جواهر الكلام - ج ١٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

« التمر في الفطرة أفضل من غيره ، لأنه أسرع منفعة ، وذلك انه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه » وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر زيد الشحام (١) « لئن أعطي صاعا من تمر أحب الي من أن أعطي صاعا من ذهب في الفطرة » وسأله أيضا عبد الله ابن سنان (٢) عن صدقة الفطرة فقال : « عن كل رأس من أهلك الصغير والكبير الحر والمملوك عن كل إنسان صاع من حنطة أو صاع من شعير أو تمر أو زبيب ، وقال التمر أحب إلى » لكن قد يقال إن مقتضى التعليل مساواة الزبيب للتمر ، ولعله لذا حكي عن ابن البراج ذلك ، وفيه أن اختصاص التمر بما سمعت من النصوص كاف في زيادة فضيلته.

ومن هنا قال المصنف ثم الزبيب وإن ساواه في التعليل المزبور ، وفي كونه قوتا وإداما ويليه أي الزبيب أن يخرج كل انسان ما يغلب على قوته لمكاتبة الهمداني (٣) العسكري عليه‌السلام المتقدمة سابقا المحمولة على الندب قطعا وإجماعا محكيا ومحصلا ، بل لها قال في الخلاف المستحب ذلك ، وظاهره عدم خصوصية للتمر ، ووافقه عليه بعض من تأخر عنه ، بل هو محتمل المعتبر ومحكي المبسوط والاقتصاد ، لكن فيه أن أقصاها استحباب الغالب على قوت البلد ، وهو لا ينافي أفضلية التمر لخصوصية فيه ، نعم هي ظاهرة في مراعاة قوت البلد لا قوت الإنسان نفسه الذي لا طريق الى تعيينه ، كما هو المحكي عن الشافعي في أحد قوليه ، بل ربما استظهر ذلك من المصنف هنا والتذكرة والإرشاد واللمعة ، ويمكن إرادة قوت البلد منها كما وقع لابن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٦.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١٢ وذيله في الباب ١٠ منها ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٢.

٥٢١

إدريس ، وإن فهم منه في المختلف خلاف ذلك ، فلا خلاف حينئذ بينها وبين ما في النافع والبيان من اعتبار البلد فضلا عما في القواعد والتبصرة والدروس من التعبير بغالب القوت ، ضرورة كونه أولى بالرجوع الى قوت البلد ، بل في الخلاف الاستدلال على الشافعي بإجماع الفرقة على الرواية المروية (١) عن أبي الحسن العسكري عليه‌السلام في تصنيف أهل الأمصار وما يخرجه أهل كل مصر وبلد ، وبذلك تتفق عبارات الأصحاب ، بل والنصوص بناء على كون المراد من‌ قوله عليه‌السلام (٢) « مما يغذون عيالاتهم » وقوله عليه‌السلام (٣) « كل من اقتات قوتا فعليه أن يؤدي من ذلك القوت » ما هو الغالب من اتفاق معظم البلد في القوت الغالب ، هذا ، وقد ظهر لك أن مراتب الندب ثلاثة : التمر ثم الزبيب ثم غالب القوت ، وما عن سلار من أن العبرة في الندب بعلو القيمة لم نجد له شاهدا سوى ما يومي اليه خبر الأنفع (٤) لكن ذلك خارج عن النزاع ، ضرورة كون المراد الاستحباب الخصوصي المنصوص دون ما يحصل بالمرجحات الخارجية ، فإن ذلك لا ضابطة له ، والله أعلم.

هذا كله في الجنس وأما القدر فـ ( الفطرة من جميع الأقوات المذكورة ) عدا اللبن صاع بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص (٥) يمكن دعوى تواترها فيه ، فما في صحيح الحلبي (٦) وصحيح الفضلاء (٧) من الاجتزاء بنصف صاع من حنطة أو شعير ، وصحيح آخر للحلبي (٨) نصف صاع من بر ، كصحيح عبد الله بن سنان (٩) وما في صحيح حماد وبريد ومحمد (١٠) المتقدم سابقا مطرح أو محمول على التقية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الفطرة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ١١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ١٤.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ١٢.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١٢.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١٧.

٥٢٢

كما جزم به في التهذيبين ، قال : ووجهها أن السنة كانت جارية بصاع من كل شي‌ء ، فلما كان زمن عثمان وبعده في أيام معاوية جعل نصف صاع من حنطة بإزاء صاع من تمر ، وتابعهم الناس على ذلك ، فخرجت هذه الأخبار وفاقا لهم ، قلت : والى ذلك أشار‌ أمير المؤمنين عليه‌السلام في المرسل (١) عنه أنه سئل « عن الفطرة فقال : صاع من طعام ، فقيل أو نصف صاع فقال : بئس الاسم الفسوق بعد الايمان » وقال الرضا عليه‌السلام في خبر ياسر القمي (٢) « الفطرة صاع من حنطة وصاع من شعير وصاع من تمر وصاع من زبيب ، وإنما خفف الحنطة معاوية » وقال ابن وهب (٣) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في الفطرة جرت السنة بصاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير فلما كان زمن عثمان وكثرت الحنطة قومه الناس فقال : نصف صاع من البر بصاع من شعير » وفي صحيح الحذاء (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من ذرة ، قال : فلما كان زمن معاوية وخطب الناس عدل الناس عن ذلك الى نصف صاع من حنطة » فلا إشكال حينئذ من هذه الجهة ، لما عرفت من النص والفتوى الظاهرين أيضا في اعتبار الصاع من كل جنس ، فلا يجزي الملفق إلا على وجه القيمة ، لتوقف صدق الامتثال على ذلك ، خلافا للفاضل في المختلف فاستقرب إجزاءه ، لأن المطلوب شرعا إخراج الصاع وقد حصل ، وليس تعيين الأجناس معتبرا في نظر الشارع ، وإلا لما جاز التخيير فيه ولانه يجوز إخراج الأصوع المختلفة من الشخص الواحد عن جماعة فكذا الصاع الواحد ، ولأنه إذا أخرج أحد الصنفين فقد خرج عن عهدته وسقط عنه نصف الواجب فيبقى مخيرا في النصف الآخر ، لأنه كان مخيرا قبل إخراج الأول فيستصحب ، والجميع كما ترى ، والاجتزاء بالتلفيق في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٢١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ١٠.

