جواهر الكلام - ج ١٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

مضافا إلى ما في المقام ونظائره من الضرر على الفقير لو تلف أحد المالين بتخير ( باختيار خ ل ) كون المدفوع عن الباقي ، وكذا لو اختلفت القيمة وقت الإخراج والاحتساب إذا تخير بتعيين ( إذا اختار تعيين خ ل ) المدفوع عن الأقل قيمة ، ولعله لذا مال في البيان إلى التوزيع ، وفي فوائد الشرائع « وهو قريب » وفي المسالك « وهو الأجود » لكن فيه أنه لا دليل عليه بعد فرض كونه غير مقصود ، ويحتمل قويا كون الحاصل من سببي الوجوب مثلا كالحاصل من السبب الواحد الذي يوجب التعدد ، وكأفراد الدين الواحد ففي صورة وجوب الشاتين عليه لخمس من الإبل وأربعين من الغنم لو أدى شاة عن أحدهما ولم يتمكن من إخراج الثانية لتعذر المصرف أو غيره بتلف أحد النصابين سقط عنه الشاة الأخرى وإن لم يعين المدفوعة عن الموجود ، ضرورة اعتبار التمكن من كل النصابين في وجوب كل من الشاتين إلى حال الإخراج ، فتلف أحدهما مسقط لأحدهما ولو اختلفت القيمة خير فيما بقي عليه ، إلى غير ذلك من الأحكام التي لا يخفى عليك جريانها ، فتأمل جيدا ، أو يدعى وجوب التعيين مع اختلاف الثمرات إذا لم يكن يؤدي الجميع دفعة.

وكيف كان فـ ( كذا في الاجزاء لو أخرج الزكاة ) عن أحد المالين الحاضر والغائب وقال : إن كان مالي الغائب سالما فان ذلك لا ينافي الجزم بالنية ، ضرورة كونه معتبرا في نفسه ، ويمكن أن يريد المصنف بقوله : « وكذا » إلى آخره التنبيه على مسألة مستقلة لا تعلق لها بالمسألة السابقة ، وهي الاجزاء لو أخرج زكاة عن ماله الغائب وقيده بالسلامة من غير ذكر النفل على تقدير التلف ، ولا الزكاة عن الحاضر لكونه شرطا غير مناف بعد أن كان معتبرا في نفسه ، وأقصاه البقاء على ملك المالك مع التلف ، كما أشار إليه المصنف بقوله ولو أخرج عن ماله الغائب إن كان سالما ثم بان تالفا جاز نقلها إلى غيره من أمواله على الأشبه بأصول المذهب وقواعده ،

٤٨١

سواء كانت العين باقية أو تالفة إذا كان القابض عالما بالحال ، لما عرفت من بقاء المال المدفوع حينئذ على ملك المالك ، لأنه لم يصادف سلامة المال ، وكان مضمونا في يد القابض‌ لعموم « على اليد » بعد أن كان الدفع على وجه خاص لم يسلم ، فله حينئذ احتساب العين أو مثلها أو قيمتها زكاة عن غير ذلك من أمواله على المدفوع إليه أولا وعلى غيره ، وله أخذها واحتساب غيرها عليه أو على غيره إن كان عليه حق ، بل الظاهر عدم الفرق في الحكم المزبور بين التصريح بالشرط المذكور حال الدفع وعدمه مع كون قصده ذلك ودفع على هذا الوجه وكان القابض عالما بالحال ، أما مع عدم علمه فالمتجه عدم ضمانه مع التلف ، لغروره ، وقد مر نظائر ذلك ، كما مر ضعف ما يحكى عن الشيخ في المقام ونحوه من عدم جواز النقل لفوات وقت النية ، اللهم إلا أن يريد النية بالدفع الأول على ما عرفته سابقا ، والله أعلم.

ولو نوى عن مال يرجو وصوله اليه لم يجز وإن وصل إذ لم يتحقق فيه خطاب الزكاة ، بل هو على هذا التقدير من مسألة التعجيل التي هي غير محل البحث ، وإن فرض كون المراد مالا يتحقق فيه خطاب الزكاة على تقدير الوصول فهو كالمال الغائب إن كان سالما ، وقد عرفت أن الأقوى فيه الاجزاء ، اللهم إلا أن يفرق بينهما بأن الأصل يقتضي في الثاني السلامة ، بخلافه في الأول ، فإنه يقتضي عدم الوصول ، فالنية حينئذ خالية عن الجزم واقعا وشرعا ، لكن قد عرفت أن مبني المسألة على الاحتياط الذي هو أوسع من ذلك ، ولا يتفاوت فيه بين موافقة النية للأصل ومخالفتها له ، كالغسل عن الجنابة المحتملة والوضوء عن الحدث المحتمل ، واحتساب المال عن احتمال الحق في الواقع ، ونحو ذلك ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

ولو لم ينو رب المال ونوى الساعي أو الإمام عليه‌السلام عند التسليم فان كان قد أخذها الساعي أو الإمام عليه‌السلام كرها من رب المال جاز‌

٤٨٢

لقيامه بعد فرض امتناعه مقامه ، بل لهما النية عند الأخذ منه ، والاكتفاء بها عنها عند التسليم ، لقيامهما مقام الدافع والقابض وإن أخذها طوعا قيل والقائل الشيخ : لا يجزي بناء على عدم الاكتفاء بنية الوكيل عن نية الموكل والاجزاء أشبه مع فرض الوكالة ، وإلا فعدمه أشبه ، كما هو واضح.

