جواهر الكلام - ج ١٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ما ذكرناه ، والأمر سهل ، لقول العبد الصالح في مرسل حماد بن عيسى (١) : « وله رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام » ، كقول أبي الحسن الأول عليه‌السلام في خبر الحسن بن راشد (٢) والصادق عليه‌السلام في خبر داود بن فرقد (٣) المروي عن تفسير العياشي قلت : « وما الأنفال؟ قال : بطون الأودية ورؤوس الجبال والآجام » الخبر ، والباقر عليه‌السلام في خبر محمد بن مسلم (٤) المروي في المقنعة بعد أن سئل عن الأنفال أيضا ، فقال : « كل أرض خربة أو شي‌ء يكون للملوك وبطون الأودية ورؤوس الجبال » وفي‌ خبر أبي بصير (٥) المروي عن تفسير العياشي بعد ان قيل له أيضا وما الأنفال؟ فقال : « منها المعادن والآجام » بل في صحيح ابن مسلم وموثقه (٦) وصحيح حفص (٧) عد بطون الأودية منها ، وهي كافية في إثبات المطلوب بعد تتميمها بعدم القول بالفصل إن قطعنا النظر عن الأخبار السابقة لضعفها ، وإلا فمع النظر إليها لانجبار ذلك الضعف بإطلاق الأكثر وصريح بعضهم كانت المسألة من الواضحات ، بل إطلاقها حينئذ قاض بعدم الفرق في الثلاثة بين ما كان منها في أرض الإمام أو غيره خلافا للروضة في الآجام وعن الحلي في الثلاثة فخصاها بالأول ، للأصل المنقطع بما سمعت ، بل رده في البيان بعد ان حكى خلاف الحلي في الأولين من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٤.

(٢) التهذيب ج ٤ ص ١٢٨ الرقم ٣٦٦ عن الحسن بن راشد قال : حدثنا حماد بن عيسى قال : حدثنا بعض أصحابنا ذكره عن أبى الحسن الأول (ع). إلخ.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٣٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٠ و ١٢ من كتاب الخمس.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١.

١٢١

الثلاثة بأنه يفضي إلى التداخل وعدم الفائدة في ذكر اختصاصه بذلك ، لكن في المدارك بعد ذكره ما في البيان « انه جيد لو كانت الأخبار المتضمنة لاختصاصه عليه‌السلام بذلك على الإطلاق صالحة لإثبات هذا الحكم ، إلا انها ضعيفة السند ، فيتجه المصير إلى ما ذكره الحلي قصرا لما خالف الأصل على موضع الوفاق » وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما تقدم.

بل قد يقال بملكية الامام لرؤوس الجبال وإن فرض انها نفسها ليست من الموات وكذا بطون الأودية ، للإطلاق السابق ، بل وإن كانت من المفتوحة عنوة ، تحكيما للإطلاق المزبور على ما دل على ملكية المسلمين لعامرها ولو بترجيحه عليه ، بناء على تعارض العموم من وجه بينهما ، بل قد يقال بندرة ترتب ثمرة على الخلاف المزبور بالنسبة للأولين ، لأغلبية الخراب والموات فيهما ، فيدخلان حينئذ في القسم السابق على كل حال ، واحتمال تبعيتهما في الملك للأرض التي يكونان فيها وإن كانا هما مواتا فتظهر الثمرة حينئذ فيه بعيد لا دليل عليه.

نعم لو اتفق صيرورة الأرض المملوكة جبلا أو بطن واد بعد أن كانت معمورة ومملوكة أمكن القول ببقاء ملكية الأرض استصحابا ، مع انه قد عرفت فيما مضى ان الحق التفصيل بين ما كان ملكها بالاحياء وغيره ، فيزول الأول بمجرد الموت دون الثاني ، وما نحن فيه من أفراد تلك المسألة عند التأمل ، أما بالنسبة للآجام فالثمرة في كمال الوضوح والغلبة بخلاف الأولين ، بل قد يقال بعدم الخلاف فيهما من الحلي ، لأن عبارة السرائر ليست بتلك الصراحة ، قال فيها : « ورؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام التي ليست في أملاك المسلمين ، بل التي كانت مستأجمة قبل فتح الأرض ، والمعادن التي في بطون الأودية التي هي ملكه ، وكذلك رؤوس الجبال ، فأما ما كان من ذلك في أرض المسلمين ويد مسلم عليه فلا يستحقه عليه‌السلام ، بل ذلك في أرض المفتتحة عنوة ، والمعادن التي في بطون الأودية‌

١٢٢

مما هي له » انتهى ، نعم هي كالصريحة بالنسبة للآجام ، ولعل منشأه تبعية نبات الأرض لها في الملك ، لأنه نماؤها ، بل هو في الحقيقة منها ، إذ هي أصله ، فالآجام التي في أرض المسلمين حينئذ لهم كالذي في عامر المفتوحة عنوة لو مات فاستوجم مثلا والتي في أرضه له واليه أشار في المتن بقوله : ورؤوس الجبال وما يكون بها. لكن قد عرفت ان إطلاق الأدلة يقتضي أعم من ذلك ، فلا مانع حينئذ من كون الأرض ملكا لغير الامام عليه‌السلام والآجام ملكا له ، إلا أنه لا يخفى عليك أن مقتضى النبعية المزبورة كون جميع نبات أرض الإمام عليه‌السلام ملكا له وإن لم يكن من الآجام لا أنه من المباحات الأصلية كما أن جميع نبات أرض غير الإمام الذي ليس بآجام ملك لأربابها ، إذ قد عرفت تضمن النصوص عد الآجام من الأنفال دون غيرها ، فتأمل جيدا فإن المسألة غير محررة في كلام الأصحاب مع احتياجها اليه ، والسيرة المستمرة في جميع الأعصار والأمصار على معاملة النباتات من آجام وغيرها في أرض المسلمين كالمفتوحة عنوة أو الإمام عليه‌السلام خاصة كمواتها معاملة المباحات الأصلية كالماء الجاري فيهما ونحوه تملك بالحيازة من غير فرق في المحيز بين الشيعة وغيرهم ، وقد يأتي إن شاء الله في أول المقصد الثاني ما له نوع تعلق في المقام ، خصوصا ما تسمعه فيه من كلام الشهيد في الحواشي ، فلاحظ وتأمل ، والله أعلم.

