جواهر الكلام - ج ١٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

يقال : إنهم قد ذكروا في السلم في اللحم التعرض لكونه لحم راعية أو معلوفة ، وإذا جاز أن يثبت بالذمة لحم راعية جاز أن يثبت راعية ، ولا فرق في ذلك بين جعل مفهوم السوم عدميا وهو عدم العلف وبين جعله وجوديا وهو أكلها من مال الله المباح ، اللهم إلا أن يدعى انسياق كون المملوك مشخصا سائما من أدلة السوم ، كانسياق النقد من نصوص الدين ، والأمر سهل عندنا بعد ما عرفت من عدم ثبوته في الدين مطلقا ، ومن هنا كان الأولى الاعراض عن كثير مما يتفرع في المقام ، نعم قد قيد في البيان عدم الزكاة في الدين بما إذا لم يعينه المديون ويمكنه منه في وقته ، وإليه يرجع ما عن الكركي والميسي والقطيفي من تقييده بما إذا لم يعينه ويخلي بينه وبينه ، فان امتناعه حينئذ لا ينفي ملكه حتى لو تلف كان تلفه منه ، وعن حواشي الشهيد تقييده بما إذا لم يعينه في وقته ، ويحمله إلى الحاكم أو يبقيه على حاله بعد عزله في يده مع تعذر الحاكم ، وفيه أن حصول الملك بمجرد العزل محل نظر أو منع ، بل ومع قبض الحاكم إذا لم يكن معه امتناع من المالك ، بل ربما توقف في الملك مع الامتناع من المالك ، ولتحرير المسألة محل آخر ، وقد ذكرنا جملة من الكلام فيها في القرض وغيره ، فلاحظ وتأمل ، والله أعلم.

والكافر تجب عليه الزكاة بلا خلاف معتد به فيه بيننا ، لأنها من الفروع التي قد حكي الإجماع في كتب الفروع والأصول على خطابه بها ، للعموم وغيره ، وخصوص قوله تعالى (١) ( وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ ) وغيره مما هو محرر في محله ، وتسقط عنه بالإسلام كما نص عليه غير واحد ، بل لم نجد فيه خلافا ولا توقفا قبل الأردبيلي والخراساني وسيد المدارك ، بل ليس في كلام الأول على ما قيل سوى قوله : كان ذلك للإجماع والنص (٢) مثل « الإسلام يجب ما قبله » وهو‌

__________________

(١) سورة فصلت ـ الآية ٥ و ٦.

(٢) الخصائص الكبرى ج ١ ص ٢٤٩.

٦١

خال عن التوقف فضلا عن الخلاف ، فانحصر ذلك فيهما ، نعم في المحكي عن نهاية الأحكام لو أسلم قبل الحول بلحظة وجبت الزكاة ، ولو كان الإسلام بعد الحول ولو بلحظة فلا زكاة ، سواء كان المال باقيا أو تالفا بتفريط أو غير تفريط ، ولكن هو في استيناف الحول حين الإسلام الذي قد صرح به غير واحد ، بل يمكن كونه مجمعا عليه ، ومنه يستفاد ما صرح به جماعة من سقوطها بالإسلام وإن كان النصاب موجودا لأن الإسلام يجب ما قبله المنجبر سنداً ودلالة بعمل الأصحاب الموافق لقوله تعالى (١) : ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) بل يمكن القطع به بملاحظة معلومية عدم أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأحد ممن تجدد إسلامه من أهل البادية وغيرهم بزكاة إبلهم في السنين الماضية ، بل ربما كان ذلك منفرا لهم عن الإسلام ، كما أنه لو كان شي‌ء منه لذاع وشاع ، كيف والشائع عند الخواص فضلا عن العوام خلافه.

فمن الغريب ما في المدارك من التوقف في هذا الحكم لضعف الخبر المزبور سنداً ومتنا ، وللصحاح (٢) المتضمنة لحكم المخالف إذا استبصر ، وأنه لا يجب عليه إعادة شي‌ء من العبادات التي أوقعها في حال ضلالته سوى الزكاة ، فإنه لا بد أن يؤديها ، فيمكن إجراؤه في الكافر أيضا ، إلى أن قال : « وبالجملة فالوجوب على الكافر متحقق فيجب بقاؤه تحت العهدة إلى أن يحصل الامتثال ، أو يقوم على السقوط دليل يعتد به ، على أنه ربما لزم من هذا الحكم عدم وجوب الزكاة على الكافر كما في قضاء العبادات ، لامتناع أدائها في حال الكفر وسقوطها بالإسلام ، إلا أن يقال : إن متعلق الوجوب إيصالها إلى الساعي وما في معناه في حال الكفر ، وينبغي التأمل في ذلك » قلت : هو كذلك ، لأن إيصالها إلى الساعي إن كان بعنوان الدفع فهو أداء للزكاة ، وقد صرح‌

__________________

(١) سورة الأنفال ـ الآية ٣٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

٦٢

غير واحد بعدم صحته منه ، بل في المدارك أنه لا إشكال فيه ، وهو كذلك لمعلومية اعتبار الايمان في جميع العبادات.

