جواهر الكلام - ج ١٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وفيه مراعاة لحق الفقراء ـ الاتفاق عليه ظاهرا في البقر ، وصحيح الفضلاء (١) فيه أيضا لكن المحكي عن ظاهر المقنع والمقنعة والنهاية والمراسم والإشارة والنافع والإرشاد والتبصرة والتلخيص والبيان واللمعة والمفاتيح التخيير مطلقا ، كما هو صريح المدارك والمحكي عن مجمع البرهان وفوائد القواعد لثاني الشهيدين ناسبا له فيها إلى ظاهر الأصحاب كالرياض لإطلاق الأدلة ، ولم يثبت أولوية مراعاة الفقراء من المالك ، بل ظاهر النصوص العكس على أنه قد يكون الشارع لاحظ جبر التفاوت الحاصل بحذف بعض الكسور والعفو بزيادة السن في التقدير الآخر ، بل يدل عليه صريحا النصوص (٢) المشتملة على التخيير في المائة والواحد وعشرين ، بل اقتصر في بعضها على حسابها بالخمسين.

والذي يقوى في النظر في الجمع بين هذه النصوص وصحيح الفضلاء الوارد في البقر المتفق على مضمونه فيه ظاهرا كما قيل ـ بعد ظهور اتحاد الحكم في الجميع ، وعدم الفرق بين الإبل والبقر في ذلك من النص بل والفتوى مع التأمل والتدبر ـ وجوب مراعاة المطابق منهما ، بل لو لم يحصل إلا بهما لوحظا معا ، ويتخير مع المطابقة بكل منهما أو بهما ، حتى أن له حساب البعض بأحدهما والباقي بالآخر ، وكذا يتخير مع عدم المطابقة بشي‌ء ، ولا يجب حينئذ مراعاة الأقل عفوا للنصوص الواردة في المائة والإحدى وعشرين ، وليس في صحيح الفضلاء إلا المطابق ، فلا ينافي ذلك حينئذ ، نعم قد يقال بوجوب مراعاة الأقل في خصوص المائتين وستين. للقطع بأن الزيادة إن لم تزد الواجب أو لا لم تنقصه ، كما تعرف زيادة تحقيق لذلك كله فيما يأتي إن شاء الله ، ولكن مع ذلك كله لا ينبغي ترك الاحتياط.

ثم إن ظاهر النص والفتوى اعتبار كون الزيادة واحدة ، فلو كانت جزءا من بعير لم يتعين به الفرض قطعا ، بل في محكي التذكرة إجماعا ، والمنتهى لا نعلم فيه خلافاً‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام.

٨١

إلا من الإصطخري ، فما عن بعض العامة من تعين الفرض به واضح الفساد ، كما أن ظاهرهما أيضاً كون الواحدة جزءا من النصاب لا شرطا لاعتبارها في العدد فيهما ، وظهورهما في أن هذا النصاب كغيره بالنسبة إلى الواجب وإن كان حسابه بأحد الأمرين وهو المحكي عن الفاضل في النهاية معللا له بأن تغير الواجب بها يقتضي تعلق الوجوب بها كالعاشرة وغيرها ، قال : فلو تلفت الواحدة بعد الحول وقبل إمكان الأداء سقط من الواجب جزء من مائة وإحدى وعشرين جزءا ، خلافا لجماعة من المتأخرين منهم ثاني الشهيدين والمحققين ، فجعلوها شرطا ، بل ربما قيل : إنه المشهور بينهم ، لخروجها عما به الحساب على التقديرين ، وفيه أنه أعم من الشرطية ، قالوا : فلا يسقط بتلفها بعد الحول بغير تفريط شي‌ء ، كما لا يسقط بتلف ما زاد عنها إلى أن تبلغ تسعة عشر ، وفيه أنه مبني على تعلق الزكاة بما عدا العفو ، وفيه بحث تسمعه فيما يأتي إن شاء الله ، والله أعلم.

وفي البقر الذي منه الجاموس بلا خلاف نصابان كليان ثلاثون وأربعون دائما أي كل ثلاثين وكل أربعين لا الأولان فقط ، ومنه ما لو اجتمعا كالسبعين ، فلا حاجة إلى جعل النصب فيها ثلاثا شخصيين وهما الثلاثون والأربعون ، وكليا وهو كل ثلاثين وكل أربعين كما عن بعضهم ، أو أربعة بزيادة الستين على الأولين كما عن المنتهى ، أو خمسة بزيادة السبعين بعد الستين ، ضرورة الاستغناء بما ذكرنا عن ذلك كله ، وإن كان النظر فيه إلى صحيح الفضلاء الآتي فينبغي زيادة النصب على ذلك كله ، لاشتماله عليها وعلى غيرها ، إلا أن الظاهر كون المراد منه التمثيل للنصاب الكلي ، وعلى كل حال فقد أجاد في المسالك بجعل هذا الاختلاف لفظيا ، والأمر سهل بعد وضوح المطلوب ، ومعلومية عدم الزكاة في الأنقص من الثلاثين إجماعا بقسميه ونصا ، وعدمها أيضا كذلك في الزائد على الثلاثين حتى يبلغ الأربعين ، والمنساق من الإطلاق‌

٨٢

نصا وفتوى البقر الانسي ، فيبقى الوحشي على الأصل كما عن بعض التصريح به ، وستسمع تمام الكلام إن شاء الله في وجوب ملاحظة المطابق من النصابين وعدمه ، وستسمع تمام الكلام إن شاء الله في وجوب ملاحظة المطابق من النصابين وعدمه ، والله أعلم.

