جواهر الكلام - ج ١٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ثم من المعلوم انه بعد إحراز النصاب المزبور يجب الخمس فيه وفيما زاد وإن قل ، لظاهر الأدلة السابقة ، ولا يجزي في الخمس إخراج خمس تراب المعدن مثلا لجواز اختلافه في الجوهر ، اما لو علم التساوي أو الزيادة ففي المسالك والمدارك إجزاؤه ، لكن قد يشكل بظهور ذيل صحيح زرارة (١) السابق في أول البحث في تعلق الخمس بعد التصفية وظهور الجوهر ، بل قد يدعى ظهور غيره في ذلك أيضا ، بل لعله المتعارف المعهود ، ولذا صرح الأستاذ في كشفه بعدم الإجزاء فتأمل.

ولو لم يخرج الجوهر من المعدن حتى عمله دراهم أو دنانير أو حليا أو نحو ذلك من الآلات فزادت قيمته اعتبر في الأصل الذي هو المادة الخمس ، وفي الزائد حكم المكاسب ، فيقوم حينئذ سبيكة ويخرج خمسه ، كما هو واضح ، وبه صرح في المسالك والمدارك ، لكن قال في الأول بعد ذلك بلا فاصل : « وكذا لو اتجر به قبل إخراج خمسه » وقد يشكل بأن المتجه وجوب الخمس في الثمن أيضا بناء على تعلق الخمس بالعين ، وعلى تعلق الخمس بالبائع مع بيعه له جميعه ـ كما صرح به في التذكرة والمنتهى مستشهدا له في الأخير بما رواه‌ الجمهور (٢) ـ بل والشيعة وإن كان بتفاوت يسير بينهما لكنه غير قادح ـ عن أبي الحرث المزني « انه اشترى تراب معدن بمائة شاة متبع فاستخرج منه ثمن ألف شاة ، فقال له البائع : رد علي البيع فقال : لا افعل ، فقال : لآتين عليا عليه‌السلام فلأسعين بك ، فأتى علي بن أبي طالب عليه‌السلام فقال : إن أبا الحرث أصاب معدنا فأتاه علي عليه‌السلام فقال : اين الركاز الذي أصبت؟ قال : ما أصبت ركازا إنما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٣.

(٢) ذكر ذيله في كنز العمال ج ٣ ص ٣٠٦ الرقم ٥١١٨.

٢١

اصابه هذا فاشتريته منه بمائة شاة متبع ، فقال له علي عليه‌السلام : ما ارى الخمس إلا عليك » وكأنه رحمه‌الله فهم البائع من الضمير ، وهو كذلك لما في‌ المروي (١) في الكافي والتهذيب من نقل هذه « انه قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لصاحب الركاز : إن الخمس عليك ، فإنك أنت الذي وجدت الركاز ، وليس على الآخر شي‌ء ، لأنه إنما أخذ ثمن غنمه » ويدفع بأنه وإن كان متعلقا بها وجاز له بيعه وكان الخمس عليه لكن له ضمانه على ان يؤديه من مال آخر ، فيتجه حينئذ تعلق الوجوب بالأصل خاصة دون الزيادة الحاصلة بالاكتساب ، كما صرح به في المنتهى والتذكرة أيضا معللا له بأن الخمس تعلق بالعين لا بالثمن ، نعم يجب فيها ذلك من حيث الربح بعد اجتماع شرائطه ، هذا.

وفي كشف الأستاذ « لو وجد شيئا من المعدن مطروحا في الصحراء فأخذه فلا خمس » ولعله لظهور الأدلة في اعتبار الإخراج وإن كان للنظر فيه مجال ، بل قد يدعى تناول الأدلة لمثله مع فرض مطروحيته مباحا بأن كان المخرج له حيوانا مثلا ، وقد يشهد له في الجملة ما صرح به غير واحد من الأصحاب من ان المعدن إن كان في ملك مالك فأخرجه مخرجه كان المعدن لصاحب الأرض ، وعليه الخمس ، بخلاف الأرض المباحة ، فإنه لمخرجه ، إذ لا فرق عند التأمل بين المطروح وبين ذلك.

كما ان ما في الكشف المذكور ـ من ان لوجوب الخمس فيما يحتاج إلى العمل من التراب كالتربة الحسينية والظروف وآلات البناء وجها ـ محل للنظر أيضا إذ لا نعرف وجه الوجه سوى احتمال الاندراج في بعض تفاسير المعدن أو ما ألحق به باعتبار الخصوصية التي يعظم الانتفاع بها ، لكنه كما ترى ، للقطع بعدم إرادة نحو ذلك من الخصوصية المذكورة ، كالقطع بعدم عد قابلية الأرض للظروف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ١.

٢٢

والآلات من الخصوصية المعدنية أو الملحق بها ، ضرورة قبول أكثر الأرض لذلك ، وإن أريد بالخصوصية المعنى الحاصل بعد العمل من حيث العمل نفسه كما هو ظاهر العبارة فهو أوضح نظرا نعم ما فيه ـ من انه لو حصل شي‌ء قليل من المعدن في مكان فاستنبطه مرة بمقدار النصاب ثم انقطع ففي دخوله في حكم المعادن إشكال ـ في محله وإن كان الأقوى في النظر وجوبه ، لا طلاق الأدلة المقتضي دخول ذلك كاقتضائه عدم الفرق بين افراد المستنبطين بعد تحقق الملك للمستنبط نفسه أو سيده كما لو كان عبدا.