ولذلك قال المصنف كغيره من الأصحاب بعد ذكر الوجوب لكن لا يصح منه أداؤها ومناقشة بعض فيما ذكره بعض من تعليل ذلك بعدم صحة نية القربة منه ليست خلافا كما هو واضح ، وإن كان بعنوان التوكيل فهو فرع الصحة من الموكل ، نعم قد يقال : إنه لا مانع من التكليف بالزكاة وإن كان لا تصح منه إلا بالإسلام المسقط لها ، لكن المانع منه الكفر السابق الحاصل بسوء اختياره ، فلا يقدح حينئذ تعذره في جواز التكليف ، وتظهر الثمرة في جواز القهر عليها ، ولا يعتبر نية القربة من الامام ونحوه ممن قهره لتعذرها في المقهور ، وامتناع الثواب بناء على عدم حصوله إلا بالجنة المحرمة عليه كما عن جماعة الإجماع عليه على ما في المدارك ، ويدفعها حينئذ بلا نية قربة ، لكن ستسمع التصريح به من المسالك ، ولعله للتقرب في أصل دفع الزكاة لا لقرب من وجبت عليه ، فتأمل جيدا ، ومن الغريب ما يظهر منه من المفروغية من عدم التكليف بقضاء العبادة لما ذكره ، مع أن الأمر بالعكس ، وما ذكره غير قادح بعد التأمل ، خصوصا بعد ما ذكرنا ، وأغرب منه تشكيكه في الدليل المعتد به على السقوط بعد الإجماع والخبر المنجبر به.

وكيف كان ( فـ ) قد صرح الفاضل والشهيد وغيرهما بأنه إذا تلفت منه لا يجب عليه ضمانها وإن أهمل مفرعين له على ما سمعت سابقا من عدم صحة الأداء منه ، فهو حينئذ غير متمكن ، فالتلف معه غير مقتض للضمان حتى يكون إسلامه مسقطا لكن في المدارك « هذا الحكم مشكل لعدم وضوح مأخذه » قلت : هو كذلك ، ضرورة عدم ظهور فائدة لهذا الحكم مع الإسلام الذي قد عرفت أنه يجب ما قبله ، وأنه به تسقط الزكاة مع وجود المال فضلا عن تلفه ، بل إنما تظهر فائدة التلف فيما لو أراد الإمام عليه‌السلام

٦٣

أو الساعي أخذ الزكاة منه قهرا ، ومقتضى ذلك عدم الجواز كما هو صريح المسالك ، قال : « إنه يشترط فيه أى القهر بقاء النصاب ، فلو وجده قد أتلفه لم يضمنه الزكاة وإن كان بتفريطه ، ولو تلف بعضه سقط عنه منها بحسابه ، ولو وجده تاما أخذهما كما يأخذها من المسلم الممتنع من أدائها ، ويتولى النية عند أخذها منه ودفعها إلى المستحق » انتهى ، وللنظر فيه مجال ، لعدم الدليل على ما ذكره من الشرط كما اعترف بعدم الوقوف عليه في المدارك ، بل لولا ظهور الإجماع على عدم الضمان مع الإسلام إذا كان هو المتلف لتوجه الضمان ، لعدم ثبوت جب الإسلام الخطاب بما في ذمته من أموال الناس ، فتأمل جيدا في ذلك وفيما ذكره من النية ، بل وما في المحكي عن المنتهى من أنه لو أخذ الإمام أو الساعي الزكاة في حال كفره ثم أسلم سقطت عنه ، أما لو أخذها غيرهما فلا تسقط ، ولعل مراده الرجوع بالمأخوذ مع بقاء العين ، فتأمل ، والله أعلم.

هذا كله في الكافر وأما المسلم فـ ( إذا لم يتمكن من إخراجها وتلفت لم يضمن ) للأصل وغيره ولو تمكن أو فرط ضمن لقاعدة الأمانة ، وخصوص حسن ابن مسلم (١) وغيره مما تعرفه فيما يأتي إن شاء الله.

والمجنون والطفل لا يضمنان ما يتلف إذا أهمل الولي على القول بالوجوب في الغلات والمواشي بلا خلاف ولا إشكال ، إنما الكلام في ضمان الولي ، ولا يبعد تضمينه لخطابه بالإخراج ، فيجري مجرى المالك ، وقد تقدم بعض الكلام في ذلك على تقدير الندب ، والله أعلم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المستحقين الزكاة ـ الحديث ١.

٦٤

( النظر الثاني في بيان ما تجب فيه وما تستحب‌ )

تجب الزكاة في الأنعام : الإبل والبقر والغنم ، وفي الذهب والفضة ، والغلات الأربع : الحنطة والشعير والتمر والزبيب بناء على أنهما محل الزكاة لا البسر والحصرم بلا خلاف أجده فيه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين ، بل هو من ضروريات الفقه إن لم يكن من ضروريات الدين والنصوص به مع ذلك متواترة كتواترها في أنه لا تجب فيما عدا ذلك ففي‌ صحيح الفضلاء (١) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام « قالا : فرض الله الزكاة مع الصلاة في الأموال ، وسنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تسعة أشياء ، وعفا عما سواهن ، في الذهب والفضة والإبل والبقر والغنم والحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وعفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عما سوى ذلك » ونحوه خبر الحضرمي (٢) عن الصادق عليه‌السلام وزرارة (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام والحلبي (٤) عن الصادق عليه‌السلام وخبر الحسن بن شهاب (٥) عنه عليه‌السلام أيضا وخبر عبد الله بن سنان (٦) وقال زرارة (٧) أيضا : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن صدقات الأموال فقال : في تسعة أشياء ليس في غيرها شي‌ء ، في الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم والسائمة ، وهي الراعية » الحديث ، وروي في الصحيح (٨) أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « ليس في شي‌ء مما أنبتت الأرض من الأرز والذرة والحمص والعدس وسائر الحبوب والفواكه غير هذه الأربعة الأصناف وإن كثر ثمنه زكاة إلا أن يصير مالا يباع بذهب أو فضة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١٠.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٩.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٩.

