جواهر الكلام - ج ١٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فيما نحن فيه ولا كذلك الواجب المطلق ، لأن أمره لعدم توقيته بوقت باق فلا بد من الخروج عن عهدته ، ولا يحصل بمثل هذا الصوم المشكوك في صحته وفساده ، ومن هنا يظهر الحكم في المندوب بقسميه ، ويذب عن النصوص بأنها مع ضعف السند في بعضها بين مختص برمضان موردا فلا يعارض ، ووارد في قضائه مما لا يجري فيه الأصل المذكور ، ومنساق منه عدم المراعاة ، لكن الجميع كما ترى ، خصوصا بعد ما عرفت من ظهور الأدلة في اعتبار الإمساك لغة عن المفطرات في الصوم شرعا إلا ما ثبت فيه خلافة كالناسي ونحوه ، ومقتضاه الإفطار في الجميع ، إذ حقيقة الصوم ليست إلا عبارة عن الإمساك عن المفطرات وهو في المقام لم يتحقق قطعا لا لغة ولا عرفا ولا شرعا ، إذ ليس معناه عنده إلا ما هو المتبادر عند المتشرعة من الإمساك ، وعدم وقوع المفطر باختيار المكلف أصلا ، وهو منتف ، ولذا يصح سلب اسم الصوم والإمساك عنه ، كما يصح إطلاق لفظ الإفطار عليه ، ومنه ينقدح الاستدلال عليه أيضا بما في بعض نصوص القضاء من ظهور دورانه على تحقق الإفطار ، وأنه متى ثبت ثبت القضاء بل لا يخفى على من تتبع النصوص خصوصا الواردة منها فيما تقدم من المسألتين غاية وضوحها في التنافي بين فعل المفطر والصوم بحيث لا يجتمعان وإن كان التناول جائزا شرعا لاستصحاب ونحوه.

وكذا يجب القضاء خاصة في الرابع من التسعة وهو الإفطار تقليدا لمن أخبر أن الليل دخل حيث يجوز له التقليد لعمى وشبهه ، أو قلنا بجواز التعويل فيه على العدل الواحد أو العدلين ثم تبين فساد الخبر ضرورة عدم منافاة الجواز شرعا للقضاء الذي قد عرفت ظهور النصوص في ثبوته بمطلق فعل المفطر إلا ما قام الدليل عليه ، بل هو أولى بالقضاء من التناول في الليل باخبار المخبر ببقائه المعتضد باستصحابه ، وحجية البينة أو خبر العدل ليست‌

٢٨١

أزيد من ذلك ، فلا يستلزم شي‌ء منها سقوط القضاء المترتب على ما عرفت ، مع ان في الخلاف والغنية الإجماع على القضاء خاصة على من أفطر شاكا في دخول الليل وكان غير داخل ، ويندرج فيه بعض أفراد المقام ، بل لو أريد من الشك ما يشمل الظن ـ كما هو معناه لغة ، ويفهم من كثير من الأخبار الواردة في بحث الخلل في الصلاة بل وفتاوى الفقهاء ـ اندرج فيه جميع أفراده ، إذ لا يحصل من الخبر نفسه ولو كان شهادة أزيد من الظن المفروض اندراجه في الشك.

وأما الكفارة فالأصل عدمها بعد عدم الإثم في التناول والجواز شرعا ، نعم لو تناول باخبار المخبر وكان لا يجوز له التقليد اتجه وجوبها مع القضاء ، لصدق الإفطار عمدا حتى لو كان جاهلا بعدم جواز التقليد في وجه ، بل في بعض النصوص (١) الصحيحة ما يقتضي وجوبها مطلقا من غير تقييد بالعمد ، بل هو في أكثر أخبارها في كلام الرواة خاصة ، فلا يصلح مقيدا لما أطلق من أخبارها ، وحينئذ فالأصل وجوبها مطلقا إلا ما قام الدليل فيه على العدم وليس منه ما نحن فيه وبعض الأخبار (٢) الدالة على اشتراط التعمد بالنسبة إليها بل والقضاء أيضا ضعيف السند بل والدلالة ، ومن ذلك كله يظهر لك محل النظر فيما في جملة من كتب الأصحاب ، خصوصا الرياض والمدارك والذخيرة بل وجامع المقاصد ، وأن دعوى ظهور المتن فيمن لا يجوز له التقليد ـ إذ لا إشكال في سقوط القضاء عمن يجوز له كالأعمى ونحوه ، كما انه لا كفارة على من لا يجوز له التقليد للأصل ـ واضحة النظر من وجوه لا تخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا ، اللهم إلا ان يقوم إجماع على بعضها ، كسقوط القضاء عمن جاز له التقليد ، وعمن أخذ بخبر العدل أو العدلين بناء على جواز ذلك ، ودون ثبوته خرط القتاد ، فتأمل جيدا ، والله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

٢٨٢

العالم بحقيقة الحال.

