جواهر الكلام - ج ١٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

التصرفات لنا فيها من مأكل ومشرب ولباس وبيع وغيره وإن كان محرما عليهم ، لا إرادة إباحة الخمس المتعلق في أموال الشيعة بسبب اكتساب أو عثور على كنز أو نحو ذلك من أسبابه المتقدمة ، وكيف وقد أكدوا صلوات الله عليهم وجوبه وشددوا النكير على من ترك إخراجه ، بل في بعض الأخبار لعنه كما سيأتي إن شاء الله ذكر جملة منها ، وبذلك حينئذ يجمع بين أخبار الإباحة وأخبار الحث على إخراجه وإيصاله إلى اهله ، وإن أشكل ذلك على كثير من الأصحاب حتى وقعوا من جهته في كمال الاضطراب على ما ستعرف إن شاء الله.

وكيف كان فسير هذه الأخبار المعتبرة الكثيرة التي كادت تكون متواترة المشتملة على التعليل العجيب والسر الغريب يشرف الفقيه على القطع باباحتهم (ع) شيعتهم زمن الغيبة ، بل والحضور الذي هو كالغيبة في قصور اليد وعدم بسطها سائر حقوقهم عليهم‌السلام في الأنفال ، بل وغيرها مما كان في أيديهم ، وأمره راجع إليهم مما هو مشترك بين المسلمين ، ثم صار في أيدي غيرهم من أعدائهم كما نص عليه الأستاذ في كشفه ، ولقد أجاد حيث قال بعد تعداده الأنفال : « وكل شي‌ء يكون بيد الامام عليه‌السلام مما اختص أو اشترك بين المسلمين يجوز أخذه من يد حاكم الجور بشراء أو غيره من الهبات والمعاوضات والإجارات ، لأنهم أحلوا ذلك للإمامية من شيعتهم » إلى آخره ، من غير فرق بين الفقير منهم والغني نعم في خصوص ميراث من لا وارث له الخلاف السابق الذي ليس ذا محل تحريره أما غير الشيعة فهو محرم عليهم أشد تحريم وأبلغه ، ولا يدخل في أملاكهم شي‌ء منها ، كما هو قضية أصول المذهب بل ضرورته ، لكن في الحواشي المنسوبة للشهيد على القواعد عند قول العلامة : « ولا يجوز التصرف في حقه بغير إذنه ، والفائدة حينئذ له » قال : « ولو استولى غيرنا من المخالفين عليها فالأصح انه يملك لشبهة الاعتقاد كالمقاسمة وتملك الذمي الخمر والخنزير ، فحينئذ لا يجوز انتزاع ما يأخذه‌

١٤١

المخالف من ذلك كله ، وكذا ما يؤخذ من الآجام ورؤوس الجبال وبطون الأودية لا يحل انتزاعه من آخذه وإن كان كافرا ، وهو ملحق بالمباحات المملوكة بالنية لكل متملك ، وآخذه غاصب تبطل صلاته في أول وقتها حتى يرده » انتهى وفيه بحث لإمكان منع شمول ما دل على وجوب مجاراتهم على اعتقادهم ودينهم لمثل ذلك من استباحة تمليك الأموال ونحوه ، خصوصا بالنسبة للمخالفين ، وإن‌ ورد (١) « ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم » على ان ذلك لا يقضي بصيرورته كالمباح الذي يملك بالحيازة والنية لكل احد حتى من لم يرد أمر باجرائهم ومعاملتهم على ما عندهم من الدين ، وكيف وظاهر الأخبار بل صريحها أنه في أيدي غير الشيعة من الأموال المغصوبة ، نعم قد يوافق على ما ذكره من حيث التقية وعدم انبساط العدل ، ولعله مراده وإن كان في عبارته نوع قصور.

كما انه يوافق في الجملة في المعنى المزبور بالنسبة للشيعة خاصة ، ضرورة عدم إرادة إباحة التصرف لهم التي لا يترتب عليها ملك أصلا ، كإباحة الطعام للضيف ، بل المراد زيادة على ذلك رفع مانعية ملكهم عليهم‌السلام عن تأثير السبب المفيد للملك في نفسه وحد ذاته كالحيازة والشراء والاتهاب والاحياء ونحو ذلك ، فلا يرد حينئذ لزوم تبعيض التحليل في نحو الجواري المغتنمة من دار الحرب بغير إذن الامام إن قلنا بمساواته للمأذون فيه ، أو جواز النكاح بغير عقد التحليل إن قلنا بأنها جميعا للإمام ، ولا غير ذلك مما لا يترتب خلافه شرعا على الإباحات المحضة ، لما عرفت أن المراد بالتحليل منهم عليهم‌السلام المعنى المذكور المفيد للملك ، فيكون الوطء حينئذ بملك اليمين كالعتق والوقف ونحوهما من التصرفات الأخر ، أو يقال بتنزيل إباحتهم عليهم‌السلام لشيعتهم منزلة الإباحة الأصلية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمات الطلاق ـ الحديث ٥ و ٦ من كتاب الطلاق والباب ٣ من أبواب ميراث المجوس ـ الحديث ٢ من كتاب الإرث.

