جواهر الكلام - ج ١٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وإعراضهم الذي لا يزيل ملك العين لو كان ، بل وتصريح الفاضل بأن للإمام قسمتها بينهم قسمة تحكم ، لو كانت أجناسا متعددة ، فيخص بعضهم ببعضها دون الباقي ، لكن قد يناقش بمنع السقوط بالإسقاط ، وإنما المصرح به السقوط بالاعراض ، وهو يزيل ملك العين ، وبمنع أن للإمام القسمة قسمة تحكم ، بل ربما ظهر من المحكي عن خلاف الشيخ الإجماع عليه ، فإنه بعد أن حكى ذلك عن الشافعي قال : وهو غير صحيح عندنا ، لأن له في كل جنس نصيبا ، فليس للإمام منعه ، على أن الفاضل في المحكي عن منتهاه وتذكرته ونهايته قد صرح بأنهم يملكون بالحيازة ، ولكن لم يجر ذلك في الحول لعدم تمامية الملك وضعفه معللا له بما عرفت في بعضها ، بل هو في المنتهى قد صرح بأن الغانمين يملكون أربعة أخماس الغنيمة بالحيازة ، فإذا بلغ حصة الواحد منهم نصابا وحال عليه الحول وجبت الزكاة ، وهل يتوقف الحول على القسمة؟ الوجه ذلك ، لأنه قبل القسمة غير متمكن نحو قوله في المحكي من تحريره : الغانم يملك بالحيازة ، والأقرب ابتداء الحول من القسمة ، وظاهره تمامية الملك وأن المانع عدم التمكن ، فلا تنافي عنده بين الملك بالحيازة وقسمة التحكم ، وهو كذلك عند التأمل ، وكأنه لحظ بما ذكره من تعليل عدم الزكاة مع قوله بالملك بالحيازة التعريض بما في الخلاف ، فإنه قال أولا : إنها تجري في الحول من حين الحيازة ، ثم قال : ولو قلنا لا تجب الزكاة عليه لأنه غير متمكن من التصرف فيه قبل القسمة لكان قويا ، وظاهره اختيار الأول كالمحكي عن ظاهر المعتبر.

ولكن على كل حال قد ظهر لك من ذلك كله انحصار الخلاف فيهما بعد أن لم يفرقوا جميعهم بين كون الغنيمة جنسا واحدا أو أجناسا مختلفة إلا ما في محكي التحرير ، حيث قال : لو قيل بوجوبها في الجنس الواحد دون المتعدد كان وجها ، ومحكي المنتهى فإنه بعد أن حكى ذلك عن الشافعي قال : وهو قوي ، قلت : قد يقال إن المتجه وجوب الزكاة أيضا في المال وإن لم يعين المالك ، لإطلاق الأدلة ، اللهم إلا أن يدعى‌

٤١

قصورها عن تناول مثله.

وكيف كان فالتحقيق عدم الجريان في الحول إلا بعد القسمة بناء على ما سمعته من المسالك ، أما على القول بالملك بالحيازة وأنه كباقي الأموال المشتركة كما هو الأقوى لإطلاق ما دل على الملك بالاغتنام من الآية وغيرها فقد يشكل دعوى عدم تناول أدلة الزكاة لمثله لضعفها ، بل مقتضى إطلاق الأدلة الشمول حتى لو قلنا بأن للإمام قسمة التحكم ضرورة رجوعها حينئذ إلى أن للإمام التحكم في الملك ، فهو مزيل له عند حصوله ، أما قبله فالملك متحقق ، نعم ينبغي مع ذلك اعتبار التمكن بناء على اشتراطه ، وظاهر المدارك حصوله بالتمكن من القسمة ، وظاهر غيره بل صريحه توقف حصوله على القبض منه أو وكيله أو الإمام من غير فرق بين حالي الحضور والغيبة ، بل في القواعد والبيان ومحكي التذكرة والنهاية أنه لا يكفي عزل الامام عليه‌السلام بغير قبض الغانم ، ولعله لعدم التمامية بدونه ، ولأن له الإعراض حينئذ ، نعم لو قبض له الامام صار ملكا له حقيقة ، فيجري حينئذ في الحول كما عن جامع المقاصد التصريح به ، وقد يشكل بعدم منافاة التسلط على الاعراض التمامية بعد فرض حصول الملك قبله كالخيار.

ولعله لذا قال في المتن ومحكي المنتهى والتحرير والموجز وشرحه : إنه لو عزل الامام قسطا جرى في الحول إن كان صاحبه حاضرا ، وإن كان غائبا فعند وصوله اليه ويمكن أن يكون ذلك منهم ليس لحصول تمام الملك بنفس العزل بل المراد القبض عنه مع ذلك ، إلا أن الفرق بين الحاضر والغائب التمكن وعدمه الذي يمكن إرادة الأولين له ، فلا يكون في المسألة خلاف من هذه الجهة حينئذ ، وتمام التحقيق في هذه المسائل في باب الجهاد إن شاء الله.

ولو نذر في أثناء الحول الصدقة بعين النصاب تمامه أو بعضه نذرا غير موقت وغير معلق على شرط انقطع الحول بلا خلاف أجده فيه لتعينه للصدقة‌

٤٢

وعدم جواز التصرف فيه بما ينافي النذر ، فيكون ملكه غير تام ، فلا تشمله أدلة الزكاة خصوصاً بعد معارضتها بأدلة النذر المفروض تعلقه قبلها ، فيرجح عليها قطعا ، كما أنه لا خلاف ولا إشكال في تقدمها عليه لو كان بعد تعلقها ، فتخرج حينئذ أولا ثم يوفى بالنذر ، وأولى من ذلك في سقوط الزكاة ما لو جعله صدقة أو ضحايا كما ذكره غير واحد من الأصحاب بناء على خروجه بذلك عن الملك ، بل في المدارك أنه قطع به الأصحاب وإن كان لنا فيه نظر ، والإجماع المحكي عن الإيضاح أن النذر لا يخرج النصاب عن الملك محمول على الصورة الأولى ، وعلى كل حال فوجه الأولوية واضح ، إذ يكون النذر حينئذ مانعا للسبب الذي هو الملك ، بخلاف الأول ، فإنه مانع الشرط ، وهو التمكن وإن كان مملوكا.