الخامس الإفطار للظلمة الموهمة والخامس الإفطار للظلمة الموهمة اي الموجبة لحصول الوهم بالمعنى المصطلح لدخول الليل أو الشك كما هو لفظ النهاية مقابلا له في صورة القضاء بغلبة الظن ، وحينئذ لا خلاف ولا إشكال في وجوب القضاء ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لعموم ما دل عليه مما عرفت ، لكن قد يشكل عدم الكفارة حينئذ بما سمعت مما يقتضي وجوبها ، بل هو هنا من العالم العامد ولو بملاحظة الأصل الشرعي ، وعدم جواز الاقدام له حتى لو استمر الاشتباه ، ودعوى اعتبار العلم بالإفطار بالنهار في وجوبها بحيث لا يكفي الأصل ونحوه واضحة المنع كما عرفته سابقا ، وإجماع الغنية ومحتمل إجماع الخلاف على سقوطها عمن تناول شاكا في الليل كما هو صريح المختلف متبين خلافه ، نعم قد يقال بانتفائها مع جهله بعدم جواز الاقدام بذلك بناء على سقوطها عن الجاهل بالحكم ، وبه أيضا مع مصادقة الواقع للأصل ، مع ان في فوائد الشرائع وحاشية الإرشاد الإشكال في الأخير كنظائره من الإفطار معتقدا انه من رمضان فظهر انه عيد ونحوه ، لكن قال بعد ذلك في الأول : والذي ينساق اليه النظر حصول الإثم دون الكفارة ، وإن أريد من الوهم الظن كما هو أحد إطلاقاته بل ينبغي إرادة غير الغالب هنا بقرينة قوله فلو غلب على ظنه لم يفطر فلم يقض ففيه ان سقوط القضاء به حينئذ دون الثاني مذهب ابن إدريس خاصة ، ولم يساعد عليه شي‌ء من الأدلة ، ضرورة عدم الفرق فيها بين مراتب الظن حيث يجوز التعويل عليه أو لا يجوز ، بل لعل دعوى استفادة سقوطهما معا عن الغالب والكفارة خاصة عن غيره من الأدلة ولو بدعوى أنه مقتضى الجمع الذي لا شاهد له بين النصوص من الغرائب ، ولذا شدد النكير عليه في المختلف ، وجعل منشأ خياله هذا ما توهمه من كلام شيخنا أبي جعفر مما هو ليس مقصودا له ، ومثله في الغرابة ما عن الشهيد من تفسير الوهم على هذا‌

٢٨٣

التقدير بترجيح احد الطرفين لامارة غير شرعية ، والآخر الترجيح لها ، مع ما في الروضة من أنه غير تام أيضا ، لأن الظن المجوز للإفطار لا يفرق فيه بين الأسباب المثيرة له ، لكن الإنصاف أن تفسير المتن وما شابهه بالأول أي إرادة الشك من الوهم أو الطرف المرجوح بعيد أيضا جدا ، بل قد عرفت ما فيه من إشكال عدم الكفارة.

ولعل الأولى إرادة الخطأ منه بمعنى ان الظلمة أوقعت الصائم في الخطأ فيها حتى تخيل انها ليل ، ومثله يتجه فيه وجوب القضاء ، للإطلاق السابق ، وخصوص موثق سماعة (١) هنا ، بخلاف ما لو علم أن في السماء علة من سحاب ونحوه وظن دخول الليل معه ، فإنه لا يقضي لا للرخصة له شرعا ، إذ قد عرفت أعميتها من سقوط القضاء ، وانها لا تنافي إطلاق ما يقتضيه ، بل لأن‌ أبا الصباح الكناني (٢) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن رجل صام ثم ظن ان الشمس قد غابت وفي السماء غيم فأفطر ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب ، فقال : قد تم صومه ولا يقضيه » والشحام (٣) روى عنه عليه‌السلام أيضا « في رجل صائم ظن ان الليل قد كان وان الشمس قد غابت وكان في السماء سحاب فأفطر ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس لم تغب ، فقال : تم صومه ولا يقضيه » والباقر عليه‌السلام قال لزرارة (٤) : « وقت المغرب إذا غاب القرص ، فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة ومضى صومك وتكف عن الطعام إن كنت أصبت منه شيئا » وبها يقيد إطلاق ما دل على القضاء.

كما انك قد عرفت ان دليل القضاء على الأول بناء على ما ذكرناه من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

٢٨٤

التفسير مضافا إلى الإطلاق‌ موثق سماعة (١) « سألته عن قوم صاموا شهر رمضان فغشيهم سحاب أسود عند غروب الشمس فظنوا أنه ليل فأفطروا ثم إن السحاب انجلى فإذا الشمس ، فقال : على الذي أفطر صيام ذلك اليوم ، إن الله تعالى يقول ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ ) ، فمن أكل قبل أن يدخل الليل فعليه قضاؤه ، لأنه أكل متعمدا » وهو كالصريح فيما ذكرنا ، بل من علم أن نظر الأصحاب في تعبيرهم إلى النصوص وأنهم كالناقلين بالمعنى يقطع بكون المراد ما في هذا الخبر ، وهو ظاهر أو صريح في تخيلهم كون السحاب الليل ، والمراد من الظن حينئذ القطع نحو قوله (٢) ( الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ ) لمعلومية عدم جواز الاعتماد عليه مع عدم العلة ، والمناقشة في دلالته على القضاء ـ باحتمال إرادة وجوب إتمام صيام ذلك اليوم ، والاستدلال بالآية لا ينافيه بل يؤكده ، كقوله عليه‌السلام : « فمن أكل » إلى آخره إذ التعمد في الأكل الموجب للقضاء انما يتصور بعد الانجلاء ، لأنه إفطار حينئذ لا قبله ، إذ هو تعمد للأكل كناسي الصوم لا للإفطار ـ كما ترى ، إذ هو مخالف للظاهر من وجوه ، خصوصا بعد فهم معظم الأصحاب منه ذلك ، والتعبير عنه بالإفطار ، وظهور الاستدلال فيه بقرينة تتمته بقوله عليه‌السلام : « فمن » إلى آخره في إرادة بيان قضاء ذلك اليوم ، كما هو واضح.

نعم لا وجه للاستدلال به كما عن المعظم على القضاء على من أفطر بظن الدخول ولو للعلة في السماء ، مؤيدا بإطلاق ما دل عليه ، والطعن في سند المعارض وفي دلالة الصحيح منه بأن مضي الصوم لا يستلزم عدم القضاء ، وشذوذ العمل بإطلاقه الشامل لصورتي الوهم والشك ، ولا قائل بهما قطعا ، كالظن مع التمكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ٤٣.

