جواهر الكلام - ج ١٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

لا نجعل أحدا منكم في حل ».

والحسن (١) كالصحيح « كنت عند أبي جعفر الثاني عليه‌السلام إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل وكان يتولى له الوقف بقم ، فقال : يا سيدي اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل فإني أنفقتها ، فقال له : أنت في حل ، فلما خرج صالح قال أبو جعفر عليه‌السلام : أحدهم يثب على أموال آل محمد ويتاماهم ومساكينهم وفقرائهم وأبناء سبيلهم فيأخذها ثم يجي‌ء فيقول : اجعلني في حل ، أتراه ظن اني أقول لا افعل ، والله ليسألنهم الله تعالى يوم القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا ».

وخبر أبي بصير (٢) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما أيسر ما يدخل به العبد النار ، قال : من أكل من مال اليتيم درهما ونحن اليتيم » وصحيحة علي ابن مهزيار (٣) الطويلة المتقدمة في الأبحاث السابقة ، والمحكي من عبارة الفقه الرضوي (٤) المشتملة على المبالغة في التشديد بإخراجه.

وخبر الحسين بن حمدان (٥) المروي عن الخرائج والجرائح في حديث عن صاحب الزمان عليه‌السلام « انه رآه وتحته بغلة شهباء وهو متعمم بعمامة خضراء يرى منه سواد عينيه ، وفي رجله خفان حمراوان ، فقال : يا حسين كم ترزأ على الناحية ولم تمنع أصحابي من خمس مالك ـ ثم قال ـ : إذا مضيت إلى الموضع الذي تريد أن تدخله عفوا وكسبت ما كسبت تحمل خمسه إلى مستحقه ، قال : قلت : السمع والطاعة ـ ثم ذكر في آخره ـ أن العمري أتاه وأخذ خمس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٥.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٨.

١٦١

ماله بعد ما أخبره بما كان ».

وخبر أبي الحسن الأسدي (١) عن أبيه المروي عن الإكمال ، قال : « ورد على توقيع من محمد بن عثمان العمري ابتداء لم يتقدمه سؤال ، بسم الله الرحمن الرحيم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من استحل من ما لنا درهما ـ إلى ان قال ـ : فقلت : في نفسي إن ذلك في كل من استحل محرما ، فأي فضيلة في ذلك للحجة ، فو الله لقد نظرت بعد ذلك التوقيع فوجدته قد انقلب إلى ما وقع في نفسي بسم الله الرحمن الرحيم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على كل من أكل من ما لنا درهما حراما ، قال الخزاعي : وأخرج إلينا أبو علي الأسدي هذا التوقيع حتى نظرنا فيه وقرأناه ».

وخبر محمد بن جعفر الأسدي (٢) قال : « كان فيما ورد على الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه في جواب مسائلي إلى صاحب الدار عليه‌السلام وأما ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا ويتصرف فيه تصرفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه فقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المستحل من عترتي ما حرم الله ملعون على لساني ولسان كل نبي مجاب ، فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين لنا ، لعنة الله عليه ، يقول الله عز وجل (٣) ( أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظّالِمِينَ ) إلى ان قال ـ : وأما ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا هل يجوز القيام بعمارتها وأداء الخراج منها وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية احتسابا للأجر وتقربا إليكم فلا يحل لأحد ان يتصرف في مال غيرنا بغير إذنه فكيف يحل ذلك في ما لنا ، انه من فعل شيئا من ذلك بغير أمرنا فقد استحل منا ما حرم عليه ، ومن أكل من ما لنا شيئا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٦.

(٣) سورة هود (ع) ـ الآية ٢١.

١٦٢

فإنما يأكل في بطنه نارا ، وسيصلى سعيرا » إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي مر في أثناء الأبحاث السابقة شطر منها من خبر الريان بن الصلت (١) وصحيح ابن مهزيار (٢) عن أبي علي بن راشد ، وخبر محمد بن علي بن شجاع النيسابوري (٣) وغيرها مما لا يمكن الإحاطة بها ، ولقد أجاد بعض مشايخنا في دعوى تواترها.

ومع ذلك فهي معتضدة بالاعتبار المستفاد من جملة من الأخبار (٤) المشتملة على بيان حكمة مشروعية الخمس للذرية ، وانه عوض عن الزكاة صيانة لهم من الأوساخ ، وكفا لماء وجوههم ، بل ومعتضدة بالمعلوم من سبر أخبار غير المقام بل وبعض أخباره (٥) من أن لهم عليهم‌السلام وكلاء في الأطراف على قبض الأخماس ، خصوصا في الغيبة الصغرى التي هي نيف وسبعون سنة ، فان النواب الأربعة كانوا يقبضون فيها الأخماس ويعملون بها بأمره كما اعترف به المجلسي وغيره ، بل قيل : وبظاهر الكتاب أيضا ، وما كان مثله من السنة أيضا كأخبار كيفية القسمة (٦) وغيرها ، وإن كان قد يقال لا دلالة فيها على عدم التحليل والإباحة ، بل أقصى ما يستفاد منها حكم وضعي هو ثبوت الخمس الذي لا ينافيه ورود التحليل منهم بل يؤكده ، اللهم إلا ان يدعى إرادة التكليفي منه الذي هو أداؤه إلى مستحقيه ، فينافيه حينئذ أخبار الإباحة ، ويحتاج تقديمها إلى مرجح وليس ، بل هو على العكس قائم بسبب الاعتضاد بالأصول وأخبار الباب وغيرها من حرمة التصرف بمال الغير ونحوها ، مضافا إلى الاعتضاد بفتاوى الأصحاب ، إذ القائل بتحليل تمام الخمس في غاية الندرة ، بل لعله لا يقدح في تحصيل الإجماع على خلافه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس.