وإذا فتحت دار الحرب فما كان لسلطانهم من قطائع أراضي وصفايا فهي من الأنفال التي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم للإمام عليه‌السلام بعده بلا خلاف أجده فيه ، للمعتبرة المستفيضة التي فيها الصحيح وغيره ، منها‌ صحيحة داود بن فرقد (١) عن الصادق عليه‌السلام « قطائع الملوك كلها للإمام عليه‌السلام ، وليس للناس فيها شي‌ء » وموثقة سماعة بن مهران (٢) « سألته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٨.

١٢٣

عن الأنفال فقال : كل أرض خربة أو شي‌ء يكون للملوك فهو خالص للإمام عليه‌السلام ليس للناس فيه سهم » ومرسلة حماد بن عيسى (١) عن العبد الصالح عليه‌السلام ـ إلى ان قال ـ : « وله صوافي الملوك ما كان في أيديهم من غير وجه الغصب ، لأن الغصب كله مردود » وخبر الثمالي (٢) عن الباقر عليه‌السلام المروي عن تفسير العياشي « ما كان للملوك فهو للإمام » إلى غير ذلك ، بل طاهر بعضها اندراج سائر ما للملوك فيها صفايا وقطائع كان أو غيرهما من الأموال المعتادة الاقتناء ، كما هو قضية الضابط الذي في المدارك ، بل والمنتهى والحدائق من أن كل أرض فتحت من أهل الحرب فما كان يختص به ملكهم فهو للإمام ، اللهم إلا ان يريدوا بالاختصاص خصوص المصطفى من الأموال لا غيره ، ولعله المنساق من الأخبار السابقة المعاضدة للأصل.

نعم هي له إذا لم تكن مغصوبة من مسلم أو معاهد ممن كان محترم المال للأصل ، والاقتصار على المتيقن ، والمرسل السابق.

وكذا له أن يصطفي من الغنيمة ما شاء من فرس جواد أو ثوب مرتفع أو جارية حسناء أو سيف فاخر ماض أو غير ذلك ما لم يجحف فيكون من الأنفال عند علمائنا أجمع كما في المنتهى ، لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ربعي (٣) : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أتاه المغنم أخذ صفوه وكان ذلك له ـ إلى ان قال ـ : وكذلك الامام عليه‌السلام يأخذ كما أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وفي‌ خبر أبي بصير (٤) بعد أن سأله عن صفو المال « الامام عليه‌السلام يأخذ الجارية الروقة والمركب الفاره والسيف القاطع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٣١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٥.

١٢٤

و الدرع قبل أن يقسم الغنيمة ، فهذا صفو المال » وفي‌ موثق أبي الصباح (١) « نحن قوم فرض الله طاعتنا ، لنا الأنفال ولنا صفو المال » وكأنه من عطف الخاص على العام تنبيها على مزيد اختصاصه عليه‌السلام به ردا على العامة القائلين بسقوط ذلك بعد الامام عليه‌السلام (٢) وقول العبد الصالح في مرسل حماد (٣) « وللإمام عليه‌السلام صفو المال ان يأخذ من هذه الأموال ، صفوها الجارية الفارهة والدابة الفارهة والثوب والمتاع مما يحب ويشتهي ، فذلك له قبل القسمة وقبل إخراج الخمس » لكن في المدارك أن قيد الإجحاف مستغنى عنه ، بل كان الأولى تركه ولعله لإطلاق الأدلة ، بل قد يقضي بأن له ذلك وإن كان هو الغنيمة لا غير ، إلا انك قد عرفت اشتراطه في معقد إجماع المنتهى المعتضد بالأصل ، والاقتصار على المتيقن وإطلاق ما دل على استحقاق الغانمين الغنيمة ، بل وبإمكان دعوى انه المنساق من النصوص ، بل قد يدعى ظهورها في نفي الأخير ، كظهور أكثرها والمتن بل وغيره في ان هذا القسم من الأنفال موقوف ملكيته على أخذ الإمام عليه‌السلام واصطفائه لا قبله كغيره من الأنفال التي حصل تمليك الله تعالى له إياه قهرا ، وإن كان له تعلق باستحقاق الاصطفاء ، فان لم يأخذ حينئذ ولم يصطف كان من الغنيمة ، ويجري عليه حكمها لا حكم مال الامام عليه‌السلام ، إلا أن موثق أبي الصباح بل وغيره ظاهر في انه كغيره من الأنفال الداخلة في ملكه عليه‌السلام قهرا ، ويؤيده بعد انفراد هذا القسم عنها بذلك ، خصوصا بعد قوله تعالى (٤) :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح « بعد النبي (ص) ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الأنفال ـ الحديث ٤.

