جواهر الكلام - ج ١٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الأكثر أو المشهور لا يفسده ، وهو الأشبه للأصل وحصر الباقر عليه‌السلام « ما يضر الصائم » في غيره ومضغه عليه‌السلام العلك وهو صائم في صحيح ابن مسلم (١) إلا انه حذره منه لأنه قد وجد في نفسه منه شيئا ، وخبر أبي بصير (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الصائم يمضغ العلك قال : نعم إن شاء » لكن عن الشيخ انه غير معمول عليه ، ولعل المراد ظهوره أو إشعاره في عدم الكراهة لا في الرخصة فيه ، نعم هو مكروه كما يستفاد من التحذير السابق ، والجمع بين ما عرفت وحسن الحلبي أو صحيحه (٣) قال للصادق عليه‌السلام : « الصائم يمضغ العلك فقال : لا » فالقول بعدم الجواز لذلك ولامتناع انتقال الأعراض ، فوجود الطعم لا يكون إلا بتحلل أجزاء ذي الطعم ، وابتلاعها مفسد ، وفيه منع التحلل أولا ، ولعل الطعم المزبور بالمجاورة ، وعن المنتهى قد قيل من لطخ باطن قدميه بالحنظل وجد طعمه ولا يفطره إجماعا ، ومنع الإفطار بمثل هذه الأجزاء التي لا تدرك بالحس ، وانما يعلم وجودها بوجود بعض الأعراض الحالة فيها ثانيا ، نعم لو كان مفتتا فوصل منه شي‌ء إلى الجوف بطل صومه كما لو وضع سكرة في فمه وابتلع الريق بعد ما ذابت فيه ، والله اعلم.

السادس إذا طلع الفجر وفي فيه طعام لفظه السادس إذا طلع الفجر وفي فيه طعام لفظه ، ولو ابتلعه فسد صومه ، وعليه مع القضاء الكفارة إجماعا ، بل في المدارك أنه موضع وفاق بين العلماء كما أنه معلوم من نصوص المذهب (٤) واحتمال إلحاق ما في الفم بما في الجوف فيجوز ابتلاعه حينئذ لا ينبغي الالتفات اليه.

السابع المنفرد برؤية هلال شهر رمضان السابع المنفرد برؤية هلال شهر رمضان يجب عليه الصوم فـ إذا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

٣٠١

أفطر عليه القضاء والكفارة لتناول الأدلة له ، خلافا لما عن بعض العامة فيصوم مع جماعة الناس ، وأبي حنيفة فلا تجب الكفارة وإن وجب القضاء.

المسألة العاشرة جواز الجماع لو بقي بمقدار إيقاعه والغسل وقت المسألة العاشرة لا إشكال ولا خلاف في انه يجوز الجماع في ليلة الصيام حتى يبقى لطلوع الفجر مقدار إيقاعه والغسل فان عصى ولم يغتسل كان عاصيا بذلك لا بجماعة ولو تيقن ضيق الوقت عن الجماع والغسل فواقع وطلع الفجر عليه وهو جنب أثم قطعا وفسد صومه وكان عليه الكفارة مع القضاء بناء على ما عرفت من وجوبهما بذلك ، وفي الخلاف الإجماع عليه ، نعم لو قيل بمشروعية التيمم بدله للضيق عنه كالصلاة أمكن القول بصحة صومه وعدم الكفارة وإن كان قد أثم بنقله حال الاختيار إلى الاضطرار ولو فعل ذلك ظانا سعته فبان عدمها فان كان مع المراعاة لم يكن عليه شي‌ء كما في الأكل ، إذ لا فرق بين سائر المفطرات في ذلك ، فالدليل حينئذ متحد ، وبه يخرج عن ظهور ما يقتضي القضاء من النصوص بحصول ما ينافي الإمساك وحينئذ فـ ان أهمل المراعاة فعليه القضاء خاصة ، لأصالة عدم الكفارة ، وإطلاق الأدلة في القضاء فدغدغة سيد المدارك وفاضل الذخيرة فيه بأنه لا دليل عليه سوى باب التشبيه بوجوب القضاء بالأكل قبل المراعاة وهو متوقف على ثبوت التعليل في الأول وفيه تأمل في الثاني في غير محلها بعد ما سمعت من احتياج عدم القضاء إلى المخرج لا القضاء.

المسألة الحادية عشر تتكرر الكفارة بتكرر الموجب إذا كان في يومين المسألة الحادية عشر تتكرر الكفارة بتكرر الموجب إذا كان في يومين من صوم تتعلق به الكفارة من شهر واحد فضلا عن الشهرين إجماعا منا بقسميه من غير فرق بين تخلل التكفير وعدمه ، واتحاد جنس الموجب وعدمه ، والوطء وغيره ، لصدق الإفطار المعلق عليه الكفارة ، خلافا للمحكي عن احمد والزهري فواحدة ، وأبي حنيفة إن لم يكفر في إحدى الروايتين ، وفي الأخرى كالأول‌

