جواهر الكلام - ج ١٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه ثقتي‌

كتاب الصوم

الذي هو من أشرف الطاعات وأفضل القربات ، ولو لم يكن فيه إلا الارتقاء من حطيط النفس البهيمية إلى ذروة الشبه بالملائكة الروحانية لكفى به منقبة وفضلا ، على انه قد ورد فيه من الاخبار ما ظهر بها علو مرتبته ظهور الشمس في رابعة النهار ، ضرورة اشتمالها على انه احد الخمسة التي بني الإسلام عليها‌ (١) وانه جنة من النار‌ (٢) وانه به يدخل العبد الجنة‌ (٣) وان نوم الصائم عبادة ، ونفسه وصمته تسبيح ، وعمله متقبل ، ودعائه مستجاب‌ (٤) وانه ليرتع في رياض الجنة وتدعو له الملائكة حتى يفطر‌ (٥) وان له فرحتين فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى الله‌ (٦) وانه في عبادة ما لم يغتب مسلما‌ (٧) ولا يجري عليه القلم حتى يفطر ما لم يأت بشي‌ء ينقض صومه‌ (٨) وان خلوق فم الصائم عند الله أحب من ريح المسك‌ (٩) وانه زكاة الأبدان‌ (١٠) وان من صام يوما لله‌

__________________

(١) و (٢) و (٣) و (٥) و (٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ١ ـ ٨ ـ ١١ ـ ٣٨ ـ ١٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ١٧ و ٤.

(٧) و (٨) و (٩) و (١٠) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ١٢ ـ ٣٤ ـ ١٦ ـ ٢.

١٨١

عز وجل في شدة الحر فأصابه ظمأ وكل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشرونه بالجنة حتى إذا أفطر ، قال الله جل جلاله ما أطيب ريحك وروحك ، يا ملائكتي اشهدوا اني قد غفرت له‌ (١) وانه الذي يستعان به على النازلة والشدة من الفقر وغيره‌ (٢) وغلبة الشهوة (٣) وإذهاب البلغم والحفظ وصحة البدن (٤) وانه يباعد الشيطان كتباعد المشرق والمغرب ، ويسود وجهه‌ (٥) وأن لله ملائكة موكلين بالصائمين والصائمات يمسحونهم بأجنحتهم ، ويسقطون عنهم ذنوبهم وأن لله ملائكة قد وكلهم بالدعاء للصائمين والصائمات لا يحصي عددهم إلا الله‌ (٦) ولم يأمرهم بالدعاء لأحد إلا استجاب فيه‌ (٧) وان من صام يوما تطوعا لو اعطي ملأ الأرض ذهبا ما وفي أجره دون يوم الحساب‌ (٨) وكل أعمال بني آدم بعشرة أضعافها إلى سبعمائة ضعف إلا الصبر فإنه لي وأنا أجزي به ، فثواب الصبر مخزون في علم الله ، والصبر الصوم‌ (٩) وكأن وجه اختصاصه تعالى بالصوم كما في غيره من الاخبار المروية عند الطرفين انه أمر خفي لا يمكن الاطلاع عليه لغير الله تعالى ، بخلاف غيره كالحج والصلاة ، ولما في الصوم من ترك الشهوات والملاذ في الفرج والبطن الموجب لصفاء العقل والفكر بواسطة ضعف القوى الشهوية وقوة القوى العقلية ، فيصل بسببهما الى دقائق الحكمة والى كمال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الصوم المندوب.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الصوم المندوب.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ١٤ والمستدرك الباب ١ منها الحديث ١١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٣٦.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٣.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٣٢.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الصوم المندوب الحديث ٣٣.

١٨٢

المعارف الربانية التي هي أشرف أحوال النفس الإنسانية ، ومن جرب ذلك واختبره بأن راض نفسه باستعماله مع ترك اللغو في أفعاله وأقواله وكان من العارفين المتنبهين عرف استغناءه عن إقامة الأدلة والبراهين ، بل والفرق بينه وبين غيره من سائر العبادات ، وإن كان كل منها فيه قرب الى رب العالمين.

وعلى كل حال فما ورد في فضل الصوم وفوائده أكثر مما يحصى فضلا عما ورد في خصوص صوم شهر رمضان (١) منه ورجب (٢) وشعبان (٣) ويوم الغدير (٤) وأيام البيض (٥) وستة شوال (٦) وكل خميس وجمعة (٧) واثنين (٨) وثلاثة أيام من كل شهر أول خميس وآخر خميس ووسط أربعاء (٩) وغير ذلك ، على ان فيه من الحكم العجيبة والأسرار الغريبة من معرفة عظم فضل الله في المأكل والمشرب والمنكح وشدة ألم الجوع والعطش كي يرأف الغني بالفقير وغير ذلك مما لا يخفى على من كان مسرح عقله الخوض في حكم الله ومراعاة إسراره على تفاوت الناس في هذه المرتبة حتى ينتهي الى أهل العصمة صلوات الله وسلامه عليهم ، فإنهم يعرفون ما فيه من الاسرار ما لا يعرفه غيرهم ، فعن الحسن بن أمير المؤمنين عليهما‌السلام (١٠) « انه جاء نفر من اليهود الى رسول الله ( صلى الله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الصوم المندوب.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الصوم المندوب.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الصوم المندوب.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الصوم المندوب.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ١.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الصوم المندوب ـ الحديث ١.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ عن أبواب الصوم المندوب.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان ـ الحديث ٤.

