جواهر الكلام - ج ١٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والانتصار والخلاف والغنية الإجماع عليه صريحا ولا استبعاد في ذلك ، ضرورة إمكان تأثير النية فيه للدليل وإن طال وتخلل الفصل ، كما أثرت في أجزاء اليوم الواحد وفي النهار مع وقوعها في أول الليل ، فلا مانع حينئذ من ان يكون الثلاثون يوما بالنسبة إلى ذلك كالعمل الواحد بعد اقتضاء الدليل ، وليس المراد من ذلك القياس كي يرد انه ممنوع أولا ، ومع الفارق ثانيا ، ولا ان المراد أنه عمل واحد حقيقة كاليوم الواحد كي يرد عليه ان صوم كل يوم مستقل بنفسه لا تعلق له بما قبله وما بعده شرعا وعرفا ، ولذلك تتعدد الكفارة بتعدده ، ولا يبطل صوم الشهر ببطلان بعض أيامه كالصلاة ، ولا غير ذلك مما هو واضح المنع ، بل المراد التنظير بعد دلالة الدليل ، إلا انه في المقام منحصر في الإجماع المحكي المعتضد بالشهرة القديمة ، فمع القول بحجيته لا محيص عنه هنا ، وعدم الاطلاع عليه من غير جهة النقل غير قادح في حجيته ، كعدم العمل به من جماعة ممن تأخر ، بل ربما قيل إنه المشهور بينهم ، ضرورة معارضته بعمل من تقدم واشتهاره بينهم ، وعدم الصيام لمن لم يبيت الصيام بعد تسليم اعتبار ما دل عليه مخصوص بغير الفرض ، أو يراد من التبييت فيه ما يشمل المقام الذي وقعت النية فيه من أول ليلة ، كما ان دليل المقارنة يجب تخصيصه أو تنزيله على نحو ذلك وقاعدة الشغل بعد تسليم جريانها في نحو المقام يجب الخروج عنها بالدليل المزبور على انه قد اعترف في الذخيرة هنا بعدم اقتضائها القضاء لو خالفها ، ولعله لعدم صدق الفوات به ، فتأمل جيدا.

ومن ذلك كله مال في الرياض وغيره إلى القول به ، بل فيه انه مال إليه في المعتبر أيضا ، إلا انه لا ريب في ان الأولى تجديد النية لكل يوم عملا بالاحتياط قال في محكي المنتهى : « ولو قلنا بالاكتفاء بالنية الواحدة فإن الأولى تجديدها بلا خلاف » ونحوه عن الغنية ، وهما صريحان في جواز تفريق النية في المقام عند‌

٢٠١

القائل بالاكتفاء بالنية الواحدة وإن منعوه منه في غير المقام ، فما وقع من ثاني الشهيدين ـ من إشكاله بأن القائل بالاكتفاء بالنية الواحدة للشهر يجعله عبادة واحدة ، ومن شأن العبادة الواحدة ان لا يجوز تفريق النية على أجزائها ـ في غير محله ، إذ لو سلم امتناع التفريق في غير المقام ، إلا ان ظاهر القائل الجواز هنا بل قد سمعت ما في الغنية والمنتهى ، ولعله لما عرفت من انه ليس عبادة واحدة عندهم كي يتأتى عليه إشكال التفريق ، بل حكمها حكمها من هذه الحيثية الخاصة ، وإلا فلا ريب في عدم ارتباط صوم يوم بآخر كما هو واضح.

نعم في الذخيرة « انه لا يبعد القول بأن كل واحد من الأيام عبادة مستقلة والمجموع أيضا عبادة مستقلة ، فلو قيل بذلك لم يبعد أن يقال المجموع أيضا يحتاج إلى نية ، كما أن الأجزاء تحتاج إليها ، لكن لا أعرف أحدا صرح بهذا » قلت : لوضوح بطلانه باعتبار وضوح عدم مدخلية الاجتماع في العبادة.

ومن ذلك يظهر لك ان المتجه بناء على هذا القول الاجتزاء بنية واحدة لبعض الشهر إذا فاته النية للبعض الآخر لعذر أو غيره ، ضرورة أولوية الاجتزاء بها للبعض منه للجميع ، لكن عن البيان « ان الأوجه عدم الاكتفاء بذلك ، لأن شهر رمضان إما عبادة واحدة أو ثلاثون عبادة ، فلا يجوز ان يجعله قسما آخر » وفي المدارك « ان ضعفه ظاهر ، إذ المفروض كونه عبادة واحدة ، فلا وجه لتفريق النية ، لكن العبادة الواحدة لا يمتنع الإتيان ببعضها لفوات البعض الآخر ، ومتى وجب الإتيان به تعين باعتبار النية فيه على هذا الوجه » قلت : مضافا إلى ما قد عرفت من ان المراد من الوحدة فيه الاجتزاء بالنية الواحدة لا غير.

وكيف كان فهذا الحكم مختص بشهر رمضان ، اما غيره فيجب فيه تجديد النية لكل يوم يوم بلا خلاف أجده فيه ، بل في الدروس الإجماع عليه من غير فرق بين نذر شهر معين أو أيام معينة متتابعة وبين غيرهما ، للقاعدة السالمة عن‌