(٤) سورة الأنفال ـ الآية ١.

١٢٥

( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ) إذ الظاهر إرادة تمليك الأعيان وانها هي الأنفال ، وعليه فهل المدار على وجود المصطفى في حد ذاته ونفسه أو بحسب نسبة الغنيمة؟ وجهان ، أقواهما الأول ، بل هو الظاهر من الأخبار ، كما انه على الأول هل يختص جواز أخذه واصطفائه بما لو كان في المال مصطفى أولا فله حينئذ أخذ ما يريد ويحب ويشتهي وإن لم يكن من الأشياء المصطفاة في حد ذاتها ونفسها كما عساه يشعر به ذيل خبر أبي بصير وعبارة المتن وغيرها؟

وجهان ، لا يبعد في النظر الأول ، لأنه المتيقن المنساق من النصوص السابقة ، فيقتصر عليه في الخروج عن الأصل ، وإطلاق استحقاق الغانمين الغنيمة ، والله اعلم وما يغنمه المقاتلون في سرية أو جيش بغير إذنه عليه‌السلام فهو من الأنفال له عليه‌السلام على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل نسبه غير واحد إلى الشيخين والمرتضى وأتباعهم ، بل في التنقيح نسبته إلى عمل الأصحاب ، كما في الروضة نفي الخلاف عنه ، وفي بيع المسالك أن المعروف من المذهب مضمون المقطوعة (١) الآتية لا نعلم فيه مخالفا ، بل عن الحلي الإجماع عليه ، وهو الحجة وإن ناقشه فيه في المعتبر ، فقال : « وبعض المتأخرين يستلف صحة دعواه مع إنكاره العمل بخبر الواحد ، فيحتج لقوله بدعوى إجماع الإمامية وذلك مرتكب فاحش ، إذ هو يقول : إن الإجماع إنما يكون حجة إذا علم أن الامام عليه‌السلام في الجملة ، فإن كان يعلم ذلك فهو منفرد بعلمه ، فلا يكون علمه حجة على من لم يعلم » إذ هي كما ترى مآلها إلى إنكار حجية الإجماع المنقول المفروغ منها في محلها ، فلا بأس حينئذ بجعله الحجة لنا هنا ، خصوصا مع شهادة التتبع له واعتضاده بقول الصادق عليه‌السلام في مرسل الوراق (٢) المنجبر به وبالشهرة العظيمة « إذا غزا قوم بغير أمر الإمام عليه‌السلام فغنموا كانت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٦.

١٢٦

الغنيمة كلها للإمام عليه‌السلام ، فإذا غزوا بأمر الإمام عليه‌السلام فغنموا كان للإمام عليه‌السلام الخمس » بل وبمفهوم‌ قوله عليه‌السلام أيضا في حسن معاوية بن وهب (١) بإبراهيم بن هاشم أو صحيحه المروي عن باب الجهاد من كتاب الوافي بعد أن سأله عن السرية يبعثها الامام عليه‌السلام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال : « إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الإمام عليه‌السلام اخرج منها الخمس لله تعالى وللرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقسم بينهم ثلاثة أخماس ، وإن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كلما غنموا للإمام عليه‌السلام يجعله حيث أحب ».

فما عساه يظهر من نافع المصنف ـ من التوقف في هذا الحكم ، بل في المنتهى قوة قول الشافعي الذي هو المساواة للمأذون فيها ، بل في المدارك أنه جيد لإطلاق الآية الواجب تقييده كإطلاق غيرها من الأخبار بما عرفت ، مع انها من خطاب المشافهة ، وخصوص‌ حسنة الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة فقال : يؤدي خمسا ويطيب له » الواجب حمله بسبب ما تقدم علي التحليل منه عليه‌السلام لذلك الشخص أو الاذن منه عليه‌السلام له في تلك الغزوة ، إذ الغالب عدم صدور أصحابهم إلا بإذنهم ، خصوصا في مثل ذهاب الأنفس ، أو غير ذلك من التقية ونحوها ـ ضعيف جدا ، وإن أمكن تأييده زيادة على ما سمعت بصحيحة علي بن مهزيار (٣) الطويلة المتقدمة سابقا عن أبي جعفر (ع) المشتملة على عداد ما يجب فيه الخمس إلى ان قال فيها : « ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله » لكن في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٥.

١٢٧

الحدائق ان الظاهر منها إرادة المخالف لا الكافر المشرك ، وبما عساه يظهر من بعض أخبار التحليل (١) الآتية من إباحة نصيبهم لشيعتهم من الفي‌ء والغنائم التي من المعلوم أن موردها زمان استيلاء الجور وظهور كلمة أهل الباطل ، إذ لا ريب في إشعار ذلك بعدم استحقاقهم عليهم‌السلام الجميع ، بل هو كصريح‌ المروي (٢) عن العسكري عليه‌السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام منها « انه قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد علمت يا رسول الله أنه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر فيستولي على خمسي من السبي والغنائم ويبيعونه ، ولا يحل لمشتريه لأن نصيبي فيه ، وقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك منه شيئا من شيعتي » إلى آخره ، فتأمل جيدا.

