جواهر الكلام - ج ١٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

مضافا إلى آية المباشرة (١) بناء على إرادة ما يشمله من الاذن في المباشرة فيها كي يكون المنهي عنه في الصوم المباشرة في القبل والدبر ، ومتى كان محرما فيه أفسد إجماعا ، بل لو سلم إرادة خصوص الوطء في القبل من إباحة المباشرة بناء على حرمة الوطء في الدبر في نفسه أمكن دعوى استفادة حرمة أخرى من جهة الصوم للوطء فيه ، وبها يتم المطلوب ، لكن لا يخفى عليك بعده ، والأمر سهل بعد عدم انحصار الدليل في ذلك ، بل قد عرفت الإجماع وغيره ، مضافا إلى‌ صحيح ابن الحجاج (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني قال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع » كمرسل ابن سوقة (٣) وغيره الدال على تحقق الفساد بصدق الجماع الذي لا ريب في تحققه في الوطء بالدبر ، اللهم إلا ان يدعى انه خلاف المنساق هنا ، ومضافا إلى ما دل على وجوب الغسل به في باب الجنابة بناء على التلازم بينه وبين الإفطار إذا كان بالاختيار ، كما أومأ إليه المصنف والفاضل وغيرهما وإن ناقشه فيه في المدارك والذخيرة ، لكن اعترف أولهما بأنه يلوح ذلك من الأخبار ، قلت : منها ما دل (٤) على تعمد البقاء على الجنابة من الليل أو بعد الانتباه مرتين كما تسمع إن شاء الله ، كل ذلك مضافا إلى الفتاوى ، بل يمكن دعوى الإجماع المركب ، وفي معقد إجماع الغنية عد في عداد ما يوجب القضاء والكفارة أن يحصل جنبا في نهار الصوم مع تذكر للصوم عن عمد واختيار ، سواء كان ذلك‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٨٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم والباب ١٥ منها ـ الحديث ٢.

٢٢١

بجماع أو غيره ، وسواء كان مبتدئا بذلك فيه أو مستمرا عليه من الليل.

ومن ذلك يظهر لك الوجه في الفساد بوطء البهيمة ، مضافا إلى ما سمعته من نفي الخلاف من الشيخ الذي لا ينافيه ما ذكره أولا من عدم معرفته النص لأصحابنا بعد إرادة الخبر منه لا الفتوى ، بل مقتضاه الفساد به وإن لم يجب الغسل به كما هو المحكي عنه أيضا ، ولعله لقاعدة الشغل بناء عليها أو لصدق الجماع عليه ، واشتراط الغسل بالتقاء الختانين فلا يجب الغسل به ، لعدمه فيه ، وإن فسد به الصوم لصدق الجماع ، أو لأنه المراد من نفي الخلاف الإجماع ، فيكون حينئذ هو الحجة في الفساد به تعبدا وإن لم يجب الغسل به ، نعم يتجه عليه ما قدمناه سابقا من وجوب الكفارة أيضا ، لاتحاد الدليل كما تسمع لذلك تتمة إن شاء الله.

ولا فرق في الموطوء بين الحي والميت ، بل ولا الواطي ، فلو أدخلت المرأة مثلا ذكر ميت في فرجها أو دبرها أفطرت ، لاتحاد المدرك في الجميع.

وكذا لا فرق بعد تحقق اسم الوطء والجماع بين الصغير والكبير ، خصوصا بناء على التلازم بين الغسل والإفطار ، فلو أولج في صغير أو صغيرة من إنسان أو حيوان أفسد صومه ، ولو أولج الصغير في الكبير أو الكبيرة فسد صوم الموطوء ، نعم قد يستشكل في إدخال آلة الطفل الصغير قبل نشوه كما في كشف الأستاذ ، كما انه يستشكل في الفساد بإدخال ذكر البهيمة للإشكال في الغسل وربما ظهر من بعض البطلان أيضا ، وهو لا يخلو من وجه ينشأ من احتمال التلازم بين حكم الواطئية والموطوئية ، ومنه ينقدح وجوب الغسل وإن كان قد تقدم لنا في باب الغسل ما ينفيه.

ويتحقق الجماع عرفا بغيبوبة الحشفة ، ولعله الذي كشف عنه الشارع بالتقاء الختانين ، ومنه يتجه اعتبار دخول مقدارها من المقطوع ، فلو دخل‌

٢٢٢

بجملته ملتويا ولم يبلغ الحد ولو أرسل بلغ فلا فساد.

كما انه لا فساد أيضا مع النسيان والقهر المانع عن الاختيار والشك في الأصل أو في غيبة الحشفة والإيلاج في غير الفرجين بلا إنزال وإدخال غير الذكر من إصبع وغيره ولو طعن بزعم غير الفرج فدخل فيه من غير قصد فلا شي‌ء عليه ، بل وكذا العكس بناء على عدم اعتبار نية القاطع ، ولو ارتفع القهر والنسيان أو طلع الصبح بعد إدخاله فنزعه من حينه فلا بأس ، ولو تراخى فسد الصوم كما هو واضح ، هذا.

وفي كشف الأستاذ « ان جماع الخنثى لمثله مشكلا أولا قبلا أو دبرا يقضي الفساد على الأقوى » وفيه ما لا يخفى مع عدم الانزال ، خصوصا مع عدم الاشكال ، والتحقيق فساد صومها بموطوئيتها دبرا من الرجل ، وبوطئها للمرأة مع وطء الرجل إياها ، وإن كان لا يحكم بفساد صوم كل من الرجل والامرأة بخلافها هي ، اما لو وطئت كل من الخنثى الأخرى فلا قطع بفساد صومهما ، ضرورة احتمال كونهما امرأتين ، ولا جماع بالنسبة إليهما ، والمساحقة لا تفسد ما لم يكن معها إنزال ، وبذلك يظهر لك ما في عبارة الأستاذ من الاجمال ، والله العالم بحقيقة الحال.