١٦٣

والمناقشة في دلالة الآية باختصاصها بالغنائم المختصة بحال الحضور دون الغيبة. وبأنها من خطاب المشافهة المحتاج تعديه إلى غيره إلى الإجماع ، وهو انما يتم مع التوافق في الشرائط الممنوع في محل البحث في غاية الضعف ، كما أشرنا إليه فيما تقدم من البحث في خمس أرباح المكاسب ، كالمناقشة في دلالتها ودلالة ما ماثلها من الأخبار على استحقاق الأصناف وملكيتهم نصف الخمس لينافي التحليل من الامام عليه‌السلام له ، وإن أطنب في بيانها في الذخيرة كما أنه أطنب في الحدائق والرياض في رده لكن ليس للجميع ثمرة يعتد بها ، لتناهي أصل المناقشة في الوهن بحيث لا تحتاج إلى شد حيزوم أو تشمير ساعد.

وبالجملة لا ريب في مرجوحية أخبار التحليل بالنسبة إلى ما دل على عدمه من وجوه كثيرة ، فلا وجه للجمع بينهما بتقييد الثانية بأخبار التحليل الذي لا يقبله كثير منها ، إذ هو فرع التكافؤ المفقود هنا ، أو بحمل الأولى على زمن الغيبة والثانية على الحضور الذي يأباه كل منهما ، ضرورة ظهور أخبار التحليل أو صراحتها في الحضور أو في الأعم منه ومن الغيبة ، كظهور مقابله فيه أيضا ، بل لعل بعضها في الغيبة أظهر منه في الحضور ، خصوصا ما تضمن حكمة مشروعية الخمس وتعويضهم عنه بدل الزكاة ، وإرادة كف وجوه ذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن السؤال والذل والمسكنة ، وانه لو يعلم الله عدم كفايته لهم لشرع لهم غيره ، أو بغير ذلك من أوجه الجمع التي يقطع بفسادها بأدنى نظر وتأمل ، ولقد أجاد في السرائر في رد هذا القول بعد ان حكاه عن قوم بأنه لا يجوز العمل عليه ولا يلتفت اليه ولا يعرج عليه ، لأنه ضد الدليل ونقيض الاحتياط وأصول المذهب وتصرف في مال الغير بغير إذن قاطع ، فلا يجوز العمل به على حال ، إلى آخره ، ونحوه غيره من أساطين الأصحاب ، على انه لم يظهر لنا مراد قائله هل هو سقوط الخمس بحيث لو أخرجه من كان في يده على انه خمس وتناوله أحد منه كان‌

١٦٤

أكل مال بالباطل ، أو عدم وجوبه عليه وإن كان لو أخرجه صح لأهله تناوله ، أو أن المراد الإباحة لغير من في يده من الشيعة ، وإلا فهو يجب عليه إخراجه ، وإن كان الظاهر إرادته الوسط ، بل قد يقطع بعدم إرادته الأخير ، لكن على كل حال ضعف هذا القول في غاية الوضوح.

ومن هنا قيل على ما حكاه غير واحد من أجلاء الأصحاب بأنه يجب عزله وحفظه ثم يوصى به إلى ثقة عند ظهور إمارة الموت وهكذا حتى يصل إلى صاحب الأمر عليه‌السلام روحي لروحه الفداء ، إلا اني لم أعرف قائله بالخصوص وإن نسبه بعضهم إلى المفيد في المقنعة ، لكن ظني انه وهم كما لا يخفى على من تدبر عبارتها تماما ، فإنه وإن كان قد حكى القول بالسقوط وبالدفن وباستحباب صلة الذرية وفقراء الشيعة والقول بالوصية به ، وقال : « إن هذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم ، لأن الخمس حق وجب لصاحبه عليه‌السلام لم يرسم ما يصنع فيه قبل غيبته حتى يجب الانتهاء اليه فوجب حفظه عليه إلى وقت إيابه والتمكن من إيصاله اليه » إلا انه قال بعد ذلك بلا فاصل : « وإن ذهب ذاهب إلى ما ذكرناه في شطر الخمس الذي هو خالص للإمام عليه‌السلام وجعل الشطر الآخر لأيتام آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبناء سبيلهم ومساكينهم على ما جاء في القرآن لم يبعد إصابة الحق في ذلك ، بل كان على صواب » وظاهره اختيار الأخير ، ونحوه في ذلك الحلي في سرائره ، بل هو أصرح فيما قلناه.

وكيف كان فلم نقف له على دليل سوى ما أشار إليه من كون الخمس حقا لإمام لم يأمرنا ما نصنع فيه ، فيجب حفظنا له كما في سائر الأمانات الشرعية ، وفيه ـ مع ما في الإيداع من التغرير بالمال وتعريضه للتلف سيما في مثل هذه الأوقات ـ منع كونه تماما للإمام عليه‌السلام إن أراد الملكية والاستحقاق كما بيناه سابقا ، ودلت عليه الآية وأخبار القسمة وغيرها ، وإن ناقش فيه بعض‌

١٦٥

متأخري المتأخرين بما لا ينبغي الإصغاء اليه ، ولكن أطنب في رده بعض الناس بل وكذا إن أراد ولاية التصرف والقسمة المقتضيين تسليمه بيده عليه‌السلام ليعطي من يشاء كيف يشاء ويمنع من يشاء ، لعدم ظهور دليلها في الأعم من حالتي الظهور والغيبة ، وكيف وقد ناقش بعضهم في وجوبها حال الحضور ، فجوز دفع نصف الخمس إلى أهله لمن كان في يده تمسكا بالأصل وإطلاق أدلة استحقاقهم له ووجوبه على من كان في يده كما تقدم البحث فيه سابقا ، وإن كان الأصح عندنا وجوب الدفع للإمام عليه‌السلام حال الظهور ، لما عرفت.