١٤٢

التي يملك بسببها المباح بالحيازة ، فيكون حينئذ شراؤها من يد المخالفين للفك من أيديهم ، لا انه شراء حقيقة مفيد للملك ، بل المملك الاستيلاء المتعقب لذلك الشراء الصوري ، أو يقال بما في الدروس بل حكي عن جماعة ممن تأخر عنه على ما قيل ، قال ـ : بعد ان حكم بحل المناكح في زمن الغيبة ممثلا له بالأمة المسبية ـ : « وليس من باب التحليل ، بل تمليك الحصة أو الجميع من الامام » مشيرا بالترديد إلى القولين السابقين ، وقد يشهد له في الجملة خبر العسكري عليه‌السلام (١) المتقدم سابقا ، أو يقال إن هذه العقود التي تقع من الشيعة مع مخالفيهم مأذون فيها من المالك الذي هو الامام عليه‌السلام وإن كان من في يده معتقدا انها له ، ولم يوقع العقد عن تلك الاذن ، بل بنية أنه المالك ، لكن ذلك لا يؤثر فسادا في العقد الجامع لشرائط الصحة واقعا التي منها الاذن ، فينتقل حينئذ ملك الامام عليه‌السلام إلى الثمن المدفوع عن العين يطالب به الغاصب أو القيمة لو كانت أزيد منه ، كما انه ينتقل إليها لو كان العقد مجانا نحو الهبة وغيرها ، لأن تصرفه ناش عن اعتقاد انه ملكه وماله ، فيكون الاذن في الحقيقة للمتهب مثلا دون الواهب ، ولا بأس في ترتب الملك وحصوله على عقد يحرم على الموجب دون القابل ، فتأمل.

إلا ان الانصاف خروج ذلك كله عن مقتضى القواعد الفقهية ، كما هو واضح لا يحتاج إلى بيان ، فلا حاجة حينئذ إلى شي‌ء من هذه التكلفات ، بل يقال إنها إباحة محضة أجرى الشارع عليها حكم سائر الأملاك ، وإلا فهي ملك للإمام لا تخرج عنه ، نعم ما ذكرناه أخيرا لو لم نقل بصيرورة تمام القيمة في العقود المجانية مثلا في ذمة الغاصب كالزائد منها على الثمن في عقود المعاوضة وانه غاصب ظالم في خصوص تصرفه من بيع أو هبة وإن كان لشيعي أمكن انطباقه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢٠.

١٤٣

حينئذ على القواعد ، ولكن التزامه في غاية البعد ، بل مخالف للمعلوم من المذهب وان أمكن في نفسه.

وكيف كان فهل يترتب الملك ويحصل لو استولت يد الشيعي على ما استولت عليه يد المخالف بغير الأسباب الشرعية المملكة كالبيع ونحوه بل كان بسرقة ونحوها؟ ظاهر ما سمعته من كلام الشهيد في حواشيه العدم ، بل هو الذي نسمعه مشافهة من بعض مشايخنا ، لكن إطلاق أدلة الإباحة ينافيه ، ولعله لما ذكره الشهيد من شبهة الاعتقاد أو للتقية بمعنى استعداد الزمان في نفسه للتقية الموجبة خفاء المعصوم عليه‌السلام ، فلا يجدي حينئذ فرض عدم الضرر من كل جهة.

أما ما لم يكن في يد المخالفين من الأنفال كميراث من لا وارث له أو غيره فيحتمل فيها الرجوع أيضا إلى سلطان الجور ، لقيامه زمان التقية مقام سلطان العدل ، والأقوى عدمه ، لإطلاق الأدلة ، وعدم عموم يقتضي إقامته مقامه فيما يشمل ذلك ، والغنائم من أهل الحرب والفتوحات التي تحصل لبعض سلاطين الشيعة كسلطان الفرس في زماننا هذا الذي لا يد لسلطان المخالفين عليه بوجه من الوجوه بل لعل اليد له عليه خمسها للإمام عليه‌السلام وقبيلة إن لم نعتبر الاذن ، أو اعتبرناها وقلنا بقيام إذن حاكم الشرع مقامها وكان قد حصلت ، وإلا كان الجميع للإمام عليه‌السلام ، لكن هو مباح للشيعة منهم يملكونه بحيازتهم واستيلائهم عليه ، إذ هو من الأنفال التي قد عرفت الحكم فيها ، أما على تقدير أن الخمس منها له ولقبيلة فهل هو مباح كذلك ، أو حقه منها خاصة ، أو لا يباح شي‌ء منه أو يباح خصوص المناكح ، أو هي والمساكن والمتاجر ، أو أن الحكم فيه كالحكم في غيره من خمس الأرباح ونحوه مما سيتعرض له المصنف؟ وجوده قد تسمع فيما‌

١٤٤

يأتي إن شاء الله ما يرجح بعضها ، وإن كان يقوى في النظر الآن الأول منها ، خصوصا بالنسبة للمناكح والمساكن ، إلا ان الحزم عدم ترك الاحتياط في كثير مما سمعت من المسائل ، لعدم تحريرها في كلام أحد من العلماء هنا ، وعدم وضوح أدلتها من الكتاب والسنة ، فتأمل ، والله أعلم.

المسألة الثانية إذا قاطع الامام عليه‌السلام أحدا على شي‌ء من حقوقه المسألة الثانية إذا قاطع الامام عليه‌السلام أحدا على شي‌ء من حقوقه بقليل أو كثير حل له أي للمقاطع ما فضل عن القطعية التي هي ربع حاصل الأرض أو ثلثه ووجب عليه الوفاء بلا خلاف أجده في شي‌ء منه ، بل ولا إشكال ، ضرورة مساواة الإمام عليه‌السلام في ذلك لغيره ، بل أجاد في المدارك حيث قال : إن ترك التعرض لذلك أقرب إلى الصواب.

المسألة الثالثة إباحتهم (ع) المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة المسألة الثالثة صرح جماعة بأنه ثبت شرعا إباحتهم عليهم‌السلام المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة كما نطق بعين ذلك‌ المرسل (١) عن الصادق عليه‌السلام المروي عن غوالي اللئالي ، بل اختص هو من بين أخبار الباب بهذا الجمع وهذا اللفظ ، قال : « سأله بعض أصحابه فقال : يا ابن رسول الله ما حال شيعتكم فيما خصكم الله به إذا غاب غائبكم واستتر قائمكم؟ فقال عليه‌السلام : ما أنصفناهم إن واخذناهم ، ولا أجبناهم إن عاقبناهم ، نبيح لهم المساكن لتصح عباداتهم ، ونبيح لهم المناكح لتطيب ولادتهم ، ونبيح لهم المتاجر ليزكو أموالهم » والمراد كما صرح به أيضا الإباحة وإن كان ذلك بأجمعه للإمام عليه‌السلام كأرض الموات وغنائم دار الحرب بغير إذنه على الأصح ، التي منها الجواري المسبية أو بعضه كالمغتنم باذنه مثلا ، فإنه مباح أيضا ولا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه وإن كان في عباراتهم نوع اختلاف بالنسبة للمباح هل هو الأنفال ، أو الخمس ، أو الأعم ، بل وفي انه المناكح خاصة‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٣.

