جواهر الكلام - ج ١٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المرق ونحوها مما لا يتعدى إلى الحلق ، للأصل وإطلاق‌ الصحيح (١) « لا يضر الصائم » وخصوص‌ صحيح الحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سئل عن المرأة يكون لها الصبي وهي صائمة فتمضغ الخبز وتطعمه قال : لا بأس ، والطير إن كان لها » وصحيح عبد الله بن سنان (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « في الرجل يعطش في شهر رمضان قال : لا بأس ان يمص الخاتم » وصحيح حماد بن عثمان (٤) قال : « سأل عبد الله بن أبي يعفور أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا أسمع عن الصائم يصب الدواء في أذنيه قال : نعم ويذوق المرق ويزق الفرخ » إلى غير ذلك من النصوص المؤيدة بصدق اسم الصوم مع عدم الابتلاع ، ولا ينافيه‌ خبر سعيد الأعرج (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يذوق الشي‌ء ولا يبلعه فقال : لا » بعد حمله على الكراهة التي هي أولى من جمع الشيخ بينها بحمله على من لا يكون به حاجة إلى ذلك ، قال : « والرخصة إنما وردت في ذلك لصاحبة الصبي ، أو الطباخ الذي يخاف فساد طعامه ، أو من عنده طائر إذا لم يزقه هلك ، فأما من هو مستغن عن جميع ذلك فلا يجوز له ان يذوق الطعام » ضرورة قصوره عما دل على الجواز من العموم والخصوص المعتضدين بالفتاوى ، فلا يجسر على هذا الحكم بمثله ، بل لو مضغ شيئا فسبق منه شي‌ء إلى الحلق بغير اختياره لم يفسد صومه على الأصح للإذن وصدق عدم التعمد ، لكن عن المنتهى « انه لو أدخل في فيه شيئا وابتلعه سهوا فان كان لغرض صحيح فلا قضاء عليه ، وإلا وجب القضاء » ولا يخلو من نظر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

٢٦١

بعد ما عرفت ، والله أعلم.

وكذا لا بأس بالاستنقاع في الماء للرجال بلا خلاف أجده فيه ، للأصل وإطلاق بعض النصوص (١) وخصوص‌ خبر ابن راشد (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الحائض تقضي الصلاة قال : لا ، قلت : تقضي الصوم قال : نعم ، قلت : من اين جاء هذا؟ قال : أول من قاس إبليس ، قلت : فالصائم يستنقع في الماء قال : نعم ، قلت : فيبل ثوبا على جسده قال : لا قلت : من اين جاء هذا؟ قال : من ذاك » وخبر حنان بن سدير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا قال : « سألته عن الصائم يستنقع في الماء قال : لا بأس ولكن لا يغمس رأسه ، والمرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمله بقبلها » بل مقتضاهما عدم الكراهة في ذلك بعد حمل النهي في الأول عن بل الثوب وفي الثاني للامرأة عليها ، كما هو كذلك كما ستعرف ، والله اعلم.

ويستحب السواك للصائم باليابس بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل وبالرطب عند الأكثر ، بل عن المنتهى انه قول علمائنا أجمع إلا ابن أبي عقيل فكرهه ، قلت : ومقتضاه انه لا خلاف بين الجميع في الجواز ، لكن في المختلف حكى عنه المنع ، وعلى كل حال فضعفه واضح ، إذ لا دليل عليه سوى‌ حسن الحلبي (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يستاك قال : لا بأس به وقال : لا يستاك بسواك رطب » وحسن ابن سنان (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « انه كره للصائم أن يستاك بسواك رطب ، وقال : لا يضر أن يبل سواكه بالماء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١١.

٢٦٢

ثم ينفضه حتى لا يبقى فيه شي‌ء » وموثق الساباطي (١) عنه عليه‌السلام أيضا « في الصائم ينزع ضرسه قال : لا ، ولا يدمي فاه ولا يستاك بعود رطب » ونحوها. وعلى تقدير أن قوله المنع يجب حمل الكراهة في الحسن عليه ، كما انه على الكراهة يجب حمل النهي عليها ، لكن في الأول انه قاصر عن مقاومة الأصل والعمومات والإطلاقات ـ خصوصا‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٢) : « يستاك الصائم أي ساعة من النهار أحب » وغيره ، وخصوص‌ صحيح الحلبي (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام أيستاك الصائم بالماء وبالعود الرطب يجد طعمه؟ فقال : لا بأس به » ـ من وجوه لا تخفى ، منها الاعتضاد بالشهرة العظيمة ، بل سمعت إجماع المنتهى ، وأما الثاني فإنه وإن حكي عن الشيخ وابن زهرة وجماعة من المتأخرين للتسامح في الكراهة فينبغي حمل النصوص السابقة عليها ، لكن لعل الأولى منه جمعا باعتبار مراعاة كلام الأصحاب إرادة الأقل رجحانا لا عدمه بالمرة ، أو الحمل على التقية ، خصوصا بعد‌ المروي (٤) عن قرب الاسناد بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام قال : « قال علي عليه‌السلام : لا بأس بأن يستاك الصائم بالسواك الرطب في أول النهار وآخره ، فقيل لعلي عليه‌السلام في رطوبة السواك فقال : المضمضة بالماء أرطب منه ، فقال علي عليه‌السلام : فان قال قائل : لا بد من المضمضة لسنة الوضوء قيل له فإنه لا بد من السواك للسنة التي جاء بها جبرئيل » وخبر موسى بن أبي الحسن الرازي (٥) عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : « سأله بعض جلسائه عن السواك في شهر رمضان قال : جائز ، فقال بعضهم : إن السواك يدخل رطوبته في الجوف فقال : الماء للمضمضة أرطب من السواك الرطب ، فان قال قائل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٤.