بل ولا بين المسلم والكافر وإن حكي عن الشيخ ، بل هو ظاهر البيان انه يمنع الذمي من العمل في المعدن ، لكن صرح الأول بأنه لو خالف وعمل ملك وكان عليه الخمس لإطلاق الأدلة ، نعم اعترف في المدارك بأنه لم يقف له على دليل يقضي بمنع الذمي من العمل في المعدن ، وهو كذلك بالنسبة إلى غير ما كان في ملك الامام عليه‌السلام من الأراضي الميتة ونحوها ، أو المسلمين كالأراضي المفتوحة عنوة ، واما فيها فقد يقال بعدم ملكه أصلا فضلا عن منعه فقط ، لعدم العلم بتحقق الاذن من الامام عليه‌السلام لهم في الأول ، وعدم كونه من المسلمين في الثاني ، كما انه قد يقال ببقاء المعادن على الإباحة الأصلية لسائر بني آدم نحو الحطب والماء وإن كانت في الأراضي المذكورة ، أو يقال بالفرق بين ما كان للإمام عليه‌السلام والمسلمين ، فيلتزم بعدم الملك في الثاني دون الأول ، لعموم إذنه عليه‌السلام الحاصل من‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « من أحيى أرضا ميتة فهي له » أو يفرق بين الذمي وغيره بإمكان التزام معاملة الذمي لذمته معاملة المسلمين في نحو ذلك دون غيره ، لكن يتجه على الأول حينئذ بل وعلى الأخير استثناء ذلك من إطلاق الحكم بملكية المعدن لمالك الأرض ، بل لعله من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٥.

٢٣

اللازم في الجملة ، للقطع بملك المجيز من المسلمين له إذا كان في الأرض المفتوحة عنوة ، مع انها ملك لسائر المسلمين ، ولعله لأنه بنفسه في حكم الموات وإن كان في أرض معمورة منها بغرس أو زرع ولتمام الكلام محل آخر.

وكذا لا فرق بين المكلف وغيره كما صرح به في البيان ، وإن كان لم يخاطب هو بإخراج الخمس إلا انه يثبت في المال نفسه ذلك ، لإطلاق الأدلة ، بل ظاهرها ان الحكم المذكور من الوضعيات الشاملة للمكلفين وغيرهم.

الثالث الكنوز الثالث من السبعة الواجب فيها الخمس الكنوز جمع الكنز المسمى في جملة من عبارات الأصحاب منها التذكرة والمنتهى بالركاز من الركز بمعنى الخفاء بلا خلاف فيه في الخلاف والحدائق وظاهر الغنية أو صريحها ، بل مع زيادة « بين أهل العلم » في المنتهى ، بل « إجماعا » في الخلاف والتذكرة وظاهر الانتصار أو صريحه ، بل في المدارك اجمع العلماء كافة على وجوب الخمس فيه للآية بناء على عموم الغنيمة فيها ، خصوصا له‌ للمروي (١) عن الفقيه والخصال في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام « يا علي ان عبد المطلب سن في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام ـ إلى ان قال ـ : ووجد كنزا فأخرج منه الخمس وتصدق به فأنزل الله ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ ). » الآية وعموم السنة ، منها‌ خبر سماعة (٢) سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن الخمس فقال : « في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير » وخصوص‌ صحيح الحلبي (٣) عن الصادق عليه‌السلام « عن الكنز كم فيه؟ فقال : الخمس » وصحيح زرارة (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٣.

٢٤

المتقدم سابقا في المعادن بناء على إرادة الكنز أو الأعم منه ومن المعادن من الركاز فيه ، وغير ذلك.

والكنز هو كما في التنقيح بل والتذكرة بل والمنتهى والبيان والروضة والمسالك كل مال مذخور تحت الأرض مع زيادة « قصدا » في الأخيرين ، ولعل الذخر يغني عنه إن قلنا باعتباره في مسماه كما صرح به في الأخير قال : فلا عبرة باستتار المال بالأرض بسبب الضياع ، بل يلحق باللقطة ، ويعلم ذلك بالقرائن الحالية كالوعاء ، وإلا كانت زيادته مفسدة ، لعدم الفرق في الظاهر نصا وفتوى في وجوب الخمس بالكنز بين ما علم قصد الذخر فيه وعدمه بل لو علم عدمه كما في بعض المدن المغضوب عليها من رب العالمين ، ولعله لذا قال الأستاذ في كشفه : « مذخورا بنفسه أو بفعل فاعل » اللهم إلا ان يلتزم إلحاق نحوه بالكنز لا الدخول في مسماه أو منع جريان الحكم في مثله كالمذخر في جدار أو في بطن شجرة أو خباء من بيوت أو خشب أو تحت حطب فإنه صرح الأستاذ المذكور بعدم الخمس فيه ، وإن كان هو لا يخلو من إشكال في البعض إن لم يكن الكل ، بل منع لإمكان دعوى التنقيح ، سيما مع ملاحظة إلحاقهم الموجود في جوف الدابة والسمكة به بالنسبة للخمس بعد تسليم الشك ، أو عدم الصدق وعدم إرادة المثال من الأرض لما يشمل مثل بعض ذلك وعدم إمكان الاستدلال بعموم الكتاب والسنة.

ثم إن ظاهر تعريف الأصحاب للكنز والركاز المجعول في كلام بعضهم معقدا لنفي الخلاف وللإجماع من آخر بعد تفسيره منهم بما سمعت عدم الفرق بين النقدين وغيرهما مما يعد مالا ، بل صرح في التذكرة والمنتهى والدروس والبيان بذلك ، بل قد تشعر عبارة الأولين بعد التأمل فيها بالإجماع عليه عندنا ، لكن في كشف الأستاذ ان الظاهر تخصيص الحكم بالنقدين ، وغيره يتبع حكم اللقطة ، بل لعله‌