٦٥

يكنزه » إلى آخره. وقال الطيار (١) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عما يجب فيه الزكاة فقال : في تسعة أشياء : الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والبقر والغنم ، وعفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عما سوى ذلك ، فقلت : أصلحك الله فان عندنا حبا كثيرا قال : فقال : وما هو؟ قلت : الأرز قال : نعم ما أكثره ، فقلت : فيه الزكاة قال : فزبرني ثم قال : أقول لك : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عفا عما سوى ذلك وتقول لي : إن عندنا حبا كثيرا فيه الزكاة » ويقرب منه خبر جميل (٢) عنه عليه‌السلام أيضا ، وفي‌ مرسل القماط (٣) « أنه سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الزكاة فقال : وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الزكاة على تسعة ، وعفا عما سوى ذلك : الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة والبقر والغنم والإبل ، فقال السائل : فالذرة فغضب عليه‌السلام ثم قال : كان والله على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دائماً السماسم والذرة والدخن وجميع ذلك فقال : إنهم يقولون : إنه لم يكن ذلك على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنما وضع في تسعة لما لم يكن بحضرته غير ذلك ، فغضب وقال : كذبوا ، فهل يكون العفو إلا عن شي‌ء قد كان ، ولا والله ما أعرف شيئا عليه الزكاة غير هذا ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر » إلى غير ذلك من النصوص المروية في الكتب الأربع وغيرها.

وقال علي بن مهزيار (٤) : « قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن عليه‌السلام جعلت فداك روي عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الزكاة على تسعة أشياء : الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٣.

(٤) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٦ وذيله في الباب ٩ منها ـ الحديث ١.

٦٦

والفضة والغنم والبقر والإبل ، وعفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عما سوى ذلك ، فقال له القائل : عندنا شي‌ء كثير يكون بأضعاف ذلك فقال : ما هو؟ قال : الأرز فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : أقول لك : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضع الزكاة على تسعة أشياء وعفا عما سوى ذلك ، وتقول : عندنا أرز وعندنا ذرة ، وقد كانت الذرة على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوقع عليه‌السلام كذلك هو ، والزكاة في كل ما كيل بالصاع ، وكتب عبد الله وروى غير هذا الرجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه سأله عن الحبوب فقال : ما هي؟ فقال : السمسم والأرز والدخن ، وكل هذه غلة كالحنطة والشعير فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : في الحبوب كلها زكاة وروي أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : كل ما دخل القفيز فهو يجري مجرى الحنطة والشعير والتمر والزبيب قال : فأخبرني جعلت فداك هل على هذا الأرز وما أشبهه من الحبوب الحمص والعدس زكاة؟ فوقع صلوات الله عليه صدقوا ، الزكاة في كل شي‌ء كيل ».

ومنه يعلم وجه الجمع بين النصوص السابقة وبين غيرها مما ظاهره المنافاة لها كالمرسلين اللذين تضمنتهما الكتابة المزبورة ، وخبر محمد بن إسماعيل (١) « قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إن لنا رطبة وأرزا فما الذي علينا فيها؟ فقال : أما الرطبة فليس عليك فيها شي‌ء ، وأما الأرز فما سقت السماء العشر وما سقي بالدلو فنصف العشر في كل ما كلت بالصاع أو قال : وكيل بالمكيال » وخبر أبي مريم (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الحرث ما يزكى منه؟ قال : البر والشعير والذرة والأرز والسلت والعدس كل هذا مما يزكى ، وقال : كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٣.

٦٧

الزكاة » وخبر محمد (١) « سألته عن الحرث ما يزكى منه؟ فقال : البر والشعير والذرة والدخن والأرز والسلت والعدس والسمسم ، كل هذا يزكى وأشباهه » ونحوه‌ صحيح زرارة (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « وقال : كل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق فعليه زكاة ، قال : وجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصدقة في كل شي‌ء أنبتته الأرض إلا الخضر والبقول وكل شي‌ء يفسد من يومه » وخبر الآخر (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : في الذرة شي‌ء قال لي : الذرة والعدس والسلت والحبوب فيها مثل ما في الحنطة والشعير ، وكل ما كيل بالصاع فبلغ الأوساق التي يجب فيها الزكاة فعليه فيه الزكاة » وخبر أبي بصير (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : هل في الأرز شي‌ء؟ فقال : نعم ، ثم قال : إن المدينة لم تكن يومئذ أرض أرز فيقال ، ولكنه قد حصل فيه كيف لا تكون فيه وعامة خراج العراق منه » وغيرها بإرادة الوجوب من الأولى والندب من الثانية ، ويجمعهما صدق الزكاة فيهما كما أومى إليه في المكاتبة السابقة ، ولعله أولى من الجمع بحمل النصوص الثانية على التقية كما عن المرتضى رحمه‌الله وإن كان يشهد له بعض النصوص السابقة ، لكن لا تنافي بين الندب والاجمال في الجواب للتقية ، فلا ريب في أولوية ما ذكرنا منه ، خصوصا بعد فتوى الأصحاب بالندب ، وعن الغنية الإجماع عليه ، وفي المحكي عن المقنعة تعليل الندب بأنه قد ورد آثار عن الصادقين عليهم‌السلام في زكاة سائر الحبوب مع ما ورد عنهم في حصرها في التسعة ، وقد ثبت أن أخبارهم لا تتناقض ، فلم يكن لنا طريق إلى الجمع بينهما إلا إثبات الفرض فيما أجمعوا على وجوبه ، وحمل ما اختلفوا فيه على السنة المؤكدة ، إذ كان الحمل لهما على الفرض تتناقض به الألفاظ الواردة فيه ، وإسقاط أحدهما إبطال الإجماع ، وإسقاط الآخر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ٤ وفيه « سألته عن الحبوب. إلخ ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ١١.

