جواهر الكلام - ج ١٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

مراده على الظاهر ـ وبقرينة ما ذكره في المعتبر « أنه يشكل » ـ تعيين الثابتة من الساقطة على تقدير الوجوب ، لعدم صلاحية ما ذكروه لذلك ، وقد عرفت مثله على تقدير الندب ، فتأمل.

فالمتجه أيضا إن لم يثبت إجماع التوقف في الحكم وفي العمل على الاحتياط ، لمعلومية انقطاع أصالة البراءة بيقين الشغل ، فيؤدي الزكاة غير ناو خصوص أحدهما ، مقتصرا على أقلهما قدرا لسلامة الأصل هنا في نفي الزائد ، لعدم ارتباط جزء منهما بالآخر ، وكذا جواز بيع العين ، لعدم معلومية تعلق الحق فيها ، لاحتمال كون الثابتة زكاة التجارة ، ومحلها الذمة كما عرفت لا العين ، فتأمل.

ثم لا يخفى عليك أن المراد من عدم الثني بقرينة حسن ابن مسلم (١) عدم ثبوت الزكاتين الماليتين ، فلا يقدح اجتماع زكاة الفطرة مع المالية كما في العبد المشتري للتجارة ولا الخمس مع الزكاة ، ولا غير ذلك ، إنما الكلام في اعتبار اتحاد العام في ذلك ، فلا يقدح اجتماعهما في المال مع اختلاف العام وإن اشتركا في بعضه ، وعدم اعتبار ذلك ، وجهان بل قولان ، أولهما أقرب إلى مدلول الحسن ، كما أن ثانيهما أوفق بمدلول النبوي (٢) كما أن اختصاص ذلك بما يعتبر في زكاته الحول أو الأعم كما لو انتقلت إليه غلة للتجارة قبل تعلق الزكاة فيها كذلك أيضا بالنسبة إلى النبوي والحسن ، فتأمل ، والله أعلم.

المسألة الثالثة لو عاوض أربعين سائمة كانت عنده للتجارة بعض الحول بأربعين سائمة للتجارة سقط وجوب المالية والتجارة واستأنف الحول فيهما فان مضى وشرائط كل منهما مجتمعة قدمت المالية بناء على ما سمعت ، أو توقف في الحكم ورجع في العمل إلى ما ذكرنا بناء على ما قدمنا ، وإن اختلت الشرائط في إحداهما ثبتت‌

__________________

(١) الظاهر أن الصواب حسن زرارة كما تقدم في ص ٢٧٩.

(٢) النهاية لابن الأثير مادة « ثني » و « ثنى » على وزن « إلى ».

٢٨١

الأخرى ، ولا يحكم بسقوط أحدهما على التعيين قبل مضي الحول ، ولذلك قال : استأنف الحول فيهما وقيل والقائل الشيخ بل تثبت زكاة المال مع تمام الحول دون التجارة من غير استئناف لأن اختلاف العين مع الاتفاق في الجنس لا يقدح في الوجوب في المالية مع تحقق كلي النصاب في الملك ، والأول أشبه بأصول المذهب ، وبالمستفاد من نصوص الباب (١) وهو كذلك بالنسبة إلى المالية ، لما عرفته سابقا من ظهور النص والفتوى في اعتبار بقاء شخص النصاب تمام الحول ، أما التجارة فعن ظاهر المفيد وابن بابويه اعتبار البقاء فيها أيضا ، وبه صرح في المعتبر لأنه مال ثبتت فيه الزكاة فيعتبر بقاؤه كغيره ، وبأنه مع التبدل تكون الثانية غير الأولى ، فلا تجب فيها الزكاة ، لأنه لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول ، ولظاهر ما حكي من الإجماع على اعتبار ما يعتبر في المالية فيها ، ولإطلاق ما دل على اعتبار البقاء ، كقوله عليه‌السلام (٢) : « كلما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا زكاة فيه » الشامل للمالية والتجارة ، واختاره في المدارك وعن غيرها ، واستدل عليه زيادة على ما عرفت بأن مورد النصوص المتضمنة لثبوت هذه الزكاة السلعة طول الحول ، كما يدل عليه‌ قوله عليه‌السلام في حسنة ابن مسلم (٣) المتقدمة : « وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة » وفي رواية أبي الربيع (٤) « إن كان أمسكه يلتمس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة » وقريب منهما صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق (٥) الواردة في الزيت.

لكن قد يقوى خلاف ذلك وفاقا للعلامة ومن تأخر عنه ، بل هو صريح المحكي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الأنعام والباب ١٣ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

٢٨٢

عن المبسوط أيضا ، بل في التذكرة الإجماع عليه ، بل في محكي إيضاح الفخر لا خلاف بين الكل في بناء حول التجارة على حول الأولى ، وإنما النزاع في بناء العينية ، لظهور النصوص في عدم اعتبار ذلك كصحيح محمد (١) « كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول » والضمير المجرور بعد وصف المال بالعمل به لا يقتضي التشخيص ضرورة صدقه على المال المتقلب ، وخبر شعيب (٢) « كل شي‌ء جر عليك المال فزكه » وموثق سماعة (٣) « سألته عن الرجل يكون معه المال مضاربة هل عليه في ذلك المال زكاة إذا كان يتجر به؟ فقال : ينبغي له أن يقول لأصحاب المال : زكوه ، فان قالوا : إنا نزكيه فليس عليه غير ذلك ، وإن هم أمروه بأن يزكيه فليفعل ، قلت : أرأيت لو قالوا : إنا نزكيه والرجل يعلم أنهم لا يزكونه؟ قال : فإذا هم أقروا بأنهم يزكونه فليس عليه غير ذلك ، وإن هم قالوا : لا نزكيه فلا ينبغي له أن يقبل ذلك المال ولا يعمل به حتى يزكوه ».