إلا ان الانصاف عدم ظهور في الأدلة السابقة فيما يشمل مثل هذا الزمان ، بل قد يظهر من بعضها خلافه ، خصوصا ما دل منها على حكمة مشروعية الخمس السابقة ، بل في‌ المروي عن كتاب الطرائف لابن طاوس بإسناده عن عيسى بن المستفاد (١) عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام تصريح بخلافه ، قال : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لأبي ذر وسلمان والمقداد : أشهدوني على أنفسكم بشهادة ان لا إله إلا الله ـ إلى ان قال ـ : وأن علي بن أبي طالب عليه‌السلام وصي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمير المؤمنين وأن طاعته طاعة الله وطاعة رسوله ، والأئمة من ولده عليهم‌السلام وأن مودة أهل بيته مفروضة واجبة على كل مؤمن ومؤمنة مع إقام الصلاة لوقتها ، وإخراج الزكاة من جلها ، ووضعها في أهلها ، وإخراج الخمس من كل ما يملكه احد من الناس حتى يدفعه إلى ولي المؤمنين وأميرهم ، ومن بعده من الأئمة (ع) من ولده فمن عجز ولم يقدر إلا على اليسير من المال فليدفع ذلك الى الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمة عليهم‌السلام ، فمن لم يقدر على ذلك فلشيعتهم ممن لا يأكل بهم الناس ولا يريد بهم إلا الله تعالى ـ الى ان قال ـ : فهذه شروط الإسلام » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢١.

١٦٦

فيبقى حينئذ ما دل على استحقاقهم النصف وملكهم إياه المقتضيين تسليمه إياهم كما هو الموافق لأصول المذهب على حاله سالما عن المعارض ، مقتصرا في الخروج عنه على المتيقن ، وهو حال الظهور دون غيره ، كالزكاة التي الخمس بدل عنها ، فإنها لا تسقط ولا يوصى بها إجماعا في هذه الأزمان وان كان يجب تسليمها للإمام عليه‌السلام عند الظهور ، اللهم إلا أن يفرق بينهما بظهور أشدية تعلق حق الامام عليه‌السلام بالخمس دونها ، ولذا لو زاد كان له.

بل ربما قيل أو يقال انه بأجمعه له ، كما يومي اليه إضافته إلى نفسه وتصرفه به بالتحليل وغيره وإن كان يجب ان يصرف منه على الأصناف الثلاثة ما يكفيهم بل وعن غيره لو نقص عنهم ، ففي الحقيقة جعلهم الله عيالا له ، وأوجب له في رقاب الناس ذلك مقابلة هذه العيلولة ، إلا أن التحقيق ما قدمناه سابقا الذي ظاهر الأصحاب الاتفاق عليه ، ومع الإغضاء عن ذلك كله فيندفع جميع ما تقدم بتسليمه الى الفقيه المأمون الذي هو وكيله على كل ما كان يفعله من القسمة ونحوها ، إذ احتمال قصر وكالته على خصوص القضاء والفتوى كما في الحدائق ضعيف جدا مناف لما عليه الأصحاب في سائر الأبواب ، بل وللمعلوم من ضرورة المذهب.

وعلى كل حال فهذا القول في غاية السقوط ، وأولى منه بذلك ما حكاه الشيخان والحلي وغيرهم ، بل أشار إليه المصنف بقوله قيل من انه يجب ان يدفن تمام الخمس ، إذ هو ـ مع انه مجهول القائل مناف للاحتياط والاعتبار والكتاب والسنة وفتاوى الأصحاب والأصول العقلية والشرعية ـ لم نقف له على دليل سوى ما أرسل (١) من ظهور الكنوز عند قيام القائم عليه‌السلام ، وهو ـ مع انه ليس بحجة في نفسه فضلا عن أن يعارض تلك الحجج ، بل أقصاه‌

__________________

(١) البحار المجلد ١٣ ص ١٧٧ « باب خروجه عليه‌السلام وما يدل عليه » الطبعة الكمباني.

١٦٧

ظهور الكنوز التي تصادف قيامه عليه‌السلام ، وإلا فقد تتلف أو تلتقط قبل ذلك ـ لا دلالة فيه على الاذن بذلك فضلا عن الأمر به ، كما هو واضح لا يحتاج إلى بيان.

وأما ما قيل من انه يصرف النصف إلى مستحقيه ويحفظ ما يختص به بالوصاية أو الدفن فهو جيد جدا بالنسبة للشق الأول منه موافق للمشهور بين الأصحاب قديما وحديثا نقلا وتحصيلا إن لم يكن المجمع عليه ، وللأصول والكتاب والسنة التي قد علمت قصور أخبار التحليل عن مقاومتها ، بل يجب تنزيلها على ما ذكره غير واحد ناقلا له عن الأصحاب من إباحة المناكح أو هي والقسمين الآخرين معها ، وإن كان لا يساعده سياق كثير منها كما تقدمت الإشارة إليه سابقا ، أو على ما حكي عن المجلسي في بعض حواشيه على التهذيب والكافي من إرادة الإباحة والتحليل قبل إخراج الخمس بمعنى ان له ضمانه في ذمته ثم يتصرف بما فيه عين الخمس في المناكح والمساكن والمتاجر لا سقوط الخمس وبراءة الذمة منه ، وإن كان فيه من العجب ما لا يخفى ، بل هو مخالف للمجمع عليه بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، ضرورة معلومية الإباحة في الأمور الثلاثة بالتفاسير المتقدمة ، بمعنى سقوط الخمس منها كما مر الكلام فيه مفصلا ، أو على إرادة الإباحة من حقوقهم عليهم‌السلام خاصة في زمانهم لا الإباحة الشاملة لحق الأصناف وحق الصاحب عليه‌السلام في زمانه ، إذ من المعلوم انه في الغيبة الصغرى وهي نيف وسبعون ستة كان الوكلاء الأربعة المشهورون يقبضون حقه بل سائر الخمس من الشيعة ويعملون به بأمره عليه‌السلام ، وإن كان أيضا لا يلائمه ما في جملة منها من إرادة دوام الإباحة منها وعمومها ، على انه ورد منه عليه‌السلام في التوقيع السابق الإباحة ، أو على ما أشرنا إليه غير مرة من إرادة‌

١٦٨

تحليل ما تعلق فيه الخمس في يد غيرنا من المخالفين وغيرهم منكحا كان أو مسكنا أو متجرا أو غيرها ، ولو فرض فيها ما يأبى ذلك وكان معتبر السند أمكن حمله على إباحة خصوص ذلك الامام عليه‌السلام في ذلك الزمان أو غير ذلك.

