جواهر الكلام - ج ١٦

الشيخ محمّد حسن النّجفي

عندهم عدم صدق اسم الولد حقيقة لا هذا المرسل حتى يكون عملهم به طريق تبين ومن هنا كان الاحتياط في ترك أخذه الخمس والزكاة وإن كان الأقوى في النظر ما عرفت ، لإمكان دفع جميع ذلك بأدنى تأمل ونظر ، خصوصا بعد تحرير الطريقة ووضوحها ، لكن المحدث المزبور قد بالغ في اختيار ذلك لاختلال طريقته مشددا للإنكار على الأصحاب بتسجيع شنيع وخطاب فظيع حتى انه تجاوز ما يجب عليه من الآداب مع حفظة السنة والكتاب ، ونسأل الله تعالى ان يغفر له ذلك ، كما انه أوضح الان له المسالك والمدارك ، والله اعلم.

وكيف كان ففي المدارك وعن الذخيرة المعروف من مذهب الأصحاب انه لا يجب استيعاب أشخاص كل طائفة من الطوائف الثلاثة بل لو اقتصر من كل طائفة على واحد جاز كما انه يجوز البسط عليهم متفاوتا ، بل عن غيرهما نفي الخلاف فيه ، بل قد يفهم من المنتهى الإجماع عليه ، للأصل وإرادة الجنس من الجمع المعرف في الكتاب والسنة كابن السبيل ، بل هو وآية الزكاة (١) قرينة عليه في الأولين ، لعدم القول بالفصل ، وكون الخمس زكاة في المعنى ، وللموثق بل‌ الصحيح (٢) في الكافي عن الرضا عليه‌السلام « سئل عن قول الله : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) الآية ، فقيل له : فما كان لله فلمن هو؟ فقال : لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو للإمام عليه‌السلام فقيل له : أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقل ما يصنع به؟ قال : ذاك إلى الامام عليه‌السلام أرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف يصنع إنما كان يعطي على ما يرى وكذلك الامام » وتعسر الاستيعاب بل تعذره في أغلب الأحوال والأوقات‌

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٦٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ١.

١٠١

خصوصا بعد انتشار الذرية الطاهرة في سائر الأماكن ، على ان خمس الشخص نفسه غالبا لا قابلية فيه للاستيعاب ، بل ينبغي القطع به حينئذ مع العسر أو التعذر لقلة الخمس أو تشتت المستحقين ، وعدم التوقف فيه بوجه من الوجوه.

نعم قد يشكل عدم الإيجاب فيما لو فرض التمكن من الاستيعاب وفي القدر الممكن منه بأنه الموافق للاحتياط في البراءة عما اشتغلت الذمة به بيقين ، وبمنع إرادة الجنسية من الجمع المزبور ، لكونه حقيقة في الاستغراق ، وسقوط الوجوب في المتعذر والمتعسر لا يستلزم إرادة الجنسية منه التي هي معنى مجازي له كما ان إرادتها في الزكاة لدليل وقرينة لا تستلزم ذلك هنا ، وبعدم ظهور الصحيح المزبور فيما نحن فيه من عدم وجوب الاستيعاب المذكور ، بل أقصاه عدم وجوب تساوي القسمة في الأصناف الثلاثة بحيث يجب ان يكون لكل صنف ثلث تام وإن كان المستحق قليلا ، على أنه أو كل الأمر فيه إلى الامام عليه‌السلام وهو عند التأمل خارج عن البحث ، إذ الإمام عليه‌السلام يراد منه كفاية الجميع ولو من نصيبه فلا ضير إن فاوت أو منع ، انما الكلام فيمن أراد إيصال الخمس بنفسه ، خصوصا في مثل هذه الأوقات ، وإلا فالإمام عليه‌السلام ولي الجميع ، والوصول اليه وصول إليهم جميعهم ، وهو العالم بالمصالح والمفاسد وقدر حاجاتهم ، لا يتهم بميل نفس أو شيطان أو أغراض دنيوية أو صداقات ومحبات أو توصل إلى بعض الفوائد النفسانية بخلاف غيره ، وبأنه المنساق من أخبار المقام ، خصوصا‌ مرسلة حماد بن عيسى (١) عن العبد الصالح المتقدمة سابقا المشتملة على كيفية القسمة ، قال فيها : « فسهم ليتاماهم وسهم لمساكينهم وسهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكتاب والسنة ـ إلى ان قال ـ : ان فقراء الناس جعل أرزاقهم في أموال الناس على ثمانية أسهم فلم يبق منهم أحد ، وجعل للفقراء قرابة الرسول نصف الخمس فأغناهم به عن صدقات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ٨.

١٠٢

الناس وصدقات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولي الأمر ، فلم يبق فقير من فقراء الناس ولم يبق فقير من فقراء قرابة الرسول إلا وقد استغنى » ، بل وغيرها من الأخبار أيضا ، بل لعل بعضها أظهر منها ، على انه هو الموافق لحكمة الخمس والغرض الباعث لوجوبه ، وإلا فلو خص به بعض الطائفة بقيت أطفال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو مساكينه أو أبناء سبيله حيارى.