٢٨٥

من العلم بالمراعاة ونحوها الذي لم يقل احد بسقوط القضاء به إلا ما يحكى عن صاحب الذخيرة لهذا الصحيح الذي يمكن تخصيصه بهذه الصورة توفيقا بينه وبين الأصول المقتضية اعتبار حصول العلم بدخول الليل المؤيدة بما دل من النصوص (١) على لزوم مراعاة الوقت بالنظر إلى القرص والحمرة ، مع دلالة بعضها (٢) كما قيل على انه مع عدم القدرة لا بد في الحكم بدخول الوقت من العلم بغيبوبة الفرص أو زوال الحمرة ، كل ذا مع ندرة القائل بأصل المعارض أو شذوذه ، إذ لم يعرف القول به بحيث لم يرجع عنه بعد ذلك إلا من الصدوق ، لرجوع الشيخ عما سمعته منه في النهاية إلى القضاء في المبسوط ، وعبارة الغنية والخلاف وفي الرياض وابن البراج على ما في المختلف ـ وإن كان لا يوافق ما حضرني من نسخته ـ الشك المحتمل إرادة المعنى الشامل للظن منه ، بل قيل إنه المعروف منه لغة ، ويكونون من القائلين بالقضاء معه حينئذ ، بل في الأخيرين الإجماع عليه ، والفاضل قد رجع عنه في المختلف ومال إلى القضاء.

إذ لا يخفى عليك سقوط ذلك كله بناء على تفسير الصحيح بما ذكرناه ، ضرورة خلو نصوص السقوط حينئذ عن المعارض إلا الإطلاق المقيد بها ، والطعن في السند ممنوع ، بل لعل جميعها صحاح كما يعلم من البحث في الرجال ، والندرة ممنوعة بعد فتوى الصدوق والشيخ والقاضي والمصنف هنا والنافع والفاضل في الإرشاد والقواعد وغيرهم ، بل يمكن إرادة المثبت للقضاء مع الظن ما لا يجوز التعويل عليه منه ، فان المتجه فيه ذلك ، بل والكفارة مع العلم بعدم الجواز ، بل ومع عدم العلم بالجواز في وجه يعلم مما تقدم ، بل لعل المفيد الذي هو أصل الخلاف في المقام بنى ذلك على ما يظهر من كلامه من عدم جواز التعويل على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

٢٨٦

الظن بحال ، بل يجب الصبر إلى حصول اليقين ، ولعل غيره ممن وافقه كالمرتضى وأبي الصلاح وغيرهما كذلك ، كما ان ظاهر المحكي عن ابن إدريس بناء إيجابه القضاء على من أفطر بالظن الضعيف على عدم جواز عمله بالظن المزبور.

ومن ذلك كله ظهر لك ما في نفي الخلاف في المدارك عن جواز العمل بالظن عند تعذر العلم ، بل عن الذخيرة أن ما ذكره من نفي الخلاف غير واضح ، فإن أكثر عباراتهم خال عن التصريح به ، وفي التذكرة ما يشير إلى وجود الخلاف في ذلك ، فلاحظ وتأمل ، وقد ظهر لك مما ذكرنا الحكم في جميع الصور حتى لو أفطر بالاعتقاد الجازم حيث لا يكون في السماء علة ثم بان الخلاف ، وأن المتجه وجوب القضاء عليه ، للإطلاق ، وصحيح زرارة غير معلوم شموله لمثله كي يقيد به ، والأولوية من الظن حيث يعمل به ممنوعة ، وعلى كل حال فالأمر حينئذ في المراد من المتن ونحوه سهل بعد معرفة الحكم في شقوق المسألة ، والله اعلم.

السادس تعمد القي‌ء والسادس تعمد القي‌ء على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة بل إجماع من المتأخرين ، بل في الخلاف وظاهر الغنية والمحكي عن المنتهى الإجماع عليه ، وقد رواه الحلبي (١) في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام كالصحيح المروي عن كتاب على بن جعفر (٢) وأرسله ابن بكير (٣) أيضا عن بعض أصحابنا عنه عليه‌السلام وأضمره سماعة (٤) في الموثق إلى غير ذلك من النصوص المقتصرة في مقام البيان على بيان القضاء خاصة ، بل في بعضها (٥) بعد الأمر بالإعادة التعرض لاثمه ، وانه إن شاء الله عذبه ، وإن شاء غفر له ، وهو كالصريح في عدم الكفارة التي يفزع إليها في تكفير الذنب ، وإطلاق الصحيح (٦) في أحد طريقيه الإفطار منزل على ما في غيره مما أطلق فيه ذلك ثم عقب بما هو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٢٨٧

كالبيان للمراد منه من وجوب القضاء عليه ، كل ذلك مضافا إلى صريح إجماع الخلاف وظاهر غيره المؤيد بالتتبع ، بل لم نعرف القائل بوجوبهما معا عليه منا ، وانما حكي عن المرتضى إرساله ، كما أنه لا دليل عليه سوى إطلاق نصوص الكفارة (١) فيمن أفطر عمدا الذي يجب الخروج عنه بما عرفت ، بل قيل إن المتبادر من الإفطار الإفساد بالأكل والشرب ، وأن إطلاق الوصف عليه في نصوص المقام أعم من الحقيقة والمجاز أولى من الاشتراك ، وإن كانت المناقشة فيه واضحة حتى لو سلم تبادر الأكل من الإفطار في نصوص الكفارة ، لكن التجوز بإطلاقه عليه هنا يقتضي الاشتراك في وجوه الشبه والمنزلة ، اللهم إلا أن يدعى تبادر الإثم والقضاء منها خاصة ، وفيه منع واضح ، نعم قد يقال به في خصوص المقام لما عرفت ، كوضوح منع مجازية إطلاق الإفطار عليه بعد وجوب القضاء به المتوقف على الفساد ، ضرورة سقوطه بصحيح العبادة عند الفقهاء.