١٤٥

أو هي والمتاجر والمساكن؟ ففي المقنعة ـ بعد ذكر الخمس والأنفال وأخبار التحليل والتشديد ـ قال : « واعلم أرشدك الله تعالى ان ما قدمته في هذا الباب من الرخصة في تناول الخمس والتصرف فيه إنما ورد في المناكح خاصة ، للعلة التي سلف ذكرها في الآثار عن الأئمة عليهم‌السلام لتطيب ولادة شيعتهم ، ولم يرد في الأموال وما أخرته عن المتقدم مما جاء في التشديد في الخمس والاستبداد به فهو يخص الأموال » انتهى. وبذلك نفسه جمع بين الأخبار في الاستبصار حاكيا له عنه مستوجها إياه ، وفي النهاية « فأما حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم عليهم‌السلام مما يتعلق بالأخماس وغيرها مما لا بد لهم من المناكح والمتاجر والمساكن ، فأما ما عدا ذلك فلا يجوز التصرف فيه على حال ».

وفي التهذيب « فان قال قائل : إذا كان الأمر في أموال الناس مما ذكرتموه من لزوم الخمس فيها ، وفي الغنائم ما وصفتم من وجوب إخراج الخمس منها ، وكان أحكام الأرض ما بينتم من وجوب اختصاص التصرف فيها بالأئمة عليهم‌السلام إما لأنها مما يخصون برقبتها دون سائر الناس مثل الأنفال والأرضين التي ينجلي أهلها عنها ، أو للزوم التصرف فيها بالتقبيل والتضمين لهم ، مثل أرض الخراج وما يجري مجراها ، فيجب ان لا يحل لكم منكح ولا يتخلص لكم متجر ولا يسوغ لكم مطعم على وجه من الوجوه ، وسبب من الأسباب ، قيل له : إن الأمر وإن كان على ما ذكرتموه من السؤال من اختصاص الأئمة عليهم‌السلام بالتصرف في هذه الأشياء ، فإن لنا طريقا إلى الخلاص مما ألزمتموناه ، أما الغنائم والمتاجر والمناكح وما يجري مجراها مما يجب للإمام عليه‌السلام فيها الخمس فإنهم قد أباحوا ذلك لنا ، وسوغوا لنا التصرف فيه ، وقد قدمنا فيما مضى ذلك ، ويؤكده أيضا ما رواه ـ إلى ان قال بعد ان ذكر بعض أخبار التحليل ـ : فأما الأرضون فكل أرض تعين لنا انها مما قد أسلم أهلها عليها فإنه يصح لنا التصرف فيها بالشراء منهم والمعاوضة وما‌

١٤٦

يجري مجراها ، وأما أراضي الخراج وأراضي الأنفال والتي قد انجلى أهلها عنها فانا قد أبحنا أيضا التصرف فيها ما دام الامام عليه‌السلام مستترا ، فإذا ظهر يرى هو في ذلك رأيه ، فنكون نحن في تصرفنا غير آثمين ، وقد قدمنا ما يدل على ذلك ، والذي يدل عليه أيضا ما رواه ـ إلى ان قال بعد ان ذكر بعض الأخبار الدالة عليه ـ : فان قال قائل : إن جميع ما ذكرتموه إنما يدل على إباحة التصرف لكم في هذه الأرضين ، ولم يدل على انه يصح لكم تملكها بالشراء والبيع ، فإذا لم يصح الشراء والبيع فما يكون فرعا عليه لا يصح أيضا كالوقف والنحلة والهبة وما يجري مجرى ذلك قيل له : إنا قد قسمنا الأرضين فيما مضى على أقسام ثلاثة : أرض يسلم أهلها عليها ، وهي تترك في أيديهم ، وهي ملك لهم ، فما يكون حكمه هذا الحكم صح لنا شراؤها وبيعها ، وأما الأرضون التي تؤخذ عنوة أو يصالح أهلها عليها فقد أبحنا شراءها وبيعها لأن لنا في ذلك قسما ، لأنها أراضي المسلمين وهذا القسم أيضا يصح الشراء والبيع فيه على هذا الوجه ، وأما الأنفال وما يجري مجراها فليس يصح تملكها بالشراء والبيع ، وإنما أبيح لنا التصرف حسب » ثم ذكر بعض الأخبار الدالة على بعض ذلك ، انتهى.

وفي السرائر ـ بعد ان ذكر الأنفال وانها للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم للقائم مقامه ـ قال : « فأما في حال الغيبة وزمانها واستتاره عليه‌السلام من أعدائه خوفا على نفسه فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم مما يتعلق بالأخماس وغيرها مما لا بد لهم منه من المناكح والمتاجر ، والمراد بالمتاجر ان يشتري الإنسان مما فيه حقوقهم عليهم‌السلام ويتجر في ذلك ، فلا يتوهم متوهم انه إذا ربح في ذلك المتجر شيئا لا يخرج منه الخمس ، فليحصل ما قلناه ، فربما اشتبه والمساكن ، فأما ما عدا الثلاثة الأشياء فلا يجوز التصرف فيه على حال » إلى آخره وتبعهم في هذا التعبير وهذا الإجمال جماعة من المتأخرين بل جميعهم ، ففي المتن‌