٢٦٣

لا بد من » إلى آخر ما تقدم في الخبر السابق ، وكيف كان فالأمر سهل إن كان الخلاف في الكراهة وعدمها ، وعن الشيخ في التهذيب أن الكراهة في هذه الأخبار انما توجهت إلى من لا يضبط فيبصق ما يحصل في فيه من رطوبة العود أما من يتمكن من حفظ نفسه فلا بأس باستعماله على كل حال ، وكأنه جمع آخر لكن لا شاهد له ، والأمر سهل بعد كون النزاع في الكراهة وعدمها ، والله اعلم‌ المقصد الثاني فيما يترتب على ذلك المقصد الثاني فيما يترتب على ذلك ، وفيه مسائل قد تقدم الكلام في حكم‌ المسألة الأولى منها ، وهي يجب مع القضاء الكفارة الأولى منها ، وهي يجب مع القضاء الكفارة بسبعة أشياء : الأكل والشرب المعتاد وغيره ، والجماع حتى تغيب الحشفة في قبل المرأة أو دبرها ، وتعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر ، وكذا لو نام غير ناو للغسل حتى يطلع الفجر والاستمناء ، وإيصال الغبار الغليظ إلى الحلق بل وفي غير ذلك مما عرفته مفصلا فلاحظ وتدبر.

المسألة الثانية لا تجب الكفارة إلا في صوم شهر رمضان الثانية لا تجب الكفارة إلا في صوم شهر رمضان وقضائه بعد الزوال ، والنذر المعين ، وفي صوم الاعتكاف إذا وجب بلا خلاف فيما عدا الثاني من ابن أبي عقيل فلم يوجبها فيه وإن أثم بالإفطار كما في المدارك ، لكن هو قد نقل‌ عنه انه قال : « من جامع أو أكل أو شرب في قضاء شهر رمضان أو صوم كفارة أو نذر فقد أثم وعليه القضاء ولا كفارة عليه » ومقتضى إطلاقه خلافه في النذر المعين أيضا ، بل حكى في الدروس عنه انه لا كفارة في غير رمضان ثم قال : وهو شاذ.

وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه للمعتبرة المستفيضة في خصوص قضاء شهر رمضان بعد الزوال ، كخبر بريد العجلي (١) وصحيح هشام بن سالم (٢) وموثق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٢.

٢٦٤

زرارة (١) ومرسل حفص (٢) وإن اختلفت في كيفيتها ، وبها ينقطع الأصل ، ويطرح‌ موثق الساباطي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يكون عليه أيام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها متى يريد أن ينوي الصيام؟ قال : هو بالخيار إلى ان تزول الشمس ، فإذا زالت الشمس فان كان نوى الصيام ثم أفطر بعد ما زالت الشمس قال : قد أساء ، ليس عليه شي‌ء إلا قضاء ذلك اليوم الذي يريد أن يقضيه » لقصوره عن المعارضة بوجوه ، أو يحمل على النقية ، لا على ما عن الشيخ من إرادة ليس عليه شي‌ء من العقاب ، لأن من أفطر في هذا اليوم لا يستحق العقاب وإن أفطر بعد الزوال ولزمته الكفارة ، إذ هو ـ مع انه مناف لقوله عليه‌السلام فيه : « أساء » وللتفصيل بين قبل الزوال وبعده ـ مخالف للمعلوم من أن الكفارة لا تكون إلا مع الذنب ، كما انه من المعلوم نصا وفتوى التحديد بالزوال فما في صحيح هشام من التحديد بالعصر مطرح أو محمول على إرادة دخول الصلاتين بالزوال إلا أن هذه قبل هذه ، أو أن الوهم من النساخ بإبدال الظهر بالعصر أو نحو ذلك ، لا أنه يجمع بينها بالإثم بالإفطار بالزوال والكفارة بما بعد العصر ، لعدم المقاومة والشهرة العظيمة على الخلاف ، بل لعل الفقيه الماهر يمكنه القطع بفساد ذلك ، فميل بعض متأخري المتأخرين تبعا لاحتمال بعض المتقدمين اليه لا يلتفت إليه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ١٠ وذيله في الباب ٢٩ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٤ مع الاختلاف اليسير في اللفظ.

٢٦٥

وللمعتبرة أيضا في صوم النذر ، منها‌ صحيح على بن مهزيار (١) قال : « كتب بندار مولى إدريس يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب وقرأته لا تتركه إلا من علة ، وليس عليك صوم في سفر ولا مرض إلا ان تكون نيت ذلك ، فان كنت أفطرت ذلك من غير علة فتصدق بعدد كل يوم على سبعة مساكين ، نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى » وللمعتبرة أيضا في صوم الاعتكاف كموثق سماعة (٢) وخبر زرارة (٣) وعبد الأعلى بن أعين (٤) وان اختلفت في كيفيتها ، إذ الكلام الآن في أصل وجوبها ، ويأتي إن شاء الله في مظانها البحث عنها ، فخلاف ابن أبي عقيل في ذلك مع أنا لم نجد له شاهدا في الأخيرين مما لا يصغى اليه ، سيما مع شهرة الأصحاب شهرة عظيمة ، بل لا بأس بدعوى الإجماع معها.