ولعله من ذلك كله مال في الحدائق إلى القول بوجوب الاستيعاب ، بل صرح بضعف المشهور ، كما انه في السرائر قال : « والظاهر يقتضي انه يفرق في جميع من تناوله الاسم في بلد الخمس كان أو في غيره من البلاد قريبا كان أو بعيدا إلا ان ذلك يشق ، والأولى ان نقول يخص به من حضر البلد الذي فيه الخمس » لكن قال بعد ذلك : « ومتى حضر الثلاثة الأصناف ينبغي ان لا يخص به قوم دون قوم بل الأفضل تفريقه في جميعهم » وظاهره الاستحباب ، كما انه لعله المفهوم من عبارة المبسوط المحكية وإن نسب اليه الخلاف أيضا ، نعم قال في الدروس : « وفي اعتبار تعميم الأصناف نظر ، أما الأشخاص فيعم الحاضر » ولقد أجاد المعاصر في الرياض حيث قال : « إن الاحتياط في تحصيل البراءة اليقينية عما اشتغلت به الذمة يقتضي البسط على الثلاثة ، بل استيعابها أيضا إلا ان يشق ذلك فيقتصر على من حضر البلد ، ويبسط عليهم مع الإمكان كما عن ظاهر السرائر والدروس وإن ضعفه من تأخر عنهما معربين عن عدم خلاف في فساده كما مضى ، فان تم إجماعا وإلا فما فيهما قوي جدا وإن كان خيرة المتأخرين لعله أقوى » انتهى. وهو وإن كان في كلامه السابق على ذلك ما عساه ينافي ما وقع له هنا ، لكنه جيد جدا مناقشة واختيارا ، خصوصا مع ملاحظة السيرة في الأمصار والأعصار ، بل لعل القول بالاستيعاب ساقط في هذه الأزمان ، لإفضائه إلى تعطيل جميع الذرية ، وشدة الحاجة لقلة ما يحصل من الناس ، بحيث لو روعي فيه‌

١٠٣

الاستيعاب لم يحصل لأحد منهم فائدة يعتد بها ، بل لا يحصل ما يملأ الجوف في غالب الأوقات ، نعم لو أمكن جمع ما في أيدي الناس من الخمس اتجه القول به حينئذ ، لإمكانه هذا ، وربما يأتي في البحث عن جواز التخصيص بطائفة ماله نفع في المقام إن شاء الله ، والله أعلم.

هنا مسائل وهنا مسائل : المسألة الأولى في مستحق الخمس الأولى في مستحق الخمس وهو من انتسب إلى هاشم جد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنسب صحيح أو كالصحيح لا الزنا ونحوه ، وذريته محصورة فيمن ولده عبد المطلب الذي قيل ان له عشرة أسماء غير اسمه المشهور الذي تعرفه العرب وملوك العجم وملوك الحبشة وملوك القياصرة به منها : عامر ، وشيبة الحمد ، وسيد البطحاء ، وساقي الحجيج ، وساقي الغيث ، وغيث الوادي في العام الجدب ، وحافر بئر زمزم ، وأبو السادة العشرة : عبد الله وأبي طالب والعباس وحمزة والزبير وأبي لهب وضرار والغيداق ، وربما سمي حجل ، ومقوم والحارث ، وهو أسنهم ، لكن ربما قيل إنهم أحد عشر بجعل حجل غير الغيداق ، بل اثني عشر بإضافة قشم مع ذلك ، إلا ان نسله منهم قد انحصر في الخمسة الأولى ، بل الأربعة منهم ، إذ عبد الله ليس له إلا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المنحصر نسله في فاطمة ، فدخل في نسل أبي طالب.

وانحصر الخمس حينئذ فيمن كان نسل عبد المطلب منهم وهم بنو أبي طالب والعباس والحارث وأبي لهب الذكر والأنثى بل لم يعرف منهم اليوم إلا المنتسب إلى الأولين ، بل لم يبارك الله إلا في ذرية الأول منهما ، وإن كان لا خلاف في استحقاق الجميع الخمس ، بل الإجماع محصل ومنقول عليه ، كما انه المفهوم من المعتبرة المستفيضة إن لم تكن المتواترة ، فما عساه يظهر من بعض الأخبار من تخصيصه بذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو آله وأهل بيته غير مراد‌

١٠٤

قطعا إن لم نقل إن الجميع من آله وأهل بيته عرفا ، نعم في الدروس « ينبغي توفير الطالبيين على غيرهم ، وولد فاطمة على الباقين » ولا بأس به خصوصا الثاني منه ، بل ولا بما في كشف الأستاذ « ليس بالبعيد تقديم الرضوي ثم الموسوي ثم الحسيني والحسني ، وتقديم كل من كان علاقته بالأئمة (ع) أكثر » لكن قال فيه بعد ذلك : « إنه يصدق مدعي النسب إن لم يكن متهما كمدعي الفقر » وفيه بحث لعدم صدق الامتثال قبل إحراز مصداق الموضوع ، وأصالة صحة دعوى المسلم فيما لا يعارضها فيها احد لا تكفي قطعا في فراغ ذمة الدافع ، بل أقصاها عدم الحكم بفسق الآخذ لو اتفق ، والقياس على الفقر مع انه مع الفارق لا نقول به.

ودعوى عموم بعض ما ذكر مستندا له هناك للمقام ـ إذ عمدته أصالة صحة قول المسلم ودعواه التي لا معارض لها المستفادة من جملة من المعتبرة ، كخبر الكيس المطروح (١) الذي ادعاه واحد من عشرة ، وصحيح (٢) تصديق الامرأة في عدم الزوج لها ، وفي أنها جحشت إذا أراد زوجها مراجعتها ، وغير ذلك ـ يدفعها منع كون العمدة ذلك ، بل لعله الأصل في غير المسبوق بالغنى ، أو الاتفاق المحكي إن لم يكن محصلا ، أو السيرة القطعية المستمرة في سائر الأعصار والأمصار ، أو العسر والحرج في تكليف البينة ، أو ما يفهم من خصوص بعض الأخبار (٣) المتجبرة ، أو غير ذلك ، وإلا فهي لا تتأتى في جملة من أبواب الفقه التي لا تخفى على الخبير الماهر ، فتأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب كيفية الحكم ـ الحديث ١ من كتاب القضاء.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ و ٢٥ ـ من أبواب عقد النكاح من كتاب النكاح والباب ـ ١١ ـ من أبواب أقسام الطلاق ـ الحديث ١ من كتاب الطلاق.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء.