وفي الغنم خمسة نصب أولها بإجماع كل من يحفظ عنه العلم كما عن المنتهى أربعون ، وفيها شاة فلا يجب فيها شي‌ء قبل ذلك بلا خلاف نصا وفتوى ، كما أنه لا خلاف في عدم اعتبار زيادة الواحدة في وجوب الشاة إلا من الصدوقين فيما حكي عنهما والإجماع المحكي في المنتهى صريحا كما سمعت والتذكرة والمفاتيح وظاهرا في الخلاف والغنية والرياض وصحيح الفضلاء (١) وغيره حجة عليهما ، مع أنه لا شاهد لهما فيما نجد إلا ما يحكى من الفقه (٢) المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام ، وهو غير حجة عندنا فضلا عن أن يعارض غيره ثم مائة وإحدى وعشرون ، وفيها شاتان ، ثم مائتان وواحدة ، وفيها ثلاث شياه بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك نصا وفتوى ، بل في الكتب السابقة الإجماع أيضا صريحا وظاهرا ثم ثلاثمائة وواحدة وهو النصاب الرابع فإذا بلغت ذلك قيل والقائل ابن أبي عقيل والجعفي والمفيد في أحد النقلين والصدوق وابن إدريس والفاضل في بعض كتبه وولده يؤخذ من كل مائة شاة وربما نسب ذلك إلى ابن حمزة ، والموجود في وسيلته « النصاب فيها أربعة ، والعفو كذلك ، والفريضة جنس واحد ، وهو في كل نصاب واحد من جنسه ، وباختلاف الغنم في البلد لا يتغير الحكم ، والنصاب الأول أربعون ، والثاني مائة وواحد وعشرون ، والثالث مائتان وواحدة ، والرابع ثلاثمائة وواحدة ، فإذا زاد على ذلك تغير هذا الحكم ، وكان في كل مائة شاة » وظاهره وجوب الأربع في الرابع ، وأنه بالزيادة عليه ينتقل إلى المائة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٣.

٨٣

وكأنه مخالف للقولين ، نعم هو كالمحكي عن إشارة السبق ، قال : « في ثلاثمائة وواحدة أربع ، فإذا زادت على ذلك سقط هذا الاعتبار وأخرج من كل مائة شاة » وكذا ابن زهرة في الغنية ، اللهم إلا أن يريدوا جميعا بالزيادة بلوغ المائة بقرينة معلومية عدم نقصان الفريضة بالزيادة ، وأما ما يحكى عن سلار من قوله : إنه ينتقل بزيادة ثمانين في الثالث إلى ثلاث شياه ثم ينتقل بزيادة مائة إلى أن يخرج من كل مائة شاة فالظاهر أن الناقل أبدل الثاني بالثالث سهوا ، بل هو المقطوع به ، والله أعلم.

وقيل : بل تجب أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة فيؤخذ من كل مائة شاة بالغا ما بلغ ، وهو الأشهر بل المشهور ، بل في الخلاف وظاهر الغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد صحيح الفضلاء الموافق للاحتياط الذي ربما قيل بوجوب مراعاته هنا ، لتوقف يقين البراءة عليه ، والمخالف للعامة التي جعل الله الرشد في خلافها ، إذ الأول محكي عن الفقهاء الأربعة ، بل حكاه في الخلاف عن جميع الفقهاء ما عدا النخعي والحسن ابن حي ، ومن ذلك يظهر لك رجحانه على‌ صحيح محمد بن قيس (١) الذي هو دليل الأول بعد الغضاء عن ترجيحه عليه سندا أيضا بل ودلالة ، إذ الموجود فيه « فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه من الغنم إلى ثلاثمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة » ويمكن إرادة الأربعمائة من الكثرة فيه ، فيكون النصاب الرابع وهو الثلاثمائة وواحدة متروكا فيه ، ويؤيده عدم صدق الكثرة بالواحدة ، فاحتمال إرادتها منها ولو على جهة البدأة لا يخلو من شي‌ء ، وإن كان قد أريد منها ذلك في نصوص الإبل ، لكن القرينة كانت فيها واضحة بخلاف ما هنا ، ولذلك قال بعض الأفاضل : « لا تعارض بين الصحيحين ، لخلو صحيح ابن قيس عن التعرض لذكر زيادة الواحدة على ثلاثمائة ، فإن‌ قوله عليه‌السلام : « فان زادت واحدة ففيها ثلاث من الغنم إلى ثلاثمائة » يقتضي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٢.

٨٤

كون بلوغ الثلاثمائة غاية لفرض الثلاث داخلة في المغيا كما هو الشأن في أكثر الغايات الواقعة فيه وفي غيره من الأخبار المتضمنة نصب الإبل والغنم ، والكلام الذي بعده يقتضي إناطة الحكم بثبوت وصف الكثرة ، وفرض زيادة الواحدة ليس من الكثرة في شي‌ء ، فلا يتناوله الحكم حتى يقع التعارض ، بل يكون خبر الفضلاء مشتملا على بيان حكم لم يتعرض له في الصحيح المزبور لحكمة ، ولعلها التقية » وأيده بعضهم بأن المعصوم عليه‌السلام بعد أن جعل الغاية نفس الثلاثمائة لا بلوغها ولا أولها كان المعنى إلى منتهى عدد ثلاثمائة ، فإذا انتهى لا جرم يكون الزائد داخلا في الأربعمائة ، لكنه عليه‌السلام لم يقل فإذا زادت واحدة ففي كل مائة شاة كما كان دأبه القول كذلك في النصب الأخر وفي جميع النصب في غير هذه الصحيحة ، بل عدل عنه إلى قوله عليه‌السلام : « فإذا كثرت » إلى آخره ، وما ذاك إلا لنكتة جزما ، ومعلوم أن الزائد على الثلاثة كثير ، بل الثلاثة أيضا وجميع المراتب بالنسبة اليه على حد سواء ، وكون انقضاء ثلاثمائة قرينة معينة لإرادة زيادة واحدة بعدها من لفظ « كثرت » لعله يمنعه العدول إلى عبارة « كثرت » المتوغلة في الإبهام من دون نكتة أصلا ، لأن الثلاثمائة والأنقص منها كثيرة أيضا كثرة كاملة بالغة من دون تفاوت بينها وبين ما إذا زادت واحدة فقط حتى يعبر المعصوم عنها بعبارة « إذا كثرت » مع عدم تعبيره أصلا فيما نقص عن زيادة خصوص الواحدة في هذه المرتبة بلفظ الكثرة أصلا ، وغير خفي على الذوق السليم أن الوجه في مثل ذلك إنما هو التقية كما هو دأبهم عليهم‌السلام المعلوم في مواضع كثيرة ، كل ذلك مضافا إلى اشتماله على ما لا نقول به من‌ قوله عليه‌السلام : « إن يشأ المصدق » ومن قوله عليه‌السلام : « ولا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق » إلا إذا أريد الاجتماع في الملك والافتراق فيه أو نحو ذلك ، ومن‌ قوله عليه‌السلام : « يعد صغيرها وكبيرها » إلى غير ذلك.