وكذا يجب الإمساك في الصوم عن الكذب على الله ورسوله والأئمة عليهم‌السلام بلا خلاف أجده فيه كما في الرياض ، بل قال : ولا في وجوب الإمساك عن مطلق الكذب بل مطلق المحرمات ، وإنما الخلاف في إيجابه الفساد والإفطار الموجب للقضاء والكفارة ، كقول المصنف بعد الحكم بوجوب الإمساك عنه وهل يفسد الصوم بذلك؟ قيل : نعم ، وقيل : لا ، وهو الأشبه مما هو مشعر بمعلومية وجوب الإمساك عنه ، وهو كذلك بالنسبة إلى نفسه كغيره من المحرمات ، أما حرمة أخرى من حيث الصوم على وجه تخصه‌

٢٢٣

دون باقي المحرمات فقد يمنع عدم الخلاف فيه ، بل يمكن نفي الخلاف في عدمه ، وستسمع ما يأتي للمصنف في المقصد الثاني ، ولكن الأمر في ذلك سهل ، نعم هو متجه على القول بالفساد ، فيكون حينئذ محرما من جهتين كما هو المحكي عن الشيخين والقاضي والتقي والسيدين في الانتصار والغنية وغيرهم ، كالأستاذ في كشفه والفاضل في الرياض ، بل في الخلاف نسبته إلى الأكثر ، بل في الدروس إلى المشهور ، بل في الأخيرين الإجماع عليه ، وهو الحجة ، مضافا إلى‌ موثق سماعة (١) « سألته عن رجل كذب في رمضان فقال : قد أفطر وعليه قضاؤه ، فقلت : ما كذبته؟ قال : يكذب على الله ورسوله » وموثقه الآخر (٢) وخبر أبي بصير (٣) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم قال : قلت : هلكنا قال : ليس حيث تذهب ، انما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم‌السلام » كخبره الآخر (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « ان الكذب على الله ورسوله وعلى الأئمة عليهم‌السلام يفطر الصائم » وكذا خبره المروي عن نوادر ابن عيسى (٥) وفي‌ المرفوع (٦) إلى الصادق عليه‌السلام المروي عن الخصال « خمسة أشياء تفطر الصائم : الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم‌السلام » ونحوه المحكي عن فقه الرضا عليه‌السلام (٧).

إلا أنه مع ذلك كله صار أكثر المتأخرين إن لم يكن جميعهم إلى عدم الفساد به ، كما هو المحكي عن المرتضى في الجمل أيضا والعماني ، للأصل وحصر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٦.

(٧) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٢٢٤

المفطر في غيره في الصحيح (١) بعد موهونية الإجماع بمصير أكثر المتأخرين كما عرفت إلى خلافه ، بل في المعتبر دعواه مكابرة ، بل المرتضى الذي هو العمدة في حكاية ابن زهرة له كما لا يخفى على الماهر قد سمعت قوله بخلافه ، والشهرة المحكية في الدروس لم نتحققها ، وبعد الطعن في النصوص سندا واشتمالا على ما لا يقول به الخصم من نقض الوضوء واحتمال القراءة بالصاد المهملة ، فيكون المراد منه نحو المراد من غيره ، كالمروي (٢) عن عقاب الأعمال عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « من اغتاب أخاه المسلم بطل صومه ونقض وضوؤه » إلى آخره ، كوصيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام المروية (٣) عن تحف العقول لابن شعبة « يا علي احذر الغيبة والنميمة ، فإن الغيبة تفطر ، والنميمة توجب عذاب القبر » وقول الباقر عليه‌السلام في خبر محمد بن مسلم (٤) المروي عن الخصال « والغيبة تفطر الصائم وعليه القضاء » وفي كتاب الإقبال (٥) رأيت في أصل من كتب أصحابنا « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إن الكذب يفطر الصائم والنظرة بعد النظرة والظلم كله قليله وكثيره » بل قد يقال : إن المراد بنصوص المقام التعريض بها في قضاة العامة ورواتهم وأتباعهم بقرينة اشتمالها على نقض الوضوء بالكذب ، فيكون المطلوب حينئذ بيان حال صومهم وصلاتهم أي انه لا صوم لهم ولا صلاة بسبب ذلك.

وعلى كل حال فلا ريب ان الأحوط الأول وإن كان الثاني لا يخلو من قوة ، بل المتجه مراعاة الكفارة أيضا كما هو المعروف بين من قال بكونه مفطرا ، لعموم ما دل على وجوبها بالإفطار المفروض تحققه ، وخلو نصوص المقام عنها أعم من عدم وجوبها ، وتسمع إن شاء الله فيما يأتي التحقيق في نظائر المسألة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٩.

٢٢٥

وان المستفاد من النصوص ان الأصل وجوب الكفارة في كل ما تحقق به اسم الإفطار إذا كان على جهة العمد والاختيار لا خصوص المتعارف من أكل المفطرات كالأكل ونحوه.