٣٠٢

وإن كان تكرر الموجب في يوم واحد قيل تتكرر الكفارة مطلقا كما عن المرتضى في إحدى الروايتين ، وفي الأخرى الوطء خاصة وثاني المحققين بل وثاني الشهيدين وإن قال : إن لم ينعقد الإجماع على خلافه ، بل صرح الأول بتعدده في الأكل والشرب بتعدد الازدراد ، وفي الجماع بالعود بعد النزع ، وكذا الثاني منهما ، لكن قال : يتجه في الشرب اتحاده مع اتصاله وإن طال ، للعرف وقيل إن تخلله التكفير وإلا فلا مطلقا كما عن الإسكافي ، وقيل إن اختلف الجنس أو تخلل التكفير ، واختاره الفاضل في المختلف ، وفي اللمعة والدروس بالوطء مطلقا ، ومع تخلل التكفير أو تغاير الجنس في غيره ، لكن في الدروس منهما في الأخير على الأحوط ، وقال فيها : ومع اتحاده فلا تكرار قطعا وفي الروضة عن المهذب إجماعا وقيل لا تتكرر مطلقا كما هو خيرة الشيخ وابن حمزة والمصنف والفاضل في المحكي عن منتهاه وغيرهم وهو الأشبه في غير الوطء سواء كان من جنس واحد أو مختلفا تخلل التكفير أولا للأصل وما تسمعه من خبر العيون (١) وتعليقها في أكثر النصوص على الإفطار ونحوه المتحقق بالأول ، بل سياق جميع النصوص ذلك حتى النادر منها الذي علق فيها في كلام السائل على العبث بالأهل حتى أمنى ، ضرورة إرادة المفطر منه لا فعله مطلقا حتى ممن لا يجب عليه صيام السفر ونحوه ، خصوصا بعد عدم استفصاله ، كعدم استفصاله عن الإفطار مع غلبة تعدده إن كان بالأكل بناء على حصوله بتعدد الازدراد ، وكعدم أمره بالتعدد للجماع الذي هو في الغالب الاستمناء مع إدخال الفرج في الجماع ، وهما سببان بل المأمور به له كفارة واحدة.

أما الوطء فقد يقال بالتعدد لتعدده ، لما رواه‌ الصدوق في العيون والمحكي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٣٠٣

عن الخصال بإسناده عن الفتح بن يزيد الجرجاني (١) « انه كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام يسأله عن رجل واقع امرأة في رمضان من حلال أو حرام في يوم عشر مرات قال : عليه عشر كفارات لكل مرة كفارة ، فإن أكل أو شرب فكفارة يوم واحد » وما في المختلف عن ابن أبي عقيل أنه قال : ذكر أبو الحسن زكريا ابن يحيى صاحب كتاب شمس الذهب عنهم عليهم‌السلام أن الرجل إذا جامع في شهر رمضان عامدا فعليه القضاء والكفارة ، وإن عاد إلى المجامعة في يومه ذلك مرة أخرى فعليه في كل مرة كفارة ، وفي المعتبر لا ريب أن قول الشيخ ليس لأصحابنا فيه نص وهم ، وإلا فقد‌ روي (٢) عن الرضا عليه‌السلام ان الكفارة تتكرر بتكرر الوطء‌ ، واختاره المرتضى ، وعن المنتهى بعد نقلها في حجة السيد أنه يحتمل أن يكون قول الشيخ قبل وقوفه على هذه الرواية ، لكن أجاب عنها بأنه لم يحضرني الآن حال رواتها ، وبالجملة القول بالتكرار في خصوص ذلك غير بعيد لا مطلقا ، فإنه لا دليل عليه سوى أصالة تعدد المسببات بتعدد الأسباب ، وفيه منع السببية بعد أن كان المعلق عليه الإفطار ، وسوى دعوى وجوبها للإمساك بعد الإفطار كالإمساك قبله ، وفيه ان الأول صوم يصدق على إبطاله اسم الإفطار بخلاف الثاني ، بل لا ينكر ظهور النصوص أو صراحتها في كون الأول سببا للكفارة ، لا الأعم منه ومن الأخير ، ولا مع شي‌ء من التفاصيل السابقة ، إذ لا أثر لاختلاف الجنس ، والاستدلال في المختلف بأن الكفارة تترتب على كل واحد من المفطرات ، فمع الاجتماع لا يسقط الحكم ، وإلا لزم خروج الماهية عن مقتضاها حالة انضمامها إلى غيرها ، فلا يكون تلك الماهية تلك الماهية ، وهذا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

٣٠٤

خلف ، يدفعه ـ مع انه يمكن تقريره في غير المختلف جنسا ـ ما عرفت من صدق السبب حالة الانفراد دون الاجتماع ، فلا تغير للماهية التي هي الإفطار وليس لها حالة اجتماع وانفراد كما هو واضح ، ولا أثر أيضا لتخلل التكفير بعد ما عرفت من أن السبب صدق الإفطار الذي لا تفاوت فيه بين التكفير وعدمه ، ومن الغريب الاستدلال عليه في المختلف بأن الثاني مؤثر كالأول ، لاشتراكهما في الصدق ، فاما أن يكون أثره الأول ويلزم تحصيل الحاصل ، أو غيره وهو المطلوب ، واما إذا لم يكفر فلأن الحكم معلق على الإفطار ، وهو أعم من المتحد والمتعدد ، والأصل براءة الذمة ، إذ فيه ـ مع انه مخالف لدعوى تعليقها على اسم التناول لا الإفطار في السابق إن تخلل التكفير ـ غير مجد على كل حال ، وإن أردت تمام العجب فالحظ ما في المختلف.

ومن ذلك كله يظهر لك أيضا انه لا كفارة في إفساد ما وجب قضاؤه من الصوم بترك مراعاة ونحوه من الأسباب السابقة ، لأنه إمساك لا صوم صحيح ، وإلا كان مسقطا للقضاء ، واحتمال كون وجوب صوم آخر غيره حكما شرعيا لا لأنه باطل وهذا تدارك له يدفعه إطلاق النص والفتوى عليه اسم القضاء ، كإطلاق اسم الإفطار على فعله.

