جواهر الكلام - ج ١٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الوصول إلى الحلق قضى وكفر ، وإلا فلا ، وما أبعد ما بين هؤلاء وما عن ابن الجنيد ومقنع الصدوق من عدم الكراهة ، لا طلاقهما نفي البأس ، لكن قد يريدان مطلق الجواز ، والله أعلم.

السادس شم كل نبت طيب الريح والسادس شم كل نبت طيب الريح ، وعن نص أهل اللغة تسميته بالرياحين بلا خلاف أجده ، بل عن المنتهى الإجماع عليه ، للنهي عنه في خبري ابن راشد (١) وخبر الصيقل (٢) والمرسل (٣) معللا في بعضها بأنه لذة ويكره للصائم التلذذ ، نحو ما‌ ورد (٤) عن الصادق عليه‌السلام لما سئل عن تركه شم الريحان إذا صام فقال : « أكره أن أخلط صومي بلذة » وفي آخر (٥) بأنه بدعة للصائم ، بخلاف الطيب فإنه سنة ، ومنه ـ مضافا إلى الإجماع المزبور ، وخبر أبي بصير (٦) وصحيح البجلي (٧) وخبر سعد بن سعد (٨) وإشعار التعليل وغير ذلك ـ يعلم إرادة الكراهة من النهي كما هو مقتضى الجمع بينها وإن ضعف سند نصوص النهي ، فدغدغة سيد المدارك في الكراهة المتسامح فيها كظاهر المقنعة فيما عدا النرجس منها في غير محله.

نعم تتأكد الكراهة في النرجس للنهي عنه بالخصوص في خبر ابن رئاب (٩) معللا بأنه ريحان الأعاجم ، وفي الكافي (١٠) « أخبرني بعض أصحابنا ان الأعاجم كانت تشمه إذا صاموا ، وقالوا إنه يمسك الجوع » وفي الاستبصار « كان للمجوس يوم يصومونه ، فلما كان ذلك اليوم كانوا يشمون النرجس » ومراد الجميع ما في المقنعة من ان النهي عنه خلافا لهؤلاء وتنزها عن الشبه بهم ، ومن الجميع علم شدة الكراهة ، ضرورة زيادته على علة كراهة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٧ و ١٢.

(٢) و (٣) و (٤) و (٥) و (٦) و (٧) و (٨) و (٩) و (١٠) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١٣ ـ ٢ ـ ١٥ ـ ١٤ ـ ٩ ـ ٨ ـ١٠ ـ ٤ ـ ٥.

٣٢١

الريحان من التلذذ ونحوه بذلك.

هذا كله في خصوص الريحان وخصوص النرجس ، وإلا ففي‌ خبر ابن راشد (١) « كان أبو عبد الله عليه‌السلام إذا صام تطيب ، ويقول : الطيب تحفة الصائم » وفي المرسل السابق ما سمعت من الفرق بينهما بالسنة والبدعة ، وفي آخر (٢) ان « من تطيب أول النهار وهو صائم لم يكن يفقد عقله » نعم عن الحلي وابن زهرة إلحاق خصوص المسك منه بالرياحين ، بل عن العلامة إلحاقه بالنرجس منه ، لكن لا دليل عليه ، إذ‌ خبر غياث (٣) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « ان عليا عليه‌السلام كره المسك ان يتطيب به الصائم » دال على الأول مؤيدا بما تقدم من كراهة الاكتحال بالكحل فيه المسك ، وبغلظ رائحته التي في النهاية ، وعن ابن البراج وجوب القضاء والكفارة بشمها حتى تصل إلى الحلق لمضمر المروزي (٤) « إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين » وبأن الرائحة عرض وانتقاله بدون محله محال ، فوصولها إلى الجوف دال على وصول محلها ، وهو موجب للإفطار ، وإن كان فيه من الضعف ما لا يخفى ، سيما مع معارضته ما يقتضي الصحة من الأصل والحصر في صحيح ابن مسلم (٥) وغيره ، وفحوى‌ موثق عمر ابن سعيد (٦) عن الرضا عليه‌السلام سأله « عن الصائم يدخن بعود أو بغير ذلك فيدخل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١١ عن عمرو بن سعيد وهو الصحيح.

٣٢٢

الدخنة في حلقه فقال : لا بأس » وغير ذلك.

السابع الاحتقان بالجامد والسابع الاحتقان بالجامد على ما تقدم من الكلام فيه.