بل قد يشهد له أيضا النصوص التي حملها الأصحاب على نفي الوجوب جمعا بينها وبين ما دل على الوجوب بحمله على الندب ، كقول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن بكير وعبيد وجماعة (٤) : « ليس في المال المضطرب به زكاة » وصحيح زرارة (٥) المشتمل على منازعة عثمان وأبي ذر وغيرهما مما تقدم ذكره في ذلك المبحث ، ضرورة ظهور الجميع في الكناية بالاضطراب والعمل به والاتجار به والدوران ونحو ذلك عن مال التجارة ، فمع فرض كون المراد منها نفي الوجوب والمراد من الأمر في النصوص الأخر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

٢٨٣

الندب ظهر حينئذ أن موضوع مال التجارة الثابت فيه الحكم أعم من الباقي سنة ، بل ربما ظهر بعد التأمل أن الغالب في مال التجارة التقلب والدوران ، كل ذلك مع أن الحكم ندبي ، وليس في النصوص التي ذكرها سيد المدارك ظهور في اشتراط المكث سنة ، بل أقصاها ثبوت الزكاة فيه كما اعترف هو به ، فلا تعارض ما دل على الإطلاق ، ويمكن أن يكون السؤال فيها عن المال الماكث لتخيل سقوط الزكاة عنه بالمكث باعتبار بناء مال التجارة على التقلب والتغير ، لا أن السؤال لمعلومية عدم الزكاة عن الذي لا يبقى ولا يتغير ، وكذا ليس في النصوص الدالة على اعتبار الحول بعد أن كان موضوعها المال الذي يعمل به كما سمعته في‌ صحيح محمد ، وقال في صحيحه الآخر (١) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل توضع عنده الأموال يعمل بها فقال : إذا حال عليها الحول فليزكها ».

ومن ذلك يعلم عدم منافاة غيرها من النصوص العامة لذلك ، كقوله عليه‌السلام (٢) : « كلما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا زكاة فيه » ضرورة كون المراد منها بيان اشتراط الحول في المال الذي جمع غير ذلك من شرائط الزكاة ، فيكون حينئذ كل حول في المال على حسب حاله ، فمع فرض كون الموضوع في مال التجارة الأعم من الماكث كان مندرجا فيها أيضا على حسب حاله ، كما هو واضح بأدنى تأمل.

وقد ظهر من ذلك كله قوة ما اختاره العلامة ومن تأخر عنه ، لكن مع ذلك كله لا يكون القول المقابل له ساقطا عن درجة الاعتبار بحيث لا ينبغي صدوره من مثل المصنف حتى يحتاج إلى تأويل عبارته هنا كما وقع من ثاني الشهيدين والمحققين ، فحمل أولهما الأربعين الأولى على أنها للقنية وحمل سقوط التجارة على الارتفاع الأصلي ، وهو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

٢٨٤

انتفاؤها ، قال : « وغايته أنه يكون مجازا ، وهو أولى من اختلال المعنى مع الحقيقة » وهو كما ترى مع بعده أو فساده لا ضرورة تلجى‌ء اليه ، وقال ثانيهما في توجيه العبارة بما لا ينافي الإجماع الذي حكاه الفاضل : « إن ما مضى من الحول ينقطع بالنسبة إلى المالية والتجارة معا ، أما المالية فلتبدل العين في أثناء الحول ، وأما التجارة فلأن حول المالية يبتدأ من حين دخول الثانية في ملكه ، فيمتنع اعتبار بعضه في حول التجارة ، لأن الحول الواحد كما لا يمكن اعتباره للزكاتين فكذا بعضه » وفيه ـ مع أنه مخالف لظاهر قوله : « استأنف » إلى آخره ومبني على أحد القولين في المراد من الثني كما سمعته سابقا ـ أنه قد يقال : بأن المتجه في الفرض ثبوت زكاة التجارة عند تمام الحول ، وعدم جريان النصاب في العينية إلا بعد تمام حول التجارة بناء على التنافي بين الزكاتين ، لسبق سبب زكاة التجارة على العينية ، خصوصا بناء على الوجوب ، فتأمل جيدا فإنه بعد الإحاطة بما ذكرنا لم يبق لك إشكال في المقام ، والله المؤيد والمسدد.

المسألة الرابعة إذا ظهر في مال المضاربة الربح كانت زكاة الأصل مع اجتماع الشرائط على رب المال بلا خلاف ولا إشكال لانفراده بملكه ، وأما زكاة الربح بناء على أنه من توابع مال التجارة فتشمله الأدلة حينئذ ، فهي بينهما أي المالك والعامل بناء على أنه يملك الربح لا أجرة المثل ، وأنه بالظهور دون الإنضاض ودون القسمة كما هو محرر في محله ، بل في المسالك وعن غيرها لا يكاد يتحقق مخالف في ملكه بالظهور ، وحينئذ تضم حصة المالك إلى ماله لكونهما مال شخص واحد وتخرج منه الزكاة ، لأن رأس ماله نصاب كما هو المفروض ، فيزكي الربح حينئذ مع بلوغه النصاب الآخر وإن قلنا باختلاف الحول في كل منهما ، إذ اختلافه لا يقدح في الانضمام المذكور الحاصل من إطلاق أدلة النصاب ولا يستحب أو لا يجب في حصة الساعي الزكاة إلا أن تكون نصابا لمعلومية اشتراطه في زكاة مال التجارة كاشتراط‌