( القسم الثاني )

( في زكاة الفطرة )

وهي فعلة من الفطر ، وأصله الشق ، واستعمل بمعنى الخلق ، فهي حينئذ بمعنى الخلقة أي الحالة التي عليها الخلق ، بل لعل منه إطلاقها على الإسلام ولو مجازا باعتبار كونه حالة لا ينفك الخلق عنها ، وهو المراد من‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه » والمراد بها على الأول زكاة الأبدان على معنى كونها مطهرة لها من أوساخ المعاصي ، أو منمية لها ، أو صدقة لحفظها من الموت ونحوه كما يومي اليه‌ قول الصادق عليه‌السلام (٢) لمعتب : « اذهب فأعط عن عيالنا الفطرة أجمعهم ، ولا تدع منهم أحدا ، فإنك إن تركت منهم أحدا تخوفت عليه الفوت ، قلت : وما الفوت؟ قال : الموت » وتقسيمهم الزكاة إلى مالية وبدنية ، وعلى الثاني زكاة الإسلام والدين ، ومن ثم وجبت على من أسلم قبل الهلال من دون توقف على حول ولا صوم على معنى مطهرته أو منميته أو موجبة ومقتضاه ، بل ربما أيد بما في‌

__________________

(١) مسند أحمد ج ١٢ ص ١٢٠ الرقم ٧١٨١ وصحيح مسلم ج ٨ ص ٥٢ المطبوع عام ١٣٣٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٥.

٤٨٣

صحيح زرارة وأبي بصير (١) « من أن من تمام الصوم إعطاء الزكاة يعني الفطرة ، كما أن الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تمام الصلاة ، لأنه من صام ولم يؤد الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمدا ، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن الله تعالى قد بدأ بها قبل الصلاة ، وقال (٢) : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى )‌ وذكر في المسالك وجها ثالثا ، وتبعه عليه غيره ، وهو أن يكون الفطرة من الإفطار أي الزكاة المقارنة ليوم الفطر ، وهو المغروس في الأذهان المنساق إليها ، إلا أني لم أجده فيما حضرني من كتب اللغة ، نعم يفهم من بعض عبارات أهل اللغة بل والفقه بل وكثير من الأخبار (٣) كون لفظ الفطرة اسما لما يخرج ، فيحتمل وضعه لذلك مشتقا من الفطر أو من الفطر ، فتكون إضافة الزكاة إليها حينئذ من إضافة العام إلى الخاص كيوم الأحد وشجر الأراك ، ويحتمل كون الأصل زكاة الفطرة فحذف المضاف واكتفي بالمضاف اليه توسعا ، ويجوز أن يكون كل من العبارتين اسما لذلك كرمضان وشهر رمضان ، والأمر في ذلك كله سهل.

وكيف كان فـ ( أركانها أربعة : الأول فيمن تجب عليه ) لكن ينبغي أن يعلم أولا أن وجوبها في الجملة إجماعي بين المسلمين إلا من شذ من بعض أصحاب مالك ونصوصنا (٤) متواترة فيه ، بل هو من ضروريات الفقه ، من غير فرق بين البادية وغيرها ، فما عن عطاء وعمر بن عبد العزيز وربيعة من سقوطها عن البادية غلط قطعا ، نعم إنما‌ تجب الفطرة بشروط ثلاثة : الأول التكليف بلا خلاف أجده فيه ، بل هو قول علمائنا أجمع في محكي المعتبر والمنتهى والتذكرة فلا تجب على الصبي والمجنون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٥.

(٢) سورة الأعلى ـ الآية ١٤ و ١٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الفطرة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الفطرة.

٤٨٤

لرفع القلم عنهما ، فلا يشملهما إطلاق الأمر ، وتكليف الولي لا دليل عليه ، فالأصل براءة ذمته ، وفي‌ الصحيح عن محمد بن القاسم بن الفضيل البصري (١) « كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أسأله عن الوصي يزكي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال ، فكتب عليه‌السلام لا زكاة على يتيم ، وعن المملوك يموت مولاه وهو عنه غائب في بلد آخر وفي يده مال لمولاه ويحضر الفطر يزكي عن نفسه من مال مولاه وقد صار لليتامى قال : نعم » بل قد يقوى سقوطها عنهما بالنسبة إلى من يعولون به أيضا لذلك لا أنفسهما خاصة ، وذيل المكاتبة المزبورة مع مخالفته لما دل على عدم جواز التصرف لغير الولي لم أجد عاملا به ، فلا يصلح دليلا لما خالف الأصول.

وكذا لا تجب على من أهل شوال عليه وهو مغمى عليه بلا خلاف أجده فيه أيضا ، بل في المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب ، لكن قال : « قد ذكره العلامة وغيره مجردا عن الدليل ، وهو مشكل على إطلاقه ، نعم لو كان الإغماء مستوعبا لوقت الوجوب اتجه ذلك » وفيه أن الدليل الأصل بعد ظهور الأدلة في اعتبار حصول الشرائط عند الهلال ، فلا عبرة بالبلوغ والإفاقة من الجنون والإغماء بعده كما تعرفه فيما يأتي عند تعرض المصنف له ، ولا خصوصية للإغماء على غيره ومنه يعلم حينئذ أن التوسعة في وقت الأداء لا وقت الوجوب ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

الشرط الثاني الحرية بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع محكي عليه مستفيضا إن لم يكن محصلا ، بل عن المنتهى أنه مذهب أهل العلم كافة إلا داود ، وحينئذ فلا تجب على المملوك القن ، ووجهه واضح بناء على الأصح من عدم ملكه كما حققناه في محله ، بل لا يجب عليه ولو قيل يملك لإطلاق معاقد الإجماعات ، كإطلاق ما دل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٢ و ٣.

