جواهر الكلام - ج ١٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

معاوضة لأمكن المناقشة فيه بصدق مال التجارة على المنتقل بعقد هبة بل بارث مع نية التجارة به إذا كان هو كذلك عند المنتقل منه ، ورأس المال الموجود في النصوص لا يعتبر فيه كونه من مالك العين ، إذ المراد به ثمن المتاع في نفسه وإن كان من الواهب والمورث.

وظهور بعض النصوص في ذلك مع أنه مبني على الغالب ليس هو على جهة الشرطية كي ينافي ما دل على العموم ، ففي‌ خبر محمد بن مسلم (١) أنه قال : « كل مال عملت به فعليك فيه الزكاة إذا حال عليه الحول » قال يونس : تفسيره أنه كل ما عمل به للتجارة من حيوان وغيره فعليه فيه زكاة ، وفي‌ خبر خالد بن الحجاج الكرخي (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الزكاة فقال : ما كان من تجارة في يدك فيها فضل ليس يمنعك من بيعها إلا لتزداد فضلا على فضلك فزكه ، وما كان للتجارة في يدك فيها نقصان فذلك شي‌ء آخر » وخبر شعيب (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « كل شي‌ء جر عليك المال فزكه ، وكل شي‌ء ورثته أو وهب لك فاستقبل به » ولا ينافي ذلك‌ موثق سماعة (٤) « سألته عن الرجل يكون عنده المتاع موضوعا فيمكث عنده السنة والسنتين أو أكثر من ذلك قال : ليس عليه زكاة حتى يبيعه إلا أن يكون أعطي به رأس ماله فيمنعه من ذلك التماس الفضل ، فإذا هو فعل ذلك وجبت فيه الزكاة ، فان لم يكن أعطي به رأس ماله فليس عليه زكاة حتى يبيعه وإن حبسه ما حبسه ، فإذا هو باعه فإنما عليه زكاة سنة واحدة » لما عرفت ، بل يمكن عود الضمير فيه إلى المتاع ، وكذا‌ خبر العلاء (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت : المتاع لا أصيب به رأس المال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ٩.

٢٦١

علي فيه الزكاة قال : لا ، قلت : أمسكه سنين ثم أبيعه ماذا علي؟ قال : سنة واحدة » وخبر أبي الربيع الشامي (١) عنه عليه‌السلام أيضا « في رجل اشترى متاعا فكسد عليه متاعه وقد كان زكى ماله قبل أن يشتري به هل عليه زكاة أو حتى يبيعه؟ فقال : إن كان أمسكه التماس الفضل على رأس المال فعليه الزكاة » وصحيح محمد بن مسلم (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى متاعا وكسد عليه وقد زكى ماله قبل أن يشتري متاعا متى يزكيه؟ فقال : إن كان أمسك متاعه ينبغي به رأس المال فليس عليه زكاة ، وإن كان حبسه بعد ما يجد رأس ماله فعليه الزكاة بعد ما أمسكه بعد رأس المال ». ضرورة احتمال الجميع كون المراد برأس المال ثمن المتاع في نفسه وإن لم يكن قد بذله من في يده.

نعم‌ خبر أبي بصير (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « لا تأخذن مالا مضاربة إلا ما تزكيه أو يزكيه صاحبه ، وقال : وإن كان عندك متاع في البيت موضوع فأعطيت به رأس مالك فرغبت عنه فعليك زكاته » وخبر إسماعيل بن عبد الخالق (٤) قال : « سأله سعيد الأعرج وأنا أسمع فقال : إنا نكبس الزيت والسمن نطلب به التجارة فربما مكث عندنا السنة والسنتين هل عليه زكاة؟ فقال : إن كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك فيه زكاة ، وإن كنت إنما تربص به لأنك لا تجد إلا وضيعة فليس عليك زكاة حتى يصير ذهبا أو فضة ، فإذا صار ذهبا أو فضة فزكه للسنة التي اتجرت فيها » ظاهران في رأس مال الرجل ، لكن لا دلالة فيهما على الشرطية ، مع أن الأخير منهما رواه الحميري في المحكي عن‌ قرب الاسناد (٥) « إن كنت تربح منه أو يجي‌ء منه رأس ماله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٣.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٣ وذيله في الباب ١٣ منها ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٢.

٢٦٢

فعليك زكاته » وهو كالصريح في رأس مال المتاع في نفسه ، والمسألة محتاجة إلى تأمل تام فيما ذكرنا وفي المأخوذ بالمعاطاة بناء على أنها إباحة لا تمليك ، فان اعتبار نية الاكتساب حال حصول الملك بالتصرف أو بالتلف لأحد العوضين كما ترى ، وفي المأخوذ بعقد الفضولي على قولي الكشف والنقل.