١٨٣

عليه وآله ) فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله انه قال له : لأي شي‌ء فرض الله عز وجل الصوم على أمتك بالنهار ثلاثين يوما ، وفرض على الأمم أكثر من ذلك؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن آدم لما أكل من الشجر بقي في بطنه ثلاثين يوما ففرض الله على ذريته ثلاثين يوما الجوع والعطش والذي يأكلونه بالليل فضل من الله عز وجل عليهم ، وكذلك كان على آدم ففرض الله ذلك على أمتي ، ثم تلا هذه الآية (١) ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيّاماً مَعْدُوداتٍ ) قال اليهودي : صدقت يا محمد ، فما جزاء من صامها؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من مؤمن يصوم شهر رمضان احتسابا إلا أوجب الله تبارك وتعالى له سبع خصال أولها يذوب الحرام من جسده ، والثانية يقرب من رحمة الله عز وجل ، والثالثة يكون قد كفر خطيئة آدم أبيه ، والرابعة يهون الله عليه سكرات الموت ، والخامسة أمان من الجوع والعطش يوم القيامة ، والسادسة يعطيه الله براءة من النار ، والسابعة يطعمه الله من طيبات الجنة ، قال : صدقت يا محمد » الى آخره.

وعلى كل حال فـ النظر فيه يقع في أركانه واقسامه ولواحقه‌ النظر الأول في أركان الصوم وأركانه أربعة : الركن الأول الصوم الأول الصوم لغة الإمساك وشرعا على ما عرفه المصنف هو الكف عن المفطرات مع النية وقد عرفه غيره بغير ذلك ، ولا يكاد ينطبق شي‌ء منها على خواص التعريف الحقيقي ، فيعلم منه عدم إرادتهم من ذلك ذلك بل المراد مجرد التصوير في الجملة ، إذ عرف المتشرعة واف في معرفته كغيره من ألفاظ العبادات ، فلا وجه للإطالة في ذكر التعاريف وما يرد عليها‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٧٩.

١٨٤

طردا وعكسا وما لا يرد ، كما ان الظاهر عدم وجوب معرفة أنه الكف أو الترك ، وإلا لزم بطلان صوم أكثر الناس ان لم يكن جميعهم ، وانما هو بحث علمي ، بل الظاهر عدم وجوب علم المفطرات على التفصيل ، فلو نوى الإمساك عنها أو عن جملة أشياء تدخل هي فيها لم يبعد الصحة ، نعم قد يشكل فيما لو نوى الإمساك عن بعضها دون الآخر بتخيل انه ليس منها وان كان لم يفعله ، لعدم حصول نية الصوم الشرعي ، مع ان الصحة لا تخلو من وجه ، بل هي الظاهر فيما إذا لم يلاحظ عدم الإمساك عنه في النية ، فتأمل جيدا والله العالم.

وكيف كان فهي أي النية في الصوم كما تقدم في الصلاة إما ركن فيه وإما شرط في صحته وقد تقدم هناك انها هي بالشرط أشبه بل هنا أولى ، لوقوعها ليلا ، واحتمال تعلقها ببعض الصوم بعيد كاحتمال وقوع بعض أجزاء الصوم ليلا وكيف كان فالظاهر جريان جملة مما سمعته سابقا في المقام ، كاعتبار نية الوجه والقضاء والأداء والأصالة والتحمل ، لعدم تعقل الفرق كما لا يخفى ، فما عساه يتوهم من المتن والشيخ من الفرق حيث اجتزيا هنا بنية القربة بخلاف الصلاة في غير محله ، ولعل ذلك منهما في معرض عدم وجوب التعيين لما تقدم من أن التحقيق عندنا عدم اعتبار شي‌ء من ذلك ، فلو لم ينوها أو نوى شيئا منها في محل ضده على وجه لا ينافي التعيين ولا يقتضي تغير النوع صح ، كما لو نوى صفة خارجة ، والتشريع مقتض للعقاب دون الفساد بلا معارض للأصل ، نعم لو توقف التعيين على شي‌ء من المذكورات أو غيرها وجب مقدمة لحصول التعيين الذي يتوقف الامتثال عليه كما حرر في محله إلا انه يحتاج اليه مع تعدد نوع المأمور به ، إذ مع اتحاده لا اشتراك كي يحتاج الى التعيين فـ يكفي في رمضان حينئذ على المختار من عدم اعتبار نية الوجه ان ينوي أنه يصوم غدا متقربا الى الله تعالى من غير حاجة الى التعرض لكونه من رمضان ، لعدم‌

١٨٥

صحة غيره فيه ، فقصد امتثال الأمر بالصوم غدا مثلا لا يكون إلا للأمر المتعلق به فتعينه مجز عن تعيينه ، على أنه عند التحليل تعيين ، ولم اعرف خلافا في ذلك ، بل عن الغنية والتنقيح الإجماع عليه ، نعم في الذخيرة عن بعض الأصحاب اعتبار نية التعيين فيه أيضا من غير ان يذكر اسمه ، وفي غيرها نسبته إلى العلامة.

وعلى كل حال فلا ريب في ضعفه ، لما عرفت خصوصا مع عدم مستند له سوى ما قيل من قاعدة الشك ، ومن ان امتثال الأمر فرع تعقل المكلف ان الآمر امره بذلك ، فإذا لم يعتقد ان الصوم غدا مما أمر الشارع به لم يكن ممتثلا للتكليف بالصوم غدا وإن كان ممتثلا للتكليف بالصوم المطلق ، فالامتثال يتوقف على اعتقاد انه الصوم الذي تعلق به غدا ، ونحن لا نعني بالتعيين سوى هذا إذ به يتعين كونه من رمضان ، وفي الأول منع جريان قاعدة الشك ، خصوصا في نحو النية التي عرفت كون التحقيق فيها انها من الشرائط ، وخصوصا في الصوم الذي يمكن منع إجماله بملاحظة النصوص الآتية في محلها ، وفي الثاني أن القائل بعدم التعيين لا يكتفي بقصد امتثال الأمر بالصوم وان لم يعلم انه مأمور به غدا كي يتجه عليه ما ذكره ، بل أقصاه ـ كما سمعت التصريح به في الاستدلال ـ الاكتفاء بقصد امتثال الأمر المتعلق بصوم غد عن تعيين كونه من رمضان ، لعدم تعدد الأمر به ، فمع فرض قصد الأمر المتعلق به حينئذ يتعين كونه شهر رمضان ، وحينئذ فمرجع القولين الى قول واحد ، ولو سلم اكتفاؤه بذلك لم يعتبر التعيين أيضا بعد فرض عدم قابلية الزمان إلا لشخص خاص من الصوم ، فتعينه كاف عن تعيينه.