٢٨٥

الحول وغيره مما عرفت ، واحتمال عدم الزكاة عليه ـ كما هو خيرة المحكي عن ثاني المحققين بل ربما مال اليه فخر المحققين وسيد المدارك ، لعدم الملك حقيقة ، وإلا لملك ربح الربح فيما لو كان رأس المال عشرة مثلا فربح عشرين ثم ثلاثين من أن الخمسين بينهما على حسب الشرط في ابتداء المضاربة من غير ملاحظة لحصة ربحه من العشرين الأولى ، بل ربما يؤيده ما في ذيل‌ موثق سماعة (١) المروي في الكافي قال : « سألته عن الرجل يربح في السنة خمسمائة وستمائة وسبعمائة هي نفقته ، وأصل المال مضاربة ، قال : ليس عليه في الربح زكاة » ـ واضح الضعف ، لما تعرفه في باب المضاربة من أنه لا إشكال في ملكه حقيقة بالظهور ، ولا ينافيه عدم ملكه ربح الربح لأمور تعرفها في محلها إن شاء الله تعالى منها لزوم استحقاقه من الربح أكثر ما شرط له ، ولا يثبت بالشرط ما يخالف مقتضاه ، والخبر (٢) محمول على عدم حول الحول باعتبار إنفاقه منه ، أو عدم تأكد الندب بالنسبة إليه ، لكون الفرض انحصار نفقته فيه كما تسمعه إن شاء الله تعالى في جملة من النصوص (٣) المذكورة في حكم ذي الحرفة ، فلا إشكال حينئذ من هذه الجهة ، كما لا إشكال في ضعف تعليل العدم أيضا بعدم إمكان التصرف فيه إلا بالقسمة ، ضرورة عدم منع الشركة الزكاة كما في المال المشترك البالغ نصيب كل منهما منه نصابا.

وهذا كله واضح ، إنما الكلام في أن هل للعامل أن يخرج الزكاة من عين مال المضاربة قبل أن يستقر ملكه عليه بأن ينض المال ويتحول عينا ويقسم مع المالك ، أو يفسخ؟ قيل والقائل الشيخ في ظاهر المبسوط في أول كلامه والتحرير والموجز وكشفه والعليين وغيرهم على ما حكي لا يجوز لأنه أي الربح وقاية لرأس المال فإذا أخرجه واتفق خسران رأس المال كان النقص على المالك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب المستحقين للزكاة.

٢٨٦

فهو حينئذ كالمرهون عنده لذلك وقيل والقائل الشيخ في ظاهر الخلاف والفاضلان في المعتبر والإرشاد نعم ، لأن استحقاق الفقراء له أخرجه عن كونه وقاية وهو أشبه بأصول المذهب وقواعده بناء على تعلق زكاة التجارة بالعين ، إذ مقتضاه كونها كغيرها من أقسام الزكاة تدخل في ملك الفقراء بمجرد تعلق الخطاب ، فإذا خرجت عن ملك العامل بذلك بطلت صفة الوقاية فيها ، ضرورة كونها فيما هو للعامل ومن في حكمه كالوارث ونحوه من الربح لا في مال الفقير ، واستصحابها مع تغير الموضوع الذي عليه مدار الحكم غير متجه ، ودعوى منع الصفة المزبورة تعلق الزكاة مع أنها خلاف فرض موضوع المسألة يمكن منعها ، لإطلاق أدلة الزكاة أو عمومها ، نعم قد يتوقف في تأديتها من خصوص مال المضاربة من غير إذن المالك باعتبار كونه مشتركا ، ولا يجوز التصرف فيه من غير إذن الشريك ، مع احتماله حينئذ باعتبار كون الزكاة حينئذ من المؤن التي تلزم المال كأجرة الدلال والوزان وأرش جناية العبد وفطرته ، لكن قد يدفعه موثق سماعة (١) المشتمل على أمره أهل المال بالتزكية ، واجتنابه إن لم يفعلوا ، بل يدفعه أيضا وضوح الفرق بين المقامين ، لا يقال : إن ظاهر فرض موضوع المسألة في كلام الأصحاب الإخراج من نفس المال لأنا نقول مع أنه خلاف صريح البعض واضح البطلان ضرورة كون الشركة من الموانع ، ولعل مراد بعض الأصحاب بتعجيل الإخراج بغير إذن الشريك الدفع من مال آخر غير مال المضاربة ، فينتقل إليه حينئذ مقدار ما أداه من الربح بحيث ليس للمالك منعه منه وإن خسر المال ، لأنه بالتأدية ملك مال الفقراء.

هذا كله بناء على كون الزكاة في العين ، أما على الذمة فالمتجه بقاء صفة الوقاية مع التأدية من مال آخر غير المضاربة ، لعدم خروج العين عن الملك بالخطاب ، بل لو أداها من المال نفسه باذن المالك اتجه ضمانه مقدار ما أداه لو خسر المال بعد ذلك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

٢٨٧

لأنه هو الذي أتلف ما به الوقاية ، لما عرفت من عدم اقتضاء خطاب الزكاة بناء على الذمة رفعها ، لعدم المنافاة بينهما ، وليس ذا من تعقب الإذن الشرعية الضمان ، بل لإقدامه عليه ، لإمكان تخلصه منه بفسخ المضاربة حال تعلق الزكاة تحصيلا لاستقرار ملكه بل قد يظهر من الفاضل في القواعد أنه لا منافاة بين الوقاية واستحقاق الفقراء على كل حال ، قال بعد نقل القولين : « والأقرب عدم المنافاة بين الاستحقاق والوقاية ، فيضمن العامل الزكاة لو تم بها المال » لكن رده في الدروس بأنه قول محدث ، مع أن فيه تغريرا بمال المالك إذا أعسر العامل ، وأجيب عنه بأن إمكان الإعسار أو ثبوته بالقوة لا يزيل حق الإخراج الثابت بالفعل ، وكان المجيب أخذ ذلك من فخر المحققين فإنه قال في المحكي من شرحه : « والتحقيق أن النزاع في تعجيل الإخراج بغير إذن المالك بعد تسليم ثبوت الزكاة ليس بموجه ، لأن إمكان ضرر المالك بإمكان الخسران وإعساره لا يعارض استحقاق الفقراء بالفعل ، لأن إمكان أحد المتنافيين لو نفى ثبوت الآخر فعلا لما تحقق شي‌ء من الممكنات ، ولأن الزكاة حق الله والآدمي ، فكيف يمنع مع وجود سببه بإمكان حق الآدمي ، بل لو قيل : إن حصة العامل قبل أن ينض المال لا زكاة فيها لعدم تمام الملك وإلا لملك ربحه كان قويا » وفي المدارك « إن قوته ظاهرة ».