١٠٥

نعم قد يحتال في الدفع للمجهول المدعي بأن يوكله من عليه الحق في الدفع إذا فرض عدالته أو قلنا بعدم اشتراطها ، فإنه يكفي في براءة ذمته وإن علم انه هو قبضه ، لأن المدار في ثبوت الموضوع على علم الوكيل دون الموكل ما لم يعلم الخلاف لكن الإنصاف انه لا يخلو من تأمل أيضا.

وكيف كان فـ في استحقاق بني المطلب أخي هاشم خلاف وتردد ينشأ من أصالة عدم الاستحقاق ، وتوقف الشغل اليقيني على البراءة اليقينية ، والمرسل (١) عن العبد الصالح « وهؤلاء الذين جعل الله لهم الخمس هم قرابة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه فقال ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٢) وهم بنو عبد المطلب أنفسهم الذكر منهم والأنثى ، ليس فيهم من أهل بيوتات قريش ولا من العرب أحد ـ إلى ان قال ـ : ومن كانت أمه من بني هاشم وأبوه من سائر قريش فان الصدقات تحل له ، وليس له من الخمس شي‌ء ، لأن الله تعالى يقول ( ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ ) » إلى آخره.

ويستفاد من ذيله كغيره من الأخبار بل هو معلوم غير محتاج إلى الدليل ان الخمس لمن حرمت عليه الصدقة ، ولا ريب في ظهور ما ورد من النصوص في ذلك ولو بانضمام قرائن خارجية كما لا يخفى على من لاحظها في ان المحرم عليهم الصدقة بنو هاشم ، خصوصا نحو‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن سنان (٣) : « لا تحل الصدقة لولد العباس ولا لنظرائهم من بني هاشم » وفي‌ خبر ابن خنيس (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ٨.

(٢) سورة الشعراء ـ الآية ٢١٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٣ من كتاب الزكاة.

(٤) الوافي ج ٢ ص ٢٨ ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب زكاة المال ـ الحديث ٤ وفيه « من ولد عبد المطلب ».

١٠٦

« لا تحل الصدقة لأحد من ولد العباس ولا لأحد من ولد علي عليه‌السلام ولا لنظرائهم من بني هاشم » إذ هو وإن كان لا صراحة فيه في نفي الحرمة عن غيرهم لكن اقتصاره عليهم كغيره من الأخبار على كثرتها مع ان بعضها في مقام المدح أو غيره المقتضي بيان من حرمت الصدقة عليهم كالصريح في الاختصاص ، بل قد يدعى انه المنساق إلى الذهن من سير أخبار الخمس أيضا سيما ما اشتمل منها على النسبة ونحوها إليهم عليهم‌السلام أو إلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى غير ذلك مما ستسمع بعضه.

ومن الاقتصار على المتيقن خروجه من عموم الكتاب والسنة ، وهو من عدا بني هاشم والمطلب ، وقول الصادق عليه‌السلام في خبر زرارة (١) : « لو كان عدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة » لكن أظهره المنع وفاقا للمشهور بين الأصحاب ، بل هو ظاهر معقد إجماع الانتصار وغيره ، بل لعله كذلك ، إذ لا نعرف فيه خلافا ولا حكي إلا عن الإسكافي الذي لا يقدح خلافه فيه عندنا ، وغرية المفيد خصوصا بعد وضوح ضعف مستندهما مما عرفت ، إذ التمسك بعموم الفقراء المعلوم إرادة الخاص منهم الذي لم يتيقن منه إلا بنو هاشم دخول للدار من غير الباب ، والخبر المذكور مع قصوره عن المقاومة باعراض المشهور وغيره وموافقته لظاهر‌ المروي (٢) من طرق العامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : « أنا وبنو المطلب لم تفترق في جاهلية ولا إسلام ، وشبك بين أصابعه وقال : بنو هاشم وبنو المطلب شي‌ء واحد » محتمل لإرادة النسبة إلى عبد المطلب بحذف أول الجزءين كغيره من النسبة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ١ من كتاب الزكاة.

(٢) كنز العمال ج ٧ ص ١٤٠ ـ الرقم ١٢٣٧.

١٠٧

إلى المركب وإن كان ذلك مقتضيا لجعله من العطف التفسيري الذي لا تأسيس فيه والله أعلم.

المسألة الثانية هل يجوز ان يخص بالنصف من الخمس طائفة المسألة الثانية هل يجوز ان يخص النصف من الخمس الذي هو لغير الامام عليه‌السلام طائفة قيل بل هو المشهور نقلا وتحصيلا خصوصا بين المتأخرين ، بل نسب إلى الفاضلين ومن تأخر عنهما نعم للأصل والصحيح (١) السابق ، واتفاق عدم قابلية الخمس للقسمة أثلاثا ، والسيرة والطريقة وظاهر الكتاب بناء على إرادة بيان المصرف كما في الزكاة ، إذ الخمس زكاة في المعنى ، بل هو مقتضى وجوبه عوضا عنها وبدلا وقيل كما عن ظاهر المبسوط وأبي الصلاح لا ونظر فيه في الدروس واختاره في الحدائق للشغل ، وظاهر اللام والعطف في الآية وما ماثلها من السنة ، بل لو أريد المصرف منها لجاز تخصيص أحد الأصناف الستة بجميع الخمس ، وهو معلوم العدم ، إذ يجب دفع نصف الامام له ، وللتأسي بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصريح ما دل على قسمة الخمس ستة أقسام من مرسل ابن عيسى (٢) المتقدم آنفا وغيره ولا يب في انه هو الأحوط وإن كان الأول أقوى ، بل لعله لا خلاف معتد به فيه ، لعدم ظهور عبارة من حكي عنه ذلك فضلا عن صراحتها فيه ، للاكتفاء في البراءة عن الشغل بالمستفاد من ظاهر الأدلة ، ومنع ظهور اللام والعطف بذلك بعد ما سمعت من احتمال المصرف في خصوص هذا النصف المؤيد بفهم المشهور وظاهر الصحيح وغيرهما ، وأعمية فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الوجوب حتى يثبت التأسي بناء على اعتبار معرفة الوجه فيه ، فلا يعارض القول وغيره من الأدلة السابقة ، واحتمال الندب فيما دل على التسديس كما أشار إليه الحلي في عبارته السابقة ، أو إرادة قسمة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ٨.