٢٠٢

المعارض هنا ، لكن عن المنتهى تعليله بأنه عندنا لعدم النص ، وعندهم للفرق بين صوم لا يقع فيه غيره وبين صوم يجوز ان يقع فيه سواه ، وفي المدارك وكان مراده جواز الوقوع لولا النذر ، إذ لا ريب في امتناعه بعده ، واما تعليله بعدم النص فهو مشترك بين صوم شهر رمضان وغيره ، والأمر سهل بعد وضوح المقصود وعلى كل حال فالمشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا انه لا يقع في شهر رمضان صوم غيره واجبا أو مندوبا ، من المكلف بصومه وغيره كالمسافر ونحوه ، بل هو المعروف في الشريعة ، بل كاد يكون من قطعيات أربابها إن لم يكن من ضرورياتها ، لكن عن مبسوط الشيخ « لو كان مسافرا سفر القصر فصام بنية رمضان لم يجزه ، وإن صام بنية التطوع كان جائزا ، وإن كان عليه صوم نذر معين ووافق ذلك شهر رمضان فصام عن النذر وهو حاضر وقع عن رمضان ، ولا يلزمه القضاء لمكان النذر ، وإن كان مسافرا وقع عن النذر وكان عليه القضاء لرمضان ، وكذا إن صام وهو حاضر بنية صوم واجب عليه عن رمضان وقع عن رمضان ولم يجزه عما نواه ، وإن كان مسافرا وقع عما نواه » وهو غريب ، خصوصا بعد‌ مرسل الحسن بن بسام (١) قال : « كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام فيما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر ، فقلت له : جعلت فداك أمس كان من شعبان وأنت صائم واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر فقال : إن ذلك تطوع ولنا ان نفعل ما شئنا ، وهذا فرض وليس لنا ان نفعل إلا ما أمرنا » وكأنه أومأ بذيله إلى ما استدل به هنا غير واحد من أصحابنا من ان العبادة وظيفة متلقاة من الشارع فتتوقف على النقل ، ولم يثبت التعبد في شهر رمضان بصوم سوى الصوم الواجب منه بالأصالة ، فيكون فعله بدعة محرمة ، وزاد في المختلف الاستدلال بقوله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٥.

٢٠٣

تعالى (١) ( فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً ) إلى آخره ، فإن إيجاب العدة يستلزم إيجاب الإفطار ، وب‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « ليس البر الصيام في السفر » إلى ان قال في الجواب عما ذكر دليلا للجواز من انه زمان لا يجب صومه عن رمضان فأجزأه عن غيره كغيره من الأزمنة التي لا يتعين الصوم فيها ، قال : الفرق ان هذا الزمان لا ينفك عن وجوب الصوم عن رمضان ووجوب الإفطار ، بخلاف غيره من الأزمنة ، ولا يجب إفطاره في السفر فأشبه العيد في عدم صحة صومه ، والانصاف ان جميع ذلك محل للنظر ، بل بعضه مصادرة ، فالعمدة حينئذ معلومية عدم وقوع غير رمضان فيه في الشريعة.

وأنه لو نوى غيره فيه واجبا كان أو ندبا لم يقع عما نواه قطعا إذا كان ممن يصح منه شهر رمضان ، وفي الدروس إجماعا فيه وفي غيره من المعين لو نوى فيه غيره ، نعم قد سمعت ما في المبسوط من انه إن نوى ذلك أجزأه عن رمضان دون ما نواه ونحوه عن المرتضى ومعتبر المصنف ، وفي المختلف انه لا يخلو من قوة ، بل هو صريح التذكرة ، لحصول نية القربة ، والزائد عليها باعتبار عدم إمكان وقوعه لغو لا عبرة به ، ولذا لم يحتج إلى نية التعيين التي يحتاج إليها للتمييز بين المنوي وغيره ، وهذا لا يقتضي عدم إيجاب النية أصلا ، ضرورة أعمية وقوع الإمساك من الصوم وغيره ، كما انه لا يرد ان المتجه حينئذ عدم وجوب نية التعيين لو تضيق وقت الصلاة باعتبار عدم وقوع غيرها فيه ، إذ هو ـ مع ندرة فرضه ، وعدم تعين الوقت للصلاة ، لإمكان وقوعها قبله مثلا ـ قد يجاب عنه بمنع كون التعيين فيه كشهر رمضان بحيث لا يصلح وقوع غيره فيه كائنا ما كان كما هو واضح ، وقد ظهر من ذلك حينئذ أن‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٨٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ١١.

٢٠٤

الصوم المأمور به وقع على وجهه وبشرطه ، فكان مجزيا ، ولأنه لا فرق عند التأمل بين الجاهل بكونه شهر رمضان والناسي وبين العالم ، والظاهر الاتفاق على الاجزاء في الأول فكذا الثاني ، قال في التذكرة : « لو نوى الحاضر في رمضان صوما مطلقا وقع عن رمضان إجماعا ، ولو نوى غيره مع الجهل فكذلك ، للاكتفاء بنية القربة في رمضان وقد حصلت ، فلا تضر الضميمة » وفي المدارك أما الوقوع عن رمضان مع الجهالة بالشهر فالظاهر أنه موضع وفاق كما اعترف به بعض الأصحاب في يوم الشك ، والفرق بينهما بارتفاع حكم الخطاب عنهما دونه كما ترى غير صالح لقاعدة تبعية الأفعال للنيات ، لكن قد يناقش بأن إلغاء الزائد على نية التقرب إنما هو بالنسبة إلى وقوع ما نواه ، لا انه لغو بحيث يكون كما لو نوى الصوم المطلق الذي ينصرف إلى شهر رمضان ، ضرورة انه لا دليل على ذلك ، بل معلومية تضاد جزئيات الكلي وان إرادة أحدها تنافي إرادة الآخر تقتضي خلافه ، فلا ريب في اقتضاء القواعد حينئذ البطلان في الفرض باعتبار خلو الفعل عن النية بالخصوص ، وبالإطلاق المنصرف اليه ، ولا يقع عما نواه لعدم صلاحية الزمان ، فدعوى وقوع الصوم المأمور به على وجهه وبشرطه فيكون مجزيا كما ترى.

