جواهر الكلام - ج ١٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

في عدم إخراج الزكاة ، بل معه تهلك الفقراء من الجوع ، سيما بالنسبة إلى بعض أفراد التوسعة وإن كانت هي مقيدة باللائق عند من جوزها ، بل يمكن دعوى ضرورة المذهب أو الدين على خلاف ذلك ، وأنه ليس إيتاء للزكاة ، ضرورة رجوع التوسعة على عياله إليه ، لأن الإنسان همه في كسبه وتعبه عياله. ولعل إطالة الكلام في ذلك من اللغو الذي نسأل الله العصمة منه.

وعلى كل حال فقد ظهر من ذلك كله أنه لا ينفع الأستاذ شي‌ء مما ذكرنا جوازه لأنه خاص بما إذا كان هناك جهة للفقر غير الإنفاق ، وأما هو فليس للمالك مع وجوبه عليه الدفع لا لحصول وصف الغنى بل لكونه ليس إيتاء للزكاة ، لأصالة عدم تداخل الأسباب ، ومن المعلوم عدم إرادة النفقة آنا فآنا حتى يقال : إنه يجوز له دفع الزكاة لذلك حال عدم الحاجة إليها ، بل المراد أنه متى كان بهذا الحال لا يجوز الاحتساب عليه لها مطلقا ، بل قد يقال بوجوبها عليه مطلقا وإن توقفت التأدية على شرائط متأخرة لحصول سبب الوجوب المستصحب فيما يأتي من الزمان.

نعم لو كان له جهة فقر غير الإنفاق كما إذا كان عنده من يعول به أو غير ذلك جاز الدفع إليه ، لإطلاق الأدلة السالم عن معارضة نصوص المقام بعد ظهورها بقرينة ما فيها من التعليل في النفقة ، بل لا يبعد بناء على عدم تقدير الإعطاء للفقير جواز الدفع اليه على وجه يستغني به عن الإنفاق.

هذا كله في الدفع من المالك ، أما الأجنبي فلا ينبغي التوقف في جواز الدفع منه للنفقة ، خلافا للفاضل ومن تبعه كالبهبهاني في شرح المفاتيح ، وعليك بالتأمل في المقام فإنه قد أطنب فيه بعض المعاصرين من الأعلام ، لكنه لم يأت بشي‌ء ، ولعل فيما ذكرنا الكفاية في ذلك ، بل وفي غيره من الفروع المذكورة في المقام ، مثل كون المراد بالزوجة هنا الدائمة دون المتمتع بها ، لأنها ذات النفقة الواجبة التي قد عرفت دوران الحكم مدارها‌

٤٠١

في النصوص السابقة ، نعم لو وجبت نفقتها بالنذر أو الشرط أو غيرهما أمكن القول بعدم الجواز حينئذ للتعليل المزبور ، وفي كشف الأستاذ « أن من نذر أو عاهد أو حلف أن ينفق عليه بحكم واجب النفقة من الأنساب ، أما الخادم الذي وجبت نفقته بخدمته بمعاملة صلح أو غيره أو الذي كانت الخدمة حرفة له فلا يجوز له الأخذ من مخدومه ولا غيره إلا في حوائج ضرورية أو للتوسعة مع دخولها في الحاجة » قلت : لكن ينبغي تقييد ذلك بما إذا كان النذر مثلا على وجه يستغني به ، لا ما إذا كان شهرا مثلا ونحوه ، بل لعل المتجه عدم الفرق بين الجميع بناء على عدم استحقاق المنذور له على الناذر ما نذره ، وأنه كالدين عليه.

ولو أسقطت الدائمة نفقتها بشرط أو بغيره من الوجوه الشرعية صارت كغيرها في جواز التناول ، ومن الغريب ما وقع هنا للأستاذ الأكبر في شرحه على المفاتيح فإنه بعد أن حكى عن الذخيرة الجواز في المتعة لعدم وجوب الإنفاق عليها قال : « هذا أيضا فيه ما فيه ، لأن الدائمة ربما لا تتمكن من أخذ النفقة ، وربما وقع اشتراط عدم النفقة ، وفي المتعة ربما يقع الاشتراط ، ومع عدمه ربما تكفي مئونتها كما هو المتعارف الغالب الآن ، فعدم الوجوب لا يصير علة ، بل العلة عدم كفاية المئونة ، مع أنه لا تفاوت بين بضعها وبين بضع الدائمة في القابلية للعوض ، فعندها العوض قبل إيقاع العقد ومتمكنة منه وبعد إيقاع العقد ، وإعطاء البضع من دون عوض يكون حالها حال الدائمة التي يشترط عليها عدم النفقة ، أو تهب النفقة لزوجها وتأخذ الزكاة بإدخال نفسها في الفقراء الغير المتمكنين من العوض شرعا مع تمكنها من العوض وتحصيل المئونة به ، فلا بد لها من عذر شرعي في ذلك ، إذ هي كمن عنده مئونة السنة ويهبها للرحم ، أو بعوض قليل غاية القلة ، أو يتلفها ويجعل الزكاة عليه حلالا بعد أن كانت حراما ، فمع العذر الشرعي يكون الأمر كما ذكره بلا شبهة ، وأما مع عدمه يكون‌

٤٠٢

حراما ، فعلى اعتبار عدم المعصية في الآخذ لا يجوز الدفع ولا الأخذ » إذ هو كما ترى من غرائب الكلام ، ضرورة معلومية كون المدار في الفرق بين الدائمة وغيرها وجوب الإنفاق وعدمه بناء على غالب الحال فيهما ، لا ما إذا فرض انعكاس الأمر بشرط أو نحوه ، فان الحكم حينئذ ينعكس ، وقوله : إن المدار على كفاية المئونة لا الوجوب واضح الفساد إذا كانت الكفاية بطريق التبرع ونحوه مما هو غير لازم ، ولذلك جاز دفع المالك زكاته إلى بعض من يعول به ممن لا يلزمه عيلولته بلا خلاف نصا وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه.