٦٨

إبطال لإجماع الفرقة المحقة على المنقول في معناه ، وذلك فاسد ، وعلى كل حال فالمتجه ما قلناه ، نعم لا يخفى ظهورها جميعا وصراحة بعضها في خلاف المحكي عن يونس في الكافي من أن معنى قوله عليه‌السلام : إن الزكاة في تسعة أشياء وعفا عما سوى ذلك إنما كان ذلك في أول النبوة كما كانت الصلاة ركعتين ثم زاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها سبع ركعات ، وكذلك الزكاة وضعها وسنها في أول نبوته على تسعة أشياء ثم وضعها على جميع الحبوب ، وإن كان ربما ظهر من الكافي موافقته ، اللهم إلا أن يريد الندب من الوضع الحادث ، وكذا المحكي عن ابن الجنيد من أنه تؤخذ الزكاة في أرض العشر من كل ما دخل القفيز من حنطة وشعير وسمسم وأرز ودخن وذرة وعدس وسلت وسائر الحبوب ، ومن التمر والزبيب عملا بالنصوص السابقة المجردة عن التقييد بأرض العشر المعلوم قصورها عن معارضة غيرها من وجوه ، منها اتفاق الأصحاب عدا من عرفت على عدم الوجوب في غير التسع ، ولذا نسبه في الدروس إلى الشذوذ ، وهو كذلك ، كقوله بالوجوب في الزيت والزيتون إذا كانا في الأرض العشرية ، وفي العسل المأخوذ من أرض العشر لا في الخراجية كما في الدروس لما سمعته من نفي الزكاة فيما عدا التسع في النصوص السابقة المعتضدة بالأصل وفتاوى الأصحاب ، بل المسألة من القطعيات التي لا ينبغي فيها الاطناب.

ولكن قد ظهر لك مما ذكرنا أنها تستحب الزكاة في كل ما تنبت الأرض مما يكال أو يوزن جمعا بين ما في صحيح زرارة (١) وما في غيره وإن كان بينهما تعارض العموم من وجه ، لكن لا يخفى ظهور النصوص في كون محل الزكاة ما جمع الوصفين ، ومن هنا اتجه تخصيص كل من العامين بالآخر ، وفي كشف الأستاذ أنه لو اختلفت البلدان فيها لحق كل واحدة حكمها ، ولعله لا يخلو من تأمل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٦.

٦٩

وعلى كل حال ينبغي تخصيصهما بما عدا الخضر والبقول كالقت والباذنجان والخيار وما شاكله مما هو موزون في العادة ، لما في صحيح زرارة السابق من استثنائها من المراد به الأعم من الواجب والمندوب ، مضافا إلى خبر محمد بن إسماعيل (١) السابق وموثق سماعة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ليس على البقول ولا على البطيخ وأشباهه زكاة ». وصحيح ابن مسلم (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سئل عن الخضر فيها زكاة وإن بيعت بالمال العظيم فقال : لا حتى يحول عليه الحول » وصحيح الحلبي (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما في الخضر؟ قال : وما هي؟ قلت : القضب والبطيخ ومثله من الخضر ، قال : ليس عليه شي‌ء إلا أن يباع مثله بمال فيحول عليه الحول ففيه الصدقة ، وعن العضاة من الفرسك وأشباهه فيه زكاة قال : لا ، قلت : فثمنه قال : ما حال عليه الحول من ثمنه فزكه » وخبر زرارة (٥) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام « إنهما قالا : عفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخضر ، قلت : وما الخضر؟ قالا : كل شي‌ء لا يكون له بقاء : البقل والبطيخ والفواكه وشبه ذلك مما يكون سريع الفساد ، قال زرارة : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : هل في القضب شي‌ء؟ قال : لا » إلى غير ذلك معتضدا ذلك كله بفتاوى الأصحاب ، بل في محكي المنتهى نفي الخلاف فيه ، وفي محكي المقنعة « لا خلاف بين آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين كافة شيعتهم من أهل الإمامة أن الخضر كالقضب والبطيخ والقثّاء والخيار والباذنجان والريحان وما أشبه ذلك مما لا بقاء له لا زكاة فيه ولو بلغت قيمته ألف دينار ومائة ألف دينار ، ولا زكاة على ثمنه بعد البيع حتى يحول عليه الحول ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ٩.

٧٠

وهو على كمال حد ما تجب فيه الزكاة » وعن المنتهى « لا شي‌ء في الأزهار كالعصفر والزعفران ، ولا فيما يجب كالقطن والكتان ، وعليه علماؤنا أجمع » هذا كله مع فرض شمول عموم الندب لأكثرها بناء على دخول الكيل أو الوزن له ، أما على العدم كما عساه يظهر من الأستاذ في كشفه فلا حاجة إلى التخصيص ، قال : « ولا يستحب الزكاة فيما لا يدخله الكيل والوزن من البقول والخضروات وإن عرض ذلك لها في مثل هذه الأيام » لكنه كما ترى.