نعم قد يقال بأنه يعتبر فيه عدم قصد المكلف الإطلاق الذي ينافي التشخص بأن يكون مراده الكلية من حيث الكلية ، فإن ذلك حينئذ كنية الخلاف ، بل يكفي مصداق الإطلاق الذي يجامع التشخص ، وعلى كل‌

١٨٦

حال فلا وجه الى رده في الذخيرة بأن مبنى دليل عدم التعيين على ان الصوم عبارة عن الإمساك المخصوص بنية التقرب الى الله تعالى وحينئذ فإذا نوى الصوم متقربا الى الله تعالى فقد حصل الامتثال ، سواء قصد كونه صوم شهر رمضان أو لم يقصد وبالجملة لا ريب في حصول الفعل ممتثلا لأمر الآمر به مطلقا وإن لم يحصل الفعل قاصدا به امتثال الأمر الخاص ، وإثبات ان الاجزاء يستدعي حصول الفعل بالقصد المذكور يحتاج الى دليل ، نعم إتمام هذا الاستدلال يتوقف على إثبات ان النية خارجة عن حقيقة الصوم ، وأنه حقيقة شرعية في مهية الإمساك المعين من غير اعتبار استجماع شرائط الصحة في معناه الحقيقي حتى إذا انتفى بعض شرائط الصحة صدق الصوم حقيقة ، إذ المتجه حينئذ الاحتياج الى دليل في إثبات اعتبار الأمر الزائد على القدر المسلم بخلافه على التقديرين الآخرين ضرورة توقف يقين الفراغ من يقين الشغل على الإتيان بالفرد المعلوم حصول الامتثال به ثم قال : « وحيث كان إثبات الأمرين المذكورين لا يخلو عن عسر كانت البراءة اليقينية من التكليف الثابت تقتضي اعتبار قصد التعيين ، لكن عند انتفائه لا يلزم الحكم بوجوب القضاء ، لان القضاء بتكليف جديد منوط بفوات الفعل أداء ، ولم يثبت في موضع البحث فتدبر » وظاهره الميل الى اعتبار التعيين لكن على الوجه الذي ذكره.

وفيه أولا ما عرفت من انه لا ريب في ظهور تعلق النية بالصوم ووقوعها ليلا في خروجها عنه ، إذ القول بتعلقها ببعض الصوم أو وقوع بعض اجزاء الصوم ليلا كما ترى ، وثانيا عدم فهم اعتبار الخصوصية في النية وعدم دلالة الدليل عليه كاف في الحكم بالامتثال بمقتضى الآية ، فإذا أمسك المكلف عن المفطرات من طلوع الصبح الى غروب الشمس مع نية القربة في هذا الإمساك عالما بأن الإمساك في هذا اليوم مما طلبه الشارع صدق عليه في عرف فرق الإسلام انه‌

١٨٧

صام ، ولا يفهم أحد من قوله فليصمه أمرا زائدا على ما يعبر عنه في عرف فرق الإسلام بالصوم ، كما ان اعتبار النية الذي ظهر من خارج لا يدل على أزيد من اعتبار نية القربة في هذا الإمساك ، فالآتي بهذا الإمساك آت بما يفهم من هذا الأمر وهو دليل الاجزاء.

نعم قد يقال بوجوب نية التعيين لو كان المكلف جاهلا بعدم وقوع غير شهر رمضان فيه ، فجوز صلاحية الزمان له ولغيره ، وبوجوبها أيضا كما قواه في البيان في المتوخي لشهر رمضان ، كالمحبوس الذي لا يعلم الأهلة لأنه زمان لا يتعين فيه الصوم ، ولانه معرض للقضاء ، والقضاء يشترط فيه التعيين مع احتمال العدم فيه. لأنه بالنسبة إليه شهر رمضان ، واحتمل اشتراط التعيين على تقدير عدم وجوب التحري عليه ، بل يجوز له الصوم في أي وقت شاء ، والا لم يجب ونفى عنه البأس في المدارك ولا ريب في ضعفه ، إذ لا فرق بينهما من حيث صيرورته بذلك شهر رمضان في حقه ، فان كان ذلك مجزيا عن التعيين ففيهما معا وإلا فلا ، نعم قد يفرق بينهما بان المتجه إحداث نية التعيين لشهر رمضان للمتوخي على الأول ، وهي غير نية التعيين لصوم كل يوم ، والتحقيق عدم وجوب التعيين عليه على كل حال بعد صيرورة مظنونه أو مختاره شهر رمضان بالنسبة إليه ، بل قد يناقش في وجوب التعيين في الأول ، والتعدد الذي منشؤه الجهل لا ينافي صدق امتثال الأمر المتحد في الواقع ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فلا ريب في ان نية التعيين في الجميع أحوط ، بل في الدروس وفي المبسوط فسر نية القربة ان ينوي صوم شهر رمضان ، وفي البيان ولو أضاف التعيين إلى القربة والوجوب في شهر رمضان فقد زاد خيرا ، والأقرب استحبابه ثم قال : واما التعرض لرمضان هذه السنة فلا يستحب ولا يضر ، ولو تعرض لرمضان سنة معينة في غيرها ففي البيان ان كان غلطا لغى ، وان تعمد فالوجه‌