٤٨٥

على أن زكاته على مولاه من النصوص (١) المستفيضة ، وما عن داود من وجوبها عليه ووجوب إطلاقه للتكسب فاسد قطعا وكذا لا تجب على المدبر ولا على أم الولد ولا على المكاتب المشروط ولا المطلق الذي لم يتحرر منه شي‌ء لاشتراك الجميع في الإطلاق المزبور المعتضد بالأصول ، لكن عن الصدوق رحمه‌الله أن المكاتب فطرته عليه ، لصحيح علي بن جعفر (٢) سأل أخاه موسى عليه‌السلام « عن المكاتب هل عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه وتجوز شهادته؟ قال : الفطرة عليه ، ولا تجوز شهادته » والمناقشة فيه باشتماله على ما لا يلتزم به من عدم جواز شهادته يدفعها أولا عدم سقوط الخبر عن الحجية بذلك ، خصوصا بعد أن كان مذهب بعض كما قيل ، وثانيا أن الصدوق رحمه‌الله حمله على الإنكار دون الاخبار ، ومال اليه بعض متأخري المتأخرين ، بل عن كتاب المكاتب من المبسوط إطلاق نفي فطرة المكاتب المطلق على مولاه ، كالمحكي عن ابني إدريس والبراج وإن كان لا دلالة فيه على كون الزكاة عليه ، إذ من المحتمل سقوطها عندهم رأسا ، وفيه أن الخبر المزبور وإن صح سنده قاصر عن تقييد ما عرفت ، خصوصا بعد معارضته بقول الصادق عليه‌السلام في مرفوع محمد ابن أحمد بن يحيى (٣) : « يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه ورقيق امرأته وعبده النصراني والمجوسي وما أغلق عليه بابه » المنجبر بما سمعت ، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى ما تقدم.

ولو ملك المملوك عبدا على القول بملكه فعن المنتهى أن الذي يقتضيه المذهب وجوبها على المولى ، لأنه المالك حقيقة ، والعبد مالك بمعنى إساغة التصرف ، ولأن ملكه ناقص ، وفيه أن الذي يقتضيه المذهب عدم الوجوب على المولى ، لعدم ملكيته ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٩.

٤٨٦

اللهم إلا أن يقال : إنه من عياله ، وأما العبد فان كانت العبودية مانعة من الوجوب عن نفسه وعن غيره ـ كما سمعت في الصبي والمجنون ، وبه صرح في محكي التذكرة هنا بالنسبة إلى زوجة العبد ، حتى على القول بالملك كما هو مقتضى الأصل ، وإن استشكله في المدارك ـ اتجه السقوط عنه أيضا كما احتمله في البيان ، وإلا كانت زكاته عليه ، والله أعلم.

ولو تحرر منه شي‌ء وجبت عليه وعلى المولى بالنسبة مع حصول باقي الشرائط ، ضرورة عدم وجوب زكاة الجميع على المولى ، لأصالة براءة ذمته بالنسبة إلى الجزء الحر ، كأصالة براءة ذمة المكاتب عنها بالنسبة إلى الجزء الرق بعد إطلاق الأدلة في كون زكاة المملوك على مولاه ، فليس حينئذ إلا كون الفطرة عليهما بالنسبة لاندراج حكم الجزء في دليل حكم الكل ، واحتمال سقوط الفطرة عنهما ـ لعدم كونه حرا فيلزمه حكمه ، ولا مملوكا لأنه قد تحرر بعضه ، ولا هو في عيلولة مولاه فتلزمه فطرته لمكان العيلولة ، فالأصل براءة الذمة ، بل عن الشيخ في المبسوط أنه قواه ، بل مال إليه في المدارك ـ ضعيف ، إذ عدم كونه كامل الحرية والملكية لا يقتضي سقوط الفطرة عنه بعد إطلاق الأدلة أو عمومها ، وعدم عيلولة الكل لا ينافي عيلولة البعض ، أو يقال : إنه وسيده المعيلان به ، فيكون كالعبد بين الشريكين كما ستعرف الحال فيه ، ولئن كان قصور في شمول الأدلة فهو منجبر بفهم الأصحاب ، وبما يظهر من الأدلة من عدم سقوط الفطرة عن المسلم مع يساره أو يسار المعيل به ، نعم يتجه وجوبها عليه بناء على ما سمعته من الصدوق من كون فطرة المكاتب عليه ، ضرورة أولوية ذلك من الذي لم يتحرر منه شي‌ء ، هذا ، وتسمع إن شاء الله في العبد بين الشريكين ما له نفع في المقام.

وعلى كل حال فلا إشكال كما لا خلاف في أنه لو عاله مولاه وجبت عليه دون المملوك والله أعلم.

٤٨٧

الشرط الثالث الغني ، فلا تجب على الفقير للأصل والإجماع بقسميه الذي لا يقدح في المحكي منه خلاف الإسكافي ، حيث أوجبها على من فضل على مئونته ومئونة عياله ليومه وليلته صاع ، فضلا عن المحصل منه ، وإن حكاه في الخلاف عن كثير من علمائنا ، إلا أنا لم نتحققه ، بل المتحقق خلافه ، ويمكن حمله على ذي الكسب الذي يكسب في كل يوم مئونته ومئونة عياله ، واعتبار زيادة الصاع حينئذ مبني على ما تسمعه إن شاء الله من المصنف والفاضل من اعتبار زيادة مقدار الفطرة على قوت السنة في وجوبها على الغني ، أو على اعتبار ذلك في خصوص المكتسب كما صرح به في الدروس حيث قال : « ويجب على المكتسب قوت سنته إذا فضل عنه صاع » ولئن أبى كلامه ذلك فلا ريب في ضعفه ، بل لم نجد له دليلا يدل عليه صريحا ، مضافا إلى عدم معلومية كون المراد حينئذ وجوب الفطرة تماما وإن زادت على الصاع ، بل ربما تزيد على ما عنده من قوت اليوم والليلة ، أو أنه يكتفي بإخراج الصاع عنه وعن عياله ولو بأن يديره عليهم لكن قد يمنع الإرادة إيسار بعض العيال ، أو بغير ذلك.