ثم إنه كان على المصنف ذكر ميراث من لا وارث له غير الامام عليه‌السلام هنا من الأنفال ، إذ هو كذلك عند علمائنا أجمع كما في المنتهى ، لقول أبي جعفر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (٣) : « من مات وليس له وارث من قبيل قرابته ولا مولى عتاقه ولا ضامن جريرته فماله من الأنفال » والصادق عليه‌السلام في خبر أبان بن تغلب (٤) « من مات ولا مولى له ولا ورثة فهو من أهل هذه الآية ( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ ) » والعبد الصالح في مرسل حماد بن عيسى (٥) المتقدم آنفا « وهو وارث من لا وارث له يعول من لا حيلة له » إلى غير ذلك.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ـ الحديث ١ من كتاب الإرث.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ـ الحديث ٨ من كتاب الإرث.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٤.

١٢٨

بل كان عليه التعرض لحكم المعادن هنا أيضا ، إذ قد اختلف الأصحاب فيها فبين من أطلق كونها من الأنفال وانها للإمام عليه‌السلام كالمفيد وعن الكليني والشيخ والديلمي والقاضي والقمي في تفسيره ، واختاره في الكفاية كما عنه في الذخيرة ، بل هو ظاهر الأستاذ في كشفه أيضا من غير فرق بين ما كان منها في أرضه أو غيرها ، وبين الظاهرة والباطنة ، للموثق المروي عن تفسير علي بن إبراهيم (١) عن الصادق عليه‌السلام بعد أن سئل عن الأنفال فقال : « هي القرى التي قد خربت وانجلى أهلها ، فهي لله وللرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما كان للملوك فهو للإمام عليه‌السلام ، وما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، وكل أرض لا رب لها ، والمعادن منها ، ومن مات وليس له مولى فما له من الأنفال » وخبر أبي بصير (٢) المروي عن تفسير العياشي عن الباقر عليه‌السلام « لنا الأنفال ، قلت : وما الأنفال؟ قال : منها المعادن والآجام وكل أرض لا رب لها » ، وخبر داود بن فرقد (٣) المروي فيه أيضا عن الصادق عليه‌السلام في حديث « قلت : وما الأنفال؟ قال : بطون الأودية ورؤوس الجبال والآجام والمعادن وكل أرض لم يوجف عليها بخيل » إلى آخره وبين من أطلق كون الناس فيها شرعا سواء كما في النافع والبيان ، بل حكاه في الروضة عن جماعة للأصل والسيرة ، وإشعار إطلاق أخبار (٤) الخمس في المعادن ، ضرورة أنه لا معنى لوجوبه على الغير ، وهي ملك للإمام عليه‌السلام.

وبين من فصل بين أرضه وغيرها كالحلي والفاضل في المنتهى بل والتحرير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٣٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس.

١٢٩

والشهيد في الروضة وغيرهم ، فيختص بالأول تبعا للأرض ، بل هي منها ، فما دل على ملكها له دال على ذلك دون غيره ، للأصل السالم عن معارض معتبر صالح لقطعه فيما تقدم من الأخبار عدا الموثق (١) منها ، لعدم تحقق الشهرة الجابرة لغيره ، بل في الدروس ان الأشهر مساواة الناس فيها ، وأما هو فمع إبدال « منها » فيه عن بعض النسخ بفيها فيخرج حينئذ عن الإطلاق الشاهد للأول غير واضح الدلالة ، لاحتمال عود الضمير فيه إلى الأرض ، سيما مع قربها اليه ، بل في الرياض تأييده زيادة على ذلك باستلزامه لو رجع إلى الأنفال استئناف الواو التي الأصل فيها العطف ، خصوصا وهو مغن عن قوله « منها » هنا وإن كان قد يخدش بأنها للعطف أيضا ، لكنه عطف الجمل دون المفردات ، بل لعله منه أيضا بجعل منها خبرا عن المعادن وما قبلها من الأرض الخربة والتي لا رب لها ، بل لعله الظاهر من متن الخبر بقرينة ما قبله وما بعده.

نعم. قد يؤيد بخلو الأخبار المروية في الأصول المعتمدة على كثرتها المتعرض فيها للمعادن عن ذلك ، بل وبما مرت إليه الإشارة آنفا من إشعار المعتبرة المستفيضة الدالة على وجوب الخمس على من اخرج المعدن بعدمه أيضا ، إذ لا معنى لوجوبه فيما له عليه‌السلام على الغير ، وإن كان قد أجاب بعضهم عن ذلك ويفهم من آخر بأنه يجوز ان يكون الحكم في المعادن ان من أخرجه بإذنه عليه‌السلام يكون خمسه له والباقي لمخرجه ، فتحمل حينئذ أخبار الخمس في المعادن على ما إذا كانت باذنه عليه‌السلام ولو في حال الغيبة باعتبار تحليله عليه‌السلام ذلك ، لكن فيه أولا انه يقتضي اختصاص هذا الخمس به ، لكونه عوضا عن التصرف في ماله ، لا انه كغيره من الخمس يوزع على الأصناف كما هو ظاهر النصوص والفتاوى ، وإن كان يحتمل ان يقال إنه حكم شرعي مترتب على إخراج المعدن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢٠.

١٣٠

المأذون فيه ، وثانيا انه يقتضي ملكية الإمام عليه‌السلام له جميعه لو أخرج في حال وجوده وعدم إذنه مع ظهور بعض (١) تلك الأخبار أو صراحتها في خلافه ، وثالثا أنه يقتضي حصر هذا الحكم في زمن الغيبة فيمن حلل لهم من الشيعة دون غيرهم ، فمن أخرجه منهم كان جميعه حينئذ للإمام عليه‌السلام ، ورابعا انه يتمشى هذا الجواب على تقدير ثبوت كونه له عليه‌السلام فيرتكب جمعا ، وإلا فلا ريب انه خلاف الظاهر المنساق إلى الذهن من تلك الأخبار عند فقد الدليل.