٨٥

ومعارضة هذا كله باعتضاد صحيح ابن قيس بالأصل الذي هو مع معلومية انقطاعه معارض بالاحتياط ، وبخبر زرارة (١) المروي في المنتهى و ] خبر الأعمش (٢) وفقه الرضا عليه‌السلام (٣) مضافا إلى اشتمال صحيح الفضلاء على ما لا يقول به أحد من الأصحاب في النصاب الثاني يدفعها عدم ثبوت الخبر المزبور ، بل لا يخفى على من تأمل أن زيادته التي فيه وهي محل الاعتضاد من الصدوق لا من الخبر ، فلاحظ وتأمل. وكذا لا شهادة يعتد بها في خبر الأعمش ، وأما اشتمال صحيح الفضلاء على ما ذكره فإنما هو في بعض نسخ التهذيب دون البعض الآخر ودون الكافي وغيره.

وكيف كان فلا ينبغي للفقيه التأمل في رجحان صحيح الفضلاء على صحيح ابن قيس ، فيتعين الفتوى به ، إنما الكلام في الفائدة على هذا التقدير في جعل الأربعمائة نصابا مع أن الواجب بها ما وجب بالثلاثمائة وواحدة ، ونحوه يجري على القول الآخر بالنسبة إلى الثلاثمائة وواحدة والنصاب الذي قبلها ، فإنهما أيضاً متحدان في وجوب الثلاث ، ويمكن أن يكون الوجه في ذلك متابعة النص ، أو أن الاتحاد في الفريضة مع فرض كون النصاب الثاني كليا ذا أفراد متعددة ينفرد عن الأول في غالب أفراده غير قادح ، وما حاله إلا كحال النصاب في الإبل إذا بلغت مائة وإحدى وعشرين خمسين ، مع أن الواجب في أول الأفراد ما وجب في الأحد وتسعين ، ضرورة كون النصاب هنا إذا بلغت أربعمائة كل مائة شاة ، وإن اتحد مع الأول في هذا الفرد ، لكنه ينفرد عنه بالخمسمائة فصاعدا ، وكذلك في الثلاثمائة وواحدة على القول الآخر ، ويجري في‌

__________________

(١) المنتهى ص ٤٨٩ ـ المسألة ـ ٤ ـ من البحث الرابع من كتاب الزكاة وهو ما ذكره في الفقيه ج ٢ ص ١٤ والظاهر أنه من كلام الصدوق ( قده ).

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٣.

٨٦

الواحدة الزائدة على الثلاثمائة حينئذ ما سمعته في الزائدة على العشرين في الإبل بالنسبة إلى شرطيتها وجزئيتها ، هذا.

ولكن المصنف قال وتبعه عليه غيره تظهر الفائدة في الوجوب وفي الضمان أي تظهر الفائدة بذلك في جعل الأربعمائة نصابا والثلاثمائة وواحدة نصابا مع اتحاد موجبهما بمعنى أنه يكون في الأول الأربعمائة ، وفي الثاني الثلاثمائة وواحدة ، وكذلك الثلاثمائة وواحدة والمائتين وواحدة على القول الآخر ، إلا أن الكلام في الواحدة الزائدة على الثلاثمائة هو الكلام في واحدة الإبل التي قد مضى البحث فيها ، ومنه يعلم الحال في الضمان الذي هو الفائدة في الحقيقة ، وإن ذكر المصنف وغيره أنه فائدة ثانية ، والأمر سهل بعد وضوح المراد ، ووجه ظهور الفائدة به أنه إذا تلف واحدة من الأربعمائة بعد الحول بغير تفريط نقص من الواجب جزء من مائة جزء من شاة ، ولو كانت ناقصة عن الأربعمائة ولو واحدة وتلف منها شي‌ء لم يسقط من الفريضة شي‌ء ما دامت الثلاثمائة وواحدة ، لوجود النصاب والزائد عفو ، والفريضة إنما تتعلق به لا مع العفو ، وكذلك القول في مائتين وواحدة وثلاثمائة وواحدة على القول الآخر ، ولو تلف واحدة من الثلاثمائة وواحدة شاة سقط على قول الشيخ جزء من ثلاثمائة جزء وجزء من الأربع شياه ، ومن الأربعمائة جزء من أربعمائة جزء منها ، والمراد بالجزء أربعة أجزاء كما صرح به فخر المحققين ، فقال : « لو تلفت الواحدة من غير تفريط بعد الحول وقبل إمكان الأداء فعلى القول بوجوب الأربع تقسط على ثلاثمائة جزء وجزء واحد ، ويسقط منه جزء واحد ، وهو أربعة أجزاء من ثلاثمائة جزء وجزء واحد من شاة ، فيبقى الواجب عليه ثلاث شياه ومائتا جزء وسبعة وتسعون جزءا من ثلاثمائة جزء وجزء من شاة ، وأما على القول الآخر فلا يسقط الثلاث التالف على الثلاثمائة جزء وجزء ، لأن الواحدة الزائدة شرط لا جزء من محل الوجوب ».

٨٧

قلت : هو كذلك على أحد الاحتمالين ، وعلى كل حال اليه يرجع ما في المدارك وإن اختلف الطريق ، قال : « ولو تلفت الشاة من الثلاثمائة وواحدة سقط من الفريضة جزء من خمسة وسبعين جزء من شاة إن لم نجعل الشاة الواحدة جزء من النصاب ، وإلا كان الساقط جزء من خمسة وسبعين جزء وربع جزء من شاة » وإن كان في قوله : « إن لم نجعل الشاة » إلى آخره تأمل ، إذ مقتضاه حينئذ عدم سقوط شي‌ء من الفريضة المفروض تعلقها فيما عداها كما سمعته من الفخر ، على أنه بناء على وجوب الأربع في الثلاثمائة وواحدة لا يأتي احتمال الشرطية في الواحدة ، ضرورة كون الحساب بمائة مائة إنما يكون في الأربعمائة لا قبلها ، فهي في الثلاثمائة وواحدة جزء قطعا ، لأنه نصاب مستقل لا يعتبر ( لا يغير خ ل ) بغيره ، كما هو واضح.