١٨٨

البطلان ، وناقشه في المدارك بحصول الإمساك مع نية التقرب ، فيحصل الامتثال ويلغو الزائد مع ان هذه لا معنى لها ، فإنها انما تقع على سبيل التصور لا التصديق قلت : لكن تكون سببا لعدم قصد امتثال خصوص الأمر المتعلق به في هذه السنة ، وهو كاف في البطلان ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فـ هل يكفي ذلك في النذر المعين وأخويه وما يشبههما قيل قال المرتضى وابن إدريس نعم وقواه الفاضل في المنتهى لانه زمان تعين بالنذر للصوم ، فكان كشهر رمضان ، واختلافهما بأصالة التعيين وعرضيته لا يقتضي اختلافهما في هذا الحكم وقيل : ذهب جماعة منهم الشيخ إلى أنه لا يكفي وهو الأشبه وفاقا للفاضل في جملة من كتبه والشهيدين والمقداد وغيرهم ، بل في المسالك انه المشهور لانه زمان لم يعينه الشارع في الأصل للصوم ولا بالنذر على وجه لا يصح وقوع غيره فيه حتى مع السهو والنسيان والجهل ونحوها إذ لا دليل عليه بالنسبة الى ذلك ، والالتزام بالنذر أعم من رفع الصلاحية ، بل ربما احتمل صحة وقوع غيره فيه مع العمد وان أثم بترك إيقاع النذر فيه وان كان فيه ما فيه ، بل يمكن منع وقوع غيره فيه حتى مع السهو والجهل فضلا عن غيره لاختصاصه بالنذر فيه ، بل ظاهر ما يأتي في المدارك المفروغية من ذلك وان كان خلاف ما حكاه فيها عن المنتهى بل في الدروس الإجماع عليه فالإنصاف حينئذ انه ان تم ذلك كان الإلحاق بشهر رمضان متجها ، وإلا كان المتجه العدم ، ومن ذلك يظهر لك ما في المدارك والذخيرة وغيرهما من عدم الفرق بين شهر رمضان والنذر المعين سواء كان تعيينه في أصل النذر الذي هو السبب في وجوبه وبين ما كان مطلقا بالأصل ثم تعين بنذر آخر مثلا ، واحتماله بدعوى ان الثاني صالح للوقوع في سائر الأزمنة وانما أفاد النذر فوريته خاصة فهو كالنذر للواجب المطلق كما ترى ، وأوضح منه فسادا ما قيل من ان مبنى الوجهين على تفسير‌

١٨٩

المعين فان فسر بأنه الفعل الذي إذا فات محله صار قضاء لم يكن معينا ، وان فسر بأنه الفعل الذي لا يجوز تأخيره عن ذلك الزمان الذي تعلق به كان معينا ، ضرورة عدم دوران الحكم على هذا اللفظ كي يرجع الى تفسيره ، بل ظاهرهما عدم الفرق أيضا بين ذلك وبين قضاء شهر رمضان عند تضييق الوقت في عدم وجوب التعيين بل وان لم يتضيق إذا لم يكن في ذمة المكلف صوم واجب سواه ، وقلنا بامتناع المندوب لمن في ذمته واجب ، وفي الجميع ما عرفت ، وامتناع تعمد الندب لمن عليه قضاء لا يمنع من الصحة لو وقع نسيانا ونحوه مما افترق به عن شهر رمضان ، فلا ريب في ان الأحوط والأقوى اعتبار التعيين في غيره ، لكن في المسالك انه يلزم القائل بوجوب التعيين هنا القول بوجوب التعرض للوجوب أيضا لاقتضاء دليله له ، وهو ان الزمان بأصل الشرع غير معين ، وانما تعين بالعارض ، وما بالأصل لا يزيله ما بالعارض ، فلا بد من نية التعيين ، وهذا بعينه آت في الوجوب ، ومقتضى كلام المصنف الاكتفاء في النذر المعين بالقربة والتعيين ، وفيه سؤال الفرق بين الأمرين ، اللهم الا ان يحمل نية القربة على ما يعم الوجوب كما سيأتي مثله عن جماعة ، وفي المدارك بعد ان حكى ذلك عنه قال : وهو غير جيد لعدم الملازمة كما اعترف هو به في مواضع من كتبه ، قلت : وهو كذلك إذ الوجوب والندب حال عدم توقف التعيين عليهما من الصفات الخارجية اللاحقة للفعل على كل حال سواء نوى أو لم ينو بخلاف نية التعيين التي قد عرفت عدم تحقق الامتثال بدونها ، لعدم انصراف الفعل في القابل للوجوه الى المكلف به في نفسه ، كما هو واضح ، والله اعلم.