الثامن بل الثوب ولبسه على الجسد والثامن بل الثوب ولبسه على الجسد بلا خلاف أجده فيه ، قال ابن راشد (١) للصادق عليه‌السلام : « الحائض تقضي الصلاة قال : لا ، قلت : تقضي الصوم قال : نعم ، قلت : من أين جاء هذا؟ قال : أول من قاس إبليس ، قلت : فالصائم يستنقع في الماء قال : نعم ، قلت : فيبل ثوبا على جسده قال : لا ، قلت : من أين جاء هذا؟ قال : من ذاك » وسأله الصيقل (٢) « عن الصائم يلبس الثوب المبلول فقال : لا » وسمعه عبد الله بن سنان (٣) يقول : « لا تلزق ثوبك إلى جسدك وهو رطب وأنت صائم حتى تعصره » لكن الأخير يقضي برفع الكراهة بالعصر مع انه لا يرتفع اسم البلل به ، فاما ان يراد منه ما قبل العصر أو التخفيف به جمعا بين الأدلة ، كما أن خبر الصيقل يقضي بكراهة لبسه وإن لم يكن على الجسد ، ولا ينافيه سابقه ولا حقه ، لعدم المعارضة ، بل ولا‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (٤) : « الصائم يستنقع في الماء ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب وينضح بالمروحة وينضح البوريا تحته ، ولا يغمس رأسه في الماء » بعد إرادة الرخصة منه ، وكيف كان فالمراد الكراهة من النهي المزبور قطعا ، للأصل والإجماع في الظاهر ، والحصر في الصحيح المزبور المنساق بل الثوب من التبرد به فيه أو أنه شامل له مضافا إلى ضعف نصوص النهي ، والله اعلم‌ التاسع جلوس المرأة في الماء والتاسع جلوس المرأة في الماء على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، للنهي في موثق حنان (٥) عنه معللا بأنه تحمله بقبلها ، وهو ـ مضافا إلى الشهرة العظيمة والأصل والحصر في الصحيح وغيره وإطلاق الرخصة في استنقاع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٦.

٣٢٣

الصائم في الماء وعدم الوصول إلى الجوف قطعا ، بل لعل الاستنجاء أعظم منه ، وغير ذلك مما لا يخفى ـ شاهد على إرادة الكراهة من النهي لا الحرمة الموجبة للقضاء خاصة كما عن الحلبي أو مع الكفارة كما عن القاضي وابن زهرة ومدعيا عليه ثانيهما الإجماع الموهون بمصير غير من عرفت إلى خلافه الذي هو مظنة الإجماع لا ما ذكره ، فمن العجيب ميل سيد الرياض إليه في الجملة ، نعم هو أحوط ويلحق بالماء غيره من المائعات كما ألحق في اللمعة بالمرأة الخنثى والخصي الممسوح لمساواتهما لها في العلة ، والله اعلم.

الركن الثالث في الزمان الذي يصح فيه الصوم وهو النهار دون الليل الركن الثالث من أركان الصوم في الزمان الذي يصح فيه الصوم وهو النهار دون الليل إجماعا بل ضرورة من المذهب بل الدين وحينئذ فـ لو نذر الصيام ليلا لم ينعقد ، وكذا لو ضمه إلى النهار لعدم مشروعيته ، والنذر انما يلزم المشروع لا انه يشرعه ، من غير فرق بين ضم النهار معه وعدمه بل الظاهر عدم انعقاده نفسه أيضا كما عن التذكرة التصريح به ، واستحسنه في المدارك ، لكونه حينئذ بعضا من غير المشروع الذي لم ينعقد بالنذر.

وكذا لا يصح صوم العيدين بحال إجماعا من المسلمين وحينئذ فـ لو نذر صومهما لم ينعقد خلافا لما عن بعض العامة من انعقاد النذر وأن عليه قضاءه ، بل قال : إنه لو صامه أجزأ عن النذر وسقط القضاء ، وهو كما ترى ، بل لا فرق فيما ذكرنا بين جهل الناذر وعلمه ، فلو نذره جاهلا أنه عيد لم ينعقد إجماعا ، بل لم يكن عليه قضاؤه ، ضرورة عدم مدخلية الجهل بالحكم أو الموضوع في المشروعية ، فلو نذر العيد للجهل بكونه عيدا أو بحرمة الصوم فيه لم ينعقد ، ولم يكن عليه قضاء قطعا ، بل وكذا لو نذر يوم السبت المخصوص مثلا وكان هو العيد واما لو نذر يوما معينا باسم مخصوص فاتفق كونه أحد العيدين كما لو جعل لله عليه صوم كل سبت‌

٣٢٤

مثلا فاتفق يوم مخصوص اجتمع فيه الوصفان بعد أن افترق كل منهما بمصداق آخر لم يصح صومه قطعا وإجماعا ، ترجيحا لما دل على حرمته على ما دل على الوفاء بالنذر ولكن هل يجب قضاؤه لصدق اسم الفوات الذي يكفي فيه حصول عنوان الوجوب وإن منع الوصف الآخر من التأدية الذي هو كالحيض والسفر والمرض ونحوها مما يمنع صحة الصوم ، لا انه يكشف عن بطلان تعلق النذر ، ول‌ مكاتبة القاسم بن أبي القاسم الصيقل (١) اليه عليه‌السلام « يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب اليه قد وضع الله عنك الصيام في هذه الأيام كلها ، وتصوم يوما بدل يوم إن شاء الله » وصحيح ابن مهزيار (٢) قال : وكتب إليه يعني أبا الحسن عليه‌السلام « يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو يوم جمعة أو أيام التشريق أو سفر أو مرض ، هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب اليه قد وضع الله الصيام في هذه الأيام كلها ، ويصوم يوما بدل يوم إن شاء الله ».

قيل والقائل الصدوق والشيخ وابن حمزة نعم يجب قضاؤه وقيل والقائل الشيخ في موضع آخر من المبسوط وابنا البراج وإدريس وأبو الصلاح والفاضلان وثاني الشهيدين وغيرهم لا يجب قضاؤه ، للأصل ولظهور عدم تعلق النذر لتخصيص عموم الوفاء بالنذر بما دل على حرمة صوم العيد ، والقضاء وإن قلنا انه بفرض جديد لكن لا بد فيه من حصول سبب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب النذر والعهد ـ الحديث ١.