نعم قد يجاب عن ذلك بإمكان تنزيل أخبار الخمس على المعادن المملوكة لمالك خاص تبعا للأرض ، أو بالإحياء ، فإن ظاهر الشهيد في الروضة خروجها عن محل النزاع ، وانه لا كلام في انها ليست من نقل الامام عليه‌السلام لكنه لا يخلو من تأمل ونظر ، خصوصا الثاني ، لإطلاق جماعة ممن عرفت ان المعادن من الأنفال ، فتأمل جيدا فإن المسألة غير سالمة الاشكال ، والاحتياط الذي جعله الله ساحل بحر الهلكة فيها مطلوب ، هذا ، وقد عد في المقنعة من الأنفال البحار والمفاوز ، كما عن أبي الصلاح الأول ، ولم نقف له على دليل فيما لم يرجع إلى الأراضي السابقة من المفاوز ، ولا لهما في البحار كما اعترف به غير واحد ، اللهم إلا ان يكونا أخذاه مما دل من الأخبار (٢) على أن الدنيا وما فيها للإمام عليه‌السلام وعلى ان جبرئيل قد كرى برجله الأنهار الخمسة أو الثمانية ، وان ما سقت وما استقت للإمام عليه‌السلام ، خصوصا‌ خبر حفص بن البختري (٣) عن الصادق عليه‌السلام قال : « إن جبرئيل عليه‌السلام كرى برجله خمسة أنهار ، ولسان الماء يتبعه الفرات ودجلة ونيل مصر ومهران ونهر بلخ ، فما سقت أو سقي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس.

(٢) أصول الكافي ج ١ ص ٤٠٧ « باب ان الأرض كلها للإمام عليه‌السلام ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٨.

١٣١

منها فللإمام عليه‌السلام ، والبحر المطيف بالدنيا وهو أفسيكون » وما عساه يظهر من خبر مسمع بن عبد الملك (١) الآتي المشتمل على حكاية توليته الغوص وإتيان خمس ما حصل له.

وكذا زاد في كشف الأستاذ وفي الأنفال ما لم نقف له على دليل ، فقال : « منها ما يوضع له من السلاح المعد له والجواهر والقناديل من الذهب والفضة والسيوف والدروع ، ومنها ما يجعل نذرا للإمام عليه‌السلام بخصوصه على أن يستعمله بنفسه الشريفة ، أو يصرفها على جنده من الدراهم والدنانير وجميع ما يطلب للجيوش ، ومنها المعين للتسليم اليه ليصرفه على رأيه » وهو كما ترى لا يتجه ولا يتم سواء فرض إرادة الإمام الحلي منه عليه‌السلام أو الميت ، إذ المراد بالأنفال ما اختص بأصل ملكيتها بمعنى عدم صحة ملك غيره لها بوجه من الوجوه إلا منه عليه‌السلام ، وما ذكره رحمه‌الله مع الإغضاء عن صحة بعضه في نفسه بحيث يدخل في ملكه عليه‌السلام خصوصا لو فرض إرادة غير القائم عليه‌السلام منه كما هو الموجود في زماننا بالنسبة إلى ما يأتون به للحضرات المشرفات من الأسلحة وغيرها لا يختص به عليه‌السلام ، بل لو فرض غير الامام عليه‌السلام وأعد له أو نذر له أو اعطي ما لا ليصرفه اختص به أيضا ولعل مراده بالأنفال مطلق المال الذي يرجع اليه.

ومن هنا قال : إن هذه الثلاثة من الأنفال لا يجوز التصرف فيها بل يجب حفظها والوصية بها ، ولو خيف فساد شي‌ء منها بيع وجعل نقدا وحفظ على النحو السابق ، ولو أراد المجتهد الاتجار به مع المصلحة قوي جوازه ، ولو وقف عليه واقف كان للمجتهد أو نائبه وإلا فعدول المسلمين قبضه عنه ، ولو خاف من التلف مع بقاء العين أقرضها من ملي تقي ، ومع تعدد المجتهدين يجوز لكل منهم التوجه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٢.

١٣٢

لذلك ، ولو اختلف آراؤهم عول على قول الأفضل ولو ظهرت خيانة الأمين أو خيف عليه من التلف عند شخص انتزعه الحاكم وجعله عند غيره ، وكذا لو كان قرضا وخشي من إفلاس المقترض أو من وارثه ، ولو احتاجت بعض الأمور المختصة به إلى إصلاح وتوقف على بذلك المال أخذ من ماله الآخر من قناديل أو سلاح أو فرش ونحوها مقدار ما يصلحه ، ويتولى ذلك المجتهد أو وكيله أو مأذونه ، فان لم يكن أحدهم قام عدول المسلمين مقامهم ، وإلا فحكم الأنفال الإباحة زمن الغيبة عنده وعند غيره من الأصحاب كما ستعرف تحرير ذلك إن شاء الله ، نعم ما ذكره رحمه‌الله من هذه الأحكام وإن كان بعضها مستفادا من أصول المذهب وقواعده لكن جملة منها محل للتوقف والنظر ، كما ان حكم أصل موضوعها من بعض الأمور الثلاثة كذلك أيضا ، فتأمل.