ولو اشترى عرضا للقنية بمثله ثم رد ما اشتراه بعيب أو رد عليه ما باعه به فأخذه على قصد التجارة لم ينعقد لها بناء على اعتبار المقارنة للتملك بعقد المعاوضة ، ضرورة عدم كون الفسخ بالعيب عقد معاوضة ، وكذلك الفسخ بالخيار المشروط مثلا والإقالة ونحوها ، نعم إذا كان المدفوع والمأخوذ كلاهما للتجارة كما إذا تعاوض التاجران ثم ترادا لعيب وشبهه جرى المتاعان في التجارة كما صرح به في البيان ، لتعلقها بالمالية لا بالعين ، ولو اشترى عرضا للتجارة بعرض قنية فرد عليه عرض القنية بالعيب انقطعت التجارة لأن القنية كانت في العين وقد استرد ، ولو باع عرض تجارة بعرض للقنية ثم رد عليه عرضه فكذلك ، لانقطاع التجارة بنية القنية في بدله.

هذا كله على ذلك القول ، أما على المختار فلا إشكال في شي‌ء من ذلك ، إذ قد عرفت الاكتفاء بالنية والاعداد ، هذا. وفي المسالك « أن المال بمنزلة الجنس ، ويدخل فيه ما صلح لتعلق الزكاة المالية به وجوبا واستحبابا وغيره كالخضروات ، وتدخل فيه أيضا العين والمنفعة وإن كان في تسمية المنفعة مالا خفاء ، فلو استأجر عقارا للتكسب تحققت التجارة » وفي البيان « ولو استأجر دارا بنية التجارة أو أخذ أمتعة للتجارة فهي تجارة » قلت : قد يناقش في استفادة ذلك من الأدلة ، ضرورة ظهورها في الأمتعة ونحوها كما نص على ذلك بعض مشايخنا ، بل هو الظاهر من المقنعة وغيرها وحينئذ فما يأتي من مسألة العقار المتخذ للنماء قسم مستقل لا يندرج في مال التجارة ، وأولى من ذلك الاستئجار على الأعمال للتكسب ، فان عد مثلها في التجارة كما ترى ،

٢٦٣

وقال أيضا فيها : « إن المراد بالمعاوضة ما يقوم طرفاها بالمال كالبيع والصلح ، ويعبر عنها بالمعاوضة المحضة ، وقد يطلق على ما هو أعم من ذلك ، وهو ما اشتمل على طرفين مطلقا ، فيدخل فيه المهر وعوض الخلع ومال الصلح عن الدم ، وفي صدق التجارة على هذا القسم مع قصدها نظر ، وقطع في التذكرة بعدمه » قلت : قد نظر فيه في البيان أيضا ، قال : « وهل يعتبر في المعاوضة أن تكون محضة فيخرج الصداق والمختلع به والصلح عن الدم العمد؟ نظر ، من أنه اكتساب بعوض ، ومن عدم عد مثلها عوضا عرفا » قلت : قد عرفت الاكتفاء بالنية والاعداد في الأثناء فضلا عن الابتداء ، ومقتضى ذلك كونه مال تجارة.

ومنه ينقدح عدم اعتبار وجود رأس المال فيها ، ضرورة عدمه في الفرض ، ومن ادعى الإجماع على ذلك أو دلالة النصوص عليه أمكن منعه عليه ، أما الأول فواضح ، إذ لم نجد هذا التعريف لمال التجارة قبل المصنف ، وأما الثاني فقد سمعت أنه لا دلالة في النصوص على الاشتراط على وجه تسقط الزكاة إذا لم يكن له رأس مال ، أو كان وقد نسي أو لم يعلم ونحو ذلك ، وإنما هي في خصوص بيان ذي رأس المال ، لا أن الزكاة منحصرة فيه ، فيبقى ما عداه حينئذ على مقتضى إطلاق ما دل على زكاة مال التجارة ، بل لعل التأمل يقضي بأولوية الزكاة في متاع التجارة الذي لم يغرم المالك فيه رأس مال ، بل حصل له بحيازة أو إرث أو هبة أو نحو ذلك ، فتأمل جيدا فان المقام محتاج اليه باعتبار ظهور المفروغية من اعتبار هذه القيود من كلام جماعة من المتأخرين ومتأخريهم ، مع ظهور النصوص وجملة من كلمات القدماء في خلافه ، ومما يؤيد ما ذكرنا مضافا إلى ما عرفت ما تسمعه من حكمهم من غير خلاف يعرف فيه بينهم بأن من جملة مال التجارة زيادته القيمية ونتائجه المنفصلة ، مع أنه ليس مالا قد ملك بعقد معاوضة ،