وكذا لا تجب الكفارة بإفطار الصوم الذي عرض له مشكوك المانعية مثلا بناء على ان إتمامه عند أهل هذه القاعدة لتوقف يقين البراءة عليه ، وإلا فهو غير معلوم كونه صوما صحيحا ولا فاسدا ، فلا يجب قضاؤه بعروض المشكوك مثلا ، لعدم العلم بالفوات ، وإلا وجب عليه اجتناب ذلك ، للاحتياط الواجب ، فلو تناول مفطرا في مثل هذا اليوم الذي قد فرض سبق عروض المشكوك قبل تناوله لم تجب عليه الكفارة ، لعدم العلم بكونه إفطارا ، لاحتمال تحققه قبله بعروض ذلك الذي لم يكن متعمدا له ، وأنه به تحقق الإفطار ، فتأمل جيدا.

٣٠٥

فرع من فعل ما تجب به الكفارة ثم سقط فرض الصوم بسفر فرع من فعل ما تجب به الكفارة ثم سقط فرض الصوم بسفر قهري أو حيض أو جنون وشبهه قيل تسقط الكفارة واختاره الفاضل في جملة من كتبه إن لم يكن فعل المسقط للتخلص منها ، وقيل كما في فوائد الشرائع تسقط إن لم يكن المسقط اختياريا كسفر ونحوه وإن كنت لم أتحقق قائله وقيل لا تسقط مطلقا كما هو خيرة الأكثر ، بل في الخلاف الإجماع عليه وهو الأشبه لذلك لا لصدق الإفطار ، إذ التحقيق انتفاء الأمر بالمشروط مع العلم بانتفاء شرطه ، نعم يمكن أن يكون مبنى الكفارة ولو بمعونة الإجماع السابق المعتضد بفتوى الأكثر التكليف ظاهرا الذي به يحصل هتك الحرمة بالجرأة ، بل قد يظهر ذلك أيضا من صحيح زرارة ومحمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام الوارد في الفرار من الزكاة بعد تعلقها ، وانه كالفار من الكفارة بالإفطار بالسفر في آخر النهار ، وإلا فهو دال على بعض الدعوى ، وهو ما إذا كان المسقط من فعل المكلف مقصودا به إبطال الكفارة ، وإن حكي عن بعض المتأخرين ان موضع الخلاف في غيره ، ولعله لأنه لو لم يكن كذلك لصار عذرا لسائر العصاة المتناولين للمحرمات ، وسيأتي من المصنف الجرم بوجوب الكفارة على من أفطر من المسافرين قبل بلوغ محل الترخص وإن سافر بعد ذلك حتى بلغه ، ولعله يخرجه عن موضوع النزاع أيضا ، كما ان ظاهر الفاضل وغيره خروج سقوط الكفارة عمن أفطر آخر الشهر ثم بان انه من شوال عن ذلك أيضا وانه من المسلمات ، ولا بأس به إن كان إجماعا ، أو قلنا إن مدار وجوبها على إفطار شهر رمضان واقعا ، وإلا فبناء على ان مدار الكفارة التكليف شرعا ظاهرا يتجه حينئذ وجوبها فيه أيضا ، كما لو طرأ الحيض وتبين عدم الخطاب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٢ عن أبى عبد الله عليه‌السلام.

٣٠٦

بالصوم واقعا حتى يتحقق إفطار.

المسألة الثانية عشر من أفطر في شهر رمضان عالما عامدا المسألة الثانية عشر من أفطر في شهر رمضان عالما عامدا فان كان مستحلا فهو مرتد لإنكاره الضروري لو كان بأكل وشرب ، وقال الباقر عليه‌السلام في صحيح بريد (١) : « في رجل شهد عليه انه أفطر شهر رمضان ثلاثة أيام يسأل هل عليك في إفطارك إثم فان قال : لا فان على الامام أن يقتله ، وإن قال : نعم فان عليه ان ينهكه ضربا » واليه أشار المصنف وغيره بقوله عزر مرة ، فإن عاد كذلك عزر ثانيا لكن قد يستفاد من الخبر (٢) في المسألة الآتية تقدير تعزيره بخمسة وعشرين سوطا بناء على مساواة الجماع لغيره ، وإن كان ظاهر الفتاوى هنا عدم التقدير ، كما انك سمعت ما في الصحيح المزبور ، وعلى كل حال فان عاد قتل عند أكثر الأصحاب بل قيل إنه المشهور ، ورواه سماعة (٣) وقيل يقتل في الرابعة‌ للمرسل (٤) عنهم عليهم‌السلام « إن أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة » وهو وإن كان معارضته للأول بالتعميم والتخصيص ، بل هذا المرسل معارض‌ بالصحيح (٥) « أصحاب الكبائر إذا أقيم عليهم الحد مرتين قتلوا في الثالثة » إلا انه أحوط خصوصا في الدماء ، وخصوصا بعد الطعن في سند الخبرين معا ، ولتمام الكلام في المسألة محل آخر ، وعلى كل حال ففي التذكرة « انما يقتل في الثالثة أو الرابعة لو رفع في كل مرة إلى الامام وعزر ، أما إذا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٢.

(٤) المبسوط للشيخ قده ـ كتاب المرتد ـ حكم تارك الصلاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب حد المسكر ـ الحديث ٢ من كتاب الحدود.

٣٠٧

لم يرفع فعليه التعزير خاصة » وهو جيد.