١٠٨

تمام الخمس لا كل شي‌ء يحصل منه وإن قل ، إذ ربما قيل إن الآية ونحوها وإن سلم دلالتها على الملك والاشتراك لكن بالنسبة إلى خمس جملة الغنائم ، وإن كان لا يخلو من نظر ، وقد تقدم سابقا ما يفيدك ملاحظته هنا ، فلاحظ وتأمل.

المسألة الثالثة يجب إيصال جميع الخمس إلى الامام عليه‌السلام حال حضوره المسألة الثالثة يجب إيصال جميع الخمس إلى الامام عليه‌السلام حال حضوره كما هو المفهوم من النصوص (١) والفتاوى ، بل يشهد له الاعتبار أيضا ، فيأخذ نصفه له يصرفه فيما يشاء كما عرفت ، ويقسم أي الإمام عليه‌السلام النصف الآخر منه على الطوائف كلها الحاضر والغائب قدر الكفاية مقتصدا من غير إسراف ولا تقتير فان فضل منه شي‌ء كان ملكا له وإن أعوز ونقص أتم من نصيبه على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل في المسالك نسبته إلى أجلاء الأصحاب ، بل لا أجد فيه خلافا صريحا إلا من الحلي ، وإن توقف فيه في المختلف ، بل والمنتهى ، فلم يوجب إتمام الناقص ، ولم يجوز تناول الزائد ، بل بالغ في إنكار الأول وأطنب حتى انه ربما أساء في بعض كلماته الأدب محتجا بما حاصله من ان الأصل براءة الذمة وحرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه عقلا وشرعا ، وانه لا يخرج عنهما إلا بدليل ، وليس ، بل ظاهر اللام والتفصيل القاطع للشركة خلافه ، وانه لم يعرف عيال للإمام عليه‌السلام يجب نفقتهم عليه غير عياله ، ولا سمع استحقاق أحد لماله ، نعم يصرف عليهم مع فرض الإعواز من بيت المال ، لأن لهم حظا فيه كسائر الناس ، وليس هو مختصا بأرباب الزكاة ، وهو جيد على أصوله من عدم جواز العمل بأخبار الآحاد المسندة صحيحا فضلا عن المرسلة ، إذ لم نعثر على ما يوجب الخروج عما ذكر وإن كان بعضه محلا للنظر في نفسه إلا على‌ مرسلة حماد بن عيسى (٢) المجمع على تصحيح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ١.

١٠٩

ما يصح عنه المقتضي لعدم قدح من علم فسقه ممن تأخر عنه في وجه فضلا عن غير المعلوم عن العبد الصالح عليه‌السلام قال فيها : « فسهم ليتاماهم ، وسهم لمساكينهم ، وسهم لأبناء سبيلهم يقسم بينهم على الكفاف والسعة ما يستغنون به في سنتهم ، فان فضل عنهم شي‌ء فهو للوالي ، وإن عجز ونقص عن استغنائهم كان على الوالي ان ينفق من عنده بقدر ما يستغنون به ، وانما صار عليه ان يمونهم لأن له ما فضل عنهم » ومرسلة أحمد المضمرة (١) قال فيها : « فالنصف له خاصة ، والنصف لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين لا تحل لهم الصدقة ولا الزكاة ، عوضهم الله تعالى مكان ذلك بالخمس ، فهو يعطيهم على قدر كفايتهم ، فان فضل منهم شي‌ء فهو له ، وإن نقص عنهم ولم يكفهم أتمه لهم من عنده ، كما صار له الفضل لزمه النقصان » لكن يتعين العمل بهما عندنا ، لانجبارهما بفتوى الأصحاب ، واحتمال إرادتهم بكون الفاضل له ولايته وحفظه والقيام به كما في السرائر مع ضعفه بل بطلانه يدفعه الفقرة الثانية لهم ، بل قد يشهد لصحتهما زيادة على ذلك الاعتبار ، وملاحظة متنيهما ، خصوصا الأولى منهما ، بل في المعتبر ردا على الطعن فيهما « ينبغي اتباع ما نقله الأصحاب وأفتى به الفضلاء ولم يعلم من باقي العلماء رد له من كون الإمام يأخذ ما فضل ، ويتم ما أعوز ، وإذا سلم النقل عن المعارض والمنكر لم يقدح إرسال الرواية الموافقة لفتواهم ، فانا نعلم مذهب أبي حنيفة والشافعي وإن كان الناقل عنه واحدا ، بل ربما لم يعلم الناقل عنه بلا فصل ، وإن علمنا نقل المتأخرين له ، وليس كل ما أسند عن مجهول لا يعلم نسبته إلى صاحب المقالة ، فلو قال إنسان لا أعلم مذهب أبي هاشم في الكلام ولا مذهب الشافعي في الفقه لأنه لم ينقل مسندا كان متجاهلا ، وكذا مذهب أهل البيت (ع) ينسب إليهم بحكاية بعض شيعتهم سواء أرسل أو أسند إذا لم ينقل عنهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ٢.

١١٠

ما يعارضه ، ولا رده الفضلاء منهم » انتهى.