٥٢٣

العبد بين الشريكين إنما هو لأن كلا منهما مكلف بنصف صاع مخير فيه كما عرفته سابقا ، لا أنهما مكلفان بصاع يخيران فيه ، وإلا اتجه ذلك أيضا كما اختاره في الدروس ، وقد أشرنا الى ذلك سابقا ، فلاحظ وتأمل.

وعلى كل حال فـ ( الصاع أربعة أمداد ، وهي تسعة أرطال بالعراقي ) وستة بالمدني كما بينا ذلك مفصلا.

هذا كله في غير اللبن وأما من اللبن ففي‌ مرفوع القاسم (١) أنه « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل في البادية لا يمكنه الفطرة قال : يتصدق بأربعة أرطال ـ من لبن » أربعة أرطال من لبن » وفسره قوم وهم الشيخ في المبسوط والمصباح ومختصره والاقتصاد وابنا حمزة وإدريس كما قيل بالمدني فتكون ستة أرطال بالعراقي ، وتبعهم الفاضل في محكي التذكرة والتبصرة ، لمكاتبة ابن الريان (٢) الى الرجل يسأله عن الفطرة وزكاتها كم تؤدى؟ فقال : أربعة أرطال بالمدني » وهي ـ مع عدم اختصاصها باللبن ، فيكون معارضا للمقطوع به نصا وفتوى ، واحتمال تضعيف الراوي الأمداد بالأرطال ـ غير صالحة للحجية من جهة السند الذي لا جابر له هنا ، وتأييده بأن اللبن خال عن الغش بخلاف التمر والزبيب اللذين لا يخلوان عن النوى وأنه مستغن عن المئونة بخلاف الحبوب فكان ثلثا الصاع يقاوم الصاع تقريبا غير مجد ، ومن هنا كان ظاهر المصنف كون الرطل عراقيا ، لأنه المنساق ، بل قيل إنه ظاهر الجمل والنهاية وكتابي الأخبار لذلك أيضا ، بل حكي أيضا عن ظاهر الإرشاد والتلخيص وصريح القواعد والنافع ، لكن قد عرفت كون الخبر الذي هو الأصل في الحكم مرفوعا ، مع عدم صراحته لاحتماله الندب باعتبار كون السؤال فيه عمن لا يمكنه الفطرة ، وإن كان يمكن إرادته عدم التمكن من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٣ ولكنه مرسل.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٥.

٥٢٤

الحبوب باعتبار كونه بالبادية لا باعتبار الفقر ، بل ربما ادعي أنه الظاهر ، فلا يصلح لتخصيص ما دل على اعتبار الصاع من جميع الأنواع خصوصا خبر علي بن بلال (١) وخبر جعفر بن معروف (٢) قال : « كتبت الى أبي بكر الرازي في زكاة الفطرة وسألناه أن يكتب في ذلك الى مولانا يعني علي بن محمد الهادي عليه‌السلام فكتب أن ذلك قد خرج لعلي بن مهزيار أنه يخرج من كل شي‌ء التمر والبر وغيره صاع ، وليس عندنا بعد جوابه عليا في ذلك اختلاف » مؤيدا ذلك بما دل على اعتباره بالخصوص في الأقط ، كقول الصادق عليه‌السلام في صحيح معاوية بن عمار (٣) « يعطي أصحاب الإبل والبقر والغنم في الفطرة من الأقط صاعا » بناء على أولوية اللبن منه ، لأنه يخرج من جوهره ، ويتوقف يقين البراءة عليه ، وبغير ذلك.

ودعوى أن نصوص الصاع لا تعارض ذلك باعتبار كون مقداره في خصوص اللبن ستة أرطال بالعراق ـ قال الشيخ في المحكي من مصباحه : « ويجب عليه عن كل رأس صاع من تمر أو الزبيب أو حنطة أو شعير أو أرز أو أقط أو لبن ، والصاع تسعة أرطال بالعراقي من جميع ذلك إلا اللبن ، فإنه أربعة أرطال بالمدني أو ستة بالعراقي » قيل : ونحوه عبارة مختصره والجمل ، وكأنه فهم منه ذلك الشهيد في اللمعة والبيان ، وحينئذ تجتمع النصوص جميعا على ذلك ـ واضحة الفساد ، بل فيها من الغرابة ما لا يخفى ضرورة منافاتها حينئذ للمقطوع به نصا وفتوى من عدم تفاوت مقدار الصاع في اللبن وغيره ، نعم ربما ادعي ذلك في الماء وغيره ، وقد بينا فساده أيضا في محله ، فلاحظ وتأمل ، وقد ظهر من ذلك كله أن الأحوط إن لم يكن الأقوى مساواة اللبن لغيره في المقدار الذي أفتي به غير واحد صريحا وظاهرا ، كما أنه ظهر لك القطع بفساد ما عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٢.

٥٢٥

الشيخ من إلحاق الأقط به ، إذ هو مع منافاته لصريح ما دل عليه من الصحيح المزبور لا شاهد له سوى دعوى أولويته من اللبن الواضح منعها ، والله أعلم.