وكيف كان فالأولى إلحاق الزهراء وباقي الأنبياء والأوصياء عليهم‌السلام لرجوع الكذب عليهم إلى الكذب على الله ، خصوصا بناء على ما في كشف الأستاذ من كون المراد الكذب في نسبة الأحكام الشرعية مستفادة من قول أو فعل أو تقرير دون الأمور العادية والطبيعية ، نعم قال : الاحتياط في تسرية الأحكام إليها وإلى القضاء والفتوى ، وإن كان قد يناقش بأن من الفتوى ما يكون إخبارا ، فمع فرض كونها باطلا كانت كذبا ، وبإطلاق النصوص الظاهر في تناول الأعم من الأحكام الشرعية ، وفي التحرير لا فرق بين الدنيا والدين بناء على الإفطار به ، كظهوره في عدم الفرق بين الرجوع عن الكذب والاخبار من حينه بالصدق وعدمه مع التوبة وعدمها والجهل بالحكم وعدمه ، أما لو نقل قول الكاذب عليهم أو قصد الهزل أو قصد الكذب فبان صدقا بناء على عدم الفساد بلية القطع أو الصدق فبان كذبا أو كان ناسيا للصوم فلا فساد ، وفي كشف الأستاذ أو أفاد المعنى بفعل أو تقرير أو في مقام تقية أو دون البلوغ أي لا فساد ، لكن قد يناقش باحتمال إرادة ما يشمل الأول من الكذب ، خصوصا إذا كان المقصود من الفعل الاخبار ، والتقية عنده ترفع الإثم لا انها ترفع حكم الإفطار من القضاء والمفطر لا فرق فيه بين ما قبل البلوغ وعدمه ، ودعوى ان الإفطار بما هنا من جهة الإثم المفقود في الصبي يمكن منعها ، كما انه قد يناقش في بعض ما ذكره بقوله : لو حدث بحكم صادق ثم قال : كذبت ، أو كاذب فقال : صدقت أو أخرج الخبر الكاذب إلى الإنشاء بعهد أو يمين أو نحوهما أو أخبر بخبر عن إمام‌

٢٢٦

عليه‌السلام مسند إلى واسطة ، أو كذب ليلا فقال : نهارا ما أخبرت به البارحة صدق أو أخبر صادقا في الليل فقال في النهار خبري ذاك كذب ، أو سأله سائل هل قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذا؟ فقال : نعم في مقام لا أولا في مقام نعم ، أو أفاد المعنى بإشارة أو كناية ترتب الفساد ، فلاحظ وتأمل ، ولا فرق بين أقسام الصوم ولا بين اللغات ، نعم يشترط فيه قصد الافهام ، فلو تكلم بالخبر غير موجه خطابه إلى احد أو موجها له إلى من لا يفهم معنى الخطاب فلا فساد ، والله اعلم.

وكذا يجب الإمساك عن الارتماس على المشهور بين الأصحاب بل قيل : إنه إجماع ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبر يعقوب ابن شعيب (١) « لا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم » كقوله في صحيح الحلبي (٢) « لا يرتمس الصائم ولا المحرم رأسه في الماء » وفي مرسل ابن زياد (٣) « أن الحسن الصيقل قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصائم يرتمس في الماء قال : لا ولا المحرم ، قال : وسألته عن الصائم يلبس الثوب المبلول قال : لا » وقال الباقر ع في خبر ابن مسلم (٤) : « الصائم يستنقع في الماء ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب وينضح المروحة وينضح البوريا تحته ، ولا يغمس رأسه في الماء ».

وقيل والقائل المرتضى في المحكي من احد قوليه وابن إدريس وغيرهما : لا يحرم للأصل بل يكره حملا للنهي في النصوص المزبورة عليه بقرينة‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الله بن سنان (٥) : « يكره للصائم أن يرتمس في الماء » والتعبير به فيه وفي لبس الثوب المبلول المعلوم أنه للكراهة في خبر الصيقل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٨ عن حماد عن حريز.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٩.

٢٢٧

وفيه ان الأصل مقطوع بما سمعت مما لا يقبل حمله على الكراهة ، كمحكي الإجماع بل خبر ابن مسلم كالصريح في نفيها عند التأمل ، مضافا إلى عدم المقتضي ، وخبر ابن سنان بعد الطعن في سنده يمكن إرادة الحرمة من الكراهة فيه ، بل هو أولى من حمل النهي في النصوص السابقة عليها ، والجمع بينه وبين الثوب المبلول بلفظ النهي في خبر واحد أعم من الكراهة بعد استقلال كل منهما بنهي.

وبالجملة لا محيص للفقيه عن القول الأول بل هو أشبه واستبعاد كون خصوص غمس الرأس من البدن مفطرا مع فرض عدم دخول شي‌ء من الماء في شي‌ء من المنافذ اجتهاد في مقابلة النص ، كالقول بأنه محرم ولكن لا يوجب قضاء ولا كفارة وإن اختاره المصنف لقوله وهل يفسد الصوم بفعله؟

الأشبه لا تبعا للمحكي عن استبصار الشيخ وتبعه عليه غيره كالفاضل وولده والمحقق الثاني وثاني الشهيدين وغيرهم ، للأصل بعد خلو النصوص عن التعرض لهما حتى حكي عن الشيخ انه قال : لا أعرف حديثا في إيجاب القضاء والكفارة أو أحدهما به ، واقتصارها على النهي المراد منه حقيقة الحرمة التي هي أعم منهما بعد فرض تعلقها بخارج عن العبادة ، لكنه كما ترى هدم للمستفاد في سائر الأبواب من الأحكام الوضعية في أمثال هذه النواهي كالأوامر بقرينة كون المقصد الأهم للشارع بيان الصحة والفساد ، حتى صار ذلك من تفاهم أهل العرف في خطاب المتعلق بعبادة أو معاملة مما يوصف بالصحة والفساد ، وعليه بنوا كثيرا من الشرائط والموانع كما لا يخفى على المتتبع ، ودعوى النهي هنا للاحتياط عن دخول الماء المنافذ لا لأنه مفطر اجتهاد لا دليل عليه ، كل ذلك مضافا إلى ظهور خبر الخصال (١) المتقدم في المسألة السابقة في انه من المفطرات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٦.