وكيف كان ما ذكره من الطريق كأنه أخذه من الشهيد في غاية المراد ، قال على ما حكي عنه : إذا تلف واحدة من ثلاثمائة وواحد سقط منه جزء من خمسة وسبعين جزء وربع جزء ، ومرجع الجميع إلى واحد عند التأمل وإن اختلف طريق التوزيع ، والأمر في ذلك كله سهل.

إنما الكلام في أمرين : أحدهما ما يظهر من غير واحد بل هو صريح الفاضل في التذكرة وغيرها وغيره من اختصاص متعلق الوجوب في النصاب دون العفو ، ولعلهم أخذوه مما في النصوص من أنه لا شي‌ء فيه ، لكنه قد يشكل بناء على أن الزكاة في العين بأن إشاعة النصاب تستلزم الإشاعة في الجميع ، فينبغي حينئذ توزيع التالف على الجميع ، كما أنه ينبغي تبعية النماء للجميع وإن كان قد حصل من الزائد على النصاب ، إلا أنه لعدم تعيينه يتجه الاشتراك فيه على مقتضى ما ذكرناه من الإشاعة ، ومن هنا قال في المدارك تبعا للمحكي عن مجمع البرهان : « إنه يمكن المناقشة في عدم سقوط شي‌ء‌

٨٨

من الفريضة في صورة النقص عن الأربعمائة ، لأن مقتضى الإشاعة توزيع التالف على الحقين وإن كان الزائد على النصاب عفوا ، إذ لا منافاة بينهما كما لا يخفى على المتأمل » وتبعه عليه في الذخيرة ، وهو جيد جداً ، اللهم إلا أن يقوم إجماع أو نحوه مما يصلح به الخروج عن مقتضي الضوابط في الملك الخارجي الذي ليس هو كصفة الوجوب ونحوه مما لا يقدح فيه عدم تعيين المحل ، لكن إلى الآن لم أتحققه وإن أرسله جماعة إرسال المسلمات ، بل ربما وقع من الفاضل نسبته إلينا مشعرا بدعوى الإجماع عليه.

بل ربما فسر العفو بذلك ، وأنه المراد للمصنف وغيره من قوله والفريضة تجب في كل نصاب من نصب هذه الأجناس ، وما بين النصابين لا يجب فيه شي‌ء لكن يمكن كون المراد من ذلك في النص والفتوى عدم وجوب شي‌ء غير ما وجب بالنصاب به وإن كان محل ما أوجبه النصاب الجميع ، ولعله لذا لم يشكل هذه العبارة بالمناقشة السابقة ، بل ظاهره أو صريحه عدم جريان المناقشة السابقة فيها ، قال : أما أن الفريضة تتعلق بكل واحدة من هذه النصب فلأن ذلك معنى تقدير النصب ، وأما أن ما بين النصابين لا يجب فيه شي‌ء فلأن ذلك فائدة التقدير ، ويدل عليه‌ قوله عليه‌السلام في حسنة الفضلاء (١) : « وليس على النيف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء » وهو كما ترى صريح فيما ذكرنا ، بل عبارة المصنف الآتية كذلك في عدم الدلالة على المطلوب ، قال : وقد جرت العادة من الفقهاء بتسمية ما لا تتعلق به الفريضة من الإبل شنقا ، ومن البقر وقصا بالتحريك فيهما ومن الغنم عفوا ، ومعناه في الكل واحدة ضرورة إرادة غير النصاب منه ( فتأمل خ ل ) فالتسع من الإبل نصاب وشنق ، فالنصاب خمس والشنق أربع بمعنى أنه لا يسقط من الفريضة شي‌ء ولو تلفت الأربع قبل تعلق الوجوب ، لحصول النصاب الذي هو سبب الوجوب بدونها ، فلا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

٨٩

يكون حينئذ في هذه العبارة وما أشبهها دلالة على ما نحن فيه وكذا التسعة والثلاثون من البقر فإنها نصاب ووقص ، فالفريضة يتحقق وجوبها من الثلاثين والزائد وقص حتى تبلغ الأربعين ، وكذا المائة وعشرون من الغنم فان نصابها أربعون ، والفريضة فيه ، وعفوها ما زاد حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ، وكذا ما بين النصب التي قد عددناها فتأمل جيدا ، فان بعض متأخري المتأخرين قد أطنب في بيان تحقق الإشاعة في النصاب دون العفو ، لكنه لم يأت بشي‌ء معتد به.

ثانيهما ما عساه يقال على القول بأن تلف الواحدة من الأربعمائة يوجب سقوط جزء من مائة جزء من أن المتجه عدم السقوط ، لكفاية الثلاثمائة وواحدة في وجوب الأربع حينئذ ، فيقوم هذا النصاب مقامه ، وقد يدفع ذلك في المقام ونظائره بأن النصاب الذي يدخل في نصاب آخر يسقط ملاحظته ويكون هو السبب في وجوب الفريضة ، وقيام أحدهما مقام الآخر لو فرض التلف قبل الحول لا يقتضي كونه كذلك بعده ، ولم أعثر على محرر للمسألة ، نعم عن كشف الرموز أنه قال : « فائدة إذا وجب في المال رأسان أو أزيد فهل يخرج من الكل أو لكل نصاب رأس؟ الذي يظهر من الروايات هو الأول ، وقال شيخنا دام ظله : الثاني أقوى ، وثمرة الخلاف إذا تلف من النصب شي‌ء بعد الحول بغير تفريط ، فعلى الأول ينقص من الواجب في النصب بقدر التالف ، وعلى الثاني يوزع على ما بقي من النصاب الذي وجب فيه التالف ، وإلا سقط ذلك النصاب » وفي المحكي عن غاية المراد قيل في الفائدة : إنه لو تلف مائة بغير تفريط بعد الحول احتمل وجوب شاتين ، لانعقاد الحول على وجوب شاة في كل مائة ، ويحتمل ثلاثا (١) لملكيته مائتين وواحدة حولا ولا تأثير للزائد لعلمه تعالى بانتفاء شرط وجوبها ورد بسقوط السابق بالكلية عند وجود اللاحق ، وأجيب بأنه لو تلف واحدة قبل‌

__________________

(١) ليس في النسخة الأصلية لفظ « ثلاثا » والصحيح ما أثبتناه.