وبذلك يظهر لك زيادة ضعفه مضافا إلى المعتبرة المستفيضة الدالة على خلافه ، ففي‌ الصحيح (١) عن الحلبي أنه « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأخذ من الزكاة عليه صدقة الفطرة قال : لا » المعلوم كون المراد منه أخذ الزكاة من حيث الفقر والمسكنة ، لأنه الأصل في مصرف الزكاة ، فكان هو المنساق ، وفي‌ الصحيح عن صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار (٢) « قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام : على الرجل المحتاج صدقة الفطرة قال : ليس عليه فطرة » ونحوه خبر إسحاق‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٦.

٤٨٨

ابن المبارك (١) وفي‌ خبر الفضيل بن يسار (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : لمن تحل الفطرة؟ قال : لمن لا يجد ، ومن حلت له لم تحل عليه » وفي الصحيح عن أبان بن عثمان عن يزيد بن فرقد الهندي (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يقبل الزكاة هل عليه صدقة الفطرة؟ قال : لا » وفي‌ خبر الآخر (٤) عنه عليه‌السلام أيضا سمعته يقول : « من تحل عليه الزكاة فليس عليه فطرة ، قال : وقال أبو عمارة : إن أبا عبد الله عليه‌السلام قال : لا فطرة على من أخذ الزكاة » وفي خبره الثالث (٥) قلت له عليه‌السلام أيضا : « على المحتاج صدقة الفطرة قال : لا » والمروي في المقنعة عن‌ يونس بن عمار (٦) قال : « سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة وتجب الفطرة على من عنده قوت السنة » بل والمروي فيها أيضا عن‌ عبد الرحمن بن الحجاج (٧) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا « تجب الزكاة على من عنده قوة السنة ، وتجب الفطرة على من عنده قوت السنة » إلى غير ذلك من النصوص التي يجب بها الخروج عن إطلاق بعض الأدلة أو عمومها ، خصوصا بعد اعتضادها بما عرفت ، فيقيد بها أو يخص.

كما انه ينبغي اطراح ما عارضها من النصوص الأخر كخبر الفضيل بن يسار (٨) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أعلى من قبل الزكاة زكاة؟ فقال : أما من قبل زكاة المال فان عليه زكاة الفطرة ، وليس عليه لما قبله زكاة ، وليس على من يقبل الفطرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ـ ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ـ ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ـ ٥ لكن روى عن يزيد بن فرقد النهي وهو الصحيح.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٧ مع الاختلاف.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١٠.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١ وفيه‌ « تجب الفطرة على كل من تجب عليه الزكاة » كما انه كذلك في المقنعة ص ٤٠.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٩.

٤٨٩

فطرة » ونحوه خبر زرارة (١) ومفهوم‌ خبر القداح (٢) عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما‌السلام أنه قال : « زكاة الفطرة صاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير أو صاع من أقط عن كل إنسان حر أو عبد صغير أو كبير ، وليس على من لا يجد ما يتصدق به حرج » وفي‌ خبر زرارة (٣) « قلت : الفقير الذي يتصدق عليه هل يجب عليه صدقة الفطرة؟ قال : نعم يعطي مما يتصدق به عليه » أو تحمل على الندب كما صرح به الشيخ في كتابي الأخبار ، بل به صرح في المقنعة أيضا ، وجعلها سنة مؤكدة للفقير الذي يقبل الزكاة ، وفضيلة دون ذلك لمن يقبل الفطرة ، وهو جيد جدا ، بل علل ما ذكره من الحمل باستحالة الإيجاب بالفرض على الفقراء ، كل ذلك بعد الإغضاء عما في سند الجميع ، وإمكان المناقشة في دلالة البعض أو الجميع ، وعدم صراحة شي‌ء منها فيما تقدم عن ابن الجنيد ، فلا عامل بها حينئذ أبدا على ظاهرها ، ولا محيص عن حملها حينئذ على الندب ويبقى ما دل على اختصاص وجوبها بالغني بحاله.

وكيف كان فالمراد بالفقير عند العجلي هو من لا يملك عين أحد النصب الزكاتية وعند الشيخ أو قيمتها وقيل من تحل له الزكاة لحاجته وضابطه أن لا يملك قوت سنة له ولعياله ، وهو الأشبه كما تقدم الكلام مشبعا في ذلك ، وفي اعتبار ما يقابل الدين ونحوه مع قوت السنة في الغني وغير ذلك مما قدمناه سابقا ، بل ما تقدم آنفا من النصوص كاف في الدلالة على المطلوب ، خصوصا خبر يونس بن عمار (٤) المروي في المقنعة ، بل غيره ـ مما دل على عدم وجوب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٩.

(٢) ذكر ذيله في الوسائل في الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١١ وذيله في الباب ٢ منها الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١٠.