٢٦٤

ولو أريد منه ولو بالواسطة أمكن فرض مثله في الموهوب والموروث مثلا إذا ملكه الواهب والمورث بعقد معاوضة ، على أنه إن تم في ذلك لا يتم فيما ذكروه من اشتراط الطلب برأس المال أو زيادة ، ضرورة عدم رأس مال للثمرة مثلا أو السخال إذا بيع الأصل برأس المال وبقيت ، فإنه لا رأس مال لها ، وكذا الربح في المضاربة كما ستعرف فيعلم حينئذ أن المراد بالشرط لما كان له رأس مال معلوم ، فلا ينافي الإجماع على اشتراطه ما قلناه ، كما لا ينافيه ما دل عليه من النصوص ، فلاحظ وتأمل.

هذا كله في موضوعه‌ وأما الشروط فثلاثة : الأول أن يبلغ قيمته النصاب بلا خلاف أجده فيه ، بل عن ظاهر التذكرة وغيرها الإجماع عليه ، بل عن صريح نهاية الأحكام ذلك ، بل في المعتبر ومحكي المنتهى وكشف الالتباس وغيرها أنه قول علماء الإسلام ، والمراد به نصاب أحد النقدين لما عساه يظهر من النصوص أنها زكاة النقدين بعينها ، إلا أن الفرق بالوجوب والندب فقط ، كما أنه يظهر منها قيام أعيان مال التجارة مقام النقد الذي اشتريت به ، وفي‌ خبر إسحاق بن عمار (١) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام ظهور في ذلك بناء على أن المراد منه مال التجارة ، قال فيه : « قلت له : مائة وتسعون درهما وتسعة عشر دينارا أعليها في الزكاة شي‌ء؟ فقال : إذا اجتمع الذهب والفضة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة ، لأن عين المال الدراهم ، وكل ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود إلى الدراهم في الزكاة والديات » على أن الحجة في قوله : « وكل » إلى آخره. بل قد يحتمل كون المراد زكاة التجارة من‌ صحيح ابن مسلم (٢) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ قال : إذا بلغ قيمة مائتي درهم فعليه الزكاة » بناء على أن المراد الذهب المتجر به ، وكان تخصيص الدراهم لغلبة المعاملة بها في ذلك الوقت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٢.

٢٦٥

وكون المائتي درهم عشرين دينارا ، ولذلك يجعلون الدينار في مقابلة العشرة دراهم في الديات ، مع أنه قال في الخلاف : روينا عن‌ إسحاق بن عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال « كل ما عدا الأجناس مردود إلى الدراهم والدنانير » وبالجملة لا ينبغي التأمل في المسألة بعد ما عرفت وإن وسوس فيه بعض متأخري المتأخرين ، لكنه في غير محله ، بل الظاهر من النص والفتوى ومعقد الإجماع أنها على حسب النقدين في النصاب الثاني أيضا ، فلا زكاة فيما لا يبلغه بعد النصاب الأول كما صرح به جماعة ، فما عن فوائد القواعد من أنه لم يقف على دليل يدل على اعتبار النصاب الثاني وأن العامة صرحوا باعتبار الأول خاصة في غير محله ، ولقد أجاد في المدارك في رده بأن الدليل على اعتبار الأول هو بعينه الدليل على اعتبار الثاني ، والجمهور إنما لم يعتبروا النصاب الثاني هنا ، لعدم اعتبارهم له في زكاة النقدين كما ذكره في التذكرة.

ومما ذكرنا يظهر لك أيضا أنه يعتبر وجوده في الحول كله ، فلو نقص في أثناء الحول ولو يوما سقط الاستحباب كما سقط الوجوب في زكاة النقدين وغيرهما مما اعتبر فيه النصاب والحول بلا خلاف أجده فيه ، بل ظاهر المدارك وغيرها الإجماع عليه ، وهو كذلك ولو مضى عليه مدة يطلب فيها برأس المال البالغ نصابا ثم زاد زيادة تبلغ النصاب الثاني بنفسها أو كان في الأول عفو يكملها كان حول الأصل من حين الابتياع ، وحول الزيادة من حين ظهورها ولا يبني حول الربح على حول الأصل بلا خلاف أجده بين من تعرض له منا ، لمنافاته لما دل على اعتبار الحول ، ضرورة أن الزيادة مال مستقل يشمله ما دل على اعتبار الحول ، وإلغاء ما مضى من حول الأصل واستئنافه للجميع من حين ظهور الربح مناف لحق الفقراء ، وتكرار الزكاة للأصل من‌

__________________

(١) الخلاف ج ١ ص ٣٤٥ الطبعة الثانية عام ١٣٧٧ ـ كتاب الزكاة المسألة ١١١.