نعم ما عداه لا تجب فيه الكفارة مثل صوم الكفارات والنذر الغير المعين والمندوب وإن فسد الصوم بلا خلاف أجده ، بل عن المنتهى أنه قول العلماء كافة ، بل لا يبعد جواز الإفطار قبل الزوال وبعده كما عن العلامة وغيره التصريح به ، لكن في المدارك وربما قيل بتحريم قطع كل واجب ، لعموم النهي عن إبطال العمل ، وهو ضعيف لما ذكرناه في بطلان الاستناد إلى عموم الآية (٥) لوجوه ، والله اعلم‌ تفريع من أكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر تفريع من أكل ناسيا فظن فساد صومه فأفطر عامدا فسد صومه وعليه القضاء بلا خلاف ولا إشكال وفي وجوب الكفارة تردد كما في كل جاهل للحكم ، إذ ما نحن فيه من أفراده وقد قدمنا سابقا أن الأشبه الوجوب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب الاعتكاف الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب الاعتكاف الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من كتاب الاعتكاف الحديث ٤.

(٥) سورة محمد (ص) ـ الآية ٣٥.

٢٦٦

فيه إلا إذا كان جهلا بحيث يرتفع الإثم معه ، فلاحظ وتدبر.

وكذا قد تقدم الكلام في حكم ما لو وجر في حلقه أو أكره إكراها يرتفع معه الاختيار وأنه لم يفسد صومه قطعا وأما لو خوف فأفطر وجب القضاء على تردد عند المصنف ولا كفارة قطعا ، لكن ينبغي أن يعلم أنه قد أطلق المصنف وغيره عدم البطلان بالإكراه الرافع للاختيار مع أن من صوره الإغماء والجنون ونحوهما ، وعدم البطلان بهما لا يخلو من إشكال ، اللهم إلا أن يكون ذلك مستثنى باعتبار أنه فعل الغير ، أو يحمل كلامهم على إرادة رفع الاختيار لا على هذا الوجه ، قال المحقق الثاني في حواشي المتن : « وينبغي أن يكون كذلك أي كالايجار ما لو اكره على الإفطار حتى ارتفع قصده وذهب اختياره كما لو قهره ذو شوكة بضرب شديد ونحوه أو تخويف عظيم وتهديد بليغ حتى لم يملك أمره ولم يكن له بد من إيقاع الفعل ، أما لو خوف تخويفا لا يرفع القصد لكن حصل بسببه الخوف وشهدت القرائن بأنه إن خالف أوقع به إلا ان قصده لم يذهب واختياره لم يرتفع ففي إفساد صومه قولان » إلى آخره ، وكذا في المسالك ، وظاهرهما عند التأمل أن المراد برفع الاختيار ما لا يحصل معه زوال العقل ، وأن الفرق بينه وبين القسم الثاني انه وقع به الفعل ، بخلاف الثاني بالخوف من وقوعه ، والله أعلم.

المسألة الثالثة كفارة شهر رمضان المسألة الثالثة المشهور بل عن الانتصار والغنية الإجماع عليه أن الكفارة في شهر رمضان عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا مخيرا في ذلك للأصل وصحيح ابن سنان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا يوما واحدا من غير عذر قال : يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا ، فان لم يقدر تصدق بما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٢٦٧

يطيق » وخبر أبي بصير (١) « سألت الصادق عليه‌السلام عن رجل وقع يده على شي‌ء من جسد امرأة فأدفق فقال : كفارته أن يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا أو يعتق رقبة » وموثق سماعة (٢) المروي عن النوادر « سألته عن رجل أتى أهله في شهر رمضان متعمدا قال : عليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صوم شهرين متتابعين وقضاء ذلك اليوم ، ومن أين له مثل ذلك اليوم » وصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا قال : عليه خمسة عشر صاعا ، لكل مسكين مد » ونحوه حسن جميل (٤) في الأمر بالصدقة الدال على عدم الترتيب ، وإلا لم يناسب إطلاق الأمر بها المحمول على أنها أحد الخصال بقرينة النصوص السابقة.

وقيل والقائل ابن أبي عقيل والمرتضى في أحد قوليه على ما حكي عنهما ليست على التخيير بل هي على الترتيب بمعنى العتق أولا ، فان لم يجد فالصيام فان لم يستطع فالاطعام ، لخبر عبد المؤمن بن الهيثم الأنصاري (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام « ان رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : هلكت وأهلكت ، فقال : وما أهلكك قال : أتيت امرأتي في شهر رمضان وأنا صائم ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعتق رقبة قال : لا أجد فقال : صم شهرين متتابعين ، قال : لا أطيق فقال : تصدق على ستين مسكينا ، قال : لا أجد فأتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعذق في مكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر ، فقال له : خذ هذا فتصدق به ، فقال : والذي بعثك بالحق نبيا ما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا ، فقال : خذه فكله أنت وأهلك فإنه كفارة لك » وهو ـ مع اتحاده وقصوره سندا ، وعدم صراحته في الترتيب بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٥.

