذلك معللا له بأن من خالف من أصحابنا لم يؤثر خلافه في دلالة الإجماع بل نسبه في التذكرة إلى علمائنا اجمع من دون إشارة إلى شذوذ المخالف وفي الخلاف نسبته إلى الرواية عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وابن عمر وأنس ، ثم قال : ولا مخالف لهم ، فدل على انه إجماع الصحابة ، وعلى كل حال فذلك هو الحجة بعد الأصل ، وخبر محمد بن عيسى (١) المعتضد بما عرفت ، قال : « كتبت اليه جعلت فداك ربما غم علينا الهلال في شهر رمضان فيرى من الغد الهلال قبل الزوال ، وربما رأيناه بعد الزوال ، فترى ان نفطر قبل الزوال إذا رأيناه أم لا كيف تأمر في ذلك؟ فكتب عليه‌السلام يتم إلى الليل ، فإنه إن كان تاما رؤي قبل الزوال » والمناقشة في سندها وجهالة المكتوب إليه واضحة السقوط بعد الانجبار بما عرفت ، ومعلومية كون المكتوب اليه هنا الامام عليه‌السلام ولو بالقرائن الموجودة في نفس الخبر المزبور ، كسقوط دعوى طرحها باعتبار اضطرابها لكون المفروض في السؤال وقوع الاشتباه في شهر رمضان ، وانه انما رؤي في غد تلك الليلة ، وهو يوم الثلاثين من شعبان ، وعلى هذا فالحكم بصوم ذلك اليوم يدل على اعتبار الرؤية قبل الزوال ، وقول السائل فترى ان نفطر إلى آخره كالتعليل في الجواب يدل على ان الاشتباه في هلال شوال ، وانه لا اعتبار برؤيته قبل الزوال في الحكم به لليلة الماضية ، لأنه قد يتفق رؤية هلال الليلة اللاحقة قبل الزوال إذا كان الشهر تاما ، فتكون مضطربة ساقطة في نفسها فضلا عن النظر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٤.

٣٦٦

إلى معارضتها لغيرها ، ضرورة كون المراد بهلال شهر رمضان هلال شوال توسعا ولو بقرينة ذيل الرواية ، لصدق الإضافة بأدنى ملابسة ، وأغرب من ذلك دعوى دلالتها على الاعتبار بحمل‌ قوله عليه‌السلام : « إن كان تاما » إلى آخره على ان المراد الشهر المستقبل تاما رؤي هلاله قبل الزوال ، إذ لا يخفى عدم مدخلية تمام الشهر المستقبل ونقصانه في رؤية الهلال قبل الزوال وعدمها ، فقد يرى هلاله وإن كان ناقصا باعتبار تمامية الشهر الماضي كما هو واضح.

وخبر جراح المدائني (١) عن الصادق عليه‌السلام « من رأى هلال شوال بنهار في رمضان فليتم صيامه » والمناقشة في سنده مدفوعة بما عرفت ، وفي دلالته بكونه مطلقا يحمل على المقيد وهو ما تسمعه مما دل على التفصيل يدفعها معلومية اعتبار المقاومة في الحمل المزبور ، وهي مفقودة هنا من وجوه ، والمرسل (٢) المروي عن بعض الكتب عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « إذا رأيتم الهلال أو رآه ذوا عدل منكم نهارا فلا تفطروا حتى تغرب الشمس ، كان ذلك في أول النهار أو في آخره ، وقال : لا تفطروا إلا لتمام ثلاثين من رؤية الهلال أو بشهادة شاهدين عدلين أنهما رأياه » بل لا يخفى عليك ما فيه من الإشعار بأن المراد من إطلاق الرؤية الرؤية في الليل ، وحينئذ تكون النصوص (٣) المستفيضة أو المتواترة كما قيل الدالة على ان الصوم والإفطار للرؤية دالة على المطلوب ، ضرورة ظهورها أو صراحتها في حصر الطريق بذلك ، على ان الأمر بالصوم فيها انما يكون قبل دخول وقت الصوم ، إذ لو أمر به بعد مضي جزء من وقته فاما ان يتوجه إلى مجموع الوقت ، أو إلى الليلة المستقبلة من النهار ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٢.

