جواهر الكلام - ج ١٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام في رجل احتلم أول الليل أو أصاب من اهله ثم نام متعمدا في شهر رمضان حتى أصبح قال : يتم صومه ذلك ثم يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربه » وإن كان قد يمنع ، إذ المراد منه القضاء بعد أن يفرغ من شهر رمضان ، فليس هو حينئذ إلا كغيره من النصوص في الاختصاص المحتمل للأهمية ، ولأنه الواقع مكررا من الناس ، ومن هنا كثر السؤال عنه وعن قضائه دون غيره من أفراد الصوم ، بل لعل جملة من المفطرات إنما وردت فيه بالخصوص ، إلا ان الأصحاب عدوها منه إلى غيره ، مع انه قد يؤيد ذلك هنا‌ صحيح ابن سنان (١) الوارد في قضائه لا فيه ، قال : « كتب أبي إلى أبي عبد الله عليه‌السلام وكان يقضي شهر رمضان فقال : إني أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة ولم اغتسل حتى طلع الفجر فأجابه لا تصم هذا اليوم وصم غدا » وصحيحه الآخر (٢) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقضي رمضان فيجنب من أول الليل ولا يغتسل حتى يجي‌ء آخر الليل وهو يرى ان الفجر قد طلع قال : لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره » وموثق سماعة (٣) « سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر فقال : عليه أن يتم صومه ويقضي يوما آخر ، فقلت : إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضي رمضان قال : فليأكل يومه ذلك وليقض ، فإنه لا يشبه رمضان شي‌ء من الشهور » ومراده بعدم الشبه انه يجب فيه الإمساك حرمة له وإن فسد الصوم لا انه من جهة لحوق قضائه بأدائه في الحكم ، فيختصان بذلك ، ويبقى غيره من الصوم المندوب والواجب الموسع والمضيق على أصالة عدم البطلان بذلك كما اختاره في المدارك والذخيرة والرياض بعد ان حكى الأخير منهم التردد عن المنتهى من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

٢٤١

النصوص ومن الفتاوى ، وعن المعتبر الميل إلى الاختصاص ، قال : وهو الأظهر وفاقا لجملة ممن تأخر ، لما مر من عدم بلوغ فتوى الأصحاب بالإطلاق الإجماع ، مع اختصاص عبائر جملة منهم كالنصوص برمضان كابن زهرة والشيخ في الخلاف وغيرهما ، مضافا إلى جملة من المعتبرة المصرحة بالعدم في التطوع ، وفيها الصحيح والموثق وغيرهما ، ويلحق به ما عداه من الصوم الواجب بمعونة ما مر من الدليل ، ويستثنى منه قضاء رمضان للصحيحين والموثق.

وفيه أولا انه لا يخفى على المتتبع لكلمات الأصحاب إطلاقها على وجه يظهر منه عدم الاختصاص ، ومن هنا نسب القول بالبطلان في الندب الكركي في تعليقه على الكتاب إلى الشيخ والأصحاب قال : وعليه الفتوى ، وكذا النذر المطلق وما جرى مجراه ومنه يعلم ما في نسبته إلى خلاف الشيخ ، مع ان الموجود فيما حضرني من نسخته ونسخة الغنية لا ظهور فيهما في الاختصاص بل ولا إشعار ، ضرورة أعمية ذكر القضاء والكفارة من ذلك ، كما هو واضح ، وثانيا ان الذي عثرنا عليه مما ورد في صوم التطوع‌ خبر حبيب الخثعمي (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عن التطوع وعن هذه الثلاثة الأيام إذا أجنبت من أول الليل فأعلم اني قد أجنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الفجر أصوم أو لا أصوم قال : صم » وموثق ابن بكير (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح أيصوم ذلك اليوم تطوعا؟ فقال : أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار » وخبره الآخر (٣) عنه عليه‌السلام أيضا ، قال : « سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى من النهار ما مضى قال : يصوم إنشاء وهو بالخيار إلى نصف النهار » ووصفها بالمعتبرة بعد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٣.

٢٤٢

فرض إعراض المعظم عنها غير لائق على انه لو عمل بها في خصوص التطوع لم يتعد منه إلى غيره ، ضرورة معلومية التسامح فيه بما لا يتسامح في غيره ، كما في صلاة التطوع بالنسبة إلى صلاة الفريضة ، ولعله لذا ظهر من الدروس العمل بها في خصوص التطوع ، قال : « ولو أصبح جنبا ولم يعلم انعقد المعين خاصة ، وفي الكفارة وما وجب تتابعه وجهان ، وإن كان نقلا ففي رواية ابن بكير (١) صحته وإن علم بالجنابة ليلا ، وفي رواية كليب (٢) إطلاق الصحة إذا اغتسل ، ويحمل على المعين أو الندب للنهي عن قضاء الجنب في رواية ابن سنان (٣) » وكذا ثاني الشهيدين في المسالك عند قول المصنف : « ولو استيقظ جنبا لم ينعقد صومه قيل ولا ندبا » قال : « نسبته إلى القول ساكتا عليه يشعر بتوقفه فيه ، ووجه عدم الجواز انه غير معين فلم يصح صومه كقضاء رمضان ، وان الجنب غير قابل للصوم في تلك الحال والصوم لا يتبعض ، ومستند الجواز رواية عبد الله بن بكير عن الصادق عليه‌السلام إلى آخرها ، وفي رواية كليب إطلاق الصحة إذا اغتسل ، وحملها الشهيد على المعين أو الندب ، وهو يشعر بتجويزه ذلك ، ويؤيده أيضا جواز تجديد النية للعازم على الإفطار خصوصا بعد الزوال ، وهو أيضا مناف للصوم ، وعدم قابلية الصوم للجنب انما يمنع منه حال الجنابة ، أما بعد الغسل فلا يمنع عدم تبعض الصوم مطلقا ، كيف وقد تقدم النص الصحيح بأن الناوي بعد الزوال انما له من الصوم ما بعد النية ، وهذه الأدلة وإن ضعف بعضها إلا انها لا تقصر عن أدلة جواز صوم النافلة سفرا ، وقد عمل بها المصنف والجماعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٣.