٢٢٨

وانه كالأكل والشرب ، بل صراحته في ذلك ، بل وصحيح ابن مسلم (١) « لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء » وغير ذلك مما هو دال على كونه مفطرا بعد قطع النظر عن محكي الإجماع المؤيد بالشهرة العظيمة ، وخبر إسحاق بن عمار (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل صائم ارتمس في الماء متعمدا عليه قضاء ذلك اليوم قال : ليس عليه قضاء ولا يعودن » قاصر عن المعارضة سندا ودلالة من وجوه.

بل المتجه إيجاب الكفارة مع القضاء بناء على ما ستعرف من ظهور الأدلة في وجوبها بكل مفسد للصوم ، بل هي من معقد محكي الإجماع ، فالقول بوجوب القضاء فيه خاصة كما عن أبي الصلاح للأصل ضعيف أيضا لما عرفت ، وخلو النصوص عن التعرض غير قادح بعد ظهور نصوص أخر فيه ، على أن عدها إياه هنا مع الأكل والشرب في الصحيح وغيره لا يخلو من إشعار باتحاد الحكم فيها ، ولعله لذا قال في المحكي عن المبسوط : إن وجوب القضاء والكفارة به أظهر في الروايات.

وكيف كان فالمراد من الارتماس هنا غمس الرأس خاصة لا جميع البدن كما صرح به غير واحد ، بل لا أجد فيه خلافا بل ولا ترددا عدا ما سمعته من الدروس لتعلق النهي به فيما سمعت من النص (٣) الذي لا ينافيه إطلاق الارتماس في آخر (٤) فيكفي حينئذ في ترتب الحكم غمسه وإن كان البدن كله خارجا ، والظاهر أن المراد غمسه دفعة للغسل أو للتبريد. فلو غمسه على التعاقب لم يتعلق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢ و ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٢٢٩

الحكم وإن احتمله في المدارك ، لكن لا ريب في ضعفه ، نعم لو غمسه تدريجا حتى انتهى إلى حصول تمام رأسه تحت الماء حينا ترتب الحكم ، وعلى كل حال فما في الدروس بعد أن ذكر المفطرات الثمانية التي منها الارتماس ولو غمس رأسه دفعة أو على التعاقب ففي إلحاقه بالارتماس نظر ، نعم لو سبق الماء إلى حلقه قضى ولو سبق في الأغسال الواجبة أو المستحبة فلا شي‌ء ، وفي التبرد احتمال لا يخلو من نظر بل منع وإن كان هو ظاهر المتن وغيره ممن عبر بالارتماس الظاهر في ارتماس البدن جميعه ، لكن قد عرفت أن ظاهر الأدلة خلافه.

ثم إن المنساق إلى الذهن من الرأس هنا تمام ما فوق الرقبة ، وفي المدارك لا يبعد تعلق التحريم بغمس المنافذ كلها دفعة وإن كانت منابت الشعر خارجة من الماء ، وفيه أنه مبني على كون منشأ الحكم الاحتياط في عدم إدخال الماء المنافذ ، وليس في شي‌ء من النصوص إشعار به ، نعم لا يقدح في الصدق خروج الشعر وحده من الماء ، كما انه لا بأس بالإفاضة ونحوها مما لا يسمى ارتماسا وإن كثر الماء ، بل لا بأس برمس بعضه في الماء وإن كان ما فيه المنافذ ، ولو شك في التمام بنى على الصحة ، وخبر العدل فضلا عن العدلين بدخوله تماما يقوم مقام العلم على الأقوى ، وفي كشف الأستاذ « أما سد المنافذ وإدخال الرأس في مانع من وصول الماء اليه متصلا به فلا يرفع حكم الغمس ، وفي المنفصل يقوى رفعه » وفي الأول نظر واضح ، ضرورة كون الرأس اسما للبشرة ، وذو الرأسين يبطل بغمسهما معا ما لم يكن أحدهما زائدا ، فيكون المدار على الأصلي ، مع أن طريق الاحتياط أسلم ، وما كان منه عن نسيان أو قهر أو سقوط من غير اختيار أو إلقاء نفسه زاعما أن الإلقاء لا يسبب انغماس الرأس بالماء لا يبعث على فساد ، فحينئذ الناسي لا يفسد صومه ولا غسله ، كما أن العامد يفسدان معا بالنسبة اليه ، ولو ارتمس في المغصوب أو فيما كان في آنية من أحد النقدين ناسيا للصوم بطل غسله دون صومه ، ولو توقف‌

٢٣٠

خروج نفس محترمة أو مال كذلك عليه صح الغسل وفسد الصوم ، وكذا إذا كان الصوم نافلة أو واجبا موسعا ، وفي المدارك احتمال حرمته تعبدا بناء على أنه محرم غير مفسد كالتكفير في النافلة ، قال : « إطلاق النص وكلام الأصحاب يقتضي أنه لا فرق في هذا الحكم بين صوم الفريضة والنافلة ، ثم إن قلنا : إنه مفسد جاز فعله في صوم النافلة كغيره من المفطرات ، وإن قلنا بالتحريم خاصة كما هو الظاهر احتمل التحريم في صوم النافلة كالتكفير في الصلاة المندوبة ، والإباحة إما لقصور الأخبار المانعة عن إفادة العموم أو لأنه إذا جاز تناول المفطر جاز فعل ما هو مظنة له بطريق أولى » قلت : هذا كله يؤيد ما قلناه من إرادة الفساد من نحو هذا النهي ، ضرورة إطلاق الصوم في النصوص ، وإرادة الحرمة منه خاصة في النافلة بل الواجب الموسع مع جواز الابطال فيهما كما ترى لا يقبله ذوق فقيه ، وكذا التكفير ، فتأمل جيدا ، هذا.