ولو نذر الصدقة بعين النصاب نذرا موقتا بما قبل الحول ووفى بالنذر فلا إشكال كما إذا لم يف وقلنا بوجوب القضاء ، وإلا ففي شرح اللمعة للاصبهاني وجبت الزكاة بلا شبهة ، وفيه أن الحول قد انقطع بمجرد النذر الذي قد عصى به ، نعم ينبغي استئناف حول من حين العصيان.

ولو وقته بما بعد الحول ففيه أيضا أنه إن كان الوجوب لا يتعلق إلا بإتيانه احتمل وجوب الزكاة ثم التصدق بالباقي إذا أتى الوقت ، وعدم وجوب الزكاة نظرا إلى نقص الملكية والتصرف ، وإن كان يتعلق بمجرد صيغة النذر تعين العدم ، لما قلناه وعلى الأول إن أخر أداء الزكاة إلى وقت التصدق بالمنذور فيه كان أحوط ، وفيه بعد الإغضاء عما في ذيله أنه لا ينبغي التأمل في تعلق النذر به حال الصيغة بالصدقة به في ذلك الوقت ، وعليه يبنى عدم جواز إتلافه قبل الوقت ، وليس هو كالواجب الموقت في جواز إتلاف مقدماته قبل الوقت لو قلنا به ، لعدم الوجوب ، كما لا يخفى على من لاحظ العرف ، بل ينبغي الجزم بالسقوط عند من قال به في المعلق على الشرط المحتمل ،

٤٣

ضرورة كون الفرض من المقطوع به لا المحتمل ، فتردده في غير محله ، وكذا ما فيه أيضا من أنه إن كان النذر في الحول وتعلق ببعض لا يدخله شي‌ء من القدر الواجب في الزكاة وكان مطلقا غير موقت فقد قطع الشيخ في الخلاف والمحقق في المعتبر بالعدم ، قال الشيخ : لزوال الملك ، وقال المحقق : لنقصه ، ولعله المراد بالأول ، وفيه ما عرفت إلا أني لم أظفر فيه بخلاف أو تردد من أحد ، وإن كان موقتا بما بعد الحول وقلنا يتعلق بمجرد النذر أو بما قبله ولم يف به وأوجبنا عليه القضاء كان يحكم المطلق ، وإن وفي فلا إشكال ، إذ فيه ما لا يخفى بعد فرض كون متعلق النذر البعض الذي لم يدخله شي‌ء من القدر الواجب ، نعم هو كذلك في البعض الزكوي ، ولعله المراد ، إلا أن النسخة غير سليمة من الغلط ، خصوصا وقد ذكر قبل ذلك أنه إن تعلق النذر ببعض خارج عن القدر الواجب إخراجه في الزكاة لزمه الأمران ، لكن قد ينافيه أنه حينئذ لا وجه لتردده فيما حكاه عن قطع الشيخ والمصنف ، ضرورة كون الوجه فيه كالكل ، فتأمل جيدا.

هذا كله في غير المعلق على شرط ، أما هو فعن نهاية الأحكام احتمال الوجوب إذا حال الحول قبل الشرط ، لأنه مال مملوك حال عليه الحول ، وعدمه لمنعه من التصرف فيه ، وهو الأقوى كما في محكي الإيضاح والموجز والكشف وجامع المقاصد وظاهر القواعد واللمعة ومحكي التذكرة التردد ، وكأنه لما سمعته من النهاية ، ويمكن أن يكون للتردد في المنع من جواز التصرف في المنذور المعلق على شرط ، إذ المحكي عن ثاني الشهيدين في باب العتق جواز التصرف ، ولعله لأصالة عدم الشرط ، واستصحاب الجواز السابق ونحو ذلك ، والتحقيق يأتي في محله إن شاء الله تعالى ، وعن ابن المتوج أنه إن حصل الشرط قبل الحول سقط ، وبعده لا يسقط ، وإن حصلا معا أخرج الزكاة وتصدق بالباقي ، ولقائل أن يقول : إنه لا وجه للتردد بعد البناء على عدم جواز‌

٤٤

التصرف له بما ينافي النذر ، وإن التمكن من التصرف شرط في وجوب الزكاة ، إذ هو حينئذ كالنذر المطلق ، فينبغي حينئذ الجزم بالسقوط لذلك ، لا لما عن الإيضاح من أن اجتماع انعقاد الحول الموجب لوجوب الزكاة وصحة العذر واستمراره يقتضي استلزام المحال ، فإنهما لو اجتمعا فحال الحول وحصل الشرط تعلق بعين واحدة حقا النذر والزكاة جميعا ، وهما متضادان ، إذ هو كما ترى لا يقتضي ترجيح النذر على الزكاة ، ولذا أورد عليه الشهيد في المحكي من حواشيه على القواعد بالمنع من تعلق النذر بما تعلق به الزكاة إذا قلنا بأنه لا يتعلق حكمه إلا بعد تحقق الشرط ، بل يكون مثل التالف فيما تعلق به النذر ، فاما أن يسقط أو يجب مثله أو قيمته ، فالوجه حينئذ ما ذكرناه ، واليه يرجع ما في المدارك من أن المتجه منع المالك من التصرفات المنافية للنذر كما في المطلق ، فان ثبت أن ذلك مانع من وجوب الزكاة كما ذكر الأصحاب انقطع الحول بمجرد النذر وإلا وجبت الزكاة مع تمامه ، وكان القدر المخرج من النصاب كالتالف من المنذور ، وتجب الصدقة بالباقي مع حصول الشرط ، وهو جيد جدا.