واليه أشار المصنف بقوله ويجوز دفعها إلى من عدا هؤلاء من الأنساب ولو قربوا كالأخ والعم بل في‌ موثق إسحاق بن عمار (١) أنهم أفضل من غيرهم ، من غير فرق بين الوارث منهم كالأخ والعم مع فقد الولد مثلا وعدمه ، خلافا لبعض العامة فمنع منه في الأول بناء منه على أن على الوارث نفقة الموروث ، وهو معلوم البطلان كما لا يخفى ، وأغرب من ذلك دعواه كون البضع من قبيل الأموال ، إذ هو وإن كان يقابل بالمال في بعض الأحوال لكن لا يعد بنفسه مالا بحيث تكون المرأة به غنية ، وبالجملة هذا الكلام كله خال عن الثمرة ، ولعله ليس للأستاذ المزبور كما لا يخفى.

ولو سقطت نفقة المرأة بالنشوز احتمل جواز الدفع إليها بناء على جوازها للفاسق ويحتمل العدم بسبب قدرتها على الطاعة ، بل في كشف الأستاذ الجزم به ، قال : « والزوجة الناشزة حكمها في المنع حكم غيرها ، وكذا العبد الآبق والأجير الممتنع » قلت : لكن لا يخلو من إشكال ، ضرورة اندراجها في إطلاق الأدلة وعمومها السالمين عن معارضة ما هنا بعد عدم وجوب الإنفاق عليها ، وقدرتها على الطاعة لا تدرجها تحت الموضوع المزبور الذي قد عرفت كونه المدار لا غيره ، مع إمكان منع صدق الغنى عليها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٢.

٤٠٣

بالقدرة المزبورة ، فتأمل جيدا.

وقد ظهر لك أيضا مما ذكرنا أنه لا إشكال في جواز دفع الزوجة زكاتها للزوج وكذا الأجير ومنذور النفقة وإن أنفقها عليهم ، لإطلاق الأدلة وعمومها السالمين عن معارضة وجوب الإنفاق وغيره ، فما عن ابني بابويه من المنع مطلقا حتى أنه جعله أحدهما من معقد ما حكاه عن دين الإمامية في أماليه على ما قيل واضح الضعف ، وكذا ما عن ابن الجنيد من الجواز لكن لا ينفق عليها منها ، بل هو أوضح فسادا من الأول كما لا يخفى ، هذا.

وكأن المصنف وغيره ممن ذكر المملوك في المقام تبعا للنص ، وإلا فالأصح أن المانع فيه الرقية لا وجوب النفقة ، ولذا لم يتفاوت الحال بين زكاة المالك وزكاة غيره ، بل ولا بين إعسار المولى ويساره في عدم جواز الدفع اليه من سهم الفقراء ، ولعله لظهور الأدلة في اعتبار كون المدفوع اليه من هذا السهم قابلا للملك ، خصوصا ما دل منها على جواز تصرف الفقير بما يقبضه من الزكاة كيف يشاء لأنه ملكه ، فضلا عن قوله تعالى (١) : ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ ) إلى آخره. ولذا صرح غير واحد باعتبار الحرية في أوصاف المستحق ، نعم لا بأس بالدفع اليه من سهم سبيل الله ، لعدم اعتبار الملك فيه ، بل لا بأس به حتى إذا لم يرض المولى مع اضطرار العبد كما صرح به الأستاذ في كشفه ، لكن قال : « يدفعها حاكم الشرع اليه » كما أنه قال أيضا : « ولو كان مولاه عاجزا عن نفقته وكان فقيرا أخذها لنفسه ودفعها اليه ، ولو أريد تعينها للعبد جعل دفعها اليه مشروطا على المولى ولزم ذلك على الأقوى ».

قلت : لا يخفى عليك أن للنظر في لزوم هذا الشرط مجالا ، وعلى كل حال فقد اختبط الأمر على بعض أعلام العصر ، فظن أن المانع من إعطاء العبد الزكاة يمنع مطلقا‌

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٦٠.

٤٠٤

حتى سهم سبيل الله ، فاعترض عليهم بأنه لا يعتبر فيه الملكية ، فلا وجه للمنع من الدفع اليه معللا بعدم قابليته للملكية ، ثم حمل ما دل على المنع منه حال وجوب نفقته من نص أو معقد إجماع على ما إذا بذلت له النفقة مطلقا ، واعترض على نفسه بأن ذلك يقتضي اتحاد هذا الشرط أي عدم كونه من واجبي النفقة مع اشتراط الفقر والتزم به ، وقال : إنه إلى الآن لم يظهر لي فرق بين الشرطين ، فجوز الدفع إلى واجبي النفقة من المالك وغيره مع الفقر ، وهو من غرائب الكلام ، بل لا يكاد أن يرجع إلى محصل ، وفرق واضح بين الشرطين كوضوح الثمرة المترتبة على كل منهما ، كما لا يخفى على من أحاط خبرا بما ذكرنا ، وكيف كان فمن المعلوم أن منع المالك من دفع الزكاة لمن وجبت نفقته عليه إنما هو من سهم الفقراء لا مطلقا ، أما إذا دخلوا تحت مستحقي باقي السهام فلا خلاف معتد به ، كما لا إشكال في جواز الدفع إليهم من المالك وغيره ، لعموم الأدلة السالم عن المعارض بعد تنزيل النصوص السابقة على الدفع من سهم الفقراء.