٢٦٨

ولا ظهوره (١) وإن وقع الترتيب في الذكر ، واشتماله على كون الصدقة به على أهله كفارة له ـ قاصر عن معارضة النصوص السابقة المعمول بها بين الأصحاب ، ولو وضحت دلالته لاتجه حمله على الندب لذلك ، كالمروي (٢) عن كتاب علي بن جعفر أنه سأل أخاه « عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ما عليه؟ قال : عليه القضاء وعتق رقبة ، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فان لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ، فان لم يجد فليستغفر الله » أو التقية من المحكي عن أبي حنيفة والثوري والشافعي والأوزاعي على معنى أن أبا جعفر عليه‌السلام نقل الخبر الأول على حسب ما رووه تقية ، وأن الكاظم عليه‌السلام ذكر الحكم على ما عندهم.

وقيل والقائل الصدوق : إنه يجب بالإفطار بالمحرم ثلاث كفارات وبالمحلل كفارة واحدة على التخيير فيكون مخالفا للمشهور في الشق الأول ، وإطلاق النصوص السابقة حجة عليه ، واحتمال تقييدها بخبر عبد السلام بن صالح الهروي (٣) ـ « قلت للرضا عليه‌السلام : يا ابن رسول الله قد روي عن آبائك فيمن جامع في شهر رمضان أو أفطر فيه ثلاث كفارات ، وروي عنهم أيضا كفارة واحدة فبأي الحديثين نأخذ؟ قال : بهما جميعا ، متى جامع الرجل حراما أو أفطر على حرام في شهر رمضان فعليه ثلاث كفارات : عتق رقبة وصيام شهرين متتباعين وإطعام ستين مسكينا ، وقضاء ذلك اليوم ، وإن نكح حلالا أو أفطر على حلال فعليه كفارة واحدة ، وقضاء ذلك اليوم ، وإن كان ناسيا فلا شي‌ء عليه » مؤيدا بإطلاق موثق سماعة (٤) السابق على ما رواه الشيخ بالواو لا « أو » وبما في الفقيه‌

__________________

(١) وفي النسخة الأصلية « ولا ظهور » بدون الضمير.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

٢٦٩

من ان الخبر الذي روي فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ان عليه ثلاث كفارات فإني أفتي به فيمن أفطر بجماع محرم أو بطعام محرم عليه ، لوجود ذلك في روايات أبي الحسن الأسدي (١) فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري انتهى. والظاهر اتصال ذلك بالناحية ، لأنه من وكلائها التي لا ينطق إلا عنها ـ فرع المقاومة المفقودة بقلة القائل بل شهرة القائل بالخلاف شهرة عظيمة وفي المحكي عن معتبر المصنف ان هذه الرواية لم يظهر العمل بها بين الأصحاب ظهورا يوجب العمل بها ، وربما حملناها على الاستحباب ليكون آكد في الزجر مضافا إلى ما في المدارك من ان في طريق هذه الرواية علي بن محمد بن قتيبة ، وهو غير موثق بل ولا ممدوح مدحا يعتد به ، وعبد السلام بن صالح الهروي ، وفيه كلام ، فيشكل التعويل عليها في إثبات حكم مخالف للأصل ، وإن أمكن مناقشته بأن العلامة في المحكي عن تحريره قد حكم بصحتها ، وفي المختلف أن عبد الواحد بن عبدوس النيشابوري لا يحضرني الآن حاله ، فان كان ثقة فالرواية صحيحة يتعين العمل بها ، وظاهره عدم التوقف فيها إلا من عبد الواحد الذي هو من مشايخ الصدوق المعتبرين الذين أخذ عنهم الحديث ، وقد أكثر في الرواية عنه في كتبه ، كما ان ابن قتيبة قد قيل إنه من مشايخ الكشي وقد أكثر النقل عنه في كتابه ، فلا أقل من ان يكونا هما من مشايخ الإجازة المتفق بينهم كما قيل على عدم احتياجهم ( إلى ظ ) التوثيق ، وأما حمدان بن سليمان فهو ثقة في كتب الرجال ولا خلاف فيه ، وأما عبد السلام فقد وثقه النجاشي ، وقال : إنه صحيح الحديث وما ذكره الشيخ في كتب الرجال من انه عامي فهو وهم ، وقد أورد الكشي روايات تدل على انه من فضلاء الشيعة ، وبالجملة يمكن تصحيح الخبر المزبور بناء على الظنون الاجتهادية ، إلا انه مع ذلك لا يخلو من دغدغة ، والعمدة ما ذكرناه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٣.

٢٧٠

سابقا ومنه قد ظهر لك مع كون الأول أكثر قائلا انه أظهر دليلا فلا مناص للفقيه عنه ، إلا ان الاحتياط لا ينبغي تركه ، وأما الكلام في باقي أحكام الكفارة فيأتي في محله إن شاء الله ، والله أعلم.