وكيف كان فالمشهور بين الأصحاب أنه لا تقدير في الشرع لعوض الواجب بل الثابت فيه كما عرفته سابقا إطلاق الاجتزاء بالقيمة ، ومقتضاه كما في غير المقام أنه يرجع فيه إلى قيمة السوقية عند الإخراج ، بل في‌ مضمر سليمان بن جعفر المروزي (١) « والصدقة بصاع من تمر ، أو قيمته في تلك البلاد دراهم » لكن في المتن وغيره أنه ( قدره قوم بدرهم وآخرون بـ ) ثلثي درهم أربعة دوانيق فضة ولا ريب في أن كلا منهما ليس بمعتمد بل لم نعرف قائله ولا مستنده ، نعم روى في الاستبصار‌ خبر إسحاق بن عمار (٢) عن الصادق عليه‌السلام « لا بأس أن يعطيه قيمتها درهما » ثم قال : وهذه الرواية شاذة ، والأحوط أن يعطي قيمة الوقت قل أم كثر ، وهذه رخصة إذا عمل الإنسان بها لم يكن مأثوما ، ولعله ظاهر في جواز العمل بها ، اللهم إلا أن يريد الإشارة بذلك إلى أصل القيمة لا خصوص الدرهم الذي تضمنه الخبر المزبور الذي هو مع ضعفه قد سمعت أنه رماه بالشذوذ ، على أن من المحتمل كون المراد من الدرهم فيه الجنس ، أو كون القيمة في ذلك الوقت كذلك ، كما أشار إليه المفيد في المقنعة ، قال : وسئل (٣) الصادق عليه‌السلام « عن مقدار القيمة فقال : درهم في الغلاء والرخص ، وروي (٤) « أن أقل القيمة في الرخص ثلثا درهم » وذلك متعلق بقيمة الصاع في وقت المسألة عنه ، والأصل إخراج المسألة عنها بسعر الوقت الذي تجب فيه ، وفي محكي المبسوط « وقد روي أنه يجوز أن يخرج عن كل رأس درهما ، وروي أربعة دوانيق في الرخص والغلاء ، والأحوط إخراجه بسعر الوقت » والظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١٤.

٥٢٦

إرادته الاحتياط الواجب مراعاته باعتبار توقف يقين البراءة عليه. وكيف كان فلا ريب في أن الأقوى ما ذكرناه ، ولا يجوز الخروج عنه بنحو ذلك مما هو ليس حجة بنفسه فضلا عن أن يعارض الحجة وربما نزل على اختلاف الأسعار بل سمعته من المفيد صريحا ، وإلا فالطرح ، والله أعلم.

الركن الثالث في وقتها وتجب الفطرة ( بـ ) الإدراك جامعا للشرائط السابقة هلال شوال كما عن جماعة التصريح به منهم الشيخ في الجمل والاقتصاد وابنا حمزة وإدريس والمصنف والفاضل والشهيدان وغيرهم ، بل هو المشهور بين المتأخرين ، بل قد عرفت فيما تقدم دعوى كونه موضع وفاق بين العلماء في المدارك وشرح الأصبهاني وإن كان فيه أنه خلاف المحكي عن ابن الجنيد والمفيد والمرتضى والشيخ في النهاية والمبسوط والخلاف وأبي الصلاح وابن البراج وسلار وابن زهرة من أن وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم الفطر ، واحتمال أن مرادهم وقت الإخراج لا وقت الوجوب ـ كما هو صريح الفاضل الأصبهاني بل وسيد المدارك ، فيكون الوجوب بالهلال حينئذ متفقا عليه ، وإنما الخلاف في وقت الإخراج ، فهل مبتدأة وقت الوجوب كما هو المعروف في الواجبات أو أنه طلوع الفجر من يوم الفطر ـ خلاف الظاهر مما وصل إلينا من كلامهم بلا داع ولا شاهد ، نعم لعله كذلك بالنسبة إلى خصوص الشيخ في الكتب الثلاثة لما حكي عنه من التصريح فيها بأنه إذا وهب له عبد أو ولد له ولد أو أسلم أو ملك مالا قبل الهلال وجبت الزكاة ، وإن كان بعده استحبت إلى قبل الزوال ، وإن أمكن التكلف له بما لا ينافي كون وقت الوجوب طلوع الفجر ولو للدليل كما التزموه له في اختلاف وقت الإخراج والوجوب ، لكنه خلاف ظاهر المحكي عنه ، ومن هنا خصه في المختلف بذلك وحينئذ تكون المسألتان محل خلاف الأولى في كون الهلال وقت الوجوب أو طلوع الفجر ، والثانية في وقت الإخراج هل هو طلوع الفجر أو وقت الوجوب.

٥٢٧

وكيف كان فلا ريب في أن الأقوى الأول ، لخبر معاوية بن عمار (١) عن الصادق عليه‌السلام « في الولد يولد ليلة الفطر واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر عليهم فطرة قال : ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر » وصحيحه الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن مولود ولد ليلة الفطر عليه الفطرة قال : لا قد خرج الشهر ، وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة قال : لا » ولا ينافي ذلك‌ صحيح العيص بن القاسم (٣) « سألت الصادق عليه‌السلام عن الفطرة متى هي؟ فقال : قبل الصلاة يوم الفطر ، قلت : فإن بقي منه شي‌ء بعد الصلاة قال : لا بأس ، نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسمه » وخبر إبراهيم بن ميمون (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « الفطرة إن أعطيت قبل أن يخرج إلى العيد فهي فطرة ، وإن كان بعد ما يخرج إلى العيد فهي صدقة » إذ هما ـ مع ضعف سند الثاني منهما بل ودلالته ، ضرورة كون المراد منه بيان حكم إعطائها قبل الخروج إلى العيد وبعده ، فلا دلالة فيه على حكمه في الليل مثلا ، بل يمكن دعوى شمول ما قبل الخروج إلى العيد له ، وإن كان خلاف المنساق وعدم انطباق الأول منهما على ما يقوله الخصم من التوقيت بطلوع الفجر ، لكون المنساق من قبلية الصلاة فيه خلافه ـ محمولان على إرادة بيان وقت الفضيلة ، كما صرح به في‌ صحيح الفضلاء (٥) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام « قالا : على الرجل أن يعطي عن كل من يعول من حر أو عبد وصغير وكبير يعطي يوم الفطر قبل الصلاة فهو أفضل ، وهو في سعة أن يعطيها في أول يوم يدخل في شهر رمضان إلى آخره » الحديث. ولا يقدح فيه اشتماله على التوسعة المزبورة ، مع أنك ستعرف قوة القول بها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٤.