لكن في شرح اللمعة للاصبهاني ـ بعد أن حكى ما سمعته من الإيضاح والإيراد عليه ـ قال : « والتحقيق أن الشرط إما مطلق أو موقت بما في الحول أو بما بعده ، وعلى الأول فالنذر إما مطلق أو موقت بما في الحول أو بما بعده ، وعلى الثاني أيضا إما مطلق أو موقت بوقت الشرط أو بما بعده في الحول أو بما بعده ، وعلى كل حال فالنذر إما أن يتعلق بجميع النصاب أو ببعضه ، وفرض الأصحاب في نذر الجميع وإطلاق الشرط والنذر ، فان تعلق بالبعض وباقي القيود بحالها فلا شبهة في أنه لا يجري فيه ما ذكره فخر الإسلام من لزوم إمكان المحال ، وإن كان الشرط موقتا بما في الحول والنذر مطلقا ولم تجب المبادرة إلى الوفاء عند حصول الشرط كان كالنذر الغير المشروط في مسمى التعلق بجميع النصاب وبعضه ، فيتعين السقوط في الأول ، وفي الثاني إن أسقطناها بالمنع‌

٤٥

من التصرف ، وإن كانت المسألة بحالها والنذر موقتا بما في الحول أو وجبت المبادرة فإن وفي بالنذر فلا إشكال ، وإن لم يف به إلى تمام الحول وأوجبنا عليه القضاء وتعلق النذر بالجميع فلا إشكال في السقوط ، وإن تعلق بالبعض فكذلك إن اعتبرنا المنع من التصرف ، وإن كانت المسألة بحالها والنذر موقتا بما بعد الحول كان كمشروط بشرطين أحدهما في الحول والآخر بعده ، بل كمشروط بموقت بما بعده إن جعلنا الوقت شرطا وإلا كان في توقف تعلق النذر على حضوره وعدمه أيضا تردد كالشرط ، وإن كان الشرط موقتا بما بعد الحول فان لم يتوقف تعلق النذر على تحقق الشرط سقطت الزكاة قطعا إن تعلق النذر بالجميع ، وكذا إن تعلق بالبعض واعتبرنا المنع من التصرف ، وإن توقف وجبت الزكاة بلا شبهة ثم التصدق إما بالباقي إن كان تعلق بالكل ، أو بالبعض المتعلق به النذر ، وعلى التعلق بالكل إن أخر الزكاة إلى حصول الوقت كان أحوط كما مر ، وإن كان حصول الشرط والوقت الموقت به النذر مطلقا أو مشروطا متفقا مع تمام الحول وقلنا بعدم تعلق النذر إلا بحصول الشرط أو الوقت فإشكال إن لم نقل بالتداخل ، أو كان النذر مما لا يتداخل مع الزكاة كالهبة ممن لا يستحق الزكاة ، والأولى إن أوجبنا على من تلف متعلق نذره مثله أو قيمته الجمع بين الأمرين ، وإن لم نوجبه احتمل ترجيح الزكاة للدخول في العمومات وترجيح النذر ، كما أن من المعلوم اشتراط التمكن من التصرف عند تمام الحول كاشتراط التمكن منه في أثنائه ، وهو هنا منفي للنذر ، وفيه أن انتفاءه إنما يكون إذا رجحنا النذر ، فالتمسك يستلزم الدور ، واختار بعض الأصحاب القرعة مطلقا ، واحتمل سقوط الزكاة بناء على كون وجوبها تكليفا يحتاج إلى الموجب الواضح ، وفيه أنه يكفي العمومات موجبة لها » وهو على طوله لم يأت بشي‌ء نافع فيما نحن فيه ، وإنما هي مجرد أقسام واضحة الوجه ، بل يعرف كثير منها مما تقدم ، فالتحقيق حينئذ ما ذكرناه سابقا ، فلاحظ وتأمل.

٤٦

ولو تعلق النذر بأحد ما عنده من النصب غير معين فالظاهر سقوط الزكاة من أحدها ، والتعيين إلى الناذر.

ولو تعلق النذر بالذمة لم تسقط الزكاة بلا خلاف أجده فيه ، لأنه دين ، وهو لا يمنع منها ، نعم عن الشهيد في البيان أنه ألحق بالمنذور كونه صدقة الذي قلنا أنه يخرج عن الملك بالصيغة ما لو نذر مطلقا ثم عين له مالا مخصوصا ، وهو لا يخلو من بحث ، إذ لا دليل على تشخص مورد النذر هنا بمجرد التعيين.

ولو استطاع الحج بالنصاب وكان مضي الحول متأخرا عن أشهر الحج وجب الحج بلا إشكال ، فلو عصى ولم يحج حتى تم الحول وجبت الزكاة واستقر الحج في ذمته وإن ذهبت استطاعته بتقصيره ، أما إذا كان الحول قبل مضي أشهر الحج وجبت الزكاة وسقط الحج كما أشار إليه في محكي البيان « ولو استطاع بالنصاب فتم الحول قبل سير الغافلة وجبت الزكاة ، فلو خرج بدفعها عن الاستطاعة سقط وجوب الحج في عامه وهل يكون تعلق الزكاة كاشفا عن عدم وجوب الاستطاعة أو تنقطع الاستطاعة حين تعلق لزكاة؟ إشكال ، وتظهر الفائدة في استقرار الحج ، فعلى الأول لا يستقر ، وعلى الثاني يمكن استقراره إذا كان قادرا على صرف النصاب في جهازه ، لأنه بالإهمال جرى مجرى المتلف ماله بعد الاستطاعة » وإن كان كلامه لا يخلو من مناقشة ، وفي محكي الموجز « لو استطاع الحج بالنصاب ثم تم الحول قبل انقضاء أشهر الحج قدمها عليه وإن سقط » وكشفه « إن تم الحول قبل خروج الغافلة قدمها وإن سقط الحج ، وإن خرج الوفد قبل تمام الحول وجب الحج وسقطت » إلى غير ذلك من كلماتهم القريبة مما ذكرنا فلعل إطلاق القواعد « ولو استطاع بالنصاب ووجب الحج ثم مضى الحول على النصاب فالأقرب عدم منع الحج من الزكاة » منزل عليها.