وكيف كان فمدار البحث هنا على قبول هاتين المرسلتين وردهما ، فكثرة البحث حينئذ كما وقع من بعض متأخري المتأخرين تطويل من غير طائل ، نعم يمكن الاحتجاج بالآية على بعض المطلوب بل جميعه في وجه ، لكنه لا يخلو من سماجة بعد تفصيل النصوص ما يراد منها ، والأمر سهل ، بل في الحدائق ما يظهر منه سقوط البحث في ذلك الآن ، قال : « إن المفهوم من الأخبار إيصال جميع الخمس إلى الامام عليه‌السلام حال وجوده ، وأما ان الواجب عليه فيه ماذا فنحن غير مكلفين في البحث عنه ، بل ربما كان ذلك سوء أدب في حقه ، إذ هو المرجع في سائر الأحكام والأعرف بالحلال والحرام » لكن فيه ان ثمرة البحث عنه دفع حصة الإمام عليه‌السلام في هذا الزمان إلى السادة للإتمام كما عن المحقق الثاني الاعتراف به مفرعا له عليه ، وإن أشكله في الرياض بأنه قد توقف جماعة في المسألة ، ومع ذلك ذهبوا إلى صرف حصته في زمان الغيبة إليهم على وجه التتميم كالفاضل في التحرير والمختلف وصاحب الذخيرة ، إلا انه يدفعه احتمال غفلتهم عن ذلك ، أو هو وارد عليهم ، نعم قد يشكل بأن وجوب التتميم على الامام عليه‌السلام حيث يقصر نصيبهم من تمام الخمس لا انه إذا كان بتقصير من العباد في الدفع كما في مثل هذا الزمان ، إذ من الواضح فرض المسألة السابقة في قسمة الخمس جميعه لا الحاصل منه ولو بعضا كما أومأ إليه الشهيد في بيانه ، حيث قال : « ومع حضور الامام عليه‌السلام يدفع اليه جميع الخمس ، فيقسم على الأصناف بحسب احتياجهم فالفاضل له والعوز عليه للرواية عن الكاظم عليه‌السلام » إلى آخره ، فيكون البحث السابق حينئذ علميا محضا ، خصوصا بعد ما‌ ورد (١) « ان الله تعالى لم يبق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ٨ والباب ١ من أبواب ما يجب فيه الزكاة.

١١١

فقيرا من السادة بالخمس ، كما لم يبق فقيرا من غيرهم بالزكاة ، ولو علم عدم كفايتهما لشرع غيرهما » إذ هو حينئذ كالصريح في سقوط ثمرة ذلك البحث من هذه الحيثية ، وإن كان قد يقال إنه يتفرع عليه كما عن المحقق الثاني الاعتراف به عدم جواز إعطاء الفقير من الذرية زائدا على مئونة السنة ، لكن فيه ان ذلك وإن كان هو الأقوى في النظر وفاقا للدروس والمسالك وغيرهما ، بل لا أجد فيه خلافا وإن جعل الجواز وجها في المسالك لا طلاق الأدلة وحصول الوصف حين القبض ، إذ الفرض الدفعة لا التدريج ، وما تقدم في الزكاة ، إلا انه قد يمنع تفريعه عليه ، ضرورة عدم التلازم بين عدم جواز إعطاء الزائد للمرسلين المنجبرين بفتوى المشهور وبين كون الفاضل للإمام عليه‌السلام بل هو متجه حتى على مذهب الحلي ، إذ لعله يوجب حفظه لحوائجهم ونوائبهم المستقبلة أو صرفه في مصارف بيت المال أو غيرها ، كما هو واضح ، والله أعلم.

المسألة الرابعة ابن السبيل لا يعتبر فيه الفقر المسألة الرابعة ابن السبيل بمعنى المسافر فعلا سفر طاعة أو غير معصية على الأقوى لا العازم على السفر وإن لم يفعل لا يعتبر فيه الفقر في بلده بلا خلاف أجده فيه ، بل في المنتهى الإجماع عليه ، لا طلاق الأدلة كتابا وسنة ، ومقابلته بالفقراء فيها بل يكفي في استحقاقه الخمس الحاجة في بلد التسليم ولو كان غنيا في بلده بل ربما استظهر من إطلاق بعضهم عدم اعتبار الفقر فيه عدم اعتبار هذه الحاجة فيه أيضا ، فيعطى وإن كان غير محتاج ، بل لعله كاد يكون صريح السرائر ، لكن اعترف الشهيد في روضته بأن ظاهرهم عدم الخلاف في اشتراط ذلك فيه ، ولعله لأنه المنساق إلى الذهن منه ، والمتيقن في براءة الذمة وظاهر المرسلين السابقين ، بل في أولهما مواضع للدلالة على المطلوب ، كما لا يخفى على من لاحظه بتمامه في الأصول ، وغير ذلك ، فالتمسك حينئذ بإطلاق الآية بل‌

١١٢

بمقابلته للفقير فيها لعدم الاشتراط ضعيف ، على انه يكفي في المقابلة عدم اعتبار فقره في بلده ، وتمام الكلام فيه وفي موضوعه بل وبعض الأحكام الأخر المتعلقة به من شرطية عجزه عن الاستدانة وبيع ماله في بلده في استحقاقه وعدمها وغير ذلك في باب الزكاة ، ضرورة اتحادها مع المقام في جميع ذلك وهل يراعى ذلك أي الفقر في اليتيم بمعنى الطفل الذي لا أب له قيل بل هو المشهور نقلا إن لم يكن تحصيلا نعم للشغل وبدلية الخمس عن الزكاة المعتبر فيها ذلك وكونه المنساق إلى الذهن من الأدلة والمرسلين السابقين ، بل في أولهما مواضع للدلالة على المطلوب لا تخفى على الملاحظ له بتمامه ، تركنا التعرض لها خوف الإطالة ، بل قيل : ولأنه لو كان له أب لم يستحق شيئا قطعا ، فإذا كان المال له كان بالحرمان أولى ، إذ هو أنفع له من الأب ، ولتقسيم الامام الخمس بينهم على قدر كفايتهم والفاضل له والعوز عليه ، فمع فرض الكفاية انتفى الصيب ، بل في المدارك الجزم بتعين ذلك بناء على القول بالصرف قدر الكفاية ، لكن الأول كما ترى اعتبار محض ، والثاني إن لم يرجع إلى ما ذكرنا من ظهور المرسلين في ذلك فيه نظر بين ، كما في الروضة ، إذ هو أعم من اعتبار الفقر ، إذ قد يدعى استحقاقهم الكفاية من الخمس خاصة وان كان عندهم مال يمكن اكتفاؤهم به ، كما هو واضح ، ومنه يعرف ما في جزم المدارك بما عرفت.