قلت : قد عرفت ما فيه سابقا ، بل كلامه الأول غير منقح ، لعدم معلومية كونه مبنيا على كون الزكاة في العين أو الذمة ، وعدم معلومية غرامة العامل بعد ذلك لو احتاج المال ، كعدم معلومية الخروج من نفس مال المضاربة أو غيرها ، بل كلام الفاضل في القواعد غير منقح أيضا ، ولذا قال في جامع المقاصد : « إنه مشكل ، لأن الاستحقاق إذا أخرجه عن الوقاية كان ذلك فرع التنافي ، وثبوت التالف في ذمة العامل لا يخرجه عن المنافاة بينهما ، وإلا لاجتمعا في المال ، إذ كل متنافيين لا يمتنع فيهما الوجود‌

٢٨٨

في محلين ، وعلى تقدير المنافاة الذي هو مقابل الأقرب يحتمل سقوط الزكاة ، ويحتمل ثبوت الضمان في ذمة العامل ، فلا يستقيم ما ذكره ، وكأنه حاول الجمع بين ثبوت الزكاة وعدم سقوط حق المالك من استحقاق عوض ما تلف ، فلم تساعده العبارة لمجيئها متضمنة منشأ آخر ، والمتجه عدم الوجوب ، لأن الملك غير حقيقي ، وإلا لملك ربح الربح ، ولعدم إمكان التصرف فيه قبل » انتهى. لكن قد عرفت ما فيه ، بل تعرف مما قدمنا مما في كثير من كلمات الأصحاب ، فلاحظ وتأمل حتى ما في البيان قال في المسألة : وفي استبداد العامل وجهان ، لتنجيز التكليف عليه ، فلا يعلق على غيره ، وحينئذ لو خسر المال ففي ضمانه ما أخرجه للمالك نظر ، من حيث أنه كالمؤن أو كأخذ طائفة من المال وكذا إذا أخرج المالك ، والثاني أقرب ، والأول ظاهر كلام الشيخ ، لأن المساكين يملكون من ذلك المال جزءا ، فإذا ملكوه خرج عن الوقاية لخسران يعرض ، وهو حسن على القول بوجوبها ، قلت : بل وعلى تقدير الندب بناء على أنها في العين كما اعترف به في المدارك في الجملة ، والله أعلم.

المسألة الخامسة الدين المطالب به فضلا عن غيره لا يمنع من زكاة مال التجارة ولو لم يكن للمالك وفاء إلا منه بلا خلاف أجده فيه ، بل عن التذكرة وظاهر الخلاف الإجماع عليه ، ولعله كذلك بناء على الوجوب وكونها في العين ، بل والذمة لعدم المنافاة بين الخطابين ، بل الظاهر تقديمها في الأداء ، لكونهما أهم منه باعتبار اجتماع حق الله وحق آدمي مع تعلق في العين أيضا ، بل بناء على الندب وتعلقها بالعين لا يمنع تعلق خطابها حتى لو طالب صاحب الدين ، ولعله على ذلك يحمل ما عن التذكرة من أنه يمكن أن يقال لا يتأكد إخراج زكاة مال التجارة للمديون مع المضايقة ، لأنه نفل يضر بالفرض ، نعم بناء على كونها في الذمة وذو الدين مطالب بدينه ولا مال له سوى المال المخصوص كانت المسألة من جزئيات مسألة الضد ، فتأمل جيدا‌

٢٨٩

وكذا القول في عدم منع الدين زكاة المال غير التجارة لأنها إن قلنا بكونها تتعلق بالعين فلا إشكال ، وإن قلنا بكونها في الذمة لم يكن تناف بين خطاب الدين وخطابها كما عرفت ، قال في محكي المنتهى : « الدين لا يمنع الزكاة سواء كان للمالك مال سوى النصاب أو لم يكن ، وسواء استوعب الدين النصاب أو لم يستوعبه وسواء كانت أموال الزكاة ظاهرة كالنعم والحرث أو باطنة كالذهب والفضة ، وعليه علماؤنا أجمع » بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، خصوصا مع ملاحظة كلام الأصحاب في مقامات متعددة كزكاة مال القرض ومحاصة الدين لها ، وعدمه لو مات المالك ، وغير ذلك ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك وإلى ما دل على كون زكاة القرض على المستقرض من النصوص (١) صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام وخبر ضريس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) أنهما قالا : « أيما رجل كان له مال موضوع حتى يحول عليه الحول فإنه يزكيه ، وإن كان عليه من الدين مثله أو أكثر منه فليزك ما في يده » لكن ومع ذلك كله قال في المدارك : إنه يفهم التوقف في هذا الحكم من الشهيد في البيان ، قال : والدين لا يمنع زكاة التجارة كما مر في العينية وإن لم يمكن الوفاء من غيره ، لأنها وإن تعلقت بالقيمة فالأعيان مرادة ، وكذا لا يمنع من زكاة الفطرة إذا كان مالكا مئونة السنة ولا من الخمس إلا خمس الأرباح ، نعم يمكن أن يقال لا يتأكد إخراج الزكاة التجارة للمديون ، لأنه نفل يضر بالفرض ، وفي‌ الجعفريات عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣) « من كان له مال وعليه مال فليحسب ماله وما عليه ، فان كان له فضل مائتي درهم فليعط خمسة » وهذا نص في منع الدين الزكاة ، والشيخ في الخلاف ما تمسك على عدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١.