(٢) دعائم الإسلام ج ١ ص ٣٣٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان.

٣٦٧

والأول باطل ، لانتفاء المقدرة عليه ، وكذا الثاني ، لعدم كونه صوما شرعيا ، فتعين كون المراد الأمر بصوم يوم ليلة الرؤية وإفطار يوم ليلتها.

والمناقشة في ذلك بأن ظهور لفظ الرؤية في الرؤية الشائعة المتعارفة لا يدل على عدم إرادة غيرها من اللفظ ، وانما يقتضي ذلك القطع بإرادتها منه ، ويتوقف إرادة الغير وعدمها على دليل يدل عليه ، ومع فرضه لا يكون ذلك معارضا له ، إذ كما لا يدل اللفظ على إرادة الرؤية الغير الشائعة فكذا لا يدل على عدم إرادتها ، وليس الظهور هنا بمنزلة ظهور اللفظ في المعنى الحقيقي ، إذ ذاك يقتضي إرادته خاصة حذرا من لزوم المجاز ، بخلافه هنا ، فان المفروض دلالة اللفظ حقيقة عليهما معا ، إلا انه ينساق الى الذهن منهما الشائع المتعارف ، فمع فرض دليل يدل على إرادة الآخر معه لا يكون منافيا له ، فظهر لك ان المعنى الظاهر من اللفظ قسمان : أحدهما الموضوع له اللفظ ، وثانيهما الفرد الشائع من المعنى الموضوع له اللفظ ، والأول هو الذي يقتضي عدم إرادة غيره ، بخلاف الثاني الذي ما نحن فيه منه ، فإنه لا يعارض ما يدل على اعتبار الرؤية قبل الزوال وبأن المراد من الأمر بالصوم بعد مضي جزء من الوقت هو الإمساك في البقية المستقبلة على وجه الاعتداد به ، كما ورد استعماله في ذلك في كثير من الأخبار الواردة في الصوم المندوب إذا أراده في أثناء النهار ولم يكن قد تناول مفطرا ، كصحيحي عبد الرحمن (١) وموثق أبي بصير (٢) وغيرهما.

يدفعها أولا اقتضاؤها اعتبار الرؤية قبل الزوال لنفسها لا لكشفها عن صلاحية الرؤية في الليلة السابقة ، إلا أنه اتفق المانع من غيم أو أخطأه المتطلع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ٢ و ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ١.

٣٦٨

أو نحو ذلك ، وحينئذ يمكن دعوى الضرورة على خلافه وان المعتبر انما هو الرؤية في الليل دون النهار بالمعنى المزبور ، وثانيا انه ـ بعد تسليم ظهور تلك النصوص في إرادة الحصر ، وتسليم كون المنساق إلى الذهن الرؤية الليلية ـ يكون المعنى لا تصوموا إلا للرؤية الليلية ، ولا تفطروا إلا لها ، فتعارض حينئذ ما دل على اعتبارها قبل الزوال ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، وأن إطلاق الأمر بالصوم على الإمساك في البقية في بعض النصوص (١) للقرينة الدالة عليه لا ينافي ظهوره مع عدمها فيما قلناه.

وبالجملة لا يكاد ينكر منصف ظهور تلك النصوص في عدم اعتبار غير الرؤية الليلية ، كظهور النصوص الواردة في إفطار يوم الشك بمجرد الاستهلال في ليلته وعدم رؤيته فيها إذا كانت مصحية من غير تعرض للاستهلال في النهار ، كصحيح هارون بن خارجة (٢) وخبر الربيع بن ولاد (٣) وخبر محمد بن مسلم (٤) وخبر عبيد بن زرارة (٥) ودعوى كون المراد منها عدم الرؤية في جميع زمن اعتبارها الذي منه قبل الزوال مخالفة لظاهرها أو صريحها كما لا يخفى على من لاحظها ، كدعوى دفع ذلك كله أو أكثره بأن الرؤية قبل الزوال كاشفة عنها في الليل ولكن اتفق خطأ المتطلع أو حصول المانع أو نحو ذلك ، إذ هي واضحة المنع إن أريد كشفها على جهة العلم ، بل لا يدعيها الخصم ، ولئن ادعاها كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الصوم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١٠.