وما أبعد ما بين هذا القول والقول بعدم وجوب شي‌ء به أصلا كما عن المرتضى للأصل المقطوع بما سمعت ، وأن الصوم الإمساك عما يدخل الجوف لا ما يخرج منه الذي هو اجتهاد في مقابلة النص ، وحصر الباقر عليه‌السلام في‌ صحيح ابن مسلم (٢) « ما يضر الصائم » في أربع خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس الذي إن لم نقل باندراج ذلك في الطعام فيه بناء على إرادة الأعم من ابتلاعه أو إخراجه منه وجب تقييده بما سمعت ، وأما‌ قول الصادق عليه‌السلام في الصحيح أو الموثق (٣) : « ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٨.

٢٨٨

والاحتلام والحجامة » إن لم يحمل على نفي الكفارة فالمراد منه ما هو الغالب ، وأشار إليه المصنف وغيره من أنه إن ذرعه القي‌ء وسبقه قهرا لم يفطر الذي لا خلاف أجده فيه نصا وفتوى سوى ما عن ابن الجنيد من وجوب القضاء به إذا كان من محرم ، بل إذا استكثر الكفارة أيضا ، ولا ريب في ضعفه وعدم الدليل عليه بعد البناء على عدم البطلان بابتلاع المحرم ، للأمر بقيئه الذي هو مفطر كما عرفت كما هو ظاهر كلام الإسكافي ، وإلا لم يحتج حينئذ في وجوب القضاء إلى ذرع القي‌ء ، فتأمل.

السابع ما تقدم الكلام فيه من الحقنة بالمائع والسابع ما تقدم الكلام فيه من الحقنة بالمائع والثامن دخول الماء إلى الحلق للتبرد الثامن دخول الماء إلى الحلق للتبرد بالمضمضة وغيرها فغلبه ودخل الجوف ، والمراد (١) دخول الماء الفم فغلب ودخل ما يبطل به الصوم من الحلق ، وعلى كل حال فالمراد واحد والحكم لا خلاف فيه أجده ، بل هو من معقد النسبة إلى علمائنا في المحكي عن المنتهى بل عليه الإجماع في الانتصار والخلاف والغنية ، ورواه سماعة (٢) في موثقه لكن مضمرا ، بل في خبر ابن الصلت (٣) عن يونس إطلاق الإعادة للدخول بالحلق بالمضمضة في غير وقت الفريضة للتبرد وغيره ، إلا ان الظاهر كونه من كلام يونس ، كما أومأ إليه بنسبة ذيله إليه في الدروس وغيرها ، وأولويته من القضاء بدخول الماء الحلق في الوضوء لصلاة النافلة كما في الصحيح (٤) عن الصادق عليه‌السلام يمكن منعها أولا ، وأصل الحكم ثانيا كما ستعرف ، فالأولى الاقتصار في الاستدلال على قطع الأصل وعموم حديث الرفع ونحو ذلك مما يقضي بعدم القضاء على ما عرفت الذي يجب بملاحظته تنزيل ما عن الصادق عليه‌السلام في موثق‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية والظاهر إبدال حرف الواو بأو أي « أو المراد ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

٢٨٩

الفطحية (١) من انه ليس على المتمضمض إذا دخل حلقه الماء شي‌ء إذا لم يتعمد ذلك في الأولى والثانية والثالثة على غير مضمضة التبرد ، كما هو واضح.

ولا يلحق به في القضاء ما لو ابتلع لنسيانه الصوم بعد الوضع في الفم مثلا لا طلاق دليله العفو عنه بعد انسياق غيره من أدلة المقام ، خلافا لظاهر المعتبر أو صريحه فأوجبه ، وهو ضعيف ، نعم صريح بعضهم إلحاق العبث بالتبرد ، بل هو في معقد إجماع المنتهى ، وفي معقد إجماع الانتصار التمضمض لغير الطهارة من التبرد وغيره ، ولعله لأولويته من المضمضة للعطش وصلاة النافلة ، وخبر يونس والمفهوم في موثق سماعة وانتفاء حقيقة الصوم به ، وخروج النسيان مثلا لا يقضي بخروجه ، والإجماع المحكي ، لكن في الجميع نظر ، إذ لعل العطش جزء سبب في دخوله الحلق ، ولذا فرق المصنف بينه وبين العبث فيما تسمعه في الفروع ، على أن النافلة فيها البحث الآتي ، ويونس لا حجة في قوله ، والمراد من المفهوم في موثق سماعة مضمضة العطش لا مطلق مضمضة غير الوضوء ، والإجماع المحكي لا يجسر هنا على رفع اليد عن تلك الأدلة به ، ويمنع انتفاء حقيقة الصوم شرعا به إلا ان الاحتياط مع ذلك كله لا ينبغي تركه ، وكذا لو أدخل غير الماء فمه عبثا أو لغرض صحيح فدخل جوفه لا دليل على القضاء به إلا دعوى التنقيح ، وفيها منع واضح ، كوضوح المنع أيضا في إلحاق الاستنشاق للتبرد بها بناء على أن الدخول في الأنف كالدخول في الفم ، وإن كان هو صريح الدروس بل من معقد إجماع الغنية ، بل في الرياض بعد أن حكاه قولا إنه أحوط إن لم نقل بكونه المتعين هذا كله في دخول الماء للتبرد ونحوه دون التمضمض به للطهارة فإنه لا قضاء لو دخل وكان في وضوء الفريضة المؤداة بلا خلاف نصا وفتوى ، بل الإجماع في الانتصار والخلاف ومحكي المنتهى عليه ، بل معقد الأول منها التمضمض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٥.