والخمس كالزكاة لا يمنعه الحج إذا كان مستقراً قبل عام الاستطاعة ، نعم‌

٤٧

لو ربح في عامها واستطاع سقط الخمس في ذلك العام ، ضرورة اعتبار خروج المئونة في وجوبه ، والحج في تلك السنة منها ، وإذا اجتمع الزكاة والدين في التركة قدمت الزكاة إذا كانت في العين ، وكذا الخمس دون غيرهما من الحقوق كالكفارة ونحوها مما لا تعلق لها بالعين ، فإنها كباقي الديون التي توزع التركة عليها مع القصور ، وكذا الخمس والزكاة مع ذهاب العين وانتقالهما للذمة ، خلافا لبعض العامة فقدمهما على الديون على كل حال ، للنبوي (١) « فدين الله أحق بالقضاء » عكس ما عن آخر منهم أيضا فقدم حق الآدمي مطلقا ، وعن الشهيد أنه قواه ، وعن ثالث التقسيط ، وعن الفاضل أنه لا بأس به ، والأصح ما ذكرناه ، هذا ، وعن جامع المقاصد « أنه إذا اجتمع الزكاة والحج فالزكاة مقدمة مع بقاء العين سواء كان وجوبهما معا أو وجوب أحدهما كان سابقاً ، ومع ذهابها فهما متساويان » قلت : هو كذلك في الأول ، أما الأخير ففيه بحث تسمعه إن شاء الله في كتاب الحج.

وكيف كان فقد ذكر المصنف وجماعة من الأصحاب أن التمكن من التصرف في النصاب معتبر في وجوب الزكاة في الأجناس كلها بل في المدارك نسبته إلى القطع به في كلام الأصحاب ، بل في الحدائق نفي الخلاف فيه ، بل في الغنية الإجماع على اعتبار الملك والتصرف فيه ، وفي الخلاف الإجماع على أنها لا تجب في المغصوب والمجحود والمسروق والغريق والمدفون في موضع نسيه ، ثم نفى الخلاف عن ذلك ، والظاهر إرادته الأعم من ذلك ، فيدخل الضال ونحوه كالفاضل في التذكرة ، فإنه بعد أن ذكر اعتبار عدم المنع من التصرف قال : « فلا تجب في المغصوب ولا الضال والمجحود بغير بينة ولا المسروق ولا المدفون مع جهل موضعه عند علمائنا أجمع » وفي‌

__________________

(١) كنز العمال ـ ج ٣ ص ٥٦ ـ الرقم ١٠٣٧ وص ٥٧ الرقم ١٠٤٥.

٤٨

محكي المنتهى « التمكن من التصرف شرط ، فلا تجب الزكاة في المال المغصوب والمسروق والمجحود والضال والموروث عن غائب حتى يصل إلى الوارث أو وكيله والساقط في البحر حتى يعود إلى مالكه ويستقبل به الحول ، وعليه فتوى علمائنا » وفي محكي كشف الالتباس لا تجب في المغصوب ولا الضال ولا المجحود بغير بينة إجماعا ، وفي‌ خبر سدير الصيرفي (١) « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ما تقول في رجل كان له مال فانطلق به فدفنه في موضع فلما حال عليه الحول ذهب ليخرجه من موضعه فاحتفر الموضع الذي ظن أن المال فيه مدفون فلم يصبه ، فمكث بعد ذلك ثلاث سنين ، ثم إنه احتفر الموضع من جوانبه كله فوقع على المال بعينه كيف يزكيه؟ قال : يزكيه لسنة واحدة ، لأنه كان غائبا عنه وإن كان احتبسه » وموثق إسحاق بن عمار (٢) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل يكون له الولد فيغيب بعض ولده فلا يدري أين هو ومات الرجل كيف يصنع بميراث الغائب من أبيه؟ قال : يعزل حتى يجي‌ء ، قلت : فعلى ماله زكاة قال : لا حتى يجي‌ء ، قلت : فإذا هو جاء يزكيه فقال : لا حتى يحول عليه الحول في يده » وموثقه الآخر (٣) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « سألته عن رجل ورث مالا والرجل غائب هل عليه زكاة؟ قال : لا حتى يقدم ، قلت : أيزكيه حين يقدم؟ قال : لا حتى يحول عليه الحول وهو عنده » وموثق زرارة (٤) عن الصادق عليه‌السلام أنه قال « في رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه قال : فلا زكاة عليه حتى يخرج ، فإذا خرج زكاة لعام واحد ، وإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه زكاة لكل ما مر به من السنين » وصحيح عبد الله بن سنان (٥) عنه عليه‌السلام أيضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٧ في الوسائل عن عبد الله بن بكير عمن رواه عن زرارة ولكن ليس في التهذيب والاستبصار « عن زرارة ».

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٦.

٤٩

« لا صدقة على الدين ولا على المال الغائب عنك حتى يقع في يديك » وصحيح إبراهيم (١) « قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : الرجل يكون له الوديعة والدين فلا يصل إليهما ثم يأخذهما متى يجب عليه الزكاة؟ قال : إذا أخذهما ثم يحول عليه الحول يزكي » إلى غير ذلك من النصوص التي منها خبر عبد الله بن سنان (٢) المتقدم سابقا في زكاة مال المملوك المشتمل على تعليل نفيها عن السيد بعدم الوصول إلى يده ، ومنها ما تسمعه إن شاء الله ، خصوصا صحيح زرارة (٣) الوارد في القرض المستفاد منه أن الزكاة على من كان المال في يده ، وبالجملة لا يكاد ينكر استفادة اعتبار الشرط المزبور من النصوص خصوصا مع ملاحظة ما في بعضها من التعليل صريحا وآخر ظاهرا ، وخصوصا مع ملاحظة ما سمعته من معاقد الإجماعات التي هي صالحة للدلالة في نفسها فضلا عن أن تكون متممة ، فلا بأس حينئذ بدعوى التنقيح من جهتها منضمة إلى دعوى عدم القول بالفصل بين أفراد التمكن من التصرف ، فيتم حينئذ الاستدلال بنصوص المفقود (٤) ونحوه وإن لم يكن فيها ما يقتضي العموم.