٣٢٥

الأداء ، وليس ، ضرورة كونه كنذر السنة الخارج عنها يوما العيد ونحوها ، والعامان من وجه بعد تحكيم أحدهما على الآخر يكونان كالعام والخاص المطلقين في خروج محل التخصيص عن حكم العام ، والفرق بين المقام وبين السفر والمرض والحيض واضح ، ضرورة كون الزمان هنا غير صالح ، فلا وجه للقضاء الذي هو تدارك مصلحة الأداء ، بخلاف الثلاثة ، فإن الزمان صالح إلا أن المكلف منعه مانع ، فتأمل جيدا ، وضعف المكاتبة الأولى لجهل الكاتب والمكتوب اليه ، وتعليق القضاء فيها على المشيئة بلفظة « إن » التي هي للمحتمل ، فتحمل حينئذ على الندب ، واشتمال الثانية على ما أجمع الأصحاب على خلافه من مساواة يوم الجمعة ليومي العيدين.

ومن هنا كان هذا هو الأشبه عند المصنف وغيره ، لكن فيه أن الأصل مقطوع بما عرفت ، ومنع ظهور عدم تعلق النذر بعد أن كان عنوانه موجودا ، نعم لما تعارضت الأدلة كان متقضى الجمع بينها ترجيح دليل الحرمة باعتبار إمكان تدارك الواجب بالقضاء دونها ، وكذا بالنسبة للحيض والسفر والمرض ، إذ لا فرق بين يوم العيد ويوم الحيض مثلا في جميع ذلك ، وكون المنع في الأول في التكليف والثاني في المكلف غير مجد ، والضعف في المكاتبة بعد معلومية منعه بالنسبة إلى الإضمار خصوصا في المقام المشتمل على ما لا يقع منهم مع غير الامام عليه‌السلام غير قادح بعد المكاتبة الصحيحة المصرح فيها باسمه عليه‌السلام واشتمالها على يوم الجمعة غير قادح ، على أنه في خصوص رواية التهذيب لها دون الكافي ، والتعليق على المشية معلوم إرادة التبرك منه ، ضرورة عدم الفرق بين الواجب والندب في عدم التعليق عليها ، على أنه لا خلاف في وجوب القضاء بالنسبة إلى ما اشتملت عليه من السفر والمرض ، وخبر زرارة (١)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٣.

٣٢٦

وغيره المشتمل على نفيه في السفر مطرح ، فلا وجه حينئذ للإشكال فيها من هذه الجهة ، كما لا إشكال في عدم صحة حملها على الندب ، ومن هنا كان الأحوط إن لم يكن الأقوى وجوب القضاء.

وكذا البحث في أيام التشريق وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة باعتبار أن لحوم الأضاحي تشرق فيها أي تقدد ، أو لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس ، للإجماع في المعتبر على تحريم صومها لمن كان بمنى فيكون حكمها حكم يومي العيدين كما اشتمل عليه المكاتبتان ، وإن كان لتمام البحث في اعتبار الكون بمنى في الحرمة وللنسك مقام آخر ، والله أعلم.

الركن الرابع من يصح منه الصوم ، وهو العاقل المسلم ، فلا يصح صوم الكافر الركن الرابع من يصح منه الصوم ، وهو العاقل المسلم ، فلا يصح صوم الكافر إجماعا وإن وجب عليه بناء على خطابه بالفروع كما هو المعروف عندنا ، بل لو ارتد في الأثناء فسد صومه وإن عاد إلى الإسلام بعده ، خلافا للمصنف ومحكي المبسوط والحلي ويحيى بن سعيد ، وفاقا للفاضل والشهيد وغيرهما لبطلان جزء منه بفوات استدامة النية ، والصوم لا يتبعض ، ولا دليل على سراية تجديد النية لو جددها وكان قبل الزوال فضلا عن غير ذلك ، مضافا إلى قوله تعالى (١) ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) ودعوى اشتراط ذلك بالموت على الشرك منافية لإطلاق الآية ، فلا ريب حينئذ في كون الإسلام في مجموع النهار شرطا ، بل قد عرفت فيما سبق أن الايمان شرط في صحة العبادات التي منها الصوم فضلا عن الإسلام ، فلا تصح عبادة المخالف وإن جاء بها جامعا للشرائط عندنا ، نعم قد أشرنا سابقا إلى احتمال الصحة مع جمعها للشرائط عندهم إذا تعقب الايمان مع أن التحقيق خلافه ، وان عدم التدارك لما فعله غير الزكاة تفضلا من الله تعالى.

__________________

(١) سورة الزمر ـ الآية ٦٥.

٣٢٧

ولا يصح صوم المجنون الذي رفع الله القلم عنه مطبقا أو أدواريا ، مستغرقا للوقت أو بعضه ، لفوات الأمر المعتبر بقاؤه في صحة العبادة ولا صوم المغمى عليه وغيره ممن فقد العقل الذي هو شرط في التكليف المعتبر في صحة العبادة ضرورة كونه حينئذ كالمجنون ، وإلى ذلك أشار في محكي المنتهى في الاستدلال على ذلك بأنه بزوال عقله سقط التكليف عنه وجوبا وندبا ، فلا يصح منه الصوم مع سقوطه ، وزاد بأن كلما أفسد الصوم إذا وجد في جميعه أفسده إذا وجد في بعضه كالجنون والحيض ، وبأن سقوط القضاء يستلزم سقوط الأداء في الصوم ، والأول ثابت على ما يأتي ، فيتحقق الثاني ، لكن مع ذلك كله في المقنعة « فإن استهل عليه الشهر وهو يعقل فنوى صيامه وعزم عليه ثم أغمي عليه وقد صام شيئا منه أو لم يصم ثم أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه ، لأنه في حكم الصائم بالنية والعزيمة على أداء الفرض » ونحوه في الخلاف.