٢٥

ظاهر السرائر أيضا ، وربما يشهد له ـ بعد الأصل وفهم النوع من صحيح النصاب (١) الآتي وإن حكى في الرياض الاتفاق على إرادة المقدار منه لا النوع ـ صحة سلب اسمه عن أكثر ما عداهما بل جميعه ، إلا انه قد يقال ـ بعد الإغضاء عن عموم الآية والسنة كما عرفت ـ منشأ التعميم المزبور صدق اسم الركاز الموجود في صحيح زرارة (٢) السابق المفسر في المصباح المنير وغيره بالمال المدفون ، وفي القاموس بما ركزه الله في المعادن أي أحدثه ، ودفين أهل الجاهلية وقطع الذهب والفضة من المعدن فلا يقدح سلب اسمه عنه حينئذ ، بل الظاهر من ملاحظة كلام الأصحاب خصوصا التذكرة والمنتهى والبيان إرادة الركاز من الكنز هنا ولعله لذا فسره المصنف وغيره هنا بما سمعت مما هو معنى الركاز دونه ، فتأمل جيدا ويعتبر في وجوب الخمس فيه النصاب بلا خلاف أجده فيه وإن أطلق بعض القدماء بل في الخلاف والغنية والسرائر وظاهر التذكرة والمنتهى والمدارك الإجماع عليه ، بل في معقد الأربعة المتأخرة أنه عشرون دينارا ، كما ان معقد الأول بلوغ نصاب يجب في مثله الزكاة للأصل وصحيح البزنطي (٣) عن الرضا عليه‌السلام « سألته عما يجب فيه الخمس من الكنز فقال : ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس » ولعله‌ المروي (٤) في المقنعة مرسلا وإن كان هو أصرح منه بالنسبة إلى إرادة المقدار وغيره ، قال : « سئل الرضا عليه‌السلام عن مقدار الكنز الذي يجب فيه الخمس فقال : ما يجب فيه الزكاة من ذلك ففيه الخمس ، وما لم يبلغ حد ما يجب فيه الزكاة فلا خمس فيه » لكن في الغنية انه بلوغ قيمة دينار فصاعدا بدليل الإجماع ، وهو غريب ، بل دعواه الإجماع عليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٦.

٢٦

أغرب إذ لم نعرف له موافقا ولا دليلا نعم كان على بعض الأصحاب أو أكثرهم عدم الاقتصار على العشرين دينارا نصاب الذهب الظاهر في اعتبار ذلك حتى في الفضة بحيث لا يجزي الأقل منه ولو مائتا درهم المساوية له في صدر الإسلام ، بل كان ينبغي ذكر المائتي درهم نصاب الفضة معه للصحيح السابق ومعقد إجماع الخلاف بل في المسالك « انه ينبغي القطع به » إلى آخره فيقال حينئذ يعتبر بلوغ العشرين في الذهب والمائتين في الفضة ، وأيهما كان في غيرهما كما صرح به في المنتهى والتذكرة وغيرهما لا انه يجزي في الذهب مثلا مائتا درهم لو فرض قلتها عن العشرين ، أو في الفضة العشرون لو فرض قلتها عن المائتين ، وإن أمكن تخريجه من لفظ مثله في الصحيح المزبور خصوصا مع ملاحظة تناوله لغير النقدين ، بل قد يوهمه عبارتا البيان والمسالك إلا ان المنساق إلى الذهن منه ما ذكرنا ، ولعل ذلك الاقتصار للمساواة المزبورة ، أو لإرادة المثالية أو لدعوى إرادة ذلك من الصحيح المذكور بقرينة الصحيح (١) المتقدم سابقا في المعادن المشتمل على تفسير نحو العبارة فيه بالعشرين دينارا ، سيما مع تقارب المسؤول عنه واتحاد الراوي والمروي عنه فيهما.

ف يتجه حينئذ ما في المتن وغيره من انه إذا بلغ الكنز عشرين دينارا وكان في أرض دار الحرب أو دار الإسلام وليس عليه أثره وجب فيه الخمس وعلى كل حال فلا نصاب له غير ذلك ، فيجب حينئذ في بالغه والزائد عليه وإن قل الخمس كما هو ظاهر الأصحاب ، بل كاد يكون صريحهم ، بل هو صريح بعضهم كالعلامة في المنتهى والتذكرة والشهيد في الدروس والبيان وغيرهما ، لكن في المدارك يشكل بأن مقتضى الصحيح السابق مساواة الخمس للزكاة في اعتبار النصاب الثاني كالأول ، إلا اني لا اعلم بذلك مصرحا ، ويدفع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ١.

٢٧

بظهوره ـ بعد ان عرفت إرادة السؤال عن المقدار فيه بالاتفاق المحكي في مساواة الخمس للزكاة ـ في مبدأ تعلق الوجوب لا المساواة في النصب ليكون ما بين النصابين عفوا كالزكاة ، خصوصا مع ملاحظة المرسل السابق في المقنعة ، لا أقل من الشك ، فتبقى الأخبار السابقة على إطلاقها اقتصارا على القدر المتيقن خروجه منه.

كما انها هي كذلك بالنسبة إلى اعتبار الحول ، فلا يعتبر فيه حول حينئذ قطعا كما صرح به غير واحد ، كالقطع بعدم اعتبار بلوغ النصاب فيه بضمه إلى مال آخر زكاتي أو غيره وإن حكي عن الشافعي ذلك ، نعم في إجزاء حصوله بضم بعض الكنوز إلى بعض وجه وقول تقدم نظيره في المعادن ، مع ان المصرح به هنا في السرائر والمنتهى والتذكرة عدمه بل لعله لا يخلو من قوة ، وليس هو كالاخراج دفعات من كنز واحد ضرورة ، بل ولا كالمال المذخور في ظروف متعددة في مكان واحد أو كالواحد ، فإن أجزاء الضم فيهما لا يخلو من قوة لا عدمه ، بل ينبغي القطع به في الأول ، كما هو واضح وتقدم نظيره في المعدن فلاحظ وتأمل.