وكيف كان فلا ينبغي التوقف في الحكم المزبور ، بل قد يستفاد من خبر زرارة (١) السابق عدمها أيضا في الثمار ، لصحيحه (٢) المتقدم آنفا المشتمل على عطف كل شي‌ء يفسد من يومه على الخضر والبقول ، بل وصحيح الحلبي (٣) إذ المراد بالعضاه ـ كما في الوافي جمع عضة ، وأصلها عضهة ، فردت الهاء في الجمع ـ كل شجر له شوك ، كأنه أراد بها الأشجار التي تحمل الثمار كائنة ما كانت ، والفرسك كزبرج : الخوخ أو ضرب منه أحمر ، بل يمكن إرادة الثمار أيضا من‌ خبر علي بن جعفر (٤) سأل أخاه موسى عليه‌السلام « عن البستان لا تباع غلته ولو بلغت غلته مالا فهل تجب فيه صدقة؟ قال : لا إذا كانت تؤكل » وصحيح محمد بن مسلم (٥) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام « في البستان يكون فيه الثمار ما لو بيع كان بمال فيه الصدقة قال : لا » لكن لم أجد من أفتى به صريحا عدا الأستاذ في موضع من كشفه ، نعم في الدروس والروضة نسبته إلى الرواية ، فقال : في الأول روي سقوطها عن العض كالفرسك ، وهو الخوخ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٣ مع الاختلاف في اللفظ.

٧١

وشبهه ، وعن الأشنان والقطن والزعفران وجميع الثمار ، واحتمال إرادة نفي الزكاة الواجبة من النص يدفعه ظهور خبري زرارة في كونها كالخضر في السقوط ، بل قد عرفت إدراجه تحت مفهوم الخضر في أحدهما ، فلا بأس حينئذ بتخصيص تلك العمومات بذلك ، أما القطن والأشنان والزعفران ففي‌ خبر عبد العزيز بن المهتدي (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن القطن والزعفران عليهما زكاة قال : لا » وخبر يونس (٢) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الأشنان فيه زكاة قال : لا » لكن يمكن إرادة نفي الواجبة منهما ، خصوصا الأول ، فيبقى العموم حينئذ دالا على الندب بحاله ، ويؤيده اقتصار الأصحاب على الخضر.

بقي شي‌ء لم أعثر على تحريره في كلمات الأصحاب ، وهو أن الزكاة المستحبة كالواجبة في التعلق بالعين وملك الفقراء لها ولو على جهة التزلزل ، يحتمل ذلك ، لظهور النصوص المزبورة ، كقوله عليه‌السلام (٣) : « في الحبوب كلها زكاة » ونحوه في اتحاد كيفية تعلق الواجبة والمندوبة ، إلا أن إجراء لوازم الملك عليه في غاية الصعوبة ، وإخراجه عن حكم الأملاك محتاج إلى الدليل المعتبر ، ومن هنا قد يقوى أن الاستحباب تكليفي محض لا مدخلية له في ملك المالك ، والمسألة بعد محتاجة إلى تأمل ، والله أعلم.

وفي مال التجارة التي يأتي الكلام في المراد منها وفي جملة مما يتعلق بها قولان أحدهما الوجوب وعن جماعة نسبته إلى قوم من أصحابنا ، وعن الحسن بن عيسى نسبته إلى طائفة من الشيعة ، لكن لم نتحققه إلا من المحكي عن ظاهر ابني بابويه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

٧٢

للأمر بها وشبهه في صحيح ابن مسلم وحسنه (١) وخبر أبي الربيع الشامي (٢) وخبر سعيد الأعرج (٣) وخبر الكرخي (٤) وخبر العلاء (٥) وخبر أبي بصير (٦) وموثق سماعة (٧) إلا أنه مع ذلك كله والاستحباب أصح وأشهر ، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل عن الانتصار نسبته إلى الإمامية كما هو الظاهر من الغنية ، لأنه المراد من الأمر المزبور ، لأصالة عدم الوجوب ، والنصوص السابقة الحاصرة للواجب في غيره ، وخبر إسحاق (٨) « قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : الرجل يشتري الوصيفة يثبتها عنده لتزيد ، وهو يريد بيعها ، أعلى ثمنها زكاة؟ قال : لا حتى يبيعها ، قلت : فإذا باعها يزكي ثمنها قال : لا حتى يحول عليه الحول وهو في يده » وخبر ابن بكير وعبيد وجماعة من أصحابنا (٩) قالوا : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ليس في المال المضطرب به زكاة ، فقال له إسماعيل ابنه : يا أبه جعلت فداك أهلكت فقراء أصحابك فقال : أي بني حق أراد الله أن يخرجه فخرج » وصحيح زرارة (١٠) عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « الزكاة على المال الصامت الذي يحول عليه الحول ولم يحركه » وصحيحه الآخر (١١) قال : « كنت قاعداً عند أبي جعفر عليه‌السلام وليس عنده غير ابنه جعفر عليه‌السلام فقال : يا زرارة إن أبا ذر وعثمان تنازعا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال عثمان : كل مال من ذهب أو فضة يدار ويعمل به ويتجر به ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول ، فقال أبو ذر : أما ما اتجر به أو دير أو عمل به فليس فيه زكاة ، إنما الزكاة فيها إذا كان ركازا أو كنزا موضوعا ، فإذا حال عليه الحول ففيه الزكاة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٣ و ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٩.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٧.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٦.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ٤.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ٥.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ٣.