وحينئذ فـ ( لو كان من تجب نفقته عاملا جاز أن يأخذ ) من الزكاة ، وكذا الغازي والغارم والمكاتب وابن السبيل لكن يأخذ هذا ما زاد عن نفقته الأصلية مما يحتاج إليه في سفره كالحمولة لما عرفت من وجوب الأصلية أي نفقة الحضر ، فلا يدفعها المالك له زكاة ، بخلاف الزيادة فإنها ليست واجبة عليه ، وقد صرحت النصوص (١) بفك رقبة الأب من الزكاة وأنه خير رقبة وبوفاء دين الأب وأنه أحق من غيره بذلك ، فما عن ابن الجنيد من عدم جواز دفع السيد إلى مكاتبه من زكاته ليفك بها رقبته واضح الضعف ، وأضعف منه تعليله بعود النفع إليه ، إذ فيه أنه لا دليل على منع ذلك ما لم يستلزم عدم كونه إيتاء ونحوه مما ينافي ما دل على اعتباره في الزكاة ، كما هو واضح ، والله أعلم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ و ١٩ ـ من أبواب المستحقين للزكاة.

٤٠٥

الوصف الرابع أن لا يكون هاشميا ، فلو كان كذلك لم تحل له زكاة غيره الواجبة بلا خلاف أجده فيه بين المؤمنين بل وبين المسلمين ، بل الإجماع بقسميه عليه بل المحكي منهما متواتر كالنصوص (١) التي اعترف غير واحد بكونها كذلك إكراما لهم بالتنزيه عن أوساخ الناس التي هي من الرجس الذي أذهب الله عنهم وطهرهم عنه تطهيرا ، فحرمه عليهم وعوضهم عنه الخمس من غير فرق بين أهل العصمة منهم وبين غيرهم ، فما في‌ خبر أبي خديجة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « أعطوا من الزكاة بني هاشم من أرادها منهم ، وإنما تحرم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام عليه‌السلام الذي يكون بعده والأئمة عليهم‌السلام » بعد الغض عما في سنده مطرح أو محمول على حال الضرورة ، وبيان أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام عليه‌السلام بعده لا يضطر إلى ذلك ، أو على بعض الصدقات المندوبة التي يختص بالرفعة عنها منصب النبوة والإمامة ، أو غير ذلك.

ولا فرق في الحكم المزبور بين السهام كلها كما صرح به غير واحد ، وهو مقتضى إطلاق الأدلة حتى معقد الإجماع منها ، مضافا إلى تصريح‌ صحيح العيص (٣) عن الصادق عليه‌السلام بحرمة سهم العاملين عليهم الذي هو كالعوض عن العمل ، فغيره أولى ، قال فيه : « إن أناسا من بني هاشم أتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي وقالوا : يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله عز وجل للعاملين عليها فنحن أولى به فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم ، ولكن قد وعدت الشفاعة ، ثم قال أبو عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٥.

(٣) ذكر صدره وذيله في الوسائل في الباب ٢٩ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ١ وتمامه في فروع الكافي ج ٢ ص ٥٨.

٤٠٦

لقد وعدها فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أتروني مؤثرا عليكم غيركم » فما في كشف الأستاذ من التأمل في حرمة سهم سبيل الله عليهم وسهم المؤلفة والرقاب ـ مع فرضهما بارتداد الهاشمي ، أو كونه من ذرية أبي لهب ولم يكن في سلسلة مسلم ، وبتزويجه الأمة واشتراط رقية الولد عليه على القول به ـ في غير محله ، نعم هو كذلك بالنسبة إلى بعض أفراد سهم سبيل الله مما لا يعد أنه صدقة عليهم ، كالتصرف في بعض الأوقاف العامة المتخذة منه والانتفاع بها ونحو ذلك مما جرت السيرة والطريقة في عدم الفرق فيها بين الهاشمي وغيره وإن كانت متخذة من الزكاة ، مع أنها في الحقيقة كتناول الهاشمي الزكاة من يد مستحقها بعد الوصول إليه ، فإنه لا إشكال في جواز ذلك له ، ضرورة عدم كونها زكاة حينئذ ، كما هو واضح.

ويثبت الانتساب إلى بني هاشم بالشياع وبالبينة ، وفي كشف الأستاذ هنا بعد ذكرهما قال : « والظاهر الاكتفاء بادعائه أو ادعاء آبائه لها مع عدم مظنة الكذب ، والأحوط طلب الحجة منه على دعواه ، أما ادعاؤه في الفقر فمسموع ، وحكم الادعاء للنسب الخاص كالحسنية والحسينية والموسوية ونحوها حكم الادعاء للعام » قلت : للنظر في ذلك مجال وإن تقدم لنا في الفقر ما يقتضي القبول ، لكن لا على جهة الثبوت شرعا بذلك بل بالنسبة إلى دفع الخمس كدفع الزكاة لمن ادعى أنه أحد مصارفها ، نعم في المقام لا يبعد قبوله إلزاما له بإقراره ، فلا تدفع له الزكاة.

وعلى كل حال فالأحوط عدم دفعها للمتولد منهم ولو من زنا وإن كان قد يقوى خلافه ، لعموم الفقراء في مصرف الزكاة ، ولم يثبت أنه هاشمي بعد الانسياق للمتولد منهم بغير ذلك ، فيبقى مندرجا تحت العموم كمجهول النسب ولو كان كاللقيط المجهول نسبه عنده وعند الناس ، وإن كان الأحوط له تجنب ما عدا زكاة الهاشمي.