٣٦٩

ردها عليه مفروغا منه وداخلة تحت التظني التي قد استفاضت النصوص (١) أو تواترت في عدم الاعتبار به هنا إن أريد كشفها على جهة الظن بعد التسليم ، ودعوى خروج خصوص هذا الظن للدليل القاصر عن معارضة ما سمعت من وجوه كما ترى ، إذ ليس هو إلا نصوص قد وردت على حسب غيرها مما ورد (٢) في العمل بالجدول والعدد والتطوق ونحوها مما هو مطروح عند الأصحاب ، لمعارضة المتواتر من غيرها كما اعترف به الشيخ في التهذيب مكررا ، أو محمول على بعض الوجوه التي لا مدخلية لها فيما نحن فيه ، منها‌ الحسن كالصحيح (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا رأوا الهلال قبل الزوال فهو لليلته الماضية ، وإذا رأوه بعد الزوال فهو لليلته المستقبلة » ومنها‌ موثق عبيد بن زرارة (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا رأوا الهلال قبل الزوال فذلك اليوم من شوال ، وإذا رأوا بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان » ومنها‌ صحيح محمد بن قيس (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا رأيتم الهلال فأفطروا أو شهد عليه عدل من المسلمين ، وإن لم تروا الهلال إلا من وسط النهار أو آخره فأتموا الصيام ، وإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ليلة ثم أفطروا » ومنها‌ موثق إسحاق بن عمار (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن هلال رمضان يغم علينا في تسع وعشرين من شعبان فقال : لا تصم إلا أن تراه ، فان شهد أهل بلد آخر فاقضه ، وإذا رأيته وسط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٢ و ٣ والباب ٩ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٣.

٣٧٠

النهار فأتم صومه إلى الليل » ومنها‌ خبر داود الرقي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير فهو ههنا هلال جديد رؤي أو لم ير » ومنها‌ المرسل (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إذا أصبح الناس صياما ولم يروا الهلال وجاء قوم عدول يشهدون على الرؤية فليفطروا وليخرجوا من الغد أول النهار إلى عيدهم ، وإذا رؤي هلال شوال بالنهار قبل الزوال فذلك اليوم من شوال ، وإذا رؤي بعد الزوال فذلك اليوم من شهر رمضان ».

لكن لا يخفى عليك شذوذ هذه النصوص الفاقد بعضها بعض شرائط الحجية ، وأنها كغيرها من نصوص العدد والجدول والتطوق وغيرها ، وقد ألقتها الطائفة وأعرضت عنها واستقر عملها قديما وحديثا على نصوص الرؤية ، فالواجب حينئذ طرحها أو حملها على بعض الوجوه ولو بعيدا ، لكونه أولى من الطرح ، ولذا حمل الشيخ الأولين منها اللذين هما العمدة في هذا المقام ، ولذا اقتصر عليهما بعض على اعتبارها مع شهادة الشاهدين بالرؤية في الليل في الصحو الذي يعتبر فيه لولاها الخمسون ، إلا أنه كما ترى مع بعده في نفسه ولا يتم على القول باعتبار الشاهدين مطلقا مناف لظاهرها وظاهر ما دل على اعتبار الخمسين وما دل على حكم الشاهدين ، ولا بد حينئذ من ارتكاب التخصيص في الأولين كما لا يخفى ، ولعل الطرح أولى من هذا الحمل ، أو يحملان على إرادة بيان كون ذلك أمارة يستفاد منها الظن ، وربما تفيد إذا انضمت مع غيرها كشهادة الواحد أو المتعدد ممن لا يعتبر شهادته حصول القطع ، ولعل ذلك هو الوجه في ذكرها ، أو أن المراد منها بيان ذلك ليظن السامع ممن يتقى منه الاجتزاء بها وإن لم تكن هي كذلك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٤.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٦ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٢ وتمامه في الفقيه ج ٢ ص ١١٠ الرقم ٤٦٨.