٥٢٨

وأما الثانية فالأقوى فيها اتحاد وقتي الإخراج والوجوب ، لأنه الأصل الذي لا معارض له هنا بعد ما عرفت من كون المراد من صحيح العيص وغيره بيان الفضل الذي لا ينافي وقت الاجزاء ، فما في المدارك وغيره ـ من الاستدلال له بوجوب الاقتصار على المتيقن وهو طلوع الفجر دون غيره مما هو محل للشك ـ في غير محله ضرورة عدم الشك حينئذ بعد الأصل المزبور الذي هو مع كونه موافقا للعقل مقتضى ظاهر ما يدل على الوجوب وبذلك وغيره يظهر لك ما في استدلاله له أيضا بالصحيح المزبور وخبر ابن ميمون وما في جوابه عن صحيح ابن عمار من أنه إنما يدل على وجوب الإخراج على من أدرك الشهر ، لا على أن أول وقت الإخراج الغروب وأحدهما غير الآخر ، إذ هو ـ بعد الإغضاء عما فيه من قصره النزاع عليه دون الوجوب ، كما لا يخفى على من لاحظ كلامه هنا وإجماعه السابق ـ واضح الضعف ، لما عرفت من ظهور جميع ما يدل على الوجوب مع عدم التقييد في زمان في صلاحية جميع الأوقات للامتثال ، إذ الأزمنة كالأمكنة في ذلك ، فلا ريب حينئذ في أن وقت الإخراج وقت الوجوب ، كما أنه لا ريب بناء على ما عرفت في أن هلال شوال من وقت الوجوب.

وأما أنه هو المبتدأ على وجه لا يجوز تقديمها قبله إلا على سبيل القرض من غير فرق بين شهر رمضان وغيره فهو خيرة المصنف هنا ، حيث قال على الأظهر والشيخين وأبي الصلاح وابن إدريس وغيرهم على ما قيل ، بل في المدارك وغيرها أنه المشهور بين الأصحاب ، لثبوت توقيتها بذلك ، والموقت لا يجوز تقدمه على وقته كصلاة الظهرين ، بل يكفي الشك في مشروعيتها قبله ، وقال ابنا بابويه والشيخ في المبسوط والخلاف والنهاية : يجوز إخراجها فطرة من أول شهر رمضان إلى آخره ، ونسبه المفيد وسلار وابن البراج إلى الرواية ، واختاره المصنف في المعتبر والفاضل في المختلف وثاني الشهيدين وغيرهم على ما قيل ، بل في الدروس والمسالك أنه المشهور ، بل في الخلاف‌

٥٢٩

الإجماع عليه ، لصحيح الفضلاء السابق (١) المؤيد بما في خبري معاوية بن عمار السابقين (٢) من تعليق الحكم على إدراك الشهر ، وتعليل عدم الوجوب عن المولود ليلة الهلال بأنه قد خرج الشهر المشعر خصوصا الأول بأن إدراك الشهر هو السبب في الوجوب وإن كان يتحقق ذلك بإدراك آخره ، فالفرد الأكمل حينئذ منه إدراكه تاما ، فهو على حسب‌ قوله عليه‌السلام (٣) : « من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله » وقوله عليه‌السلام (٤) : « من أدرك الإمام راكعا فقد أدرك الجماعة » وغيرهما ، فان في لفظ الإدراك رمزا إلى كونه هو الغاية التي لا بد لها من بداية ، وليست هنا نصا وفتوى إلا أول الشهر ، مضافا إلى ما في ذلك من المصلحة للفقراء بتعجيل الإعانة لهم ورفع الحاجة عنهم ، وإلى ما في خلافه من طرح صحيح الفضلاء الذي قد عرفت عمل جملة من الأصحاب به ، بل دعوى الإجماع عليه ، وهو مناف لما دل على حجية مثله كتابا وسنة وعقلا ، أو تأويله بالقرض ونحوه مما هو صريح في خلافه ، خصوصا مع ملاحظة عدم اختصاص ذلك بشهر رمضان ، والتزام احتساب خصوص هذا القرض دون غيره للصحيح المزبور ليس بأولى من التزام التوسعة المزبورة التي لا ينافيها قاعدة التوقيت بعد فرض كون الوقت ما ذكرناه من أول شهر رمضان كما أجاب به عن ذلك في المختلف ، إذ لا دليل على التوقيت بغيره بعد ما عرفت من كون المراد من صحيح العيص الفضل ، وخبرا معاوية بن عمار إنما يدلان على خروج وقت الوجوب بالهلال لا أنه أوله ، بل قد عرفت إشعارهما بخلاف ذلك ، فصحيح الفضلاء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة مع الاختلاف في اللفظ.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة مع الاختلاف في اللفظ.