(٢) لم نعثر على هذه الرواية كما انه ذكر في الحدائق انه لم يقف عليها بعد التتبع في كتب الأخبار.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٢٤٣

تساهلا بأدلة السنن ، وخبر (١) من بلغه شي‌ء من اعمال الخير يشملها » وهو كما ترى صريح في الاقتصار على التطوع ، خصوصا بعد قوله آنفا في شرح قول المصنف : « ولو استيقظ جنبا لم ينعقد صومه » لا فرق في ذلك بين من علم بالجنابة ليلا وتعمد البقاء عليها ومن لم يعلم بها حتى أصبح ، لإطلاق النهي في الخبر ، ولأن القضاء موسع ، نعم لو تضيق برمضان أمكن جواز القضاء للثاني ، كما ينعقد مع ذلك كل صوم معين ، وفي حكم القضاء النذر المطلق والكفارة قبل التلبس بها ولو كان في الأثناء حيث يشترط التتابع أو في أثناء صوم يشترط تتابعه فوجهان ، أجودهما عدم صحة الصوم ، ولا يقطع التتابع لعدم التقصير ، وظاهر الذخيرة موافقته في جميع ذلك أو أكثره.

فظهر من ذلك كله ان القول باختصاص التطوع بالصحة دون باقي أقسام الصوم أولى من التعدي منه إلى غيره المرجوح بالنسبة إلى التعدي فيما دل على بطلان الصوم في شهر رمضان وقضائه إلى غيرهما كما أومأنا اليه سابقا ، فتأمل ، بل الواجب الموسع يفسده الإصباح بالجنابة وإن لم يكن عالما بها ، أو كان قد نسيها أو غير ذلك من صور الاضطرار حتى فيما يشترط فيه التتابع مع الوقوع في الأثناء ، وإن كان يقوى عدم بطلان التتابع به ، لعدم التقصير كما سمعته من الشهيد.

وعلى كل حال فمن البقاء على الجنابة عمدا إحداث سببها في وقت لا يسع الغسل بعد حصوله ولا التيمم ، ولو وسع التيمم فقط عصى وصح الصوم على إشكال ، وتارك التيمم مع فقد الماء حتى يصبح كتارك الغسل لعموم المنزلة ، وما في المدارك من أن الأصح عدم وجوب التيمم مبني على أصل فاسد قد ذكرناه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

٢٤٤

في كتاب الطهارة ، وعدم الأمر به هنا في صحيح ابن مسلم (١) وخبر ابن عيسى (٢) لابتناء السؤال ظاهرا على تخيل سعة الوقت ، لا أقل من احتمال ذلك فيهما ، فيبطل الاستدلال ، كما انه يبقى عموم المنزلة سالما ، فتأمل جيدا.

والأحوط بل الأقوى وجوب البقاء معه مستيقظا حتى يصبح فيه ، خلافا له أيضا ، قال : لأن انتقاض التيمم بالنوم لا يحصل إلا بعد تحققه ، وبعده يسقط التكليف ، لاستحالة تكليف الغافل ، وهو كما ترى ، وكذا الكلام في كل ما يصح فيه الصوم بالتيمم عوضا عن الغسل.

ولو تيقظ بعد الصبح محتلما فان علم سبق الجنابة عليه ليبس المني مثلا دخل في حكم البقاء غير متعمد حتى يصبح ، وإلا فهو كمن أجنب بالنهار من ذوي الأعذار ، فلا يفرق فيه بين الموسع وغيره ، والله أعلم.

والظاهر أن حدث الحيض والنفاس كحدث الجنابة في الإبطال ، بل هو أشد ، ضرورة بطلان الصوم بمفاجأته قهرا ، فليس هو إلا للمنافاة بينه وبين الصوم ، فالبقاء حينئذ متعمدا حتى الصبح مبطل للصوم ، كما أومأ إليه‌ موثق أبي بصير (٣) عن الصادق عليه‌السلام « إن طهرت بليل من حيضها ثم توانت ان تغتسل في رمضان حتى أصبحت عليها قضاء ذلك اليوم » وعلى كل حال فالتردد في أصل الحكم كما هو ظاهر المعتبر ومحكي الذكرى ـ بل عن نهاية الفاضل الميل إلى العدم ، بل قيل إنه الذي يعطيه كلام الجمل والمبسوط ـ في غير محله قطعا ، بل لعل المتجه وجوب الكفارة مع القضاء وإن لم ينص عليها في الخبر ، إلا أنك ستعرف أصالة وجوبها في تعمد الإفطار ، وتنتقل إلى التيمم عند حصول موجبه ولو كان الضيق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٢٤٥

بسوء الاختيار الموجب للإثم ، بل تبقى مستيقظة إلى الصبح معه كالجنب.