ثم الكنز إن وجد في أرض الحرب وإن كانت ملكا لواحد خاص منهم بل ودار الإسلام إذا كانت مباحة أو لم تكن ملكا لواحد من المسلمين بالخصوص كالمعمور من المفتوح عنوة وكان لا أثر للإسلام من سكة ونحوها عليه فلا خلاف أجده في وجوب الخمس على واجده ، لا طلاق الأدلة السابقة المستفاد منها ملكيته لواجده المنفي عنها الخلاف في الحدائق على البت في الأول ، والظهور في الثاني ، بل فيها الاتفاق عليه حكاه في الفائدة الثالثة من الفوائد التي ذكرها فيها ، بل قد يظهر من الغنية الإجماع عليه وعلى سابقه أيضا ، والمقطوع بها بين الأصحاب في المدارك في الأول ، كما انه قد تشعر عبارته بعدم الخلاف في الثاني‌

٢٨

وهو كذلك ، ضرورة انسياقه إلى الذهن من خطابه بتخميسه أو لزومه له كما اعترف به في الحدائق بل قد يستفاد أيضا في الجملة من‌ صحيح ابن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن الورق توجد في دار فقال : إن كان الدار معمورة فيها أهلها فهي لأهلها ، وإن كانت خربة فأنت أحق بما وجدت » كصحيحه الآخر (٢) عن الصادق عليه‌السلام ، مضافا إلى ما في المدارك من ان الأصل في الأشياء الإباحة والتصرف في مال الغير انما يحرم إذا ثبت كون المال لمحترم أو تعلق به نهي خصوصا أو عموما ، والكل هنا منتف ، وإن كان في اقتضاء ذلك ـ بعد تسليمه ملكية الواجد المتوقفة على ذكر الشارع سببا ينقطع به استصحاب عدمها للواجد وثبوتها للأصيل ـ نظر واضح.

بل وكذا الموجود في دار الإسلام السابقة وكان عليه أثر الإسلام أيضا على الأقوى ، وفاقا للخلاف والسرائر والمدارك وكشف الأستاذ ، بل لعله ظاهر ما عن المفيد والمرتضى والحسن من الإطلاق أيضا ، بل لعله ظاهر ابن زهرة في غنيته ، بل تحتمل عبارته دعواه الإجماع عليه ، وخلافا للفاضلين والشهيدين في البيان والمسالك والمقداد وعن المبسوط فلقطة ، بل في التنقيح ان عليه الفتوى لما سمعته سابقا من إطلاق وجوب الخمس وغيره المؤيد بإشعار صحيحة عبد الله ابن جعفر (٣) الواردة في الموجود في جوف الدابة التي ستسمعه فيما يأتي والسالم عن معارض معتد به ، إذ هو إما أصالة احترام مال المسلم المتوقف الاستدلال بها على ثبوت كونه مالا لمسلم ، وهو في حيز المنع ، لأعمية أثر الإسلام والأرض منه ، على انهما لا يفيدان إلا ظنا لا دليل على حجيته هنا ، وإما تناول تعريف‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٢ لكن الثاني عن أبى جعفر عليه‌السلام.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٢٩

اللقطة له الذي هو مال ضائع عليه اثر ملك إنسان ووجد في دار الإسلام ، وهو كذلك في حيز المنع أيضا ، لظهور الضائع في عدم قصد صاحبه الذخر بخلاف المكنوز ، واما‌ قول الباقر عليه‌السلام في خبر محمد بن قيس (١) « قضى علي عليه‌السلام في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرفها ، فان وجد من يعرفها وإلا تمتع بها » فهو مع معارضته بصحيحتي ابن مسلم المتقدمتين لا دلالة فيه على التفصيل المزبور ، والجمع بينهما وبينه بذلك لا شاهد عليه ، وليس بأولى من الجمع بحمله على كون الخربة لمالك معروف ، أو على ما إذا كان الورق غير مكنوز وحمل الصحيحين على المكنوز ، نعم لو علم ولو من القرائن المفيدة قطعا بالعادة كونه من الكنوز الإسلامية اتجه الحكم بعدم اندراجه فيما نحن فيه ، للقطع بكونه لمحترم المال ، بل هو إما لقطة يعرف بها ، أو انه يرجع امره إلى حاكم الشرع ، أو من مجهول المالك فيتصدق به ، لظهور اتفاق الأصحاب على إرادة غير المعلوم كونه لمسلم من الكنز هنا كما يومي اليه التفصيل بأثر الإسلام وعدمه ، وإن لم نجنح إلى ذلك التفصيل لكن لأعمية الأثر من ذلك لا مع تسليم دلالته.

ومن هنا كان لا وجه لاحتمال التمسك بإطلاق الأخبار كون الخمس في الكنز الشامل لمثل المفروض ، ولعل من ذلك ما يوجد الآن من بعض الكنوز العباسية أو الأموية أو نحوهما من الدول الإسلامية ، بل الظاهر تعين الوجهين الأخيرين فيه بل قد يومي إلى الثاني منهما موثق إسحاق (٢) الآتي ، واما احتمال اللقطة الواجب تعريفها في مثله فبعيد جدا ، بل لعل مثله ليس من المال الضائع كما عرفت سابقا بل قد يظهر منهم في كتاب اللقطة انه لواجده ، وهو متجه إن لم يكن إجماعا ، ولكن الانصاف عدم خلو المسألة عن إشكال لا طلاق النصوص ، بل قد يقوى جريان حكم الخمس عليه ، وكيف كان فما ذكرنا يظهر أولوية جريان الحكم المزبور‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