٢٦٦

تمام حوله وعند تمام حول الزيادة مناف لمراعاة حق المالك ، ولما دل (١) على أن المال لا يزكى في الحول مرتين ، فلم يبق إلا مراعاة الحول لكل منهما كما سمعت نحوه في السخال ومن هنا كان جريان ذلك في نمو المال كنتاج الدابة وثمرة الشجرة أوضح منه في الربح ، بل قد يتوقف فيه دون النتاج باعتبار عدم ظهور الاستقلال في ماليته بخلافه ، ولإطلاق ما دل (٢) على تزكية المال إذا لم يطلب بنقيصة عند تمام الحول الشامل للأصل والربح فتأمل جيدا ، لكن فرق بينهما في البيان فجزم بإلحاق الربح بمال التجارة دون النتاج ، قال : « ونتاج التجارة منها على الأقرب ، لأنه جزء منها ، ووجه العدم أنه ليس باسترباح فلو نقص الأم ففي جبرها به نظر ، من حيث أنه كمال آخر ، ومن تولده منها ، ويمكن القول بأن الجبر يتفرع على احتسابه في مال التجارة ، فإن قلنا به جبر ، وإلا فلا » قلت : يمكن منع تفريعه على ذلك ، كما أنه يمكن منع الجبر به عملا بالمنساق من النصوص ، نعم هو مال تجارة للنية التي قد عرفت الاكتفاء بها.

ومن النتاج ثمرة النخل والكرم ، ولا يمنع وجوب العشر فيهما من انعقاد حول الأصل ولا حولهما ، وعن المبسوط المنع ، لأن المقصود من الأصول والأرض الثمرة ، فهي كالتابعة لها ، وقد زكت بالعشر الواقع عن الثمرة والأصول ومغرسها ، وفيه أنا لا نسلم التبعية ، لوجوب العشر على من ملك الثمرة المجردة عن الأصل والمغرس ، ولئن سلمنا ذلك فجهتا الزكاتين متغايرتان كما هو واضح ، هذا كله مماشاة للأصحاب ، وإلا فقد يتوقف في أصل الحكم باعتبار ظهور النصوص في زكاة المال المطلوب برأس المال أو بالربح الشامل للزيادة ، فلا تحتاج هي إلى حول مستقل ، خصوصا‌ خبر شعيب (٣)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١.

٢٦٧

منها عن الصادق عليه‌السلام « كل شي‌ء جر عليك المال فزكه ، وما ورثته واتهبته فاستقبل به » بل‌ روى عبد الحميد (١) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا ملك مالا آخر في أثناء الحول الأول زكاهما عند الحول الأول » وقد اعترف في الدروس بدلالتهما على ذلك ، فقال : فيهما دلالة على أن حول الأصل يستتبع الزائد في التجارة وغيرها إلا السخال ، ففي‌ رواية زرارة (٢) عنه عليه‌السلام « حتى يحول الحول من يوم تنتج » فتأمل جيدا ، وعلى كل حال فالزيادة المتجددة بعد الزيادة الأولى يعتبر لها حول مستقل أيضا بناء عليه كالأولى.

الشرط الثاني أن يطلب برأس المال أو زيادة بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم ، بل عن صريح المعتبر والمنتهى وظاهر الغنية والتذكرة الإجماع عليه ، للنصوص السابقة التي منها موثق سماعة (٣) فإنه كالصريح في كون الشرط على الوجه الذي ذكره الأصحاب لا أنه أن لا يطلب بنقيصة حتى يحتاج في نفي الزكاة عن المال الذي لم يعلم حاله بالنسبة إلى الطلب بها أو برأس المال إلى الأصل ، بل موثق سماعة دال على كون الشرط ما عرفت ، فالشك فيه حينئذ على الوجه منفي به ، مضافا إلى الأصل ، والأمر سهل.

وعلى كل حال ( فـ ) لا شك في أنه لو كان رأس ماله مائة دينار فطلب بنقيصة ولو حبة من قيراط يوما من الحول في الأول أو الآخر أو الوسط لم يستحب الزكاة عندنا ، لما عرفت من الإجماع والنصوص ، قال في محكي التذكرة : فلو نقص في الانتهاء بأن كان قد اشترى بنصاب ثم نقص السعر عند انتهاء الحول أو في الوسط بأن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٢.

(٢) الاستبصار ج ٢ ص ٢٠ الرقم ٥٨ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٦.