نعم لو حصل النقاء حيث لم يبق مقدار فرصة الغسل أو بدله أو اشتغلت بالغسل أو بدله في وقت تظن سعته له ففاجأها الصبح أو لم تعلم بنقائها في الليل حتى دخل النهار صح صومها المعين ، وفي كشف الأستاذ أو المندوب دون الموسع وهو مبني على ان المندوب بالنسبة إليها كالمندوب بالنسبة إلى الجنب ، وفيه بحث يعرف مما قدمناه سابقا ، بل هو قال بعد ذلك : لا فرق في الواجب الموسع بين تعمد الإصباح وعدمه في الإفساد ، وفي التطوع لا بأس به مطلقا على إشكال.

وأما حدث الاستحاضة فقد تقدم في كتاب الطهارة تفصيل البحث فيها خصوصا عند شرح قولهم : وإذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهر ، وفي الحدائق في المقام تارة المشهور بين الأصحاب توقف صوم المستحاضة على الأغسال ، وأخرى ان الحكم متفق عليه بينهم ، وفي المدارك « ان المتأخرين قيدوا ذلك بالأغسال النهارية وحكموا بعدم توقف صوم اليوم الماضي على غسل الليلة المستقبلة وترددوا في توقف صوم اليوم الآتي على غسل الليلة الماضية » قلت : يظهر لك التحقيق في ذلك كله بملاحظة ذلك المقام الذي العمدة فيه بعد كلام الأصحاب‌ صحيح ابن مهزيار (١) « كتبت إليه امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ما تعمله المستحاضة من الغسل لكل صلاتين هل يجوز صلاتها وصومها أم لا؟ فكتب تقضي صومها ولا تقضي صلاتها. فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأمر فاطمة عليها‌السلام والمؤمنات من نسائه بذلك » وإن كان فيه من الإشكال بنفي قضاء الصلاة ما لا يخفى ، فلاحظ وتأمل كي تعرف شرطية ما له مدخلية في الصوم من أفعالها أو انه الغسل خاصة بل الغسل النهاري منه دون الليلي ، لعدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٢٤٦

تعقل تأخر الشرط ، وتعرف أيضا أن الصغرى حينئذ لا مدخلية لشي‌ء من أفعالها في الصوم ، لعدم الغسل فيها ، أو أن أفعالها لها مدخلية كما هو مقتضى مفهوم قوله : « وإذا فعلت ذلك كانت بحكم الطاهر » وتعرف غير ذلك أيضا حتى ما في شرح اللمعة للفاضل الأصبهاني في المقام أن الوجوه ستة : الأول اشتراط صومها بكل ما عليها كما هو ظاهر الشيخ وابن إدريس ، الثاني عدم اشتراطه بشي‌ء كما يظهر من المبسوط والمنتهى حيث أشعر كلامهما بالتوقف في القضاء إن أخلت بالأغسال ، والثالث اشتراطه بالغسل النهاري خاصة وهو اختيار الدروس والبيان والرابع اشتراطه بالغسل الفجري وعدم اشتراطه بالغسل للظهرين إن تجددت الكثرة في اليوم ، وهو الذي احتمله العلامة في النهاية مع وجوب تقديمه على الصوم بناء على أنه لا يكون مشروطا إلا بما تقدمه ، والسادس اشتراطه بما قارنه أو تقدم عليه لا بما تأخر عنه ، وهو الذي اختاره ثاني الشهيدين ، ويحتمله كلام أولهما في اللمعة ، وربما يحتمل وجوب القضاء مع صحة صومها ، لأن القضاء أمر جديد ورد به النص ، وأفتى به الأصحاب ، ولم يقم على الفساد دليل ، وإيجاب القضاء لا يدل عليه ، والله أعلم.

هذا كله في تعمد البقاء على الجنابة إلى الصبح وأما لو أجنب فنام غيرنا وللغسل ولا لعدمه بل كان ذاهلا أو مترددا واتفق انه استمر نومه فطلع الفجر فسد الصوم كما عن الفاضل وغيره ، بل عن منتهى الأول أن عليه مع ذلك القضاء ، ذهب إليه علماؤنا ، وظاهره الإجماع عليه ، ويعضده تعبير كثير من غير خلاف يعرف بينهم ، ومنهم المصنف في المعتبر ، إلا أنه استدل عليه بأنه مع العزم على ترك الاغتسال يسقط اعتبار النوم ، ويعود كالمتعمد على البقاء على الجنابة ، وفيه أنه لا يلزم من انتفاء نية الغسل تحقق العزم على ترك الاغتسال‌