٢٩٠

منع الدين إلا بإطلاق الأخبار الموجبة للزكاة ، وفيه أنه يمكن كون التوقف في خصوص التأكد في زكاة التجارة لا في أصل الحكم ، وعلى تقديره فلا ريب في ضعفه ، ضرورة قصور الخبر المزبور عن مقابلة ما عرفت من وجوه كما لا يخفى على من له أدنى نظر ، والله أعلم.

( ثم يلحق بهذا الفصل مسألتان ) :

الأولى لا خلاف أجده في أن العقار المتخذ للنماء الذي هو لغة الأرض والمراد به هنا على ما صرح به الأصحاب كما في المدارك ما يعم البساتين والخانات والحمامات يستحب الزكاة في حاصله وإن كان لم يذكره في الجمل والوسيلة والغنية والإشارة والسرائر ، نعم قد اعترف في المدارك وغيرها بعدم الوقوف له على دليل ، قلت : قد يقوى في الذهن أنه من مال التجارة بمعنى التكسب عرفا ، إذ هي فيه أعم من التكسب بنقل العين واستنمائها ، فان الاسترباح له طريقان عرفا ، أحدهما بنقل الأعيان والثاني باستنمائها مع بقائها ، ولذا تعلق فيه الخمس كغيره من أفراد الاسترباح ، ومن ذلك يتجه اعتبار الشرائط السابقة فيه ، بل أجاد الأستاذ الأكبر في المصابيح بقوله : « إن عدم تعرضهم لذكر قدر هذه الزكاة ووقت الإخراج وكيفيته أصلا قرينة على كونها كزكاة التجارة ، وكون القدر أي قدر يكون وأن الوقت دائما في جميع أوقات السنة لعله مقطوع بفساده » ولا ينافي ذلك تعرض جماعة كالفاضل والشهيد وأبي العباس والصيمري والمحقق الثاني وغيرهم لخصوص كون المخرج هنا ربع العشر كزكاة التجارة فإن المراد عدم التعرض لذلك في جملة من كتب الأصحاب كالكتاب وغيره ، ومن هنا يعلم أن دعوى كون الأكثر على عدم اشتراط النصاب والحول في غير محلها ، ضرورة معلومية أن منشأها عدم التعرض ، ولعله لما ذكرنا من الإيكال على ما تقدم في زكاة التجارة التي هذا قسم منها ، وأفرد بالذكر باعتبار كونه قسما آخر من استنماء المال ،

٢٩١

مضافا إلى عموم دليليهما ، بل منه يعلم ما في التعريف السابق بناء على عدم شموله لذلك ، اللهم إلا أن يكون المراد منه تعريف القسم الخاص ولو بقرينة ذكر ذلك مستقلا ، بل لعل ما يحكى من تصريح الفاضل وابن فهد والصيمري والكركي وثاني الشهيدين بعدم اعتبار النصاب والحول هنا منشأه ذلك أيضا ، وحينئذ يكون فيه ما عرفت ، ولذا قال في البيان : « الظاهر أنه يشترط فيه الحول والنصاب عملا بالعموم » وفي المدارك ومحكي الذخيرة أنه لا بأس به اقتصارا فيما خالف الأصل على موضع الوفاق إن تم.

وكيف كان فـ ( لو بلغ ) الحاصل الزكوي نصابا وحال عليه الحول وجبت الزكاة بلا خلاف ولا إشكال ، نعم ذكر غير واحد من الأصحاب أنه على القول بعدم اعتبار النصاب والحول أخرج الزكاة المستحبة ابتداء ثم أخرج الواجبة بعد اجتماع شرائط الوجوب ، وإن قلنا باعتبارهما وكان الحاصل نصابا زكويا ثبت الوجوب وسقط الاستحباب ، وهو حاصل ما في البيان ، فإنه بعد أن استظهر اعتبارهما واحتمل العدم قال : فعلى هذا أي احتمال العدم لو حال الحول على نصاب منه وجبت ، ولا يمنعها الإخراج الأول ، وحينئذ لو آجره بالنقد لم يتحقق الاستحباب على قولنا أي اشتراط الحول والنصاب ، ولو آجره بالعرض وكان غير زكوي تحقق ، وهذا كله مؤيد لما سمعته من أحد الاحتمالين في معنى « لا يزكى المال في عام واحد من وجهين » والله أعلم.

ولا تستحب الزكاة في المساكن ولا في الثياب والآلات والأمتعة المتخذة للقنية للأصل بلا خلاف أجده ، بل في التذكرة « لا تستحب الزكاة في غير ذلك من الأثاث والأمتعة والأقمشة المتخذة للقنية بإجماع العلماء » والله أعلم.

المسألة الثانية الخيل إذا كانت إناثا سائمة وحال عليها الحول ففي العتاق جمع عتيق ، وهو الذي أبواه عربيان كريمان عن كل فرس منها في كل عام ديناران وفي البرازين جمع برزون بكسر الباء عن كل فرس دينار استحبابا بلا خلاف‌