نعم لو كان الفرض انه نوى صوم شهر رمضان وانه قضاء عما في ذمته مثلا أمكن فيه تقرير ذلك لا انه انما نوى من أول الأمر القضاء مثلا ، وعدم الفرق بين الجاهل وغيره مسلم من حيث القاعدة ، لكن خرجنا عنها فيه للإجماع ولنصوص يوم الشك ، خصوصا خبر الزهري (١) منها الطويل المشتمل على أقسام الصوم ، وعن المقنعة انه‌ ثبت (٢) عن الصادقين عليه‌السلام « انه لو ان رجلا تطوع شهرا وهو لا يعلم انه من شهر رمضان ثم تبين له من بعد صيامه انه كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ١٣.

٢٠٥

من شهر رمضان أجزأ ذلك عن فرض الصيام » فلا يقاس عليه العالم الذي قد نهي عن نية غير رمضان فيه ، ومن هنا كان مختار الحلي والشهيدين وجماعة عدم الاجزاء عنهما في العالم ، بل الظاهر انه لا يجزي وإن جدد النية قبل الزوال ، للأصل السالم عن معارضة ما يقتضي الاجزاء بعد بطلان القياس عندنا على الاجتزاء بالتجديد لناسي النية ونحوه ، أما الجاهل ونحوه فقد عرفت الاجتزاء فيه عن رمضان ، وألحق في الدروس الواجب المعين في رمضان بذلك ، فقال : « ويتأدى رمضان بنية النفل مع عدم علمه ، والأقرب سريانه في غيره من الواجبات المعينة ـ ثم قال ـ : ويتأدى رمضان وكل معين بنية الفرض غيره بطريق الأولى » وظاهره الفرق في رمضان وغيره بين نية النفل وغيره ، ولعله لنصوص يوم الشك واتحاد صنف الواجب بخلاف المندوب ، نعم قد يتوقف في أصل الحكم بتأدي المعين غير رمضان بنية النفل أو فرض آخر غيره ، لعدم الدليل ، وحرمة القياس ، فتأمل جيدا ، وحكم تجديد النية بعد الانكشاف ما تسمعه في يوم الشك ، والله أعلم.

وكيف كان فـ لا يجوز ان يردد نية صومه بين الواجب والندب قطعا بناء على اعتبار نية الوجه بل لا بد من قصد أحدهما تعيينا بل وعلى تقدير عدم اعتبار نية الوجه إذا لم يذكر القربة ، بل ذكرهما مرددا بينهما أما إذا ذكرها فلا بأس ، لأن هذه الضميمة غير منافية للتقرب ، فلا تكون مبطلة بل لو قلنا بصحة العبادة وإن اشتملت على الوجه الذي لا يطابق الواقع فنوى الوجوب في مقام الندب وبالعكس كان الحكم بالصحة هنا أولى ، كما هو واضح ، ودعوى انه مع التعرض للوجه يتعين قصد أحدهما وإن لم نقل بوجوب التعرض عارية عن الدليل ، بل إطلاق الاكتفاء سابقا في رمضان بنية أنه يصوم متقربا إلى الله تعالى مناف لذلك ، واحتمال إرادة ما يتناول الطاعة بالفعل والوجه الذي‌

٢٠٦

يقع عليه من القربة كما ترى ، نعم يمكن ان يريد المصنف وجوب التعيين مع تعدد ما على المكلف من الواجب والمندوب ، فان من الواضح حينئذ عدم جواز الترديد له بل لا بد من التعيين ، لا ان المراد وجوب التعيين في صوم اليوم المشخص الذي لم يرد من المكلف غيره ، فإنه غير متجه بناء على عدم اعتبار نية الوجه قطعا ، كما هو واضح ، والله أعلم.

ولو نوى الوجوب أي وجوب شهر رمضان في صوم آخر يوم من شعبان مع الشك لم يجز عن أحدهما على المشهور بين الأصحاب ، بل في الرياض نسبته إلى عامة من تأخر ، بل عن المبسوط نسبته إلى الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، لبطلانه بالنهي عنه المقتضي للفساد في العبادة ولو كان لشرطها ، قال الصادق عليه‌السلام في موثق سماعة (١) : « إنما يصام يوم الشك من شعبان ، ولا يصومه من شهر رمضان ، لأنه قد نهي ان ينفرد الإنسان بالصيام في يوم الشك ، وانما ينوي من الليل انه يصوم من شعبان ، فان كان من شهر رمضان أجزأ عنه بفضل الله عز وجل وبما وسع على عباده ، ولو لا ذلك لهلك الناس » وفي‌ خبر الزهري (٢) « سمعت علي بن الحسين عليهما‌السلام يقول : يوم الشك أمرنا بصيامه ونهينا عنه ، أمرنا أن يصومه الإنسان على انه من شعبان ، ونهينا ان يصومه على انه من شهر رمضان وهو لم ير الهلال » وفي‌ صحيح هشام (٣) عن الصادق عليه‌السلام « يوم الشك من صامه قضاه وإن كان كذلك يعني من صامه على انه من شهر رمضان بغير رؤية قضاه وإن كان يوما من شهر رمضان ، لأن السنة جاءت في صيامه على انه من شعبان ، ومن خالفها كان عليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ٤ ـ ٨ مع الاختلاف في الثاني.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ٤ ـ ٨ مع الاختلاف في الثاني.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ٥.

٢٠٧

القضاء » وفي‌ صحيح محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من رمضان ، فقال عليه‌السلام : عليه قضاؤه وإن كان كذلك » وقال الصادق عليه‌السلام في خبر الأعشى (٢) : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن صوم ستة أيام : العيدين والتشريق والذي يشك فيه من رمضان » وقال له عبد الكريم (٣) : « إني جعلت على نفسي ان أصوم حتى يقوم القائم عليه‌السلام فقال : لا تصم في السفر ولا العيدين ولا أيام التشريق ولا اليوم الذي يشك فيه » وعن المقنع روايته بزيادة من شهر رمضان.