المسألة الثالثة عشر من وطأ زوجته في شهر رمضان وهما صائمان المسألة الثالثة عشر من وطأ زوجته في شهر رمضان وهما صائمان مكرها لها كان عليه كفارتان وتعزيران مجموعهما خمسون سوطا ، ولا قضاء عليها إن كان برفع الاختيار ، بل وبغيره في المشهور ، بل ظاهر التذكرة الإجماع عليه وعلى كل حال لا كفارة عليها ، فان طاوعته فسد صومهما ، وعلى كل واحد منهما كفارة عن نفسه ، ويعزران أي كل منهما بخمسة وعشرين سوطا كل ذلك لقول الصادق عليه‌السلام في خبر المفضل بن عمر (١) « في رجل أتى امرأته وهو صائم وهي صائمة فقال : إن كان استكرهها فعليه كفارتان ، وإن كانت طاوعته فعليه كفارة وعليها كفارة ، وإن كان أكرهها فعليه ضرب خمسين سوطا نصف الحد ، وإن كانت طاوعته ضرب خمسة وعشرين سوطا وضربت خمسة وعشرين سوطا » ولا يقدح ضعفها في إثبات حكم مخالف لأصالة عدم التحمل عن الغير وعدم الكفارة على المتحمل عنه للإكراه بعد انجبارها بفتوى المشهور شهرة عظيمة ، بل لا أجد فيه خلافا إلا ما حكاه في المختلف عن ظاهر العماني ، مع ان ما حكاه من عبارته فيه يمكن منع ظهورها فيه ، بل في ظاهر المعتبر وغيره وصريح الخلاف الإجماع عليه ، بل في المعتبر وعن المنتهى والتنقيح أن علماءنا ادعوا الإجماع على ذلك ، ومع ظهور القول بها ونسبة الفتوى إلى الأئمة عليهم‌السلام يجب العمل بها ، وتعلم نسبة الفتوى إلى الأئمة عليهم‌السلام باشتهارها بين ناقلي مذهبهم ، كما تعلم أقوال أرباب المذاهب بنقل اتباعهم مذاهبهم وان استندت في الأصل إلى آحاد من الضعفاء ، وهو جيد جدا ، والمناقشة فيه في المدارك والذخيرة واهية ، فلا ينبغي حينئذ التوقف في الحكم المزبور ، خصوصا بعد مخالفته للجمهور ، وإمكان تقريبه من الاعتبار بأنه بإكراهه صار كأن الفعلين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٣٠٨

منه ، فيجب بهما مسببهما.

نعم ينبغي الاقتصار عليه ، فلا يلحق بالجماع غيره ولو للزوجة ، ولا إكراهها إياه ، ولا إكراه الأجنبي لهما على الفعل ، أو على اكراه الآخر ، ولا النائمة ، خلافا للشيخ ، ولا المدلس عليها ، ولا تندرج الأمة في المرأة المضافة إليه كما عثرنا عليه في رواية الخبر المزبور في كتب الفروع والأصول ، بل لم نعثر على نسخة بالتجريد من الإضافة ، على أن اندراجها في المرأة فيه ما فيه ، كدعوى الإلحاق وان لم تكن مندرجة ، خلافا للفاضل فاستقرب الكفارتين بإكراهها أيضا ، وقد يجتمع في حالة واحدة الإكراه والمطاوعة ابتداء واستدامة ، وحينئذ يلزمه حكمه ويلزمها حكمها كما في الروضة والمدارك والرياض ، ولعله لظهور النص في استمرار الإكراه إلى الفراغ ، فيبقى غيره على مقتضى الضوابط ، فلا حاجة حينئذ إلى دعوى الاندراج في المطاوعة في النص الواضح منعها.

نعم قد يقال فيما لو أكرهها ابتداء أنه وجب عليه الكفارتان بأول مصداق الجماع ، ومطاوعتها بعد ذلك سبب آخر لوجوب الكفارة عليها باعتبار صدق الإفطار عليها عمدا ان لم تكن قد أفطرت بالإكراه الأول ان كان رافعا للاختيار أو قلنا بعدم الإفطار به مطلقا ، وإلا فلا كفارة عليها ، لأنها قد طاوعته بعد أن أفطرت ، اللهم إلا أن يدعى ظهور النص المزبور في كون الموجب للكفارتين الإكراه بتمام الوطء ، حتى أنه لو ارتفع صدق الإكراه في الأثناء بنوم ونحوه بحيث كان وقوع تمام الفعل لا للإكراه الأول لم تجب الكفارتان ، وفيه بحث.

ولو كان مفطرا بسفر ونحوه وهي صائمة فأكرهها فعن بعضهم وجوب الكفارة عنها لا عنه ، وقد يحتمل كما في القواعد السقوط لكونه مباحا غير مفطر لها ، لانتفاء المقتضي للتحريم ، وهو فساد الصوم ، إذ المفروض أن صومها لا يفسد بذلك ، لكن في المدارك أن الأصح التحريم ، لأصالة عدم جواز إجبار‌

٣٠٩

المسلم على غير الحق الواجب عليه ، وفيه بحث ، والله أعلم.

والتقييد في المتن بشهر رمضان خال عنه النص ، فيمكن طرد الحكم في كل ماله كفارة من الصوم الواجب عليهما أو في خصوص قضاء الصوم عند تعينه ، اللهم إلا ان يدعى انسياق شهر رمضان ، والحكم مخالف للقواعد ، ومنه يعلم ما في قول المصنف وكذا تجب الكفارتان لو كان الإكراه لأجنبية حاكيا له عن بعضهم بقرينة قوله وقيل لا يتحمل هنا ، وهو الأشبه لما عرفت ، وغلظ الذنب لا يفيد أولوية ، إذ لا يقبل التكفير لعظمه كما في تكرار الصيد عمدا ، إلا أن الانصاف قوة القول بها في جملة مما سمعت ، فالاحتياط لا ينبغي تركه ، خصوصا فيما لو أكرهها على انها زوجته ثم بان أنها أجنبية إذ لا عظم فيه للذنب حينئذ ، كما انه لا يخفى عليك بعد ما ذكرنا ما يمكن تصوره من الفروع وان كثرت ، والله أعلم.