ثم إنه لا كلام في كون الأنفال ملكا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يدل عليه الكتاب والسنة والإجماع ، ثم من بعده للقائم مقامه ، فما في‌ خبر محمد بن مسلم (١) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : وسئل عن الأنفال فقال : كل قرية يهلك أهلها أو يجلون عنها فهي نفل لله عز وجل نصفها يقسم بين الناس ونصفها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فما كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو للإمام عليه‌السلام » كخبر حريز (٢) المروي عن تفسير العياشي عنه أيضا يجب تأويله بإرادة القسمة تفضلا أو حمله على التقية كما في الحدائق أو طرحه لما عرفت ، واحتمال تأييده بأن آية الأنفال تقتضي التشريك بينه وبين الله تعالى فيها فيصرف سهم الله في سبيله والآخر يختص به عليه‌السلام لا يصغى إليه في مقابلة ما عرفت ، سيما بعد ما ورد أيضا ان ما كان لله فهو لوليه (٣) زيادة على المستفاد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢٥.

(٣) أصول الكافي ج ١ ص ٥٣٧ « باب صلة الإمام عليه‌السلام » ٣.

١٣٣

هنا من الأخبار المتواترة من اختصاصه عليه‌السلام بها ، فلا يجوز التصرف بشي‌ء منها حينئذ بدون إذنه في زمن الحضور والغيبة‌ المقصد الثاني في كيفية التصرف في مستحقه كما أشار إليه المصنف بقوله : المقصد الثاني من المقصدين الملحقين بكتاب الخمس في كيفية التصرف في مستحقه من الأنفال والخمس وفيه مسائل : المسألة الأولى لا يجوز التصرف في ذلك بغير إذنه الأولى لا يجوز التصرف في ذلك بغير إذنه عقلا وشرعا بل ضرورة من الدين كغيره من الأملاك ولو تصرف متصرف كان غاصبا ظالما مأثوما ولو حصل له فائدة تابعة للملك شرعا لا التابعة لغيره من البذر ونحوه كانت للإمام عليه‌السلام كما هو قضية أصول المذهب وقواعده في جميع ذلك من غير فرق بين زمني الحضور والغيبة ، وتحليل الأنفال منهم عليهم‌السلام للشيعة في الثاني خروج عن موضوع المسألة ، إذ هو إذن ، فما في المدارك ـ من تخصيص ما في المتن بعد ان جعل ذلك فيه إشارة للأنفال تبعا لجده في المسالك بالحضور حاكيا له عن نص المعتبر ـ في غير محله ، قال : « أما حال الغيبة فالأصح إباحة الجميع كما نص عليه الشهيدان وجماعة للأخبار (١) الكثيرة المتضمنة لإباحة حقوقهم عليهم‌السلام لشيعتهم في حال الغيبة ، قال في البيان : وهل يشترط في المباح له الفقر؟ ذكره الأصحاب في ميراث فاقد الوارث ، أما غيره فلا ، وأقول : إن مقتضى العمومات عدم اشتراط ذلك مطلقا ، نعم ورد في الميراث (٢) رواية ضعيفة ربما تعطي اعتبار ذلك ، ولاستقصاء البحث فيه محل آخر » انتهى. وظاهره بل صريحه عدم اختصاص الإباحة بالمناكح والمساكن والمتاجر ، بل هو صريح جده في المسالك والروضة أيضا بل نسبه في الأخيرة إلى المشهور ، قال فيها : « والمشهور أن هذه الأنفال مباحة حال الغيبة ، فيصح التصرف في الأرض المذكورة بالاحياء وأخذ ما فيها من شجر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال من كتاب الخمس.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب ولاء ضمان الجريرة ـ الحديث ١٠.

١٣٤

وغيره ، نعم يختص ميراث من لا وارث له بفقراء بلد الميت وجيرانه للرواية ، وقيل بالفقراء مطلقا ، لضعف المخصص ، وهو قوي ، وقيل مطلقا كغيره » انتهى بل هو صريح الشهيد الأول في دروسه بل وبيانه ، قال في الأولى : « والأشبه تعميم إباحة الأنفال حال الغيبة كالتصرف في الأرضين الموات والآجام وما يكون بها من معدن وشجر ونبات لفحوى رواية يونس (١) والحارث (٢) نعم لا يباح الميراث إلا لفقراء بلد الميت » وقال في البيان في حكم الأنفال : « ومع وجوده لا يجوز التصرف في شي‌ء من ذلك بغير إذنه ، فلو تصرف متصرف أثم وضمن ، ومع غيبته فالظاهر إباحة ذلك لشيعته ، وهل يشترط في المباح له الفقر؟ ذكره الأصحاب في ميراث فاقد الوارث ، أما غيره فلا » بل هو ظاهر المحكي من عبارة سلار في المختلف واختاره في الكفاية والحدائق ، لكن ظاهر نهاية الشيخ وسرائر الحلي وقواعد الفاضل بل وتحريره ومنتهاه وتذكرته تخصيص الإباحة بالثلاثة المذكورة أو الأول منها ، بل في الحدائق نسبته إلى ظاهر المشهور ، قال فيها : ظاهر المشهور هنا هو تحليل ما يتعلق من الأنفال بالمناكح والمساكن والمتاجر خاصة ، وان ما عدا ذلك يجري فيه الخلاف الذي في الخمس ، بل قد يظهر من المحكي عن أبي الصلاح في المختلف تحريم الثلاثة أيضا ، قال : ويلزم من تعين عليه شي‌ء من أموال الأنفال أن يصنع فيه ما بيناه من تشطير الخمس ، لكونه جميعا حقا للإمام عليه‌السلام فإن أخل المكلف بما يجب عليه من الخمس وحق الأنفال كان عاصيا لله سبحانه ومستحقا لعاجل اللعن المتوجه من كل مسلم إلى ظالمي آل محمد وآجل العقاب ، لكونه مخلا بالواجب عليه لأفضل مستحق ، ولا رخصة في ذلك بما ورد من الحديث فيها ، لأن فرض الخمس والأنفال ثابت بنص القرآن والإجماع من الأمة وان اختلفت فيمن يستحقه ، فإجماع آل محمد دال على ثبوته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٩.