وفي المسالك بعد أن حكم أن الأصح الحرمة من غير إبطال قال : « وتظهر فائدة التحريم فيما لو ارتمس في غسل مشروع فإنه يقع فاسدا للنهي عن بعض أجزائه المقتضي للفساد في العبادة ، ولو كان ناسيا ارتفع حدثه ، لعدم توجه النهي اليه ، والجاهل عامد » وفي المدارك « أنه جيد إن وقع الغسل في حال الأخذ في الارتماس أو الاستقرار في الماء لاستحالة اجتماع الواجب والمحرم في الشي‌ء الواحد اما لو وقع في حال الأخذ في رفع الرأس من الماء ، فإنه يجب الحكم بصحته ، لأن ذلك واجب محض لم يتعلق به نهي أصلا ، فينتفي المقتضي للفساد » وفي الذخيرة بعد أن حكاه عن المدارك « هو حسن إن كان الغسل يتحقق بإخراج البدن من الماء ، لكن لي في ذلك تأمل ، لأن المتبادر من الغسل المأمور به في الأخبار غير ذلك ، وبالجملة لا يحصل اليقين بامتثال التكليف بهذا الفعل » قلت : قد بينا في محله أن المراد من الغسل ما يشمل ذلك ، فلاحظ.

٢٣١

ثم لا يخفى أن مراد الشهيد التفريع على الحرمة خاصة ، وإلا فعلى البطلان لا ينبغي التأمل في الصحة بكل ما يصدق معه الارتماس في حال المكث أو الخروج أو غيرهما بعد حصول المبطل منه للصوم ، وحينئذ فالمتجه الحرمة بالارتماس والمكث والخروج بناء على أن ما بالاختيار لا ينافي الاختيار ، فهو كالداخل في الدار المغصوبة ، فإنه يأثم بخروجه منها وإن كلف به كما تقرر في محله ، فيتجه بناء على ذلك ما أطلقه الشهيد ، بل منه يظهر أيضا ما في المدارك من أن الأظهر مساواة الجاهل للناسي في الصحة ، لاشتراكهما في عدم توجه النهي وإن أثم الجاهل بتقصيره في التعلم ، ضرورة إمكان منعه عليه ، وأنه لا مانع من توجه النهي إليه بعد أن كان التقصير بسوء اختياره ، والأمر سهل ، هذا.

وألحق بعضهم كالشهيد الثاني وغيره غير الماء من المائعات به في حكم الارتماس ، بل قال في المسالك : « في حكم الماء مطلق المائع وإن كان مضافا كما نبه عليه بعض أهل اللغة والفقهاء » قلت : قد يشكل بأن الموجود في النصوص التقييد بالماء ، اللهم إلا أن يقال إنه غير مناف للمطلق ، فلا يتقيد به ، نعم قد يمنع انسياق المطلق لما يشمل الارتماس بكل مائع ، بل أقصى ما يسلم منه الماء المضاف ونحوه ، ولعله لذا قال الأستاذ في كشفه ويقوى عدم إدخال باقي المائعات في حكم الرمس إلا ما كان من المياه المضافة ونحوها في وجه قوي ، ولكن مع ذلك الاحتياط لا ينبغي تركه ، والله أعلم.

وفي إيصال الغبار الغليظ من الدقيق والتراب أو غيرهما إلى ما يحكم معه بالإفطار من الحلق خلاف والأظهر التحريم وفساد الصوم وفاقا للمشهور ، بل لم أجد فيه خلافا بين القائلين بعموم المفطر للمعتاد وغيره إلا من المصنف في المعتبر فتردد فيه ، كما اعترف بذلك الفاضل في الرياض ، بل ظاهر‌

٢٣٢

الغنية والتنقيح وصريح السرائر ومحكي نهج الحق الإجماع عليه ، ومن ذلك يعلم ما في قول المصنف : « خلاف » اللهم إلا أن يريد المرتضى ومن تبعه على القول باختصاص المفطر بالمعتاد ، لكن كان عليه حينئذ تقييد الغبار بذلك ، أو المفيد لقوله فيما حكي عنه : « ويجتنب الصائم الرائحة الغليظة والغبرة التي تصل إلى الجوف ، فان ذلك نقص في الصوم » بناء على أن مراده نقص فضيلة الصوم ، لكن فيه أن من المحتمل القراءة بالضاد المعجمة ، بل هو متعين ، لقوله في موضع آخر على ما حكي عنه : « وإن تعمد الكون في مكان فيه غبرة كثيرة أو رائحة غليظة وله غناء عن الكون فيه فدخل حلقه شي‌ء من ذلك وجب عليه القضاء ».