المسألة الرابعة عشر كل من يجب عليه شهران متتابعان المسألة الرابعة عشر كل من يجب عليه شهران متتابعان في نذر أو كفارة مرتبة أو مخيرة كذا قيل ، ويمكن دعوى انسياق المعنيين من المتن وما شابهه ، بل المتجه في المخير الانتقال الى الفرد الآخر من التخيير ، كما ان المتجه عدم عنوان الحكم المستفاد من الخبرين الآتيين به بمثل هذه العبارة الظاهرة في المباينة لها باعتبار اشتراط تعذر الخصال الثلاث في الانتقال إلى الثمانية عشر ، ولعله لذا عبر في الدروس بما يفيد ذلك ، فقال : ولو عجز عن الخصال الثلاث صام ثمانية عشر يوما متتابعا على الأشبه ، وقد يظهر من الأول من الخبرين أن الذي ينبغي مراعاته من الثلاث عند التعذر الإطعام ، لأنه أخفها ، ومع فرض التخيير انما يطالب المكلف به لأنه أدنى ما يمتثل به ، فلو عجز صام ، ولعل صحيحي الصدقة (١) بما يطيق يوميان إلى ذلك ، وإلى قاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١ و ٣.

٣١٠

وعلى كل حال فـ لو عجز صام ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام ولو عجز عن الصوم أصلا ففي النافع في باب الكفارات بل في معقد ما حكي من شهرة المسالك وما حكي أيضا في الرياض عن الشيخ وجماعة تصدق بمد عن كل يوم من الستين أو الثمانية عشر على اختلاف الوجهين كما في الرياض ، وفيه نظر يعرف مما مر ويأتي ، وإلا استغفر الله ، فهو كفارته إلا انه لم أقف في الأدلة على ما يدل على ذلك ، نعم في‌ الموثق (١) « عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق ولا ما يتصدق ولا يقوى على الصيام قال : يصوم ثمانية عشر يوما » وخبر أبي بصير وسماعة (٢) إذ سألا أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام ولم يقدر على العتق ولم يقدر على الصدقة قال : فليصم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام » وهما معا كما ترى غير دالين على تمام ذلك ومقتضاهما كما في المدارك الانتقال إلى الثمانية عشر بعد العجز عن الخصال الثلاثة وإن كان ما ذكره لا يخلو من نظر ، بل الأول منهما في خصوص الظهار ، وفي الرياض ان سياق الثاني صدرا وذيلا اختصاص الحكم بصيامها بصورة العجز عن الخصال الثلاث التي هي في الكفارة خاصة ، فهذا القسم خارج عن موردها البتة ، لكن قد يناقش فيه بظهور السؤال في الأعم ، ولا ينافيه ذكر العجز عن العتق والصدقة ، لإمكان إرادة التكفير بهما لو عجز عن أداء النذر أيضا ، فتأمل جيدا ، فالأولى التعميم بالنظر إلى هذا الحكم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب الكفارات ـ الحديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١ وفيه عن ابى بصير إلا ان الموجود في الاستبصار ج ٢ ص ٩٧ ـ الرقم ٣١٤ عن ابى بصير وسماعة بن مهران مع الاختلاف في لفظه.

٣١١

نعم قد يقال إن مقتضى الجمع بينهما وبين‌ الصحيحين (١) « في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر قال : يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا ، فان لم يقدر تصدق بما يطيق » التخيير في البدل كما في المختلف والدروس لا انه الصوم خاصة كما عن المشهور ، لاقتضائه طرح الصحيحين ، ولا التصدق المزبور المقتضي طرح المعتبرين ولو بالعمل ، ولا دليل على الجمع بينهما بالترتيب بمعنى انه إن عجز عن الصوم تصدق بما يطيق ، فلم يبق إلا التخيير ، وما في المدارك بعد ان حكى عن جده القطع به ـ من انه جيد لو تكافأ الدليلان ، وليس لضعف سند الأولين وصحة الأخيرين ـ فيه ما لا يخفى من وضوح معادلة الصحة بالعمل ، وفي اشتراط التتابع في الثمانية عشر قولان ينشئان من الإطلاق ، ومن انه بدل عن صوم يعتبر فيه التتابع ، لكن قد يمنع الثاني بظهور الخبر المزبور في ان ذلك بدل عن الإطعام ، إلا انه الأحوط إن لم يكن المنساق من الإطلاق كما اختاره في الدروس ، ولو حصل العجز بعد صوم شهر ففي المدارك « احتمل وجوب تسعة ، لأن الثمانية عشر بدل عن الشهرين ، فيكون نصفها بدلا عن الشهر ، والسقوط ، لصدق صيام الثمانية عشر ، ووجوب الثمانية عشر بعد الفجر ، لأن الانتقال إلى البدل لا يكون إلا بعد العجز عن المبدل ، وما صامه أولا انما كان محسوبا من المبدل ، فلا يجزي عن البدل ، وهذا الاحتمال لا يخلو من قوة » قلت : قد يتجه بناء على المختار السقوط والتصدق بما يطيقه الذي كان يجزيه من العجز أولا.

ولو عجز عن الثمانية عشر أتى بالممكن من الصوم والإطعام ، وفي الدروس أن فيه وجها مخرجا ، وهو الإتيان بالممكن منهما ابتداء حتى لو أمكن الشهران‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١ و ٣.