المسألة الرابعة إذا أفطر زمانا نذر صومه على التعيين المسألة الرابعة إذا أفطر زمانا نذر صومه على التعيين كان عليه القضاء بلا خلاف ولا إشكال نصا وفتوى وكفارة كبرى مخيرة كشهر رمضان عند المشهور بين الأصحاب ، بل عن الانتصار الإجماع عليه ، لخبر عبد الملك بن عمير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « من جعل لله عليه أن لا يركب محرما فركبه قال : ولا أعلمه إلا قال : فليعتق رقبة أو ليصم شهرين أو ليطعم ستين مسكينا » وخبر القاسم بن فضيل (٢) قال : « كتبت اليه يا سيدي رجل نذر ان يصوم يوما لله فوقع ذلك اليوم على أهله ما عليه من الكفارة؟ فأجاب يصوم يوما بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة » ونحوه مكاتبة علي بن مهزيار (٣) والاقتصار فيهما على التحرير محمول على التخيير بقرينة الخبر السابق وعدم القائل به خصوصا.

وقيل والقائل الصدوق كفارة يمين لصحيح الحلبي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الرجل يجعل عليه نذرا ولا يسميه قال : إن سميت فهو ما سميت ، وإن لم تسم شيئا فليس بشي‌ء ، فإن قلت : لله علي فكفارة يمين » وصحيح علي بن مهزيار (٥) « كتب بندار مولى إدريس يا سيدي إني‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الكفارات ـ الحديث ٧ من كتاب الإيلاء والكفارات عن عبد الملك بن عمرو وهو الصحيح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب بقية الصوم الحديث ٣ عن القاسم الصيقل.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من كتاب النذر والعهد ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب الحديث ٤.

٢٧١

نذرت أن أصوم كل سبت ، وإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب وقرأته لا تتركه إلا من علة ، وليس عليك صوم في سفر ولا مرض إلا ان تكون نويت ذلك ، وإن كنت أفطرت فيه من غير علة فتصدق بعدد كل يوم على سبعة مساكين » والأول أظهر عند المصنف وغيره ، خلافا لسيد المدارك فالثاني لصحة السند بخلاف راوي خبر الأول ، فإنه غير موثق ولا ممدوح مدحا يعتد به وجهالة القاسم بن فضيل ، وإضمار الثالث الذي في طريقه علي بن محمد بن جعفر الرزاز ، وهو غير موثق أيضا ، مع تضمن الأخيرتين الأمر بالتحرير خاصة ، ولم يقل به احد ، والجمع بالتخيير بينه وبين باقي خصال الكبرى ليس بأولى من الجمع بالتخيير بينه وبين كفارة اليمين ، وتحمل الرواية الأولى حينئذ على الاستحباب ، قلت : لا ريب في ان الأحوط الأول وتحقيق الحال يأتي إن شاء الله في محله وإن كان جميع ما ذكره واضح الدفع ، والله اعلم.

المسألة الخامسة الكذب على الله ورسوله (ص) والأئمة (ع) وأما المسألة الخامسة التي ذكرها المصنف هنا ـ وهي ان الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم‌السلام حرام على الصائم وغيره وإن تأكد على الصائم لكن لا يجب به قضاء ولا كفارة على الأشبه.

السادسة وهي أن الارتماس حرام والسادسة وهي أن الارتماس حرام على الأظهر ، ولا يجب به كفارة ولا قضاء وقيل يجبان به والأول أشبه فقد عرفت الكلام فيهما مفصلا ومنه تعرف ما في كلام المصنف ، فلاحظ وتأمل وتدبر ، والله أعلم.

المسألة السابعة لا بأس بالحقنة بالجامد على الأصح المسألة السابعة لا بأس بالحقنة بالجامد على الأصح وفاقا للإسكافي والشيخ وابن إدريس وجماعة من المتأخرين بل ومعظمهم ، للأصل ، وحصر ما يضر الصائم (١) في غيره ، وكثير مما تسمعه في التقطير في الإحليل ومما يصل إلى الجوف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٢٧٢

من غير الحلق وغير ذلك. وخصوص‌ صحيح علي بن جعفر (١) سأل أخاه عليه‌السلام « عن الرجل والمرأة هل يصلح لهما أن يستدخلا الدواء وهما صائمان؟ فقال : لا بأس » وموثق ابن فضال (٢) « كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام ما تقول في اللطف يستدخله الإنسان وهو صائم؟ فكتب لا بأس بالجامد » بل لا أجد فيه خلافا قبل الفاضلين في المعتبر والمختلف فحرمها الأول خاصة وأوجب بها الثاني القضاء خاصة ، نعم أطلق ابن بابويه عدم الجواز ، والمفيد الفساد ، والمرتضى في المحكي عن جمله عن قوم من أصحابنا وجوب القضاء والكفارة ، وعن آخرين القضاء خاصة ، وعن ناصرياته وأما الحقنة فلم يختلف في أنها تفطر ، وفي الغنية وجوب القضاء بها خاصة كالمحكي عن أبي الصلاح ، ويمكن إرادة الجميع المائع كما هو المنساق من الاحتقان ، فينحصر الخلاف حينئذ فيمن عرفت ، وضعفه واضح ، لابتنائه على عدم حجية الموثق كي يصلح لتقييد‌ صحيح البزنطي (٣) سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن الرجل يحتقن يكون به العلة في شهر رمضان فقال : الصائم لا يجوز له أن يحتقن » مؤيدا بما عن‌ فقه الرضا عليه‌السلام (٤) « لا يجوز للصائم أن يقطر في أذنه شيئا ولا يسعط ولا يحتقن » وفيه ـ مضافا إلى ما تحرر في الأصول من حجية الموثق سيما مع اعتضاده بما سمعت ـ أنه يمكن دعوى انسياق المائع من الصحيح المزبور كما اعترف به في المدارك وغيرها ، فيبقى غيره على مقتضى الأصل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢ هكذا في المطبوع من الوسائل ولكن الموجود في الكافي والتهذيب والاستبصار « التلطف ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٤.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١ والباب ٥ منها ـ الحديث ٢.