وكيف كان فلم نتحقق ما ذكره المصنف من الخلاف ، نعم هو متحقق بالنسبة إلى القضاء خاصة أو مع الكفارة ، وهو شي‌ء آخر ، مع أن الأقوى فيه وجوبهما معا به بناء على ما عرفت وتعرف من وجوبهما بكل مفطر مع العمد والاختيار لا خصوص الأكل ونحوه ، مضافا إلى خصوص‌ خبر المروزي (١) الذي هو دليل الأصحاب في المقام على أصل الإفطار به ، قال : « سمعته يقول : إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين ، فان ذلك له مفطر كالأكل والشرب والنكاح » وإضماره ـ بعد معلومية عروضه من تقطيع الأخبار لا من أصل الرواية كما بين في محله ـ غير قادح ، فلا جهة للمناقشة فيه بذلك ، وأنه لا يجدي في دفعه الانجبار بالشهرة ، ضرورة عدم ثبوت كونه خبرا حتى تجبره الشهرة ، كما انه لا يقدح فيه اشتماله على ما لا نقول به من الإفطار من شم الرائحة والمضمضة والاستنشاق بعد أن تبين في محله كون الخبر الواحد وإن كان نحو المقام مما كان الجواب فيه متحدا عن الجميع بمنزلة الأخبار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٢٣٣

المتعددة ، مع أنه يمكن فرضها جميعا على وجه يوجب ذلك وان كان بعيدا ، بل نحن في غنية عنه بناء على اندراج نحوه في الإطلاقات ، لعدم اعتبار الاعتياد في المفطر ، مضافا إلى محكي الإجماع وغيره ، فما في المعتبر ـ من أن هذه الرواية فيها ضعف ، لأنا لا نعلم القائل ، وليس الغبار كالأكل والشرب ولا كابتلاع الحصى والبرد ـ واضح الضعف ، وإن كان يشهد له‌ الموثق (١) عن الرضا عليه‌السلام « سألته عن الصائم يدخن بعود أو بغير ذلك فيدخل الدخنة في حلقه قال : لا بأس وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه قال : لا بأس » المؤيد بالأصل ، وصحيح الحصر (٢) في غيره الواجب تقييدهما بما سمعت ، كوجوب حمل الموثق المزبور بعد ما عرفت من قصوره عن المقاومة من وجوه ، منها ما قيل من موافقته العامة على دخول الغبار لا إيصاله اليه ولو بفعل باعث عليه ، والمفطر عندنا الثاني لا الأول الذي هو ما يوصله الهواء من دون قصد ، بل في كشف الأستاذ « انه لا يلزم سد الفم والأنف من غبار الهواء ، ويلزم عما يحدث بكنس أو نسفه أو تقليب طعام أو حفر أرض ونحوها » وظاهره الفرق بين ترك التحفظ من الهواء وبين تركه من الكنس ونحوه سواء كان منه أو من غيره كما صرح به قبل ذلك ، قال : « ثالثها وصول الغبار الغليظ إلى الجوف بإيصاله اليه أو بفعل باعث عليه منه أو من غيره » وهو مشكل بناء على أن الإفطار به لإطلاق النصوص باعتبار دخول الأجزاء الجوف لا لخصوص الخبر المزبور ، وإلا كان المتجه الاقتصار على ما إذا كان الباعث منه خاصة لا الأعم منه ومن غيره عدا الهواء ونحوه ، وفي تعليق الإرشاد الإيصال تمكينه من الوصول بأن لا يتحفظ مع التمكن منه ، بل قد يشكل بناء على ما ذكرنا تقييده بالغليظ كما وقع من الأستاذ وغيره ، بل نسب إلى الأكثر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٢٣٤

ومال اليه بعض متأخري المتأخرين معللا له بالاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن وفرع عليه في الكشف عدم البطلان بالشك ـ في دخول الغليظ والوصول إلى الجوف ، وخروج آثار الغبار بنخامته وبضاقه لا يدل على غلظه ، إذ قد يحصل من استمرار الخفيف ، لكن لا يخفى عليك أن المتجه الإفطار به وإن لم يكن غليظا ، بناء على أن المدارك الإطلاق ، بل ولو قلنا الخبر المزبور ، إذ هو مطلق أيضا ، ولقد أجاد في المدارك والذخيرة حيث قال : « إن الاعتبار يقتضي عدم الفرق » لكن في الرياض « أن التقييد لا يخلو من قوة لا للجمع لعدم شاهد عليه ، بل لعدم دليل على الابطال على الإطلاق سوى الرواية ، وهي لقطعها وعدم معلومية المسؤول عنه فيها لا تصلح للحجية وإن حصلت معها الشهرة ، لأنها انما تجبر الرواية المسندة لا المقطوعة ، ولا إجماع على الإطلاق ، لوقوع الخلاف فيما عدا الغليظ مع شهرة التقييد به كما عرفته » وفيه أن القطع غير قادح بعد ما ذكرناه في محله ، ومعقد بعض الإجماع مطلق أيضا ، مضافا إلى ما يظهر من الفاضل وغيره من أن مدرك الإفطار به الإطلاقات وأنه كابتلاع غير المعتاد لا خصوص الخبر ، وفي المسالك لم يقيد المصنف الغبار بكونه غليظا كما فعله جماعة وورد في بعض الأخبار ، والظاهر أن عدم القيد أجود لأن الغبار المتعدي إلى الحلق نوع من المتناولات وإن كان غير معتاد ، فيحرم ويفسد الصوم ويجب به الكفارة سواء في ذلك الغليظ والرقيق ، بل الحكم فيه أغلظ من المأكول إذا كان غبار ما يحرم تناوله ، وهو جيد جدا ، نعم ينبغي أن يستثنى ما يعسر التحرز منه ، كما أنه ينبغي أن يعلم انه مطلقا غير مفطر مع النسيان والقهر إلا إذا خرج إلى فضاء الفم بهيئة الطين فابتلعه ، فإنه يفسد حينئذ ويأتم.