٢٩٠

للطهارة ، والأخيرين المضمضة للصلاة نافلة كانت أو فرضا وهو أخص من الأول لاندراج الكون على الطهارة ونحوه فيه ، واحتمال أخصية الأول منه أيضا باندراج التجديد فيه بخلافه لعدم كونه طهارة بعيد ، والطهارة من الأكبر مندرجة فيهما معا ، وهذا التعميم هو الموافق للأصل وحديث الرفع وموثق الفطحية وما أرسله من أخبار الطائفة في الخلاف والإجماع المحكي وغير ذلك ، فما في صحيح حماد (١) عن الصادق عليه‌السلام من أن عليه القضاء إن كان وضوؤه لصلاة نافلة بناء على إرادة المضمضة له وأنها مستفادة بالأولى ينبغي حمله على الندب ، لضعفه عن مقاومة غيره عموما وخصوصا من وجوه ، منها الموافقة لظاهر الفتاوى إلا أنه ومع ذلك فالاحتياط لا ينبغي تركه ، سيما مع ما حكي عن جماعة من القول به أو الميل اليه.

والتمضمض للتداوي وإزالة النجاسة لا قضاء فيه أيضا لا للإلحاق بالصلاة الذي يمكن منعه ، بل لاتحاد الجميع في أصالة عدم القضاء خرج المضمضة ونحوها للتبرد ، فيبقى غيره عليه ، خصوصا مع جواز المضمضة له شرعا حتى للتبرد ، للأصل ومرسل حماد (٢) عن الصادق عليه‌السلام وموثق الفطحية (٣) وغيرها ، نعم في‌ خبر الشحام (٤) عن الصادق عليه‌السلام « لا يبلع المتمضمض ريقه حتى يبزق ثلاث مرات » كما أن في‌ مرسل حماد (٥) عنه أيضا « في الصائم يستنشق ويتمضمض فقال : نعم ولكن لا يبلغ » واليه أومأ في الدروس بذكره كراهة المبالغة فيه للصائم ، ولولاه لأمكن قراءتها بالعين المهملة ، والأمر سهل بعد أن كان الحكم أدبا ، والمراد انه لا إشكال في الجواز ، خلافا للمحكي عن كتابي الحديث‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢.

٢٩١

للشيخ فمنع عنه للتبرد في الاستبصار وفي التهذيب « إن كان لغير الصلاة فدخل حلقه فعليه الكفارة والقضاء » ولا نعرف له في الأول موافقا ولا دليلا معتدا به بل يمكن إرادة رجحان الترك من عدم الجواز فيه ، كما هو مقتضى المحكي من استدلاله بما في‌ خبر ابن الريان عن يونس (١) « والأفضل للصائم أن لا يتمضمض » وكذا الثاني حتى في نحو التبرد الذي أوجبنا القضاء فيه أيضا ، للأصل المؤيد بخلو نصوص بيان الحاجة عنها والفتاوى ، وإيجاب صيام الشهرين بالتمضمض والاستنشاق وشم الرائحة الغليظة ودخول الغبار الأنف والحلق بكنسه في خبر المروزي (٢) الضعيف جدا الذي لا قائل بإطلاقه ، لشموله ما إذا لم يتعد الحلق فينبغي تقييده بما إذا تعمد الازدراد جمعا ، وتقييده بصورة التعدي خاصة فيه اطراح لما مر من الأدلة ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

التاسع معاودة الجنب النوم ثانيا حتى يطلع الفجر والتاسع معاودة أي رجوع الجنب باحتلام أو جماع أو غيرهما إلى النوم ثانيا حتى يطلع الفجر الصادق ناويا للغسل لاجماعي الخلاف والغنية الشاهد فيهما التتبع ، والرضوي (٣) بناء على حجيته ، وبصحيحتي ابني معاوية (٤) وأبي يعفور (٥) عن الصادق عليه‌السلام المحتاج دلالتهما على عدم الكفارة إلى قبح التأخير عن وقت الحاجة ونحوه ، أما إذا لم ينتبه من النومة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٣ عن ريان بن الصلت عن يونس وهو الصحيح كما تقدم في ص ٢٨٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١ عن معاوية بن عمار.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

٢٩٢

الأولى أو نام ناويا لعدم الغسل فقد مر تفصيل البحث فيه ، فلاحظ ، والذاهل أولى بالقضاء من الناوي ، والظاهر عدم الإثم عليه بالنوم مطلقا ، للأصل ، والعقوبة في صحيح ابن عمار أعم من الإثم قطعا ، خلافا لبعضهم فحرمه بعد الانتباه ، ولا ريب في ضعفه ، بل ستعرف انه لا إثم عليه بالزيادة على الثلاث فضلا عنها.

وأما من نظر إلى من يحرم عليه نظرها بشهوة فأمنى فقد قيل إن عليه القضاء بل هو خيرة الشهيد والمحكي عن المفيد والمبسوط وسلار وغيرهم للنهي وقيل لا يجب ، وهو الأشبه عند المصنف وفاقا للسيدين والفاضلين والشهيدين والقاضي والحلي ، للأصل المعتضد بما في الخلاف ومحكي الناصرية من الإجماع ، ولا نهي مقتضي للفساد وكذا لو كانت محللة لم يجب القضاء أيضا ، بل هو أولى ، نعم لو كان من عادته الامناء بذلك وقد قصده وجبت الكفارة عليه فضلا عن القضاء ، لاندراجه حينئذ فيما دل عليهما (١) في الاستمناء ، إذ لا فرق فيه بين اللعب والنظر والنخيل وغيرها من أسبابه ، وكأنه لا خلاف فيه كما اعترف به في الرياض ، بل في المختلف واللمعة وجوبهما معا بالقصد خاصة كما ان في الروضة ذلك بالاعتياد خاصة وإن كان دخول الثاني في الاستمناء بسبب اعتياده مع أنه غير مقصود لا يخلو من نظر ، كما أن إيجاب الكفارة بالقصد بدعوى الاندراج كذلك ، خصوصا والموجود في نصوص الكفارة (٢) الملاعبة واللزق بالأهل ونحوهما مما لا يشمل ذلك ، والإلحاق يقضي بالكفارة ولو مع عدم القصد كما هو المشهور في الملحق به ، ولا قائل به.