٥٣٠

حينئذ بحاله ، نعم إن ثبت من إجماع أو غيره سقوط الفطرة بانتفاء أحد شرائط الوجوب في الأثناء كان الجمع بينهما بالوجوب غير المستقر نحو ما سمعته في الزكاة المالية عند القائل بوجوبها بهلال الثاني عشر ، ويستقر الوجوب بتمامه كما تقدم الكلام فيه سابقا والمناقشة في ذلك كله أو بعضه بأنه لا خلاف في كون الوقت الهلال ، وإنما الكلام في جواز التعجيل على حسب تقديم غسل الجمعة يوم الخميس ، والزكاة المالية من أول الحول على القول به ، يدفعها ملاحظة التصريح في كلام بعض القائلين بأن ذلك على جهة التوقيت لا التعجيل كما هو مقتضي ظاهر الصحيح المزبور ، فحينئذ لا مناص للفقيه عن الفتوى به وإن كان الأفضل والأحوط التأخير إلى الهلال بل إلى يوم الفطر قبل الصلاة.

ومن هنا قال المصنف ويجوز إخراجها بعده أي الهلال ولكن تأخيرها إلى قبل صلاة العيد أفضل بل في الدروس الإجماع على ذلك ، وفي المدارك لا ريب في أفضلية ذلك ، لأنه موضع نص ووفاق ، وقد سمعت ما يدل عليه من النصوص كصحيح العيص (١) وصحيح الفضلاء (٢) وما عن ابن بابويه ـ من أن أفضل وقتها آخر يوم من شهر رمضان ـ لم نعرف له شاهدا.

وإنما الكلام في انتهاء وقتها ، ففي المدارك « ذهب الأكثر إلى أن آخره صلاة العيد » حتى قال في المنتهى : « ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد اختيارا ، فإن أخرها أثم ، وبه قال علماؤنا أجمع » لكن قال بعد ذلك بأسطر قليلة : « والأقرب عندي جواز تأخيرها عن الصلاة ، ويحرم التأخير عن يوم العيد » ومقتضى ذلك امتداد وقتها إلى آخر النهار ، وقال ابن الجنيد : « أول وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم الفطر ، وآخره زوال الشمس منه » واستقر به العلامة في المختلف.

قلت : حاصل ذلك أن الأقوال فيه ثلاثة : الأول التحديد بفعل الصلاة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٤.

٥٣١

لا وقتها ، وهو الذي نسبه في محكي التذكرة إلى علمائنا ، وفي المنتهى إليهم أجمع ، وفي المدارك إلى الأكثر ، ولعله أخذه مما في المختلف. لأنه حكى فيه عن المرتضى في الجمل أنه قال : « وقت وجوب هذه الصدقة طلوع الفجر من يوم الفطر قبل صلاة العيد ، وروي أنه في سعة من أن يخرجها إلى زوال الشمس من يوم الفطر » قال : « وهذا الكلام يشعر بوجوب إيقاعها مضيقا قبل الصلاة ، وأنه لا يجوز تأخيرها إلى قبل الزوال » وقال الشيخ في النهاية : « الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد » ولم يقيد بالزوال ، وكذا في الخلاف والمبسوط والاقتصاد ، وقال ابنا بابويه : « فهي زكاة إلى أن يصلي العيد ، فإن أخرجها بعد الصلاة فهي صدقة » وهو موافق قول الشيخ في التحديد ، وكذا قال ابن البراج ، وزاد فيه « ويتضيق الوجوب كلما قرب وقت صلاة العيد » وقال المفيد : « وقت وجوبها يوم العيد بعد الفجر من قبل صلاة العيد » وقال سلار : « إلى صلاة العيد ، فإن أخر كان قاضيا » وبه قال أبو الصلاح ، الثاني الزوال ، واختاره في الدروس والبيان ، والثالث إلى آخر يوم الفطر ، واختاره في المنتهى ومال إليه في المدارك ومحكي الذخيرة.

واستدل للأول بخبر إبراهيم بن ميمون (١) المتقدم سابقا ، وخبر عبد الله بن سنان (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال فيه : « وإعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل ، وبعد الصلاة صدقة » وصحيح الفضلاء السابق بناء على كون المراد منه مفضولية السابق لا الأعم منه واللاحق ، وما عن‌ إقبال ابن طاوس (٣) قال : روينا بإسنادنا إلى الصادق عليه‌السلام أنه قال : « ينبغي أن تؤدي الفطرة قبل أن يخرج إلى الجبانة ، فإذا أداها بعد ما رجع فإنما هي صدقة وليست فطرة » وما عن‌ تفسير العياشي عن سالم بن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٧.

٥٣٢

مكرم الجمال (١) عن الصادق عليه‌السلام « إعطاء الفطرة قبل الصلاة ، وهو قول الله تعالى ( أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) فان لم يعطها حتى ينصرف من صلاته فلا تعدله فطرة » وخبر سليمان بن حفص المروزي (٢) « سمعته يقول : إن لم تجد من تضع الفطرة فيه فاعزلها تلك الساعة قبل الصلاة ».