كما أن من ذلك يظهر لك ما في توقف سيد المدارك فإنه بعد أن ذكر الشرط المزبور والقطع به في كلام الأصحاب والاستدلال عليه بصحيح ابن سنان وصحيح إبراهيم وموثق زرارة قال : « وهذه الروايات إنما تدل على سقوط الزكاة في المال الغائب الذي لا يقدر صاحبه على أخذه لا على اعتبار التمكن من التصرف ، فلا يتم الاستدلال بها على سقوط الزكاة في المبيع المشتمل على خيار البائع ونحو ذلك ، نعم يمكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

٥٠

الاستدلال عليه بأنه لو وجبت الزكاة في النصاب مع عدم التمكن من التصرف فيه عقلا أو شرعا للزم وجوب الإخراج من غيره ، وهو معلوم البطلان ، فإن الزكاة إنما تجب في العين ، إلا أن ذلك إنما يقتضي اعتبار التمكن من التصرف وقت الوجوب لا توقف جريانه في الحول عليه ، والمسألة محل إشكال وللنظر فيها مجال » وأنت إذا أحطت خبرا بما قلناه عرفت خلو المسألة عن الاشكال ، وأنه ليس للنظر فيها مجال ، على أنه قد يناقش فيما ذكره من التعليل بعدم التلازم بين وجوب الزكاة في المال بمعنى ثبوته وبين وجوب الإخراج من غيره مع تعذره ، بل أقصاه تحقق شركة الفقراء له فيه كالمال المتجدد تعذره عليه بعد الحول قبل التمكن من الأداء الذي صرح المصنف وغيره بعدم اعتباره في الوجوب وإن كان معتبرا في الضمان.

فقال وإمكان أداء الواجب معتبر في الضمان لا في الوجوب بل عن المنتهى الإجماع عليه في الأول كما في المدارك ، وعن التذكرة الإجماع عليه في الثاني ، وهما الحجة بعد أصل البراءة وإطلاق الأدلة من غير فرق بين المطالبة بها وعدمها ، خلافا لأبي حنيفة فاعتبر المطالبة بها مع ذلك في الضمان ، وربما ظهر من كشف الحق الإجماع على خلافه وحينئذ فلو لم يتمكن حتى تلفت بتلف جميع النصاب أو كانت معزولة أو تلف بعض النصاب لم يضمن ، لأن الزكاة في العين لا في الذمة ، فهي حينئذ في يده كالأمانة لا تضمن إلا بالتعدي أو التفريط ، نعم لو أتلف النصاب بعد الحول قبل إمكان الأداء وجبت الزكاة عليه سواء قصد بذلك الفرار أم لا ، كما أنها لا تسقط بموته كذلك سواء تمكن من الأداء أم لا ، والتمكن من الدفع إلى الامام أو النائب تمكن من الأداء ، فهو ضامن وإن لم يطالباه ، ولو دفعها إلى الساعي فتلفت فلا ضمان كما سيأتي.

وكيف كان فقد بان لك مما قدمناه من النصوص وغيرها أنه لا تجب الزكاة في المال المغصوب الذي هو من معقد الإجماعات السابقة ، بل إطلاقهم فيه وفي‌

٥١

غيره يقتضي عدم الفرق بين كونه مما يعتبر فيه الحول كالأنعام ، أو لا يعتبر فيه ذلك كالغلات كما صرح به في المسالك وغيرها ، لكن في المدارك « هو مشكل جدا ، لعدم وضوح مأخذه ، إذ غاية ما يستفاد من الروايات المتقدمة أن المغصوب إذا كان مما يعتبر فيه الحول وعاد إلى مالكه يكون كالمملوك ابتداء ، فيجري في الحول من حين عوده ، ولا دلالة لها على حكم ما لا يعتبر فيه الحول بوجه ، ولو قيل بوجوب الزكاة في الغلات متى تمكن المالك من التصرف في النصاب لم يكن بعيدا » قلت : قد يدفعه ما سمعت من إطلاق معاقد الإجماعات وغيرها الذي لا ينافيه الاقتصار على ذي الحول في بعض النصوص ، كما هو واضح ، بل قد يناقش ما فيها أيضا والبيان والروضة ـ من أنه إنما تسقط الزكاة في المغصوب ونحوه إذا لم يمكن تخليصه ولو ببعضه ، فيجب فيما زاد على الفداء ، بل زاد في الثالث الاستعانة ولو بظالم ، وإن تردد فيه في البيان فقال : وفي إجراء إمكان المصانعة مجرى التمكن نظر ، وكذا الاستعانة بظالم ، أما الاستعانة بعادل فتمكن ـ بأنه مناف لإطلاق الأدلة ، ضرورة صدق كونه مغصوبا على كل حال ، اللهم إلا أن يقيد ذلك بقوله عليه‌السلام في الموثق (١) : « وإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر به من السنين » وهو مع أنه في المال الغائب قال الأستاذ الأكبر في شرحه للمفاتيح : الظاهر منه القدرة على الأخذ والمال بحاله ، لا أن يرفع اليد عن بعضه ويضيعه على نفسه إلا أن يكون أولى من تضييع الكل عليه عقلا وشرعا حالا وعاقبة.

ومن ذلك يظهر لك الكلام في المجحود ، فإنه كما عرفت قد صرح غير واحد بسقوط الزكاة فيه لكن قيدوه بما إذا لم يكن عنده بينة ، ومقتضاه الوجوب معها ، وعن المحقق الثاني أنه مشكل إن كان المراد وجوب انتزاعه وأداء الزكاة ، وإن كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٧.