نعم قد يقوى وجوب القضاء خاصة بكل منهما ، بل وبكل إنزال غير مقصود حصل من النظر والاستماع بشهوة لغلام أو امرأة محللة أو محرمة ، وفاقا للفاضل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

٢٩٣

في المختلف والشهيد في اللمعة لما يفهم من فحاوي نصوص (١) اللمس والتقبيل وما فيها من التعليل بخوف الانزال وعدم الأمن منه وإن بدو القتال اللطام ونحو ذلك مما هو ظاهر في البطلان لو وقع ، ولذا حسن التحرز عنه ، نعم إن كان معتاد الانزال حرم عليه هذه المقدمات ، وإلا كان تركها (٢) مستحبا وإن اشترك الجميع في البطلان مع الانزال ، ومن ذلك ظهر لك أنه لا فرق بين المحلل والمحرم ضرورة عدم مدخلية الإثم بالنظر في فساد الصوم كما هو واضح ، والله أعلم.

فروع فروع قد تقدم ما يعرف به‌ الفرع الأول منها وهو لو تمضمض متداويا أو طرح في فيه خرزا الأول منها وهو لو تمضمض متداويا أو طرح في فيه خرزا أو غيره لغرض صحيح فسبق إلى حلقه لم يفسد صومه ، ولو فعل ذلك عبثا قيل عليه القضاء ، وقيل لا ، وهو الأشبه.

الفرع الثاني ما يخرج من بقايا الغذاء من بين أسنانه الثاني ما يخرج من بقايا الغذاء من بين أسنانه ولو بمخرج يحرم ابتلاعه للصائم بل ولغيره إذا صار من الخبائث فإذا ابتلعه عمدا وجب عليه القضاء قولا واحدا عندنا ، خلافا لأبي حنيفة فلم يوجبه ، والمناقشة بعدم تسميته أكلا وبما رواه‌ عبد الله بن سنان (٣) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل الصائم يقلس فيخرج منه الشي‌ء أيفطره ذلك؟ قال : لا ، قلت : فان ازدرده بعد أن صار على لسانه قال : لا يفطره ذلك » واهية ، لمعلومية إرادة ما يشمل مثل ذلك من الأكل الممنوع منه في الصوم ، وبالفرق بين محل البحث وما في الصحيح المحتمل أصل اللسان المتصل بالحلق ، أو كون الازدراد بغير اختياره كما هو الغالب ، فان المراد بالقلس كما في‌ موثق سماعة (٤) الجشأة التي يرتفع الطعام بها من جوف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(٢) ليس في النسخة الأصلية كلمة « تركها » والصحيح ما أثبتناه.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٣.

٢٩٤

الرجل من غير أن يكون تقيؤا ، وقد سأله عن ذلك فقال : « لا ينقض وضوءه ولا يقطع صلاته ولا يفطر صيامه » وفي مختصر النهاية والصحاح أنه خروج الطعام من الجوف مل‌ء الفم أو دونه ، وليس بقي‌ء ، فإن عاد فهو القي‌ء ، وحكاه في الصحاح عن الخليل بعد أن فسره فيه بالقذف ، ولولا اعتبار مل‌ء الفم أمكن إرجاع الجميع إلى شي‌ء واحد ، وسئل أبو عبد الله عليه‌السلام في‌ الموثق الآخر (١) « عن الرجل يخرج من جوفه القلس حتى يبلغ الحلق ثم رجع إلى جوفه وهو صائم فقال : ليس بشي‌ء » وسئل الباقر عليه‌السلام عن القلس أيضا في صحيح ابن مسلم (٢) « أيفطر الصائم؟ فقال : لا » على انه لا أجد عاملا بما في صحيح ابن سنان ، نعم في النهاية وعن القاضي الاقتصار على القضاء فيمن ابتلع ما حصل في فيه من ذرع القي‌ء ، وعن ابن الجنيد « والقلس لا يفطر ، فان تحصل في الفم ثم عاد إلى جوف الصائم فالأحوط القضاء ، وإن تعمد أفطر » وفي المختلف والظاهر أنه يريد بذلك وجوب الكفارة ، فيكون المراد مما حكاه عن المبسوط من انه إن تعمد أفطر ، والتحقيق وجوبهما معا في ابتلاع ما تخلف في الفم من القي‌ء أو القلس عمدا كما عن ابن إدريس التصريح به ، لاندراجه فيما دل عليهما ، خلافا لصريح الغنية فالقضاء خاصة ، بل ظاهره الإجماع عليه ، ولا ريب في ضعفه ، لصدق تناول المفطر ، وإلا لم يجب به القضاء عمدا كما هو المفروض عليه ، وأما القلس عمدا من دون تخلف ما يبتلعه عمدا منه فلا شي‌ء فيه إذا لم يصل الطعام فيه إلى الفم ، ولو وصل ولكن سبقه رجوعه ولم يبتلعه اختيارا فوجوب القضاء به لتفريطه بالتسبيب لا يخلو من قوة ، بل هو من القي‌ء ، فيشمله حينئذ ما دل عليه ، ونصوص المقام محمولة على ما إذا حصل القلس قهرا أو لم يصل به الطعام إلى الفم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

٢٩٥

ومن ذلك كله ظهر لك أن الأشبه القضاء والكفارة أيضا في ابتلاع الخارج من الغذاء من بين الأسنان في العمد ، بل لا أجد فيه خلافا صريحا ، إذ إيجاب القضاء عليه ردا على أبي حنيفة من غير تعرض للكفارة لا يقتضي نفيها وأما في السهو فـ لا شي‌ء عليه قطعا إن لم يكن قصر في التخليل ، أما معه فجرى الريق ببقية طعام في خلل الأسنان ففي فوائد الشرائع الأقرب وجوب القضاء خاصة ، لتعريضه صومه للإفطار بتهاونه في تخليل الأسنان ، وللنظر فيه مجال ، والله اعلم.