٢٦٨

كان قد اشترى بنصاب ثم نقص السعر في أثناء الحول ثم ارتفع السعر في آخره فلا زكاة عند علمائنا ، وهذا واضح ، وإنما المخالف فيه بعض العامة نعم روى سماعة (١) وروى العلاء (٢) أنه إذا مضى وهو على النقيصة أحوال زكاه لسنة واحدة استحبابا بناء على الوجوب ، وغير مؤكد بناء على الندب جمعا بينهما وبين غيرهما مما دل على السقوط ، بل ليس فيهما اشتراط مضي الأحوال للطلب بالنقصان في هذا الاستحباب ولعل الكلام هنا يشبه ما سمعته في المال الغائب ، فلاحظ وتأمل ، وما عساه يظهر من المصنف من التوقف في ذلك مع أن الحكم استحبابي يتسامح فيه في غير محله ، كما أن نقله للرواية بالمعنى في صورة الشرط كذلك ، هذا ، وفي الوسيلة « مال التجارة يعني يستحب فيه الزكاة إذا طلب برأس المال أو بأكثر ، فإن طلب بأقل لم يلزم ، وقال قوم من أصحابنا : يجب في قيمته الزكاة ، ومن قال بالاستحباب قال بعضهم يكون فيه زكاة سنة وإن مر عليه سنون ، وقال آخرون : يلزم كل سنة » وهو ـ مع أنه خارج عما نحن فيه ، ضرورة ظهوره في المطلوب برأس المال فصاعدا ـ لم نعرف حكاية هذا القول من غيره وغير الفاضل في المنتهى والشيخ على ما قيل ، وإنما المعروف تزكيته سنة للمطلوب بنقصان خاصة.

والمراد برأس المال في النص والفتوى الثمن المقابل للمتاع ، ويحتمل قويا جميع ما يغرمه عليه من مئونة نقل وأجرة حفظ وما يأخذه العشار وغير ذلك ، ولو سلم عدم كون ذلك من رأس المال لغة وعرفا فلا يبعد كونه من المؤن التي قد عرفت الحال فيها ، إذ الظاهر عدم الفرق بين الزكاة الواجبة والمندوبة في ذلك.

والأمتعة التي اشتريت صفقة واحدة وأريد بيعها بتفرقة رأس المال في كل واحد منها ما خصها من الثمن فالزكاة فيه يدور على طلبه به أو بزيادة وعدمه ، نعم قد يقوى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٩.

٢٦٩

جبر خسران أحدهما بربح الآخر ، خصوصا مع إرادة البيع صفقة ، لكون الجميع تجارة واحدة ، أما إذا كانا تجارتين مثلا فالظاهر عدم جبر خسران إحداهما بربح الأخرى ، فلا يكفي حينئذ في ثبوت الزكاة في التي طلبت بنقيصة طلب الثانية بربح يجبر تلك النقيصة بل تتعلق الزكاة بإحداهما دون الأخرى حتى لو أريد البيع صفقة واحدة ، فتأمل جيدا وجبر إحدى التجارتين بالأخرى في الخمس على تقدير التسليم لا يستلزمه هنا بعد ظهور نصوص المقام في خلافه ، بل ربما يستفاد منها عدم جبر المتاع بنتاجه ، لصدق الطلب بنقصان معه أيضا ، وكونه كالجزء بالنسبة إلى ذلك محل منع كما تقدم الكلام فيه ، والله أعلم‌

الشرط الثالث مضي الحول من حين التكسب به بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه ، بل عن المعتبر والمنتهى حكايته عن علماء الإسلام ، مضافا إلى‌ صحيح ابن يقطين (١) قال : « قلت لأبي إبراهيم عليه‌السلام أنه يجتمع عندي الشي‌ء قيمته نحوا من سنة أنزكيه؟ فقال : كلما لم يحل عندك عليه حول فليس عليك زكاة وكلما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي‌ء » وصحيح ابن مسلم المتقدم (٢) آنفا ، وحسنه الآخر (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يوضع عنده الأموال يعمل بها فقال : إذا حال الحول فليزكها » بناء على إرادة ما يشمل أمتعة التجارة من الأموال فيه ولا يخفى عليك أن اشتراط الحول هنا على حسب اشتراطه في غيره من النقدين والأنعام بمعنى أنه لا بد من وجود ما يعتبر في الزكاة من الشرائط العامة والخاصة من أول الحول إلى آخره ، فلو نقص رأس ماله يوما منه أو نوى به القنية كذلك أو لم يتمكن فيه من التصرف انقطع الحول بلا خلاف أجده فيه هنا وفي ما تقدم إلا ما سمعته من بعض متأخري المتأخرين في أول كتاب الزكاة ، نعم قد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٨.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٣.

٢٧٠

عرفت الحال في اعتبار البلوغ والعقل في زكاة التجارة ، كما أنك تعرف الحال في اعتبار بقاء السلعة طول الحول في الزكاة هنا وعدمه ، وأن مختار المصنف الأول.