٩٠

الحول بلحظة لوجب الثلاث في السابق ، فلو انتفى اعتباره لم يكن كذلك ، فحال التلف يكشف عن اعتبار السابق ، وقال أيضا في المحكي عنه : وقيل في الفائدة : إنه إذا تلف واحدة من ثلاثمائة وواحدة سقط من جزء من خمسة وسبعين جزء وربع جزء بناء على أخذ ما وجب في السابق ، ويقسط الزائد على الزائد ، ولو تلف من أربعمائة تسع وتسعون لم يسقط من الفريضة شي‌ء ، لوجود النصاب تاماً ، ورد بأن الأربعمائة ليست عبارة عن النصب الماضية وزيادة ، بل مجموعها إما نصاب واحد أو أربعة نصب ، كل نصاب مائة ، قلت : قد عرفت التحقيق في المسألة وأن المفهوم من النصوص انحصار التسبيب في النصاب الأخير دون غيره ، والله أعلم ، فتأمل جيداً فإنهم وإن أكثروا الكلام في بيان ذكر الفائدة إلا أنه لا فائدة معتد بها فيه ، ولولا مخافة الإطالة لذكرنا جملة من عباراتهم كالتنقيح وكشف الرموز وغيرهما ، وكشفنا عنها ، فلاحظ وتأمل.

وكيف كان فـ ( لا يضم مال إنسان إلى غيره وإن اجتمعت شرائط الخلطة ) والعشرة بالاشتراك في أربعين شاة مثلا أو كان لكل واحد عشرون وكانا في مكان واحد مثلا بأن اتحد المسرح والمراح والمشرب والفحل والحالب والمحلب بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كما أن النصوص (١) واضحة الدلالة عليه ، فلا يجزي حينئذ بلوغ النصاب منهما في وجوب الفريضة بل يعتبر في مال كل واحد منهما بلوغ النصاب ولو بتلفيق الكسور وكذا لا خلاف بيننا في أنه لا يفرق بين مالي المالك الواحد ولو تباعد مكانهما بل الإجماع أيضا بقسميه عليه ، والنصوص واضحة الشمول له سواء كان بينهما مسافة القصر أو لا ، وإنما خالف فيه وفي سابقه بعض العامة التي جعل الله الرشد في خلافها ، وقوله عليه‌السلام (٢) : « لا يفرق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ و ٤ و ٦ و ١١ من أبواب زكاة الأنعام والباب ٥ من أبواب زكاة الذهب والفضة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

٩١

بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق » يمكن إرادة الاجتماع والافتراق في الملك منه لا المكان ، ويمكن إرادة النهي عن الفرق والجمع بمعنى أن لا ينقل بعض الشياه أو أهلها من منزل إلى آخر ، بل صدقتها في أماكنها ، وربما يأتي ما يؤيد هذا المعنى في آداب المصدق ، والله أعلم.

الشرط الثاني السوم فلا تجب الزكاة في المعلوفة إجماعا بقسميه ، بل في محكي المعتبر أنه قول العلماء كافة إلا مالكا ، ومحكي المنتهى لا خلاف فيه بين المسلمين ، وعليه علماء الإسلام في الحدائق ، وفي‌ صحيح الفضلاء (١) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام في حديث زكاة الإبل « وليس على العوامل شي‌ء ، إنما ذلك على السائمة الراعية » وفي صحيحهم (٢) الآخر عنهما عليهما‌السلام أيضا في حديث زكاة البقر « ليس على النيف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء ، ولا على العوامل السائمة شي‌ء ، إنما الصدقة على السائمة الراعية » وفي‌ صحيح زرارة (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : هل على الفرس تكون للرجل يركبها والبقر شي‌ء؟ فقال : لا ، ليس على ما يعلف شي‌ء إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فاما ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء » إلى غير ذلك من النصوص.

ومنها استفيد أنه لا تجب في السخال إلا إذا استغنت عن الأمهات بالرعي لعدم صدق السوم قبله ، فيعتبر حينئذ حولها من حينه لا حين النتاج كما هو خيرة الفاضل في جملة من كتبه ، والشهيد في اللمعة ، والكركي والقطيفي والصيمري على ما حكي عن بعضهم ، لكن المحكي عن أبي علي والمبسوط وظاهر الخلاف والميسي اعتباره من حين النتاج ، واختاره ثاني الشهيدين ، بل في مسالكه والمختلف أنه المشهور ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٢ مع الاختلاف اليسير.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٣.

٩٢

عن ظاهر الخلاف الإجماع وإن كنا لم نتحقق الشهرة فضلا عن الإجماع ، نعم تشهد له جملة من النصوص ، كصحيح زرارة (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « ليس في صغار الإبل شي‌ء حتى يحول عليها الحول من يوم تنتج » وموثقه الآخر (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام في حديث « ما كان من هذه الأصناف الثلاثة الإبل والبقر والغنم فليس فيها شي‌ء حتى يحول عليها الحول منذ يوم تنتج » قيل : ونحوه خبر آخر لزرارة (٣) أيضا وروايتان (٤) للقاسم بن عروة ، مضافا إلى‌ المرسل عن زرارة (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام « ليس في صغار الإبل والبقر والغنم شي‌ء إلا ما حال عليه الحول عند الرجل ، وليس في أولادها شي‌ء حتى يحول عليها الحول » وإن كان التعارض بينه وبين ما دل على اعتبار السوم من وجه ، إلا أنه أرجح منه ولو للاعتضاد بالنصوص السابقة على أنه يمكن إرادة من حين الولادة منه ، فيكون موافقا للأخبار السابقة ، وربما يؤيده اتحاد الراوي بل والمروي عنه ، بل يمكن أن يقال : إنه الظاهر منه بقرينة عدم ما يصلح بدايته للغاية التي فيه غيره ، فيخص حينئذ أخبار السوم بها.