١٤٧

ما عرفت ، وفي النافع « لا يجوز التصرف فيما يختص به الامام عليه‌السلام مع وجوده إلا باذنه ، وفي حال الغيبة لا بأس بالمناكح ، وألحق الشيخ المساكن والمتاجر به » وفي القواعد بعد ذكر الأنفال « وأبيح لنا خاصة حال الغيبة المناكح والمساكن والمتاجر ، وهي ان يشتري الإنسان ما فيه حقهم عليهم‌السلام ويتجر فيه ، لا إسقاط الخمس من ربح ذلك المتجر » وفي التحرير « أباح الأئمة عليهم‌السلام لشيعتهم المناكح في حال ظهور الامام عليه‌السلام وغيبته ، وألحق الشيخ المساكن والمتاجر وإن كان ذلك بأجمعه للإمام أو بعضه ولا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه ، قال ابن إدريس : المراد بالمتاجر » إلى آخر ما سمعته في كلامه ، وفي المنتهى « مسألة وقد أباح الأئمة حالتي ظهور الامام وغيبته ، وعليه علماؤنا أجمع ، لأنه مصلحة لا يتم التخلص من المآثم بدونها ، فوجب في نظرهم عليهم‌السلام فعلها ، والاذن في استباحة ذلك من دون إخراج حقهم عليهم‌السلام منه لا على ان الواطئ يطأ الحصة بالإباحة ، إذ قد ثبت انه يجوز إخراج القيمة في الخمس ، فكان الثابت قبل الإباحة ملكها الواطئ ملكا تاما فاستباح وطأها بالملك التام » إلى آخره ، ونحوه في التذكرة إلا انه لم يحك الإجماع فيها ، وزاد تفسير المتاجر بما سمعته من السرائر ، وفي الدروس بعد ذكر الأنفال « وفي الغيبة يحل المناكح كالأمة المسبية ، ولا يجب إخراج خمسها ، وليس من باب التحليل بل تمليك الحصة أو للجميع من الامام عليه‌السلام والأقرب أن مهور النساء من المباح وإن تعددن لرواية سالم (١) ما لم يؤد إلى الإسراف ، كاكثار التزويج والتفريق ، وتحل المساكن ، إما من المختص بالإمام عليه‌السلام كالتي انجلى عنها الكفار ، أو من الأرباح بمعنى انه يستثنى من الأرباح مسكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٤.

١٤٨

فما زاد مع الحاجة ، وأما المتاجر فعند ابن الجنيد على العموم ، لرواية يونس بن يعقوب (١) وعند ابن إدريس ان يشتري متعلق الخمس ممن لا يخمس ، فلا يجب عليه إخراج الخمس إلا ان يتجر فيه ويربح » إلى آخره ، وفي البيان « ورخص في حال الغيبة المناكح والمساكن والمتاجر أي جلب الأمة المسبية وإن كانت للإمام عليه‌السلام ، وسقوط الخمس في المهر وفي المسكن وفيما يشترى ممن لا يخمس إلا إذا نمى فيجب في النماء ، وقول ابن الجنيد : بأن الإباحة انما هي من صاحب الحق في زمانه فلا يباح في زماننا ضعيف ، لأن الروايات ظاهرها العموم ، وعليه إطباق الإمامية » الى غير ذلك من العبارات ، كعبارة المختلف والإرشاد والمسالك المشترك كثير منها في الإجمال بالنسبة إلى إرادة الإباحة في الأنفال أو في الأعم منها والخمس ، والى المراد بالمناكح والمتاجر والمساكن ، والى إرادة الإباحة لكل أحد أو لمن في يده والى غير ذلك وإن أطنب العلامة في المختلف بنقل العبارات والأدلة معللا ذلك بأنها من أمهات المسائل.

لكن في حاشية الشهيد على القواعد « للمناكح تفسيران : الأول إسقاط الخمس من السراري المغنومة حال الغيبة ، الثاني إسقاط مهور الزوجات ، لأن ذلك من جملة المؤن ، وللمساكن تفسيرات : الأول مسكن يغنم من الكفار فيجوز تملكه ولا يجب إخراج الخمس منه ، الثاني مسكن الأرض المختصة بالإمام عليه‌السلام كرؤوس الجبال ، الثالث المراد بالمسكن مطلق المنزل وإن كان من غير ذين ، كما لو حصل بكسب من ربح تجارة أو زراعة أو صناعة ، فإنه يخرج منه الخمس بعد المئونة التي من جملتها دار السكنى ، وللمتاجر تفسيرات : الأول ما يشترى من الغنائم الحربية حال الغيبة ، فإنها بأسرها أو بعضها للإمام عليه‌السلام وهي مباح لنا لا بمعنى إسقاط الخمس من مكسبها بل عن أصلها ، الثاني ما يكتسب من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٦.

١٤٩

الأرض والأشجار المختصة به عليه‌السلام ولو ألحق هذا بالمكاسب المطلقة كان أقوى ، الثالث ما يشترى ممن لا يخرج الخمس استحلالا أو اعتقادا لتحريمه ، فإنه يباح التصرف وان كان بعضه للإمام عليه‌السلام وذويه (١) وهذه التفسيرات كلها حسنة ، وقد علل الأئمة عليهم‌السلام ذلك بحل الصلاة والمال وطيب الولادة » انتهى. وقد تبعه في أكثر ذلك جماعة منهم الشهيد في مسالكه ، قال فيها : « المراد بالمناكح السراري المغنومة من أهل الحرب في حال الغيبة ، فإنه يباح لنا شراؤها ووطؤها وان كانت بأجمعها للإمام عليه‌السلام على ما مر ، أو بعضها على القول الآخر ، وربما فسرت بالزوجات والسراري التي يشتريها من كسبه الذي يجب فيه الخمس ، فإنه حينئذ لا يجب إخراج خمس الثمن والمهر ، وهذا التفسير راجع الى المئونة المستثناة ، وقد تقدم الكلام فيها ، وانه مشروط بحصول الشراء والتزويج في عام الربح ، وكون ذلك لائقا بحاله ، والمراد بالمساكن ما يتخذه منها في الأرض المختصة به عليه‌السلام كالمملوكة بغير قتال ورؤوس الجبال ، وهو مبني على عدم إباحة مطلق الأنفال في حال الغيبة ، وفسرت أيضا بما يشتريه من المساكن بمال يجب فيه الخمس كالمكاسب ، وهو راجع الى المئونة أيضا كما مر ، وبالمتاجر ما يشتري من الغنائم المأخوذة من أهل الحرب حال الغيبة وان كانت بأسرها أو بعضها للإمام ، أو ما يشتري ممن لا يعتقد الخمس كالمخالف مع وجوب الخمس فيها ، وقد علل إباحة هذه الثلاث في الأخبار بطيب الولادة وصحة الصلاة وحل المال » انتهى ، مضافا الى ما سمعته سابقا من الدروس والبيان وغيرهما لكن قد يناقش في التفسير الأول للمناكح بأنه وان كان يدل عليه بعض الأخبار السابقة بل وخبر الفضيل (٢) عن الصادق عليه‌السلام « من وجد برد‌