واما الشق الثاني منه فهو وإن كان مال إليه في المقنعة واختاره في النهاية لما سمعته في وجهي القولين السابقين لكن في الدفن الذي هو أحد فردي التخيير منه ما عرفت ، ومن هنا اقتصر في السرائر بعد اختياره له على الفرد الأول منه مصرحا بعدم جواز الثاني ، كالمحكي من عبارة ابن البراج وأبي الصلاح بل في السرائر « أن هذا القول هو الذي يقتضيه الدين وأصول المذهب وأدلة العقول وأدلة الفقه وأدلة الاحتياط ، واليه يذهب وعليه يعول جميع محققي أصحابنا المصنفين المحصلين الباحثين عن مأخذ الشريعة وجهابذة الأدلة ونقاد الآثار بغير خلاف بينهم » الى آخره ، لكن قد يناقش فيه أيضا بأنه يتم حيث لا دليل يدل على وجوب دفعه الى قبيلة من الأصناف الثلاثة كما ادعاه فيها بل حكى عن سائر المحصلين التصريح بعدم نص فيه معين ، وأطنب بنقل عبارات بعض من صرح بذلك أو يظهر منه كالمفيد والمرتضى والشيخ ، وهو ممنوع ، إذ قد يستدل عليه ـ مضافا إلى الفحوى المورثة علما برضاه في الدفع إلى أقاربه وعياله المحتاجين الحيارى ذكورا وأناثا الذين لا يعلمون كيف يفعلون ولا يدرون اين يتوجهون خصوصا مع عداوة أكثر الناس لهم ، وإرادتهم إراقة دمائهم بغضا وحسدا لآبائهم ، بل قد يقطع من ذلك ونحوه بعدم رضاه في المنع فضلا عن إذنه بالجواز وكيف وقد كانوا يبيحون ما هو أعظم من ذلك للأجانب عنهم مع حاجتهم اليه فضلا عن أقاربهم وغناهم عنه ، وإلى معرضية للتلف إن لم يدفع ، بل لعل ذلك من الإحسان المحض الذي لم يجعل الله سبيلا على فاعله ، وإلى ظاهر خبر عيسى بن‌

١٦٩

المستفاد (١) المروي عن كتاب الظرائف لابن طاوس الذي قدمناه آنفا ـ ما سمعته سابقا من وجوب إتمام الناقص من الخمس عن مئونة الأصناف على الامام عليه‌السلام من ماله وأخذه الزائد للمرسلين (٢) السابقين المنجبرين بما عرفت ، وإن بالغ الحلي في إنكار ذلك وأطنب على ما أشرنا إليه سابقا ، بل استظهر من نفي المفيد وغيره النص في هذه المسألة وإيجابهم الوصية به ونحوها عدم اعتمادهم على هذين المرسلين لكن فيه انه لعلهم لم يعثروا عليهما أو غفلوا عنهما أو لم يتنبهوا لتفريع ذلك على ما فيهما ، أو غير ذلك.

ومن هنا قيل : لا يوصى به ولا يدفن بل يجب أن تصرف حصته عليه‌السلام إلى الأصناف الموجودين أيضا ، لأن عليه الإتمام عند عدم الكفاية ، وكما يجب ذلك مع وجوده فهو واجب عليه عند غيبته لأن الحق الواجب لا يسقط بغيبة من يثبت عليه مؤبدا ، بل اختاره المصنف فقال : وهو الأشبه وفاقا للتحرير وظاهر المحكي من عبارة غرية المفيد وزاد المعاد للمجلسي وكشف الأستاذ والمنقول في الرياض عن الديلمي وجمع من متأخري المتأخرين وإن كنا لم نتحققه ، خصوصا الأول ، إذ المحكي عنه في المختلف الإباحة لسائر الخمس ، ومع التسليم فلم يبلغوا حد الشهرة الجابرة للمرسلين بالنسبة إلى ذلك كي يصح العمل بهما فيه ، بل هي بسيطة ومركبة على خلافه ، إذ الظاهر من مقنعة المفيد والمحكي من جواب مسائل له في السرائر ونهاية الشيخ وعن مبسوطة بل وغيره من كتبه وسرائر الحلي وما عن ابن البراج وأبي الصلاح وغيرهم وجوب الوصية به ونحوها لا جواز الدفع إليهم فضلا عن وجوبه ، وفي الوسيلة « أنه يقسم بين مواليه والعارفين بحقه من أهل الفقه والصلاح والسداد » وأما المتأخرون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ١ و ٢.

١٧٠

فالمصنف في النافع والفاضل في المختلف والإرشاد والقواعد وظاهر المنتهى والشهيدان في الدروس والبيان واللمعة وظاهر الروضة وغيرهم على جواز الدفع والتخيير بينه وبين الوصية ونحوها لا وجوبه ، بل نسبه إلى المشهور في الروضة وإلى كثير في الرياض ، بل ظاهر موضع آخر من الثاني انه الذي استقر عليه رأي المتأخرين ، وفي المدارك والمفاتيح والوافي والحدائق سقوطه في زمن الغيبة ، فأي شهرة يمكن أن تدعى حينئذ على الوجوب ، بل هي على الخلاف متحققة إن لم يكن إجماع ، بل لا صراحة في المتن والتحرير والمحكي من عبارة الغرية بإرادة الوجوب وإن كان ما ذكر دليلا للحكم في الأولين من إيجاب الإتمام ظاهرا في ذلك أو صريحا ، ومن العجيب ذكره ذلك في المختلف والمنتهى بل وغيرهما دليلا للجواز مع اقتضائه الوجوب ، فتأمل.