(١١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ١.

٧٣

فاختصما في ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : القول ما قال أبو ذر ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام لأبيه : ما تريد إلا أن يخرج مثل هذا فكيف الناس أن يعطوا فقراءهم ومساكينهم ، فقال أبوه عليه‌السلام : إليك عني لا أجد منها بدا » إلى غير ذلك من النصوص المعلوم رجحانها على الأولى بالأصل والعمل ومخالفة العامة وغير ذلك ، فاتجه حينئذ حملها على الندب.

بل ربما توقف فيه بعضهم ، لظهور هذه النصوص في خروج تلك مخرج التقية ، لكن فيه أنه بعد التسليم لا تنافي بين ذلك وبين الندب على أن تكون التقية حينئذ بالتعبير عن الندب بما ظاهره الوجوب اعتمادا على قرينة خارجية ، ومراعاة للجمع بين التقية والواقع ، ودعوى أن المراد من ذلك الأمر الوجوب تقية فلا دليل على الندب حينئذ يدفعها أصالة حجية قول المعصوم عليه‌السلام ، وأنه في بيان حكم شرعي واقعي ، وكما أن التقية يقتصر فيها على أقل ما يندفع به كذلك المستعمل فيها من قول المعصوم عليه‌السلام يقتصر فيه على أقل ما يمكن من إرادة التقية منه ، ومن ذلك ما نحن فيه ضرورة إمكان كون التقية في ذلك التعبير الذي ذكرناه ، فيبقى الأمر حينئذ على قاعدة إرادة الندب منه بعد معلومية عدم إرادة الوجوب ، كما هو واضح ، والله أعلم.

وكذا تستحب في الخيل الإناث إجماعا محصلا ومحكيا في الخلاف والغنية والتذكرة ، وهو المراد من‌ صحيح محمد بن مسلم وزرارة (١) عنهما عليهما‌السلام قالا : « وضع أمير المؤمنين عليه‌السلام على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين ، وجعل على البرازين دينارا » وصحيح زرارة (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : في البغال شي‌ء فقال : لا ، فقلت : كيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ فقال : لأن البغال لا تلقح ، والخيل الإناث ينتجن ، وليس على الخيل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٣.

٧٤

الذكورة شي‌ء ، قال : قلت : فما في الحمير؟ قال : ليس فيها شي‌ء ». بعد نفي الوجوب بالأصل ونصوص الحصر ، بل في‌ خبر زرارة (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « ليس في شي‌ء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة : الإبل والبقر والغنم » والإجماع وغير ذلك.

وتسقط الزكاة وجوبا وندبا عما عدا ذلك إلا ما سنذكره فحينئذ لا زكاة في البغال والحمير والرقيق للأصل والخبر السابق في الأولين ، وفي‌ موثق سماعة (٢) « ليس على الرقيق زكاة إلا رقيق يبتغي به التجارة ، فإنه من المال الذي يزكى » أما صحيحه الآخر وصحيح محمد بن مسلم (٣) « إن أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما‌السلام سئلا عما في الرقيق فقالا : ليس في الرأس أكثر من صاع تمر إذا حال عليه الحول ، وليس في ثمنه شي‌ء حتى يحول عليه الحول » فيمكن إرادة زكاة الفطرة منه على أن يكون ليلة الفطر مرادة من حول الحول فيه ، والله أعلم.

ولو تولد حيوان بين حيوانين أحدهما زكوي روعي في إلحاقه بالزكاتي إطلاق اسمه بلا خلاف أجده إذا كان الزكوي الأم ، بل وإن لم يكن ، وإن قال في محكي المبسوط : المتولد بين الظباء والغنم إن كانت الأمهات ظباء فلا خلاف في عدم الزكاة ، وإن كانت الأمهات غنما فالأولى الوجوب ، لتناول اسم الغنم له ، وإن قلنا لا لعدم الدليل والأصل براءة الذمة كان قويا ، والأول أحوط ، إذ الظاهر أن مختاره الأول ، بل المحكي عنه في آخر كلامه التصريح بذلك ، نعم يحكى عن الشافعي الخلاف في ذلك ، بل وفيما إذا كان الزكوي الأم ، ولا ريب في ضعفه بعد فرض صدق الاسم الذي عليه المدار حتى لو تولد من حيوانين غير زكويين ، بل وإن كانا محرمين ، ولا استبعاد في القدرة فالحكم حينئذ في الصور التسعة واحد ، لكن في المسالك « الضابط أنه متى كان أحد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