وإلى ذلك أشار المصنف بقوله وقيل إذا سبقت من المغمى عليه النية كان بحكم الصائم بل في المدارك أنه نقل عن ظاهر الشيخ في الخلاف أيضا أنه ساوى بين الجنون وبين الإغماء في الصحة مع سبق النية ، قال : ولا يخلو من قرب ، وناقش في جميع ما تقدم بمنع الملازمة ، فإن النائم غير مكلف قطعا ، مع أن صومه لا يفسد بذلك إجماعا ، وبالمنع من كون الإغماء مفسدا للصوم مع سبق النية ، بل ذلك محل النزاع ، فكيف يجعل دليلا ، وبأن سقوط القضاء يجامع صحة الأداء وفساده ، كما أن وجوبه يجامع وجوب الأداء وعدمه ، لأنه فرض مستأنف ، فيتوقف على الدليل ، وينتفي بانتفائه ، فلا يكون في سقوط القضاء دلالة على سقوط الأداء ، ثم قال : والحق أن الصوم إن كان عبارة عن مجرد الإمساك عن الأمور المخصوصة مع النية كما هو المستفاد من العمومات وجب الحكم بصحة صوم‌

٣٢٨

المغمى عليه إذا سبقت منه النية كما اختاره الشيخان ، وان اعتبر مع ذلك وقوعه بجميع أجزائه على وجه الوجوب أو الندب بحيث يكون كل جزء من أجزائه موصوفا بذلك اتجه القول بفساد ذلك الجزء الواقع في حال الإغماء ، لأنه لا يوصف بوجوب ولا ندب ، ويلزم من فساده فساد الكل ، لأن الصوم لا يتبعض ، إلا أن ذلك منفي بالأصل ، ومنقوض بالنائم ، فإنه غير مكلف قطعا ، مع ان صومه لا يفسد بذلك إجماعا ، وفيه ما لا يخفى من وضوح الفرق بين النوم والغفلة وبين الجنون والإغماء ولو من حيث الأدلة الشرعية ، ومن ان المراد من الدليل الثاني اقتضاء الصحة في الجنون ونحوه الذي لا ينبغي لفقيه التزامه ، ضرورة معلومية عدم الاكتفاء في الصوم بالنية واتفاق الإمساك ولو مع عدم أهلية القصد ، وإلا لزم صحته من الميت ونحوه ، إذ لا فرق بينه وبين الجنون في رفع التكليف ، بل لعل المتجه بناء على ما ذكره الصحة ولو مع عدم الإمساك ، ضرورة عدم الإفطار بما يقع منه حينئذ كالغافل والناسي والنائم ، ومن ذلك ظهر لك ما في كلامه الأخير الذي ظاهره فيه الميل إلى الشق الأول من الشقين ، مضافا إلى القطع بعدم كفاية ذلك بعد ظهور النصوص في اعتبار مصاحبة النية لتمام العمل ، وهذا من جملة المؤيدات لكونها هي الداعي الذي يمكن دعوى مصاحبته لتمام العمل ، بخلاف الاخطار ، والصحة مع زواله في الأثناء في النائم والغافل للدليل غير قادحة في ذلك مع انه يمكن دعوى عدم زواله في الغافل ، وانه انما زال الالتفات اليه ، بل ربما ادعي ذلك في النائم أيضا ، لكنه بعيد ، فتأمل ، ومن ان المراد من الدليل الثالث أن سقوط القضاء دليل على سقوط الأداء ، وإلا لصدق عليه اسم الفوات الذي علق عليه القضاء ، فليس حينئذ هو إلا كالصبي ونحوه مما لم يصدق عليه اسم الفوات ، فتأمل جيدا.

وبذلك كله ظهر لك أن الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده‌

٣٢٩

إذ لا ريب في عدم صدق الصائم على المجنون والمغمى عليه والسكران بخلاف النائم ونحوه ، ولعل مراد الشيخين من كونه بحكم الصائم بالنسبة إلى سقوط القضاء لا الصحة بمعنى امتثال الأمر ، وكان الذي دعاهما إلى التعبير المزبور فرقهما في القضاء وعدمه في المغمى عليه بذلك ، فأوجباه على من لم تسبق منه النية ، بخلاف من سبقت منه ، فوجب حينئذ التعبير عنه بصحة صومه ، وانه بحكم الصائم من هذه الجهة ، لأنها عند الفقهاء بمعنى إسقاط القضاء ، ومن هنا تقل ثمرة الخلاف في الفرض بناء على سقوط القضاء عنه كما ستعرف الحال فيه.

وعلى كل حال فـ يصح صوم الصبي المميز مع جمعه لما عدا البلوغ من الشرائط صحة شرعية يترتب عليها الثواب بناء على ما سلف لنا سابقا من كون عباداته شرعية كذلك لا تمرينية ، ولا انها صحيحة بمعنى جواز وصفها بها باعتبار كونها من أحكام الوضع التي لا يعتبر فيها البلوغ ، فيكون حينئذ معنى صحتها ترتب الأثر عليها لو لا أن تفقد الأمر ، ولعل هذا هو المراد مما حكي عن ثاني الشهيدين من ان الصحة لا تستلزم كون صومه شرعيا ، لأنها من خطاب الوضع ، وهو لا يتوقف على التكليف ، وإن كان هو كما ترى ، وفي المدارك انه غير جيد ، وقد تقدم تفصيل الحال في ذلك ، والله اعلم.