وكيف كان فالذي يحرم على الهاشمي زكاة غيره وتحل له زكاة مثله في النسب‌

٤٠٧

الذي هو الانتساب إلى هاشم وإن اختلفوا في الآباء بعده بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منهما مستفيض كالنصوص ، قال زرارة (١) في الموثق : « قلت للصادق عليه‌السلام : صدقات بني هاشم بعضهم على بعض تحل لهم قال : نعم » وسأله عليه‌السلام أيضا الشحام (٢) عن الصدقة التي حرمت عليهم فقال : هي الزكاة المفروضة ، ولم تحرم علينا صدقة بعضنا على بعض » وسأله عليه‌السلام أيضا إسماعيل بن الفضل الهاشمي (٣) « عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال : هي الزكاة ، قلت : فتحل صدقة بعضهم على بعض قال : نعم » وسأله عليه‌السلام ابن دراج (٤) أيضا « هل تحل لبني هاشم الصدقة؟ قال : لا ، قلت : لمواليهم قال : تحل لمواليهم ، ولا تحل لهم إلا صدقات بعضهم على بعض » وسأل ابن أبي نصر (٥) الرضا عليه‌السلام « عن الصدقة تحل لبني هاشم فقال : لا ، ولكن صدقات بعضهم على بعض » إلى غير ذلك من النصوص التي لا معارض لها إلا ما يجب حمله عليه لو سلم أن فيه تناولا لذلك ، وإلا كان عموم أدلة الزكاة كافيا في إثبات الحكم المزبور الذي لا غضاضة فيه عليهم بعد أن كانوا شجرة واحدة وبعضهم من بعض.

والظاهر أنه لا فرق في جميع السهام بالنسبة إلى بعضهم مع بعض ، فلا بأس حينئذ باستعمال الهاشمي على صدقات بني هاشم ، لكن في الدروس جعله احتمالا ، فقال : « ولو تولى الهاشمي العمالة على قبيله احتمل الجواز » وفيه أن المتجه بملاحظة الأدلة السابقة الجزم ، وأن احتمال العدم لإطلاق صحيح العيص (٦) ضعيف ، ضرورة قوة ما سمعته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب المستحقين للزكاة الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب المستحقين للزكاة الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب المستحقين للزكاة الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب المستحقين للزكاة الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ١.

٤٠٨

من النصوص المعتضدة بما عرفت بحيث لا يصلح ذلك لمعارضتها ، فوجب تنزيله على غير الفرض ، كما هو واضح ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( ان لم يتمكن الهاشمي ) من كفايته من الخمس جاز له أن يأخذ من الزكاة ولو من غير هاشمي كما عبر بذلك كثير ، بل في المختلف « قد بينا أنه لا يحل إعطاء الهاشميين من الزكاة في حال تمكنهم من الأخماس ، فإن قصر الخمس عن كفايتهم جاز أن يأخذوا من الزكاة قدر الكفاية ، وهل يجوز التجاوز عن قدر الضرورة؟ الأشهر ذلك ، وقيل : لا تحل » بل في الانتصار « ومما انفردت به الإمامية القول بأن الصدقة إنما تحرم على بني هاشم إذا تمكنوا من الخمس الذي جعل لهم عوضا عن الصدقة فإذا حرموه حلت لهم الصدقة ، وباقي الفقهاء يخالفون في ذلك ، دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه الإجماع المتردد ، ويقوى هذا المذهب بظاهر الأخبار وبأن الله حرم الصدقة على بني هاشم وعوضهم الخمس منها ، فإذا سقط ما عوضوا به لم تحرم عليهم الصدقة » وفي الغنية « فإن كان مستحق الخمس غير متمكن من أخذه أو كان المزكي هاشميا مثله جاز دفع الزكاة إليه بدليل الإجماع المشار اليه » وفي المدارك عن المنتهى « أن فتوى علمائنا على جواز التناول الزكاة مع قصور الخمس عن كفايتهم » وفي المعتبر « قال علماؤنا : إذا منع الهاشميون من الخمس حلت لهم الصدقة » إلى غير ذلك من عباراتهم التي ظاهرها جواز التناول بمجرد عدم التمكن من الخمس وإن تمكن مما هو جائز له مع الاختيار كزكاة مثله والصدقات المندوبة أو الواجبة غير الزكاة بناء على حلها لهم ، بل ظاهر عبارة المصنف جواز التناول بمجرد قصور الخمس عن مئونة السنة ، بناء على أن المراد من الكفاية ذلك كما هو المنساق ، بل لعل المراد من التمكن ما لا مشقة عليه في تحصيله ، فمتى كانت ولو من جهة ما يلاقيه من الذل ونحوه عد غير متمكن.

لكن لا يخفى عليك أنه لا دليل معتد به على هذا الحكم بهذا الإطلاق سوى‌

٤٠٩

ما أومأ إليه السيد بمعاوضة حرمة الزكاة بالخمس المتمكن منه ، فمع عدم الوصف تسقط المعاوضة ، ويكون حالهم كحال باقي الفقراء وإن تمكنوا من غيره مما هو حلال لهم ، وفيه أن الثابت من المعاوضة بالنسبة إلى الحكم أي حرم عليهم الزكاة وعوضهم بفرض الخمس على الناس من غير مدخلية للتمكن وعدمه ، وسوى قصور تناول أدلة التحريم لمثل الفرض ، فيبقى عموم أدلة الزكاة بحاله ، وفيه منع واضح ، كوضوح المنع للاستدلال بإطلاق خبر أبي خديجة (١) الذي خرج منه حال التمكن من الخمس بالإجماع ، فيبقى غيره ، ضرورة كونه من قسم المأول الذي ليس بحجة عندنا ، على أن ذلك كله تقرير صناعي إذا اختبرته لم نجد إذعانا للقلب منه بشي‌ء ، خصوصا بعد ورود‌ موثق زرارة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « لو كان العدل ما احتاج هاشمي ولا مطلبي إلى صدقة ، إن الله جعل لهم في كتابه ما فيه سعتهم ، ثم قال : إن الرجل إذا لم يجد شيئا حلت له الميتة ، والصدقة لا تحل لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئا ويكون ممن تحل له الميتة » وظاهره اعتبار شدة الحاجة في جواز التناول ، وأن المتناول مقدار الضرورة ، كالمتناول للميتة لمن اضطر إليها ، ومن هنا حكي عن الآبي التقدير بسد الرمق ، لكن قد يقال : إن المراد من ذلك التشبيه لا كونه كذلك حقيقة ، فينتقل منه حينئذ إلى أقرب المجازات ولذا قدره ابن فهد في المحكي عنه بقوت يوم وليلة لا مئونة السنة ، لأن الخمس لا يملك منه ما زاد عن مئونة السنة ، وهو له طلق ، فكيف ما لا يحل له إلا للضرورة ، وزاد آخر إلا مع عدم اندفاع الضرورة إلا به ، كأن لا يجد في اليوم الثاني ما يدفعها به.