٢٤٧

لجواز الذهول عن كل منهما ، ومن هنا جعل في الرياض مراده صورة النوم مع العزم على الترك ، قال : وإلا لما توجه الاستدلال وورد عليه ذلك ، مع أن مورد الاستدلال ما هو الغالب ، ضرورة ندرة الذهول ، إلى أن قال : وحينئذ يمكن تنزيل باقي إطلاق عبارات القوم على ذلك ، ومال إلى عدم القضاء لعدم الدليل وإن كان أحوط ، واما الاستدلال عليه بصحيح احمد بن محمد (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « سألته عن رجل أصاب من أهله في شهر رمضان أو اصابته جنابة ثم ينام حتى يصبح متعمدا قال : يتم ذلك اليوم ، وعليه قضاؤه » والحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام المتقدم آنفا ، ففيه ما سمعته من ان الظاهر من تعمد النوم منهما العزم على البقاء على الجنابة أيضا ، فتنتفي الدلالة على وجوب القضاء في حال الذهول ، ولذلك كله قال في المدارك : إن وجوب القضاء في هذه الصورة غير واضح ، لكنها نادرة ، قلت : بعد الإغضاء عن المناقشة في دلالة الصحيحين المزبورين يمكن دعوى دلالة خبر سليمان المروزي (٣) وخبر إبراهيم بن عبد الحميد (٤) المتقدمين آنفا في الكفارة على متعمد البقاء ، بل منهما يتجه القول بوجوبها في المقام مع القضاء كما هو الأصل في كل مفطر فعل عمدا ، بل في المسالك انما يصح النومة الأولى بعد الجنابة مع نية الغسل ليلا ، وإلا لم يصح النوم ، ولا بد مع ذلك من احتمال الانتباه ، وإلا كان كمتعمد البقاء ، وشرط بعض الأصحاب مع ذلك اعتياده الانتباه ، وإلا كان كتعمد البقاء على الجنابة ، ولا بأس به ، لكن في المدارك انه مشكل جدا ، خصوصا على القول بأن غسل الجنابة انما يجب لغيره‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٤.

٢٤٨

مع انه لا معنى لتحريم النوم ، لسقوط التكليف معه ، ولعل المراد تعلق الحرمة بالتوجه اليه والأخذ في مقدماته ، وكيف كان فلا ريب في تحريم العزم على ترك الاغتسال ، وأما تعلق الحرمة بالنوم فغير واضح ، خصوصا مع اعتياد الانتباه قبل طلوع الفجر ، قلت : قد يدل عليه صحيح معاوية بن عمار (١) الآتي على حرمة النوم في الجملة ، وأولى منه خبر إبراهيم بن عبد الحميد المتقدم سابقا ، والأمر سهل.

ولو كان الجنب النائم قد نوى الغسل فاتفق انه استمر إلى ان أصبح صح صومه المعين ، لصحيح العيص (٢) وغيره من النصوص (٣) بل لا خلاف أجده فيه ، بل عن الخلاف الإجماع ، لكن في موضع من المعتبر « ولو أجنب فنام ناويا للغسل حتى أصبح فسد صوم ذلك اليوم ، وعليه قضاؤه ، وعليه أكثر علمائنا » ثم استدل عليه بصحيح ابن أبي يعفور (٤) الآتي وصحيح ابن مسلم (٥) وهو عجيب ، ضرورة ان المعروف بين الأصحاب ما ذكرناه ، بل هو قال في موضع آخر من المعتبر : « من أجنب ونام ناويا للغسل فطلع الفجر فلا شي‌ء عليه ، لأن نومه سائغ ولا قصد له في بقائه ، والقاعدة مترتبة على التفريط والإثم وليس أحدهما مفروضا ، أما لو انتبه ثم نام ثانيا ناويا للغسل فطلع الفجر فعليه القضاء ، لأنه فرط في الاغتسال مع القدرة ، ولا كذا المرة الأولى ، لأن في المنع منها تضييقا على المكلف » ثم استدل بصحيحي ابني عمار (٦) وأبي يعفور (٧) وهو صريح فيما ذكره الأصحاب ، فلا بد من حمل كلامه الأول على صورة الانتباهة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢.

٢٤٩

أو غير ذلك أو يكون قد عدل عنه ، وإطلاق صحيحي أحمد (١) والحلبي (٢) وخبر أبي بصير (٣) وصحيح ابن مسلم (٤) وموثق سماعة بن مهران (٥) في القضاء يجب تقييده بمن لم ينو الغسل ، بل لعل المراد من التعمد فيها ذلك على معنى تعمد النوم إلى الصبح ، أو بما إذا نام بعد الاستيقاظ ، أو نحو ذلك مما لا بأس به للجمع بين الفتاوى وباقي النصوص التي هي كالمقيدة لهذه المطلقات ، فما عن المنتهى ـ من انه لو أجنب ثم نام ناويا للغسل حتى يطلع الفجر ولم يستيقظ فمفهوم ما تقدم من الأحاديث يدل على الإفساد والقضاء ـ في غير محله ، إذ لا ريب في ان مراده الإطلاق المزبور الذي عرفت وجوب الخروج عنه للنص والفتوى ومحكي الإجماع صريحا وظاهرا ، وأما احتمال الفرق بين الجنابة مستيقظا مثلا وبينها محتلما ـ فيجب القضاء في الأول بالنومة الأولى لأنه كالمنتبه ثم نام ، بخلاف المحتلم في نومه ، والفرض عدم علمه حتى الصبح فإنه لا قضاء عليه ، لعدم التقصير بوجه ، واستيقاظ المحتلم ثم نومه كنوم الجنب مستيقظا ، فينبغي تساوي الحكم فيهما ـ فهو تهجس في النصوص والفتاوى ، ضرورة صراحتهما معا في خلافه ، فلاحظ وتأمل كي تعرف ذلك وتعرف ما في الذخيرة من الاحتمالات في الجمع بين النصوص.