٧٥

أبويه زكويا وهو ملحق بحقيقة زكوي سواء كان أحد أبويه أم غيرهما نظرا إلى قدرة الله تعالى وجبت فيه الزكاة ، وإن لم يكن على حقيقة زكوي فلا زكاة ، ولو لم يكونا زكويين فان كانا محللين أو أحدهما وجاء بصفة زكوي وجبت أيضا ، وإلا فلا ، مع احتمال تحريمه لو كانت أمه محرمة. وإن جاء بصفة المحلل فلا زكاة ، وإن كانا محرمين وجاء بصفة الزكوي احتمل حله ووجوب الزكاة ، وعدم الحل فتنتفي الزكاة ، وإن جاء غير زكوي فلا زكاة قطعاً ، وفي حله لو جاء بصفة المحلل الوجهان ، والوجه تحريمه فيهما لكونه فرع محرم » وهو كما ترى خصوصا بعد قوله سابقا : « نظرا إلى قدرة الله تعالى » ضرورة عموم القدرة للجميع ، ودعوى أنه وإن اندرج في اسم الزكوي إلا أنه محرم ولا زكاة فيه لكونه نتيجة محرم واضحة الفساد بعد تعليق الحل والزكاة على الاسم المفروض تحققه ، كدعوى أن ذلك شكل صوري ، وإلا فهو مختلف الحقيقة ، إذ مرجع ذلك إلى قصر القدرة ، أو نحو ذلك مما لا يسمع من مدعيه ، والله أعلم.

( القول في زكاة الأنعام )

وتمام الكلام فيه في الشرائط والفريضة واللواحق ، أما الشرائط فأربعة : الأول اعتبار النصب إذ لا تجب الزكاة قبلها إجماعا بل ضرورة في المذهب إن لم يكن الدين وهي في الإبل اثنا عشر نصابا ، خمسة كل واحد منها خمس بلا خلاف أجده بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص إن لم تكن متواترة فيه فمستفيضة فإذا صارت ستا وعشرين صارت كلها نصابا على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل في الخلاف والغنية وغيرهما الإجماع عليه ، بل حكى غير واحد الإجماع على أنها اثنا عشر نصابا ، بل يمكن تحصيل الإجماع وإن خالف فيه القديمان فيما حكي عنهما ، فقال الحسن منهما : « إن الواجب في الخمس وعشرين بنت مخاض إلى الستة‌

٧٦

وثلاثين » وقال أبو علي ذلك أيضا لكن زاد « إن لم تكن فابن لبون ، فان لم يكن فخمس شياه » ولم يجعلا الست وعشرين نصابا مستقلا وإن أوجبا بنت مخاض نحو المشهور أيضا ، إلا أنه كباقي أفراد العفو ، فان خلافهما خاصة غير قادح فيه ، سيما مع انحصار الخلاف فيهما فيما أجد وإن نسبه المصنف في محكي المعتبر إلى جماعة من محققي الأصحاب ، مع أنا لم نجد ما يشهد له من النصوص سوى‌ حسن الفضلاء (١) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قالا : « في صدقة الإبل في كل خمس شاة إلى أن تبلغ خمسا وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمسا وثلاثين ، فإذا بلغت خمسا وثلاثين ففيها ابنة لبون ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمسا وأربعين ، فإذا بلغت خمسا وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ ستين ، فإذا بلغت ستين ففيها جذعة ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمساً وسبعين ، فإذا بلغت خمساً وسبعين ففيها ابنتا لبون ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ تسعين فإذا بلغت تسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الفحل ، فإذا زادت واحدة على عشرين ومائة ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين ابنة لبون ، ثم ترجع الإبل على أسنانها ، وليس على النيف شي‌ء ، ولا على الكسور شي‌ء ». وهو ـ مع اشتماله على ما لا يقول به أحد من الأصحاب من جعل المائة وعشرين نصابا ، وبإضافة الواحد نصابا آخر ـ قال في الوسائل : إنه رواه‌ الصدوق في معاني الأخبار على ما في بعض النسخ الصحيحة « فإذا بلغت خمسا وعشرين فإذا زادت واحدة ففيها بنت مخاض ـ إلى أن قال ـ : فإذا بلغت خمسا وثلاثين ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون ، ثم قال : فإذا بلغت خمسا وأربعين وزادت واحدة ففيها جذعة ، ثم قال : وإن بلغت خمسا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٦.

٧٧

وسبعين وزادت واحدة ففيها ابنتا لبون ، فإذا بلغت تسعين وزادت واحدة ففيها حقتان » إلى آخره ، ومنه يعلم قوة ما ذكره الشيخ فيه من إضمار « وزادت واحدة » اعتمادا على فهم المخاطب ، وإن كان أقرب منه الحمل على التقية ، فإن ذلك مذهب العامة ولذا‌ قال عبد الرحمن بعد أن روى عن الصادق عليه‌السلام في الصحيح (١) في ست وعشرين بنت مخاض إلى خمس وثلاثين : « هذا فرق بيننا وبين الناس » وكأنه عليه‌السلام في هذا الحسن أراد الجمع بين بيان الواقع والتقية التي قالوا عليهم‌السلام : إن الإنسان على نفسه بصيرة فيها ، فقال : في الخمس وعشرين بنت مخاض حسب ما عندهم ، ثم ذكر باقي النصب التي لم يخالفونا فيها تاركا فيها ذكر الواحدة حتى يفهم السامع إرادتها في الجميع ، لأن الكل على مذاق واحد ، كل ذلك مع معارضته للمعتبرة المستفيضة المعمول بها كصحيح عبد الرحمن (٢) وخبر أبي بصير (٣) وصحيح زرارة (٤) وموثقه الآخر (٥) فلا بأس حينئذ في حمله على ما ذكرنا ، وربما حمل على الندب ، أو على دفع ذلك على سبيل القيمة للخمس شياه ، أو غير ذلك ، وعلى كل حال فلا ينبغي التأمل في ضعف القول المزبور ، ولقد أجاد في نسبته إلى الشذوذ في الدروس.