وللثاني بعدم صلاحية فعل صلاة العيد لتحديد الوقت ، ضرورة اختلافها فيه من المكلفين ، بل لم يصلها كثير من الناس ، خصوصا في هذه الأزمنة ، فلا بد حينئذ من إرادة وقت الصلاة ، وهو إلى الزوال ، وربما يرمز اليه ما ورد (٣) من استحباب إخراج (٤) الفطرة عمن يولد قبل الزوال أو يسلم كذلك ، إذ ليس هو إلا باعتبار بقاء الوقت ، والنصوص السابقة ما كان قابلا للحمل منها على ذلك حمل عليه ، وإلا كان محمولا على الفضل دون اللزوم ، وربما احتمل بعضها إرادة صلاة الظهر لا العيد ، خصوصا بعد‌ خبر أبي الحسن الأحمسي (٥) عن الصادق عليه‌السلام المروي عن الإقبال نقلا من كتاب عبد الله بن حماد الأنصاري ، قال : « والفطرة عن كل حر ومملوك إلى أن قال : قلت : أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال : إن أخرجتها قبل الظهر فهي فطرة ، وإن أخرجتها بعد الظهر فهي صدقة لا تجزيك ، قلت : فأصلي الفجر. فأعزلها وأمسك يوما أو بعض يوم ثم أتصدق بها قال : لا بأس هي فطرة إذا أخرجتها قبل الصلاة » بناء على إرادة الظهر من الصلاة فيه أخيرا ، وإن أريد منه بيان كون العزل قبل الصلاة كافيا في كونها فطرة ولو بعد يوم كفى الأول في الاستدلال به على المطلوب ، واحتمال وقوع لفظ الظهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٣.

(٤) وفي النسخة الأصلية « خروج الفطرة ».

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١٦.

٥٣٣

سهوا لا يجوز التعويل عليه في النصوص.

وللثالث ـ بصحيح العيص وصحيح الفضلاء ، لكن قد عرفت ما في الاستدلال بالثاني ، وأما الأول فيحتمل ، بل لعله الظاهر منه إرادة المعزولة ، وهي غير محل البحث ، فلا ريب في ضعفه حينئذ ، وانحصار الأمر في القولين ، وأقواهما الثاني على الظاهر لما عرفت.

وعلى كل حال فـ ( ان ) صلى أو خرج وقت الصلاة أو خرج اليوم على الأقوال الثلاثة ولم يكن قد أوصلها إلى المستحق أو من يقوم مقامه فان كان قد عزلها في الوقت المزبور وإن لم يؤدها فيه ناويا للقربة أخرجها واجبا بنية الأداء بل لا يحتاج إلى نية ذلك أيضا ، ضرورة صيرورتها فطرة ، وخروجها من الذمة إلى الخارج بالعزل حينئذ ، فليس حينئذ في يده إلا أمانة من الأمانات ، إذ المكلف حينئذ يكون كالولي عن المستحق فيقوم قبضه واستيلاؤه مقام قبضه ، ولذا ينوي التقرب بالعزل المزبور ، ولا يناقش في مشروعية ذلك بعد تظافر النصوص والفتاوى به هنا ، قال‌ إسحاق بن عمار (١) في الصحيح « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفطرة قال : إذا عزلتها فلا يضرك متى أعطيتها » وقال زرارة (٢) : في الصحيح عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن رجل أخرج فطرته فعزلها حتى يجد لها أهلا فقال : إذا أخرجها من ضمانه فقد بري‌ء ، وإلا فهو ضامن حتى يؤديها » ومرسل ابن أبي عمير (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « في الفطرة إذا عزلتها وأنت تطلب لها الموضع أو تنتظر بها رجلا فلا بأس به » الى غير ذلك من النصوص الدالة عليه.

بل مقتضاها كالفتاوى عدم الفرق بين وجود المستحق وعدمه كما اعترف به في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٥.

٥٣٤

المدارك وما في بعض النصوص (١) مما يوهم التقييد غير مراد منه ذلك ، أو قاصر عن معارضة الإطلاق المزبور من النص والفتوى ، هذا.

وفي المسالك « أن المراد بعزلها تعيينها في مال خاص بقدرها في وقتها بالنية ، وفي تحقق العزل مع زيادته عنها احتمال ، ويضعف بتحقق الشركة ، وأن ذلك يوجب جواز عزلها في جميع ماله ، وهو غير المعروف من العزل ، ولو عزل أقل منها اختص الحكم به » قلت : ينبغي أن يكون المدار على صدق العزل عرفا ، ولا ريب في عدم صدقه بالعزل في جميع المال ونحوه ، أما اعتبار عدم الزيادة فيه أصلا فمحل منع ، خصوصا مع رفع اليد عن الزيادة ، ودعوى اعتبار التشخيص في المعزول على معنى اعتبار عدم الشركة فيه أصلا واضحة المنع ، ضرورة صدق العزل بالمال المشترك بينه وبين غيره ، فالأولى تعليق الحكم على ما ذكرنا ، وربما يؤيده أن مرجع جواز العزل الى أن الشارع جعل المكلف كالولي عن المستحق ، فأقام ذلك منه مقام قبضه ، وحينئذ لم يكن فرق بعد صدق العزل بين الزيادة والنقيصة ، كالقبض من المستحق ، ثم إنه قد تقدم في الزكاة المالية ما يستفاد منه جملة من أحكام العزل ، إذ الظاهر عدم الفرق بين المقامين في أحكامه ، ولذا استدل غير واحد من الأصحاب على بعض أحكامه هناك ببعض نصوص المقام ، وبالعكس ، فلاحظ وتأمل.

وكيف كان فـ ( ان ) لم يكن عزلها حتى خرج الوقت قيل والقائل جماعة منهم المفيد وابنا بابويه وأبو الصلاح وابنا البراج وزهرة وغيرهم على ما قيل سقطت بل حكى الأخير منهم الإجماع عليه وقيل والقائل جماعة أيضا منهم الشيخ والفاضل وثاني الشهيدين وغيرهم يأتي بها قضاء ، وقيل والقائل ابن إدريس : يأتي بها أداء والأول أشبه عند المصنف ، لقاعدة انتفاء الموقت بانتفاء وقته ، والقضاء يحتاج الى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١.