ومن هنا أطلق فيما لو كان بيده نصاب من النقد بعض حول فاشترى به متاعا للتجارة فقال قيل والقائل الشيخ في المبسوط كان حول العرض حول الأصل ، والأشبه استئناف الحول من حين الشراء ، لأنه مال جديد من غير فرق بين كون النقد المزبور مال تجارة أو لا ، لما عرفت من اعتبار المصنف بقاء عين مال التجارة طول الحول ، نعم بناء على عدم اعتبار ذلك يتجه التفصيل المزبور ، ولذا كان هو خيرة التذكرة وغيرها هنا ، والغرض هنا التعرض لكلام الشيخ ، فإنه لم يبن المسألة على ذلك ، بل بناها على أن العرض مردود إلى النقد ، فكأنه موجود تمام الحول ، خصوصا بعد أن كانت زكاة التجارة في قيمة المتاع لا عينه ، ومراده على الظاهر بالمتاع ما لا يشمل النصاب الزكاتي ، لأنه قد صرح فيما حكي عنه فيه بأنه إذا كان عنده مائتا درهم ستة أشهر ثم اشترى بها أربعين شاة للتجارة انقطع حول الأصل ، لأن الزكاة تتعلق بعين الأربعين لا بقيمتها ، وصرح بأنه إذا اشترى بنصاب من غير الأثمان كخمسة من الإبل استأنف الحول ، وصرح أيضا بأنه إذا كان عنده أربعون شاة سائمة للتجارة ستة أشهر واشترى بها أربعين سائمة للتجارة كان حول الأصل حولها ، لأنه بادل بما هو من جنسه ، والزكاة تتعلق بالعين ، وقد حال عليها الحول ، وهو كما قلنا بنى المسألة على أمر آخر ، وقال في الخلاف : « إذا اشترى عرضا للتجارة ففيه ثلاث مسائل : أولها أن يكون ثمنها نصابا من الدراهم أو الدنانير ، فعلى مذهب من قال من أصحابنا إن مال التجارة ليس فيه زكاة ينقطع حول الأصل ، وعلى مذهب من أوجب فإن حول العرض حول الأصل ، وبه قال الشافعي قولا واحدا ، وإن كان الذي اشترى به نصابا تجب فيه الزكاة كالمائتين فإنه يستأنف الحول ، دليلنا أنا قد روينا عن‌ إسحاق بن‌

٢٧١

عمار (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « كل ما عدا الأجناس مردود إلى الدراهم والدنانير » وإذا ثبت ذلك لا يمكن أن يبنى على حول الأول ، لأن السلعة تجب في قيمتها من الدنانير والدراهم الزكاة ، والأصل تجب في عينها ، ولا يجب حمل أحدهما على الآخر ، وأيضا‌ روي (٢) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول » فإذا لم يحل على الأول الحول وجب أن لا يبنى على الثاني » وعلى كل حال فهو واضح الضعف ، ضرورة عدم صدق حول الحول على العرض بذلك ، والخبر المزبور لا دلالة فيه عليه ، ضرورة أعمية الرد من ذلك ، والنبوي الأخير كما أنه حجة على الثاني حجة على الأول أيضا ، كما هو واضح ولو كان رأس المال دون النصاب استأنف عند بلوغه نصابا فصاعدا ولو بارتفاع قيمة المتاع بلا خلاف ولا إشكال.

وأما البحث في أحكامه أي مال التجارة ( فـ ) فيه مسائل : الأولى زكاة التجارة تتعلق بقيمة المتاع لا بعينه على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل في المفاتيح نسبته إلى أصحابنا ، بل ربما قيل : إن عبارة المنتهى تشعر بالإجماع عليه ، لخبر إسحاق بن عمار المتقدم آنفا المنجبر سندا ودلالة بالشهرة ، واستصحاب خلو العين عن الحق وجواز التصرف فيها ، وإشعار اعتبار النصاب بالقيمة في ذلك ، وعدم ظهور نصوص المقام في العينية ، لأن كثيرا منها بلفظ الأمر ، وما فيها بلفظ « في » محتمل للتسبيب ولو للشهرة العظيمة ، وإشعار اعتبار البيع في الموثق (٣) الوارد في المطلوب بنقصان بذلك ، كاشعار خبر إسماعيل بن عبد الخالق (٤) الوارد في‌

__________________

(١) الخلاف ج ١ ص ٢٤٥ الطبعة الثانية عام ١٢٧٧ ـ كتاب الزكاة المسألة ١١١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