وعلى كل حال فالمراد ما في النصوص السابقة من النهي عن صومه على انه من شهر رمضان ، إذ صوم يوم الشك لا بهذه النية بل نية انه من شعبان مندوب اليه بلا خلاف فيه بيننا إلا من المفيد فيما حكي عنه ، فكرهه على بعض الوجوه ، وهو شاذ ، بل على خلافه النصوص والإجماع في محكي الانتصار والغنية والخلاف وظاهر غيرها كالتنقيح والروضة ، بل هو أولى من حمل النهي عن صومه فيما سمعت على التقية ، لأنه مذهب جماعة من العامة ، وإن كان يشهد له بعض‌ المعتبرة (٤) « عن اليوم الذي يشك فيه فان الناس يزعمون ان من صامه بمنزلة من أفطر في شهر رمضان فقال : كذبوا ، إن كان من شهر رمضان فهو يوم وفق له ، وإن كان من غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيام » كل ذلك مضافا إلى ما فيه من التشريع المقتضي لعدم تحقق الامتثال ، خلافا لابني أبي عقيل والجنيد فاجتزيا بها عن شهر رمضان لو صادف ، وعن خلاف الشيخ اختياره محتاجا عليه بإجماع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ٧.

٢٠٨

الفرقة وأخبارهم على ان من صام يوم الشك أجزأ عن رمضان ولم يفرقوا ، وهو كما ترى ، ضرورة تحقق الفرق في النص والفتوى ، والأولى الاستدلال عليه بصحيح معاوية (١) وموثق سماعة (٢) الآتيين.

والمناقشة في بعض الأدلة السابقة ـ كصحيح هشام باحتمال قوله : « يعني » إلى آخره من الراوي لا الامام عليه‌السلام فلا يكون حجة ، وصحيح محمد ابن مسلم وما شابهه باحتمال تعلق الجار بيشك بل هو أولى من « يصوم » لقربه والإجماع على ترك العمل به على هذا التقدير لا يقتضي حمله على المعنى الذي يصلح لأن يكون حجة ، إذ لا دليل يعتد به على ذلك ، على أن أقصاه أولوية ذلك من الابطال ، وهي لا تصلح لجعل ذلك المعنى حجة على الدعوى ، ولو سلم فالمعنى المعتمد عليه في هذه الأدلة غير منحصر فيما ذكر لاحتمال الورود مورد التقية ، وهو معنى جيد يصح أن يحمل عليه أخبار أهل العصمة ، بل في الذخيرة احتمال الجمع بين هذه النصوص والنصوص (٣) الدالة على نفي القضاء عمن صام يوم الشك بحمل الأولى على الندب والأخرى على نفي الوجوب ، والتشريع إنما يقتضي الحرمة دون الفساد ـ واضحة الدفع بعدم جريانها في البعض الآخر من النصوص التي سمعتها الذي هو الشاهد لإرادة ذلك في باقي النصوص بل هو الشاهد على أن قوله : « يعني » إلى آخره من الامام عليه‌السلام على أن كونه من الراوي المشافة بالخطاب كاف في المطلوب ، وتعلق الجار بيشك غير قادح بعد أن كشفت النصوص الحال عن صوم يوم الشك وأنه إن صام بنية أنه من رمضان كان عليه قضاؤه ، وإن صام بنية أنه من شعبان أجزأ ، فوجب حينئذ حمل النصوص المطلقة على هذا التفصيل ، فلو سلم تعلقه بيشك كان دالا على المطلوب ، ولا يعارضه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب وجوب الصوم.

٢٠٩

حسن معاوية (١) أو صحيحه قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « الرجل يصوم اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان فيكون كذلك فقال : هو شي‌ء وفق له » وموثق سماعة (٢) « سألته عن اليوم الذي يشك فيه من شهر رمضان لا يدري هو من شعبان أو من رمضان فصامه من شهر رمضان فقال : هو يوم وفق له ولا قضاء عليه » بعد التنزيل على التفصيل المزبور. خصوصا وقد روى الأخير في الكافي « صامه فكان من شهر رمضان » وهو أضبط من غيره ، وكون التشريع يقتضي الحرمة دون الفساد إذا لم يكن في ابتداء النية ولم يخرج الفعل به عن قصد امتثال الأمر المتعلق به ، وما نحن فيه من ذلك.

وكذا المناقشة باحتمال هذه النصوص النهي عن صومه محتسبا له من شهر رمضان وإن لم يظهر كونه كذلك ، فتكون كالنصوص المتضمنة لذلك ، ففي‌ خبر محمد بن الفضيل (٣) عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام « في اليوم الذي يشك فيه ـ إلى أن قال ـ : لا يعجبني أن يتقدم احد بصيام يوم » وفي‌ المرسل (٤) « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : لأن أفطر يوما من شهر رمضان أحب إلى من أن أصوم يوما من شعبان أزيده في شهر رمضان‌ « وفي‌ خبر سهل بن سعد (٥) « سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : الصوم للرؤية والفطر للرؤية ، وليس منا من صام قبل الرؤية للرؤية وأفطر قبل الرؤية للرؤية ، قلت : يا ابن رسول الله فما ترى في صوم يوم الشك؟

فقال : حدثني أبي عن جدي عن آبائه عليهم‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلى من أن أفطر يوما من شهر رمضان » إلى غير ذلك ، ضرورة صراحة بعض النصوص السابقة بعدم العبرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ٩.

٢١٠

به وإن بان أنه من شهر رمضان ، لكن ومع ذلك فالمسألة لا تخلو من إشكال ، ومن هنا كان ما عليه المشهور قويا باعتبار موافقته للاحتياط ، هذا. وفي المدارك وغيرها « لا يخفى أن نية الوجوب مع الشك إنما تتصور من الجاهل الذي يعتقد الوجوب لشبهة ، أما العالم بانتفائه شرعا فلا يتصور منه ملاحظة الوجوب إلا على سبيل التصور ، وهي غير النية فإنها إنما تتحقق مع الاعتقاد كما هو واضح » قلت : هذا جار في غير المقام مما كان من التشريع ، ولعل الصورة كافية في ثبوته وترتب الحكم عليه.