وقيل كما في السرائر وعن المبسوط لا يعتبر ، فيعطى اليتيم وإن كان غنيا ، لا طلاق الأدلة ، والمقابلة للفقير كتابا وسنة ، ولأنه ليس من الصدقات بل هو من حق الرئاسة والامارة ، ولذا يأخذه الإمام عليه‌السلام وإن كان غنيا ، بل جعله الله تعالى شأنه له حقا فيه ولذا توقف فيه في الدروس كظاهر المتن وغيره.

لكن الأول مع كونه أحوط بل لا بد من عمل المتوقف به‌

١١٣

تحصيلا للبراءة اليقينية أصح وأقوى ، لوجوب الخروج عن الأول ببعض ما عرفت فضلا عن جميعه ، وعدم اقتضاء هذه المقابلة المباينة ، إذ لعل النص على الذكر للتأكيد والاهتمام كالصلاة الوسطى بالنسبة إلى مطلق الصلاة ، ودفع احتمال ظهور الفقير في البالغ ، أو لإرادة التخصيص بسهم مستقل غير سهم الفقراء البالغين رأفة بهم بناء على المحكي عن ظاهر بعض من إرادة الاشتراك لا المصرف بل وعلى المختار من إرادة المصرف ، لكنه لا يخلو من رجحان قطعا ولو للخروج عن شبهة الخلاف ، وعدم التلازم بين الأخير واستحقاق اليتيم له وإن كان غنيا إذ لعله وإن لم يكن من الصدقات خصه الله بالفقراء ، ولذا منعه الأغنياء غير اليتامى‌ المسألة الخامسة حكم الخمس بالنسبة إلى جواز النقل وعدمه المسألة الخامسة حكم الخمس بالنسبة إلى جواز النقل وعدمه مع وجود المستحق وعدمه وإلى الضمان وعدمه حكم الزكاة ، لاتحاد الطريق والتنقيح ، فمن منع نقل الزكاة إلى غير البلد ـ للإجماع المحكي ومنافاة الفورية والتغرير وغير ذلك ـ قال هنا أيضا لا يحل حمل الخمس إلى غير بلده مع وجود المستحق ومن قال بالجواز هناك ـ للأصل والمعتبرة (١) ومنع الفورية المنافية ، أو ان النقل شروع في الإخراج فلم يكن منافيا ، كالقسمة مع التمكن من إيصالها إلى شخص واحد ، واندفاع التغرير بالضمان المحكي عليه الإجماع عن المنتهى مضافا إلى ما ورد به من المعتبرة (٢) ـ قال به هنا أيضا ومنه يعلم حينئذ أنه لو حمل الخمس والحال هذه أي ان المستحق موجود ضمن كالزكاة ، بل ومما تقدم في باب الزكاة يعلم عدم الإشكال حينئذ في أنه يجوز حمل الخمس مع عدمه ولا إثم ولا ضمان لما عرفت من اتحادهما بالنسبة إلى ذلك ، فراجع وتأمل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب المستحقين للزكاة من كتاب الزكاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المستحقين للزكاة من كتاب الزكاة.

١١٤

المسألة السادسة شرائط مستحق الخمس المسألة السادسة صرح جماعة بأن الإيمان معتبر في المستحق بل لا أجد فيه خلافا محققا كما اعترف به بعضهم ، بل في الغنية الإجماع عليه ، للشغل المقتضي للاقتصار على المتيقن ، وكون الخمس كرامة ومودة لا يستحقهما غير المؤمن المحادد لله ، ولأنه عوض الزكاة المعتبر فيها ذلك إجماعا في المدارك وغيرها ، لكن في المتن كالنافع الحكم باعتباره على تردد لإطلاق الكتاب والسنة الذي لم يسق لبيان سائر الشرائط ، مع ان من الواجب الخروج عنه بما عرفت ، بل قد يدعى ان المنساق منه الى الذهن خصوصا إطلاق السنة المؤمن ، وعن المحقق الثاني ان من العجائب هاشمي مخالف يرى رأي بني أمية ، فيشترط الايمان لا محالة.

وكيف كان فليس هو كالعدالة إذ هي لا تعتبر فيه على الأظهر بل لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في المدارك والرياض بعد نسبته في أولهما إلى مذهب الأصحاب ، لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض ، والسيرة المستمرة خصوصا في غير معلوم الفسق ، لكن قد يوهم ما في المتن الخلاف فيه ، بل لعله من المرتضى لما حكي عنه من اعتبارها في الزكاة مستندا لما يشمل المقام من النهي كتابا وسنة عن معونة الفساق والعصاة ، بل قد يقال بلزوم اعتبارها هنا لاعتبارها فيها مع قطع النظر عن ذلك ، بل لبدلية الخمس عن الزكاة وعوضيته عنها بل قيل إنه زكاة في المعنى ، وإن كان ذلك كله كما ترى لا يجوز الاعتماد على مثله في إثبات الأحكام الشرعية ، نعم هو صالح للتأييد ، ولقد أجاد في المدارك حيث قال : والقول باعتبار العدالة هنا مجهول القائل ، ولا ريب في ضعفه.