١٣٥

وكيفية استحقاقه ، وحمله إليهم وقبضهم إياه ، ومدح مؤديه وذم المخل به ، ولا يجوز الرجوع عن هذا المعلوم بشاذ الأخبار ، انتهى.

والأقوى في النظر الأول ، بل ينبغي القطع به في الأراضي المحياة ، بل في المدارك انه أطبق عليه الجميع ، كما انه في الكفاية تارة الظاهر لا خلاف بينهم في إباحة التصرف للشيعة في زمن الغيبة في أراضي الموات وما يجري مجراها ، وأخرى انهم صرحوا بأن المحيي يملك الأرض الموات في زمان الغيبة ، بل ادعى بعض المتأخرين إطباق الأصحاب عليه إلى آخره ، ولعله كذلك كما يشهد له ملاحظة كلامهم في باب إحياء الموات ، مضافا إلى السيرة القطعية والأخبار المعتبرة‌ كالصحيح عن عمر بن يزيد (١) قال : « رأيت أبا سيار مسمع بن عبد الملك بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد الله عليه‌السلام مالا في تلك السنة فرده أبو عبد الله عليه‌السلام ، فقلت له : ولم رد عليك أبو عبد الله عليه‌السلام المال الذي حملته اليه؟ فقال : إني قلت له حين حملت المال اليه : إني كنت وليت البحرين الغوص فأصبت أربعمائة ألف درهم وقد جئت بخمسها ثمانين ألف درهم إليك وكرهت ان احبسها عنك وأعرض لها ، وهي حقك الذي جعله الله لك في أموالنا. فقال : أو ما لنا من الأرض وما أخرجه الله منها إلا الخمس يا أبا سيار؟

ان الأرض كلها لنا. فما أخرج الله منها من شي‌ء فهو لنا ، فقلت له : وأنا أحمل إليك المال كله فقال : يا أبا سيار قد طيبناه لك وأحللناك منه ، فضم إليك مالك وكلما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ، يحل ذلك لهم حتى يقوم قائمنا عليه‌السلام فيجبيهم طسق ما كان في أيديهم ، ويترك الأرض في أيديهم‌

__________________

(١) ذكر ذيله في الوسائل في الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٢ وتمامه في أصول الكافي ج ١ ص ٤٠٨ « باب أن الأرض كلها للإمام عليه‌السلام » ٣.

١٣٦

وأما ما كان في أيدي غيرهم فان كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا عليه‌السلام فيأخذ الأرض من أيديهم ويخرجهم عنها صغرة ـ قال عمر بن يزيد ـ : فقال لي أبو سيار : ما أرى أحدا من أصحاب الضياع ولا من يلي الأعمال يأكل حلالا غيري إلا من طيبوا له ذلك ».

وخبر يونس بن ظبيان أو المعلى بن خنيس (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسم ثم قال : إن الله تعالى بعث جبرئيل وأمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض منها سيحان وجيحان وهو نهر بلخ ، والخشوع وهو نهر الشاش ، ومهران وهو نهر الهند ، ونيل مصر ودجلة وفرات فما سقت أو استقت فهو لنا ، وما كان لنا فهو لشيعتنا ، وليس لعدونا منه شي‌ء إلا ما غصب عليه ، وإن ولينا لفي أوسع فيما بين ذه وذه يعني بين السماء والأرض ، ثم تلا هذه الآية (٢) ( قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ) المغصوبين عليها ( خالِصَةً ) لهم ( يَوْمَ الْقِيامَةِ ) بلا غصب » وصحيح عمر بن يزيد (٣) قال : « سمعت رجلا من أهل الجبال يسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أخذ أرضا مواتا تركها أهلها ، فعمرها وأكرى أنهارها وبنى فيها بيوتا وغرس فيها نخلا وأشجارا قال : فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : من أحيى أرضا من المؤمنين فهي له ، وعليه طسقها يؤديه للإمام عليه‌السلام في حال الهدنة ، فإذا ظهر القائم فليوطن نفسه على أن تؤخذ منه » إلى غير ذلك من الأخبار (٤) الواردة في خصوص الأراضي التي ليس ذا محل إحصائها فضلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٧.

(٢) سورة الأعراف ـ الآية ٣٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٤ و ١٧ و ٢٠ و ٢٨ و ٣٢.

١٣٧

عن التعليل الوارد في أخبار (١) تحليل الخمس وغيره من حقوقهم لشيعتهم التي سيمر عليك بعضها بطيب الولادة المراد منه بحسب الظاهر حل المأكل والمشرب اللذين يتكون منهما نطفة الولد الحاصل بسببه الزكاة وطيب الولادة ، وهو لا يحصل إلا بإباحة حقوقهم عليهم‌السلام من الأراضي حتى الخمس المشترك بينهم وبين غيرهم في الأرض المفتوحة عنوة على ما عرفت سابقا ، وإباحة قبالتنا من يد غيرهم ومقاسمتنا إياه ، وعطاياه وأقطاعه في الأراضي المشتركة بين المسلمين أيضا التي أمرها إلى الامام عليه‌السلام ، لشدة الاحتياج إليها ، بل لا يمكن التعيش بدونها ، بل لعل التكليف باجتنابها مما لا يطاق ، إذ فيه من العسر والحرج مالا يتحمل ، كما هو واضح.