٥٣٥

أمر جديد ، بل قد سمعت ما تقدم من النصوص (١) الدالة على كونها صدقة بعد الوقت ، وقوله عليه‌السلام في صحيح زرارة (٢) : « وإلا فهو ضامن لها حتى يؤديها » إنما يدل على وجوب الإخراج مع العزل ، وهو غير محل النزاع ، وفي المدارك « الظاهر أن المراد بإخراجها من ضمانه تسليمها إلى المستحق ، وبقوله : « وإلا » إلى آخره الخطاب بإخراجها وإيصالها إلى مستحقها ، لا كونه بحيث يضمن مثلها أو قيمتها مع التلف لأنها بعد العزل تصير أمانة في يد المالك » ثم احتمل أن يكون الضمير في « أخرجها » عائد إلى مطلق الزكاة ، ويكون المراد بإخراجها من ضمانه عزلها ، والمراد أنه إن عزلها فقد بري‌ء ، وإلا فهو مكلف بأدائها إلى من يوصلها إلى أربابها ، وقال : « لا ريب أن المعنى الأول أقرب » قلت : بل لعله غير دال على خلاف المطلوب على الثاني ، ضرورة كون المراد منه بقاء الخطاب عليه في الوقت مع عدم العزل لا بقاؤه مطلقا.

وبذلك كله يظهر لك ضعف القولين ، خصوصا قول ابن إدريس الذي مرجعه إلى عدم التوقيت أصلا ، وإلى حمل جميع ما دل عليه من النصوص السابقة على الفضل والندب وأن زكاة الفطرة كزكاة المال والخمس في امتداد الوقت وصلاحيته للفعل ، إذ هو كما ترى ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه ، بل عن بعضهم دعواه عليه ، نعم قد يقال : إن تلك النصوص لا صراحة فيها في التوقيت على وجه ينتفي التكليف بانتفائه ، بل أقصاها الوجوب فيه ، فيمكن حينئذ كونه تكليفا آخر زائدا على أصل وجوب الفطرة الذي دل عليه إطلاق كثير من النصوص ومعاقد الإجماعات مؤيدا ذلك بثبوت أحكام غير الموقت لها ، كما لو مات من وجبت عليه قبل التمكن من أدائها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٢.

٥٣٦

فان الظاهر تعلقها بتركته كسائر ديونه وإن خرج الوقت ، وما ذاك إلا بملاحظة تسبيب الشغل منها من غير ملاحظة التوقيت فيها كالزكاة المالية ، ولعله الى هذا يرجع القول بالقضاء ، لا أن المراد منه المعنى المصطلح ، بل وقول ابن إدريس إن لم يجوز عدم أدائها في الوقت اختيارا ، ولعل ما في المختلف يرجع الى ما ذكرنا ، حيث أنه استدل للقول الثاني بعد أن اختاره بأنه لم يأت بالمأمور به ، فيبقى في عهدة التكليف الى أن يأتي به ، وبأن المقتضي للوجوب قائم ، والمانع لا يصلح للمانعية ، أما الأولى فللعموم الدال على إخراج الفطرة عن كل رأس صاع ، وأما الثانية فلأن المانع ليس إلا خروج وقت الأداء ، لكنه لا يصلح للمعارضة إذ خروج الوقت لا يسقط الحق كالدين وزكاة المال والخمس ، وب‌ صحيحة زرارة « وإلا فهو ضامن لها حتى يؤديها » إلا أنه بناء على استتباع القضاء للأداء ، وعدم احتياجه إلى أمر جديد الذي قد بينا ضعفه في الأصول.

وبالجملة لا يخفى على من لاحظ النصوص الدالة على وجوب الفطرة والنصوص المستفاد منها التوقيت قصورها عن التقييد على وجه يكون الحال فيه كالموقت الذي هو كقوله تعالى (١) ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) وإنما أقصاها الوجوب في نفسه كقضاء شهر رمضان بين الشهرين وغيره ، سيما بعد ما عرفت من إرادة الندب في أكثر تلك النصوص ، بل لولا إمكان تحصيل الإجماع على الوجوب في هذا الوقت لأمكن حملها جميعا على الندب ، لقوة تلك المطلقات ، ويتجه حينئذ ما سمعته من ابن إدريس حاكيا له عن الشيخ ، ومع الأعضاء عن ذلك كله فلا أقل من الشك في التقييد على الوجه المزبور ، والعمل على الإطلاقات حتى يثبت التقييد وعلى استصحاب الوجوب الذي لم يعلم كونه مغيا بالوقت المزبور على وجه يرتفع التكليف بانتهاء الوقت ، مضافا‌

__________________

(١) سورة الإسراء ـ الآية ٨٠.

٥٣٧

إلى موافقة الإخراج للاحتياط الذي لا ينبغي تركه في المقام ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( إذا أخر دفعها بعد العزل مع الإمكان كان ضامنا ) بلا خلاف نصا وفتوى ولا إشكال لما سمعته في الزكاة المالية ومنه يعلم أنه إن كان التأخير لا معه أي الإمكان فتلف المال من غير تعد ولا تفريط لم يضمن بل ومنه يعلم الحال أيضا في قول المصنف هنا كقوله هناك لا يجوز حملها الى بلد آخر مع وجود المستحق وأنه لا مدخلية لعدم الجواز في الضمان ، فان التحقيق كما تقدم أنه يضمن وإن جاز له النقل وكذا الحال في التأخير ، نعم لا إشكال يعتد به بل ولا خلاف كذلك في أنه يجوز له الحمل مع عدمه أي المستحق ولا يضمن بذلك كما تقدم البحث في ذلك وفي غيره مفصلا ، والله أعلم.