فالذي يقوى في النظر عدم جواز التناول إلا مع شدة الحاجة ، ويمكن حمل كلام كثير من الأصحاب على ذلك وإن قصرت عبارتهم عن التأدية ، كما يومي اليه ما في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ١.

٤١٠

المختلف وغيره من كون الخلاف في جواز تناول مقدار الضرورة أو أنه لا يقدر بقدر ومقتضاه المفروغية من اعتبار كون المسوغ للتناول حال الضرورة ، ولكن الخلاف في المأخوذ حالها ، بل لعل التأمل في عبارة المتن يقتضي ذلك أيضا لقوله متصلا بما سمعت : وقيل : لا يتجاوز قدر الضرورة وأظهر منها عبارة المدارك ، وكذا شرح الأصبهاني للمعة ، فلاحظ وتأمل.

هذا كله بالنسبة إلى حال التناول ، وأما القدر المتناول فلا ريب أن الأحوط إن لم يكن الأقوى الاقتصار على ما يندفع به الضرورة ، قال الكركي في حواشي الكتاب : « الأصح أنه يدفع اليه قدر كفايته له ولعياله يوما فيوما ، ولو توقع ضرر الحاجة إن لم يدفع اليه ما يكمل به مئونة السنة عادة دفع اليه ذلك ، فلو وجد الخمس في أثناء السنة لم يبعد وجوب استعادة ما بقي من الزكاة » ونحوه عن حواشيه على الإرشاد ، قيل : وعكس في حواشي القواعد فذكر إعطاءه ما يكفيه لسنة له ولواجبي النفقة عليه إلا أن يرجى حصول الخمس في أثناء السنة على وجه لا يتوقع معه ضرر ، فإنه يعطى تدريجا ، قلت : الأحوط إن لم يكن الأقوى التدريج على كل حال حتى مع العلم ببقاء الضرورة عليه إلى تمام السنة ، لعدم جواز تقدم المسبب على السبب ، وعليه يسقط حينئذ تفريع الاسترجاع بعد التمكن من الخمس ، أما على القول الآخر ـ وهو عدم التقدير وصيرورته في حال الضرورة كالفقير من غير الهاشمي ، تمسكا بإطلاق ما دل على الإغناء المعلوم عدم إرادة مثل هذا الفرد منه ـ فالمتجه عدم الاسترجاع منه ، ضرورة حصول ملكه لها ، فلا يزول ، ودعوى كونه مراعى لا شاهد عليها ، فتأمل جيدا.

ثم إنه قد يظهر من جماعة كالسيد والشيخ والمصنف والفاضل في جملة من كتبه إلحاق جميع الصدقات الواجبة بالزكاة كالكفارة ونحوها ، بل ربما ظهر من الثلاثة في الانتصار والخلاف والمعتبر الإجماع عليه ، بل صرح بعضهم بأن من ذلك الصدقة الواجبة‌

٤١١

بالنذر وأخويه ، وآخر الصدقة الموصى بها ، وثالث الهدي الواجب ، وربما كان مقتضى ذلك حرمة رد المظالم الواجبة عليهم ، ضرورة كونها كالواجبة بالعارض بنذر ووصية ونحوهما ، لكنه لا دليل صالح لذلك ، إذ الإجماع المحكي ـ مع أنا لم نتحقق الإطلاق من معقده ، لاحتمال إرادة خصوص الزكاة من الصدقة الواجبة كما هو المتعارف في إطلاق النصوص ، خصوصا مع ذكرهم ذلك في باب الزكاة ، فلا يشمل حينئذ غيرها من الصدقة الواجبة بالأصل فضلا عن الواجبة بالعارض ـ موهون بمصير جماعة من المتأخرين كالفاضل في القواعد والمقداد في التنقيح والكركي في جامعه وثاني الشهيدين في الروضة والمسالك وسبطه في المدارك إلى خلافه ، وإطلاق كثير من الأخبار (١) الصدقة منساق إلى الزكاة ، أو مقيد بما دل على ذلك من‌ خبر الشحام (٢) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم فقال : هي الصدقة المفروضة المطهرة للمال » إلى آخره وخبره الآخر (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن الصدقة التي حرمت عليهم ما هي؟ فقال : هي الزكاة المفروضة » وخبر إسماعيل بن الفضل الهاشمي (٤) « سألت الصادق عليه‌السلام عن الصدقة التي حرمت على بني هاشم ما هي؟ فقال : هي الزكاة » وخبر جعفر بن إبراهيم الهاشمي أو صحيحه (٥) عن الصادق عليه‌السلام « قلت له : أتحل الصدقة لبني هاشم؟ فقال : إنما تلك الصدقة الواجبة على الناس لا تحل لنا ، فأما غير ذلك فليس به بأس ، ولو كان كذلك ما استطاعوا أن يخرجوا إلى مكة ، وهذه المياه عامتها صدقة » بناء على انسياق الزكاة من الصدقة الواجبة فيه ولو باعتبار العهدية‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب « أخبار الصدقة ».

(٢) لم نعثر على هذا الخبر إلى الآن بعد التتبع في كتب الأخبار.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٣.