٣٧١

فتندفع التقية بذلك مع عدم التصريح بالاعتبار ، وكون المحكي عن الشافعي وأبي حنيفة ومالك وغيرهم عدم اعتبار ذلك ـ بل قيل إنه المشهور بينهم فتوى ورواية ـ لا ينافي وجودها من غيرهم ، كأبي ثور وأبي يوسف اللذين هما في زمن الصادق عليه‌السلام وغيرهما ، بل حكاه المرتضى عن ابن مسعود وابن عمر وأنس وقال : إنه لا مخالف لهم ، بل الظاهر أن استفاضة النصوص بعدم العمل هنا بالشك والظن وأن شهر رمضان فريضة من فرائض الله لا يؤدى بهما تعريضا في الرد عليهم وأن المشهور بين رواتهم ومحدثيهم ذلك.

وأما صحيح محمد بن قيس فقد يقال بدلالته على المطلوب باعتبار كون المراد من الوسط فيه ارتفاع النهار ، وتخصيص ذلك لكونه المظنة في ابتداء رؤية الهلال نهارا بخلاف أول طلوع الشمس أو قبلها ، لا أقل من الاحتمال الذي يبطل به الاستدلال ، ودعوى كون المراد من الوسط ما بعد الزوال فيدل بالمفهوم على خلاف المطلوب لا شاهد لها ، بل لعل اشتراك الوسط فيما بين قبل الزوال وبعده ينافيها ، وتكلف تخصيص خصوص الأخير منها لاقتضاء إلغاء المفهوم في الوسط على تقدير دخول جزء مما قبل الزوال لا داعي له ، مع احتمال كون الفائدة في الاقتصار كون ذلك ابتداء مظنة الرؤية نهارا كما أومأنا إليه ، فتأمل جيدا ، ولعله لذلك ونحوه جعله بعضهم دليلا للمشهور ، وكذا موثق إسحاق أيضا بناء على كون المراد من الوسط فيه ما عرفت ، فيكون المراد الأمر بإتمام صومه على انه من شعبان كما فهمه الراوي حيث قال عليه‌السلام يعني أتم صومك إلى الليل على أنه من شعبان دون أن ينوي انه من رمضان ، لا أن المراد منه ما قبل الزوال ، لحمل الأمر فيه بالإتمام على الوجوب ، ولا يكون ذلك إلا للحكم بكونه لليلة الماضية للرؤية قبل الزوال ، إذ هو كما ترى ، ولا أقل من الاحتمال المبطل للاستدلال.

٣٧٢

وأما خبر داود الرقي فالظاهر كون المراد الحكم بطلوعه في الليلة المستقبلة بمجرد عدم الرؤية في المشرق فيما قبل تلك الليلة عند الفجر ، وهو حينئذ خارج عما نحن فيه وإن كان أيضا لا عبرة بذلك كما أومأ إليه في الدروس بقوله : « ولا عبرة بعدم طلوعه من المشرق في دخول الشهر في الليلة المستقبلة إلا في رواية داود الرقي » بل واللمعة حيث قال : « ولا عبرة بالخفاء ليلتين في الحكم به بعدها » بناء على قراءتها بالثاء المنقطة من فوق ثلاثا ، فيكون عين ما في الدروس ، وربما يؤيده انه ليس في نص ولا فتوى اعتبار خفاء الليلتين حتى يكون إشارة اليه ، اللهم إلا ان يكون إشارة إلى ما يشعر به‌ المرسل (١) عن الصادق عليه‌السلام « قد يكون الهلال لليلة وثلث ، وليلة ونصف ، وليلة وثلثين ، وليلتين ، ولا يكون وهو لليلة » من ان منتهى الخفاء ليلتين ، وعلى كل حال لا عبرة بذلك لما نراه بالوجدان من الخفاء أزيد من ليلتين.

وأما مرسل الصدوق فهو مع عدم كونه حجة كخبر داود الرقي يجري فيه بعض ما ذكرنا.