٢٩٢

أجده فيه ، بل في التذكرة « قد أجمع علماؤنا على استحباب الزكاة في الخيل بشروط ثلاثة : السوم والأنوثة » ونحوه عن كشف الحق ، وفي محكي المنتهى أن تمامية الملك والحول والسوم شرط عند الجميع ، وقال : إنها مجمع عليها عند القائل بالزكاة فيها وجوبا أو استحبابا ، وأما الأنوثة فبإجماع أصحابنا ، والأصل فيه‌ حسن زرارة ومحمد بن مسلم (١) قالا : « وضع أمير المؤمنين عليه‌السلام على الخيل العتاق الراعية في كل فرس في كل عام دينارين ، وجعل على البرازين دينارا » ويدل على اعتبار السوم ـ مضافا إلى قوله عليه‌السلام : « الراعية » وإلى الإجماع بقسميه ، وإلى عموم ما دل عليه في سائر الحيوان ـ صحيح زرارة (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « هل على الفرس أو البعير يكون للرجل يركبهما شي‌ء؟ فقال : لا ، ليس على ما يعلف شي‌ء ، إنما الصدقة على السائمة المرسلة في مرجها عامها الذي يقتنيها فيه الرجل ، فأما ما سوى ذلك فليس فيه شي‌ء » وهو وإن لم يكن فيه ظهور باعتبار الأنوثة ، بل الفرس للأعم منها ومن الذكر لغة إلا أنه قد صرح به في‌ صحيح زرارة (٣) قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : هل في البغال شي‌ء؟ فقال : لا ، فقلت : كيف صار على الخيل ولم يصر على البغال؟ فقال : لأن البغال لا تلقح والخيل الإناث ينتجن ، وليس على الخيل الذكورة شي‌ء ، قال : قلت : فما في الحمير؟ قال : ليس فيها شي‌ء ».

ولعلهم فهموا الندب من ظاهر قوله عليه‌السلام : « وضع » إلى آخره مضافا إلى محكي الإجماع في الخلاف على الندب ، وفي محكي كشف الحق ذهبت الإمامية إلى أنه لا تجب الزكاة في الخيل ، وخالف أبو حنيفة ، وعن الغنية الإجماع أيضا على استحبابها في الإناث منها ، وعلى سقوط اعتبار النصاب ، وكيف كان فلا إشكال من هذه الجهة ، خصوصا بعد العمومات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٣.

٢٩٣

الواردة في جملة من النصوص (١) في أنه لا شي‌ء فيما عدا الأصناف الثلاثة.

ثم إن ظاهر ما سمعته من محكي الإجماع ثبوت الاستحباب بمجرد اجتماع الشروط الثلاثة ، لكن في المسالك وأكثر كتب المحقق الثاني اعتبار عدم العمل وأن يكمل للمالك فرس كاملة ولو بالشركة كنصف اثنين ، وفي البيان « في اشتراط الانفراد ومنع استعمالها عندي نظر ، وخصوصا الانفراد ، فلو ملك اثنان فرسا فلا زكاة » قلت : قد استقرب ذلك في الدروس فقال : « والأقرب أنه لا زكاة في المشترك حتى يكون لكل واحد فرس ، وفي اشتراط كونها غير عاملة أقربه نعم ، لرواية زرارة (٢) » قلت : خبر زرارة عن أحدهما ( عليهما‌السلام )ـ « ليس في شي‌ء من الحيوان زكاة غير هذه الأصناف الثلاثة : الإبل والبقر والغنم ، وكل شي‌ء من هذه الأصناف من الدواجن والعوامل فليس فيها شي‌ء » إلى آخره ـ لا دلالة فيه على ذلك ، ضرورة كون المراد من النفي فيه للوجوب ، وأما‌ صحيح الفضلاء (٣) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قالا : « ليس على العوامل من الإبل والبقر شي‌ء ، إنما الصدقة على السائمة الراعية » إلى آخره فالظاهر أنه كذلك أيضا فتأمل ، بل قد يناقش في اعتبار الانفراد أيضا بإطلاق الخبر المزبور الظاهر في الأعم من ذلك ، بل وفي عدم اعتبار البلوغ والعقل أيضا وغيرهما مما لا دليل له بحيث يصلح لتخصيص ما هنا ولو للتعارض من وجه ، والترجيح للمقام بظاهر الفتاوى وبالتسامح في الندب وغير ذلك ، والظاهر كون الزكاة هنا في الذمة ، لما سمعته سابقا من منافاة قواعد الملك للاستحباب ، وبذلك كله ظهر لك تمام القول في الواجب من الزكاة ومندوبها.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١ و ٢.

٢٩٤

نعم قد يقال باستحباب الزكاة في الرقيق في كل سنة بصاع ، فإنه وإن‌ قال الصادق عليه‌السلام في موثق سماعة (١) : « ليس على الرقيق زكاة إلا رقيق يبتغى به التجارة ، فإنه من المال الذي يزكى » وظاهره بقرينة الاستثناء نفي الندب ، لكن يمكن إرادة التأكيد منه لصحيح زرارة ومحمد (٢) سألا أبا جعفر وأبا عبد الله عليهما‌السلام « عما في الرقيق؟ فقالا : ليس في الرأس أكثر من صاع تمر إذا حال عليه الحول ، وليس في ثمنه شي‌ء حتى يحول عليه الحول » جمعا بينهما ، اللهم إلا أن يحمل الصحيح على زكاة الفطرة على أن يكون المراد من حول الحول ليلة الفطر ، لكنه كما ترى ، مع أنه لا داعي إليه ، خصوصا بعد التسامح في الندب.

وقد يقال أيضا باستحباب الزكاة في عوامل الإبل ومعلوفها لخبر إسحاق (٣) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الإبل العوامل عليها زكاة فقال : نعم عليها زكاة » وخبره الآخر (٤) « سألته عن الإبل تكون للجمال أو تكون في بعض الأمصار أيجري عليها الزكاة كما تجري على السائمة في البرية فقال : نعم » ولا داعي إلى حمل الزكاة في الأول على الإعارة وحمل العاجز والضعيف ، هذا ، وقد تقدم لك سابقا الاستحباب أيضا في زكاة المال الغائب ، وفيما يفر به من الزكاة قبل الحول ، كما أنه تقدم لك في الحلي أن زكاته الإعارة ، والله العالم.