٤١٢

المفهومة من اسم الإشارة ، وما دل (١) على كون الوجه في حرمتها عليهم أنها أوساخ وقد نزههم الله عنها وعوضهم بالخمس ، والمعروف كون الزكاة الأوساخ ، ولذا كانت مطهرة للمال ، ولا يخفى على من رزقه الله فهم لسانهم عليهم‌السلام ومعرفة إشاراتهم كون المحرم الزكاة خاصة ، فتقيد بذلك تلك النصوص (٢) المعلوم عدم إرادة مطلق الصدقات منها ، لخروج صدقة الهاشمي والصدقة المندوبة ونحو ذلك ، كما أنه لا يخفى من قرائن كثيرة اعتبار هذه النصوص ، فلا يقدح ضعف أسانيدها ، على أن التعارض بين هذه الإطلاقات وإطلاق ما دل (٣) على عموم مصرف الكفارة مثلا كإطلاق الأمر بالتصدق في غيرها من وجه ، فلا أقل من خروج هذه النصوص مرجحة لها عليها ، بل لولا ما يظهر من الإجماع على اعتبار اتحاد مصرف زكاة المال وزكاة الفطرة بالنسبة إلى ذلك لأمكن القول بالجواز في زكاة الفطرة ، اقتصارا على المنساق من هذه النصوص من زكاة المال ، خصوصا ما ذكر فيه صفة التطهير للمال الشاهد على كون المراد من غيره ذلك أيضا ، وكيف كان فالذي يقوى الجواز مطلقا وإن كان الأحوط خلافه.

هذا كله في الواجبة وأما غيرها فـ ( يجوز للهاشمي ) غير النبي والأئمة ( عليهم الصلاة والسلام ) أن يتناول المندوبة من هاشمي وغيره بلا خلاف أجده فيه بيننا كما اعترف به غير واحد ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل المحكي منه صريحا وظاهرا فوق الاستفاضة كالنصوص ، منها ما تقدم سابقا ، وفي‌ خبر عبد الرحمن بن الحجاج (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « لو حرمت علينا الصدقة لم يحل أن نخرج إلى مكة ، لأن كل ما بين مكة والمدينة فهو صدقة » نحو ما سمعته في خبر الهاشمي (٥)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٣) سورة المجادلة ـ الآية ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٣.

٤١٣

وما في‌ خبر إبراهيم بن محمد بن عبد الله الجعفري (١) قال : « كنا نمر ونحن صبيان ونشرب من ماء في المسجد من ماء الصدقة فدعانا جعفر بن محمد عليهما‌السلام فقال : يا بني لا تشربوا من هذا الماء واشربوا من ماء أبي » يمكن حمله على ماء أشتري بمال الزكاة ، أو أن المراد ترجيح الشرب من مائه لا على تحريم الماء الآخر ، أو غير ذلك ، لما عرفت من أنه لا إشكال نصا وفتوى في عدم حرمة المندوبة عليهم ، مضافا إلى ما دل على رجحان برهم وإعانتهم والإحسان إليهم ونحو ذلك من غير فرق بين أفراد ذلك فيشمل حينئذ الصدقة المندوبة وإفراضهم والاهداء إليهم والوقف عليهم ونحوها ، بل ربما قيل : إن الكل من قسم الصدقة ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « كل معروف صدقة » وإن كان فيه ما فيه ، والخبر محمول على إرادة التشبيه بالنسبة إلى الثواب ونحوه ، لا أن المراد منه بيان أفراد الموضوع كما هو واضح ، وعلى كل حال فالحكم مفروغ منه.

نعم قد يتوقف في الصدقة المندوبة بالنسبة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل عن التذكرة وثاني الشهيدين حرمتها عليه ، لما فيها من الغضاضة والنقص وتسلط المتصدق وعلو مرتبته على المتصدق عليه ، وأن له المنة عليه ، ومنصب النبوة أرفع وأجل وأشرف من ذلك ، ول‌ قوله عليه‌السلام (٣) : « إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة » لكن صريح جماعة وظاهر آخرين الجواز أيضا ، بل في المعتبر نسبته إلى علمائنا وأكثر أهل العلم ، للإطلاق ، ولعل الأول أقوى بالنسبة إلى بعض أفرادها ، كالزكاة المندوبة التي هي من الأوساخ أيضا ، وبعض الصدقات الخسيسة كالتي توضع تحت رؤوس المرضى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الصدقة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٦.

٤١٤

ونحوها مما لا يليق بمنصب النبوة ، والامام عليه‌السلام كالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ذلك ، وقولهم عليهم‌السلام (١) : « لو حرمت علينا الصدقة » إلى آخره إنما تدل على إباحة مثل هذه الصدقات التي هي كالأوقاف العامة ، ولا غضاضة عليهم في التناول منها ، لا مطلق الصدقات ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( الذين تحرم عليهم الصدقة الواجبة من ولد هاشم خاصة على الأظهر ) الأشهر ، بل المشهور ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، خلافا للإسكافي والمفيد فألحقا به أخاه المطلب ، ولا ريب في ضعفه ، كما أوضحنا ذلك في كتاب الخمس ، مع أن المسألة قليلة الثمرة ، لعدم معلومية من ينتسب إليه في هذا الزمان ، بل لم نعلم من ذرية هاشم إلا العلويين ، وربما قيل والعباسيين ، لكن في المتن وهم الآن أولاد أبي طالب عليه‌السلام والعباس والحارث وأبي لهب ولم يثبت عندنا الآن من ينتسب إلى الأخيرين ، بل الظاهر أن العباسيين أقرب إلى الإثبات منهما ، فكان الأولى ذكرهم (٢) والأمر سهل بعد أن عرفت الحال في المشكوك فيه منهم ، والله أعلم.

( القسم الثالث )

( في المتولي للإخراج )

وهم ثلاثة : المالك والامام عليه‌السلام والعامل بل أربعة بإضافة نائب المالك ، والاستغناء بذكر المالك عنه يقتضي الاستغناء بذكر الامام عليه‌السلام عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ١.

(٢) الظاهر من هذه العبارة أن « العباس » لم يكن في النسخة التي كانت عند الشيخ قدس‌سره ولكنه موجود في كثير من النسخ.