وقد بان لك من ذلك كله انه لا يليق بالفقيه العارف بقواعد الفقه ولسانه الركون إلى هذه النصوص ، والاعراض عن تلك النصوص التي ادعي تواترها ، والموافقة مع ذلك لقوله (٢) ( لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ) بناء على إرادة الثلاثين منها مع قيام نحو هذه الامارات على ما أشار إليه بعض النصوص ، ولقوله تعالى (٣) : ( أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) كما أشار إليه بعض آخر ، وللأصل والإجماع المحكي وغيرها ، فما عن المرتضى رحمه‌الله في الناصريات من اعتبار ذلك حيث أنه‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٢ وفي ذيله « ولليلتين إلا شي‌ء ولليلة » كما في المقنع ص ٥٨ الطبع الحديث.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٨١.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ١٨٣.

٣٧٣

بعد أن ذكر قول الناصر : « إذا رؤي الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية » قال : « هذا هو الصحيح ، وهو مذهبنا ، بل قال : إن عليا عليه‌السلام وابن مسعود وابن عمر وأنسا قالوا به ولا مخالف لهم » وقد سمعت ما حكاه الشيخ في الخلاف عن هؤلاء ، وربما استظهر ذلك أيضا من الصدوق والكليني باعتبار إيرادهما رواية التفصيل في الفقيه والكافي ، خصوصا الأول الذي ذكر في أوله انه ما يورد فيه إلا ما يعتقد انه حجة بينه وبين ربه ، لكن من تتبع كتابه المزبور يعلم عدوله عن ذلك ، كما ان من تتبع الكافي يعلم انه قد يورد فيه ما لا يعمل به فانحصر الخلاف حينئذ فيمن عرفت ، نعم مال إليه جماعة من متأخري المتأخرين ، إلا أن منشأه اختلاف الطريقة ، لكن من غرائب الاتفاق خيرة العلامة الطباطبائي له في مصابيحه مع استقامة طريقه ، وأما ما ذهب إليه العلامة في المختلف من التفصيل بين الصوم والفطر فيعتبر في الأول دون الثاني فكأنه ليس قولا في المسألة ضرورة ان منشأه الاحتياط ، بل قال في آخر المبحث : لو رأى الهلال في أول الشهر قبل الزوال ولم ير ليلة أحد وثلاثين هلال شوال وجب صومه إن كان هذا الفرض ممكنا ، أو حصلت علة ، لأن الاحتياط للصوم متعين ، فلا يجوز الاقدام على الإفطار بناء على مثل هذه الروايات المفيدة للظن المعارضة بمثلها ، ومنه يعلم ان المراد بالاحتياط تأكد الصوم في الأول بنية الندب لا بنية أنه رمضان ، وانه يقوى بذلك احتمال تقدم الهلال ، فلا وجه حينئذ لمناقشته بأن الاحتياط في الصوم في الأخير معارض بحرمته في العيد ، وبأنه مناف لنية كونه من رمضان نعم قد يقال إن الحكم فيما ذكره من الفرع كذلك مع قطع النظر عن الاحتياط إذ من الواضح كون ذلك عند القائل أمارة يجوز تخلفها ، فهو حينئذ كما لو ثبت بشهادة العدلين ، ومما يؤيد ان ما في المختلف ليس قولا في المسألة وضوح عدم الفرق ، بل ولا بين سائر الأهلة في الامارة المزبورة ، خصوصا مع إطلاق بعض‌

٣٧٤

الأدلة ، اللهم إلا ان يقال باختصاص الشهرين اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن لكنه كما ترى.