٥٢

المراد الوجوب بعد العود بجميع نمائه فهو متجه إذا كانت البينة بحيث يثبت بها وهناك من ينتزعه ، ومرجعه إلى ما ذكرنا ، وأشكل من ذلك دعوى حصول التمكن بالقدرة على الحلف الذي قد ورد (١) المدح على تركه والنهي عن فعله ، كالخصومة التي يحضرها الشيطان ، وبالجملة دعوى تحقق الشرط بذلك في غاية الاشكال ، وأقصاه التمكن من التمكن كاستطاعة الاستطاعة ، ومن ذلك يعرف ما في كشف الأستاذ من أن الظاهر اعتبار التمكن مما في يد الغاصب مجانا أو بالعوض اليسير في وجه قوي ، ولو أمكنه الغاصب من التصرف مع بقاء يد الغصب فلا زكاة وإن كان في يده ، ولو أمكن أخذه سرقة ونحوها من غير عسر ففي كشف الأستاذ دخل في التمكن على إشكال ، قلت : تعرفه مما تقدم ، إنما الكلام فيما ذكره هو أيضا متصلا بذلك ، قال : ولا يخرج عن التمكن بعروض شي‌ء من قبله كإغماء أو جنون أو نذر أو عهد أو نحوها من الموانع الشرعية الاختيارية المانعة عن التصرف في وجه قوي ، أما ما يتعلق بالمخلوق كأن يشترط عليه في عقد لازم ألا يتصرف حيث يصح فالظاهر الحكم بانقطاع الحول به واستئنافه بعد ارتفاع المانع ، إذ قد عرفت أنه لا إشكال في خروجه عن التمكن بذلك وإن كان من قبله.

وكيف كان فـ ( لا ) تجب أيضا في المال الغائب إذا لم يتمكن من التصرف فيه بنفسه ولم يكن في يد وكيله أو وليه بلا خلاف أجده ، للنصوص (٢) المستفيضة التي قد مر جملة منها ، أما ما تمكن من التصرف فيه بنفسه أو بوكيله فالزكاة واجبة فيه ، للإطلاق السالم عن المعارض بعد دلالة النصوص من وجوه متعددة على اعتبار العجز من التصرف في سقوط الزكاة عن الغائب ، إذ ليس مجرد الغيبة موجبا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من كتاب الأيمان.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

٥٣

للسقوط ، كما أنه ليس عدمها موجبا للزكاة ، ضرورة سقوطها عمن في يده المال مع عدم التمكن من التصرف عقلا أو شرعا ، ووجوبها على المتمكن من التصرف فيه وإن كان غائبا عنه ، ونصوص النفقة (١) مع احتمال خروجها بالخصوص عن ذلك كما تعرفه إن شاء الله عند تعرض المصنف لذلك معارضة لما هنا من وجه ، فالترجيح للمقام من وجوه ، وعبارة المصنف وغيرها كناية عما ذكرناه من التمكن من التصرف ، فلا خلاف حينئذ في المسألة كما عن ظاهر الخلاف نفيه عنها ، وإن توهمه بعض متأخري المتأخرين بل ربما مال إليه في الكفاية ، قال : إن استفادة رجحان عدم وجوب الزكاة في مال الغائب مطلقا من الروايات غير بعيد ، فلو قيل به لم يكن بعيدا ، فتأمل جيدا كي يظهر لك ذلك ، كما أنه به ظهر لك أن المدار في التمكن من التصرف على العرف وإن لم يكن هذا اللفظ بخصوصه موجودا ، لكن قد عرفت أن الموجود فيها ما يرادفه ، وحينئذ فلا عبرة بالعجز عن بعض التصرفات مع صدقه ، كما لا عبرة بالتمكن من البعض مع صدق سلبه ، ومع فرض عدم تنقيح العرف لبعض الأفراد قد يقوى سقوط الزكاة للأصل بعد قاعدة الشك في الشرط شك في المشروط ، وربما احتمل الوجوب للإطلاق ، ورجوع الشك في الفرض إلى الشك في الاشتراط لا في تحقق الشرط ، والأول أظهر ، والله أعلم.

وكذا لا تجب الزكاة في الرهن على الأشبه الأشهر ، بل المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا إذا كان غير متمكن من فكه لتأجيل الدين أو للعجز إذ لم أجد فيه خلافا سوى ما عن المبسوط حيث قال : لو رهن النصاب قبل الحول وجبت الزكاة ، فإن كان موسرا كلف إخراج الزكاة ، وإن كان معسرا تعلق بالمال حق الفقراء يؤخذ منه ، لأن حق المرتهن في الذمة ، مع أن المحكي عن موضع آخر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة.

٥٤

منه خلافه ، قال : « لو استقرض ألفا ورهن ألفا لزمه زكاة الألف لقرض دون الرهن لعدم تمكنه من التصرف في الرهن » كالمحكي عنه في الخلاف « لو كان له ألف واستقرض ألفا غيرها ورهن هذه عند المقترض فإنه يلزمه زكاة الألف التي في يده إذا حال الحول دون الألف التي هي رهن » نعم قال بعد ذلك : « ولو قلنا إنه يلزم المستقرض زكاة الألفين كان قويا ، لأن الألف القرض لا خلاف بين الطائفة أنه يلزمه زكاتها ، والألف المرهونة هو قادر على التصرف فيها بأن يفك رهنها ، والمال الغائب إذا كان متمكنا منه يلزمه زكاته بلا خلاف » وهو غير محل البحث ، ضرورة صراحته في المتمكن من فكه الذي يظهر من الدروس والبيان والمسالك والروضة ومحكي نهاية الأحكام وحواشي القواعد والموجز وكشفه والميسية وجوب الزكاة فيه ، لصدق التمكن من التصرف فيه ، بل هو صريح بعضها ، بل في المسالك والروضة أن التمكن يحصل بإمكان بيعه ، نعم في النهاية أنه لا يخرجها من النصاب ، لتعلق حق المرتهن به تعلقا مانعا من تصرف الراهن.