وفضلا عن إطلاق كثير من الأخبار تحليل حقهم عليهم‌السلام الشامل للأرض وغيرها من الأنفال ، كصحيحة الحرث النضري (٢) عن الصادق عليه‌السلام قلت له : « إن لنا أموالا وتجارات ونحو ذلك وقد علمت أن لك فيها حقا ، قال : فلم أحللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم ، وكل من والى آبائي فهم في حل مما في أيديهم من حقنا ، فليبلغ الشاهد الغائب » وصحيح الفضلاء (٣) عن الباقر عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « هلك الناس في بطونهم وفروجهم ، لأنهم لم يؤدوا إلينا حقنا ، ألا وإن شيعتنا من ذلك في حل وآباءهم في حل » وعن الصدوق روايته « وأبناءهم » وصحيح ابن مهزيار (٤) قال : « قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه‌السلام إلى رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله ومشربه من الخمس ، فكتب عليه‌السلام بخطه من أعوزه شي‌ء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢.

١٣٨

من حقي فهو في حل » والحسن عن سالم بن مكرم (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « قال له رجل وأنا حاضر : حلل لي الفروج ففزع أبو عبد الله عليه‌السلام فقال له رجل : ليس يسألك أن يعترض الطريق ، إنما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيه ، فقال : هذا لشيعتنا حلال ، الشاهد منهم والغائب الميت منهم والحي وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال ، أما والله لا يحل إلا لمن حللنا له ، ولا والله ما أعطينا أحدا ذمة وما عندنا لأحد عهد ، ولا لأحد عندنا ميثاق » والموثق عن الحرث بن المغيرة النضري (٢) قال : « دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام فجلست عنده فإذا نجية قد استأذن عليه ، فأذن له ، فدخل فجثى على ركبتيه ثم قال : جعلت فداك اني أريد أن أسألك عن مسألة ، والله ما أريد بها إلا فكاك رقبتي من النار ، فكأنه رق له ، فاستوى جالسا فقال : يا نجية سلني ، فلا تسألني اليوم عن شي‌ء إلا أخبرتك به ، قال : جعلت فداك ما تقول في فلان وفلان؟ قال : يا نجية ان لنا الخمس في كتاب الله ، ولنا الأنفال ، ولنا صفو المال ، وهما والله أول من ظلمنا حقنا في كتاب الله ، وأول من حمل الناس على رقابنا ، ودماؤنا في أعناقهما إلى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت ، وان الناس ليتقلبون في حرام الى يوم القيامة بظلمنا أهل البيت ، فقال نجية : إنا لله وإنا إليه راجعون ثلاث مرات ، هلكنا ورب الكعبة ، قال : فرفع جسده عن الوسادة فاستقبل القبلة فدعا بدعاء لم أفهم منه شيئا إلا أنا سمعناه في آخر دعائه ، وهو يقول : اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا قال : ثم أقبل إلينا بوجهه فقال : يا نجية ما على فطرة إبراهيم غيرنا وغير شيعتنا » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٤.

(٢) ذكر صدره وذيله في الوسائل في الباب ٤ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٤ وتمامه في التهذيب ج ٤ ص ١٤٥ الرقم ٤٠٥.

١٣٩

وخبر أبي حمزة (١) عن الباقر عليه‌السلام في حديث قال : « إن الله تعالى جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي‌ء ـ إلى ان قال ـ : فنحن أصحاب الخمس والفي‌ء ، وقد حرمناه على جميع الناس ما خلا شيعتنا » وخبر داود الرقي (٢) عن الصادق عليه‌السلام ، قال : « سمعته يقول : الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا ، إلا انا أحللنا شيعتنا من ذلك » وخبر الفضيل (٣) قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام لفاطمة عليها‌السلام : أحلي نصيبك من الفي‌ء لآباء شيعتنا ليطيبوا ، ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنا قد أحللنا أمهات شيعتنا لآبائهم ليطيبوا » والمروي (٤) عن العسكري عليه‌السلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام « انه قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد علمت يا رسول الله انه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر فيستولي على خمسي من السبي والغنائم ، ويبيعونه ولا يحل لمشتريه لأن نصيبي فيه ، وقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك شيئا من ذلك من شيعتي ، لتحل لهم منافعهم من مأكل ومشرب ، ولتطيب مواليدهم ، ولا يكون أولادهم أولاد حرام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما تصدق أحد أفضل من صدقتك ، وقد تبعك رسول الله في فعلك ، أحل للشيعة كلما كان فيه من غنيمة أو بيع من نصيبه على واحد من شيعتي ، ولا أحلها أنا وأنت لغيرهم » إلى غير ذلك من الأخبار التي لا يقدح في الاستدلال بما فيها من التعليل والتعميم لسائر حقوقهم اشتمال بعضها على تحليل تمام الخمس الذي لا نقول به.

على انه قد يدعى ظهوره في إرادة الأموال التي في أيدي مخالفينا مما لم يخرجوا منها الخمس ولا غيره من حقوقهم عليهم‌السلام ، بمعنى إباحة سائر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢٠.

١٤٠