يلحق بذلك وهو مقصدان وإذ فرغ من البحث في كتاب الخمس شرع فيما يلحق بذلك وهو مقصدان : المقصد الأول في الأنفال الأول في الأنفال جمع نفل ساكنا ومحركا بمعنى الغنيمة في المصباح بل وعن القاموس وإن عطف عليها الهبة فيه ، نعم عن الأزهري النفل ما كان زيادة‌

١١٥

عن الأصل ، سميت الغنائم بذلك لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم ، وسميت صلاة التطوع نافلة لأنها زيادة عن الفرض ، وقال الله تعالى (١) ( وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً ) أي زيادة على ما سأله وكيف كان فـ هي هنا ما يستحقه الامام عليه‌السلام من الأموال على جهة الخصوص كما كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سميت بذلك لأنها هبة من الله تعالى له زيادة على ما جعله له من الشركة في الخمس ، إكراما له وتفضيلا له بذلك على غيره وهي عند المصنف ومن تابعه خمسة : الأرض التي تملك من غير قتال ولم يوجف عليها بخيل ولا ركاب سواء انجلى عنها أهلها أو سلموها للمسلمين طوعا وهم فيها بلا خلاف أجده ، بل الظاهر أنه إجماع ، لقول الصادق عليه‌السلام في الموثق (٢) : « الأنفال ما كان من أرض لم يكن فيها هراقة دم ، أو قوم صولحوا وأعطوا بأيديهم ، وما كان من أرض خربة أو بطون أودية فهذا كله من الفي‌ء ، والأنفال لله وللرسول ، فما كان لله فهو للرسول يضعه حيث يحب » كقوله عليه‌السلام في صحيح حفص أو حسنه (٣) : « الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا بأيديهم ، وكل أرض خربة وبطون الأودية فهو لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو للإمام عليه‌السلام من بعده يضعه حيث شاء » وقول أبي الحسن الأول عليه‌السلام في مرسل حماد بن عيسى (٤) : « وله بعد الخمس الأنفال ، والأنفال كل أرض خربة قد باد أهلها ، وكل أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ولكن صولحوا عليها وأعطوا بأيديهم على غير قتال ، وله رؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام ، وكل أرض ميتة لا رب لها ، وله صوافي الملوك مما كان في أيديهم من غير وجه الغصب ، لأن‌

__________________

(١) سورة الأنبياء ـ الآية ٧٢.

(٢) و (٣) و (٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٠ ـ ١ ـ ٤.

١١٦

الغصب كله مردود ، وهو وارث من لا وارث له » الى آخره إلى غير ذلك من الأخبار المعتبرة المستفيضة جدا ، بل ظاهر بعضها كالصحيح المتقدم أن كل ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب من الأنفال لا خصوص الأرض منه كما هو ظاهر المصنف وغيره من الأصحاب.

والأرضون الموات عرفا ، ولعلها التي لا ينتفع بها لعطلتها بانقطاع الماء عنها ، أو استيجامها ، أو استيلاء الماء عليها ، أو التراب أو الرمل ، أو ظهور السبخ فيها ، أو غير ذلك من موانع الانتفاع سواء ملكت ثم باد أهلها ، أو لم يجر عليها ملك لمسلم كالمفاوز لإطلاق المعتبرة (١) المستفيضة التي منها ما تقدم المعتضدة بظاهر اتفاق الأصحاب ، نعم قد يظهر من المتن وغيره كمفهوم بعض الأخبار من المرسل السابق وغيره ان ما كان لها مالك معروف ليست من الأنفال ، وبه صرح في المدارك ، وجعل الضابط اختصاصه بالموات الذي لا مالك له ، لكن في‌ صحيح الكابلي (٢) بعد أن ذكر ان الأرض كلها لهم عليهم‌السلام « فمن أحيى أرضا من المسلمين فليعمرها وليؤد خراجها إلى الامام عليه‌السلام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها ، فان تركها أو أخربها وأخذها رجل من المسلمين ، من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذي تركها ، يؤدي خراجها إلى الامام عليه‌السلام من أهل بيتي ، وله ما أكل منها » إلى آخره ، بل نسبه في الحدائق إلى تصريح جملة من الأصحاب.

ومنه يستفاد حينئذ ان من ملك موات الأرض المفتوحة عنوة بالاحياء المأذون فيه منه ( صلوات الله عليه ) يزول ملكه عنها برجوعها مواتا كما هو أحد القولين في المسألة ، نعم لا دلالة فيه على زوال الملك إذا كان بغير الاحياء بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من كتاب إحياء الموات ـ الحديث ٢.

١١٧

بالإرث أو الشراء أو الفتح أو نحوها برجوعها مواتا ، فالمتجه حينئذ بقاؤها على الملك إلا إذا باد أهلها ، فترجع للإمام عليه‌السلام وتكون من الأنفال ، لأنه وارث من لا وارث له ، ولعله على هذا يحمل التقييد في المرسل السابق وغيره ببواد الأهل لا على ما يشمل المتقدم.