٣١٢

متفرقين وجب ، ولو قدر على صيام الأكثر من ثمانية عشر ففي الشرائع في الوجوب نظر ، قلت : ظاهر الأدلة عدمه ، كما ان ظاهرها عدم الأقل لو قدر عليه خاصة ، وأما الاستغفار فلم أجد في النصوص تعميم بدليته أيضا ، نعم قال الصادق عليه‌السلام في‌ خبر أبي بصير (١) : « كل من عجز عن الكفارة التي يجب عليه صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة فالاستغفار له كفارة ما خلا يمين الظهار » والباقر عليه‌السلام في الموثق (٢) في كفارة اليمين لما قيل له فان عجز عن ذلك قال : « فليستغفر الله عز وجل ولا يعود » وهما غير عامين لجميع صور تعذر الشهرين ، بل في أولهما التصريح بخروج يمين الاستظهار ثم إن المعتبر منه كما في الرياض مرة واحدة بالنية عن الكفارة ، مضافا إلى اللفظ الدال على الندم على ما فعل ، والعزم على عدم العود إن كان عن ذنب قلت : إن لم ينعقد إجماع كما عساه يظهر من المدارك حيث قال : هذا الانتقال مع العجز عن الصوم إلى الاستغفار مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل ظاهرهم انه موضع وفاق ، فان تم وإلا أمكن إرادة سقوط الكفارة من الخبرين ما دام عاجزا ، والاجتزاء بالتوبة لا على انها بدل عن الكفارة ، وربما يومي اليه ما في الموثق (٣) في المظاهر أنه يستغفر ويطأ ، فإذا وجد الكفارة كفر ، وعن الشيخ العمل به في التهذيبين ، إذ لو كان بدلا لأجزأ وإن تمكن وفي الدروس ولو قدر بعد الاستغفار فإشكال ، إذ لا تجب الكفارة على الفور ، ومن الامتثال ، أما لو قدر بعد الثمانية عشر أو ما أمكن منها فلا شي‌ء ، ولعل فيه شهادة على بعض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الكفارات ـ الحديث ١ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات ـ الحديث ٦ من كتاب الإيلاء والكفارات.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب الكفارات ـ الحديث ٤ من كتاب الإيلاء والكفارات.

٣١٣

ما ذكرنا ، وتمام الكلام في المسألة في باب الكفارات إن شاء الله.

المسألة الخامسة عشر لو تبرع متبرع بالتكفير عمن وجبت عليه الكفارة المسألة الخامسة عشر لو تبرع متبرع بالتكفير عمن وجبت عليه الكفارة جاز وإن كان حيا ، لاقتضاء تنزيل نحوه من النصوص منزلة الذين ، ذلك مضافا إلى ابتناء حق الله على التخفيف لكن مقتضى ذلك عدم الفرق بين الصوم وغيره كما هو المحكي عن مبسوط الشيخ ، واختاره في المختلف لا انه يراعى في خصوص الصوم الوفاة كما اختاره المصنف ، وإن كان قد يوجه بأن الصوم كالصلاة لا يؤدى عن الحي أصالة وإن أذن ، وفيه بحث إن لم ينعقد إجماع على خلافه ، والأقوى عدم التبرع عن الحي مطلقا وفاقا لجماعة ، بل لعله المشهور للأصل ، أما الميت فالمعروف بين الأصحاب صحة التبرع عنه مطلقا ، لكن ظاهر الدروس ترتب الاجزاء وعدمه في الحي على القولين في الميت قال : وأولى بالمنع لعدم إذنه ، ولتحقيق الحال في ذلك محل آخر ، والله اعلم.

المقصد الثالث فيما يكره للصائم وهو تسعة أشياء المقصد الثالث فيما يكره للصائم وهو عند المصنف تسعة أشياء : الأول مباشرة النساء تقبيلا ولمسا وملاعبة الأول مباشرة النساء تقبيلا ولمسا وملاعبة مع ظن عدم الامناء لمن تتحرك شهوته بذلك إجماعا عن المنتهى ، وفي الخلاف « يكره القبلة للشاب إذا كان صائما ، ولا يكره للشيخ ، دليلنا إجماع الفرقة » وفي التذكرة أجمع العلماء على كراهة التقبيل لذي الشهوة ، وسأل الحلبي (١) الصادق عليه‌السلام « عن مس الصائم شيئا من المرأة أيفسده أم ينقضه؟ فقال له : إن ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني » وسماعة (٢) أيضا « عن الالتصاق بالأهل فقال : ما لم يخف على نفسه فلا بأس » ومنصور بن حازم (٣) « عن تقبيل الجارية والمرأة فقال : أما الشيخ الكبير مثلي ومثلك فلا بأس ، وأما الشاب الشبق فلا ، فإنه لا يؤمن ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

٣١٤

والقبلة إحدى الشهوتين » ، وزرارة (١) الباقر عليه‌السلام « عن المباشرة والتقبيل فقال له : فليتنزه عن ذلك إلا ان يثق ان لا يسبقه منيه ».

ومن ذلك كله قيد إطلاق الكراهة بما عرفت جماعة من الأصحاب منهم الفاضلان والشهيدان وغيرهم ، لكن فيه ان التسامح وما تحقق في الأصول من عدم حمل المطلق على المقيد في أمثال المقام ، واحتمال ان منشأ الكراهة التلذذ كما ورد (٢) في كراهة شم الريحان لا خوف الوقوع في المبطل ، بل قد يومي اليه‌ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) لما سئل « عن قبلة الرجل امرأته وهو صائم : هل هي إلا ريحانة يشمها » بقرينة ما ستسمعه من كراهة شم الرياحين للصائم يقتضي الجمع بين ذلك وبين ما يستفاد منه إطلاق الكراهة ـ كترك الاستفصال في‌ خبر الأصبغ (٤) قال : « جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : أقبل وأنا صائم فقال : عف صومك ، فان بدو القتال اللطام » وقال ( عليه‌السلام أيضا (٥) : « أما يستحي أحدكم أن لا يصبر يوما إلى الليل ، انه كان يقال إن بدو القتال اللطام » وصحيح ابن مسلم (٦) سأل الباقر عليه‌السلام « عن الرجل يجد البرد أيدخل مع أهله في لحاف وهو صائم فقال له : يجعل بينهما ثوبا » ـ بالشدة والضعف ، ولعله لذا أطلق جماعة الكراهة منهم المصنف هنا وفي النافع ، بل هو مقتضى ما في التهذيب انه روى عبد الله بن سنان (٧) رخصة للشيخ في المباشرة ، ومن إطلاق اسم الرخصة ، بل‌ سأل رفاعة (٨) أبا عبد الله عليه‌السلام « عن رجل لامس جارية في شهر‌