وأما النائم فلا خلاف ولا إشكال في صحة صومه إذا سبقت منه النية ولو استمر إلى الليل بل الإجماع بقسميه عليه ، بل لعله من الضروريات المستغنية عن الاستدلال بالإجماع والروايات ، وما في السرائر من ان النائم غير مكلف بالصوم وليس صومه شرعيا محمول على إرادة أن الإمساك في حال النوم لا يوصف بوجوب ولا ندب ، لعدم الأمر حينئذ ، فلا يوصف بالصحة التي هي بمعنى موافقته ، بخلاف الصحة التي هي بمعنى إسقاط القضاء ، فما في المختلف من تغليطه في ذلك قائلا إنه بحكم الصائم وإنه لا يسقط عنه التكليف بذلك لزوال‌

٣٣٠

عذره سريعا في غير محله خصوصا قوله أخيرا : « وانه لا يسقط » إلى آخره وإن أراد منه ما أطال به ثاني الشهيدين في مسالكه حيث قال : « إن تكليف النائم والغافل وغيرهما ممن يفقد شروط التكليف قد ينظر فيه من حيث الابتداء به بمعنى توجه الخطاب إلى المكلف بالفعل ، وأمره بإيقاعه على الوجه المأمور به بعد الخطاب ، وقد ينظر فيه من حيث الاستدامة بمعنى انه لو شرع في الفعل قبل النوم والغفلة أو غيرهما ثم عرض له ذلك في الأثناء ، والقسم الأول لا إشكال في امتناع التكليف به عند المانع من تكليف ما لا يطاق ، من غير فرق فيه بين أنواع الغفلة ، وهذا هو المعنى الذي أطلق الأكثر من الأصوليين وغيرهم امتناعه ، كما يرشد إلى ذلك دليلهم عليه وإن أطلقوا الكلام فيه ، لأنهم احتجوا عليه بأن الإتيان بالفعل لغرض امتثال الأمر يقتضي العلم به المستلزم للعلم بتوجه الأمر نحوه فان هذا الدليل غير قائم في أثناء العبادة في كثير من الموارد إجماعا ، إذ لا يتوقف صحتها على توجه الذهن إليها فضلا عن إيقاعها على الوجه المطلوب كما سنبينه إن شاء الله تعالى ، وأما الثاني فالعارض قد يكون مخرجا عن أهلية الخطاب والتهيؤ له أصلا كالجنون والإغماء على أصح القولين وهذا يمنع استدامة التكليف كما يمنع ابتداءه ، وقد لا يخرج عن ذلك كالنوم والسهو والنسيان مع بقاء التعقل ، وهذه المعاني وإن منعت من ابتداء التكليف بالفعل لكن لا تمنع استدامته إذا وقع على وجهه » إذ هو أيضا كما ترى مخالف لإطلاق كلامهم في امتناع تكليف الغافل وحديث رفع القلم ، ولصريح الدليل الذي عولت عليه الإمامية في امتناعه من كونه قبيحا عقلا ، لجريانه مجرى تكليف البهائم والجمادات من غير فرق بين الابتداء والاستدامة ، وإلا كان آثما بالإخلال بها ، وهو باطل بالضرورة ، نعم لا بأس بدعوى إجراء الشارع إياه مجرى الصحيح في استحقاق الثواب وفي إسقاط القضاء وفي نحو ذلك ، فان كان المراد بالاستدامة ذلك على‌

٣٣١

معنى اكتفاء الشارع في المركبات بالنية أولا ثم وقوع الفعل جامعا للشرائط ثانيا فمرحبا بالوفاق ، وإلا كان محلا للمنع ، كمنع دعوى مساواة الجنون والإغماء للنوم والغفلة ، ضرورة وضوح الفرق بينها ولو باعتبار سرعة زوالهما وكونهما كالطبيعة الثانية للإنسان ، بل لا يمكن تعيشه بدون النوم ، ولعله لذا فرقت الأدلة بينها ، وكفى بها فارقة.

نعم لو لم يعقد صومه بالنية مع وجوبه ثم طلع الفجر عليه نائما واستمر حتى زالت الشمس فعليه القضاء بلا خلاف ولا إشكال ، لفساد الأداء بفوات النية التي هي شرط فيه ، بل المتجه بناء على ما قدمناه سابقا وجوب الكفارة عليه أيضا مع تعمد الترك في صوم شهر رمضان مثلا ، خلافا لسيد المدارك.

وكذا لا خلاف ولا إشكال في انه لا يصح صوم الحائض والنفساء بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص (١) متواترة في الحائض المتحد حكم النفساء معها على ما بيناه في محله سواء حصل العذر قبل الغروب أو انقطع بعد الفجر وكذا لا إشكال ولا خلاف في أنه يصح من المستحاضة إذا فعلت ما يجب عليها من الأغسال أو الغسل وغيرهما ، وانما الكلام في بطلان صومها إذا أخلت بذلك أو بالأغسال خاصة أو النهاري منه خاصة بالنسبة إلى يوم الصيام ، بخلاف اليوم الذي بعده ، فإنه يخل فيه الإخلال بغسل ليلته ، وقد تقدم الكلام في ذلك مفصلا في باب الحيض وغيره ، فلا حظ وتأمل.