ومن ذلك يعلم ان عمار المفتوحة عنوة لو مات بعد الفتح ليس من الأنفال في شي‌ء ، لأن له مالكا معلوما ، وهو المسلمون ، وإطلاق بعض الأصحاب والأخبار (١) « ان الموات له ٧ » منزل على غيره قطعا ، نعم لا يعتبر فيما له عليه‌السلام من الموات بقاؤه على صفة الموت ، للأصل وظاهر صحيح الكابلي السابق ، فلو اتفق حينئذ إحياؤه كان له ٧ أيضا من غير فرق بين المسلمين والكفار إلا مع إذنه ، وإطلاق الأصحاب والأخبار ملكية عامر الأرض المفتوحة عنوة للمسلمين يراد به ما أحياه الكفار من الموات بعد ( قبل ظ ) ان جعل الله الأنفال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلا فهو له أيضا وإن كان معمورا وقت الفتح ، نعم المدار على الموات من حين نزول آية الأنفال لا قبلها وكان معمورا حينها ، واحتمال اختصاص الأنفال بالموات الذي تتسلط عليه يد المسلمين ويدخل تحت سلطانهم ـ لأن المراد بها ما يختص به الامام عليه‌السلام من الغنائم زيادة على غيره ، أو لغير ذلك ـ مناف لعموم الأدلة ، كاحتمال انه وإن كان له لكنه إن أحياه الكفار ثم فتحه المسلمون عنوة دخل في ملكهم ، لإطلاق ما دل على ملكيتهم لعامر الأرض المفتوحة عنوة ، إذ بدفعه قوة عموم أدلة المقام ، ضرورة عدم سوق ذلك الإطلاق لبيان مثله ، على انه من المعلوم إرادة العامر من المفتوحة عنوة غير المغصوب كسائر باقي أموال الغنائم ، فكونه حينئذ للمسلمين موقوف على كونه إحياء صحيحا مفيدا ملكيته للكفار ، فإذا فتحوا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ١٧.

١١٨

انتقل منهم للمسلمين ، فلا يستدل به عليه حينئذ ، نعم لو ثبت عموم إذن الامام عليه‌السلام في تمليك المحيي للموات وإن كان كافرا أمكن حينئذ القول بانتقاله للمسلمين كباقي العامر ، على انه قد يناقش أيضا في جريان سائر أحكامه ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

وذكر المصنف من الأنفال سيف البحار بالكسر أي ساحلها كما عن الجوهري ، لكن يحتمل عطفه في كلامه على المفاوز ، فيكون مثالا للأرض الموات التي لم يجر عليها ملك ، وعلى أول الخمسة ، فيكون قسما آخر غيرها إلا انه قد يخدش الأول بأنه لا يشمل حينئذ شطوط الأنهار العظيمة من دجلة والفرات وغيرهما قديمها ومتجددها ، لعدم كونها من الموات ، بل لا يحتاج أغلب أنواع الانتفاع بها إلى كلفة عظيمة من حيث قربها إلى الماء ، كما انه يخدش الثاني احتياجه إلى دليل حينئذ غير دليل الأولين يدل على كونها من الأنفال ، وليس ، وقد يدفع الأول بأنها قبل بروزها وجفاف الماء عنها من الموات ، ضرورة تعطيلها عن الانتفاع بغلبة الماء عليها ، فهي ملك للإمام عليه‌السلام حينئذ وإن برزت بعد ذلك وكان يمكن الانتفاع بها ، نعم ما كان بارزا منها سابقا على آية الأنفال ليس للإمام عليه‌السلام حينئذ بناء على ذلك ، إلا ان يقال بمنع اختصاص الأنفال بالموات والمنتقل من يد الكفار بغير قتال ، بل هو أعم منه ومن كل أرض لا رب لها وإن لم تكن مواتا ، لقول الباقر عليه‌السلام في خبر أبي بصير (١) المروي عن المقنعة « لنا الأنفال ، قلت : وما الأنفال؟ قال : منها المعادن والآجام ، وكل أرض لا رب لها وكل أرض باد أهلها فهو لنا » وقول الصادق عليه‌السلام في خبر إسحاق بن عمار (٢) المروي عن تفسير علي بن إبراهيم بعد ان سأله عن الأنفال ، فقال : « هي القرى التي قد خربت وانجلى‌

__________________

(١) و (٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب الأنفال ـ الحديث ٢٨ ـ ٢٠.

١١٩

أهلها ، فهي لله وللرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما كان للملوك فهو للإمام عليه‌السلام ، وما كان من الأرض الخربة لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، وكل أرض لا رب لها ».

بل قد يشمله عموم جملة من الأخبار ان من الأنفال ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب وإن كان الظاهر منه سيما مع ملاحظة جملة أخرى منها ما كان في يد الكفار ثم استولى عليه من دون ان يوجف عليه بخيل ولا ركاب لا مطلق ما لم يوجف عليه وإن لم يكن في يد أحد ، إلا ان في الأول غنية عن ذلك ، مضافا الى ما دل (١) على ان الأرض كلها لهم (ع) الذي لا ينافيه خروج بعض الأفراد منها ومنه يعلم الجواب عن الخدش الثاني على تقدير العطف المزبور ، لكن الإنصاف انه مع ذلك كله لا يخلو من إشكال من حيث ظهور كلمات أكثر الأصحاب في اختصاص الأنفال بالموات وما كان عليه يد الكفار ثم استولى عليه من دون ان يوجف عليه بخيل ولا ركاب ، اما غير الموات الذي لم يكن لأحد يد عليه ومنه ما نحن فيه فلا دلالة في كلامهم على اندراجه في الأنفال ، بل ظاهره العدم ، فيكون من المباحات الأصلية حينئذ ، فتأمل جيدا فإن المسألة غير محررة في كلام الأصحاب.

ومنها رؤوس الجبال وما يكون بها مما هو منها وكذا بطون الأودية والآجام بالكسر والفتح مع المد جمع أجمة بالتحريك وهو الشجر الكثير الملتف كما عن القاموس ، ونحوه ما في المصباح ، لكن فيه ان الجمع أجم مثل قصبة وقصب ، والآجام جمع الجمع ، إلا انه على كل حال ما في الرياض تبعا للروضة من ان الأجمة الأرض المملوة من القصب ونحوه ليس في محله إلا ان يريدا‌

__________________

(١) أصول الكافي ج ١ ص ٤٠٧ الطبع الحديث.

١٢٠