__________________

(١) و (٣) و (٤) و (٥) و (٦) و (٧) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١٣ ـ ٤ ـ ١٥ ـ ٥ ـ ٧ ـ ٨ لكن الأول عن محمد ابن مسلم وزرارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٣.

٣١٥

رمضان فأمذى فقال : إن كان حراما فليستغفر الله استغفار من لا يعود ابدا ويصوم يوما مكان يوم ، وإن كان من حلال فليستغفر الله ، ولا يعود ويصوم يوما مكان يوم » ولكن نسبه في التهذيبين إلى الشذوذ ومخالفته لفتوى أصحابنا كلهم ، ثم إلى وهم الراوي ، لأنه شرع فيه ليفرق بين الحلال والحرام ثم سوى بينهما في الحكم ، ولعل حمله على الاستحباب كما عن موضع آخر من التهذيب أولى ، وفي الوافي أن التقييد بالأبد الظاهر في إرادة رمضان وغيره في الأول دون الثاني يرفع التسوية المزبورة ، وظاهره الفرق بين رمضان وغيره في الحلال ، وقد يشهد له‌ خبر أبي بصير (١) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن رجل كلم امرأته في شهر رمضان وهو صائم فقال : ليس عليه شي‌ء ، وإن أمذى فليس عليه شي‌ء ، والمباشرة ليس بها بأس ولا قضاء يومه ، ولا ينبغي أن يتعرض لرمضان ».

وكيف كان فلا إشكال في أصل الجواز ، خصوصا بعد ما روى أبو بصير (٢) عن الصادق عليه‌السلام نفي البأس عن وضع الرجل يده على جسد امرأته وهو صائم وعن تقبيلها وعن مصها لسانه ، وعلي بن جعفر (٣) عن أخيه موسى عليه‌السلام نفي البأس عن مص كل منهما لسان الآخر ، نعم ينبغي تقييده بما إذا لم يقصد الانزال بذلك ولا كان من عادته ، وإلا حرم في الصوم المعين ، لأنه كتعمد الابطال ، اللهم إلا أن يدعى توقفها على حصول الانزال ، وإلا فلا كما عرفته سابقا ، وأما إذا لم يغلب على ظنه ذلك ففي التذكرة ان الأقرب الكراهة لا الحرمة ، لأن التعريض للإفساد مشكوك فيه ، ولا يثبت التحريم بالشك ، قلت :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١٦ والباب ٣٤ منها الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٣.

٣١٦

قد يومي إليها إيجاب الكفارة بناء على ملازمتها للإثم ، إلا أن يعلم العدم على اللازق بأهله فأنزل في الموثق (١) الشامل لمحل الفرض كمعاقد الإجماعات عليها وإن لم يكن من قصده الانزال ، قال هو في التذكرة في المقام : إذا عرفت هذا فلو قبل لم يفطر إجماعا ، فإن أنزل وجب القضاء والكفارة عند علمائنا ، وبه قال أحمد ومالك ، بل قد يقال بإرادة الحرمة من تلك النصوص المقيدة حتى ما ورد بلفظ الكراهة منها بناء على انها للأعم منها ومن المصطلح في العرف القديم.

ومنه ينقدح وجه آخر للجمع بينها غير ما ذكرناه من الشدة والضعف ، إلا أنه ينافي ذلك حكم الأصحاب هنا بالكراهة إما مطلقا أو لخصوص من تتحرك شهوته ولا يملك إربه الشامل لصورة الظن قطعا ، فيمكن ان يكون هذا منهم مع ضميمة ما ذكروه سابقا من الكفارة لو أنزل بالملامسة والتقبيل وإن لم يكن من قصده ، لعدم التلازم عندهم بين الكفارة والإثم كما أومأنا إليه في السابق ، فوجوبها حينئذ بذلك لا ينافي الكراهة في مقدمة الانزال ، كما هو صريح نهاية الشيخ أو كصريحها ، فتأمل جيدا ، والله اعلم.

الثاني الاكتحال بما فيه صبر والثاني الاكتحال بما فيه صبر ونحوه مما يجد طعمه أو مسك بلا خلاف أجده ، وهو المراد من البأس في مفهوم‌ مضمر سماعة (٢) « إذا كان كحلا ليس فيه مسك وليس له طعم في الحلق فلا بأس » وقول أحدهما عليهما‌السلام في صحيح ابن مسلم (٣) : « إذا لم يكن كحلا تجد له طعما في الحلق فلا بأس » لا الحرمة إجماعا محكيا صريحا وظاهرا ان لم يكن محصلا ، مضافا الى نفي البأس عن مطلق الكحل في خبر ابن مسلم (٤) وابن أبي العلاء (٥)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٧.