وعلى كل حال فعن أكثر المتأخرين إلحاق الدخان الغليظ به الذي يحصل منه جزء يتعدى إلى الحلق ، بل في المدارك نسبته إلى المتأخرين ، وقد يشكل‌

٢٣٥

بمنافاته للأصل وغيره ، ولذا مال إلى العدم في المدارك والذخيرة ، وفي كشف الأستاذ « انه غير مفطر إلا لمن اعتاده وتلذذ به ، فقام عنده مقام القوت ، فإنه أشد من الغبار ، وكذا البخار غير مفطر إلا مع الغلبة والاستدامة ، فإنه إذا فقد الماء قد يقوم هذا مقامه ، والأحوط تجنب الغليظ منها مطلقا » وفيه ما لا يخفى مما لا يرجع إلى دليل معتبر ، نعم قد يقال بالإفطار به بناء على شمول الإطلاقات للغبار باعتبار كونه أجزاء وصلت إلى الجوف بالحلق ، والمفروض عدم اعتبار الاعتياد بالمفطر ، ومثله يجري في الدخان الذي هو أشد من الغبار في بعض الأحوال ، فالقول بكونه مفطرا خصوصا بالنسبة إلى بعض الأشخاص الذين يستعملون التنباك لا يخلو من قوة ، بل يجب معه القضاء والكفارة كالغبار ، لما عرفت ، ولسلب الاسم معه في عرف المتشرعة ، وخبر الدخنة (١) يمكن حمله على اتفاق الدخول لا المقصود منه ، أو على الحلق دون الجوف ، أو نحو ذلك ، والله أعلم.

ويجب أيضا الإمساك عن البقاء على الجنابة عامدا حتى يطلع الفجر من غير ضرورة على الأشهر بل المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل هي كذلك في الخلاف والوسيلة والغنية والسرائر وظاهر التذكرة كالمحكي عن الانتصار وظاهر المنتهى أيضا ، بل هو إن لم يكن محصلا يمكن دعوى تواتره ، كالنصوص (٢) التي فيها الصحيح وغيره القريبة من التواتر ، بل لعلها كذلك كما في الرياض ، خصوصا إذا لوحظ معها ما دل من النصوص على فساد الصوم بتعمد الجنابة في النهار بتقريب ان ذلك ليس إلا لمنافاة تعمد الجنابة للصوم بل ما نحن فيه اولى بالبطلان باعتبار سبق انعقاد الصوم وعدمه ، كما صرح بذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم.

٢٣٦

في المختلف ومحكي المنتهى وأومأ إليه في المعتبر ، بل عن الانتصار « ليس لهم ان يقولوا إن حكم الجنابة لا ينافي الصوم بدلالة انه قد يحتلم نهارا ويؤخر اغتساله ولا فساد ، لأنا لم نوجب ذلك للمنافاة بين الجنابة والصوم ، بل لأنه اعتمد لأن يكون جنبا في نهار الصوم ، وليس كذلك من احتلم نهارا أو استمر على حاله ، لأن كونه جنبا في هذا الحال من غير اعتماد ، ولأن بقاءه على الجنابة الواقعة بالاحتلام ليس بأكثر من حصول الجنابة في النهار ، وأما الجنابة الواقعة في الليل وتمكن من إزالتها فقد اعتمد أن يكون جنبا في النهار ، فاختلف الموضوعان.

وعلى كل حال فالحكم من القطعيات ، بل لم أتحقق فيه خلافا ، ورواية‌ الصدوق في المقنع خبر حماد بن عثمان (١) قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل فأخر الغسل إلى ان يطلع الفجر فقال له : قد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجامع نساءه من أول الليل ويؤخر الغسل إلى ان يطلع الفجر ، ولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب يقضي يوما مكانه » أعم من العمل به ، وكونه لا يروي إلا ما يعمل به غير ثابت ، على انه محجوج بما عرفت من الإجماعات والنصوص التي لا يعارضها غيرها ، إذ هو بين مطلق غير مساق لذلك يجب تقييده بها ، كقوله تعالى (٢) ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ) وقوله (٣) ( فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ) إلى ( حَتّى يَتَبَيَّنَ ) وبين ما يجب تأويله إلى ذلك وإن بعد ، لقصوره عن المقاومة من وجوه ، كصحيح العيص (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أول الليل فأخر الغسل حتى يطلع الفجر قال : يتم يومه ولا شي‌ء عليه » المحمول على غير العمد ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٨٣.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ١٨٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٤.