وكيف كان فالعمل بالمرسلين السابقين غير موافق لأصول المذهب بعد ما عرفت ، واحتمال عدم احتياج العمل بهما بالنسبة إلى ذلك إلى جابر ـ إذ ليس هو مدلولهما بل هو لازم ما تضمناه من قسمة الامام عليه‌السلام الخمس بينهم قدر الكفاية ، فإن أعوز كان عليه ، وإن زاد كان له الذي قد عرفت انجباره بعمل الأصحاب هناك ، بل لا خلاف فيه إلا من الحلي كما قدمنا البحث فيه سابقا ـ يدفعه انه عمل بهما ، وذلك لاستفادة وجوب الإتمام عليه في هذا الزمان منهما المقتضي استحقاقهم أخذ حقه ووجوب دفع الوكيل الذي هو الفقيه إياه إليهم تفريغا لذمة الإمام عليه‌السلام كما أومأ إليهم تعليل غير واحد منهم بعدم سقوط الوجوب بالغيبة ، على أنه لو سلم ذلك كله لأمكن المناقشة في دلالتهما بما ذكرناه سابقا في محله من ظهور هما في كيفية قسمة تمام ما شرعه الله تعالى من الخمس حال انبساط يد الامام عليه‌السلام وظهور سلطانه وتساوي الغريب والبعيد اليه والقوي والضعيف المقتضي لجلب تمام ما يحصل من الخمس اليه ، فيقسمه هذه القسمة‌

١٧١

المسطورة نحو ما يقسم ما يحصل من الزكاة كذلك ، قال في المرسل المزبور (١) المشتمل على قسمة الخمس كما عرفت في حاصل الأرض المفتوحة عنوة « بدأ فأخرج منه العشر من الجميع مما سقت السماء أو سقي سيحا ، ونصف العشر مما سقي بالدوالي والنواضح ، فأخذه الوالي فوجهه في الجهة التي وجهها الله على ثمانية أسهم ( لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) ثمانية أسهم ، تقسم بينهم في مواضعهم بقدر ما يستغنون به في سنتهم بلا ضيق ولا تقتير ، فان فضل من ذلك شي‌ء رد إلى الوالي ، وإن نقص من ذلك شي‌ء ولم يكتفوا به كان على الوالي أن يمونهم من عنده بقدر سعتهم حتى يستغنوا » إلى آخره ، وفي‌ المرسل المزبور أيضا (٢) « وهو وارث من لا وارث له ، يعول من لا حيلة له » إلى غير ذلك مما هو ظاهر في أن ذلك عند بسط يد الامام عليه‌السلام لا في مثل زمن الغيبة أو نحوه مما كان فيه الامام عليه‌السلام بهذا الحال ، فإنه لا يجب عليه قطعا ـ لو اتفق حصول الجزء اليسير في يده الذي هو كالعدم بالنسبة إلى الخمس كله ـ إعطاؤه تماما للأصناف ودفعه إليهم ، كما هو واضح لا يحتاج إلى بيان ، خصوصا مع خلو الأخبار الواردة عنهم عليهم‌السلام عن فعل أحد منهم شيئا من ذلك مع انه كان لهم وكلاء في البلدان على قبض ما يحصل من ذلك وغيره ، بل ظاهر ما ورد عنهم قبض حقهم لهم مما اتفق حصوله منه وإباحة من أرادوا إباحته ، ولو كان الأمر كما سمعت لاختص ذلك بالأصناف ، ضرورة كثرتهم وشدة حاجتهم وقلة ما يحصل من الخمس من بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو أول زمان الابتلاء ، ومن المعلوم خلافه ، كما انه من المعلوم عدم وجوب ذلك على الامام عليه‌السلام في مثل هذا الزمان المشرد فيه عن الأوطان ، والذي لم يستطع ان يرى فيه أحدا من أفراد الإنسان ، وكيف‌

__________________

(١) أصول الكافي ج ١ ص ٥٤١ ـ ٥٤٢ الطبع الحديث.

(٢) أصول الكافي ج ١ ص ٥٤١ ـ ٥٤٢ الطبع الحديث.

١٧٢

وسائر لوازم الإمامة ساقطة في هذه الأوقات المشحونة بالمحن والابتلاءات ، ودعوى توكيل الفقيه المأمون في القيام بما يمكن من ذلك عنه ممنوعة كل المنع ، كدعوى القيام حسبة وإن لم يوكله كالولايات ونحوها في وجه.

وبالجملة فدعوى وجوب دفع حق الامام عليه‌السلام للأصناف الآن من حيث وجوب الإتمام عليه حتى في هذا الزمان للمرسلين السابقين مما لا تستأهل أن يسود بها قرطاس أو يستعمل فيها يراع وفي‌ خبر المعلى بن خنيس (١) المروي في أصول الكافي في باب سيرتهم عليهم‌السلام في أنفسهم إذا أظهر أمرهم ، قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام يوما : جعلت فداك ذكرت آل فلان وما هم فيه من النعم ، فقلت : لو كان هذا لكم لعشنا معكم ، فقال عليه‌السلام : هيهات هيهات يا معلى أما والله ان لو كان ذلك ما كان إلا سياسة الليل وسياحة النهار ولبس الخشن وأكل الجشب ، فزوي ذلك عنا ، فهل رأيت ظلامة قط صيرها الله نعمة إلا هذه » وهو كالصريح في سقوط هذه التكاليف عنهم عند قصور اليد ، وأما الاستناد إلى إذن الفحوى بالطريق المتقدم ففيه منع حصول العلم بالرضا بذلك ، إذ المصالح والمفاسد التي في نظر الامام عليه‌السلام مما لا يمكن إحاطة مثلنا به ، خصوصا من لم تزهد نفسه في الدنيا منا ، فقد يكون صلة واحد من شيعته أو إطفاء فتنة بينهم أو فعل أمور لها مدخلية في الدين أولى من كل شي‌ء في نظره ، كما يومي اليه تحليلهم بعض الأشخاص وأقاربهم في شدة الحاجة فكيف يمكن القطع برضاه فيما يفعله غيرهم ، خصوصا مع عدم خلوص النفس من الملكات الردية كالصداقة والقرابة ونحوهما من المصالح الدنيوية ، فقد يفضل على البعض لذلك ويترك الباقي في شدة الجوع والحيرة ، بل ربما يستغني ذلك البعض بقبض ما حصل له فيحتال في قبض غيره إلى تمليك زوجته أو ولده ما عنده‌

__________________

(١) أصول الكافي ج ١ ص ٤١٠ الطبع الحديث.