٣٠

في المكنوز في أرض الإسلام المغنومة من الكفار التي يعلم عدم استعمال المسلمين لها بعد الفتح في كنز ونحوه ، أو الأرض التي لا يد للمسلمين والكفار عليها ، بل وكذا الأرض المملوكة لمسلم خاص إلا انها خربت بخلوها عن أهلها وانجلائهم وإعراضهم عنها ، فصارت مباحة ، فيكون الموجود فيها كالموجود في الأرض المباحة ، كما هو مضمون صحيحي ابن مسلم السابقين ، بل وكذا ما وجده في أرضه المملوكة له بإحياء كما صرح به في المدارك ، بل حكاه في الحدائق عن جمع ، فيملكه ويخرج خمسه إن لم يكن عليه أثر إسلام ، وإلا جرى فيه الخلاف السابق الذي قد عرفت قوة كونه كذلك أيضا ، اما لو كانت مملوكة بابتياع أو هبة أو نحوهما مما لا يحصل بسببه ملك للكنز وكان عليه أثر الإسلام ففي المنتهى والتذكرة والمسالك وغيرها عرفه البائع ، فإن عرفه وإلا فالمالك الذي قبله وهكذا ، بل لا أجد فيه خلافا بيننا ، لوجوب الحكم به له مع دعواه إياه إجماعا في المنتهى ، قضاء لظاهر يده السابقة ، بل قد يدعى انه محكوم بملكيته له ما لم ينفه عن نفسه لذلك من غير حاجة إلى دعواه إياه ، كما عساه يومي اليه في الجملة صحيحتا ابن مسلم السابقتان ، فيجب تعريفه إياه حينئذ قطعا ، بل هو اولى من اللقطة في ذلك بناء على انه ليس منها ، فما في المدارك حينئذ ـ من انه يمكن المناقشة في وجوب تعريفه لذي اليد السابقة إذا احتمل عدم جريان يده عليه ، لأصالة البراءة من هذا التكليف مضافا إلى أصالة عدم التقدم ـ لا ينبغي ان يصغى اليه كما لا يخفى على من له أدنى ممارسة للفقه ، وإن قال في الحدائق : إنه لا يخلو من قرب ، بل فيها انه يؤيده صحيحة عبد الله بن جعفر (١) المتضمنة لحكم الموجود في جوف الدابة التي ستسمعها فيما يأتي ، وهو كذلك ، لكن قد يقال بإرادة المثال من البائع فيها ، أو يفرق بظهور المدفون في الدار انه لصاحبها الأول بخلاف الدابة ، نعم لو علم انتفاءه عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٣١

بعض الملاك ولو ببعض القرائن المفيدة له عادة لم يجب تعريفه له ، لانتفاء فائدته كانتفاء فائدته بالنسبة للمالك السابق على البائع بعد دعوى معرفة البائع إياه لتقديمه عليه إذا تداعياه ، كما هو مقتضى الترتيب السابق في التعريف ، بل صرح به في المسالك وإن كان لا يخلو من تأمل باعتبار تساوي الجميع في عدم اليد لهم وقت التعريف ، كمساواتهم فيها قبله ، وقرب زمان يد أحدهم من يد المعرف لا يقتضي ترجيحه على غيره ، ولعله لذا أطلق في البيان وجوب تعريفه من كل من جرت يده على المبيع من غير ذكر الترتيب ، وإن لم يعرفه جميع من أمكنه تعريفه إياه من الملاك السابقين فالمتجه بل صرح به بعضهم صيرورته حينئذ كالموجود في أرض المسلمين يجري فيه الخلاف السابق اما إذا لم يكن عليه أثر للإسلام فقضية إطلاق لقطة الكتاب بل كاد يكون صريح الشهيدين في الدروس والمسالك مساواته للأول في وجوب التعريف أيضا وترتيبه ، بل قد يظهر من الغنية الإجماع على تعريفه من البائع ، كصريحه على انه إن لم يعرفه احد كان لواجده بعد إخراج الخمس ، وظاهر التذكرة والمنتهى بل صريحهما اختصاص التعريف فيما عليه أثر للإسلام دون ما لا اثر له عليه ، فإنه لواجده على احد قولي الشيخ ، أو لقطة على الثاني ، وفيه بحث ، لاشتراك الجميع في المقتضي للتعريف السابق.

نعم ينبغي التفصيل بعده إذا أنكروه بأنه للواجد إن لم يكن عليه أثر الإسلام ، وإلا جرى فيه الخلاف السابق ، لا انه مطلقا للواجد كما عساه يوهمه لقطة الكتاب ، كإطلاقه هنا ذلك أيضا حيث قال ولو وجده في ملك له مبتاع عرفه البائع ، فإن عرفه فهو أحق به ، وإن جهله فهو للمشتري وعليه الخمس اللهم إلا ان يريد بالضمير الكنز الذي لا أثر للإسلام عليه ، لكن‌

٣٢

لا يكون كلامه حينئذ مشتملا على حكم القسمين ، والظاهر إرادته الجنس من البائع لا البائع القريب خاصة ، أو المثالية منه ، وإلا فلا فرق بينه وبين الواهب والمصالح وغيرهما ، بل في المسالك ووارث كل واحد منهم ، ولا بأس به ، ولو تعددوا ورثة كانوا أو غيرهم واتفقوا على نفيه أو ثبوته فلا إشكال ، كما انه كذلك لو تنازعوا فيه ، لرجوعه حينئذ إلى حكم التداعي ، اما لو ادعاه بعضهم ونفاه الآخر عن نفسه اختص به في غير صورة الإرث على إشكال تعرفه فيما يأتي بل وفيها إذا صرح بأن سبب ملكه غير الإرث ، أو أطلق دعوى ملكيته من غير تعرض للسبب كما صرح به في المسالك ، لثبوت يد له سابقا ، وعدم معارض له في دعواه ، وإن كان لا يخلو من إشكال ، لعدم ثبوت يدله غير يد الشركة ، ففي الزائد على حصته يكون كدعوى الأجنبي الموقوف قبولها على البينة ، كما هو ظاهر تخصيص التعريف بالبائع ونحوه في كلام الأصحاب اما لو صرح بأن سبب ملكه الإرث فليس له إلا حصته قطعا ، وهل يملك الباقي الواجد لعدم مدع له ولا تلازم بين الحكم ظاهرا بحصة منه لذلك المدعي وبين ثبوت كون الباقي لمسلم محترم المال ، لاحتمال كذبه ، أو هو كاللقطة خصوصا عند من اعتبر عدم أثر الإسلام في ملكية الكنز ، إذ ليس هو أقوى أمارة من ظهور مدع بعضه بسبب يقتضي الشركة بينه وبين غيره من باقي الورثة وإن نفوه هم عن أنفسهم ، أو كمجهول المالك يتصدق به؟ احتمالات ، بل يحتمل تسليمه حاكم الشرع أو إيقافه حتى يدعوه لكن أول الاحتمالات لا يخلو من قوة ، كما انه لا يخلو من قوة أيضا احتمال وجوب دفع الباقي إلى من يدعيه من الملاك السابقين على مورث هذا الوارث ، فيشترك فيه الطبقتان أو الطبقات.