ولا بد فيما عداهما اى شهر رمضان والنذر بناء على الإلحاق من نية التعيين وهو القصد الى الصوم المخصوص كالكفارة والنذر المطلق ونحوهما بلا خلاف كما عن التنقيح الاعتراف به ، بل عن المعتبر نسبته الى فتوى الأصحاب‌

١٩٠

مشعرا بدعوى الإجماع. بل في التحرير دعواه صريحا فلو اقتصر على نية القربة وذهل عن تعيينه لم يصح لعدم تميز المنوي وتشخصه مع صلوحه لوجوه متعددة ، فلا يقع حينئذ لشي‌ء منها ، ولا أمر بالصوم المطلق حتى يصح له ، فليس حينئذ إلا الفساد ، نعم ألحق الشهيد في البيان بالواجب المعين المندوب المعين كأيام البيض ، بل حكى عنه ثاني الشهيدين في الروضة انه ألحق به في بعض تحقيقاته مطلق المندوب ، لتعينه شرعا في جميع الأيام إلا ما استثني ، فيكفي نية القربة واستحسنه هو ، وتبعه في الذخيرة ، وفي المدارك لا بأس به خصوصا مع براءة ذمة المكلف من الصوم الواجب ، وهو ظاهر في الاجتزاء بذلك وان كانت ذمته مشغولة بواجب ، الا انه لا يخفى ما فيه بل وما في الجميع ضرورة عدم صلاحية أمثال ذلك للاستغناء عن نية التعيين التي أوجبها العقل في بعض الأحوال فضلا عن الشرع وتوقف عليها صدق الامتثال باعتبار عدم انصراف الفعل الى احد الخصوصيات بدونها كما هو واضح فتأمل ، هذا.

وقد ظهر من تفسير المصنف نية التعيين انه لا يستغنى بها عن نية القربة كما عن المبسوط ضرورة مغايرتها له حينئذ فلا يجزي أحدهما عن الآخر كما اعترف به المصنف في المحكي عن معتبره ، والمراد بالخصوصية في التفسير المزبور ما تفيد تعيين الصوم الواقع على وجه تشخصه ، فلا يجب التعرض لخصوص الكفارة مثلا بل يكفي القصد الى ما في ذمته مع فرض اتحاده وان لم يعلم كونه قضاء أو كفارة كما صرح به شيخنا في كشفه ، ودعوى أنها أوصاف داخلة في حقيقة المكلف به فيجب حينئذ قصدها واضحة المنع ، فتأمل هذا.

وعلى كل حال فان كان الصوم معينا فـ لا بد من خطورها أي النية عند أول جزء من الصوم كغيره من الاعمال تحصيلا للمقارنة‌

١٩١

المفهوم اعتبارها من نحو‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « إنما الأعمال بالنيات » وغيره ، لكن لما كان تحصيل ذلك متعسرا ان لم يكن متعذرا ـ ضرورة عدم العلم بطلوع الفجر إلا بعد الوقوع ، فتقع النية بعده ، وذلك غير المقارنة المعتبرة فيها بالنسبة الى غير الصوم من الاعمال ـ اجتزى الشارع عن ذلك في الصوم المعين فضلا عن غيره بوقوعها في الليل ، وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله أو تبييتها في أي جزء من الليل ، خلافا لبعض العامة فخصها بالنصف الأخير ولا ريب في ضعفه ، كضعف ما عساه يظهر من المحكي عن المرتضى من كون النية قبل طلوع الفجر الى الزوال إذا أريد منه ما لا يشمل جميع الليل الذي لا ينبغي التأمل في جواز وقوع النية في أي جزء من اجزائه ، بل لا تبطل بعد وقوعها بفعل ما ينافي الصوم بعدها قبل طلوع الفجر سواء في ذلك الجماع وغيره لا طلاق دليل الاجزاء ، خلافا لما عن البيان من الجزم بعدم جوازها بالتناول ثم قال : « وفي الجماع وما يبطل الغسل تردد من أنه مؤثر في صيرورة المكلف غير قابل للصوم ، فيزيل حكم النية ، ومن حصول الشرط وزوال المانع بالغسل » لكن لا يخفى عليك ما فيه ، بل في المدارك انه دعوى خالية عن الدليل ، قلت بل الدليل على خلافها ، ضرورة ان الصوم المنوي من طلوع الفجر ، فلا مدخلية لاجزاء الليل التي يقع فيها المفطر.

وكيف كان فلا إشكال في إجزاء تبييتها ليلا إلا انه يعتبر فيه كونه مستمرا على حكمها غير ناقض لها بما ينافيها من نية أخرى أو غيرها جاعلا له المصنف قسيما للخطور من غير خلاف يعرف فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه بل السيرة التي هي أعظم من الإجماع عليه ، بل يمكن دعوى صدق كون الصوم بالنية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمة العبادات الحديث ١٠.

١٩٢

على ذلك ، إذ نية كل شي‌ء بحسب حاله لكن قد يقال إن المتجه حينئذ عدم ذكر الفرد الأول من الفردين لعدم الفائدة فيه ، اللهم إلا ان يكون ذلك لبيان الاجتزاء به إذا اتفق ردا على المحكي عن ابن أبي عقيل من إيجاب وقوع النية ليلا الظاهر في عدم إجراء المقارنة المزبورة ، إلا إذا حمل على ارادة تعذرها أو تعسرها كما عرفت ، أو يمنع إرادة المقارنة المزبورة في نحو عبارة المصنف بل ما يشمل حصولها بعد تحقق الفجر ، كما يشهد له ما في الروضة هنا من ان ظاهر الأصحاب أن النية للفعل المستغرق للزمان المعين تكون بعد تحققه لا قبله لتعذره وممن صرح به المصنف في الدروس في نيات أعمال الحج كالوقوف بعرفة ، فإنه جعلها مقارنة لما بعد الزوال ، فيكون هنا كذلك ، وحينئذ يتجه ذكر المصنف له فردا مقابلا للتبييت ، لكن بناء عليه يقع جزء من الزمان بلا نية حينئذ ، وهو خلاف المعلوم من الشرع.