١٧٣

كي يبقى فقيرا فيقبض ما يشاء ، وكيف يمكن ان يقاس هذا بفعل أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) مع عقيل الذي فر منه لعدم صبره على تلك المئونة ، ويومي إلى جملة مما ذكرنا من عدم الاعتماد على نحو هذه الفحوى في أموالهم عليهم‌السلام ذيل توقيع العمري (٢) الذي ذكرناه سابقا ، بل كاد يكون صريحا في بعضه ، ضرورة انه سأله عما يقطع في نظرنا وخيالنا بأنه إحسان محض وأنه يرضى به المالك ومع ذلك نهاه عنه.

ولو أغضينا عن ذلك كله وتكلفنا الجواب عنه كما لعله مقتضى الانصاف لاتجه منع اقتضاء الفحوى وجوب حصره في الأصناف الثلاثة بحيث لا يجوز صرفه في غيره من الوجوه ولا حفظه والوصية به إلى أن يصل إلى يده عليه‌السلام ، كما هو واضح ، ومن هنا لم يوجبه كثير بل المشهور كما عرفت ، فخيروا بينه وبين الوصية به ، بل في القواعد خير بينهما في تمام الخمس ، فقال : « ومع الغيبة يتخير المكلف بين الحفظ بالوصية به إلى ان يسلم اليه وبين صرف النصف إلى أربابه وحفظ الباقي وبين قسمة حقه على الأصناف » وإن كان فيه منع واضح بالنسبة إلى حصة الأصناف يعرف مما تقدم ، ولذا اقتصر غيره على هذا التخيير في حق الامام عليه‌السلام خاصة جمعا بين ما دل على حكم الأمانة وبين ما دل على جواز دفعه للسادة من إذن الفحوى المستفادة مما عرفت ، ومما ورد من الحث على إعانتهم وإكرامهم وسد فقرهم ، سيما في مثل هذه الأزمان المقتضي للرضا بدفع ذلك إليهم بطريق أولى ، لكن فيه ما سمعت من عدم انحصار ذلك فيهم خاصة ، بل قد يتفق بعض مصارف يقطع الإنسان بأنها أولى‌

__________________

(١) البحار ـ ج ٤٠ ص ٣٤٧ الطبع الحديث ـ الباب ٩٨ من المجلد التاسع الحديث ٢٩ الطبعة الكمباني.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٦.

١٧٤

من إعانة بعض السادة ، خصوصا من لم يكن منهم في غاية الفقر ولا غاية التقوى والصلاح ، ومن هنا لم يخصه ابن حمزة بهم كما سمعته ، بل قال : « إنه ينقسم نصيبه على مواليه العارفين بحقه من أهل الفقر والصلاح والسداد ».

خلافا للحر العاملي في وسائله فجعل الدفع إلى غيرهم مرتبة ثالثة مشروطة بعدم حاجة الأصناف ، واستوجهه في الرياض حيث قال : « وهل يجوز دفعه إلى الموالي كالذرية كما استحسنه ابن حمزة ونفى عنه البعد المفيد في غير الغرية أم لا؟

الوجه التفصيل بين وجود المستحق من الذرية فلا ، ومع فقده فلا بأس به ، لما مر من الاعتبار القطعي وأنه إحسان محض ليس شي‌ء على فاعله » انتهى ، إلا أنك خبير بما فيه من عدم الدليل المعتبر القاطع للعذر في ذلك ، كما انك خبير بأن ما سمعته من ابن حمزة ليس قولا بإباحة حقه عليه‌السلام لشيعته التي ذهب إليها الكاشاني في مفاتيحه ، ومال إليها في المدارك تمسكا بما ورد من أخبار التحليل والإباحة بعد حملها على إرادة حقهم عليهم‌السلام من ذلك وإن جاء بعضها بلفظ الخمس التي قد عرفت إعراض أكثر الأصحاب عنها بالنسبة إلى ذلك ، بل حملوها على ما تقدمت الإشارة اليه أو غيره ، ضرورة اقتضاء ذلك عدم وجوب إخراجه وإفرازه على من وجب عليه من الشيعة ، بخلاف الأول فإنه يوجب إخراجه بل وإيصاله إلى المجتهد على الظاهر وإن جوز له صرفه على من عرفت ، لكن في الحدائق ـ بعد اختياره الإباحة في زمن الغيبة مصرحا بموافقة الكاشاني له وإن اختلف معه في مدرك ذلك ـ نقل قول ابن حمزة وقال : إنه عين ما اخترناه نعم اعترضه بأنه لا دليل على ما ذكره من التخصيص وإن كان أولى ، وأولى منه صرفه على السادة المستحقين ، وفيه ما عرفت ، بل لعل مبنى اعتراضه أن مدركه في التحليل والإباحة ليس إذن الفحوى كي يحتاج في إحرازها إلى هذه الأوصاف ولا أخبار التحليل الواردة من غير صاحب الأمر عليه‌السلام ، لأنها منزلة‌