وكذا لا يعلم بتطوقه بظهور النور في جرمه مستديرا بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المدارك عدا ما عساه يظهر من الصدوق في الفقيه ، حيث روى فيه الصحيح الدال عليه بناء على ما ذكره في صدره من انه لا يورد فيه إلا ما يعمل عليه ، وربما مال إليه الخراساني في الذخيرة ، لصحة الخبر الدال عليه ، وهو‌ صحيح مرازم (١) عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا تطوق الهلال فهو لليلتين ، وإذا رأيت ظل رأسك فيه فهو لثلاث ليال » وكون نسبته إلى ما يعارضه نسبة المقيد إلى المطلق الذي هو ما دل على وجوب الصوم بالرؤية أو الشاهدين أو مضي ثلاثين يوما ، وما دل على عدم وجوب قضاء يوم الشك إلا مع قيام البينة بالرؤية في الليلة السابقة ، وفيه ان الشرط في حمل المطلق على المقيد المكافاة المفقودة في المقام قطعا من وجوه بعد الإغضاء عن سنده الذي منع صحته في التذكرة ، وعن احتماله الاختفاء تحت الشعاع لليلتين أو ثلاث كاحتمال خبر الغيبوبة (٢) قبل الشفق وبعده ذلك أيضا ، بل يقوى في الظن أن المشار إليه في نصوص النهي عن العمل بالشك والتظني هنا هو ذلك ونحوه مما عرفت وتعرف ، ومن الغريب ما في التهذيب فإنه ـ مع مبالغته للعمل بأمثال هذه النصوص حتى جعلها مخالفة للمعلوم من الأدلة بالتواتر وغيره ـ قال هنا بعد ان أورد هذا الصحيح وخبر إسماعيل بن الحر (٣) المتقدم آنفا الوجه في هذين الخبرين وما يجري مجراهما مما هو في معناهما أن ذلك انما يكون أمارة على اعتبار دخول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٢ عن محمد بن مرازم عن أبيه.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٣.

٣٧٥

الشهر إذا كان في السماء علة من غيم أو ما يجري مجراه ، فجاز حينئذ اعتباره في الليلة المستقبلة بتطوق الهلال وغيبوبته قبل الشفق وبعد الشفق ، ولعله يريد ما ستسمعه منه في النصوص الآتية من الاعتبار الاحتياطي بمعنى انه ينبغي له الاحتياط مع ذلك ، لقوة الظن بكون اليوم السابق من شهر رمضان ، وإلا فلا فرق بين العلة وعدمها في عدم كون ذلك علامة ، بل هو قول حينئذ بما هو خارج عن النصوص جميعا ، واحتمال الاكتفاء هنا بالظن كالوقت بالنسبة إلى الفريضة خلاف ظاهر النصوص والفتاوى أو صريحها ، وإن كان هو متجها من حيث القياس المعلوم بطلانه عند الإمامية.

وكذا لا عبرة بعد خمسة أيام من أول الهلال في السنة الماضية وصوم يوم الخامس وإن كان موافقا للعادة ، بل في المحكي عن عجائب المخلوقات للقزويني قد امتحنوا ذلك خمسين سنة فكان صحيحا ، وبه‌ خبر عمران الزعفراني (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن السماء تطبق علينا بالعراق اليوم واليومين والثلاثة فأي يوم نصوص؟ قال : أفطر اليوم الذي صمت من السنة الماضية وصم اليوم الخامس » وخبره الآخر (٢) أيضا « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنا نمكث في الشتاء اليوم واليومين لا نرى شمسا ولا نجما فأي يوم نصوم؟ قال : أفطر اليوم الذي صمته من السنة الماضية ، وعد خمسة أيام وصم اليوم الخامس » ومرسل الصدوق (٣) عنه عليه‌السلام « إذا كان شهر رمضان في العام الماضي في يوم معلوم فعد في العام المستقبل من ذلك اليوم خمسة أيام ، وصم يوم الخامس » وخبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٣ مع الاختلاف في لفظ الأول.

(٢) فروع الكافي ج ٢ ص ٨١ الطبع الحديث.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٤ مع الاختلاف في لفظ الأول.