٢٣٧

أو الفجر الكاذب أو كاد ان يطلع أو الضرورة لإعواز الماء أو التقية ، لأن العدم مذهب الجمهور كما في المعتبر والتذكرة ، ويؤيده النسبة إلى عائشة ، ولا ينافيه النسبة إلى الأقشاب في خبر الحماد المحمول على التأكيد في التقية بقرينة ما فيه من انه كان يجامع نساءه من أول الليل ويؤخر الغسل حتى يطلع الفجر ويفوته وقت الفضيلة التي لا ينبغي ان ينسب إلى من له أدنى رابطة في الدين ، فضلا عمن هو أساسه ونظامه والمتأسي بأفعاله وأقواله ، مع ظهور « كان » في استمرار ذلك منه ، مع أن صلاة الليل واجبة عليه اتفاقا بعد الإغضاء عن حرمة شهر رمضان ونوافله وإحياء ليلة بالعبادة فلا يشك من له أدنى ممارسة لكلماتهم في أن ذلك منهم خارج مخرج التقية ، أو التعريض بهم على نحو الاستهزاء والسخرية بهم وبعائشة التي روت لهم ذلك ، وكذا‌ صحيح حبيب الخثعمي (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلي صلاة الليل في شهر رمضان ثم يجنب ثم يؤخر الغسل متعمدا حتى يطلع الفجر » ورواية إسماعيل بن عيسى (٢) قال : « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن رجل أصابته جنابة في شهر رمضان فنام عمدا حتى أصبح أي شي‌ء عليه؟ قال : لا يضره هذا ولا يفطر ولا يبالي ، فان أبي عليه‌السلام قال : قالت عائشة : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصبح جنبا من جماع من غير احتلام » ونحوه خبر سعد بن إسماعيل (٣) بل وصحيح القماط (٤) سئل الصادق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٦.

(٣) ليس لسعد بن إسماعيل رواية عن الإمام (ع) بهذا المضمون نعم روى في الاستبصار ج ٢ ص ٨٥ ـ الرقم ٢٦٦ نحو ذلك عن سعد بن إسماعيل عن أبيه إسماعيل بن عيسى وأشار إليه في الوسائل أيضا.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١ وليس فيه « أو على غير العمد ».

٢٣٨

عليه‌السلام « عمن أجنب في أول الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح قال : لا شي‌ء عليه ، وذلك أن جنابته كانت في وقت حلال أو على غير العمد » وكذا‌ خبر سليمان (١) بن أبي زينبة « كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه‌السلام أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل فأخر الغسل حتى طلع الفجر فكتب إلى بخطه أعرفه مع مصادف يغتسل من جنابته ويتم صومه ولا شي‌ء عليه ».

وبالجملة لا بد من طرحها وتأويلها ، لقصورها عن المقاومة من وجوه ، منها إعراض الأصحاب ، وللعلم أو الظن المتاخم له بأنها صدرت غير مراد منها ظاهرها كما هو واضح ، بل المتجه وجوب الكفارة مع القضاء فيه ، لإطلاق ما دل على وجوبها في فساده ، وخصوص‌ خبر سليمان بن جعفر المروزي (٢) عن الفقيه عليه‌السلام قال : « إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل يومه » وخبر إبراهيم بن عبد الحميد (٣) عن بعض مواليه « سألته عن احتلام الصائم فقال : إذا احتلم نهارا في شهر رمضان فليس له أن ينام حتى يغتسل ، وإن أجنب ليلا في شهر رمضان فلا ينام ساعة حتى يغتسل ، فمن أجنب في شهر رمضان فنام حتى يصبح فعليه عتق رقبة ، أو إطعام ستين مسكينا ، وقضاء ذلك اليوم ، ويتم صيامه ولم يدركه أبدا » وموثق أبي بصير (٤) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثم ترك الغسل متعمدا حتى أصبح قال : يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستين مسكينا ، قال : وقال : إنه خليق أن لا أراه يدركه أبدا » لكن في المدارك أن هذه الروايات كلها ضعيفة السند ، فيشكل التعويل عليها في إثبات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

٢٣٩

حكم مخالف للأصل ، ومن هنا يظهر رجحان ما ذهب اليه ابن أبي عقيل والمرتضى من ان الواجب بذلك القضاء دون الكفارة ، أما الحائض والمستحاضة والنفساء فينبغي للقطع بعدم ترتب ذلك عليهن مع الإخلال بالغسل تمسكا بمقتضى الأصل السالم من المعارض ، وفيه ـ مع أنا لم نتحقق حكايته عن المرتضى ، بل المنقول عنه في المختلف مذهب المشهور ، كما أن المحكي عنه الخلاف في المسألة ابن أبي عقيل خاصة ـ أن خلافه ـ بعد اتفاق من عداه من الأصحاب على العمل بالأخبار المزبورة ، بل في الخلاف والغنية وعن ظاهر الانتصار الإجماع عليه ـ غير قادح ، بل لا يضر معه ضعف السند ، على أن فيها الموثق وغيره ، مضافا إلى ما دل على وجوب القضاء للإفساد الذي ستعرف أصالة وجوب الكفارة معه ، فحينئذ الأصل يقتضيها لا ينفيها ، واقتصار بعض النصوص أو أكثرها على القضاء لا ينافي وجوبها بالنصوص المزبورة حتى ما تسمعه من صحيح الاستغفار وإن كان فيه كمال الاشعار ، ولو سلم فهي أقوى منها دلالة قطعا ، ولو سلم فهي أرجح منها من وجوه أخر.

ثم إن ظاهر المشهور كما اعترف به في الحدائق عدم الفرق في الفساد بالبقاء عمدا على الجنابة بين شهر رمضان وغيره من أفراد الصوم الواجب معينا أو غيره والمندوب ، ضرورة عدهم له في سلك غيره من المفطرات التي لا يختلف فيها أفراد الصوم ، ثم حكى بعضهم الإجماع على ما هو من جملتها من دون إيماء إلى التفريق بينه وبين غيره ، لكن في المعتبر « ولقائل أن يخص هذا الحكم برمضان دون غيره من الصيام » قلت : كأنه أخذه من اختصاص نصوص المقام على كثرتها فيه ، ولا قياس يقتضي التعدية ، بل قيل : إن‌ صحيح الحلبي (١) منها مشعر بذلك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٢٤٠