__________________

(١) وفي النسخة الأصلية « ودونه » بدل « وذويه ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٠.

١٥٠

حبنا في كبده فليحمد الله على أول النعم ، قلت : جعلت فداك ما أول النعم؟

قال : طيب الولادة ، ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لفاطمة عليها‌السلام : أحلي نصيبك من الفي‌ء لآباء شيعتنا ليطيبوا ، ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنا أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا » وخبر ضريس الكناسي (١) قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : أتدري من اين دخل الناس الزنا؟ فقلت : لا ادري ، فقال : من قبل خمسنا أهل البيت إلا شيعتنا الأطيبين ، فإنه محلل لهم ولميلادهم » وغيرهما ، إلا انه فيه ما عرفت من حل سائر التصرفات في سائر الأنفال حال الغيبة لا خصوص النكاح منه ، فلا يناسبه هذا التخصيص الموهم ، على انه لا تلائمه بعض العبارات بل والأخبار الظاهرة في ان متعلق التحليل الخمس والجواري المغتنمة من دار الحرب بغير إذنه التي كلها للإمام لا الخمس خاصة له ولقبيلة ، بل ولا يلائمه ظهور بعض الأخبار في إباحة ذلك حالتي ظهور الامام وغيبته كما صرح به بعضهم ، بل قد عرفت أنه معقد إجماع المنتهى إلا ان يدفع الثاني بإرادة الأعم من الحالين من الغيبة (٢) تنزيلا للظهور الذي لا بسط فيه لليد منزلتها ، كما انه قد يدفع الأول بأنه مبني على مساواة المغتنم بغير إذنه له معها في استحقاق الخمس أو حيث يكون فيه الخمس ، كما لو كان مع الاذن كما في بعض فتوح الثاني ، أو خصوص من أذن لهم من الشيعة بأن يكونوا معهم تحت لوائهم ، أو في نحو المأخوذ سرقة بناء على تعلق الخمس فيه ، لكونه من الاكتساب أو لأن الخمس يجب في كل فائدة أو غير ذلك.

وأما التفسير الثاني لها الذي قد عرفت التصريح من غير واحد برجوعه الى المئونة المستثناة ـ بل قد يظهر من المدارك أولويته من التفسير الأول بالنسبة الى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٣.

(٢) متعلق بالإرادة : أي المراد بالغيبة الأعم من الحالين.

١٥١

عبارة المتن ـ ففيه انه لا يناسب ذكرهم له بالخصوص بعد ذكرهم المئونة وانه منها بل ولا يناسب تخصيصه بالشيعة ولا زمن الغيبة ، بل ولا إطلاق الإباحة ، إذ هو مستثنى من خمس الأرباح خاصة في خصوص عام الربح مع اشتراط مناسبة الحال فيه على انه ليس من حقوق الأئمة عليهم‌السلام كي يستثنى أو يباح منهم ، ضرورة عدم تعلق حقهم عليهم‌السلام به إلا بعد المئونة التي هو منها ، بل ولا يناسبه التعليل بطيب الولادة ، ضرورة عدم مدخلية حرمة المهر فيه ، لعدم اشتراطه في صحة النكاح.

ومن ذلك كله يظهر لك المناقشة أيضا في التفاسير الأخر للقسمين الأخيرين فلا ريب في إجمال عبارات الأصحاب في هذا المقام وسماجتها وعدم وضوح المراد منها ، أو عدم صحته ، بل يخشى على من أمعن النظر فيها مريدا إرجاعها إلى مقصد صحيح من بعض الأمراض العظيمة قبل أن يأتي بشي‌ء ، وظني أنها كذلك مجملة عند كثير من أصحابها وإن تبعوا في هذه الألفاظ بعض من تقدمهم ممن لا يعلمون مراده ، وليتهم تركونا والأخبار فإن المحصل من المعتبر منها أوضح من عباراتهم ، إذ هو إباحتهم حقوقهم التصرفية والمالية كالأنفال مطلقا ، سواء كان ابتداء حصولها في أيدينا أو انتقلت إلينا من يد غيرنا ممن خالفنا في الدين حتى ما يحصل للشيعة من الغنائم مع سلاطين الجور مناكح وغيرها ، وإن كان في حسنة الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام المتقدمة سابقا أمر مثله بتأدية الخمس وانه يطيب له بعده ، لكن قد يراد به بالنسبة إلى خصوص ذلك الوقت من زمان ذلك الامام عليه‌السلام لا زمان غيره ولو زمان الغيبة ، كأمره عليه‌السلام مواليه بالخمس مما صار في أيديهم من أموال الخرمية الفسقة في صحيحة ابن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٨.