هذا كله في غير المنتبه ولو كان قد انتبه ثم نام ناويا للغسل أولا فأصبح نائما فسد صومه وعليه قضاؤه لصحيح معاوية بن عمار (٦)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

٢٥٠

« قلت للصادق عليه‌السلام في الرجل يجنب من أول الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان قال : ليس عليه شي‌ء ، قلت : فإنه استيقظ ثم نام حتى أصبح قال : فليقض ذلك اليوم عقوبة » وصحيح ابن أبي يعفور (١) عنه عليه‌السلام أيضا « قلت له : الرجل يجنب في شهر رمضان ثم يستيقظ ثم ينام حتى يصبح قال : يتم صومه ويقضي يوما آخر ، فان لم يستيقظ حتى يصبح أتم صومه وجاز له » وغيرهما معتضدة بالشهرة العظيمة ، بل في المدارك « لا اعلم فيه مخالفا ، بل عن الخلاف الإجماع » هذا ، وفي المسالك أيضا هنا « قد تقدم ان النومة انما تصح مع العزم على الغسل وإمكان الانتباه واعتياده ، فإذا نام بالشرط ثم انتبه ليلا حرم عليه النوم ثانيا وإن عزم على الغسل واعتاد الانتباه ، لكن لو خالف وأثم فأصبح نائما وجب عليه القضاء خاصة ونوقش بعدم وضوح مأخذ الحرمة ، وربما كان قوله عليه‌السلام : « عقوبة » بناء على انها انما تكون على فعل المحرم ، وفيه ان ترتب مثل هذه العقوبة لا يقتضي تحريمه ، والأصح إباحة النومة الثانية بل والثالثة أيضا وإن ترتب عليهما القضاء كما هو ظاهر المحكي عن منتهى الفاضل ، للأصل السالم عن المعارض » قلت : خبر إبراهيم بن عبد الحميد واضح الدلالة على الحرمة ، للنهي فيه صريحا عن النوم حتى يغتسل ، والأمر سهل ، ضرورة كون المفروض الصوم المعين الذي يجب على المكلف حفظه من كل ما يقتضي إبطاله ، ومنه البقاء جنبا إلى الصبح.

وأما لو انتبه في الفرض بعد ذلك أيضا فسيأتي التعرض له في كلام المصنف والمشهور فيه وجوب القضاء والكفارة فيكون حاصل ما عند الأصحاب في النوم مع نية الغسل انه على ثلاثة أقسام : الأول لا يوجب شيئا ، وهو الذي استمر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢ مع الاختلاف.

٢٥١

إلى الصبح ، والثاني الذي حصل معه انتباهه ، وهو موجب للقضاء خاصة ، الثالث ما حصل معه انتباهتان ، وهو موجب للقضاء والكفارة ، لكن قد يناقش في عدم الكفارة في الثاني إن لم يكن إجماعا بناء على ما أومأنا إليه غير مرة من أصالة ترتبها على كل مبطل مقصود ، واقتصار النصوص هنا على القضاء أعم من عدمها ، كما انه ينبغي ان يعلم ان الفاضل الأصبهاني حكى عن فخر الإسلام في شرح الإرشاد انه قال : الانتباه من الاحتلام وفي حال الجماع لا يعد من الانتباهتين بل المعتبر انتباهه بعد نومة جنبا ، ثم أيده هو بالنصوص من الأصحاب والأخبار فإن الحكم انما علق على النوم ثلاثا يتخللها انتباهتان بعد الجنابة ، قال : ولو أجنب في النوم ولم ينتبه بالاحتلام ثم انتبه فالظاهر انه أيضا غير معدود ، وانما المعدود ما بعد العلم بالجنابة كما هو نص الشارع ، قلت : قد أومأنا سابقا إلى بعض ذلك وقلنا إن الانتباه من الاحتلام كالجنابة مستيقظا ، ولا ريب في عدم عد تلك اليقظة عندهم انتباهه ، فكذلك هذه ، لعدم صدق انه نام جنبا ثم استيقظ ، وهو المدار نصا وفتوى ، إلا ان الاحتياط لا ينبغي تركه بحال ، والله اعلم.

وستسمع تمام البحث عند تعرض المصنف لحكم الانتباهتين ، كما انك تعرف فيما يأتي تمام الكلام فيما ذكره هنا من انه لو استمنى أو لمس امرأة فأمنى فسد صومه لكن ينبغي ان يعلم ان المراد بالاستمناء هنا طلب الامناء بغير الجماع مع حصوله لا مطلق طلبه وإن كان محرما أيضا ، إلا انه لا يترتب عليه حكم سوى الإثم ، بخلاف الأول فإنه لا خلاف أجده في حصول الإفطار به ، بل في المعتبر « ويفطر بإنزال الماء بالاستمناء والملامسة والقبلة اتفاقا » ومحكي المنتهى « الانزال نهارا مفسد للصوم مع العمد سواء أنزل باستمناء أو ملامسة أو قبلة بلا خلاف » وفي المدارك « قد أجمع العلماء كافة على ان الاستمناء مفسد للصوم » وفي شرح الأصبهاني للمعة إفساده مما أطبق عليه الأصحاب ونصت به الأخبار ،

٢٥٢

وفي‌ صحيح ابن الحجاج (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني قال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع » وخبر سماعة أو موثقه (٢) « سألته عن رجل لزق بأهله فأنزل قال : عليه إطعام ستين مسكينا مدا لكل مسكين » وخبر أبي بصير (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وضع يده على شي‌ء من جسد امرأته فأدفق فقال : كفارته أن يصوم شهرين متتابعين ، أو يطعم ستين مسكينا ، أو يعتق رقبة » بل في‌ صحيح ابن مسلم (٤) انه سأل أبا جعفر عليه‌السلام « هل يباشر الصائم أو يقبل في شهر رمضان فقال : إني أخاف عليه فليتنزه عن ذلك إلا ان يثق ان لا يسبقه منيه » إلى غير ذلك من النصوص الظاهرة في الإفطار وإن لم يكن قد قصد بذلك الامناء ولا كان من عادته كما هو مقتضى إطلاق الفاضلين وغيرهما ، مع انه لا يخلو من إشكال ، خصوصا إذا كان الملموسة حلالا ، بل في المدارك الأصح ان ذلك انما يفسد إذا تعمد الانزال ، وربما يؤيده انه المناسب للجمع بين إطلاق الأخبار السابقة وبين‌ مرسل المقنع (٥) عن علي عليه‌السلام « لو أن رجلا لصق بأهله في شهر رمضان فأمنى لم يكن عليه شي‌ء » وتسمع تمام الكلام في ذلك إن شاء الله فيما يأتي.