٤٩٠

الفطرة على من لم يملك مئونة السنة ، لأن الزكاة والفطرة تحل له ، ومن حلتا له لم تجب الفطرة عليه ـ كاف أيضا في المطلوب بضميمة ما دل على وجوب الفطرة على المكلف ، ووجوب إخراجها عن نفسه وعن عياله ، إذ لا ريب في كون الحاصل من الجميع وجوبها على المالك مئونة السنة وعدمه على غير المالك ، وليس هما إلا الفقير والغني ، لعدم موضوع ثالث بينهما ، وحينئذ فلا ينبغي التوقف في أن الأقوى ذلك ، لكن في الدروس هنا وجوبها على المالك أحد نصب الزكاة أو قوت سنة على الأقوى ، ولعله يريد الإشارة إلى القولين لا الجمع بينهما ، واحتمال خصوصية الفطرة في الاكتفاء بذلك وإن لم يتحقق به وصف الغنى لا يصغى اليه ، ولقد أجاد المصنف في رده القول المزبور المحكي عن الشيخ وابن إدريس بأنه لا أعرف له حجة ولا قائلا من قدماء الأصحاب ، فإن كان تعويله على ما احتج به أبو حنيفة فقد بينا ضعفه ، وبالجملة فإنا نطالبه من أين قاله ، وبعض المتأخرين ادعى عليه الإجماع ، وخص الوجوب بمن معه أحد النصب الزكاتية ، ومنع القيمة ، وادعى اتفاق الإمامية على قوله ، ولا ريب أنه وهم ، ولو احتج بأن مع ملك النصاب تجب الزكاة أي الفطرة بالإجماع منعنا ذلك ، فان من ملك النصاب ولا يكفيه لمئونة عياله يجوز له أن يأخذ الزكاة ، وإذا أخذ الزكاة لم تجب عليه الفطرة لما روي عن الصادق عليه‌السلام في عدة روايات ، منها رواية الحلبي (١) ويزيد بن فرقد (٢) ومعاوية بن عمار (٣) أنه سئل « عن الرجل يأخذ الزكاة عليه صدقة الفطرة قال : لا » وهو جيد ، مضافا الى ما قدمناه في الزكاة ، فلاحظ فإنه نافع في ذلك وفي غيره مما يتعلق بالمقام.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٧ والحديث مذكور في ذيل خبر يزيد بن فرقد.

٤٩١

وعلى كل حال فمقتضى إطلاق النص والفتوى ومعقد الإجماع عدم اشتراط ملك الصاع أو مقدار الفطرة زيادة على ملك مئونة السنة فعلا أو قوة في وجوب الفطرة ، لإطلاق الأدلة ، خلافا لما سمعته من الدروس من اعتبار زيادة الصاع في الغني قوة ، ونحوه في البيان ، لكن اعتبار زيادة قدر الفطرة كالمنتهى ، إلا أنه ظاهر في اعتبار ذلك في الغني فعلا أو قوة ، وكذا التحرير ، مع احتمالهما الاختصاص بالأخير ، وكذا التذكرة إلا أنه اعتبر زيادة الصاع نحو ما في الدروس ومحكي المعتبر ، ولم نقف لهم جميعا على حجة معتبرة ، نعم ربما وجه ذلك بأن الزكاة مواساة ، فتجب حيث لا تؤدي الى الفقر ، فلو وجبت على من لا يملك الزيادة لانقلب فقيرا ، وهو كما ترى.

وأما التفصيل بين الغني قوة وفعلا فان كان المراد أنه يشترط أن يزيد فيما يكتسبه طول السنة على مئونة سنته صاع أو مقدار الزكاة فلا أجد له وجها ، وإن كان المراد أنه يجب أن يكون بيده في يوم الفطر زيادة على مئونته ليومه ذلك فلعل وجهه حينئذ أنه لو لم يكن ذلك احتاج في أداء الفطرة إلى الاقتراض ونحوه ، والأصل عدم وجوبه عليه ، بخلاف الغني فعلا فان عنده ما يؤديه فطرة ، وإلا لم يكن غنيا فعلا ، ولا يخفى عليك عدم صلاحية مثل ذلك مقيدا للإطلاقات أو مخصصا للعمومات ، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى عدم الاشتراط مطلقا ، والله أعلم.

وكيف كان فلا ريب في أنه يستحب للفقير إخراجها أي الفطرة عن نفسه وعياله ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وقد عرفت أن خلاف الإسكافي غير قادح ، كما أنه قد عرفت ما يدل عليه من النصوص والمراد هنا بيان أن أقل ما يتأدى به ذلك الاستحباب للمحتاج أن يدير صاعا على عياله ثم يتصدق به لموثق إسحاق بن عمار (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل لا يكون عنده شي‌ء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٣.

٤٩٢

من الفطرة إلا ما يؤدي عن نفسه وحدها يعطيه غريبا أو يأكل هو وعياله قال : يعطي بعض عياله ثم يعطي الآخر عن نفسه فيرادونها فيكون عنهم جميعا فطرة واحدة » قيل وظاهر العبارة أن المتصدق هو الأول ، وذكر الشهيد في البيان أن الأخير منهم يدفعه إلى الأجنبي ، وهو لا يطابق معنى الإدارة التي ذكرها هو وغيره ، والرواية خالية من ذلك كله ، قلت : بل قد يدعى ظهور الرواية في عدم خروجها عنهم ، كما أنه قد يدعى ظهور الرواية في أن المراد منها تعليم الاحتيال في إخراج الصاع الواحد عن الجميع ، وذلك يكون بإعطاء ذي العيال أحدا من عياله على وجه الفطرة والآخر للآخر الى أن ينتهي الدور اليه ، أو يكون بإعطائه على وجه التمليك ثم هو يحتسبه عليه ثم يعطيه الآخر ويرده عليه محتسبا له الى أن ينتهي العيال ، فيخرجه هو عن نفسه ، بل لعل ذلك غير محتاج إلى الرواية ، لانطباقه على الضوابط التي لا فرق فيها عليه بين يسار العيال وإعسارهم ، بل وكذا الأول الذي ليس فيه ما هو مناف للضوابط سوى احتسابها على من يعول به ، ولعله جائز هنا مع إعسار العيال ، لعدم وجوبها عليه ، أو لاغتفاره في خصوص المقام ، والأمر سهل بعد أن كان الحكم ندبيا.