وكيف كان فالمشهور نقلا وتحصيلا أنه لا يصح الصوم الواجب صوم شهر رمضان وغيره من مسافر يلزمه التقصير إلا ثلاثة أيام في بدل الهدي وثمانية عشر يوما في بدل البدنة لمن أفاض من عرفات قبل الغروب عامدا ، والنذر المشترط سفرا وحضرا على قول مشهور بلا خلاف معتد به ، للنصوص التي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب من يصح منه الصوم.

٣٣٢

يمكن دعوى تواترها ، منها‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام (١) : « ليس من البر الصيام في السفر » كقول الصادق عليه‌السلام في خبر الساباطي (٢) : « لا يحل الصوم في السفر فريضة كان أو غيره ، والصوم في السفر معصية » وقوله عليه‌السلام في صحيح عمار بن مروان (٣) : « من سافر قصر وأفطر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد أو في معصية الله أو رسولا لمن يعص الله عز وجل أو طلب عدو وشحناء أو سعاية أو ضرر على قوم مسلمين » وقال سماعة (٤) : « سألته عن الصيام في السفر فقال : لا صيام في السفر ، قد صام أناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسماهم العصاة إلا الثلاثة الأيام التي قال الله عز وجل في الحج » وقال محمد بن حكيم (٥) : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لو أن رجلا مات صائما في السفر ما صليت عليه » إلى غير ذلك من النصوص.

نعم يستثنى من ذلك صوم الثلاثة دون السبعة للآية (٦) والإجماع المحكي إن لم يكن المحصل ، والخبر المزبور ، وخبر يونس (٧) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل متمتع لم يكن معه هدي قال : يصوم ثلاثة أيام قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، قال : فقلت له : إذا دخل يوم التروية وهو لا ينبغي أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ١٠ وهو قول أبى الحسن عليه‌السلام كما في التهذيب ج ٤ ص ٢١٨ الرقم ٦٢٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٩.

(٦) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٣.

٣٣٣

يصوم بمنى أيام التشريق قال : فإذا رجع إلى مكة صام ، قال : قلت : فإن أعجله أصحابه وأبوا أن يقيموا بمكة قال : فليصم في الطريق ، قال : فقلت : يصوم في السفر قال : هو ذا يصوم في عرفة ، وأهل عرفة هم في السفر » ولا ينافي ذلك‌ صحيح ابن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « الصوم الثلاثة أيام إن صامها فآخرها عرفة ، وإن لم يقدر على ذلك فليؤخرها حتى يصومها في اهله ولا يصومها في السفر » بعد القطع بإرادة الرخصة منه وانه لا يجب عليه ان يصومها في السفر كما عساه يوهمه ظاهر الآية على ما أومأ إليه بنفي الأمر فيما أرسله المفيد (٢) قال : « سئل عمن لم يجد هديا وجهل ان يصوم الثلاثة أيام كيف يصنع؟ فقال عليه‌السلام : أما انني لا آمره بالرجوع إلى مكة ولا أشق ولا آمر بالصيام في السفر ولكن يصوم إذا رجع إلى اهله ».

وصوم الثمانية عشر يوما أيضا لصحيح ضريس (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل ان تغيب الشمس عامدا قال : عليه بدنة ينحرها يوم النحر ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله » لكن ظاهر الاقتصار في الاستثناء على غيره في المحكي عن المرتضى في الجمل والشيخ في الاقتصاد وسلار والراوندي وابني حمزة وزهرة يقتضي عدم جوازه ، للإطلاق المقيد بما عرفت ، وعن الصدوقين جواز صومها أي الثمانية عشر سفرا في جزاء الصيد وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله.

واما النذر المقيد به فقد تشعر عبارة المتن بوجود الخلاف فيه ، إلا اني‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ١٠ من كتاب الحج.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٥ من كتاب الحج.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الإحرام بالحج والوقوف بعرفة الحديث ٣.

٣٣٤

لم أجده لأحد من أصحابنا كما اعترف به بعضهم ، لصحيح علي بن مهزيار (١) « كتب بندار مولى إدريس يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب عليه‌السلام وقرأته لا تتركه إلا من علة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا ان تكون نويت ذلك ، وإن كنت أفطرت منه من غير علة فتصدق بقدر كل يوم على سبعة مساكين » ولا يقدح جهالة الكاتب بعد قراءة علي ولا إضمار المكتوب اليه بعد العلم بكونه الامام عليه‌السلام كما هو محرر في محله ، ولا اشتماله على كون كفارة النذر الصدقة على سبعة ، وكون المرض كالسفر مع احتمال رفع الأخير بدعوى تخصيص الإشارة في السفر ، ولا احتمال كون المراد نوى الصوم ثم سافر فيخرج عن الدلالة على المطلوب ، ضرورة عدم منافاته للظهور الذي مناط الاستدلال في أكثر الأحكام عليه ، فهو حينئذ جامع لشرائط الحجية ، خصوصا بعد اعتضاده بما عرفت ، فما في المعتبر ـ من انه لمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولا مشهورا مما يشعر بتوقفه فيه وتبعه بعض متأخري المتأخرين ـ في غير محله قطعا ، كما ان من الواجب حينئذ تقييد‌ خبر إبراهيم ابن عبد الحميد (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام به ، قال : « سألته عن الرجل يجعل لله عليه صوم يوم مسمى قال : يصومه أبدا في السفر والحضر » سيما بعد معارضته بخبر كرام (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني جعلت على نفسي ان أصوم حتى يقوم القائم عليه‌السلام فقال : صم ولا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي يشك فيه انه من شهر رمضان » وخبر القاسم بن أبي القاسم الصيقل (٤) قال : « كتبت اليه يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٢.