وما في المختلف من المناقشة في السند ومن أن كون الحول غاية لا يدل على عدم غاية أخرى حتى ينافي ما دل على السوم واضح الضعف ، ضرورة كون السند في غاية الاعتبار ، وابتداء الحول من حين النتاج ينافي اعتباره من حين السوم ، كما هو واضح لكن فيما حضرني من المختلف‌ روى خبر زرارة بإسقاط قوله عليه‌السلام : « من يوم » إلى آخره. وكأنه لذا ذكر الاحتمال المزبور ، مع أنك قد عرفت ظهور خلافه في المرسل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٤.

(٣) الاستبصار ج ٢ ص ٢٠ الرقم ٥٨ طبع النجف.

(٤) لم نعثر على هاتين الروايتين والظاهر أنهما روايتا زرارة المتقدمتان باعتبار أن القاسم بن عروة واقع في سندهما.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٥.

٩٣

المجرد عن ذلك ، واحتمال كون المراد من نصوص الإنتاج نفي شي‌ء فيها من يوم النتاج لا أنه بداية للحول فيبقى حينئذ على إطلاقه صالحا للتقييد بنصوص السوم في غاية السقوط لمخالفته المنساق ، وقرب المتعلق واقتضائه ما هو كالتعقيد وعدم ذكر بداية الغاية وغير ذلك مما لا ينبغي ، فلا ريب حينئذ في قوة ما ذكرنا ، نعم قد يقوى ما في البيان من التفصيل بين المرتضعة من سائمة فحولها من حين النتاج وبين المرتضعة من معلوفة فحولها من حين السوم ، لعدم زيادة الفرع على أصله ، وموافقته لمقتضى الحكمة في السوم والعلف وانسياق الأولى من هذه النصوص ، خصوصا من نحو‌ قولهم عليهم‌السلام فيها : « وما كان من هذه الأصناف » مشيرا بها إلى ما تعلقت بها الزكاة منها ، بل لعل ذلك هو المراد من عبارات الأصحاب أيضا ، فيبقى غيرها على مقتضى الأصل وما دل على اعتبار السوم ، بل ربما قيل بصدق اسم كل من الأمهات على سخالها ، لكن في كشف الأستاذ الظاهر إلحاق الصغار المتغذية باللبن بالسائمة دون الكبار ، فيكون حولها من حين النتاج من غير فرق بين أن ترضع من سائمة أو معلوفة أو منهما ، ولا بين استمرار الرضاع تمام السنة والتركيب منه ومن السوم ، ولا بين كون الرضاع بعوض أو لا من الثدي أو لا على تأمل في الأصل أو في بعض الأقسام ، ولا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرنا.

وكيف كان فـ ( لا بد من استمرار السوم جملة الحول ، فلو علفها بعضا ولو ) كان يوما استأنف الحول عند استأنف السوم كما في القواعد ومحكي نهاية الأحكام والموجز وكشفه ، وكذا النافع والتبصرة والتلخيص والإرشاد بل وإيضاح النافع ، لصحيح زرارة السابق (١) الذي صرح فيه باعتبار السوم في الحول وظاهر غيره ، نعم في المنتهى والإرشاد ونهاية الأحكام والدروس والبيان والموجز وكشفه وغيرها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٣.

٩٤

على ما حكي عن بعضها التصريح بأنه لا اعتبار في اللحظة عادة بل ربما ظهر من محكي المنتهى المفروغية من ذلك ، بل فيه وفي الدروس أنه لا عبرة باليوم في السنة ، بل في الأخير في الشهر تردد أقربه بقاء السوم للعرف ، فإن أراد أنه لا عبرة باليوم في الشهر كالمحكي عن فوائد الشرائع وغيرها كان له وجه ، بل لا يخلو من وجه إن أراد الشهر في السنة مفرقا ، أما مع الاتصال فلا ريب أن الأقرب خلافه ، بل لعله كذلك أيضا في المنفصل ، بل وفي اليوم في الشهر ، بل في اليوم في السنة كما سمعته من المصنف وغيره ، لعدم صدق السوم تمام الحول إلا على التسامح العرفي الذي لا يبنى عليه الحكم الشرعي ، وما في محكي المنتهى من أنه لو كان كذلك للزم أن لو اعتلف لحظة واحدة أن يخرج عن اسم السوم وليس كذلك يدفعه وضوح الفرق بينهما ، ضرورة كونه حينئذ كالرعي لحظة للمعلوفة ، ومن هنا ينقدح احتمال كون المراد ذلك لمن جعل المدار على العرف كالكركي وثاني الشهيدين وغيرهما ، بل ربما نسب إلى أكثر المتأخرين ، بل إلى المشهور إلا من صرح منهم بعدم العبرة باليوم.

فينحصر الخلاف حينئذ فيه وفيما قيل من أنه يعتبر في اجتماع السوم والعلف الأغلب كما عن أبي علي والخلاف والمبسوط ، قال في الأخير : فإن تساويا فالأحوط إخراج الزكاة ، وإن قلنا : إنه لا يجب فيها زكاة كان قويا ، لأنه لا دليل على وجوب ذلك في الشرع ، والأصل براءة الذمة ، وقد عرفت ضعف الأول منهما ، وأنه فرق بينه وبين اللحظة ، بل قد يفرق بين العلف يوما وترك السوم يوما ونحوه لمانع مثلا ، فإنها لا تخرج عن الاسم بذلك ، اللهم إلا أن يدعى تساويهما في العرف على غير وجه التسامح ، فتأمل. وأما الثاني فهو في غاية الضعف ، بل في محكي السرائر أنه أضعف وأوهى من بيت العنكبوت ، ضرورة انتفاء صدق اسم السوم العام بذلك ، والقياس على السقي في الغلات ليس من مذهبنا ، مع أنه مع الفارق ، إذ نظيره ما لو‌

٩٥

فرض الامتزاج في اليوم بالسوم والعلف إن كان الحكم فيه أيضا كذلك ، لعدم صدق السوم ، ولا ينافيه عدم صدق العلف بعد تعليق الوجوب عليه لا النفي خاصة على العلف كما هو واضح. ومن هنا قال المصنف الأشبه بأصول المذهب الأول.