٢٧٣

ومن ذلك كله ظهر لك أنه لا ينبغي التوقف في أنه يحرم الاحتقان بالمائع وإن حكي عن ابن الجنيد إطلاق استحباب الامتناع من الحقنة ، لأنه يصل إلى الجوف ، بل عن جمل المرتضى « أن قوما قالوا بأن الحقنة تنقص الصوم ولا تبطله ، وهو الأشبه » لكن لا يخفى عليك أن الصحيح (١) المزبور وما سمعته من الناصريات ومحتمل إجماع الغنية حجة عليهم ، بل وعلى معتبر المصنف لا لما في المختلف من ان تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلية ـ فيكون بين الصوم والاحتقان الذي هو نقيض المعلول منافاة ، وثبوت احد المتنافيين يقتضي عدم ثبوت الآخر ، وذلك يوجب عدم الصوم عند ثبوت الاحتقان الذي أورد عليه في المدارك وغيرها بأن نقيض المعلول انما هو جواز الاحتقان لا نفسه واللازم من ذلك انتفاء الصوم عند جواز الاحتقان لا عند حصوله وإن كان محرما ، كما هو واضح ، وإن أمكن مناقشته فيه ، بل مقتضاه البطلان ولو جاز الاحتقان لمرض ونحوه ـ بل لظاهر انسياق البطلان عرفا من نحو هذه النواهي في العبادة لا الحرمة خاصة كما هو محرر في محله.

وحينئذ فـ يجب به القضاء على الأظهر خلافا لمن عرفت ، بل الأقوى إن لم ينعقد إجماع كما حكاه في المختلف عن السيد وجوب الكفارة به ، لاندراجه فيمن أفطر متعمدا ، اللهم إلا أن يدعى انسياق غيره منها ، وفيه بحث فمن الغريب بعد ذلك كله ما في الرياض من انه لو لا اشتهار القول بالتحريم بالمائع ـ بل عدم الخلاف فيه إلا من المرتضى حتى انه يستفاد من الناصرية والغنية الإجماع على الإفطار به والقضاء ـ لكان القول بالجواز غير بعيد ، لما مر من الأدلة في السعوط ، مع قوة احتمال الجمع بين أخبار المسألة بالحمل على الكراهة ، سيما الرضوي المتضمن للنهي عن السعوط بكلمة « لا يجوز » الداخلة على كلتيهما ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٤.

٢٧٤

وهي بالإضافة إلى السعوط للكراهة ، فليكن بالإضافة إلى الاحتقان كذلك ، لئلا يلزم استعمال اللفظ في الحقيقة والمجاز ، إذ هو كما ترى جمع لا شاهد عليه ولا داعي إليه ، نعم ما ذكره غير واحد من الأصحاب من كراهة الاحتقان بالجامد لم أقف فيه على خبر بالخصوص ، إلا أنه لا بأس به للتسامح فيها وكراهة بعض النظائر والاحتياط ونحو ذلك ، بل قد يتكلف له بدعوى إرادة الأعم من الحقيقة والمجاز من النهي في الصحيح بقرينة ما في الموثق وغيره مما دل على الجواز في الجامد بعد إرادة الأعم من المائع من الاحتقان ، والله أعلم.

المسألة الثامنة من أجنب ونام ناويا للغسل قبل الفجر المسألة الثامنة من أجنب ونام ناويا للغسل قبل الفجر ثم انتبه ثم نام كذلك ثم انتبه ونام ثالثة ناويا حتى طلع الفجر لزمته مع القضاء الكفارة على قول مشهور بل في الخلاف والغنية والوسيلة وجامع المقاصد الإجماع عليه وهو الحجة مع خبر المروزي (١) ومرسل عبد الحميد (٢) بعد تقييدهما بما دل على القضاء خاصة في الانتباهة الواحدة ، ولأنه كتعمد البقاء على الجنابة ، لندرة الانتباه قبل الفجر زائدا على ذلك ولكن مع ذلك كله فيه تردد عند المصنف ، بل جزم بعدم الكفارة في المعتبر وتبعه الفاضل في المنتهى وبعض متأخري المتأخرين للأصل وقصور سند الخبرين بل ودلالتهما ، لا طلاقهما الكفارة على تارك الغسل حتى الصبح ، وتقييدهما بما إذا تعمد الترك كما في خبر أبي بصير (٣) ممكن ، أو أولى من التقييد المزبور ، والبحث في مثل هذا الإجماع معلوم ، وفيه أن الأصل مقطوع ، والقصور مجبور ، بل في الدلالة ممنوع ، ضرورة إمكان التقييد بهما معا ، ولو سلم فهو أولى للشهرة وغيرها مما عرفت ، والبحث هنا ضعيف ، لشهادة التتبع له قبل المصنف ، وأضعف منه البحث في أصل الحجية ،

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣ ـ ٤ ـ ٢ والثاني مرسل إبراهيم بن عبد الحميد.