قلت : مع فرض تعلق الزكاة بعينه يخرج عن ملك المالك ويكون ملكا لغيره فالمتجه حينئذ ما سمعته من المبسوط من أخذ الفقراء حقهم منه ، اللهم إلا أن يقال : إن حاله كحال المال المرهون الذي مات راهنه وانتقل إلى ورثته ، فإنه لا يبطل حق الرهانة بذلك.

وعلى كل حال فلا يخفى عليك مما قدمناه أن الأقوى عدم الزكاة مطلقا ، وفاقا لظاهر بعض وصريح آخر ، لعدم صدق التمكن معه وإن قدر على الفك الذي يحصل بعده صفة التمكن ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، وأولى منه بالسقوط الرهن المستعار وإن تمكن المستعير من الفك ، فلا تجب حينئذ الزكاة على المالك كما عن جماعة ـ منهم الشهيدان ـ التصريح به.

٥٥

وكذا لا تجب الزكاة في الوقف بلا خلاف كما عن الكفاية والحدائق ولا إشكال سواء كان الوقف عاما أو خاصا ، بل ولا في نماء الأول منهما ، لعدم ملكه لمعين إلا بالقبض حتى لو اتفق انحصار فرده في الخارج ، وفي محكي التذكرة والحواشي « لو كان على غير منحصرين لم يجب عليهم ولو حصل لواحد أكثر من نصاب لأنه غير معين وإنما يملكه بالقبض » كما عن الحدائق « لو كان الوقف على جهة عامة فلا زكاة فيه كما لا زكاة في بيت المال بلا خلاف ولا إشكال ، نعم يتجه وجوبها في نماء الثاني منهما إذا بلغ حصة كل منهم النصاب على ما صرح به جماعة » بل عن وقف التذكرة « إذا كان الوقف شجراً فأثمر أو أرضا فزرعت وكان الوقف على أقوام بأعيانهم فحصل من الثمرة والحب نصاب وجبت فيه الزكاة عند علمائنا » واليه يرجع ما عن المبسوط من أنه لو ولدت الغنم الموقوفة وبلغ الأولاد نصابا وحال عليه الحول وجبت الزكاة إلا أن يكون الواقف شرط أن يكون الغنم وما يتولد منها وقفا ، وإنما للموقوف المنافع من اللبن والصوف ، وهو جيد إن ثبت صحة اشتراط ذلك ، لكن في المدارك فيه نظر ، ولعله من جهة المعدومية ، وفيه أنها غير قادحة في التبعي ، ولذا حكي عن التذكرة والتحرير التصريح بصحة الشرط المزبور ، ولعله الظاهر من غيرهما أيضا ، والله أعلم.

وكذا لا تجب في الحيوان الضال ولا في غيره من المال المفقود لما عرفته سابقا ، وكان المصنف ذكره بالخصوص مقدمة لما بعده ، هذا ، وفي المسالك « ويعتبر في مدة الضلال والفقد إطلاق الاسم ، فلو حصل لحظة أو يوما في الحول لم ينقطع » وفي المدارك هو جيد ، بل ينبغي إناطة السقوط بحصول الغيبة التي لا يتحقق معها التمكن من التصرف ، وتمام البحث في هذه المقامات وغيرها يعرف مما قدمناه ، فلا حاجة إلى الاطناب فيها ولا في غيرها مما ذكره الأصحاب ، والله أعلم.

٥٦

وكيف كان فان مضى عليه سنون وعاد زكاه لسنة واحدة استحبابا بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في المدارك ، بل في التذكرة أنه مستحب عندنا ، بل في محكي المنتهى إذا عاد المغصوب أو الضال إلى ربه استحب له أن يزكيه لسنة واحدة ، ذهب إليه علماؤنا ، لموثق زرارة (١) و ] خبر سدير (٢) السابقين المحمول ما فيهما عليه ، للأصل وما سمعته مما يدل على اشتراط التمكن من الإجماع السابق وغيره ، وإطلاق صحيح إبراهيم (٣) وغيره ، فما عن بعض متأخري المتأخرين من الوجوب كما عن بعض العامة بل ربما استظهر ذلك من نهاية الأحكام واضح الضعف ، نعم ربما ظهر من المنتهى عدم اعتبار مضي السنين في الاستحباب كالمبسوط ، ونفي البأس عنه في المدارك ويكفي حينئذ مضي السنتين كما هو صريح البيان ومحكي جامع المقاصد والمفاتيح ، بل قيل : إنهم حملوا عبارات الأصحاب على ذلك ، ولعلهم بنوه على تناول الجمع لهذا الفرد ، كما أنه قد يدل عليه إطلاق موثق زرارة ، بل قد يقال بدلالته على كفاية الغيبة عاما فصاعدا نعم تلفيق العام من الضلال والوجدان لا دليل على الاستحباب فيه ، والتسامح لا يصلح لأن يكون مقتضيا لذلك ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( لا ) تجب في القرض حتى يرجع إلى صاحبه بل على المستقرض بلا خلاف كما عن الخلاف والسرائر وغيرهما ، بل في التنقيح هو مذهب الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه ، ولعله كذلك بشهادة التتبع لكلمات الأصحاب ، فإني لا أجد فيها خلافا في ذلك كالنصوص (٤) نعم في‌ صحيح منصور بن حازم (٥)

__________________

(١) المتقدم في ص ٤٩ التعليقة (٤).

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٢.