ولو احتلم بعد نية الصوم نهارا لم يفسد صومه بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه من غير فرق بين أقسام الصوم ، بل لا يجب عليه البدار في الغسل ، وفي المدارك لا أعلم فيه خلافا أيضا ، وخبر إبراهيم بن عبد الحميد (٦)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٤.

٢٥٣

المتقدم آنفا محمول على ضرب من الندب ، نعم لو ترك الغسل لليوم الثاني فهو من متعمد البقاء على الجنابة ، بل لو كان ناسيا قضى في المعين على ما تسمع الكلام فيه إن شاء الله ، كما انه لو كان جاهلا كذلك ، بل المتجه في الأخير الكفارة إلا إذا كان معذورا بعدم خطور السؤال بباله فعليه القضاء خاصة والله أعلم وكذا لا يفسد الصوم لو نظر إلى امرأة حلال أو حرام فأمنى على الأظهر عند المصنف أو استمع فأمنى للأصل وغيره ، خلافا للشيخ فعليه القضاء إذا كان المنظورة لا تحل له بشهوة ، ولأبي الصلاح فإنه حكي عنه انه قال : لو اصغى إلى حديث أو ضم أو قبل فأمنى فعليه القضاء ، نعم قد يشكل فيما إذا لم يكن مقصوده الامناء ولا من عادته ، ومن هنا قال في المدارك : الأصح ان ذلك غير مفسد إلا إذا كان من عادته الامناء ، وكذا القول في النخيل لو ترتب عليه الانزال فلا بأس به ، وستسمع تحقيق الحال في ذلك ، بل وفي الحقنة وان الأقوى كونها بالجامد جائزة وبالمائع محرمة ، ويفسد بها الصوم لكن على تردد عند المصنف وخلاف تعرف تمام الكلام فيه إن شاء الله.

مسألتان وهنا مسألتان : المسألة الأولى كلما ذكرنا انه يفسد الصيام إذا كان عن عمد الأولى كلما ذكرنا انه يفسد الصيام غير البقاء على الجنابة إنما يفسده إذا وقع عمدا لا بدونه كالذباب يطير إلى الحلق والغبار الذي يدخل من غير قصد ، فإنه لا يفسد الصوم بأقسامه قولا واحدا ونصوصا (١) بخلاف الأول فإنه يفسده بأقسامه أيضا سواء كان عالما بكونه مفطرا أو جاهلا به على تردد عند المصنف في الجاهل ـ لا الأول الذي لا ريب في فساد الصوم معه ـ ينشأ من الخلاف فيه ، فان المحكي عن الأكثر بل هو المشهور فساد صومه كالعالم ، فيجب عليه القضاء والكفارة ، لإطلاق ما دل على وجوبهما ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

٢٥٤

وعن الشيخ في التهذيب وابن إدريس انه إذا جامع أو أفطر جاهلا بالتحريم لم يجب عليه شي‌ء وظاهرهما سقوطهما معا كما عن المنتهى احتماله لسقوط القلم عنه ، وفي المعتبر « الذي يقوى عندي فساد صومه ووجوب القضاء دون الكفارة » وفي المدارك « وإلى هذا القول ذهب أكثر المتأخرين ، وهو المعتمد ».

قلت : فيكون حاصل الأقوال ثلاثة ، وربما كان التفصيل بين الجاهل المقصر في السؤال فيجب عليه القضاء والكفارة وبين غير المقصر لعدم تنبهه ، فلا يجب عليه الكفارة خاصة ، واختاره بعض مشايخنا قولا رابعا ، إذ دعوى كون محل البحث الأول دون الثاني محل منع ، اللهم إلا ان يقال إن الكفارة انما هي عقوبة ، ولا وجه لها مع عدم الإثم ، لأن المفروض عدم تنبهه بحيث يصح عقابه ، وفيه ان إطلاق بعض أدلة الكفارة شامل للجميع ، فيمكن حينئذ منع اعتبار الإثم في وجوبها ، وسقوطها في النسيان ونحوه للدليل أعم من ذلك ، إلا ان الانصاف عدم خلوه من الاشكال ، بل الذي يقوى في النفس من ملاحظة النصوص والفتاوى حتى في غير المقام اعتبار الإثم في الكفارة ، لا أقل من الشك والأصل البراءة.

ومن ذلك يظهر لك حينئذ قوة القول الأخير ، أما القضاء فلا طلاق أدلته الذي لا يعارضه‌ موثق زرارة وأبي بصير (١) « قالا : سألنا أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان أو أتى اهله وهو محرم وهو لا يرى إلا ان ذلك حلال له قال : ليس عليه شي‌ء » بعد ظهوره في غير المتنبه من الجاهل ، وان المراد حينئذ من نفي الشي‌ء عليه فيه نفي الكفارة ، وهو كذلك بناء على ما قدمناه بل هو شاهد له عند التأمل كالنصوص الدالة على عذر الجاهل ، كقول الصادق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١٢.