ومنه يعلم الحال أيضا فيما لو اعتلفت من نفسها بما يعتد به في الخروج عن الاسم ، ضرورة أنها متى كانت كذلك بطل حولها لخروجها عن اسم السوم به وإن كان لم يعلفها أحد ، واحتمال تعلق الزكاة لعدم المئونة على المالك واضح الضعف كما تسمع نظيره فيما يأتي وكذا الحكم لو منع السائمة مانع كالثلج ونحوه فعلفها المالك أو غيره من ماله أو من مال المالك بإذنه أو بغير إذنه للخروج بالجميع عن الاسم ، خلافا للتذكرة ومحكي الموجز وكشفه فيما لو علفها الغير بغير إذن المالك ، فتلحق بالسائمة ، واحتمله في البيان ، وفي المسالك لا يخلو من وجه ، إذ لا مئونة على المالك فيه ، ونحوه يأتي فيما لو علفها من مال المالك بغير إذنه ، لوجوب الضمان عليه ، لكن الجميع كما ترى لا ينطبق على ما عندنا من عدم حجية العلة المستنبطة ، والسوم لغة : الرعي ووصف السائمة بالراعية في النص للكشف ، ولا مدخلية للمئونة فيه وعدمها ، ولذا صدق عليها الاسم وإن صانع المالك الظالم على رعيها في الكلأ بالكثير ، بل وكذا لو استأجر أرضا للرعي ، بل قال بعض مشايخنا : إنه كذلك حتى لو اشترى لها مرعى ، قال : لأن الظاهر أن الرعي في المرعى سوم ملكا كان أو غيره ، كما هو مقتضى اللغة والعرف ولعدم ظهور فرق بين شراء المرعى واستيجاره الأرض للرعي ، واحتماله لكون الغرامة في مقابلة الأرض دون الكلإ إذ مفهوم الأجرة لا يتناوله غير واضح بعد ما عرفت من عدم كون المدار على الغرامة وعدم المئونة ، ولا على ملك العلف وغيره ، بل على صدق الاسم في النص والفتوى ، فاعتبار الملك في العلف وعدمه في السوم كما في فوائد الشرائع‌

٩٦

في غير محله ، وفي البيان « إذا اشترى مرعى في موضع الجواز فان كان مما يستنبته الناس كالزرع فعلف وإن كان غيره فعندي فيه تردد ، نظرا إلى الاسم والمعنى » وفيه ما قد عرفت من كون المدار على الاسم ، وقال أيضا : « لا يخرج من النصاب أجرة الراعي ، ولا الإصطبل » قلت : هو كذلك ، لإطلاق الأدلة ، وكيف كان فالمدار على الاسم ، والظاهر عدمه في الرعي من نبات الدار والبستان وإن احتمله في كشف الأستاذ ، خصوصا مع سعتها ، والأمر سهل بعد ما عرفت من أن المدار ذلك الذي يعلم منه عدم الزكاة في بهائم إيران وخراسان وآذربيجان إلا ما شذ وندر منها ، لأنها على ما قيل تعلف الشهرين والثلاثة لا تخرج إلى المرعى ، وعدمها أيضا في المعلوف ليلا والسائم نهارا والأمر واضح في ذلك كله ، والله أعلم.

الشرط الثالث الحول ، وهو يعتبر في الحيوان والنقدين مما تجب فيه الزكاة إجماعا بقسميه ، بل عند أهل العلم كافة إلا ما حكي عن ابني عباس ومسعود في محكي المنتهى ، بل لا خلاف بين العلماء فيه وفي اعتباره في زكاة التجارة في محكي التذكرة ، بل في شرح المفاتيح أنه ضروري ، والنصوص فيه إن لم تكن متواترة فهي في غاية الاستفاضة ، كصحيحي الفضلاء وغيرهما وكذا يعتبر في مال التجارة والخيل مما يستحب بلا خلاف أجده فيه أيضا نصا وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وقد سمعت معقد نفي الخلاف في التذكرة ، وفي المدارك هو موضع وفاق بين العلماء وكيف كان فـ ( حده ) بالنسبة إلى تعلق الخطاب بالزكاة أن يمضي أحد عشر شهرا هلاليا مع عدم الانكسار ثم يهل الثاني عشر ، فعند هلاله تجب ولو لم تكمل أيام الحول الذي هو الاثنى عشر بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وإن كان الأصل في ذلك‌ حسن زرارة (١) الذي هو كالصحيح ، « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام :

__________________

(١) فروع الكافي ج ١ ص ٥٢٦ الطبع الحديث.

٩٧

رجل كان له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر ، فقال : إذا دخل الثاني عشر فقد حال عليه الحول ووجبت عليه فيها الزكاة ».