فهذه ست نصب ثم ست وثلاثون ثم ست وأربعون ثم إحدى وستون بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه ثم ست وسبعون على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل هي كذلك تحصيلا فضلا عن النقل للمعتبرة المستفيضة (٦) خلافا للمحكي عن الصدوقين فأبدلاه بالثمانين ، وإنه إذا زادت واحدة ففيها ثني إلى تسعين ، ولم نقف لهما على شاهد سوي المحكي عن الفقه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام.

٧٨

المنسوب للرضا عليه‌السلام (١) الذي لم نتحققه كي يصلح معارضا لما سمعت ، فلا ريب حينئذ في ضعف القول المزبور وأن النصاب العاشر ست وسبعون ثم إحدى وتسعون ، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرون فأربعون أو خمسون أو منهما على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة خلافا للمحكي عن انتصار المرتضى من عدم تغير الفرض من إحدى وتسعين إلا ببلوغ مائة وثلاثين ، وقال فيه مما انفردت به الإمامية وقد وافقها غيرها أنها إذا بلغت مائة وعشرين ثم زادت فلا شي‌ء في زيادتها حتى تبلغ مائة وثلاثين ، فإذا بلغتها ففيها حقة واحدة وابنتا لبون ، وأنه لا شي‌ء في الزيادة ما بين العشرين والثلاثين ، ثم ادعى الإجماع على ذلك ، وهو عجيب بعد دعواه نفسه في محكي الناصرية الإجماع على خلافه ، كمحكي الخلاف والسرائر ، وفي التذكرة « أنها إذا زادت على المائة وعشرين واحدة وجب في كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون ـ إلى أن قال ـ : وعلى هذا الحساب بالغا ما بلغ عند علمائنا » وكذا عن المنتهى وفي كشف الحق نسبته إلى الإمامية ، وفي المفاتيح إلى علمائنا كافة ، إلى غير ذلك من كلماتهم ومعاقد إجماعاتهم المتفقة على خلاف ما سمعته منه كنصوصهم ، بل لم أجد في شي‌ء مما وصل إلينا من نصوص أهل البيت عليهم‌السلام ما يشهد له ، فلا ريب في ضعفه ولذا نسبه في الدروس إلى الشذوذ أيضا.

ومن ذلك كله يظهر لك أيضا أن ما في اللمعة « ثم إحدى وتسعون ، ثم ففي ، كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون » لا يخلو من نظر ، ضرورة شمول إطلاقه النصاب الكلي بعد الإحدى وتسعين ما دون المائة وواحدة وعشرين ، ولم يقل أحد بالتخيير قبله ، فان من جملته ما لو كانت مائة وعشرين ، فعلى إطلاقه فيها ثلاث بنات لبون وإن لم تزد الواحدة ، ولم يقل بذلك أحد من الأصحاب ، وهو نقل في الدروس‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٣.

٧٩

والبيان أقوالا نادرة ، وليس من جملتها ذلك ، بل اتفق الكل على أن النصاب بعد الإحدى وتسعين لا يكون أقل من مائة وإحدى وعشرين ، وإنما الخلاف فيما زاد عنه واعتذر له في الروضة بأن الزائد على النصاب الحادي عشر لا يحسب إلا بخمسين كالمائة وما زاد عليها ، ومع ذلك فيه حقتان ، وهو صحيح ، وإنما يتخلف في المائة والعشرين والمصنف توقف في البيان في كون الواحدة الزائدة جزءا من الواجب أو شرطا من حيث اعتبارها في العدد نصا وفتوى ، ومن إيجاب بنت اللبون في كل أربعين يخرجها فتكون شرطا لا جزءا ، وهو الأقوى ، فتجوز هنا وأطلق عده بأحدهما أي من دون تعرض لذكر الشرط اعتمادا على معلوميته ، وفيه أن مقتضي الإطلاق الحساب بمجرد الزيادة على الإحدى وتسعين ، اللهم إلا أن يصرف ذلك بمعلومية عدم نقصان ما فوق النصاب عنه ، وعلى كل حال فلا ريب في أن إطلاقه ليس بجيد كما هو واضح ، هذا.

وقد قال المحقق الثاني والشهيد الثاني : إن التقدير بالأربعين والخمسين ليس على التخيير ، بل يجب التقدير بما يحصل به الاستيعاب ، فإن أمكن بهما تخير ، وإلا وجب اعتبار أكثرهما استيعابا مراعاة لحق الفقراء ، فيجب حينئذ تقدير المائة والإحدى وعشرين بالأربعين ، والمائة والخمسين بالخمسين ، والمائة وسبعين بهما ، ويتخير في المائتين وفي الأربعمائة يتخير بين اعتباره بهما وبكل واحد منهما ، بل قيل : إن ذلك خيرة المبسوط والخلاف والوسيلة والسرائر والتذكرة والمنتهى ونهاية الأحكام والتحرير بقرينة ما ذكروه بعنوان التمثيل ، بل لعله الظاهر من المصنف خصوصا مع قوله فيما يأتي : « ولو أمكن في عدد » إلى آخره. بل لعله ظاهر القواعد أيضا ، حيث قال : « ويتخير المالك لو اجتمعا » بل هو المحكي صريحا عن إيضاح النافع وتعليقه وكفاية الطالبين وكشف الالتباس والميسية والموجز الحاوي ، كما أنه يشهد له ـ مع أنه الموافق للاحتياط‌

٨٠