٣٧٦

محمد بن عثمان الخدري (١) عن بعض مشايخه عنه صلوات الله عليه « صم في العام المستقبل يوم الخامس من يوم صمت عام الأول » وخبر عاصم بن حميد (٢) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام « عدوا اليوم الذي تصومون فيه وثلاثة أيام بعده وصوموا يوم الخامس ، فإنكم لن تختلفوا » وخبر غياث (٣) الذي هو نحوه ، نعم قيد ذلك بعضهم بغير السنة الكبيسة ، أما فيها فيعد ستة أيام ، لخبر السياري (٤) قال : « كتب محمد بن الفرج إلى العسكري عليه‌السلام يسأله عما روي من الحساب في الصوم عن آبائك عليهم‌السلام في عد خمسة أيام بين أول السنة الماضية والسنة الثانية التي تأتي فكتب صحيح ، ولكن عد في كل اربع سنين خمسا ، وفي السنة الخامسة ستا فيما بين الأولى والحادث ، وما سوى ذلك فإنما هو خمسة خمسة ، قال السياري : وهذه من جهة الكبيسة ، قال : وقد حسبه أصحابنا فوجدوه صحيحا ، قال : وكتب اليه محمد بن الفرج في سنة ثمان وثلاثين ومائتين هذا الحساب لا يتهيأ لكل إنسان يعمل عليه ، انما هذا لمن يعرف السنين ، ومن يعلم متى كانت السنة الكبيسة ، ثم يصح له هلال شهر رمضان أول ليلة ، فإذا صح الهلال لليلته وعرف السنين صح له ذلك إن شاء الله » ولعل هذا من كلام الكليني وان قوله « قال » ثانيا يراد منها بيان تاريخ الكتابة الأولى التي رواها أولا ، وحينئذ يكون ذلك وجها للنصوص المزبورة جميعها ، وانها خاصة فيمن عرف ذلك ، والظاهر اختصاص هذه المعرفة على وجهها القطعي بأهل البيت (ع) خاصة ، أو تحمل النصوص المزبورة على إرادة بيان الأمر بصوم يوم الخامس لا على أنه من شهر رمضان بل من شعبان ليحصل الاجزاء به لو بان انه من شهر رمضان ، أو على ما قيل من اختصاص الاعتبار بها مع غم الشهور وإذا كانت في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٢.

٣٧٧

السماء علة بناء على الاجتزاء بالظن حينئذ ، وإن كان الأقوى عدم اعتبارها مطلقا لقصورها عن معارضة غيرها ولو بالتقييد من النصوص المزبورة التي ادعي تواترها ولعلها كذلك المفتي بمضمونها على وجه يمكن تحصيل الإجماع عليه ، خصوصا مع ملاحظة المحكي منه على لسان جماعة ، وخصوصا مع تصريح غير واحد بكون هذه النصوص وما جرى مجراها مما لا يفيد بالنسبة إلينا إلا الظن من الشواذ المهجورة المطرحة التي خرجت منهم عليهم‌السلام مخرج التقية ، أو لخصوص العالم بها على وجه يحصل له القطع دون الظن والتخمين ، أو يراد منها الاحتياط لكونها من الامارات المفيدة للظن أو غير ذلك ، وإن أبيت فليس لها إلا الطرح وردها إلى علمهم عليهم‌السلام بها هذا.

وفي اللمعة بعد أن ذكر مثل ما هنا من عدم العبرة بشي‌ء من الأمور السابقة قال : والخفاء لليلتين في الحكم به بعدها خلافا لما روي في شواذ الأخبار من اعتبار ذلك كله ، وهو جيد ، لكني لم أقف على من أفتى باعتبار الخفاء ليلتين في الحكم بخروج الهلال بعدهما ، ولا على خبر دال عليه ، اللهم إلا أن يكون أشار به إلى ما رواه‌ الصدوق في المحكي عن مقنعه مرسلا (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قد يكون الهلال لليلة وثلث ، وليلة ونصف ، وليلة وثلثين ، وليلتين ، ولا يكون وهو لليلة » باعتبار إشعار الاقتصار على ليلتين أنه لا يكون لثلاث ، وإلى‌ خبر داود الرقي (٢) عنه صلوات الله عليه « إذا طلب الهلال في المشرق غدوة فلم ير فهو هنا هلال جديد رؤي أو لم ير » إلا أنهما كما ترى مع ضعفهما وشذوذهما غير ظاهرين في شي‌ء من ذلك ، ومن هنا قد يحتمل في عبارته‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٢ وفي ذيله « ولليلتين إلا شي‌ء ولليلة » كما في المقنع ص ٥٨ من الطبع الحديث.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٤.