٢٧٢

الزيت المتقدم سابقا الذي أمر فيه بزكاة الثمن بعد البيع للسنة التي اتجر فيها في المطلوب بنقصان أيضا ، إذ الظاهر عدم الفرق في كيفية تعلق الزكاة بين الجميع وإن اختلف في السنة الواحدة والأزيد ، مضافا إلى ما قدمناه سابقا في سائر أقسام الزكاة المستحبة من صعوبة دعوى التعلق في العين على إرادة الملك للفقراء ، فإن مراعاة قواعد الملك مع الاستحباب في غاية الصعوبة ، ولغير ذلك مما يظهر بأدنى تأمل ، خلافا لما عساه يظهر من المعتبر والتذكرة من الميل إلى كونها في العين ، حيث أنهما بعد أن حكيا عن أبي حنيفة ذلك قال في أولهما : إنه أنسب بالمذهب ، ونفي عنه البأس في ثانيهما ، واستحسنه في المدارك وفي المفاتيح أنه أصح ، واعتمده في المحكي عن إيضاح النافع لكثير مما سمعته في تعلقها بالعين في غيرها من أقسام الزكاة ، ولإشعار‌ موثق سماعة (١) بذلك ، قال فيه : « سألته عن الرجل يكون معه المال مضاربة هل عليه في ذلك المال زكاة إذا كان يتجر به؟ فقال : ينبغي له أن يقول لأصحاب المال زكوه ، فان قالوا : إنا نزكيه فليس عليه غير ذلك ، وإن هم أمروه بأن يزكيه فليفعل. قلت : أرأيت لو قالوا : إنا نزكيه والرجل يعلم أنهم لا يزكونه قال : فإذا هم أقروا بأنهم يزكونه فليس عليه غير ذلك ، وإن هم قالوا إنا لا نزكيه فلا ينبغي له أن يقبل ذلك ولا يعمل به حتى يزكوه ».

وفيه أن الفرق واضح بين ما نحن فيه وبين باقي أقسام الزكاة ، ضرورة صراحة تلك الأدلة في العين من وجوه ، خصوصا ما جاء منها بلفظ العشر ونصفه وربع العشر ونحوه مما هو كالصريح في الحصة المشاعة في العين ، كما أوضحناه سابقا ، ومن لحظ الأدلة في الطرفين مع التأمل الجيد يجد الفرق الواضح بين المقامين حتى لفظ « في » في المقام ، فإنه ليس بذلك الظهور في إرادة العينية ، ولا مساقا له ، بل الخبر المشتمل عليها قد اشتمل على لفظ « عليه » ونحوه مما يقتضي خلافه ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، والموثق مع أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

٢٧٣

بلفظ « ينبغي » ومشتمل على ما ينافي العينية من الاكتفاء بالقول المعلوم كذبه محتمل لإرادة المال الذي يراد به المضاربة لا مال التجارة الحاصل بعد المضاربة ، بل لعل تدقيق النظر في الخبر المزبور بعد تسليم كونه مال التجارة يقتضي شهادته للزكاة في القيمة ، وإن كان مع ذلك له تعلق في العين ، لكن ليس تعلق ملك ونحوه.

وعلى كل حال فقد ذكروا أن فائدة الخلاف تظهر في جواز التصرف بالعين قبل أداء الزكاة من دون ضمان على المشهور بخلافه على غير المشهور ، وفي التحاص وعدمه مع قصور التركة كما عن الشهيد الثاني التصريح به ، وفيما لو ارتفعت القيمة بعد الحول ، فعلى المشهور إنما له القيمة عند الحول فالزيادة للمالك بخلاف القول الآخر فإنها تتبع العين ومن هنا قال الشهيد الأول في الدروس : « وتتعلق بالقيمة لا بالعين ، فلو باع العين صحت ، ولو ارتفعت قيمتها بعد الحول أخرج ربع عشر القيمة عند الحول » وقال هو أيضا في المحكي عن حواشيه على القواعد : « إنه تظهر الفائدة في مثل من عنده مائتا قفيز من حنطة تساوي مائتي درهم ثم تزيد بعد الحول إلى ثلاثمائة درهم ، فان قلنا تتعلق بالعين أخرج خمسة أقفزة أو قيمتها سبعة دراهم ونصفا ، وإن قلنا بالقيمة أخرج خمسة دراهم أو بقيمتها حنطة » وهو عين ما ذكره في البيان « ولو اشترى مائتي قفيز حنطة بمائتي درهم فتم الحول وهو على ذلك أخرج خمسة دراهم أو خمسة أقفزة ، فإن صارت تسوى ثلاثمائة درهم بعد الحول فليس عليه سوى خمسة دراهم أو حنطة بقيمتها ، لأن الزيادة لم يحل عليها الحول ، ولو قلنا بتعلق العين أخرج خمسة أقفزة أو سبعة دراهم ونصفا ، ولو سارت بعد الحول مائة درهم بعيب أو نقص في السوق ولم يكن فرط زكى الباقي ، وإن فرط ضمن قيمته لا غير وإن زاد ثمن الحنطة فيما بعد » ومن الغريب أن الشهيد الثاني اعترضه في المحكي عن حواشيه على القواعد بأن ذلك إنما يتم لو لم يعتبر في زكاة التجارة النصاب الثاني لأحد النقدين ، وإلا لوجب سبعة لا غير ، لأن العشرين‌