الركن الرابع في مصرفها ، وهو مصرف زكاة المال على المعروف بين الأصحاب ، بل في المدارك أنه مقطوع به في كلامهم ، بل في شرح الأصبهاني للمعة الإجماع عليه ، ولعله كذلك ، إذ لم يحك فيه الخلاف إلا عن ظاهر المفيد في المقنعة ، فخصها بالمساكين ، والمحكي عن الاقتصاد حيث قال : « ومستحق زكاة الفطرة هو مستحق زكاة المال من المؤمنين الفقراء العدول وأطفالهم ، ومن كان بحكم المؤمنين من البله والمجانين » وأما ما يحكى عن المعتبر والمنتهى من حصر مصرفها في ستة فقد قيل إنه مبني على أنه لا سهم للمؤلفة والعاملين في الغيبة ، وحينئذ فيختص الخلاف إن كان بمن عرفت ، ولعله لخبر الفضيل (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت لمن تحل الفطرة؟ فقال : لمن لا يجد » وخبر زرارة (٢) « قلت له : هل على من قبل الزكاة زكاة ، قال : أما من قبل زكاة المال فان عليه الفطرة ، وليس على من قبل الفطرة فطرة ».

لكن لا يخفى عليك عدم دلالة الأول على الحصر ، بل المراد منه ومن الثاني‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٩.

٥٣٨

بيان كون الفطرة ينبغي أن تكون لذي الحاجة الشديدة كصدقات المرضى ونحوهم ، وليس المراد من ذلك حصر مصرفها في المساكين الذين لا يجدون شيئا ، خصوصا بعد قوله تعالى (١) ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ) إلى آخره وقوله عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٢) « عن كل انسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين » بل قد يقال إنه مما يشملها لفظ الزكاة التي قد عرفت ما يدل على مصرفها ، بل جزم به في محكي المنتهى حتى استدل به هنا ، وبعد السيرة المستمرة على عدم اختصاصها بالمساكين ، وربما كان الوجه في ذكر الفقراء في الصحيح المزبور باعتبار كونه المصرف الأعظم نحو ما ورد في زكاة المال ، لا أن المراد الاختصاص ، بل ربما يحمل على ذلك عبارة المقنعة ، فتخرج المسألة عن الخلاف ، قال : « ومستحق الفطرة هو من كان على صفات مستحق الزكاة من الفقراء أولا ثم المعرفة والايمان » بل هي مع عدم اختصاصها بالمساكين كما حكي عنه محتملة لإرادة بيان اعتبار ما تقدم في الزكاة في خصوص هذا الصنف من مصرفها ، وهو كذلك بالنسبة إلى كثير مما تقدم ، كعدم كونه من واجبي النفقة وعدم كونه هاشميا إلا إذا كان من عليه الفطرة هاشميا ، وقد ذكرنا سابقا أن العبرة في ذلك بالمعيل دون العيال ، لما تقدم من ظهور النصوص في كون الخطاب له أصليا لا تحمليا ، فإذا كان هاشميا وعياله أعواما جاز له دفع الفطرة للهاشمي دون العكس ، وإضافة الفطرة إلى أفراد العيال في بعض الأحوال إنما هو لأدنى ملابسة ، على أنه معارض بإضافتها إلى المعيل أيضا ، ودفع الموت بها عنهم إنما يقتضي كون ثمرتها لهم كالصدقة عن المريض ، لا أن الخطاب بها لهم وإن تحملها المعيل عنهم ، ضرورة القطع بفساده بملاحظة النصوص التي صرحت بوجوبها على المعيل عن‌

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٦٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ٦ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١١.

٥٣٩

عياله الذين قد يكون فيهم من لا يصلح للخطاب لصغر أو جنون أو غيرهما ، فليست هي حينئذ كالزكاة المشترط التبرع بها على غير من وجبت عليه ، ولفظ « على » في نصوص الفطرة قد ذكرنا أنه بمعنى « عن » لا أن المراد الثبوت عليه ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، ومن ذلك يظهر لك سقوط ما أطنب به المحدث البحراني من دعوى كون المدار على العيال دون المعيل ، فلاحظ وتدبر ، وقد أشرنا الى ذلك فيما تقدم ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( يجوز أن يتولى المالك إخراجها ) وإيصالها إلى المستحق ، لأنه المخاطب بها ، وفي المحكي عن المنتهى أنه لا خلاف فيه بين العلماء كافة ولكن الأفضل دفعها الى الامام عليه‌السلام لقول الصادق عليه‌السلام (١) : « هو أعلم يضعها حيث يشاء ، ويصنع فيها ما يرى » وللإجماع المحكي في الخلاف ، وفي‌ خبر علي بن راشد (٢) « سألته عن الفطرة لمن هي؟ قال : للإمام عليه‌السلام قال : قلت له : فأخبر أصحابي قال : نعم من أردت أن تطهره منهم ، وقال : لا بأس بأن تعطي وتحمل ثمن ذلك ورقا » ولعل المراد من ذيله التخيير بين الإعطاء بنفسه وبين حمل الثمن للإمام عليه‌السلام ، وعلى كل حال فالمراد استحباب دفعها له أو من نصبه خصوصا ومع التعذر كزماننا هذا فـ ( الى فقهاء الشيعة ) المأمونين الذين هم من المنصوبين أيضا من الامام عليه‌السلام ولعل البحث السابق في زكاة المال في وجوب الدفع ابتداء أو مع الطلب منه عليه‌السلام خاصة أو منه ومن المجتهد وفي الاجزاء وعدمه مع المخالفة يأتي مثله في المقام ، خصوصا مع ظهور بعض نصوصه (٣) في شمول آية التطهير (٤) لهذه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٢ عن أبي على بن راشد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

(٤) سورة التوبة ـ الآية ١٠٤.

٥٤٠