ولعل من ذلك كله ينقدح لك قوة ما قلناه سابقا من أن النية عبارة عن الداعي الذي لا ريب في تصور مقارنة خطوره ، ضرورة إمكان استمراره مما قبل الفجر الى ما بعده ، كما انه يكفي وجوده في الليل مستمرا على حكمه في صدق استناد الصوم إلى النية عرفا ، وحينئذ فلا حاجة في جواز تقديم النية ليلا الى دليل خاص ، اللهم إلا أن يقال انه وإن قلنا بأن النية الداعي لكن لا نقول بالاكتفاء بخطوره آنا ما قبل الشروع في الفعل وان غاب حاله كما في نحو المقام إذ لا ريب في صحة صوم من نواه من أول الليل ثم نام الى ما بعد طلوع الفجر على انه لا يعقل فرق بين ذلك وبين الوقوع قبل الليل حتى أجزأ الأول دون الثاني ، خلافا لابن الجنيد فاجتزي بهما معا ، ونحوه ما تسمعه من الشيخ الذي سيشير اليه المصنف ، لكن لا ريب في ضعفهما ، وحينئذ فلا بد من الاستناد الى دليل خاص في ذلك كله ، اللهم إلا أن يدعى ان للصوم خصوصية ، فيصدق‌

١٩٣

مع وجود الداعي وان غاب بالنوم ونحوه انه بنية دون غيره ، كما أن له خصوصية في هذا الصدق بالنسبة إلى الليل والنهار.

وكيف كان فلا يجوز تأخير النية عن الفردين في الواجب المعين ولو للعارض ، بل قد يظهر من إطلاق المتن عدم الفرق في ذلك بين المعين وغيره وإن كان هو بالنسبة الى الثاني واجبا شرطيا ، لكن ـ مع انه قد ينافيه لفظ النسيان في الجملة ـ مقتضى ذلك عدم جواز تجديد النية قبل الزوال في القضاء والكفارة والنذر المطلق لمن لم ينو الصيام من الليل مختارا ، ولم اعرف به قائلا من الأصحاب ، بل المنسوب في المدارك وغيرها الى قطعهم استمرار وقت النية فيه من الليل الى الزوال إذا لم يفعل المنافي نهارا ، لصحيح عبد الرحمن بن الحجاج (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام : « في الرجل يبدو له بعد ما يصبح ويرتفع النهار في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان وإن لم يكن نوى ذلك من الليل قال : نعم فليصمه ويعتد به إذا لم يكن أحدث شيئا » والصحيح عن محمد بن قيس (٢) عن أبي جعفر عن علي عليهما‌السلام « إذا لم يفرض الرجل على نفسه صياما ثم ذكر الصيام قبل أن يطعم طعاما أو يشرب شرابا ولم يفطر فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر » وسئل الصادق عليه‌السلام في موثق الساباطي (٣) « عن الرجل يكون عليه الأيام من شهر رمضان ويريد أن يقضيها متى يريد ان ينوي الصيام؟ فقال : هو بالخيار الى أن تزول الشمس ، فإذا زالت الشمس فان كان نوى الصوم فليصم ، وإن كان نوى الإفطار فليفطر ، وسئل فإن كان نوى الإفطار يستقيم الصوم بعد ما زالت الشمس فقال : لا » ، وقال له الحلبي (٤) : « إن رجلا أراد أن يصوم ارتفاع النهار أيصوم؟ قال : نعم » كقوله عليه‌السلام في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ١.

١٩٤

خبر عبد الله بن سنان (١) « إن بدا له ان يصوم بعد ما ارتفع النهار فليصم ، فإنه يحسب له من الساعة التي نوى فيها » وقال صالح بن عبد الله (٢) لأبي إبراهيم عليه‌السلام : « رجل جعل الله عليه الصيام شهرا فيصبح وهو ينوي الصوم ثم يبدو له فيفطر ، ويصبح وهو لا ينوي الصوم فيبدو له فيصوم فقال : هذا كله جائز ».

بل إطلاق المحكي عن ابن الجنيد يقتضي جواز تجديد النية بعد الزوال ، ولعله للأصل وإطلاق بعض النصوص السابقة بل ترك الاستفصال فيه ، وصحيح عبد الرحمن (٣) سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن الرجل يصبح ولم يطعم ولم يشرب ولم ينو صوما وكان عليه يوم من شهر رمضان إله أن يصوم ذلك اليوم وقد ذهب عامة النهار؟ قال : نعم له أن يصوم ويعتد به من شهر رمضان » ومرسل ابن أبي نصر (٤) « قلت للصادق عليه‌السلام : الرجل يكون عليه القضاء من شهر رمضان ويصبح فلا يأكل إلى العصر أيجوز ان يجعله قضاء شهر رمضان؟ قال : نعم » وصحيح هشام بن سالم (٥) قال للصادق عليه‌السلام : « الرجل يصبح ولا ينوي الصوم فإذا تعالى النهار حدث له رأي في الصوم فقال : إن هو نوى الصوم قبل ان تزول الشمس حسب له يومه ، وإن نواه بعد الزوال حسب له من الوقت الذي نوى » وهو لولا ندرته لكان في غاية القوة ، لعدم المعارض إلا موثق عمار (٦) المنفي فيه الاستقامة الذي يمكن إرادة الكمال منه كما أومأ إليه صحيح هشام (٧) بل هو كالصريح في إرادة نحو ذلك ، ويرجع اليه ما في المسالك من انه إن أوقع النية قبل الزوال أثيب على الصوم لجميع النهار ، وإن نوى بعده حسب له من الوقت الذي نوى فيه إلى آخر النهار ، والصوم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ٩.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ٦ ـ ٩ ـ ٨ ـ ١٠ ـ ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ١٠.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الصوم الحديث ٨.