١٧٥

على التحليل منهم في زمانهم لمن أرادوا تحليله ، فلا يفيد بالنسبة إلى زماننا ، بل هو خصوص التوقيع من صاحب الزمان عليه‌السلام الذي قدمناه سابقا في أخبار التحليل المشتمل على تحليل الخمس تمامه للشيعة الى ان يظهر أمرهم لتطيب ولادتهم ولا تخبث ، إلا أنه يجب الخروج عنه في غير حقه لمكان المعارض دونه فيراد حينئذ منه تحليل حقه من الخمس لا غير ، وفيه أن هذا التوقيع ـ مع معارضته بالتوقيعين وخبر الحسين عن الحجة عليه‌السلام أيضا المتقدمة في أخبار التحريم مقابل أخبار التحليل ، بل وعدم اشتهاره بين أساطين الأصحاب من المفيد والشيخ وغيرهما ، بل قد سمعت ما في المقنعة من الاعتراف بعدم النص وشدة التحير والمحنة ، واحتماله كثيرا من الوجوه التي ذكرناها في غيره من أخبار التحليل ـ انه لا يجوز الاعتماد عليه في قطع الأصول والأدلة كتابا وسنة ، لاشتمال سنده على المجاهيل الذين لا يجوز الركون إلى أخبارهم قبل التبين ، فكيف مع تبين العدم.

ومن ذلك كله يظهر لك سر ما ذكره المفيد من المحنة والحيرة ، لعدم وضوح مأخذ قاطع للعذر لشي‌ء من الأقوال المذكورة ، كما يومي اليه ظهور الاضطراب في هذه المسألة من أساطين الأصحاب في تمام الخمس فضلا عن حق الامام عليه‌السلام منه ، منهم المفيد في مقنعته كما عرفت ، والشيخ في نهايته فإنه ـ بعد أن اعترف بعدم النص المعين فيه ، وحكى القول بالإباحة والوصاية والدفن والتفصيل بين حق الامام عليه‌السلام وغيره ـ قال : وهذا ـ مشيرا إلى الأخير ـ مما ينبغي أن يكون العمل عليه ، ثم قال بعد أن ذكر مستند ذلك : « ولو أن إنسانا استعمل الاحتياط أو عمل على احد الأقوال المقدم ذكرها من الدفن والوصاية لم يكن مأثوما » ونحوه عن مبسوطة.

١٧٦

لكن قد عرفت بحمد الله تعالى وضوح السبيل في مصرف حق غير الامام ، وإن اضطرب فيه من عرفت ، واما حقه عليه‌السلام فالذي يجول في الذهن أن حسن الظن برأفة مولانا صاحب الزمان روحي لروحه الفداء يقضي بعدم مؤاخذتنا في صرفه على المهم من مصارف الأصناف الثلاثة الذين هم عياله في الحقيقة ، بل ولا في صرفه في غير ذلك من مصارف غيرهم مما يرجح على بعضها وإن كان هم أولى وأولى عند التساوي ، أو عدم وضوح الرجحان ، بل لا يبعد في النظر تعين صرفه فيما سمعت بعد البناء على عدم سقوطه ، إذ غيره من الوصية به أو دفنه أو نحوهما تعريض لتلفه وإذهابه من غير فائدة قطعا ، بل هو إتلاف له.

وأقوى من ذلك معاملته معاملة المال المجهول مالكه باعتبار تعذر الوصول إليه روحي له الفداء ، إذ معرفة المالك باسمه ونسبه دون شخصه لا تجدي ، بل لعل حكمه حكم مجهول المالك باعتبار تعذر الوصول اليه للجهل به ، فيتصدق به حينئذ نائب الغيبة عنه ، ويكون ذلك وصولا اليه على حسب غيره من الأموال التي يمتنع إيصالها إلى أصحابها ، والله أعلم بحقائق أحكامه.

المسألة الخامسة أن الحاكم يتولى صرف سهم الإمام (ع) المسألة الخامسة صرح غير واحد بأنه يجب أن يتولى صرف حصة الإمام عليه‌السلام في الأصناف الموجودين بناء على أن الحكم فيه ذلك في زمن الغيبة من اليه الحكم ممن جمع شرائط الفتوى بحق النيابة التي جعلها الشارع له خاصة في أمثال ذلك ، فيصرفه مؤديا به ما على الامام عليه‌السلام من الإتمام للخمس كما يتولى أداء ما يجب على الغائب غير الامام بل في الرياض نسبته إلى المتأخرين ، وفي المسالك الى كل من أوجب صرفه بذلك ، وفي المحكي عن زاد المعاد الى أكثر العلماء ، لانحصار ولاية ذلك وأمثاله فيه. خلافا لما عساه يظهر من المحكي عن غرية المفيد من جواز صرفه لمن‌

١٧٧

في يده ، ومال إليه في الحدائق محتاجا بأنا لم نقف على دليل يوجب صرف الأموال ونحوها اليه لا عموما ولا خصوصا ، بل أقصاه نيابته بالنسبة للترافع والأخذ بحكمه وفتاواه ، وقياسه على النواب الذين ينوبونهم عليهم‌السلام حال وجودهم لذلك أو لما هو أعم منه لا دليل عليه ، وهو وإن كان كما ذكر خصوصا بالنسبة الى ما يخص الامام عليه‌السلام من الأموال ـ إذ دعوى ولايته عن الغائبين حتى الامام وحتى في ذلك كما ترى ، وإلا كان من الواجب دفع تمام الخمس والزكاة اليه على حسب ما كان حال ظهور الامام عليه‌السلام كما اعترف به المجلسي في المحكي عنه من زاد المعاد ، حيث قال : « وأكثر العلماء قد صرحوا بان صاحب المحكي عنه من زاد المعاد ، حيث قال : « وأكثر العلماء قد صرحوا بان صاحب الخمس لو تولى دفع حصة الإمام عليه‌السلام لم تبرأ ذمته بل يجب عليه دفعها الى الحاكم ، وظني أن هذا الحكم جار في جميع الخمس » انتهى. اللهم إلا أن يفرقوا بينهما بظهور الأدلة في ولاية الإمام عليه‌السلام على الخمس والزكاة ونحوهما حال ظهوره ، فيقتصر عليها في الخروج عن ظاهر الخطابات المقتضى الاجزاء بتولي المكلفين بهما صرفهما لا ما يشمل زمان الغيبة ، فتسقط حينئذ ولايته فيه لا أنها باقية حتى يتولاها الحاكم عنه ، وفيه بحث ، على ان ذلك لو سلم لا يجدي فيما نحن فيه من دعوى عموم ولاية الحاكم حتى لمثل المقام الموقوفة على دليل ، وليس ، لكن ظاهر الأصحاب عملا وفتوى في سائر الأبواب عمومها ، بل لعله من المسلمات أو الضروريات عندهم.