الثالث لا يفسد الصوم ما يصل إلى الجوف بغير الحلق الثالث لا يفسد الصوم ما يصل إلى الجوف بغير الحلق من منافذ البدن المعلومة عدا ما عرفت البحث فيه من الحقنة بالمائع لصدق اسم الصوم معه شرعا ، لكون المعتبر فيه عدم الوصول إلى الجوف بما يسمى أكلا وشربا لا مطلق الواصل والموصول اليه كيف ما كان ، وأصالة الصحة فيما لو كان ذلك طارئا بعد الانعقاد ، وفحوى ما تعرفه من كراهة الكحل والسعوط والاحتقان بالجامد والتقطير بالأذن وإيصاله الماء من منافذ الشعر ببل الثوب أو الجسد ونحو ذلك ونحوها ، وحصر الباقر عليه‌السلام ما يضر الصائم في أربع (١) : الطعام والشراب والجماع والارتماس ، بل في‌ آخر (٢) عن الصادق عليه‌السلام « الصيام من الطعام والشراب » كما أن في جملة من النصوص (٣) تعليل عدم الفطر بالكحل والذباب بأنه ليس بطعام ، والغالب فيما يصل بغير الحلق من منافذ البدن لا يسمى طعاما ولا شرابا ، نعم لو فرض منفذ ولو بالعارض لهما في البدن أفطر به قطعا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم والباب ٣٩ منها الحديث ٢.

٢٩٦

إن كان مما يصل به الغذاء ، أما لو كان في مكان لا يتغذى بالوصول منه لسفله عن المعدة مثلا ففيه وجهان ، أقواهما عدم الإفطار.

وحينئذ فما قيل من ان صب الدواء في الإحليل حتى يصل إلى الجوف يفسده كما حكاه في المختلف عن المبسوط قال : قال : وإن كان يابسا لم يفطر ، واختاره هو فيه كما حكى عن جماعة مستدلا بأنه قد أوصل جوفه مفطرا بأحد المسلكين ، فإن المثانة تنفذ إلى الجوف ، فكان موجبا للإفطار كما في الحقنة ـ في غاية الضعف ، خصوصا مع إمكان منع نفوذ المثانة إلى الجوف ، وانه انما يرشح لها رشحا أو معلوميته وأضعف من ذلك ما حكاه عنه أيضا فيه مع اختياره له أيضا من الإفطار بطعنه نفسه أو أمره به فوصل إلى جوفه ، بخلاف ما لو طعنه غيره الذي هو كما لو أوجر في حلقه ، لكن لا كفارة للأصل ، بل استقرب فيه أيضا مستظهرا له عن المبسوط الإفطار بوصول دواء الجرح إلى جوفه ، والجميع كما ترى مع انه مخالف للأدلة مخالف للمشهور بين الأصحاب ، بل الشيخ نفسه صرح في الخلاف بعدم الإفطار بالتقطير في الذكر ، ولا بوصول الدواء إلى جوفه من جرحه ، ولا بوصول الرمح مثلا اليه رطبا كان أو يابسا ، استقر في الجوف أو لا باختياره أو لا مقتصرا في حكاية الخلاف في ذلك على العامة ، ومن ذلك كله ظهر لك ما في قول المصنف وفيه تردد.

ولو وضع الشي‌ء في المنفذ ولم يعلم وصوله إلى الجوف فلا إفطار قطعا ، بل وكذا لو وصل وكان غير مقصود ولا معتادا ، واحتمال الإفطار بهذا التعريض في غاية الضعف ، فمحل البحث حينئذ في الموضوع بقصد الإيصال فوصل أو كان معتاد الوصول بالوضع ، وقد عرفت أن الأقوى فيه العدم أيضا ، والله أعلم.

الرابع لا يفسد الصوم بابتلاع النخامة الرابع لا يفسد الصوم بابتلاع النخامة وهي في مختصر النهاية « البزقة التي تخرج من أقصى الحلق من مخرج الخاء المعجمة » وفي الصحاح « التخامة‌

٢٩٧

النخاعة وبالعكس » لكن في المختصر المزبور « النخامة البزقة التي تخرج من أصل الفم مما يلي النخاع » وعن الدروس « أنها النخامة أو ما يخرج من الصدر أو الخيشوم » والمغرب « ما يخرج من الخيشوم عند التنخع » وعلى كل حال فلا يفسد ابتلاعها ولا اجتلابها.