وفي إلحاق المستأجر والمستعير ونحوهما بالمالك في سائر ما تقدم وجه ، بل اختاره الأستاذ في كشفه مصرحا فيه بتقديم المالك عليه عند التعارض ، وعدم‌

٣٣

شاهد حال لأحدهما كما عن أحد قولي الشيخ ، بل عن معتبر المصنف اختياره ، وهو جيد إن أريد بالمالك المؤجر ، لفرعية يده عن يده ، وإلا فتقديم السابق عليه لا يخلو من نظر بل منع ، وقيل ـ كما عن مختلف الفاضل اختياره ، بل قربه الشهيد في بيانه ـ : يقدم المستأجر ، لثبوت يده حقيقة ويد المالك حكما ، ولاستبعاد إجارة دار فيها كنز ، كما انه جزم في الأخير بالعمل بقرينة الحال لمن وجدت له مع اليمين ، بل قد يظهر من الأستاذ في كشفه اختياره أيضا ، وهو لا يخلو من وجه ، فتأمل جيدا فيه وفي جميع ما تقدم ليظهر لك وجه جملة من الفروع التي تركنا التعرض لها لذلك أو لغيره ، منها مساواة الأرض المنتقلة إليه بإرث للمبتاعة في أكثر ما تقدم أو جميعه ، فتأمل.

بل منه يظهر الحال أيضا في الموجود من الكنز في ملك الغير ، إذ الحكم فيه كما صرح به في المدارك كالحكم في الأرض المملوكة للواجد ، بل في المنتهى والتذكرة والبيان وغيرها التصريح أيضا بتعريفه صاحب الدار ، لكن في الأولين انه إن لم يعترف به فهو لأول مالك من دون تعرض للتعريف ولاشتراط الاعتراف ولا لحكمه بعده إذا لم يعترف به بناء على اشتراطه ، وفي الثالث انه ان لم يعترف به فهو لواجده ، فيخمسه من غير تعرض لتعريفه المالك السابق على من في يده وقت الوجود ، بل استغرب في الحدائق حكمه في مثله بأنه لواجده ، وعليه الخمس من غير تفصيل بين أثر الإسلام وعدمه مع تفصيله بذلك في الموجود في الأرض المباحة ، وهو في محله ، بل هو أولى في الحكم بكونه لقطة حتى فيما لا أثر للإسلام عليه من السابق ، لموثق إسحاق بن عمار (١) سأل أبا إبراهيم عليه‌السلام « عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه ولم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟ قال : يسأل عنها أهل المنزل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٣.

٣٤

لعلهم يعرفونها ، قلت : فان لم يعرفوها؟ قال : يتصدق بها » من حيث ظهوره بذلك كما اعترف به في الحدائق وإن كان قد يمنع عليه ويدعى ظهوره في انه من مجهول المالك ، لكن لما كان لا تفصيل فيه بظهور أثر الإسلام وعدمه ـ مع انه يمكن تحصيل الإجماع على ملكية الواجد الثاني إذا لم يعترف به المالك ، مضافا الى إطلاق الأدلة السابقة ـ ضعف الركون الى إطلاقه بالنسبة إليه ، بل وبالنسبة للثاني لما عرفته سابقا ، فالأولى تنزيله على معلومية كونه لمسلم ، فيتجه امره حينئذ بالصدقة ، كما انه يحتمل تنزيل ما في الخلاف ـ من انه إذا وجد ركازا في ملك مسلم أو ذمي في دار الإسلام لا يتعرض له إجماعا ـ على ذلك أو على إرادة حرمة التعرض ، وإن كان الحكم فيه لو تعرض ما سمعت أو نحو ذلك مما ينزل عليه صحيحا ابن مسلم (١) المتقدمان في أول المبحث الظاهر ان أيضا في ملكية صاحب الدار ما فيها ، فتأمل جيدا ، فإن المسألة لا تخلو من بحث ، وقد ذكرنا التحقيق فيها في كتاب اللقطة ، وهو مناف لما هنا ، فلاحظ وتدبر.

وكذلك يجب تعريف البائع لو اشترى دابة ووجد في جوفها شيئا له قيمة فإن عرفه وإلا فهو للمشتري ، وعليه الخمس ، لصحيح عبد الله بن جعفر (٢) قال : « كتبت إلى الرجل اسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير أو جواهر لمن يكون ذلك؟ فوقع عليه‌السلام عرفها البائع فان لم يكن يعرفها فالشي‌ء لك رزقك الله إياه » لكن ظاهره تعريف البائع خاصة ، اللهم إلا ان يريد المثال أو علم نفيه عن غيره كما ان ظاهره عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام أولا ، بل لعله ظاهر في الأول ، وهو مما يؤيد المختار ، ضرورة مساواته للأرض المبتاعة ، بل ظاهره عدم الخمس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

٣٥

أيضا كما هو مقتضى الأصل أيضا ، لكن في المدارك انه قد قطع به الأصحاب ، وظاهره كالكفاية والحدائق الاتفاق عليه ، لكن فيها بعد ذلك « ان ظاهرهم اندراجه في مفهوم الكنز ، وهو بعيد ، نعم يمكن دخوله في قسم الأرباح ».