١٩٥

صحيح على التقديرين ، وحمل العامة الخبر الأول على ما قبل الزوال كما ترى ، وأضعف منه حمل الخبر الثاني على الناوي صوما مطلقا مع نسيان القضاء فأراد صرفه بعد العصر إليه ، إذ هو مع انه خلاف ظاهر الخبر أو صريحه لا دليل على المنزل عليه ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، وأضعف منهما استدلاله في المحكي عن المعتبر بأن الصوم الواجب يجب ان يأتي به من أول النهار أو بنية تقوم مقام الإتيان به من اوله وقد روى إلى آخر صحيح هشام السابق ، إذ هو واضح الضعف ، فليس حينئذ إلا الندرة ، خصوصا والخبر الثاني الذي هو العمدة في إثبات الدعوى مرسل لا جابر له ، بل قد عرفت الاعراض عنه ، وخصوصا مع مخالفة الحكم القواعد المحكمة والعمومات المعمول بها.

نعم لا بأس بالقول به في المندوب المتسامح فيه وفاقا للمرتضى والشيخ وابن إدريس والفاضل والشهيدين وغيرهم ، بل عن المنتهى نسبته إلى الأكثر ، بل عن الانتصار والغنية والسرائر الإجماع عليه للأصل وإطلاق بعض النصوص ، حتى‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح هشام (١) : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يدخل إلى أهله فيقول : عندكم شي‌ء وإلا صمت ، فان كان عندهم شي‌ء أتوا به ، وإلا صام » وخصوص موثق أبي بصير (٢) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن الصائم المتطوع تعرض له الحاجة قال : هو بالخيار ما بينه وبين العصر ، وان مكث حتى العصر ثم بدا له ان يصوم وإن لم يكن نوى ذلك فله ان يصوم ذلك اليوم إن شاء » وغير ذلك متمما بعدم القول بالفصل ، وان المراد بالعصر فيه بقاء زمان يصلح لتجديد نية الصيام كما صرح غير واحد باعتبار ذلك ، وخلافا للمحكي عن الأكثر فجعلوه كالواجب في عدم جواز التجديد بعد الزوال للأصل الذي قد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب وجوب الصوم ـ الحديث ١.

١٩٦

عرفت انقطاعه ، كما عرفت ان المراد من صحيح هشام بن سالم تفاوت الفضل ، فلا ريب أن الأقوى حينئذ ذلك.

وقد ظهر من ذلك كله ان الأولى حمل ما في المتن على الواجب المعين بالأصل أو بالعارض ، فإنه هو المتجه فيه وجوب الاستحضار أو التبييت باعتبار توقف الصحة حال الاختيار عليهما ، إذ لا دليل عليها بدونهما وإن جدد قبل الزوال حتى في القضاء المنذور تعيينه مثلا وإن كان مقتضى استصحاب حكمه قبل النذر ذلك إلا أنه لما كان الحكم مخالفا للقواعد وجب الاقتصار فيه على المتيقن من النصوص من الواجب غير المعين ، بل لا ريب في ظهورها لاشتمالها على لفظ البدو وغيره فيه ، وربما كان ذلك من حيث توسعته وحينئذ يتجه قول المصنف : فـ لو نسيها أي النية ليلا وفي الدروس أو كان جاهلا بوجوب ذلك اليوم جددها نهارا في ما بينه أي الليل وبين الزوال من المدة على معنى أنه يجددها حالة الذكر على الفور في هذه المدة لئلا يخلو جزء من النهار من النية اختيارا لا أن له التراخي بها إليه ، فإن فعل حينئذ بطل وان جددها قبل الزوال كما صرح به في المسالك إذ لا خلاف يعتد به في ان ذلك حكم الناسي في المعين ، بل قيل : إن ظاهر المعتبر والتذكرة والمنتهى انه موضع وفاق ، ولعله كذلك عدا ما عساه يظهر من المحكي عن ابن أبي عقيل في المختلف من عدم الفرق بين العامد والناسي في بطلان الصوم مع الإخلال بالنية من الليل ، وهو وإن كان مقتضى القواعد إلا أنه يجب الخروج عنها بما سمعت من ظهور الاتفاق المعتضد بفحوى ما دل على انعقاد الصوم من المريض والمسافر إذا زال عذرهما قبل الزوال وبنبوي الرفع ، وبالمروي (١) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « ان ليلة الشك أصبح الناس فجاء أعرابي اليه فشهد برؤية الهلال فأمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مناديا‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٤ ص ٢١٢ مع الاختلاف في اللفظ.

١٩٧

ينادي من لم يأكل فليصم ، ومن أكل فليمسك » بتقريب أنه إذا جاز مع العذر وهو الجهل بالهلال جاز مع النسيان كما في التذكرة وغيرها ، وإن كان هو كما ترى كأصل الاستدلال بالمرسل المزبور ، وأضعف منه الاستدلال في المدارك بأصالة عدم اعتبار تبييت النية مع النسيان ، كما هو واضح ، وعدا ما عساه يظهر من إطلاق ما يحكى عن المرتضى من ان وقت النية في الصيام الواجب من قبل طلوع الفجر إلى وقت الزوال من جواز تأخير النية اختيارا ، وابن الجنيد ويستحب للصائم فرضا وغير فرض أن يبيت الصيام لما يريده به ، وجائز ان يبتدئ وقد بقي بعض النهار ويحتسب به من واجب إذا لم يكن أحدث ما ينقض الصيام ، ولو جعله تطوعا كان أفضل من التأخير إلى ما بعد الزوال ، إلا أنه لا ريب في ضعفهما معا ، بل يجب حمل الأول على إرادة تحديد الوقت الاختياري والاضطراري ، كما انه يجب حمل الثاني على ذلك أو غير المعين من الواجب.