ولا البصاق المجموع في الفم أولا ولو كان عمدا ما لم ينفصل عن الفم بل في التذكرة نسبة الثاني إلى علمائنا ، قال : « سواء جمعه في فمه ثم ابتلعه أو لم يجمعه » وفي الخلاف نفي الخلاف فيه ، بل ظاهره ذلك في النخامة أيضا للأصل في الجميع والسيرة في بعض ، والحرج فيه وفي آخر حتى أثر النخامة المتخلف بعد البصق ، وقول الصادق عليه‌السلام في الموثق (١) : « لا بأس بأن يزدرد الصائم نخامته » وإطلاق‌ قوله عليه‌السلام في خبر عبد الله بن سنان (٢) : « من نخع في المسجد ثم ردها في جوفه لم تمر بداء في جوفه إلا أبرأته » وفحوى بعض نصوص الفلس (٣) وغير ذلك مما لا فرق فيه بين الوصول إلى فضاء الفم وعدمه ، وبين جلبها وعدمه ، واحتمال أن الثاني من قبل القي‌ء كما عن بعض العامة ـ ومقتضاه الإفطار به ولو ردها به ، كدعوى مساواة فضاء الفم للخارج عنه كما اختاره أول الشهيدين وثاني المحققين وغيرهما ـ في غاية الضعف ، إذ لا شاهد لهما بل عليهما متحقق كما عرفت ، نعم لو انفصلا عنه ثم ابتلعهما أفسدا كما لو كانا من أجنبي ، بل في التذكرة « لو ترك في فمه حصاة وشبهها وأخرجها وعليها بلة من الريق ثم أعادها وابتلع الريق أفطر ، وإن كان قليلا فإشكال ينشأ من أنه لا يزيد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ١ من من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

٢٩٨

على رطوبة المضمضة ، ومن أنه ابتلع ريقا منفصلا عن فمه فأفطر به كالكثير » وفيها أيضا « لو بل الخياط الخيط بالريق أو الغزال المغزل بريقه ثم يرده إلى الفم على ما يعتاد عند الفتل فان لم يكن عليه رطوبة تنفصل فلا بأس ، وإن كانت وابتلعها أفطر عندنا ، وهو قول أكثر الشافعية » وإن كان في جميع ما ذكره منع واضح متى استهلك بما في الفم بحيث يعد ابتلاع ريقه لا غيره ، وعليه تحمل نصوص (١) ذوق المرق وغيره ومضغ الطعام ونحوه ، وسئل الرضا عليه‌السلام في خبر أبي الحسن الرازي (٢) « عن السواك الرطب يدخل رطوبته في الحلق فقال : الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب » بل وخبر أبي بصير (٣) وعلي بن جعفر (٤) في امتصاص ريق أحد الزوجين الآخر ، مع أنه أعم من الابتلاع ، كما أن النبوي العامي (٥) من مصه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسان عائشة كذلك ، مع انه أعم من رطوبته أيضا ، بل وخبر أبي ولاد الحناط (٦) الذي قال للصادق عليه‌السلام : « إني أقبل بنتا لي صغيرة وأنا صائم فيدخل في جوفي من ريقها شي‌ء فقال له : لا بأس ليس عليك شي‌ء » ولعله أولى من حمله في الدروس على عدم القصد ، وعلى كل حال فمتى استهلك لم يكن به بأس ، بل كان كما لو أخرج لسانه ثم رده وابتلع ما عليه الذي صرح غير واحد بعدم البطلان به ، بل في التذكرة « عندنا ».

وأما ما ينزل من الفضلات من رأسه إذا استرسل وتعدى الحلق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٤ عن موسى بن أبي الحسن الرازي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

(٥) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢٣٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

٢٩٩

من غير قصد لم يفسد الصوم بلا خلاف ولا إشكال ولو تعمد ابتلاعه أفسد كما في الإرشاد ، وفي الدروس وغيرها إن صار في فضاء الفم ، وربما حد كما في فوائد الشرائع بما بعد الحاء المهملة ، والأقوى كونه كالأول لا يبطل مطلقا ، وفاقا لجماعة ، بل المشهور على الظاهر لأكثر ما سمعت أو جميعه حتى خبر النخامة (١) بناء على شمولها للخارج من الجوف والرأس كما في الذخيرة بل لو سلم وجوب الاجتناب مطلقا أو إذا وصل إلى فضاء الفم تحصيلا ليقين البراءة مع فرض الشك فيها بدونه أمكن القول بعدم القضاء معه أيضا في أحد الوجهين ، بل جزم به في الذخيرة والرياض في مواضع ، لعدم العلم بتحقق سببه من الإفطار ونحوه بذلك إذ الفرض احتمال كونه مفطرا ، وإن كان قد يناقش بإمكان تحقيق سببه بأصالة عدم وقوع المراد والمطلوب من المكلف ، فيندرج فيما دل على القضاء إذا لم يفعل وكيف كان فعلى الفساد تجب الكفارة مع القضاء ، بل ربما قيل بوجوب كفارة الجمع بناء على حرمة ابتلاعه ووجوبها فيه ، وفيهما معا منع ، نعم لو خرج من فمه مثلا دم فابتلعه أمكن وجوب ذلك بناء عليه ، وقد يحتمل عدم الإفطار به لأنه من الريق وإن حرم ابتلاعه ، لأنه دم ، ولو شك في الفضلة أنها من الرأس أو الصدر بناء على الفرق بينهما كان له ابتلاعه للأصل ، ولو اشتبهت محصورة لا يجوز له الابتلاع ، إلا انه إذا ابتلع لا قضاء ولا كفارة عليه في وجه قوي.

الخامس حكم ما له طعم إذا تغير الريق بطعمه الخامس ما له طعم إذا تغير الريق بطعمه من غير انفصال أجزاء منه كالعلك ونحوه قيل والقائل كما قيل الشيخ في النهاية والإسكافي : يفسد الصوم وإن كان الذي عثرت عليه في الأولى نفي جواز العلك للصائم وإلا فلم يعده في موجبات القضاء ولا مفسدات الصوم فيمكن إرادة الكراهة منه والمحكي عن ابن الجنيد فيما حضرني من المختلف غير صريح فيه وقيل والقائل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٣٠٠