وكيف كان فيوم الشك لو نوى المكلف صومه مندوبا لأنه من شعبان أجزأ عن رمضان إذا انكشف انه منه بلا خلاف أجده فيه ، بل ربما ظهر من المصنف والفاضل نفيه بين المسلمين ، بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكي منهما مستفيض حد الاستفاضة إن لم يكن متواترا كالنصوص (١) التي فيها الصحيح وغيره المتضمنة لبيان وجه الاجزاء من أنه يوم وفق له وقد سمعت أن في خبر الزهري منها التعليل بأن الفرض انما وقع على اليوم بعينه ، ومنه بل ومن التأمل في غيره يستفاد الاجزاء به عن شهر رمضان وإن لم ينوه ندبا بل نواه عن قضاء أو نذر أو نحوهما ، وبالجملة العنوان أنه صامه على أنه من شعبان فبان كونه من رمضان ، وقد سمعت التصريح به في الدروس وانه أولى من الاجتزاء بالمندوب وإن ناقشه فيها في المدارك ، لكنه في غير محله نعم قد يتوجه عليه ما ذكرنا سابقا فلاحظ وتأمل.

ثم إن إطلاق النص والفتوى يقتضي الاجتزاء بذلك وإن لم يجدد النية إذا بان انه من رمضان في أثناء النهار ، لكن في الدروس « ولو نوى الندب وظهر الوجوب جدد نية الوجوب وأجزأ وإن كان بعد الزوال ، وكذا لو نوى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب وجوب الصوم.

٢١١

الوجوب عن سبب فظهر استحقاق صوم اليوم لغيره جدد التعيين ، وهنا يجب التعيين في رمضان » وعن المعتبر أيضا التصريح بوجوب التجديد ، إلا انه قال في المدارك : « انما يتم إذا اعتبرنا ذلك في صوم رمضان ، نعم لا بأس باعتبار التعيين هنا وإن لم يفتقر اليه صوم رمضان ، لتعلق النية بغيره ، فلا ينصرف اليه بغير نية » وفيه انه قد يقال : إن الصرف هنا شرعي لا مدخلية للنية فيه ، ومنه يعلم عدم وجوب التجديد للإطلاق المزبور.

وقد تبين من ذلك كله حكم صوم يوم الشك بنية انه من رمضان أو من شعبان ندبا أو قضاء ونحوه ، أما لو صامه على انه إن كان من شهر رمضان كان واجبا وإلا كان مندوبا فـ قيل والقائل الشيخ في الخلاف والمبسوط والعماني وابن حمزة والفاضل في المختلف والشهيد في جملة من كتبه : يجزي عن رمضان إذا صادفه وقيل والقائل الشيخ في باقي كتبه وابن إدريس والمصنف وأكثر المتأخرين لا يجزي عنه وعليه الإعادة ، وهو الأشبه بأصول المذهب وقواعده ، لأن صوم هذا اليوم انما يقع على وجه الندب على ما يقتضيه الحصر الوارد في النص ، ففعله على خلاف ذلك لا يتحقق به الامتثال ، ودعوى انه نوى الواقع فوجب ان يجزيه ، وانه نوى العبادة على وجهها فوجب ان يخرج عن العهدة ، وان نية القربة كافية وقد نواها ، يدفعها منع الأولين بعد ان عرفت كون الوجه المعتبر الندب خاصة بمقتضى الحصر الوارد في الرواية ، ولا ينافيه كون ذلك اليوم من رمضان ، فان الوجوب انما يتحقق إذا ثبت دخوله لا بدونه ، والوجوب في نفس الأمر لا معنى له ، وأما الثالث فيدفعه انه لا يلزم من الاكتفاء في صوم شهر رمضان بنية القربة الصحة مع إيقاعه على خلاف الوجه المأمور به بل على الوجه المنهي عنه ، وأيضا فإن نية التعيين تسقط فيما علم انه من شهر رمضان لا فيما لم يعلم ، هذا حاصل ما في المدارك‌

٢١٢

والرياض والذخيرة ، نعم في الأخير بعد أن ذكر التشريع دليلا لعدم الاجزاء قال : « ويرد عليه ان غاية ما يستفاد من ذلك تحريم بعض خصوصيات النية ، ولا يلزم منه فساد الصوم ، والحق ان إثبات وجوب القضاء لو صامه على الوجه المذكور في غاية الإشكال » قلت : يقوى في النظر عدم وجوب القضاء إذا كان قد نوى القربة المطلقة ، والترديد انما هو في الشي‌ء في نفسه وفي حد ذاته لا انه ترديد في النية ، إذ هو كالترديد لاحتمال طرو العارض من حيض أو سفر الذي صرح بصحة الصوم معه ، وانه ليس من الترديد في النية ، ولعله بذلك يمكن رجوع النزاع هنا إلى لفظ ، ضرورة ان من المستبعد القول بالصحة مع فرض كون الترديد في النية ، وما في الدروس ـ من انه يشترط الجزم مع علم اليوم ، وفي يوم الشك بالتردد قول قوي ـ يجب حمله على ما ذكرنا ، لقوله في التذكرة لو نوى انه يصومه عن رمضان أو نافلة لم يصح إجماعا ، كما ان من المستبعد القول بالعدم إذا كان بالفرض الذي ذكرنا ، ودعوى توقف الصحة على نية الندب المقابل للوجوب وعلى كونه من شعبان يمكن منعها ، إذ المسلم البطلان مع نية انه من شهر رمضان خاصة ، فتأمل جيدا ، هذا. ولا يخفى ان موضوع هذه المسألة أخص من موضوع المسألة السابقة يعني قوله : « ولا يجوز أن يردد » إلى آخره لاختصاص هذه بصوم يوم الشك وإطلاق تلك ، فما عن بعض الشارحين من اتحاد المسألتين وانها مكررة ليس بجيد.