قلت : بل جزم في الحدائق بذلك ، وببطلان اندراجه في الكنز ، وهو جيد بالنسبة للثاني ، بل لم أعرف أحدا من الأصحاب صرح بخلافه ، نعم قد يظهر من بعضهم إلحاقه به تنقيحا ، وهو موقوف على الدليل ، فان ثبت إجماعا كان أو غيره تعين القول به ، وإلا كان محل منع والظاهر انه كذلك ، لعدم وصول شي‌ء منها إلينا ، كما ان الظاهر عدم اندراجه في قسم الأرباح ، ضرورة كونه بمعزل عنه ، إذ ليس هو مما أعد أو أخذ للتعرض له ، نعم إن قلنا بعموم الغنيمة لكل فائدة اتجه وجوبه فيه على ان يكون قسما مستقلا غير السبعة ، ولعله لذا قال في السرائر في باب اللقطة ما لفظه : « وكذلك إذا ابتاع بعيرا أو بقرة أو شاة وذبح شيئا من ذلك فوجد في جوفه شيئا أقل من مقدار الدرهم أو أكثر عرفه من ابتاع ذلك الحيوان منه ، فان عرفه أعطاه إياه ، وإن لم يعرفه اخرج منه الخمس بعد مئونة طول سنته ، لأنه من جملة الغنائم والفوائد وكان له الباقي ، وكذلك حكم من ابتاع سمكة فوجد في جوفها درة أو سبيكة أو ما أشبه ذلك ، لأن البائع باع هذه الأشياء ولم يبع ما وجده المشتري ، فلذلك وجب عليه تعريف البائع ، وشيخنا أبو جعفر الطوسي رحمه‌الله لم يعرف بائع السمكة الدرة ، بل ملكها المشتري من دون تعريف البائع ، ولم يرد بهذا خبر عن أصحابنا ، ولا رواه عن الأئمة (ع) احد منهم ، والفقيه سلار في رسالته يذهب إلى ما اخترناه ، وهو الذي يقتضيه أصول مذهبنا » انتهى. وهو صريح في عدم اندراج ذلك في الكنز وفي عدم الفرق في التعريف بين السمكة والدابة ، كما انه كاد يكون صريحا في عدم الفرق بين ما عليه أثر الإسلام وغيره.

٣٦

لكن قد يشكل اعتبار إخراج مئونة سنته منه بعد فرض عدم اندراجه في الأرباح اللهم إلا ان يقال بعموم ما دل على اعتبارها للأرباح وغيرها إلا ما خرج من الكنز والمعادن ونحوهما ، كما انه يشكل إطلاقه وإطلاق غيره بما في المسالك من انه إنما يتم مع عدم أثر الإسلام وإلا فلا يقصر عما يوجد في الأرض لاشتراك الجميع في دلالة أثر الإسلام على مالك سابق ، والأصل عدم زواله ، فيجب تقييد جواز التملك بعدم وجود الأثر ، وإلا كان لقطة في الموضعين ، إلا ان ذا قد يدفع بالصحيح السابق (١) إذ لعله الفارق ، مع ان التحقيق عندنا عدم الفرق كما عرفت ، بل لعل كلامهم هنا مؤيد لما سمعت.

بل يشكل أيضا بظهور الفرق بين الدابة والسمكة ، ضرورة كون الموجود في الأولى كالموجود في الأرض المملوكة ، بخلاف الثانية فكالمباحة أو المملوكة التي يعلم عدم كون ما فيها لمالكها ، ومن هنا وجب تعريف البائع فيها دونها ، بل القطع حاصل غالبا بعدم كون ما في جوف السمكة للبائع ، فلا فائدة في التعريف ، بل قد يقال إن ما وقع من مال المسلم في البحر ووصل إلى جوف السمكة صار كالمعرض عنه ، فيجوز أخذه لمن وجده كما يومي اليه ما ذكر في السفينة المنكسرة (٢) وإن خدشة في المسالك بأن الحكم في السمكة غير مقصور على المأخوذة من البحر بل هو متناول للمملوكة بالأصل ، كما لو كانت في ماء محصور مملوك للبائع بحيث يكون منشؤها فيه ، فتكون كالدابة ، ومع ذلك فالأصل ممنوع ، لكنه كما ترى واضح المنع بظهور انصراف كلام الأصحاب إلى الأفراد المتعارفة ، فلا يقدح فيه الالتزام بالمساواة للدابة في الفرض المذكور ، كما انه لا يقدح فيه التزام مساواة الدابة للمسكة في عدم التعريف ونحوه إذا فرض لاصطيادها وحيازتها كالغزال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من كتاب اللقطة.

٣٧

ونحوه وعلم تقدم ما وجد في جوفها على يد البائع كالسمكة ، نعم حكي عن التذكرة الميل إلى مساواة السمكة للدابة مطلقا في التعريف للبائع من حيث ان القصد إلى حيازة السمكة يستلزم القصد إلى حيازة جميع اجزائها وما يتعلق بها ، وفيه ان المتجه حينئذ الحكم بملكية الصياد لما في جوفها لا تعريفه إياه ، والظاهر إن لم يكن المقطوع به خلافه.