وظاهر إطلاق النص والفتوى عدم الفرق في المعال بين كونه مكلفا أو غيره ، ولا يشكل ذلك بأنه لا يجوز إخراج الولي ما صار ملكا له عنه مع فرض كونه غير مكلف ، إذ هو ـ مع أنه اجتهاد في مقابلة إطلاق النص والفتوى ، وقد ثبت مثله في الزكاة المالية ـ يمكن دفعه بأن غير المكلف إنما ملكه على هذا الوجه أي على أن يخرج عنه صدقة ، لكن في المدارك بعد أن حكى الاشكال المزبور وما يدفعه عن جده قال : « وهو جيد لو كان النص صالحا لإثبات ذلك ، لكنه ضعيف من حيث السند ، قاصر من حيث المتن عن إفادة ذلك ، بل ظاهره اختصاص الحكم بالمكلفين ، والأصح اختصاص الحكم بهم ، لانتفاء ما يدل على تكليف ولي الطفل بذلك ، بل يمكن‌

٤٩٣

المناقشة في هذا الحكم من أصله إن لم يكن إجماعيا » وهو كما ترى خصوصا بعد أن كان الخبر من قسم الموثق الذي قد فرغنا من حجيته في الأصول ، بل قد عرفت أن هذا الاحتيال موافق للضوابط في وجه ، فلا يحتاج الى النص ، مع أنه وارد مورد الغالب من تسلط الولي على المولى عليهم بذلك وغيره ، لما له من كمال اليد عليهم في الإنفاق وغيره كما هو واضح ، هذا ، وفي البيان بعد أن ذكر أن الأخير من العيال يتصدق بالصاع على الأجنبي قال : « فلو تصدق به الأجنبي على المتصدق فطرة أو غيرها كره له تملكه كما قلناه في زكاة المال ، وهل تكون الكراهة مختصة بالأخير منهم؟ لأنه المباشر للصدقة عن نفسه ، أو هي عامة للجميع؟ الأقرب الثاني لصدق إعادة ما أخرجه من الصدقة إلى ملكه ، ولأن إخراجها إلى الأجنبي مشعر بذلك ، وإلا أعادها الأخير إلى الأول منهم » وفيه أن الأقرب الأول ، لأنه الذي يصدق عليه العود الى ملكه دون غيره ، والله أعلم.

وعلى كل حال فـ ( مع ) اجتماع الشروط يجب على المكلف أن يخرجها عن نفسه وعن جميع من يعوله فرضا أو نفلا أو إباحة أو كراهة بل أو حرمة في وجه مع صدق العيلولة من زوجة وولد وما شاكلهما من الأب والأم والجد وغيرهم من الأرحام الذين يعولهم وكذا يجب عليه أن يخرجها أيضا عن الضيف وما شابهه ممن يعولهم من الأجانب تبرعا من غير فرق في المخرج عنه في جميع ذلك صغيرا كان أو كبيرا حرا أو عبدا مسلما أو كافرا بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص يمكن دعوى تواترها فيه ، وفي‌ خبر عبد الله بن سنان (١) منها عن أبي عبد الله عليه‌السلام « كل من ضممت الى عيالك من حر أو مملوك فعليك أن تؤدي الفطرة عنه » وفي‌ صحيح عمر بن يزيد (٢) « سألت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٢.

٤٩٤

أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون عنده الضيف من إخوانه فيحضر يوم الفطر يؤدي عنه الفطرة فقال : نعم الفطرة واجبة على كل من يعول من ذكر أو أنثى صغير أو كبير حر أو مملوك » وفي‌ مرفوعة محمد بن أحمد بن يحيى (١) عنه عليه‌السلام أيضا « يؤدي الرجل زكاة الفطرة عن مكاتبه ورقيق امرأته وعبده النصراني والمجوسي ولما أغلق عليه بابه » قال المصنف في المعتبر : « وهذا وإن كان مرسلا إلا أن فضلاء الأصحاب ، أفتوا بمضمونه » قلت : لتضمن الصحاح وغيرها مضمونه ، وحينئذ فما في‌ صحيح ابن الحجاج (٢) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل ينفق على رجل ليس من عياله إلا أنه يتكلف له نفقته وكسوته أتكون عليه فطرته ، قال لا إنما تكون فطرته على عياله صدقة دونه ، وقال العيال الولد والمملوك والزوجة وأم الولد » مطرح أو محمول على أن المراد منه بيان عدم كفاية تكلف الإنفاق في الوجوب ، بل لا بد مع ذلك من صدق العيلولة كالزوجة والولد والمملوك وأم الولد ونحوهم ممن يعولهم الإنسان في الغالب ، لا أن المراد حصر الوجوب في الأربعة أو حصر العيال بهم ، لمنافاته حينئذ المقطوع به من النصوص والفتاوى ومعاقد الإجماعات.

إنما الكلام في قدر الضيافة المسبب للوجوب ففي المقنعة « ومن أضاف مسلما لضرورة به الى ذلك طول شهر رمضان أو في النصف الأخير الى آخره وجب عليه إخراج الفطرة عنه » وظاهره اعتبار النصف الأخير ، والذي يفهم من الانتصار والخلاف والغنية اعتبار طول الشهر ، وفي السرائر « ويجب إخراج الفطرة عن الضيف بشرط أن يكون آخر الشهر في ضيافته ، فأما إذا أفطر عنده مثلا ثمانية وعشرين يوما ثم انقطع باقي الشهر فلا فطرة على مضيفه ، فان لم يفطر عنده إلا في محاق الشهر وآخره بحيث يتناوله اسم الضيف فإنه يجب عليه إخراج الفطرة عنه ولو كان إفطاره عنده في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٣.