ولو أصبح في يوم الشك بنية الإفطار ثم بان انه من الشهر جدد النية إذا كان لم يفعل ما يقتضي الإفطار واجتزأ به كغيره من أفراد الجاهلين والناسين بلا خلاف أجده فيه ، بل لعل الإجماع بقسميه عليه كما عرفته سابقا ، إذ المسألة من واد واحد وإن كان ذلك بعد الزوال أمسك وجوبا بلا خلاف ، بل عن ظاهر المنتهى انه لم يخالف فيه أحد من علمائنا إلا النادر‌

٢١٣

من العامة وعن الخلاف الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد اعتضاده بما عرفت ، وبما قيل من عموم عدم سقوط الميسور بالمعسور بناء على أن الواجب عليه الصوم مع النية فإذا فاتت لم يفت ، وإن كان هو كما ترى ، والمعروف بين الأصحاب عدم الاجتزاء بهذا الإمساك وان عليه القضاء لعدم كونه صوما معتبرا باعتبار فوات وقت النية منه ، إذ ما بعد الزوال ليس منه كما عرفت ، ووجوب الإمساك أعم من كونه صوما معتبرا ، خلافا للإسكافي فساوى بين ما قبل الزوال وبعده ، فيجدد النية ويجزي به ، ولا ريب في ضعفه كما تقدم سابقا ، فلاحظ وتأمل.

فروع بقي في المقام فروع كثيرة ذكر المصنف منها ثلاثة‌ الفرع الأول تجديد نية الإفطار قبل الزوال الأول ما تقدمت الإشارة إليه سابقا من أنه لو نوى الإفطار في يوم من شهر رمضان عصيانا ثم تاب فـ جدد النية قبل الزوال فالمعروف بين الأصحاب كما في المدارك وإن نسبه المصنف إلى ال قيل مشعرا بتمريضه انه لا ينعقد وعليه القضاء لأن الإخلال بالنية في جزء من الصوم يقتضي فساد ذلك الجزء لفساد شرطه ، ويلزم منه فساد الكل ، لأن الصوم لا يتبعض ، فيجب قضاؤه ، ودليل التجديد المخالف للقواعد غير شامل لما نحن فيه قطعا ، بل قد عرفت فيما تقدم القول بوجوب الكفارة بذلك فضلا عن القضاء وأن قول المصنف لو قيل بانعقاده كان أشبه في غاية الضعف ، وفي المسالك انما يتجه على القول بالاجتزاء بالنية الواحدة للشهر كله مع تقدمها ، أو على القول بجواز تأخير النية إلى ما قبل الزوال ، وفيه أن القول الثاني غير متحقق ، واللازم على الأول عدم اعتبار تجديد النية مطلقا للاكتفاء بالنية السابقة.

الفرع الثاني لو عقد نية الصوم ثم نوى الإفطار ولم يفطر ثم جدد النية الثاني لو عقد نية الصوم ثم نوى الإفطار ولم يفطر ثم جدد النية كان صحيحا وفاقا للأكثر في الذخيرة ، وللمشهور في المدارك استصحابا للصحة‌

٢١٤

السابقة بعد السلامة عن المعارض ، لحصر الناقض للصوم في‌ صحيح ابن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء » ولأن نية الإفطار إنما تنافي نية الصوم لا حكمها الثابت بالانعقاد الذي لا ينافيه النوم إجماعا ، ولأن النية لا يجب تجديدها في كل أزمنة الصوم إجماعا ، فلا تتحقق المنافاة ، خلافا للمحكي عن أبي الصلاح فجزم بالفساد بذلك ، بل جعله موجبا للقضاء والكفارة ، وإن خالفه فيه الفاضل في المختلف للأصل السالم عن المعارض بعد أن وافقه على الأول لفوات الشرط الذي هو النية التي كان مقتضى الأصل اعتبارها في جميع أجزاء العبادة ، إلا انه للمشقة والحرج اعتبر فيما عدا الابتداء حكمها المفسر بأن لا يأتي بنية تخالفها ولا ينوي قطعها ، فمع أحدهما تفوت النية حينئذ حقيقة وحكما ، فيبطل الفعل خصوصا في نحو الصوم الذي لا يتبعض ، فإذا فسد جزء منه بفوات النية فسد جميعه ، كما هو واضح.

ومرجع الجميع من الطرفين الى اعتبار استمرار النية في الصحة وعدمه ، والتحقيق حصول البطلان بنية القطع التي هي بمعنى إنشاء رفع اليد عما تلبس به من الصوم على نحو إنشاء الدخول فيه ، ضرورة خلو الزمان المزبور عن النية ، فيقع باطلا ، ودعوى تأثير النية الأولى فيه وإن كان بهذا الحال واضحة المنع ، وأما نية القطع بمعنى العزم على ما يحصل به ذلك وإن لم يتحقق الإنشاء المزبور وكذا نية القاطع فقد يقوى عدم البطلان بهما ، استصحابا للصحة السابقة التي لم يحصل ما ينافيها ، إذ الواقع عند التأمل يؤكدها ، ودعوى كون المعتبر في الصحة العزم في سائر الأزمنة على الامتثال بالصوم في سائر أوقات اليوم لا نعرف لها مستندا وإن كان مقتضى الاقتصار على المتيقن ذلك ، والتردد في الأثناء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

٢١٥

مناف للجزم المعتبر في النية كالابتداء.