بل قد يظهر ذلك من الأخبار أيضا ، كخبر أبي حمزة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إن رجلا عابدا من بني إسرائيل كان محارفا ـ إلى ان قال ـ : فأخذ غزلا فاشترى به سمكة ، فوجد في بطنها لؤلؤة ، فباعها بعشرين ألف درهم فجاء سائل فدق الباب فقال له الرجل : ادخل ، فقال له : خذ احد الكيسين ، فأخذ أحدهما وانطلق ، فلم يكن أسرع من ان دق السائل الباب فقال له الرجل : ادخل ، فدخل فوضع الكيس مكانه ، ثم قال : كل هنيئا مريئا ، إنما أنا ملك من ملائكة ربك أراد ربك ان يبلوك ، فوجدك عبدا شاكرا ، ثم ذهب » وخبر حفص بن غياث (٢) عن الصادق عليه‌السلام المروي عن الراوندي في قصص الأنبياء قال : « كان في بني إسرائيل رجل وكان محتاجا فألحت عليه امرأته في طلب الرزق فابتهل إلى الله في الرزق ، فرأى في النوم أيما أحب إليك درهمان من حل أو الفان من حرام؟ فقال : درهمان من حل فقال : تحت رأسك فانتبه فرأى الدرهمين تحت رأسه ، فأخذهما واشترى بدرهم سمكة واقبل إلى منزله ، فلما رأته امرأته أقبلت عليه كالأئمة وأقسمت ان لا تمسها ، فقام الرجل إليها فلما شق بطنها إذا بدرتين فباعهما بأربعين ألف درهم » والمروي (٣) عن أمالي الصدوق عن علي بن الحسين عليهما‌السلام حديثا يشتمل على ان رجلا شكا إليه الحاجة فدفع اليه قرصتين ، قال له : خذهما فليس عندنا غيرهما فان الله يكشف بهما عنك ،

__________________

(١) و (٢) و (٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ١ ـ ٢ ـ

٣٨

إلى ان قال ـ : « فلما شق بطن السمكة وجد فيها لؤلؤتين فاخرتين فباع اللؤلؤتين بمال عظيم ، فقضى منه دينه وحسنت بعد ذلك حاله » قيل : ونحوه المروي (١) في تفسير العسكري عليه‌السلام.

ومن ذلك كله ظهر لك حال ما في المتن من انه لو ابتاع سمكة فوجد في جوفها شيئا اخرج خمسه وكان له الباقي ولا يعرف البائع من غير فرق بين أثر الإسلام وعدمه كما ظهر لك وجه ذلك كله ، كظهور الوجه في الخمس أيضا ، إذ هو كالدابة على ما اعترف به في المدارك وغيرها ، بل لم أجد أحدا فصل بينهما فيه ، بل وظهر مما تقدم أيضا وجه ما ذكره هنا بقوله‌ تفريع تفريع : إذا وجد كنزا في أرض موات من دار الإسلام فان لم يكن عليه سكة أو كان عليه سكة عادية أي قديمة ، كأنه نسبة إلى عاد قوم هود اخرج خمسه وكان له الباقي ، وإن كان عليه أثر سكة الإسلام قيل يعرف كاللقطة ، وقيل يملكه الواجد وعليه الخمس وقد بينا ان الثاني لا الأول أشبه فلاحظ وتأمل.

الرابع كلما يخرج من البحر بالغوص الرابع مما يجب فيه الخمس كلما يخرج من البحر بالغوص مما اعتيد خروجه منه بذلك كالجواهر والدرر ونحوهما بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الحدائق ، بل في ظاهر الانتصار وصريح الغنية والمنتهى الإجماع عليه ، كظاهر نسبته إلى علمائنا في التذكرة للآية بالتقريب السابق ، وصحيحي الحلبي (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن العنبر وغوص اللؤلؤ فقال : عليه الخمس » كخبر محمد بن علي بن أبي عبد الله (٣) سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من كتاب اللقطة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٥.

٣٩

يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة ما فيه قال : إذا بلغ ثمنه دينارا ففيه الخمس » ومرسل حماد (١) عن العبد الصالح عليه‌السلام « الخمس من خمسة أشياء من الغنائم والغوص ومن الكنوز ومن المعادن والملاحة » وابن أبي عمير (٢) عن غير واحد عن الصادق عليه‌السلام المروي عن الخصال والمقنع « الخمس من خمسة أشياء : الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة ونسي ابن أبي عمير الخامس » واحمد بن محمد (٣) عن بعض أصحابنا « الخمس من خمسة أشياء الكنوز والمعادن والغوص والمغنم الذي يقاتل عليه ولم يحفظ الخامس » إلى غير ذلك مما هو مستغن بصحة سنده ووضوح دلالته عن الانجبار ، وما هو منجبر بالإجماع المحكي إن لم يكن محصلا خصوصا بالنسبة إلى عدم الفرق في أنواع ما يخرج فما في المدارك من الاقتصار على ذكر صحيحة الحلبي الأولى ثم المناقشة فيها بقصورها عن إفادة التعميم كما ترى.

نعم يجب فيه الخمس بشرط ان يبلغ قيمته دينارا فصاعدا كما هو المشهور نقلا وتحصيلا شهرة كادت تكون إجماعا ، بل في التذكرة والمنتهى نسبته إلى علمائنا ، بل في الثاني لا يعتبر في الزائد نصاب إجماعا ، بل لو زاد قليلا أو كثيرا وجب الخمس فيه ، كما انه في التنقيح اتفق الأصحاب على اعتبار دينار ، وفي الحدائق « اتفق الأصحاب قديما وحديثا على نصاب الدينار في الغوص » إلى آخره ، مضافا إلى الأصل ومفهوم الخبر السابق ، بل الإجماع بقسميه بالنسبة إلى عدم الخمس في الناقص عن ذلك ، وإلى إطلاق الأدلة ومنطوق ذلك الخبر المعتضد والمنجبر بما عرفت بالنسبة للوجوب في الزائد عليه ، فما عن غرية المفيد من اعتبار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ١١.

٤٠