٣٣٥

فيوافق ذلك يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو سفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي؟ فكتب اليه قد وضع الله عنك الصيام في هذه الأيام كلها ، وتصوم يوما بدل يوم إن شاء الله » وخبر زرارة (١) « إن أمي جعلت عليها نذرا إن رد الله عليها بعض ولدها من شي‌ء كانت تخافه عليه ان تصوم ذلك اليوم الذي يقدم فيه ما بقيت ، فخرجت معنا مسافرة إلى مكة فأشكل علينا لمكان النذر أتصوم أو تفطر؟ فقال : لا تصوم ، وضع الله عز وجل حقه عنها وتصوم هي ما جعلت على نفسها » وخبر معاوية بن عمار (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يجعل لله عليه ان يصوم شهرا أو أكثر من ذلك فيعرض له أمر لا بد أن يسافر أيصوم وهو مسافر؟ قال : إذا سافر أفطر لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره » المعتضدة بعموم ما دل على النهي عن الصوم في السفر من النصوص الكثيرة (٣).

فما عن المفيد والمرتضى وسلار ـ من الاكتفاء بإطلاق النذر لتناوله السفر ولعموم الوفاء بالنذر ـ واضح الضعف ، ضرورة اشتراط قصده خصوصا منفردا أو منضما إلى الحضر ، فلا يكفي قصد ما يشمله على الاجمال والعموم المزبور ، مع ان التعارض بينه وبين ما دل على النهي عن الصوم في السفر من وجه ، والرجحان لما هنا من وجوه يجب تخصيصه بما عرفت ، ولا غرابة بعد الدليل في عدم مشروعيته مع إطلاق النذر وإن قلنا بجواز صوم الندب في السفر ، كما لا غرابة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٨ عن عمار الساباطي مع الاختلاف في اللفظ.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من يصح منه الصوم.

٣٣٦

في مشروعيته بالنذر عليه خصوصا وإن قلنا بحرمة الصوم ندبا في السفر ، كما هو واضح ، وأضعف من ذلك ما عن المفيد أيضا من جواز مطلق الصوم الواجب عدا شهر رمضان في السفر ، لإطلاق ما دل على وجوبه الذي يجب الخروج عنه ببعض ما عرفت فضلا عن جميعه ، ولأن الإفطار في السفر رخصة من الله للناس وهدية لهم فيما أوجبه هو عليهم ، فلا ينبغي ان ترد هديته ، لا فيما أوجبوه هم على أنفسهم بسبب من الأسباب كما أومأ إليه بعض النصوص كخبر الحسن بن أسباط (١) عن رجل ، قال : « كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام فيما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر فقلت له : جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر ، فقال : إن ذلك تطوع ، ولنا أن نفعل ما شئنا ، وهذا فرض فليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا » ونحوه خبر إسماعيل بن سهل (٢) عنه عليه‌السلام أيضا ، إلا أنه كما ترى لا يصلح بمثل ذلك الخروج عن تلك النصوص الدالة على خلاف ذلك نصا وظاهرا التي يمكن دعوى تواترها ، بل خبر كرام (٣) المتقدم يدل على خلاف ما ذكره وانه إذا سقط الصوم الذي ابتدأ الله بإيجابه عليه فأولى بالسقوط ما أوجبه المكلف على نفسه ، وفي‌ خبر محمد بن مسلم (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « وإن ظاهر وهو مسافر أفطر حتى يقدم » مضافا إلى ما تقدم وغيره من النصوص الدالة على خلافه بالخصوص ، فضلا عن العموم المقطوع بعدم إرادة خصوص شهر رمضان منه ، هذا ، وربما قيل إن خلاف المقيد ليس بمطلق الواجب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٥ والأول عن الحسن بن بسام الجمال وهو الصحيح كما يأتي في ص ٣٣٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٤ والأول عن الحسن بن بسام الجمال وهو الصحيح كما يأتي في ص ٣٣٩.

(٣) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح خبر زرارة كما هو الظاهر.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ١.

٣٣٧

كما حكاه عنه الفاضلان والشهيد وغيرهم ، بل انما هو في خصوص المتعين ولو بالشروع فيما يجب فيه التتابع ، وقد يؤيده صدر عبارته المحكية عنه ، لكن ذيلها وما فيها من التعليل يشهد للأول ، فلاحظ وتأمل ، وعلى كل حال ضعفه بمكانة من الوضوح ، كضعف المحكي عن الصدوقين من جوازه سفرا في كفارة جزاء الصيد وربما يأتي إن شاء الله التعرض له ، والله اعلم.