نعم في كشف الأستاذ « أن التردد في الأثناء إن كان للتوقف على السؤال فلا إشكال » وفيه انه يمكن أن يكون ذلك خارجا عما نحن فيه ، ضرورة بقاء عزمه السابق على الصوم إلا أن تردده في حصول المنافي ، فتأمل ، وقال فيه أيضا : « إنه لو نوى الابطال لزعم الاختلال فبان عدم الاشكال فلا إشكال ، وكذا لو زعم رجحان ترك الصيام فبان الرجحان » قلت : يمكن أن لا يكون ذلك أيضا مما نحن فيه من نية القطع ، ضرورة تحقق الفساد بها بناء عليه من غير فرق في أسباب حصولها ، فليس في الحقيقة إنشاء عدم الصوم في الفرض ، بل أقصاه انه تخيل البطلان فعزم على ما ينافي الصوم لو كان معتبرا ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فتجديد النية الذي ذكره المصنف في المتن بل ربما قيل : إنه كاد يكون صريح المنتهى وأنه إذا لم يجدد لا إشكال يعتد به في البطلان لا مدخلية له فيما نحن فيه ، ضرورة كون المقتضي للبطلان النية المزبورة ، فإن ثبت ذلك وجب الحكم بالبطلان بها وإلا وجب القول بالصحة كذلك ، كما أطلقه في المحكي عن المعتبر ، والله أعلم بحقيقة الحال ومما ذكرنا يعلم ما في كلام جماعة من الأصحاب وإطلاقهم حتى الدروس ، قال : ويجب استمرار حكمها ، فلو نوى الإفطار في الأثناء أو ارتد ثم عاد فالمشهور الاجزاء وإن أثم ، وكذا لو كره الامتناع من المفطرات يأتم ولا يبطل ، أما الشهوة لها مع بقاء إرادة الامتناع والاستمرار عليها حكما فلا إثم ، ولو تردد في الإفطار أو في كراهة الامتناع فوجهان مرتبان على الجزم ، وأولى بالصحة هنا ، والوجه الإفساد بالجميع ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

الفرع الثالث نية الصبي المميز وصومه الفرع الثالث قد تقدم البحث في أن نية الصبي المميز صحيحة‌

٢١٦

أولا وصومه شرعي أو تمريني ، لكن في المسالك هنا « لا إشكال في صحة صومه ، لأن الصحة من خطاب الوضع ، وهو غير متوقف على التكليف وإن كان صومه تمرينيا » وفيه ان الصحة والبطلان اللذين هما موافقة الأمر ومخالفته لا تحتاج إلى توقيف من الشارع ، بل يعرف بمجرد العقل لكونه مؤديا للصلاة وتاركا لها ، فلا يكونان من حكم الشرع في شي‌ء ، بل هو عقلي مجرد كما صرح به ابن الحاجب وغيره.

الفرع الرابع لا يجوز العدول من فرض مع تعيين الزمان الفرع الرابع مقتضى أصول المذهب وقواعده انه لا يجوز العدول من فرض مع تعيين الزمان للأول بل ولو صلح الزمان لهما ، أما لو كان بعد الزوال في قضاء رمضان لم يجز قطعا ، بل وكذا لو عدل من فرض غير متعين إلى نفل ، لكن في الدروس وجهان مرتبان وإن قال إنه أولى بالمنع ، نعم فيها يجوز العدول من نفل إلى نفل ما دام محل النية باقيا ، ولا ريب في ان الأحوط إن لم يكن الأقوى العدم في الجميع ، والله أعلم.

الركن الثاني في ما يمسك عنه الصائم الركن الثاني في ما يمسك عنه الصائم ، وفيه مقاصد : المقصد الأول يجب الإمساك عن كل مأكول معتادا كان أو غير معتاد الأول يجب الإمساك عن كل مأكول معتادا كان كالخبر والفواكه أو غير معتاد كالحصى والبرد ، وعن كل مشروب ولو لم يكن معتادا كمياه الأنوار وعصارة الأشجار بلا خلاف أجده في المعتاد منهما بيننا ، بل بين المسلمين بل لعله من الضروريات المستغنية عن ذكر ما دل عليه من الكتاب المبين وسنة سيد المرسلين ، فيفسد حينئذ في تعمده الصوم ويجب القضاء والكفارة ، إنما الكلام في غير المعتاد ، والمشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا انه كالمعتاد في الحكم شهرة عظيمة ، بل لم يحك الخلاف إلا عن الإسكافي والمرتضى فلم يفسد الصوم بابتلاع غير المعتاد كالحصاة ونحوها ، وعن بعض أصحابنا وإن كنا لم نعرفه ، فأوجب القضاء فيه خاصة دون الكفارة ، وهو موافق في الإفساد به مخالف في خصوص الكفارة‌

٢١٧

التي لا ينبغي التوقف فيها بعد تسليم تحقق صدق الإفطار له المقتضي لوجوب القضاء ، ضرورة شمول أدلة وجوبها حينئذ لمثله ، فالأخير حينئذ مع كونه مجهول القائل واضح الضعف ، بل وكذا سابقه الذي لم نتحقق كونه مذهب المرتضى ، بل المحكي عنه في مسائل الناصرية لا خلاف فيما يصل إلى جوف الصائم من جهة فمه إذا اعتمده انه يفطره مثل الحصاة والخرزة وما لا يؤكل ولا يشرب ، وانما خالف في ذلك الحسن بن صالح ، وقال : إنه لا يفطر ، وروي نحوه عن أبي طلحة ، والإجماع متقدم ومتأخر عن هذا الخلاف ، فسقط حكمه ، وكفى به خصما لنفسه مع فرض خلافه ، مضافا إلى تناول النهي عن الأكل والشرب في الكتاب والسنة لذلك ، وعدم اعتياد المأكول والمشروب لا يقتضي عدم صدق الأكل والشرب ، بل ولا يقتضي ندرة في إطلاقهما على ازدرادهما ، ضرورة عدم التلازم بينهما ، فالمعتاد حينئذ وغير المعتاد سواء في صدق الأكل والشرب ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، ومنه يظهر ما في الاستدلال بانصراف الأكل والشرب إلى المعتاد كغيره من المطلقات ، فيكون حينئذ مختلفا باختلاف الأزمنة والأمكنة ، فيكون مفطرا في أحدهما دون الآخر ، وهو مقطوع بعدمه في الشرع هنا ، وأما‌ قول الباقر عليه‌السلام (١) : « لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء » كقول الصادق عليه‌السلام (٢) : « الصيام من الطعام والشراب » فيمكن إرادة ما يشمل غير المعتاد من الطعام والشراب فيهما كما جزم به في المختلف حتى جعل الخبرين من أدلة المطلوب ، لكنه لا يخلو من نظر ، خصوصا بعد‌ خبر مسعدة بن صدقة (٣) عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام « ان عليا عليه‌السلام سئل عن الذباب يدخل في حلق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ـ الحديث ٢.