٢٧٥

والذاهل عن نية الغسل في الانتباهتين أو إحداهما أولى بالوجوب ، والظاهر أنه لا إثم عليه في النوم وإن زاد على الثالث مع احتمال الانتباه احتمالا معتدا به ، للأصل ، ولا تلازم بين الكفارة والإثم.

المسألة التاسعة يجب القضاء بتسعة أشياء المسألة التاسعة يجب القضاء خاصة في الصوم الواجب المعين كشهر رمضان بتسعة أشياء عند المصنف ، الأول فعل المفطر قبل مراعاة الفجر مع القدرة الأول فعل المفطر قبل مراعاة الفجر مع القدرة تمسكا بالاستصحاب ثم ظهر سبق طلوعه بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى ، بل في صريح الانتصار والخلاف وظاهر الغنية الإجماع عليه ، مضافا إلى عموم الفوات في وجه الصادق بعدم إمساك تمام اليوم ، سواء كان ظانا لبقاء الليل أو شاكا فيه أو ظانا عدمه ، لاشتراك الجميع في جواز الإقدام لقاعدة اليقين وللآية الكريمة (١) الظاهرة في عدم اعتبار الأمر بإمساك النهار واقعا كي يحتج بباب المقدمة المقتضية للصوم مع ظن البقاء أيضا فضلا عن الشك ، مع انه لا خلاف في جواز تناول المفطر فيه كما اعترف به بعضهم ، وفي نفي الكفارة بالأصل السالم ، فما توهمه بعض العبارات من وجوبها على الشاك فضلا عن الظان للعدم واضح المنع.

والمعروف بين الأصحاب بل في الرياض لا خلاف أجده فيه انه لا قضاء على العاجز عن المراعاة كالمحبوس والأعمى بلا خلاف أجده ، للأصل وجواز التناول له ، مع اختصاص النص والفتوى بحكم التبادر وغيره بصورة القدرة كما لا يخفى على من تدبرهما ، لكن قد يناقش بانقطاع الأصل‌ بعموم (٢) « من فاتته » بناء على صدق اسمه عليه بعدم الإمساك في بعض اليوم في أي حال يكون إلا ما علم عدم البأس فيه كالنسيان ، ومن هنا كان تناول المفطر في غير شهر رمضان‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٨٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١.

٢٧٦

بعد طلوع الفجر مفسدا للصوم واجبا كان أو مندوبا مع المراعاة وبدونها كما عن العلامة وغيره التصريح به ، وقد رواه الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام في غير رمضان وإسحاق بن عمار (٢) وعلي بن أبي حمزة (٣) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام في قضاء شهر رمضان ، لكن في المدارك ينبغي تقييد ذلك بغير الواجب المعين ، أما هو فالأظهر مساواته لصوم شهر رمضان ، وهو لا يخلو من نظر تعرفه فيما يأتي وبأن جواز التناول له للاستصحاب لينافي ثبوت القضاء عليه ، وبمنع اختصاص النص بما في القادر ، فالاحتياط لا ينبغي تركه ، ومراعاة غير العارف كعدمها ، وفي معاملته حينئذ معاملة العاجز أو تكون مراعاته رجوعه إلى غيره ـ فيكون هو المدار حينئذ في القضاء وعدمه وجهان ، أقواهما الأول.

الثاني الإفطار إخلادا إلى من أخبر والثاني الإفطار إخلادا إلى من أخبر كالجارية ونحوها أن الفجر لم يطلع مع القدرة على عرفانه ويكون طالعا بلا خلاف أجده فيه أيضا بل في الغنية الإجماع عليه ، لأصالة عدم الكفارة وعموم الفوات في القضاء في وجه ، وقال معاوية بن عمار (٤) للصادق عليه‌السلام : « آمر الجارية أن تنظر طلع الفجر أم لا فتقول : لم يطلع بعد فآكل ثم أنظر فأجده قد كان طلع حين نظرت ، فقال : تتم يومك وتقضيه ، أما انك لو كنت أنت الذي نظرت ما كان عليك قضاؤه » وصريحه كالموثق سقوط القضاء مع المراعاة بنفسه ، مع انه لا خلاف فيه ، بل في صريح الانتصار وظاهر المحكي عن المنتهى وغيره الإجماع عليه ، بل ظاهر النص والفتوى سقوطه مع المراعاة وإن كان شاكا أو ظانا بالفجر ثم تبين انه تناول بعده ، لكن قد يشكل بإطلاق ما دل على القضاء بتناول المفطر ، وبأنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٢٧٧

اولى بذلك من الظان ببقاء الليل بإخبار الجارية والاستصحاب ، ومن هنا مال إليه في الرياض ، وهو أحوط إن لم يكن أقوى ، نعم ظاهرهما اي الصحيح والموثق كالفتاوى اعتبار المباشرة في ذلك ، فلا يجدي غيره وإن كانوا عدولا متعددين ، واختصاص السؤال في صدره بالجارية لا ينافي العموم المستفاد من الجواب ، خلافا لثاني المحققين والشهيدين وغيرهما فأسقطوا القضاء بالعدلين ، لكونهما حجة شرعية ، بل عن غيرهما الاكتفاء بالعدل الواحد بناء على ان المقام من الاخبار لا الشهادة ، فيكون الواحد فيه حجة شرعية ، وهما معا كما ترى ، ضرورة انه ليس المدار في سقوطه على كون التناول بحجة شرعية وإلا لكفى الاستصحاب بل على مباشرة المراعاة ، فبدونها يبقى مندرجا تحت إطلاق ما دل على القضاء بذلك من خبر علي بن أبي حمزة (١) وغيره ، وحجية العدلين أو العدل الواحد لا تنافي ثبوت القضاء ، وإلا وجب تخصيص ما دل عليها بما هنا.