٤٩٥

الليلتين الأخيرتين فحسب » وظاهره عدم الاكتفاء بليلة فضلا عن لحظة في صدق الاسم ، وظاهر الوسيلة ونهاية الشيخ الاكتفاء بمسمى الإفطار عنده في الشهر ، وفي محكي المنتهى « اختلف علماؤنا في الضيافة المقتضية لوجوب الفطرة ، فقال بعضهم : يشترط ضيافة الشهر كله ، وشرط آخرون ضيافة العشر الأواخر ، واقتصر آخرون على آخر ليلة من الشهر بحيث يهل الهلال وهو في ضيافته ، وهو الأقرب عندي » ونحوه في التذكرة والتحرير واختار في المختلف قول ابن إدريس ، وفي المعتبر « اختلف الأصحاب فشرط بعضهم في الضيافة الشهر كله ، وآخرون العشر الأواخر ، واقتصر آخرون على آخر جزء من الشهر بحيث يهل الهلال وهو في ضيافته ، وهذا هو الأولى » وفي الدروس « ويكفي في الضيف أن يكون عنده في آخر جزء من رمضان متصلا بشوال سمعناه مذاكرة » وفي البيان « وموثق عمر بن يزيد (١) مطلق ، فيمكن الاكتفاء بمسمى الضيافة في جزء من الشهر بحيث يدخل شوال وهو عنده كما قال في المعتبر إلا أن مخالفة قدماء الأصحاب مشكل ».

قلت : إن كان مبنى هذا الخلاف دعوى توقف صدق العيلولة على ذلك بحيث يندرج في إطلاق اسم العيال فيستدل عليه بتلك النصوص التي علق الحكم فيها عليها فهو واضح الفساد ، ضرورة عدم اندراجه في الإطلاق المزبور على جميع الأقوال ، وأقصى ما يمكن تسليمه صدق العيال مع التقييد في شهر أو نصفه أو ليلة ونحوها ، والأول مدار الحكم لا الثاني ، فلا وجه للاستدلال عليه بتلك النصوص حينئذ ، بل لا وجه للاستدلال عليه بما في‌ خبر عبد الله بن سنان (٢) عن الصادق عليه‌السلام « كل من ضممت الى عيالك من حر أو مملوك فعليك أن تؤدي الفطرة عنه » وما‌ في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٨.

٤٩٦

آخر (١) « من ضممت إليك » فضلا عن غيرهما ، للعلم بكون المراد منهما من يعولهم تبرعا لا مطلق من يضمه وإن لم يصدق معه اسم العيال ، والموثق المزبور وإن أشعر باندراجه في مصداق من يعول به لكن يمكن أن يقال إن الجواب عن الضيف فيه بقول « نعم » ويكون ما بعده كلاما مستأنفا ، أو يقال إن المراد منه الاكتفاء بالعيلولة الضيفية لا أن المراد اندراجه تحت الموضوع المزبور ، فلا يتعدى حينئذ إلى غيره مما لا يعد ضيفا وإن عاله في تلك الليلة أو أزيد بحيث لا يعد في إطلاق العيال ومن يعول به ونحوه ، ولعل منه المدعوين من أهل البلد ونحوهم مما لا يصدق عليهم اسم الضيوف ، وإن كان مبنى الخلاف صدق الضيف فلا ريب في الاكتفاء في تحققه بنزوله في آخر جزء من نهار يوم الآخر ، ولا يتوقف على آخر ليلة فضلا عن الليلتين والعشر الأواخر والنصف وكل الشهر كما اعترف به ثاني الشهيدين وفخر الإسلام في المحكي من شرح إرشاده وغيره.

نعم يعتبر في وجوب الأداء عنه كونه ضيفا عند تعلق الوجوب كغيره ممن تخرج الفطرة عنه من العيال ، لأنه زمن الخطاب ، فلا يجدي السبق ، ولا اللحوق من دون الاتصال المذكور ، كما هو واضح ، ولا يحتاج للاستدلال عليه‌ بالنبوي (٢) « أدوا صدقة الفطرة عمن تمونون » بتقريب أنه يقتضي الحال والاستقبال ، وتنزيله على الحال أولى ، لأنه وقت الوجوب ، والحكم المعلق على وصف يتحقق عند حصوله لا مع مضيه ولا مع توقعه ، وقد عرفت عدم الحاجة الى ذلك.

كما أنه مما ذكرنا تعرف عدم اعتبار الإفطار عند المضيف في الصدق ، بل هو كذلك حتى على اعتبار الليلة والليلتين ، خلافا للمحكي عن الشيخ وابني إدريس وحمزة من الإفطار عنده ، وفي الدروس والأقرب أنه لا بد من الإفطار عنده في شهر رمضان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١٢.

(٢) سنن البيهقي ج ٤ ص ١٦١ مع اختلاف في اللفظ.

٤٩٧

وربما أيد بما يظهر من الموثق المزبور من كون المناط فيه العيلولة المتوقفة على ذلك ، وقد تقدم لك ما فيه ، ولقد أجاد في المسالك الضيف نزيل الإنسان وإن لم يكن قد أكل عنده ، لأن ذلك هو المفهوم منه لغة وعرفا. فلا يشترط أن يفطر عنده مجموع الشهر ولا نصفه الثاني ولا العشر الآخر ولا ليلتين من آخره ولا آخر ليلة على الأصح ، بل يكفي نزوله عليه قبل دخول شوال وبقاؤه عنده الى أن يدخل ، ويؤيده أن الضيف من ضاف بمعنى مال ، فيكفي فيه ميلة إليك ونزوله عليك ، نعم لا يطلق عرفا إلا على من نزل للأكل ، وأما تحقق الأكل فلا مدخل له ، وإلا لم يصدق عليه قبله ، وبطلانه ظاهر.