هذا كله في الواجب وهل يصوم مندوبا؟ قيل والقائل الصدوقان وابنا البراج وإدريس وغيرهم على ما حكي عن بعضهم لا يجوز ، بل نسبه الأخير إلى جملة المشيخة الفقهاء من أصحابنا المحصلين وقيل والقائل ابن حمزة : نعم يجوز بلا كراهة وقيل والقائل الأكثر على ما في شرح الأصبهاني : يكره ، وهو الأشبه عند المصنف وجماعة جمعا بين ما دل على المنع من الإطلاقات والعمومات وخصوص‌ صحيح زرارة (١) عن الصادق عليه‌السلام « لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصوم في السفر في شهر رمضان ولا غيره » كخبر محمد بن مسلم (٢) المروي عن تفسير العياشي عنه عليه‌السلام أيضا « انه لم يكن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصوم في السفر تطوعا ولا فريضة » وصحيح البزنطي (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الصيام بمكة والمدينة ونحن في سفر قال : فريضة قلت : لا ولكنه تطوع كما يتطوع بالصلاة فقال : تقول : اليوم وغدا قلت : نعم فقال : لا تصم » وخبر الساباطي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا سافر فليفطر ، لأنه لا يحل له الصوم في السفر فريضة كان أو غيره ، والصوم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٨.

٣٣٨

في السفر معصية » وبين ما دل على الجواز من‌ مرسل ابن سهل (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « خرج أبو عبد الله عليه‌السلام من المدينة في أيام بقين من شعبان فكان يصوم ثم دخل عليه شهر رمضان وهو في السفر فأفطر فقيل له أتصوم شعبان وتفطر في شهر رمضان؟ فقال : نعم شعبان إلى إن شئت صمت وإن شئت لا ، وشهر رمضان عزم من الله عز وجل علي الإفطار » وخبر الحسن بن بسام الجمال (٢) قال : « كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام فيما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر ، فقلت له : جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر فقال : إن ذلك تطوع ، ولنا أن نفعل ما شئنا ، وهذا فرض وليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا » وفحوى ما دل على جواز نذره الظاهر في ثبوت مشروعيته قبله ، وما عساه يشعر به استفصال أبي الحسن عليه‌السلام في صحيح البزنطي (٣) المتقدم ، والمناقشة في سندهما يدفعها الانجبار بما عرفت ، وفي دلالتهما باحتمال الإمساك بلا نية أو نذر الصوم فيه أنه خلاف الظاهر منهما إن لم يكن المقطوع به ، فلا بأس بالعمل بهما لا للتسامح في أدلة السنن كي يرد عليه أنه هنا دائر بين الوجوب والحرمة الذاتية كصوم يوم العيد ومستلزم لتخصيص أدلة الحرمة بل لجمعهما شرائط الحجية ولو بملاحظة الانجبار بالشهرة ، والاعتضاد بإطلاق ما دل على صوم التطوع الذي بينه وبين ما دل على حرمة الصوم تعارض العموم من وجه.

وعلى كل حال فيستثنى من الكراهة أو الحرمة صوم الثلاثة الأيام للحاجة بالمدينة بلا خلاف أجده فيه ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٢.

٣٣٩

ابن عمار (١) « إن كان لك مقام بالمدينة ثلاثة أيام صمت أول يوم الأربعاء وتصلي ليلة الأربعاء عند أسطوانة أبي لبابة ، وهي أسطوانة التوبة التي كان ربط فيها نفسه حتى نزل عذره من السماء ، وتقعد عندها يوم الأربعاء ، ثم تأتي ليلة الخميس التي تليها مما يلي مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلتك ويومك ، وتصوم يوم الخميس ثم تأتي الأسطوانة التي تلي مقام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومصلاه ليلة الجمعة ، فتصلي عندها ليلتك ويومك وتصوم يوم الجمعة ، وإن استطعت أن لا تتكلم بشي‌ء في هذه الأيام إلا ما لا بد لك منه ، ولا تخرج من المسجد إلا لحاجة ، ولا تنام في ليل ولا نهار ، فان ذلك مما يعد فيه الفضل ، ثم احمد الله في يوم الجمعة وأثن عليه وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسل حاجتك ، وليكن فيما تقول : اللهم ما كان لي إليك من حاجة شرعت أنا في طلبها والتماسها أو لم أشرع سألتكها أو لم أسألكها فإني أتوجه إليك بنبيك محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبي الرحمة في قضاء حوائجي صغيرها وكبيرها ، فإنك أحرى أن تقضى حاجتك إن شاء الله ».

وألحق بها المفيد في المقنعة باقي المشاهد : قال فيها : « ولا يجوز لأحد أن يصوم في السفر تطوعا ولا فرضا إلا صوم ثلاثة أيام لدم المتعة من جملة العشرة الأيام ، ومن كانت عليه كفارة يخرج عنها بالصيام ، وصوم النذر إذا نواه في الحضر والسفر معا ، أو علقه لوقت من الأوقات ، وصوم ثلاثة أيام للحاجة أربعاء وخميس وجمعة متواليات عند قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو في مشهد من مشاهد الأئمة عليهم‌السلام وقد روي حديث في جواز التطوع في السفر بالصيام ، وجاءت أخبار بكراهة ذلك ، وانه‌ ليس من البر الصيام في السفر ، وهي أكثر ، وعليها العمل عند فقهاء العصابة ، فمن أخذ بالحديث لم يأثم إذا كان أخذه من جهة الاتباع ، ومن عمل على أكثر الروايات واعتمد على المشهور منها في اجتناب الصيام في السفر على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب المزار ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

٣٤٠