٥٧

منها عن الصادق عليه‌السلام « في رجل استقرض مالا فحال الحول عنده فقال : إن كان الذي أقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدي أدى المستقرض » وحمل على صورة شرط المستقرض الزكاة على المقرض ، وفيه مع عدم قابليته لذلك أن القول بصحة هذا الشرط خلاف المشهور بين الأصحاب ، وإن اختلفوا في كونها حينئذ على المستقرض كما عن التذكرة والمنتهى والتحرير والتلخيص والإيضاح وظاهر البيان ، ولعله لفساد الشرط خاصة ، أو على المقرض إن تمكن من التصرف ، وإلا سقط عنهما كما عن الدروس وحواشي القواعد والموجز وشرحه ، لبطلان القرض أيضا ببطلان الشرط ، وأطلق جماعة عدم صحة الشرط ، وهو محتمل لهما ، ولعل الأول هو الأظهر.

وعلى كل حال فالمشهور عدم صيرورة الزكاة على المقرض بذلك مع صحة القرض خلافا للمحكي عن المبسوط وقرض النهاية من وجوبها حينئذ على المقرض دون المستقرض لكن مع ما عن موضع آخر من الأول نسبة ذلك إلى الرواية ، كما أن الثاني منهما أطلق كون الزكاة على المستقرض دون المقرض في باب الزكاة ، بل ربما حكي عن الشيخ في أكثر كتبه موافقة المشهور ، بل في المختلف أنه كذلك في باب الزكاة من النهاية ، والخلاف فيه أن الزكاة من العبادات الواجبة على صاحب المال ، فلا يجوز اشتراطها على الغير كسائر العبادات ، وجواز التبرع بها كما هو مقتضى إطلاق صحيح منصور بن حازم وغيره وأفتى به جماعة من غير اعتبار إذن المالك إنما يقتضي صحة اشتراط الإلزام بها والتأدية عنه على أن يكون المقترض مشغول الذمة بها ، ولكن يستحق التأدية بالاشتراط ، فان وفي له وإلا فهو مشغول الذمة ، وهذا غير ما يظهر من الشيخ من براءة ذمة المقترض بالاشتراط ، اللهم إلا أن يكون الشيخ أراد بما ذكره ذلك ، فيكون حينئذ هو الصحيح ، والله أعلم ، وربما يأتي لذلك مزيد تحقيق إن شاء الله عند تعرض المصنف له.

وكذا لا تجب الزكاة على الدين الذي لم يكن تأخيره من قبل‌

٥٨

صاحبه بل لأنه مؤجل ، أو لكونه على معسر أو نحو ذلك بلا خلاف أجده ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى الأصل وعدم إمكان التصرف وغيره ، نعم قد يستفاد من خبر عبد الحميد بن سعد (١) الاستحباب في المؤجل على الملي الثقة بعد القبض لكل ما مر به من السنين ، فضلا عن سنة الخروج التي يدل على الاستحباب فيها غيره من النصوص (٢) فلاحظ وتأمل.

ف أما إن كان تأخيره من جهة صاحبه فـ ( قيل ) والقائل الشيخان في المقنعة والخلاف والمبسوط والجمل والعقود والمرتضى على ما حكي تجب الزكاة على مالكه ، وقيل والقائل المشهور شهرة عظيمة ، بل عليه إجماع المتأخرين لا تجب الزكاة والأول وإن كان أحوط إلا أن الثاني أقوى للأصل وظهور النصوص (٣) في كون مورد الزكاة غير الكلي في الذمة ، وخصوصا أدلة الحول عند المالك ، وقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن سنان (٤) « لا صدقة على الدين » وقال له عليه‌السلام الحلبي في الصحيح (٥) أيضا : « ليس في الدين زكاة فقال : لا » وموثق ابن عمار (٦) « قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : الدين عليه زكاة قال : لا حتى يقبضه ، قلت : فإذا قبضه أيزكيه؟ قال : لا حتى يحول عليه الحول في يده » وخبر أبي بصير (٧) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يكون نصف ماله عينا ونصفه دينا فيحل عليه زكاة قال : يزكي العين ويدع الدين ، قلت : فإنه اقتضاه بعد ستة أشهر قال : يزكيه حين اقتضاه » وخبر علي بن جعفر (٨) المروي عن كتابه وقرب الاسناد للحميري « سأل أخاه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث ٣.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث ٩.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث ١٥.

٥٩

عليه‌السلام عن الدين يكون على القوم المياسير إذا شاء قبضه صاحبه هل عليه زكاة؟ قال : لا حتى يقبضه ويحول عليه الحول ».

ولا يعارض ذلك بإجماع الخلاف الموهون بمصير من عرفت إلى خلافه ، وخبر عبد العزيز (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون له الدين أيزكيه؟ قال : كل دين يدعه ، وهو إذا أراد أخذه فعليه زكاته ، وإن كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة » وخبر عمر بن يزيد (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ليس في الدين زكاة إلا أن يكون صاحب الدين هو الذي يؤخره ، فإذا كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاة حتى يقبضه » وخبر الكناني (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « في رجل ينسئ أو يعير فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته؟ قال : يزكيه ولا يزكي ما عليه من الدين ، فإنما الزكاة على صاحب المال » وشموله لغير المطلوب غير قادح بعد التفصيل في النصوص المزبورة ، لوجوب حمل المطلق على المقيد ، ونحوه جار في نصوص الخصم أيضا ، لأنه لا يخفى عليك اعتبار المقاومة في حمل المطلق على المقيد ، ولا ريب في انتفائها هنا ، لما سمعت ، مضافا إلى موافقة ما دل على ثبوتها في الدين لجم غفير من العامة ، وإلى ما سمعته من خبر الحميري الذي لم يقبل التقييد ، فالمتجه حينئذ طرحها أو حملها على الاستحباب أو التقية أو على زكاة التجارة ، وربما كان في موثق سماعة (٤) وغيره إيماء إليه ، خصوصا ما في ذيل الأول ، فإنه كاد يكون صريحا في ذلك ، فلاحظ وتأمل.

ولو كان الدين حيوانا فأولى بعدم وجوب الزكاة ، لعدم صدق السوم ، ولعله لذا صرح بنفيها في محكي المبسوط الذي قد سمعت القول منه بالوجوب فيه ، لكن قد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٦.

٦٠