١٥٢

مهزيار (١) الطويلة ، وكذا حقوقهم من الأخماس التي لهم وقبيلهم مما حصل وثبت استحقاقهم إياه في يد غيرنا ممن خالفنا من سائر الفرق تشبثوا بصورة الإسلام أولا ، فأباحوا لنا سائر التصرفات بما في أيديهم من مأكل ومشرب ومنكح ومتجر ومسكن واستيهاب وهدايا وعطايا وميراث وغير ذلك ، وإن علمنا ثبوت حقوقهم عليهم‌السلام فيها ، للحكمة التي أشاروا عليهم‌السلام لها في المتواتر من أخبارهم ، وهي تزكية شيعتهم وطيب ولادتهم حيث علموا عليهم‌السلام انه لا بد لشيعتهم من الاختلاط معهم والبيع والشراء منهم وغير ذلك ، وانه لا يمكنهم اعتزالهم عنهم بوجه من الوجوه ، بل لعل خصوص خبر سالم بن مكرم (٢) المتقدم في المسألة ظاهر في ذلك كله إن لم يكن صريحا عند التأمل ، كما ان‌ خبر الثمالي (٣) مشعر بذلك أيضا ، قال : « سمعته يقول : من أحللنا له شيئا أصابه من اعمال الظالمين فهو له حلال ، وما حرمناه من ذلك فهو حرام » بل وخبر عبد العزيز بن نافع (٤) قال : « طلبنا الاذن على أبي عبد الله عليه‌السلام وأرسلنا إليه عليه‌السلام فأرسل إلينا ادخلوا اثنين اثنين ، فدخلت أنا ورجل معي ، فقلت للرجل : أحب ان تستأذنه المسألة ، فقال : نعم ، فقلت له : جعلت فداك ان أبي ممن كان سباه بنو أمية وقد علمت ان بني أمية لم يكن لهم أن يحرموا ولا يحللوا ولم يكن لهم مما في أيديهم قليل ولا كثير ، وإنما ذلك ، لكم ، فإذا ذكرت الذي كنت فيه دخلني من ذلك ما يكاد يفسد علي عقلي ما أنا فيه ، فقال له : أنت في حل مما كان من ذلك ، وكل من كان في مثل حالك من ورائي فهو في حل من ذلك » إلى آخره ، إلى غير ذلك من الأخبار المشعرة بإرادة الحل من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٨.

١٥٣

نحو ذلك الذي من الواضح عسر التعيش وحرجه بدونه ، لا حقوقهم عليهم‌السلام من الأخماس التي تثبت في الأموال التي بيد الشيعة بسبب اكتساب أو وجدان كنز أو غوص أو غير ذلك ، وإن كان قد يشعر به بعض الأخبار لكنه معارض بما هو أقوى منه مما ستعرفه في المسألة الرابعة من غير فرق في ذلك بين نصف الخمس الذي لقبيلهم والنصف الذي لهم ، وإن ظهر من صاحب المدارك الميل إلى عموم إباحتهم عليهم‌السلام ما لهم من الأنفال ومن نصف الخمس الذي في أيدي الشيعة أو انتقل إليهم من يد غيرهم ممن خالفهم ، لإطلاق كثير من الأدلة إباحة حقوقهم الشامل لذلك كله ، إلا أنك ستعرف فيما يأتي ضعفه ، ووجوب تنزيله على ما ذكرنا من حقوقهم ، لمكان قوة المعارض ، فإن أكثرها لا يأباه عند التأمل حتى‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر حكيم مؤذن بني عبس (١) في تفسير الغنيمة : « هي والله الإفادة يوما بيوم إلا ان أبي جعل شيعتنا في حل من ذلك ليزكوا » على ان يراد به الحل مما يقع في أيديهم ممن وجب عليه عليه ذلك من غير الشيعة ، أو يحمل هو ونظيره على إرادة التحليل من خصوص ذلك الامام عليه‌السلام في خصوص ذلك الزمان ، أو غير ذلك كما ستعرف إن شاء الله ، هذا.

ويمكن ان يراد باستثناء المناكح والمساكن انه لا بأس باتخاذهما من الربح في أثناء السنة وإن تعلق به الخمس ، وانه لا يجب إحراجه بعد السنة بخلاف غيرهما من المؤن ، فإنه لا يستثنى له إلا مقدار السنة ، ويجب عليه الخمس فيها بعد السنة كما أشرنا إليه في بحث المئونة ، بل لعل هذا مراد من سمعت تفسيره إياها بذلك فلا يرد عليه انهما كغيرهما من المؤن ، ضرورة ظهور الفرق حينئذ بينهما وبين غيرهما ، بل يمكن إرادة ما يشترى من الربح في أثناء السنة للتجارة وإن كان الخمس فيه من المتاجر على معنى ان له في أثناء السنة الشراء للتجارة ولو بعد أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٨.

١٥٤

يربح وتعلق الخمس به وإن استلزم ذلك التأخير سنين ، ولا يجب عليه بتمام السنة إخراج خمس المال مع عدم ظهور ربح فيه باعتبار أن ثمنه كان من ربح تلك السنة وتعلق فيه الخمس ، وإن كان الأحوط له إخراج الخمس من ثمنه ، فإذا تجدد له ربح كان من ربح السنة الثانية ، وإن كان يقوى جواز إبقائه ، وتلحقه حصته من الربح المتجدد مضافا إلى ما فيه من خمس السنة الأولى ، فتأمل جيدا فإنه دقيق ، والله العالم.

المسألة الرابعة لزوم إيصال الخمس إلى الإمام (ع) حين حضوره (ع) المسألة الرابعة ما يجب من الخمس بأحد الأسباب السابقة يجب صرفه اليه مع وجوده وحضوره عليه‌السلام كما هو ظاهر الأكثر وصريح البعض كالفاضل في قواعده وغيره ، بل ينبغي القطع به بالنسبة إلى حصته ، ضرورة وجوب إيصال المال إلى أهله ، أما حصة قبيله فالظاهر انها كذلك أيضا ، خصوصا خمس الغنائم وفاقا لمن عرفت ، تحصيلا للفراغ اليقيني ، ولأنه الواقع والمأثور ، بل كان وكلاؤهم عليهم‌السلام على قبض الخمس في كثير من النواحي حتى في الغيبة الصغرى ، ولظهور سياق أكثر الأخبار فيه من إضافته إليهم (ع) وتحليلهم عليهم‌السلام بعض الناس منه ، وغير ذلك مما يومي إلى ان ولاية التصرف والقسمة إليه عليه‌السلام ، وللأمر بإيصاله إلى وكيله عليه‌السلام في صحيحة ابن مهزيار (١) الطويلة ، بل لولا وحشة الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب لأمكن دعوى ظهور الأخبار في ان الخمس جميعه للإمام عليه‌السلام وإن كان يجب عليه الإنفاق منه على الأصناف الثلاثة الذين هم عياله ، ولذا لو زاد كان له عليه‌السلام ، ولو نقص كان الإتمام عليه من نصيبه ، وحللوا منه من أرادوا.