٢١٨

الصائم فقال : ليس عليه قضاء ، انه ليس بطعام » ضرورة ظهوره في عدم عموم الطعام لكل مطعوم ، بل هو دال على ان الذي يوجب القضاء المعتاد من الطعام خاصة لا مطلقا بحيث يشمل غير المعتاد ، اللهم إلا ان يقال إن خبر مسعدة خال عن شرائط الحجية بحيث يصلح مقيدا للإطلاق في الكتاب والسنة ، والخبران الأولان لو سلم إرادة خصوص المعتاد من الطعام والشراب فيهما فليسا بمساقين لنحو المقام قطعا ، كما لا يخفى على من لاحظهما متأملا ، فأصالة صحة الصوم حينئذ مقطوعة بالإطلاق المزبور بعد تسليم صدق اسم الصوم على الإمساك عن خصوص المعتاد ، وإلا لم يثبت أصل الصوم فضلا عن استمراره ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

ويجب فيه الإمساك أيضا عن الجماع المتحقق بدون الانزال قطعا في القبل للمرأة إجماعا من المسلمين فضلا عن المؤمنين بقسميه ، مضافا إلى الكتاب والسنة ، بل ويجب الإمساك عن الجماع في دبر المرأة والغلام والبهيمة وقبلها على الأظهر الأشهر ، بل المشهور ، بل في الخلاف الإجماع على بعضه ، قال : « إذا أدخل ذكره في دبر امرأة أو غلام كان عليه القضاء والكفارة ، دليلنا إجماع الفرقة وطريقة الاحتياط ، ثم قال : إذا اتى بهيمة فأمنى كان عليه القضاء والكفارة ، فإن أو لج ولم ينزل فليس لأصحابنا فيه نص ، لكن مقتضى المذهب ان عليه القضاء ، لأنه لا خلاف فيه ، وأما الكفارة فلا تلزمه ، لأن الأصل براءة الذمة » وإن كان قد يناقش بأن دليل القضاء دليل الكفارة ، فالمتجه نفيهما أو إثباتهما ، ومن هنا قال ابن إدريس : لما وقفت على كلامه كثر تعجبي ، والذي دفع به الكفارة به يدفع القضاء مع قوله : لا نص لأصحابنا فيه وإذا لم يكن فيه نص مع‌ قولهم (١) : « اسكتوا كما سكت الله » فقد كلفه القضاء‌

__________________

(١) ذكر مضمون الحديث في تفسير الصافي في سورة المائدة ذيل الآية ١٠١ والبحار ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب كتاب العلم ـ الحديث ٥.

٢١٩

من غير دليل ، وأي مذهب لنا يقتضي وجوب القضاء ، بل أصول المذهب تقتضي نفيه ، وهي براءة الذمة ، والخبر المجمع عليه ، لكن مقتضاه اختيار عدم القضاء والكفارة فيه ، فلا يكون مفسدا للصوم ، بل عن ظاهر الشيخ نوع تردد في الفساد بالوطء في دبر المرأة فضلا عن غيرها ، قال : « يجب القضاء والكفارة بالجماع في الفرج أنزل أو لم ينزل ، سواء كان قبلا أو دبرا فرج امرأة أو غلام أو ميتة أو بهيمة وعلى كل حال على الظاهر من المذهب ، وقد روي ان الوطء في الدبر لا يوجب نقض الصوم إلا إذا أنزل معه ، وان المفعول به لا ينقض صومه بحال والأحوط الأول » قلت : كأنه أشار بالرواية إلى ما رواه‌ احمد بن محمد (١) في الصحيح عن بعض الكوفيين يرفعه إلى أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة قال : لا ينقض صومها ، وليس عليها غسل » وعلي ابن الحكم في الصحيح (٢) عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا اتى الرجل المرأة في الدبر وهي صائمة لم ينقض صومها ، وليس عليها غسل » لكن المحكي عنه في تهذيبه انه اعترف بعدم العمل بهما.

وإلى كثير مما ذكرنا أشار المصنف بقوله ويجب الإمساك أيضا عن الجماع في دبر المرأة على الأظهر ، ويفسد صوم المرأة ، وفي فساد الصوم بوطء الغلام والدابة تردد وإن حرم ، وكذا الكلام في فساد صوم الموطوء والأشبه انه يتبع وجوب الغسل كما ان منه يعرف عدم المحيص للفقيه عن القول بالفساد بالوطء في دبر المرأة وفاقا للمشهور شهرة عظيمة ، بل قد عرفت دعوى الإجماع الذي يشهد له التتبع في المقام ، فالإجماع لا بأس بدعواه ، وكفى به دليلا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الجنابة ـ الحديث ٣ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الجنابة ـ الحديث ٤ من كتاب الطهارة.

٢٢٠