إنما الكلام في استقرار الوجوب به أو توقفه على تمام الثاني عشر بحيث لو اختل أحد الشروط فيه انكشف عدم الوجوب ، قيل : وعلى الأول يحتسب الثاني عشر من الثاني ، وعلى الثاني يحتسب من الأول ، قولان أولهما للمدارك والإيضاح والموجز وكشفه وحاشيتي القاضي ملا سراب وغيرها على ما حكي عن بعضها ، بل هو ظاهر الأصحاب كما اعترف به في محكي الكفاية والذخيرة والرياض ، بل كاد يكون صريح بعضهم كالفاضل في الإرشاد وغيره ، وثانيهما للشهيدين والكركي والميسي وغيرهم ، وفي التذكرة إشكال والأقوى الأول ، لظاهر الحسن المذكور المعتضد بظاهر الفتوى وظاهر معاقد الإجماعات وما في المسالك ـ من أن الخبر السابق إن صح فلا عدول عن ذلك ، لكن في طريقه كلام فالعمل على الثاني متعين ـ واضح الضعف ، ضرورة معلومية قبول هذا الحسن هنا ، للإجماع على العمل به في الجملة ، على أنه ليس في طريقه سوى إبراهيم بن هاشم ، وهو بمرتبة من العدالة ، بل يمكن أن يكون عدم نصهم على توثيقه لكونه أجل من ذلك ، مضافا إلى عمل الأصحاب به في غير المقام ، بل هو نفسه قد عمل به أيضا ، فلا ينبغي التوقف في ذلك من هذه الجهة ، كما أنه لا ينبغي التوقف في المختار لاقتضائه الحقيقة الشرعية في لفظ الحول ، وهو مع أنا لم نجد له استعمالا في غير هذا الحسن لا يتم على ما ذكروه لها من العنوان بما كان حقيقة في لسان المتشرعة ، ومن المعلوم عدمه هنا ، إذ يمكن عدم اقتضائه ذلك ، بل ولا المجاز الشرعي في لفظ الحول ، بل التجوز في حولان الحول على أن يكون المراد تمام الأحد عشر الذي لا يتحقق إلا بدخول الثاني عشر ، فالحول حينئذ باق على معناه اللغوي والعرفي أي الاثنى عشر شهرا ، إلا أن‌

٩٨

المعتبر في وجوب الزكاة وجوبا مستقرا مضي الأحد عشر والدخول في الثاني عشر ، لا مضي الجميع ، وهو المقصود من‌ قولهم عليهم‌السلام (١) : « كل ما لم يحل الحول عليه عند ربه فلا زكاة فيه » بل لعل‌ قوله عليه‌السلام في الحسن المزبور : « فقد حال الحول » مشعر بذلك باعتبار إرادة الحول المعهود في الذهن المتعارف ، وأنه بالدخول في الثاني عشر يتحقق ولو شرعا حولان الحول ، ولعل ذلك أولى من التجوز في لفظ الحول في الحسن وغيره من النصوص الذي هو بمنزلة لفظ الاثنى عشر والسنة في آخر والعام في ثالث ، بل ربما يؤيده تعارف إطلاق بلوغ الخمس سنين مثلا على من دخل في الخامسة وهكذا ولو مجازا ، ولم يتعارف إطلاق الحول والسنة والعام على العشرة أشهر مثلا وإن وقع في بعض الأحيان على ضرب من التسامح ، وبالجملة لا ينبغي التأمل في أولوية المجاز المزبور من التجوز في لفظ الحول وإن كان المطلوب يتم بهما وبالحقيقة الشرعية أيضا ، وأما ما يقال من أن الحسن المزبور وإن كان ظاهرا في الوجوب المستقر بالدخول في الثاني عشر إلا أن ما دل على اشتراط الشروط الأخر طول الحول يقتضي خلافه بناء على إرادة المعنى الحقيقي من الحول فيها ، لعدم ما يصلح قرينة لعدمه ، فالجمع بينهما حينئذ يقتضي التزلزل كما هو الشأن في الواجبات المشروطة بشرائط حيث يرد وجوبها في آية أو خبر مطلقا غير مشروط بشرط أصلا أو ببعض الشروط ، فيحمل الحسن حينئذ على الوجوب المتزلزل ، وما دل على تلك الشرائط على الوجوب المستقر مع إبقاء لفظ الحول فيها على حقيقته.

ودعوى أن الشرائط المذكورة إنما هي شرائط وجوب الزكاة ، فإذا تحقق الوجوب فلا معنى لكون الشرائط لتحقق الوجوب بعد تحققه وانقضاء وقته ، وإلا لزم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١ والباب ١٥ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٣.

٩٩

كون الشرط متأخرا ومن شأنه التقدم ، يدفعها منع وجوب تقدم الشرط مطلقا ، فان بقاء الحياة مع التمكن من الصلاة بشرائطها إلى آخر الصلاة شرط في وجوبها ، والمرأة يجب عليها الصوم مثلا وإذا اتفق أنها حاضت في الأثناء انكشف عدم الوجوب ، إلى غير ذلك مما هو من هذا القبيل ، فقد يجاب بظهور ما ذكرنا في إرادة الدخول في الثاني عشر من حول الحول في كل ما اعتبر فيه ذلك ، ولذا منعه من الفرار فيه ، وأنه كالفرار بعد الاثنى عشر بالهبة ونحوها ، ومن ذلك لا ينبغي إنكار ظهور الحسن في أن جميع ما يعتبر في وجوب الزكاة حده الدخول في الثاني عشر ، لا أنه بالنسبة إلى تعلق الوجوب خاصة وإن بقي شرطية الشرائط مستمرة إلى تمام الاثنى عشر ، بل هو عند التأمل تفكيك في النصوص لا يرتكبه فقيه ، كما هو واضح بأدنى تأمل.

نعم قد يقال : لا دلالة في الحسن على احتساب الثاني عشر من الحول الثاني بإحدى الدلالات ، فيمكن القول باحتسابه من الأول ، وإن حصل الاستقرار بالأحد عشر جمعا بين الحسن المزبور وما دل على أن الزكاة في كل سنة مرة ، فيحتسب حينئذ الثاني عشر من الأول وإن استقر الوجوب قبله ، ولا يأبى ذلك جملة من كلمات الأصحاب بل عن الأردبيلي التصريح بذلك ، فتأمل فإنه جيد ، وعليه يحمل أخبار منادي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) وخبر الكرخي (٢) وغيره مما يدل على احتساب الاثنى عشر ومن ذلك وما قدمنا يعلم ما في كلام جملة من الأعلام في المقام خصوصا الأستاذ الأكبر في شرحه على المفاتيح ، فإنه أطنب في المقام ، لكنه لم يأت بشي‌ء يعتد به ، ومن الغريب ما فيه ظنه من أن الأصحاب يقولون : إن الحول أحد عشر وجزء من الثاني عشر ، فأخذ يعترض عليهم بأن ذلك يقتضي أمرا غريبا ، ضرورة أن هذا الجزء لو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٢.

١٠٠