٤١٥

العامل الذي هو وكيل عنه أيضا ، فيتجه حينئذ الاقتصار على الأصلين دون الفرعين ، بل إن أريد من الإخراج أداء الزكاة على وجه القربة كان المتولي أصالة المالك خاصة ، إذ الامام إن دفعت اليه على وجه الولاية عن الفقراء كان ذلك إخراجا من المالك ، وإن كان على وجه النيابة عن المالك فهو كباقي الوكلاء عنه ، وبالجملة فعبارة المتن غير نقية إلا أن الأمر سهل بعد وضوح الحكم.

وعلى كل حال فـ ( للمالك أن يتولى تفريق ما وجب عليه بنفسه وبمن يوكله ) إذ لا خلاف بيننا بل بين المسلمين كافة في قبول هذا الفعل للنيابة التي استفاضت بها النصوص (١) أو تواترت ، بل جملة (٢) منها دالة على الحكم الآخر ، وهو تفريق المالك نفسه ، مضافا إلى إطلاق الأدلة والنصوص الأخر التي بملاحظتها جميعا يشرف الفقيه على القطع بذلك ، خصوصا نصوص (٣) الأمر بإيصالها إلى المستحقين ، ونصوص (٤) نقل الزكاة إلى بلد آخر ، ونصوص (٥) شراء العبيد ، وغير ذلك ، وإلى السيرة القطعية بل لعل الحكم المزبور وسابقه من الضروريات بين العلماء ، نعم قد يستفاد من سيرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيام حياته ومن قام مقامه خصوصا سيدنا أمير المؤمنين عليه‌السلام في خلافته أنهم كانوا يجبون الصدقات ويرسلون العمال عليها ، كما دل عليه صحيح عبد الله بن سنان (٦) المتضمن أنه لما نزلت آية الزكاة (٧)( خُذْ مِنْ

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ و ٣٦ ـ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

(٧) سورة التوبة ـ الآية ١٠٤.

٤١٦

أَمْوالِهِمْ ) إلى آخره أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مناديه فنادى في الناس أن الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ـ إلى أن قال ـ : ثم تركهم حولا ، ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق ، ونصوص (١) الأمر بخرص النخيل وإرسال أمير المؤمنين عليه‌السلام مصدقا يقبض الزكاة وينقلها اليه (٢) وغير ذلك من النصوص التي يستفاد منها ذلك ، مضافا إلى ما يومي اليه قوله تعالى (٣) ( وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ).

ولعله لذا أفتى الشيخ بوجوب نصب الامام عليه‌السلام عاملا للصدقات ، بل في الحدائق أنه المشهور إلا أنه يمكن حملها على زمان بسط اليد والتسلط لا زمن الغيبة وما في حكمه من زمن التقية ، ومن هنا استفاضت النصوص (٤) فيما يستفاد منه تولي المالك نفسه أو وكيله ، لأن جميعها أو غالبها منهم عليهم‌السلام في زمن قصور اليد ، حتى ورد في‌ خبر جابر المروي (٥) عن العلل امتناع الامام عليه‌السلام من قبضها ، قال : « أقبل رجل إلى الباقر عليه‌السلام وأنا حاضر فقال : رحمك الله اقبض مني هذا الخمس مائة درهم فضعها في مواضعها فإنها زكاة مالي ، فقال عليه‌السلام : بل خذها أنت وضعها في جيرانك والأيتام والمساكين وفي إخوتك من المسلمين ، إنما يكون هذا إذا قام قائمنا عليه‌السلام فإنه يقسم بالسوية ويعدل في خلق الرحمن البر والفاجر ».

وكأن المفيد وأبا الصلاح وابن البراج اغتروا بتلك النصوص فأوجبوا حملها إلى الامام عليه‌السلام مع ظهوره ، ومع غيبته فالى الفقيه المأمون من أهل ولايته ، لأنه القائم مقامه عليه‌السلام في ذلك وأمثاله ، بل ألحق التقي منهم الخمس وكل حق وجب إنفاقه بها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب زكاة الغلات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٣) سورة التوبة ـ الآية ٦٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ و ٣٦ ـ من أبواب المستحقين للزكاة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ١.

٤١٧

أيضا ، وغفلوا عن النصوص الأخر الدالة على جواز تولي المالك ذلك التي هي فوق التواتر ، بل مضمونها كالضروري بين الشيعة ، والآية المشتملة على أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالأخذ ـ التي يجري البحث فيها على نحو آية النداء (١) في صلاة الجمعة ، فلا يكون فيها دلالة على حكم هذا الزمان ونحوه ـ يمكن اختصاصها فيمن هم مرجع الضمير فيها ، وهم الذين أشار إليهم بقوله تعالى (٢) ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً ) فلا تدل حينئذ على وجوب الأخذ من غيرهم ، مع احتمال كون الصدقة فيها غير الزكاة ، بل هي أموال كانوا يعطونها لتكفير ما أذنبوه من التخلف ، فإنه‌ روي (٣) « انهم قالوا : يا رسول الله هذه أموالنا التي خلفتنا عنك فتصدق بها عنا وطهرنا واستغفر لنا ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أمرت أن آخذ من أموالكم شيئا ، فأنزل الله هذه الآية » كاحتمال القول بأن الأمر بالأخذ لا يستلزم وجوب الإعطاء ، بل جزم به الفاضل في المحكي من نهايته في الأصول ، وقال : « لا يقال وجوب الأخذ إنما يتم بالإعطاء ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ، لأنا نقول : الأمر هنا إن كان بالطلب لم يتوقف على الإعطاء ، وإن كان بالأخذ لم يكن الإعطاء واجبا ، لأن ما لا يتم الواجب إلا به إنما يكون واجبا لو كان مقدورا لمن وجب عليه الأخذ ، وإعطاء الغير غير مقدور لمن وجب عليه الأخذ ، فلا يكون واجبا » واليه يرجع ما في المختلف من قوله بعد تسليم أن الأمر للوجوب. إنما يدل على وجوب الأخذ عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا دفعت اليه ، ولا يستلزم ذلك وجوب الدفع اليه ، هذا كله بعد القول بكون الأمر هنا للوجوب ، وهو غير معلوم ، لاحتمال كونه من الأمر بعد الحظر ، فيكون للإباحة ،

__________________

(١) سورة الجمعة ـ الآية ٩.