وكيف كان فـ ( النية معتبرة في أدائها ) كغيرها من العبادات ، إذ لا ريب في أنها منها لآية الإخلاص (١) وغيرها ، ولا يخفى عليك جريان ما يمكن جريانه مما تقدم من مباحث النية في الزكاة وغيرها ، بل ولا يخفى عليك أيضا انه لا يصح إخراجها من الكافر وإن وجبت عليه كالزكاة المالية والصلاة وغيرها ، لما عرفته من أن الايمان شرط في صحة العبادة فضلا عن الإسلام ، واحتمال عدم وجوبها باعتبار كونها طهرا وهو ليس من أهلها واضح الفساد ، ضرورة إمكان ذلك له بالإسلام والايمان ، فعمومات الأدلة حينئذ بحالها وقد عرفت أيضا فيما تقدم أنه لا ينافي ذلك أنه لو أسلم سقطت عنه كالزكاة المالية وقضاء الصلاة ونحوهما مما يجبه الإسلام مضافا الى صحيح معاوية بن عمار (٢) بالخصوص هنا ، وليس كذلك المخالف هنا ، لما سمعته سابقا من النصوص (٣) الدالة على إعادته الزكاة لو استبصر كما تقدم الكلام‌

__________________

(١) سورة البينة الآية ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب مقدمة العبادات.

٤٩٨

في ذلك مفصلا ، والله أعلم.

مسائل ثلاث : الأولى من بلغ قبل دخول ليلة الهلال التي هي غرة الشهر أو أسلم أو زال جنونه ولو الأدواري أو إغماؤه أو ملك ما به يصير غنيا وجبت الفطرة عليه بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وهو الحجة ، مضافا الى‌ صحيح معاوية بن عمار ، أو خبره (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في المولود ولد ليلة الفطر واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر قال : ليس عليهم فطرة ، ليس الفطرة إلا على من أدرك الشهر » ضرورة صدق الإدراك على محل الفرض ، وخصوص مورده لا يقدح في العموم الشامل لما نحن فيه المستفاد منه عدم الوجوب على من لم يدركه مضافا الى الأصل ، وإدراك الشهر مع عدم الاتصال بليلة الهلال كما لو زال الجنون في أثناء الشهر ثم جن أو صار غنيا ثم افتقر كذلك لا يجدي ضرورة معلومية كون المراد الاجتزاء بإدراك الشرائط آخر الشهر ، وأنه منتهى تحقق سبب الوجوب ، لا أن المراد حصولها آنا ما في أثناء الشهر وإن زالت ، إذ لا فرق حينئذ بين الشهر وبين باقي الأشهر السالفة بعد فرض عدمها حال وقت الوجوب ، كما هو واضح ، وفي‌ خبره الآخر (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال : لا قد خرج الشهر ، قال وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال : لا ».

وعلى كل حال فـ ( لو ) كان البلوغ أو الإسلام أو العقل أو الغنى بعد ذلك أي بعد دخول الليلة ما لم يصل العيد استحب له إخراج الفطرة كما هو المحكي عن الأكثر ، للمرسل (٣) في التهذيب « ان من ولد له قبل الزوال يخرج عنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٣.

٤٩٩

الفطرة ، وكذلك من أسلم قبل الزوال » وخبر محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عما يجب على الرجل في أهله من صدقة الفطرة قال : تصدق عن جميع من تعول من حر أو عبد صغير أو كبير من أدرك منهم الصلاة » المحمولين على الاستحباب جمعا بينهما وبين ما دل على نفي الوجوب من الأصل والإجماع بقسميه وخبر معاوية بن عمار (٢) والمناقشة فيهما بأنهما يدلان على خروج الفطرة عمن يدخل في العيال ما بين الغروب والصلاة أو يسلم كذلك لا على البلوغ والعقل والغنى كذلك يدفعها ظهور النص والفتوى في عدم الفرق بين الأمرين هنا ، ولذا كان الجواب في خبر معاوية بن عمار شاملا للحكمين معا.

واليه أومأ المصنف بقوله وكذا التفصيل بين ما قبل الهلال وما بعده في الوجوب والندب لو ملك مملوكا أو ولد له أو غيرهما مما يدخل في عياله نحو ما سمعته في خبر محمد بن مسلم بلا خلاف أجده سوى ما حكاه في المختلف من ظاهر قوله في المقنع : « وإن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة ، وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه ، وكذا إذا أسلم الرجل قبل الزوال وبعده » المحمول على الندب بقرينة قوله في الفقيه : « وإن ولد لك مولود يوم الفطر قبل الزوال فادفع عنه الفطرة استحبابا ، وإن ولد بعد الزوال فلا فطرة عليه ، وكذلك الرجل إذا أسلم قبل الزوال وبعده ، وهذا على الاستحباب والأخذ بالأفضل ، فأما الواجب فليست الفطرة إلا على من أدرك الشهر » وكيف كان فمراد المصنف وغيره من الصلاة منتهى وقتها وهو الزوال كما نص عليه بعضهم ، وأومأ إليه المرسل (٣) بل وخبر محمد بن مسلم (٤) بل هو مبنى كلام الصدوق وغيره.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٦.

٥٠٠