وعلى كل حال فعبارة المتن في المعين لكن فيما حضرني من النسخة تعقيب ذلك بقوله فلو زالت الشمس فات محلها واجبا كان الصوم أو ندبا ، وقيل : يمتد وقتها إلى الغروب كصوم النافلة ، والأول أشهر وكأنه مناف لحمل العبارة السابقة على الواجب المعين الذي لم نعرف قائلا بامتداد وقتها فيه إلى الغروب عدا ما سمعته من عبارة ابن الجنيد السابقة ، كما انه لا يستقيم التعميم السابق مع قوله : كصوم النافلة الظاهر في المفروغية منه ، واحتمال إرادة المعين من الندب والمطلق من النافلة يدفعه انه لا فرق عند الأصحاب بين أفراد الندب في الحكم المزبور ، ويمكن حمل العبارة الأخيرة على إرادة بيان منتهى وقت النية الاختياري والاضطراري في الواجب والندب ، ولا ينافيه كون العبارة السابقة في الواجب المعين ، والأمر سهل بعد ما عرفت تفصيل الحال في أفراد المسألة الذي منه انه إذا ترك النية في المعين عمدا حتى أصبح لم يجزه تجديد النية قبل الزوال لعدم الدليل‌

١٩٨

فيبقى على مقتضى القواعد ، لكن في البيان جعل الاجزاء وجها ، وأقرب منه العدم ، وفي الكتاب فيما يأتي ولو قيل بانعقاده كان أشبه ، ولا ريب في ضعفه ، فيجب عليه حينئذ القضاء.

بل لا يبعد وجوب الكفارة وفاقا للمحكي عن أبي الصلاح ، بل في البيان ان به كان يفتي بعض مشايخنا المعاصرين ، لأن فوات الشرط أو الركن أشد من فوات متعلق الإمساك ، بل ما نحن فيه أشد قطعا ، ضرورة انه من أفراده العاصي الذي قصد عدم الامتثال وعزم عليه إلا انه اتفق إمساكه عن المفطرات لعارض في بدنه أو غيره ، ومن ذلك يظهر لك ضعف القول بعدم الكفارة وان قطع به الفاضل في المحكي من المنتهى وقواه في المدارك لا صالة البراءة المقطوعة بما يظهر من نصوص الكفارة الآتية.

ولو نوى من الليل صوما غير معين ثم نوى الإفطار ولم يفطر كان له تجديد النية بعد ذلك بناء على ان ذلك مفسد للصوم ، كما لو أصبح بنية الإفطار ثم جدد النية بعد ذلك ، ويحتمل العدم لفساد الصوم بذلك كما هو المفروض ، فلا يكون له التجديد ، ولا ريب في ضعفه ، هذا ، وفي المدارك تبعا لما سمعته من المسالك في الجملة « ولو جدد النية في أثناء النهار فهل يحكم له بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية ، أو من ابتداء النهار ، أو يفرق بين ما إذا وقعت النية بعد الزوال أو قبله؟ أوجه أجودها الأخير لصحيح هشام بن سالم » قلت : قد عرفت إرادة تفاوت الفضل من الصحيح لا أصل الثواب المترتب على صدق اسم الصيام الشامل لما نحن فيه بالأدلة الشرعية التي لا معنى لاستبعاد تأثير النية فيما مضى بعدها هنا على ان معنى تأثيرها احتساب اليوم بجميعه يوم صيام ، فالإمساك المتأخر أشبه شي‌ء بإجازة الفضولي في التأثير في السابق ، لا انه ينوي التقرب فيما مضى من إمساكه ، لعدم معقوليته على وجه الحقيقة ، كما هو واضح ، والله اعلم.

١٩٩

وكيف كان فقد ظهر لك من ذلك ابتداء وقت النية وانتهائه ، فما قيل من انه يختص رمضان بجواز تقديم نيته عليه وانه لو سها عند دخوله فصام كانت النية الأولى كافية كما هو خيرة النهاية والمبسوط والخلاف واضح البطلان ، قال في الأول : « إن نسي أن يعزم على الصوم في أول الشهر وذكر في بعض النهار جدد النية وقد أجزأه ، فان لم يذكرها وكان من عزمة قبل حضور الشهر صيام الشهر إذا حضر فقد أجزأه أيضا ، فان لم يكن في عزمه ذلك وجب عليه القضاء » وفي الثاني « نية القربة يجوز ان تكون متقدمة ، فإنه إذا كان من نيته صوم الشهر إذا حضر ثم دخل عليه الشهر ولم يجددها لسهو لحقه أو نوم أو إغماء كان صومه صحيحا ، فان كان ذاكرا فلا بد من تجديدها » وفي الثالث « وأجاز أصحابنا في نية القربة في شهر رمضان خاصة ان تتقدم على الشهر بيوم أو أيام » وحاصلها بعد رجوع بعضها إلى بعض الاجتزاء بذلك للناسي مثلا خاصة ، فأما الذاكر فلا يجتزى به إجماعا في المختلف بل في البيان قولا واحدا ، وهو شي‌ء غريب ، بل لا يوافق ما ذكر دليلا له من ان مقارنة النية ليست شرطا في الصوم ، فكما جاز ان تتقدم من أول ليلة الصوم وإن تعقبها النوم والأكل والشرب والجماع جاز أن تتقدم على تلك الليلة بالزمان المتقارب كاليومين والثلاث إذ هو ـ مع انه قياس ومع الفارق اعتبارا ودليلا من الإجماع بقسميه والنصوص التي منها خبر التبييت ـ يقتضي الاجتزاء بذلك مع الذكر أيضا ، ويكفي ذلك في ضعف هذا القول وسقوطه ، والله اعلم.

وكذا قيل : تجزي نية واحدة لصيام الشهر كله لكن القائل هنا الشيخان والمرتضى وأبو الصلاح وسلار وابن زهرة وغيرهم ، بل عن المنتهى نسبته إلى الأصحاب من غير نقل خلاف ، بل في المحكي عن الرسية للمرتضى‌

٢٠٠