وخلافا للفاضل في المنتهى والتحرير والتذكرة فاجتزى بإيصالها إلى أهلها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٥.

١٥٥

في غير خمس الغنائم على إشكال فيه أيضا في الأولين ، بل عن المصنف الاجتزاء بالإيصال إلى الأصناف مطلقا في الغنائم وغيرها ، لاقتضاء امتثال إطلاق الأمر الاجتزاء ، ولا ريب في ضعفه ، خصوصا وكثير من الأخبار كالكتاب مشتمل على مجرد ثبوته في المال بأحد الأسباب السابقة مما هو حكم وضعي لا تكليفي كي يستدل بإطلاقه ، فما في المدارك من الإشكال في إطلاق وجوب صرف الخمس كله للإمام عليه‌السلام مع حضوره ليس بتلك المكانة ، لكن قال : إن الأمر فيه هين ، وفيه انه وإن كان كذلك ظاهرا من حيث أنا في زمن الغيبة إلا انه قد تترتب عليه قوة القول بمساواة حصة قبيله حصته في وجوب صرفها في هذا الزمان إلى يد الفقيه العادل الذي هو وكيل الامام عليه‌السلام ومنصوبه العام والمتولي لكل ما يتولاه ، كما عن المجلسي الميل اليه أو القول به لا حصته فقط.

وأما مع غيبته عليه‌السلام التي عبر عنها المصنف بعدمه مخالفا للحسن المأنوس غير المستبشع من التعبير ، بل للصحيح منه الموافق للأدب فـ قيل والقائل الديلمي وتبعه صاحب الذخيرة ، ولا ثالث لهما فيما أجد ، نعم حكاه في المقنعة والنهاية وغيرهما قولا من دون تعيين القائل ، وفي الحدائق عن جملة من معاصريه ، بل قال : إنه مشهور بينهم ، وعن المحدث عبد الله بن صالح البحراني يكون الخمس بأجمعه مباحا للشيعة وساقطا عنهم ، فلا يجب إخراجه عليهم ، للأخبار المتقدم سابقا في أول مسائل الأنفال أكثرها مع زيادة‌ خبر يونس بن يعقوب (١) قال : « كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام فدخل عليه رجل من القماطين فقال : جعلت فداك تقع في أيدينا الأرباح والأموال والتجارات ، ونعرف ان حقك فيها ثابت ، وإنا عن ذلك مقصرون ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ما أنصفناكم إن كلفناكم ذلك اليوم » وخبر ضريس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٦.

١٥٦

الكناسي (١) قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : « أتدري من اين دخل على الناس الزنا؟ فقلت : لا أدري ، فقال : من قبل خمسنا أهل البيت إلا لشيعتنا الأطيبين ، فإنه محلل لهم ولميلادهم » وخبر محمد بن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة ان يقوم صاحب الخمس فيقول : يا رب خمسي ، وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم ولتزكوا أولادهم » وصحيح زرارة (٣) عن الباقر عليه‌السلام قال : « إن أمير المؤمنين عليه‌السلام حللهم يعني الشيعة من الخمس لتطيب مواليدهم » وخبر أبي حمزة (٤) عنه عليه‌السلام في حديث ، قال : « إن الله تعالى جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي‌ء ، ثم قال تبارك وتعالى (٥) ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) فنحن أصحاب الخمس والفي‌ء ، وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا ، والله يا أبا حمزة ما من ارض تفتح وخمس يخمس فيضرب على شي‌ء منه إلا كان حراما على من يصيبه فرجا كان أو مالا » والمرسل (٦) المروي عن تفسير العياشي عن الصادق عليه‌السلام قال : « إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة إذا قام صاحب الخمس فقال : يا رب خمسي ، وإن شيعتنا من ذلك في حل ».

والمناقشة فيها وفيما تقدم من الأخبار أيضا بإرادة تحليل إمام ذلك العصر عليه‌السلام خاصة في حقه خاصة ، فلا يتناول نحو زماننا ، ولا النصف الآخر الذي هو لغيره ، لأنه ليس له إلا تحليل ما يملكه فقط دون ملك غيره كما عن ابن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٩.

(٥) سورة الأنفال ـ الآية ـ ٤٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢٢.