( النظر الثالث ) مما يتعلق بزكاة المال

فيمن تصرف اليه ووقت التسليم والنية ، القول الأول فيمن تصرف اليه ويحصره أقسام :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٧.

٢٩٥

الأول أصناف المستحقين للزكاة ثمانية بالنص والإجماع في محكي المنتهى تارة ولا خلاف فيه بين المسلمين أخرى وبإجماع العلماء في التذكرة ، بل لعل الإجماع ظاهر الغنية أيضا أو صريحها ، بل يمكن تحصيله لاتفاق ما وصل إلينا من كتب الأصحاب على الثمانية عدا المصنف في خصوص هذا الكتاب ، فجعلهم سبعة‌ بعد الفقراء والمساكين وهم الذين تقصر أموالهم في مئونة سنتهم ، وقيل : من يقصر ماله عن أحد النصب الزكاتية صنفا واحدا ، بل لم يحك عن أحد من العامة ذلك أيضا عدا ما عن مجمع البيان من حكايته عن الجبائي وصاحبي أبي حنيفة ، ولعله لا ينافي ذلك ما حكاه في المدارك عن المصنف وجماعة من القول بالترادف ، إذ عليه يمكن القول في خصوص الزكاة بكون المراد التغاير الذي به صارت الأصناف ثمانية حتى سمعت الإجماع على ذلك ، مضافا إلى النصوص كمرسل حماد بن عيسى (١) عن العبد الصالح عليه‌السلام المروي في باب الخمس وكيفية قسمته ، ومرسله الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا الوارد في كيفية قسمة ما يخرج من الأرض المفتوحة عنوة ، وخبر عبد الكريم بن عتبة الهاشمي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام المشتمل على احتجاجه عليه‌السلام مع عمر بن عبيد ، والمروي (٤) عن المحكي عن تفسير علي بن إبراهيم عن العالم عليه‌السلام وصحيح محمد بن مسلم (٥) وصحيح أبي بصير أو حسنه (٦) اللذين تسمعهما عن قريب إن شاء الله تعالى وغير ذلك وتظهر الثمرة في وجوب البسط واستحبابه وفي نذره وغير ذلك ، وقد ظهر من ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قسمة الخمس ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٣ وهو من قطعات المرسل الأول.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٣.

٢٩٦

أنه لا إشكال هنا ، وما حكاه المصنف بقوله ثم ومن الناس من جعل اللفظين بمعنى واحد وظاهره في المقام بقرينة قوله ومنهم من فرق بينهما في الآية (١) لم نتحققه ولا حكاه غيره عن غيره ومن هنا كان الثاني لا الأول أشبه لما عرفت.

نعم ما يظهر من المصنف ـ من الاتفاق على كونهما بمعنى في غير الآية أي في غير صورة الاجتماع ، وخصها لعدم اجتماعهما في الكتاب بغيرها ـ قد يشهد له ما في محكي المنتهى من أنه لا تمييز بينهما مع الانفراد ، بل العرب قد استعملت كل واحد من اللفظين في معنى الآخر ، أما مع الجمع بينهما فلا بد من المائز ، وقد اختلف العلماء في أيهما أسوأ حالا من الآخر ، وعن نهاية الأحكام التصريح بعدم الخلاف في إطلاق اسم كل منهما على الآخر حال الانفراد ، وفي محكي المبسوط « لا خلاف في أنه إن أوصي للفقراء منفردين أو للمساكين كذلك جاز صرف الوصية إلى الصنفين جميعا » ولعل ظاهر السرائر ذلك أيضا ، وفي المسالك « واعلم أن الفقراء والمساكين متى ذكر أحدهما دخل فيه الآخر بغير خلاف ، نص على ذلك جماعة منهم الشيخ والعلامة كما في آية الكفارة (٢) المخصوصة بالمسكين ، فيدخل فيه الفقير ، وإنما الخلاف فيما لو جمعا كما في آية الزكاة لا غير والأصح أنهما متغايران لنص أهل اللغة ، وصحيحة أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « الفقير الذي لا يسأل الناس ، والمسكين أجهد منه » ولا ثمرة مهمة في تحقيق ذلك ، للاتفاق على استحقاقهما من الزكاة حيث ذكر ، أو دخول أحدهما تحت الآخر حيث يذكر أحدهما ، وإنما تظهر الفائدة نادرا فيما لو نذر أو وقف أو أوصي لأسوئهما حالا فان الآخر لا يدخل فيه بخلاف العكس » وفي الحدائق ومحكي إيضاح النافع نفي الخلاف‌

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٦٠.

(٢) سورة المجادلة ـ الآية ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٣.

٢٩٧

عن ذلك أيضا ، بل في الروضة ومحكي الميسية الإجماع على ذلك ، قال في الأول : « واختلف في أن أيهما أسوأ حالا مع اشتراكهما فيما ذكر ، ولا ثمرة مهمة في تحقيق ذلك للإجماع على إرادة كل منهما من الآخر حيث يفرد ، وعلى استحقاقهما من الزكاة ، ولم يقعا مجتمعين إلا فيها ، وإنما تظهر الفائدة في أمور نادرة ، والمروي في‌ صحيحة أبي بصير أن المسكين أسوأ حالا ، وهو موافق لنص أهل اللغة » قلت : هو المحكي عن ابن السكيت وابن دريد وابن قتيبة وأبي زيد وأبي عبيدة ويونس والفراء وتغلب وأبي إسحاق ويعقوب والأصمعي في أحد النقلين ، قال يونس : « قلت لأعرابي : أفقير أنت؟ قال : لا والله ولكن مسكين ».