الثالث ترك العمل بقول المخبر بطلوعه والثالث ترك العمل بقول المخبر بطلوعه أي الفجر والبقاء على ما كان عليه من الإفطار لظنه إرادة المخبر كذبه للسخرية ونحوها بلا خلاف أجده ، بل في ظاهر المدارك وعن غيرها الإجماع عليه ، بل هو أولى قطعا من الأولين في وجوب القضاء ، وسأل عيص بن القاسم (٢) الصادق عليه‌السلام « عن رجل خرج في شهر رمضان وأصحابه يتسحرون في بيت ، فنظر إلى الفجر فناداهم فكف بعضهم وظن بعضهم انه يسخر فأكل فقال : يتم صومه ويقضي » أما الكفارة بالجميع مشترك في نفيها بالأصل ، ولا فرق بين تعدد المخبر واتحاده وعدالته وفسقه ، خلافا لجماعة فاستقربوا الكفارة باخبار العدلين ، ولعلهم يريدون إذا لم يظن السخرية بأخبارهما ، فإن جواز التناول حينئذ مع أخبارهما بل إخبار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٢٧٨

العدل الواحد وترك المراعاة اعتمادا على الاستصحاب الذي يشك في حجيته مع هذا الفرض لا يخلو من نظر ، بل لعل المتجه الكفارة ، لانقطاع الأصل بالخبر ، فهو كالمتعمد ، نعم لو أخبر العدلان أو العدل الواحد فراعى فلم يتبين له ذلك ساغ له التناول سواء ظن الخطأ أو لا ، بناء على جواز التناول له حال الشك ، وفي‌ الموثق (١) « عن رجلين قاما فنظرا إلى الفجر فقال أحدهما : هو ذا ، وقال الآخر : ما أرى شيئا ، قال : فليأكل الذي لم يتبين له الفجر وقد حرم على الذي زعم انه رأى الفجر ، ان الله عز وجل يقول ( كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ ). إلخ » ومن ذلك بان أن الأحوال ثلاثة ولعل التقييد بما في المتن بظن الكذب إشارة إليها أو إلى قسمين منها ، كما ان نصوص نفي الشي‌ء على من راعى بنفسه فأخطأ شاملة بإطلاقها لمثل المقام ، وإن كان المخبر عدلا أو عدلين ، والظاهر اختصاص هذا الحكم وسابقيه بشهر رمضان دون غيره من الواجب والمندوب المضيق والموسع المعين وغيره بلا إشكال في شي‌ء منه إلا في المضيق والمعين ، خصوصا بعد ما ورد من استيناف يوم آخر وإفطار ذلك اليوم في قضاء رمضان الذي هو أولى من غيره بالإلحاق ، بل قد يدعى أن مقتضى إطلاق خبري ابن أبي حمزة (٢) وإسحاق بن عمار (٣) ذلك وإن تضيق بدخول رمضان ، بل في الثاني منهما التعليل بأنك أكلت مصبحا فيؤخره حينئذ إلى ما بعده كما انه أطلق في صحيح الحلبي (٤) الإفطار ان تسحر في غير شهر رمضان ، مضافا إلى أنه الموافق للضوابط ، ضرورة ظهور الأدلة كقول الباقر عليه‌السلام في صحيح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

٢٧٩

ابن مسلم (١) : « لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب أربع خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس » ونحوه مما أطلق فيه اعتبار الاجتناب عن ذلك في اعتبار الصوم اللغوي في الشرع إلا ما خرج بالدليل من النسيان ونحوه ، بل خبر (٢) أبي بصير وسماعة في المسألة الآتية كالصريح في ذلك ، بل منه يظهر دلالة قوله تعالى (٣) ( ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ ) عليه فلاحظ وتدبر.

وحينئذ فهو في الفرض مفطر لا يصلح للامتثال به لأمر الصوم ، فان كان مما له بدل انتقل إلى بدله ، وإلا سقط ، ودعوى أن صحيح معاوية بن عمار (٤) بل وموثق سماعة (٥) كالصريحين في إطلاق الصحة مع المراعاة من غير فرق بين شهر رمضان وغيره بل ربما قيل إن الصحيح منهما عام بترك الاستفصال فيه يدفعها معارضتها بإطلاق نصوص الإفطار في قضاء رمضان وترك الاستفصال فيها مع رجحانها عليها بظهور الصحيح وتصريح الموثق بكون ذلك في شهر رمضان ، ومن ذلك بان ضعف إلحاق المعين فضلا عن غيره به ، وإن كان قد يحتج للأول بعدم معلومية الفساد شرعا ، لأعمية فساد الصوم لغة منه كما في الناسي ، ومع احتمال ذلك يجب إمساكه تحصيلا لامتثال الأمر القطعي ، فلا يجب القضاء ، لأنه بأمر جديد ، ولا فوات معلوم بعد عدم التقصير في الاجتهاد ، نعم هذا مختص بالواجب المعين ، لأنه الذي يفرض فيه القضاء المتوقف على أمر جديد المنفي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ١٨٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٢٨٠