بل صرح غير واحد منهم هنا بعدم براءة الذمة لو صرفه غيره وبضمانه ، بل في الكفاية عن الشهيد الثاني إجماع القائلين بوجوب الصرف للأصناف على الضمان ، لكن في كشف الأستاذ « ان للمجتهد الإجازة وإن كان الأحوط الإعادة » كما ان فيه أيضا « لو دفع الى من ظنه مجتهدا فظهر خلافه فان بقيت العين استرجعت‌

١٧٨

منه ، وإن تلفت وكان عالما بأنه حق الصاحب (ع) ضمن ، وإن تعذر إرجاعها وكان الدافع معذورا فلا ضمان عليه ، وإلا ضمن » الى غير ذلك من الأحكام المذكورة هنا المبنية على المفروغية مما عرفت من ولايته ونصبه ، بل في زماننا هذا من يصالح عن حقه بمقدار يحتمل نقيصته وزيادته في ذمة المصالح بمراتب ، ولا يكلف بالدفع حتى يتيقن البراءة أو لا يتيقن بقاء الشغل ، وبالجملة يجرونه مجرى حضور الامام عليه‌السلام بالنسبة الى جميع ذلك ، ومنه عدم جواز تولي غيره صرفه ، نعم في كشف الأستاذ « جوازه لعدول المسلمين إذا تعذر الوصول اليه ولم يمكن حفظ المال حتى يصل الخبر » كما أن فيه وفي غيره التصريح بجواز التوكيل فيه ، إلا انه لا يخفى عليك عدم جرأة المتورع على بعض هذه الاحكام ، لعدم وضوح مأخذها خصوصا بعد ان شرع له العقل والشرع طريق الاحتياط.

ثم إن ظاهر بعضهم ان إيجاب الدفع المزبور للحاكم إنما هو حيث نقول بأن الحكم فيه الصرف وإلا فبناء على وجوب حفظه لأنه أمانة أو التخيير بينه وبين الدفع واختار المكلف الحفظ مثلا لا يجب ، وقد يشكل بأن مقتضى ولاية المجتهد ومنصوبيته وجوب تسليمه إليه لأن وصوله اليه وصول الى مالكه ، ثم هو يرى رأيه فيه من دفع للأصناف أو حفظ أو غيرهما كما هو ظاهر الروضة أو صريحها ، وقد يدفع بمنع الولاية له على حفظ مال الغائب الذي هو في يد أمين ولو شرعي مكلف بحفظه حتى يوصله الى مالكه بل قد يشكل وجوب الدفع اليه ولو للصرف بناء على ان تصرفه فيه باذن الفحوى ونحوها لا لتأدية واجب عن الامام عليه‌السلام ضرورة جواز التصرف لمن تحصل له وان لم يكن الحاكم إذ ليس له خصوصية حينئذ ، بل لا يجب دفعه اليه وان كانت الفحوى حاصلة له أي الحاكم دونه ، بل لعله لا يجوز له في وجه ، اللهم إلا أن يكون دفعه اليه لتشخيص كونه مالا له ، ضرورة عدم طريق الى تعينه غير قبض النائب في‌

١٧٩

زمن الغيبة ، إذ ليس هو كقبض المستحق في الزكاة ونصف الخمس ، لكونه مال شخص مخصوص لا يتعين بعد إشاعته في المال إلا بقبضه أو من يقوم مقامه كما هو واضح ، فتأمل جيدا فان كثيرا من مباحث المقام غير محرر في كلام الأصحاب كما أشرنا إلى بعضه فيما تقدم ومنها ما نحن فيه من ولاية الحاكم على نحو ما عرفت ، فلم يحرروا أن ذلك له من باب الحسبة أو غيرها ، وعلى الأول ما وجه تقديمها على ولاية عدول المؤمنين ، وعلى الثاني فهل هي إنشاء ولاية ونصب له من الله تعالى على لسان الإمام ، أو بعنوان النيابة عنه والوكالة ، وإلا فالولاية له ، وعلى الأخير فهل هي على الإطلاق بحيث له عزل وكيل مجتهد آخر ، وله الوكالة عن الامام عليه‌السلام لا عنه فلا ينعزل بموته أو جنونه أو غيرهما مما ينعزل بها الوكيل عن وكالته ، أو ليس له شي‌ء من ذلك بل يوكل عن نفسه خاصة ، لكن على تقديره فهل إطلاق توكيله ينصرف إلى الأول أو الثاني وان كان الظاهر في هذا الأخير الثاني ، كما أن الظاهر قصر وكالة الحاكم عن الامام عليه‌السلام على مناصب الإمامة والولايات العامة لا ما يشمل أموره المختصة به من ضياعه وجواريه وغير ذلك إلا من حيث الولاية على الغائب اما لو أريد إدخال شي‌ء الآن مثلا في ملك القائم عليه‌السلام متوقف على قبول ونحوه لم يكن له القبول بناء على عدم عموم ولايته عن الغائبين في أمثال ذلك ، بل هي خاصة في حفظ أموالهم وتأدية ما يجب عنهم ، ثم ان جملة من هذه المباحث يأتي تحقيقها في القضاء والله اعلم. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا على تواتر آلائه ووفور نعمائه ، وصلى الله على محمد وآله ذوي الأيادي العظيمة والمنن الجسيمة التي منها توفيقنا ببركاتهم لا تمام كتاب الخمس ضحوة يوم الخميس تاسع عشر من عاشوراء من السنة الحادية والثلاثين بعد الالف والمائتين.

١٨٠