لكن ومع ذلك كله قال في القواعد في الإطعام في الكفارات : « وهل يجزي الفقراء؟ إشكال إلا إن قلنا بأنهم أسوأ حالا » وفي الوصايا « ولو أوصي للفقراء دخل فيهم المساكين وبالعكس على إشكال » بل عن وصايا الإيضاح وجامع المقاصد عدم الدخول ، وفي وصية الدروس « لو أطلق أحد اللفظين ففي دخول الآخر خلاف قد سبق » وفي البيان « وقال الشيخ والراوندي والفاضل : يدخل كل منهما في إطلاق لفظ الآخر فان أرادوا به حقيقة ففيه منع ، ويوافقون على أنهما إذا اجتمعا كما في الآية يحتاج إلى فصل مميز بينهما » وفي المدارك « أن المتجه بعد ثبوت التغاير عدم دخول أحدهما في إطلاق لفظ الآخر إلا بقرينة » وفي الجميع أنه اجتهاد في مقابلة ما سمعت ، فلا ينبغي الالتفات اليه ، وكأن الذي دعاهم إلى ذلك صعوبة جريان ذلك على الضوابط ، ضرورة عدم الملاحظة في الوضع حال الاجتماع وحال الانفراد ، كضرورة عدم الدليل الخارجي على اندراج كل منهما في الآخر مع الانفراد دون الاجتماع.

والتحقيق بعد إعطاء التأمل حقه أنه لا ريب في صدق الفقير على المسكين ولو الفرد الأدنى منه عرفا ، والأصل عدم النقل والتغير ، وأما المسكين فهو مأخوذ من‌

٢٩٨

المسكنة بمعنى الذلة ، فحيث يستعمل في غير الغني يراد منه تمام مصداق الفقير ، كما يومي إلى ذلك إطلاقه في الخمس والكفارة وغيرهما ، فان من لاحظ أخبار الخمس مع التأمل الصادق علم إرادة الفقير من المسكين على وجه لا يخص الخمس ، بل إنما هو من حيث ذل الفقر ، وكفى به ذلا ، فهو متحد المصداق حينئذ مع الفقير حال استعماله في هذا المعنى ، وقد يستعمل في معنى آخر للذل من جهة أخرى تجامع الغنى والثروة ، لكن لا مدخلية له في مقامنا ، وقد ظهر من ذلك وجه اندراج كل منهما في الآخر حال الانفراد ، وأنه ليس للترادف المصطلح ، بل للاتحاد في المصداق وإن تغايرا بالمفهوم ، أما مع الاجتماع فوجود لفظ الفقير قرينة صارفة عن عدم إرادة مصداقه من لفظ المسكين لأصالة التأسيس بالنسبة إلى التأكيد ، ولما عرفته حينئذ من نص الأكثر على التغاير ، والأصل بقاء لفظ الفقير على حقيقته ، فليس حينئذ بعد كون المراد من المسكين ذا الذلة من حيث عدم الغني إلا أن يراد من المسكين ذلة خاصة تنطبق على بعض أفراد الفقير ، وهي إظهار شدة الحاجة بالسؤال ونحوه ، كما أومأ إليه‌ العالم عليه‌السلام فيما أرسله عنه في المحكي من تفسير علي بن إبراهيم (١) فقال : « الفقراء هم الذين لا يسألون لقول الله تعالى ـ في سورة البقرة (٢) ـ ( لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ ) إلى آخره ، والمساكين هم أهل الديانات قد دخل فيهم النساء والصبيان » مراده عليه‌السلام بالديانات المذلات ، فان الدين الذل ، والصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير أو حسنه (٣) قال : « قلت له : قول الله تعالى (٤) ( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ )

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٧ مع الاختلاف.

(٢) الآية ٢٧٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٣.

(٤) سورة التوبة ـ الآية ٦٠.

٢٩٩

فقال : الفقير الذي لا يسأل الناس ، والمسكين أجهد منه ، والبائس أجهدهم » وفي‌ صحيح محمد بن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام أنه سأله « عن الفقير والمسكين فقال : الفقير الذي لا يسأل ، والمسكين الذي هو أجهد منه الذي يسأل » والظاهر أن مراده ما عرفت من ظهور أثر الذل عليه بالسؤال ونحوه ، كما أن مراده نحو ما سمعته في خبر أبي بصير وسابقه من كون ذلك حال الاجتماع كما في آية الزكاة لا مطلقا ، وقال ابن عرفة على ما حكي عنه : أخبرني أحمد بن يحيى عن محمد بن سلام أنه قال ليونس : « افرق لي بين المسكين والفقير فقال : الفقير الذي يجد القوت ، والمسكين الذي لا شي‌ء له » ويؤيد ذلك كله ما عن الغنية من الإجماع على أن الفقراء لهم شي‌ء ، والمساكين لا شي‌ء لهم ، وقد نص على ذلك الأكثر من أهل اللغة.

قلت : قد عرفت فيما تقدم المحكي عنه من أهل اللغة ، بل قد عرفت نسبته في المسالك ومحكي التنقيح إلى الأكثر من غير تقييد ، بل قد سمعت نسبته إلى أهل اللغة ، وفي محكي التحرير نسبة كون المسكين أسوأ حالا لأهل البيت عليهم‌السلام ونص أهل اللغة أيضا ، وعلى كل حال فلا ريب في كونه المعروف بين أهل اللغة والفقه ، بل قد يشهد له‌ النبوي (٢) الآتي « ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان » إلى آخره ، ضرورة كون المراد منه نفي المعنى المعروف للمسكين وإثباته لغيره على نوع من التجوز نحو قول الشاعر :

ليس من مات واستراح بميت

إنما الميت ميت الأحياء

وكيف كان فلا ريب في أن الأقوى كون المسكين أسوأ حالا من الفقير مع الاجتماع ، خلافا للشيخ في أحد قوليه وابني حمزة وإدريس ، فقالوا : إن الفقير أسوأ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٢.

(٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ١١.

٣٠٠