١٥٧

الجنيد التصريح به ، يدفعها ظهور أكثر الأخبار في إرادة دوام التحليل واستمراره وعموميته لتمام الخمس ، سيما المشتمل منها على التعليل بطيب الولادة ، بل كاد يكون صريح بعضها ، فيعلم منه أنه عليه‌السلام له الولاية على ذلك ، وأنه مأمور من الله مالك الملك بذلك كما هو واضح ، وأشير إليه في‌ مضمر أبي خالد الكابلي (١) قال : « قال : إن رأيت صاحب هذا الأمر يعطي ما في بيت المال رجلا واحدا فلا يدخلن في قلبك شي‌ء ، فإنه إنما يعمل بأمر الله » مضافا الى ما علم من وقوع تحليله لبعض الناس في زمانه عليه‌السلام من تمام الخمس سهمه وسهم قبيله الذين هم عياله وأولى بهم من أنفسهم ، بل هو كذلك بالنسبة إلى سائر المؤمنين فضلا عنهم فما سمعته عن ابن الجنيد مما لا ينبغي الالتفات اليه ، بل كاد يكون مخالفا للمعلوم المقطوع به من المذهب ، كما اعترف به في الحدائق ، لتواتر التحليل بالنسبة إلى غير حق المحلل في الجملة ، ولذلك أعرض عنه كل من تأخر عنه ، على انه أباح صاحب الزمان عليه‌السلام أيضا روحي لروحه الفداء الخمس لشيعته في‌ التوقيع المروي عن كتاب إكمال الدين عن محمد بن محمد بن عصام الكليني عن محمد بن يعقوب الكليني عن إسحاق بن يعقوب (٢) أنه ورد عليه من التوقيعات بخط صاحب الزمان عليه‌السلام « أما ما سألت عنه من أمر المنكرين ـ الى ان قال ـ : وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل منها شيئا فأكله فإنما يأكل النيران ، وأما الخمس فقد أبيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل الى ان يظهر أمرنا لتطيب ولادتهم ولا تخبث ».

نعم قد يناقش فيها بقصور أسانيد جملة منها عن إثبات المطلوب ، سيما بعد إعراض المشهور عنها ، بل ودلالة جملة أخرى منها بسبب ظهورها في إباحة حقه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٦.

١٥٨

عليه‌السلام خاصة من الخمس لا تمامه ، وحتى باقي الأئمة عليهم‌السلام وباقي الذرية ، بل في الرياض « ليس في شي‌ء منها تصريح بإباحة الأخماس كلها ، بل ولا ما يتعلق بالأئمة عليهم‌السلام جميعا ، وإنما غايتها إفادة إباحة بعضهم شيئا منها أو للخمس مطلقا ، لكن كونه ما يتعلق بالجميع أو به خاصة فلا ، مع ان مقتضى الأصول تعين الأخير ـ بل قال ـ : وليس في تعليل الإباحة بطيب الولادة والتصريح بدوامها وإسنادها بصيغة الجمع في جملة دلالة على تحليل ما يتعلق بالأصناف الثلاثة بل ولا ما يتعلق بمن عدا المحلل من باقي الأئمة عليهم‌السلام ، لظهور أن ليس المقصود من الأول تطيبها من كل محرم ، وإلا لاستبيح بذلك أموال الناس كافة وهو مخالف للضرورة ، فيحتمل طيبها من مال المحلل خاصة أو ما يتعلق بجميعهم عليهم‌السلام من الأمور الثلاثة المتقدمة ، كما نزلها عليه جمهور الأصحاب وإرادة هذا مما يجتمع معه إطلاق الدوام والإباحة بصيغة الجمع ، فلا دلالة في شي‌ء منها على عموم التحليل والكلية ، مع ان « حللنا » بالإضافة الى من يأتي مجاز قطعا وكما يمكن ذلك يمكن التعبير عن المحلل أو مع من سبقه خاصة ، والترجيح لا بد له من دليل ، وليس ، إن لم نقل بقيامه على الأخير ، ولذا في المدارك لم يجعل هذه القرائن إمارة على إباحة الأخماس مطلقا ، وانما استند إليها لا ثباتها بالإضافة إلى حقوقهم عليهم‌السلام خاصة ، ولكن فيه أيضا ما عرفته » انتهى.

وان كان فيه من المنع ما لا يخفى ان أراد إنكار الظهور فضلا عن أصل الدلالة ، وكيف وفي بعضها التصريح بالتحليل الى يوم القيامة ، وفي آخر « فليبلغ الشاهد الغائب » وفي ثالث « شيعتنا وأبناءهم » وفي رابع « الى ان يظهر أمرنا » الى غير ذلك من القرائن الكثيرة ، بل إنكار ظهور التعليل بذلك مكابرة واضحة كإنكار ظهورها في إرادة تمام الخمس ، خصوصا المصرح فيها بلفظه ، إذ احتمال إرادة الحق منه لا دليل عليه فيها ، بل قد يدعى ظهور ارادة تمامه من المشتمل‌

١٥٩

على التعبير بحقي منها ، فضلا عن الذي هو بصيغة الجمع منها كما لا يخفى على من لاحظها بتمامها بعين الانصاف ، بل ولا يخفى أيضا ظهورها في إباحة الأعم من الثلاثة التي ادعى تنزيل الأصحاب لها عليها ، بل هو كصريح بعضها ، بل هي جميعها تأبى التنزيل على ارادة النكاح منها بالتفسير الثاني له ، بل هو : لا يناسبه التعليل ، ضرورة عدم خبث الولادة بحرمة مهر الزوجة كما تقدمت الإشارة إليه سابقا ، الى غير ذلك مما في كلامه وان كان قد سبقه ببعضه أو أكثره المحدث البحراني في حدائقه.

نعم هي بأسرها قاصرة عن مقاومة ما دل على وجوب إخراج الخمس سهمهم وسهم قبيلهم ، وعدم إباحة شي‌ء منه ، كخبر محمد بن زيد الطبري (١) قال : « كتب رجل من تجار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه‌السلام يسأله عن الاذن في الخمس ، فكتب اليه بسم الله الرحمن الرحيم ان الله واسع كريم ضمن على العمل الثواب ، وعلى الخلاف العذاب ، لا يحل مال إلا من وجه أحل الله ، ان الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى موالينا ، وما نبذل ونشتري من أعراضنا ممن نخاف سطوته ، فلا تزووه عنا ، ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه ، فان إخراجه مفتاح رزقكم ، وتمحيص ذنوبكم ، وما تمهدون لأنفسكم يوم فاقتكم ، والمسلم من يفي بما عهد اليه ، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب ، والسلام ».

وخبره الآخر (٢) قال : « قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام فسألوه أن يجعلهم في حل من الخمس ، فقال : ما أمحل هذا ، تمحضونا المودة بألسنتكم ، وتزوون حقا جعله الله لنا وجعلنا له ، وهو الخمس ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٣.

١٦٠