٣٧٨

لثلثين بالثائين المثلثتين ، ويكون متعلقا بجميع ما ذكره سابقا ، أي لا عبرة بشي‌ء من ذلك لكون الهلال لليلة الثلاثين ، ويكون المراد بالخفاء ما في خبر داود المزبور ، كما قال في الدروس : « ولا عبرة بعدم طلوعه من المشرق في دخول الشهر في الليلة المستقبلة إلا في رواية داود » ولعل ذلك أولى ، لأن الخفاء ليلتين مما لم يذكره أحد ممن وصل إلينا كلامه ، والله أعلم.

وقد بان لك من ذلك كله انه لا يحكم بشي‌ء من ذلك عدا الرؤية نعم يستحب صوم يوم الثلاثين من شعبان بنية الندب بلا خلاف معتد به نصا وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل وعلى انه إن انكشف من الشهر أجزأ مضافا إلى النصوص (١) وأما لو صامه بنية رمضان لامارة قيل : يجزيه وقيل : لا يجزيه وهو الأشبه كما تقدم الكلام في ذلك كله مفصلا هذا كله فيما لو صامه فإن أفطره فأهل شوال ليلة التاسع والعشرين من هلال رمضان قضاه قطعا ، لانكشاف خروجه قبل ذلك ، ضرورة عدم نقصان الشهر عن تسعة وعشرين وكذا لو قامت بنية برؤيته ليلة الثلاثين من شعبان بلا خلاف نصا وفتوى ولا إشكال ، أما إذا كان هلاله ليلة التاسع والعشرين من هلال رمضان ببينة ففي وجوب القضاء وعدمه وجهان ، أقواهما الأول إجراء للبينة مجرى اليقين.

وحيث بان عدم العبرة بشي‌ء من الأمور السابقة كان المتجه في كل شهر تشتبه رؤيته يعد ما قبله ثلاثين ويحكم به من غير فرق بين شهر رمضان وغيره ، لأصالة بقاء الشهر ببقاء القمر في المحاق السالمة عن معارضته عادة ونحوها فيما لو كان الاشتباه في شهر أو شهرين على وجه لا تقضي العادة بنقصانهما ، وفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب وجوب الصوم.

٣٧٩

صحيح محمد بن قيس (١) « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : وإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ثم أفطروا » وفي‌ صحيح محمد بن مسلم (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « وإذا كان ذا علة فأتم شعبان ثلاثين » ونحوهما غيرهما وأما لو غمت شهور السنة كلها فالأكثر كما في المسالك عد كل شهر منها ثلاثين أيضا ، للأصل المزبور أيضا ، لكن أشكله في المسالك بأن ذلك خلاف الواقع في جميع الأزمان وبمنع كون التمام هو الأصل ، إذ ليس للشهر شرعا وظيفة معينة حتى يكون خلافها خارجا عن الأصل ، وانما المعتبر شرعا الأهلة ، وهي محتملة للأمرين وأجاب بأن معنى الأصل أن الشهر المعين كشعبان مثلا واقع ثابت ، فالأصل استمراره إلى ان يتحقق زواله ، ولا يتم ذلك إلا بمضي ثلاثين ، وكذا القول في غيره ، أو تقول إذا حصلت الخفية للهلال وهو المحاق فالأصل بقاؤها ، وعدم إمكان الرؤية إلى ان يتحقق خلافه بمضي الثلاثين ، ولكن ذلك يتوجه في الشهرين والثلاثة ، أما في جميع السنة كما هو المفروض ففيه إشكال ، لبعده وعدم وجود نظيره ، ومن ثم قال جماعة من الأصحاب منهم العلامة والشهيد في الدروس بالرجوع إلى رواية الخمسة (٣) ولا بأس به عملا بالرواية وقضاء العادة ، لكن يبقى الاشكال فيما لو غم بعض السنة خاصة كما هو الواقع ، وحينئذ فعد الثلاثين للشهرين أقوى ، وفيما زاد نظر ، ثم ذكر خبر الزعفراني (٤) وقال : وعمران مجهول والرواية مرسلة في طريق ، وضعيفة في آخر ، وغير مقيدة بغمة الجميع ، ومحتاجة إلى تقييد الخمسة بغير السنة الكبيسة ، وفيها ستة عملا بالعادة ومقتضى الحساب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٣.

٣٨٠