٢٥٥

عليه‌السلام في صحيح عبد الصمد (١) « أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي‌ء عليه » وغيره (٢) بناء على إرادة عدم الإثم والمؤاخذة ، واحتمال إرادة الأعم من ذلك يدفعه ان التعارض بين الأدلة حينئذ من وجه ، ولا ريب في كون الرجحان لأدلة القضاء من وجوه ، منها الشهرة ، ومنها ظهور جملة من أدلة القضاء في الجاهل كما لا يخفى على من لاحظ المقام وغيره.

وأما الكفارة فلا طلاق موثقي سماعة (٣) وصحيح ابن الحجاج (٤) وخبر عبد السلام بن صالح الهروي (٥) وغيرها مما رتب فيها الكفارة على الجماع ونحوه مما لا ريب في شموله للجاهل والعالم ، فما في المدارك ـ من انه لا دلالة في شي‌ء من الروايات التي وصلت إلينا في هذا الباب على تعلق الكفارة بالجاهل ، إذ الحكم فيها وقع معلقا على تعمد الإفطار ، وهو انما يتحقق مع العلم بكون ذلك الفعل مفسدا للصوم ، فان من اتى بالمفطر جاهلا كونه كذلك لا يصدق عليه أنه تعمد الإفطار وإن صدق عليه أنه تعمد لذلك الفعل ، بل رواية ابن سنان (٦) التي هي الأصل في هذا الباب انما تضمنت تعلق الكفارة بمن أفطر في شهر رمضان متعمدا من غير عذر ، والجهل بالحكم من أقوى الأعذار ، كما يدل عليه‌ صحيح عبد الرحمن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١٢ و ١٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٢٥٦

ابن الحجاج (١) المتضمن لحكم تزويج المرأة في عدتها ، حيث قال : « قلت : فأي الجهالتين أعذر جهالته أن ذلك محرم عليه أم جهالته انها في عدة؟ فقال : إحدى الجهالتين أهون من الأخرى ، الجهالة بأن الله حرم ذلك عليه ، وذلك انه لا يقدر على الاحتياط معها ، فقلت : في الأخرى هو معذور قال : نعم » لا يخفى ما فيه ، بل قد يمنع عليه عدم تناول تعمد الإفطار للجاهل ، ضرورة صدقه على من أكل المفطر في الواقع وإن لم يعلم انه كذلك ، ولو أنه يعتبر فيه ذلك لم يتجه له الحكم بأن عليه القضاء ، لما في الحدائق من ان روايات القضاء قد علق الحكم فيها على من أفطر عامدا ، والفرض عدم صدقه على الجاهل ، فالتفرقة حينئذ بينه وبين الكفارة في غير محلها ودعوى ان مطلق الجهل عذر واضحة المنع ، وخبر ابن سنان لا صراحة فيه في ذلك بل ولا ظهور ، بل لعل الظاهر منه غير المتنبه من الجاهل ، لأنه الذي لا يقدر على الاحتياط ، بخلاف المتنبه فإنه يستطيع السؤال فالاستدلال له به على ذلك في غير محله ، كالاستدلال بموثق زرارة وأبي بصير (٢) المتقدم سابقا الذي حملناه على غير المتنبه من الجاهل ، وبذلك كله ظهر لك ما في بقية الأقوال ، خصوصا نفيهما معا مطلقا وإن اختاره المحدث البحراني ، والله هو العالم.

هذا كله فيمن تناول المفطر جهلا وأما لو كان سهوا عن الصوم لم يفسد صومه سواء كان الصوم واجبا أو ندبا فلا يترتب عليه قضاء فضلا عن الكفارة بلا خلاف أجده فيه ، كما عن المنتهى الاعتراف بذلك ، قال : لا خلاف بين علمائنا في أن الناسي لا يفسد صومه ولا يجب عليه قضاء ولا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ـ الحديث ٤ من كتاب النكاح.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١٢.

٢٥٧

كفارة بفعل المفطر ناسيا ، وفي‌ صحيح الحلبي (١) أنه سئل « عن رجل نسي فأكل وشرب ثم ذكر قال : لا يفطر ، انما هو شي‌ء رزقه الله تعالى فليتم صومه » ونحوه غيره مما لا فرق في إطلاقه كالفتوى بين أقسام الصوم الواجب والمندوب والمعين وغيره ولا بين أفراد المفطرات ، نعم قد عرفت في الجملة وتعرف ما ( فيما ظ ) يأتي حكم نسيان الجنابة حتى يطلع الفجر ، والله اعلم.