٣١٧

وابن أبي يعفور (١) والقداح (٢) معللا بأنه ليس بطعام ولا شراب ، وعن خصوص ما فيه مسك في خبر ابن أبي غندر (٣) الذي منه يعلم بطلان احتمال الجمع بينها بالإطلاق والتقييد كما في الذخيرة ، على انك قد عرفت الإجماع على الكراهة ، نعم قد يحتمل الجمع بين هذه النصوص وبين النهي عن الكحل بالذرور وشبهه في موثق ابن فضال (٤) وعن الكحل في صحيح الحلبي (٥) معللا بأنه يخاف ان يدخل رأسه ، وعن الذرور في صحيح سعد بن سعد (٦) بالرخصة فيه مطلقا مع الكراهة ، وشدتها فيما فيه مسك أو يجد طعمه في الحلق مؤيدا بالتسامح فيها ، وقاعدة عدم حمل المطلق على المقيد في نحوه ، هذا ، وقد يتوهم من التعليل بتخوف دخول الرأس الإفطار لو علمه وليس بمراد ، لما عرفته سابقا من عدمه بوصول مثل ذلك مما ليس بطعام وشراب من غير الحلق ، فهو كالتعليل المستفاد من التقييد بما إذا لم يجد طعمه مما لا إفطار به قطعا ، وان وجده كما عرفت يراد منه الكراهة في الواصل وفيما يخاف منه ، أو الشدة في الأول ، فتأمل جيدا ، والله اعلم‌ الثالث إخراج الدم المضعف والثالث إخراج الدم المضعف أي يخشى منه الضعف بحجامة وغيرها وان كان مورد النصوص (٧) الأولى ، إلا ان التعليل فيها بتخوف الغشيان أو ثوران المرة والضعف يقتضي التعميم ، بل لغير إخراج الدم مما يورث شيئا من ذلك من غير فرق بين شهر رمضان وغيره للإطلاق ، وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٨) : « لا بأس بأن يحتجم الصائم إلا في رمضان ، فإني أكره أن يغرر بنفسه إلا ان لا يخاف على نفسه » محمول على الشدة فيه ، كما ان نفي‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٤) و (٥) و (٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٦ ـ ٤ ـ ١١ ـ ٨ ـ ٩ ـ ٣.

(٧) و (٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث. ـ ١٢.

٣١٨

البأس عن الاحتجام للصائم في موثق الساباطي (١) وأن لا ينبغي للحجام أن يحجم وهو صائم محمول على الرخصة في الأول وشدة الكراهة في الثاني ، نعم تطابقت نصوص المقام على نفي البأس مع عدم الخوف ، وهو كذلك ، كما ان في خبر القداح (٢) منها عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام التصريح بأن الحجامة لا تفطر الصائم وانه قد احتجم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو صائم ، مضافا إلى الإجماع بقسميه عليه ، لكن قد يقيد ذلك في الصوم المعين بما إذا لم يعلم حصول الغشيان لحرمة الإبطال به ، كما هو واضح.

الرابع دخول الحمام كذلك والرابع دخول الحمام كذلك أي ما يخاف معه الضعف ونحوه لما عرفت من التعليل المزبور ، مضافا إلى قول الباقر عليه‌السلام في‌ صحيح ابن مسلم (٣) وقد سئل عنه : « لا بأس ما لم يخش ضعفا » وبه يقيد إطلاق نفي البأس في خبر أبي بصير (٤) عن الصادق عليه‌السلام أو يحمل على مطلق الرخصة للإجماع على عدم العزيمة.

الخامس السعوط بما لا يتعدى والخامس السعوط بما لا يتعدى إلى ما يحصل به الإفطار من الحلق كما في كثير من عبارات المتأخرين ، لقول الباقر عليه‌السلام في خبر غياث (٥) : « لا بأس بالكحل للصائم ، وكره السعوط للصائم » وسأل ليث المرادي (٦) الصادق عليه‌السلام « عن الصائم يحتجم ويصب في أذنه الدهن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

٣١٩

فقال : لا بأس إلا السعوط فإنه يكره » لكن لا تقييد فيهما بما في المتن كالخلاف والنهاية ومحكي الجمل والاقتصاد والمرتضى للأصل ، وحصر ما يضر الصائم في صحيح ابن مسلم (١) في غيره ، وما سمعته من تعليل نفي البأس عن الكحل بأنه ليس بطعام ولا شراب ، وفحوى كراهة الاكتحال بذي الطعم ، وما تقدم في الفرع الثالث ، خلافا للمحكي عن المفيد وسلار وإن كان مقنعة الأول غير صريحة في ذلك ، فأوجبا القضاء والكفارة به ، وعن المرتضى نسبته إلى قوم من أصحابنا ، وفي الفقيه « لا يجوز » لكن قد يريد الكراهة بقرينة ما عن المقنع « لا بأس » وكيف كان فلا دليل عليه سوى دعوى إرادة الحرمة من لفظ الكراهة في الخبرين المزبورين ، وسوى أنه أوصل إلى جوفه أو دماغه المفطر ، وفيه أولا منع لزوم السعوط الوصول إليهما ، فتعمده أعم من تعمد الوصول ، وحصوله من دونه لا يوجب القضاء فضلا عن الكفارة ، ومنقدع‌ح الأول ( الثاني ظ ) منهما ولذا لم يفطر التقطير في الأذن بلا خلاف أجده فيه حتى من المفيد إلا من أبي الصلاح ، وخبر ليث (٢) وصحيح حماد وحسنه (٣) وإطلاق غيرهما والأصل حجة عليه ، وقد عرفت المراد من تعليل الكحل في صحيح الحلبي (٤) بل منع قدح الثاني ( الأول ظ ) أيضا بعد ما عرفت في الفرع الثالث ، ومنه يعلم منافاة تقييد المصنف هنا إطلاقه السابق ، كما أن منه يعلم ما في المحكي عن أبي الصلاح وابن البراج من إيجاب القضاء به خاصة ، بل وما في المختلف من انه إن تعمد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١ و ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٩.

٣٢٠