(٢) سورة التوبة ـ الآية ١٠٣.

(٣) تفسير الرازي ج ١٥ ص ١٧٥ وتفسير الطبري ج ١١ من ص ١٢ إلى ١٧.

٤١٨

والأقوى في الجواب أن الآية عند بسط يد الامام وظهور السلطنة التي أشير إليها بقوله عليه‌السلام (١) : « الامام يرى رأيه بقدر ما رآه. فان رأى أن يقسم الزكاة على السهام التي سماها الله قسمها ، وإن أعطى أهل صنف واحد رآهم أحوج لذلك في الوقت أعطاهم ».

ومما يؤيد ذلك أنه بعد موت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما اغتصب الناس منصب السلطنة جروا على آثارها ، وأرسلوا عمالهم على جبايتها ، وحاربوا من منعها ، واستحلوا دماءهم وسموهم أهل الردة ، وفي‌ دعائم الإسلام (٢) « وإن أحدا لم يكن يفرق زكاته بنفسه كاليوم » بل عن أكثر فقهاء العامة إيجاب الدفع إلى الأمراء وإن علم عدم صرفها في محالها ، ورووا ذلك عن سعد بن مالك وأبي سعيد الخدري وعبد الله ابن عمر وأبي هريرة وعائشة والحسن البصري وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي وسعيد ابن جبير والأوزاعي والشافعي وأبي ثور وغيرهم حتى حكي عن بعضهم أنه سئل عن الزكاة فقال : ادفعوها إلى الأمراء ولو أكلوا بها لحوم الحيات ، وعن آخر أنه سئل كذلك فأجاب بالدفع إلى الأمراء ، فقيل له : إنهم يشترون بها العقد والدرر وينفقونها فقال : ما أنتم وذلك ، أمرتم بدفعها إليهم وأمروا بصرفها في وجوهها ، فعليكم ما حملتم وعليهم ما حملوا ، وعن ابن عمر أنه قال : أربعة إلى السلطان : الزكاة والجمعة والفي‌ء والحدود ، وأنه قيل : إن السلطان يستأثر بالزكاة فقال : ما أنتم وذلك ، أرأيتم لو أخذتم لصوصا فقطعتم بعضا وتركتم بعضا أكنتم مصيبين؟ قالوا : لا ، قال : فلو رفعتم إلى السلطان فقطع بعضهم وترك بعضهم أكان عليكم من ذلك شي‌ء؟ قالوا : لا ، قال :

__________________

(١) البحار ـ ج ٢٠ ص ١٩ من طبعة الكمباني.

(٢) دعائم الإسلام ج ١ ص ٣١٢ وفيه « وإن أحدا لم يكن يفرق زكاة ماله على المساكين كما يفعل اليوم عامة الناس. إلخ ».

٤١٩

ولم؟ قالوا : لأنا قد فعلنا ما كان علينا أن نفعله من رفعهم إلى السلطان ، وما فعله فعليه ، قال : صدقتم وهكذا تجري الأمور ، إلى غير ذلك مما حكى عنهم في دعائم الإسلام التي صرح فيها بأن طريقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن قام مقامه كان على نقل الصدقات وجمعها من أيدي أهلها ، وأنه لا إذن لأحد منهم في تفرقتها وتوزيعها ولعله كذلك في زمن السلطنة الربانية لا في زمن الغيبة والتقية التي قد أمرنا فيها بإخفاء الأحكام الشرعية الخفية ، فضلا عن نقل المال وجمعه المؤدي إلى استئصال الشيعة.

لكن ومع ذلك كله لا ريب في أن الأولى مع الإمكان حمل ذلك إلى الامام عليه‌السلام أو نائبه ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، لأنه أبصر بمواقعها وأعرف بمواضعها ، وفيه رفع للتهمة وهوى النفس في التفضيل وغير ذلك وفي المتن وغيره أنه يتأكد الاستحباب في الأموال الظاهرة كالمواشي والغلات لكن في المدارك أني لم أقف على حديث يدل عليه بمنطوقه ، ولعل الوجه فيه ما يتضمنه من الإعلان بشرائع الإسلام والاقتداء بالسلف الكرام ، قلت : وهو كذلك إلا أن أمره سهل يتسامح فيه ، نعم قد فرق أبو عبيد بينهما فأوجب نقل هذه إلى الأمراء ، ولا يجزيه الدفع من نفسه إلى الفقراء مثلا ، بخلاف زكاة الذهب والفضة فجوز للمالك الأمرين ، وقال الشيخ في المحكي من مبسوطة : « والأموال على ضربين ظاهرة وباطنة ، فالباطنة الدنانير والدراهم وأموال التجارات فللمالك الخيار في هذه الأشياء بين أن يدفعها إلى الامام أو من ينوب عنه وبين أن يفرقها بنفسه على مستحقيه بلا خلاف في ذلك ، وأما زكاة الأموال الظاهرة مثل المواشي والغلات فالأفضل حملها إلى الامام إذا لم يطلبها » ولعله يريد ما في المحكي من خلافه « الأموال الباطنة لا خلاف في أنه لا يجب دفع زكاتها إلى الامام ، وصاحب المال بالخيار بين أن يؤديها للإمام وبين أن يؤديها بنفسه ، وأما الظاهرة فعندنا يجوز أن يؤديها بنفسه ـ إلى أن قال ـ : وفي القديم يجب عليه دفعها إلى‌

٤٢٠