وكذا في عدم فساد الصوم لو أكره على الإفطار بأن توعد على تركه بما يكون خطرا له في نفسه أو من يجري مجراه بحسب حاله مع قدرة المتوعد على فعل ما توعد به ، وشهادة القرائن بأن يفعله به لو لم يفعل أو وجر في حلقه بلا خلاف أجده في الأخير ، لعدم صدق الاختيار الظاهر اعتباره في الإفطار من الأدلة عليه كما هو واضح ، أما الأول فعن الأكثر انه كذلك للأصل وحديث الرفع (٢) ومشاركة الناسي في عدم الإثم بالتناول ، ولا ينافيه ترتب القضاء على المريض بعد اختصاصه بالدليل ، والمحكي عن مبسوط الشيخ الفساد لصدق الاختيار معه ، وضعفه في المدارك بأنه ليس بمفطر اختيارا ، وقال : « نعم يمكن الاستدلال على هذا القول بعموم ما دل على كون الإتيان بتلك الأمور المخصوصة مفسد للصيام ، لكن في إثبات العموم على وجه يتناول المكره نظر » قلت : الأول الاستدلال بما دل على حكم اليوم الذي يفطر للتقية ، إذ هو في معنى الإكراه ، كمرسل رفاعة (٣) عن الصادق عليه‌السلام انه قال : « دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال : يا أبا عبد الله ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت : ذلك إلى الامام إن صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا ، فقال : يا غلام علي بالمائدة فأكلت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب جهاد النفس من كتاب الجهاد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٥.

٢٥٨

معه وأنا أعلم والله انه من شهر رمضان ، فكان إفطاري يوما وقضاؤه أيسر علي ان يضرب عنقي ولا أعبد الله » وفي آخر (١) « أفطر يوما من شهر رمضان أحب إلى من أن يضرب عنقي » حيث أطلق عليه اسم الإفطار ، مؤيدا ذلك كله بما عساه يظهر من تتبع النصوص (٢) الواردة في المتسحر في رمضان بعد الفجر قبل المراعاة وغيره من التنافي بين الأكل ونحوه والصوم بحيث لم يجتمعا وإن كان الأكل جائزا شرعا ، ولذا أمر المتسحر المزبور بعدم صوم يومه إذا كان قضاء عن رمضان مطلقا ولو كان للفجر مراعيا ، على ان حقيقة الصوم ليست إلا الإمساك عن المفطرات ، وهو غير متحقق لغة وعرفا قطعا بل وشرعا ، إذ ليس هو إلا ما عند المتشرعة ، ولا ريب انه الإمساك وعدم وقوع المفطر باختيار المكلف أصلا ، وهو منتف ، ولذا صح سلب الصوم والإمساك عنه ، وأطلق عليه الإفطار في الخبر المزبور ، وليس هو إلا للفساد ، فيجب القضاء ، لعدم قائل بالفرق بينهما كل هذا مع ضعف دليل الخصم ، ضرورة انقطاع الأصل وإرادة رفع المؤاخذة من حديث الرفع لا القضاء ، وعدمه في الناسي لدليل مخصوص لا له ، والمشاركة للناسي في عدم الإثم لا توجب المشاركة في عدم القضاء بعد حرمة القياس عندنا فحينئذ قول الشيخ في غاية القوة كما مال اليه شيخنا في الرياض واختاره في المسالك وستسمع تردد المصنف فيه فيما يأتي ، ومنه علم حال اليوم الذي يفطر للتقية ، قيل ومنه الذي يفطر قبل الغروب.

قلت : قد يفرق بإمكان إدراجه في التقية التي هي دين باعتبار ذهابهم إلى ان الغروب ذهاب القرص ، فلا يستعقب قضاء ، بخلاف الأول ، اللهم إلا ان يدعى رجوعه أيضا إلى ذلك باعتبار اكتفائهم بالبينة وإن لم تكن عادلة ، وحينئذ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

٢٥٩

منه ينقدح الفرق بين مسألة الإكراه والتقية ، ويضعف خبر القضاء فيها بالإرسال ويختص دليل القضاء حينئذ في الإكراه غير التقية بما ذكرناه مؤيدا ، والأحوط سلك الجميع من واد واحد ، للشك في شمول دينية التقية لمثل ذلك الذي مرجعه في الحقيقة إلى موضوع مصداقا أو مفهوما لا إلى حكم ، ولتفصيل الحال في شقوقها محل آخر.

وعلى كل حال فيكفي فيها وفي الإكراه مطلق ظن الضرر بل خوفه كما هو المستفاد من النص والفتوى ، خلافا لما عساه يظهر من الدروس فخصه بخوف التلف ولعله للمرسلين (١) السابقين اللذين لا دلالة فيهما على التخصيص ، فلا يعارضان المطلقات ، نحو « التقية في كل ضرورة ، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به (٢) » ونحو « التقية في كل شي‌ء يضطر اليه ابن آدم فقد أحله الله تعالى (٣) » هذا ، وفي المسالك وحيث ساغ الإفطار للإكراه والتقية يجب الاقتصار على ما تندفع به الحاجة ، فلو زاد عليه كفر ، ومثله ما لو تأدت بالأكل فشرب أو بالعكس ، وهو جيد بالنسبة إلى وجوب الاقتصار ، لكن قد يناقش في وجوب الكفارة بناء على ما اختاره ، وهو من فساد الصوم ، إذ الكفارة تختص بما يحصل به الإفطار ويفسد به الصوم ، والفرض حصولهما بالمباح مما وقع عليه الإكراه ، فلا فساد حينئذ ، ولا إفطار بالزائد ، فلا تتعلق به الكفارة وإن كان محرما تعبدا احتراما لشهر رمضان مثلا ، والله العالم.

المسألة الثانية لا بأس بمص الخاتم ومضغ الطعام وذوق المرق المسألة الثانية لا بأس بمص الخاتم ومضغ الطعام للصبي وزق الطائر وذوق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٥ و ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأمر والنهي ـ الحديث ١ من كتاب الأمر بالمعروف.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الأمر والنهي ـ الحديث ٢ من كتاب الأمر بالمعروف.

٢٦٠