٢٧٤

بعد الثمانين عفو ، وفيه أن السبعة ونصف إنما أخذت قيمة عن الخمسة أقفزة الواجبة في هذا المال لا زكاة عن الثلاثمائة ، ليعتبر فيها النصاب الثاني ، فإن المائة الزائدة لم يحل عليها الحول كما هو المفروض ، ولو نقصت القيمة بعد الحول فان كان قبل إمكان الأداء فلا ضمان على القولين ، وإن كان بعده كان النقص على المالك سواء كان لعيب أو للسوق على المشهور ، أما على التعلق بالعين فالمتجه عدم ضمان السوق ، فيجزيه حينئذ دفع العين كما في الغاصب ، هذا.

وفي المدارك بعد أن حكى عن الشارح الفائدة الثانية للخلاف « ويمكن المناقشة فيه بأن التعلق بالقيمة غير الوجوب في الذمة ، فيتجه القول بتقديم الزكاة على القول بالوجوب وإن قلنا إنها تتعلق بالقيمة كما اختاره في الدروس ، إلا أن يقال إن التعلق بالقيمة إنما يتحقق بعد بيع عروض التجارة ، أما قبله فلا ، وهو بعيد جدا » قلت : الذي يظهر بعد التأمل أنه لا فرق بين القول بالذمة والقول بالقيمة ، بل هو مرادهم منها ضرورة أن القيمة أمر معدوم لا يمكن أن يتحقق فيه ملك للفقير ، إذ ليس المراد منها سوى ما يقابل هذا المتاع لو بيع ، ومن الواضح كونه أمرا عدميا ، فليس الحاصل حينئذ إلا الخطاب بالمقدار المخصوص من القيمة المفروضة في ذمة صاحب المال ، وهذا عين القول بالذمة ، وكأن الذي دعاهم إلى التعبير بالقيمة هنا دون الذمة إرادة بيان أن الثابت في ذمة المكلف دراهم أو دنانير في هذه لا حصة مشاعة في العين ولا أمر كلي منها في الذمة كالعشر في الغلات مثلا ، واحتمال أن المراد المقدار المخصوص من القيمة لكن في العين لا في الذمة على معنى أنه يستحق إخراجه منها ببيع ونحوه فيكون أشبه شي‌ء بأرش الجناية بعيد من كلماتهم ، كما أنه يعسر تحصيله من الأدلة ، وعليه فلو أدى من غير العين كان ذلك بدلا عن الواجب ، وهو خلاف الظاهر أيضا ، بل يمكن القطع بعدمه بعد التأمل في قولهم بقيمة المتاع لا عينه ، وأنهم لو أرادوا المعنى المزبور لم يكتفوا‌

٢٧٥

عنه بهذه العبارة المخصوصة ، وما حكاه عن الدروس لم أتحققه ، وإنما فيها ولا يمنعها أي زكاة التجارة الدين ، والأقرب أنه على القول بالقيمة لا يمنع أيضا ، ولا شهادة فيه على ما ذكر ، وإنما هي مسألة مستقلة سيذكرها المصنف وغيره ، بل في الدروس ما يشهد لكون المراد من التعلق بالقيمة الذمة ، ولعله صريح البيان ، قال فيه : « هذه الزكاة وإن وجبت في القيمة فهي مشروطة ببقاء العين أو تلفها بعد التمكن من الإخراج ، فحينئذ تتعلق بالذمة ، وكذا على القول المشهور بالاستحباب ، إذ المراد أنها في الذمة في الصورتين أي بقاء العين والتلف بعد التمكن ، بخلاف ما إذا لم تكن العين باقية أو تلفت قبل التمكن من الأداء ، فإنها تسقط » وأراد من ذلك دفع ما عساه يتخيل من أنه بناء على التعلق بالقيمة دون العين تثبت ولو تلفت قبل التمكن ، لعدم مدخلية العين فيه ، فتأمل ، وصرح أيضا في المسالك في المسألة الثانية بكون التعلق في الذمة ، وجعله الفائدة في زكاة المال والتجارة ، فلاحظ وتدبر ، بل من أعطى النظر حقه فيما حكاه المصنف في المعتبر من استدلال الشيخ على التعلق بالقيمة ومناقشته له وما حكاه عن أبي حنيفة يجزم أن المراد بالقيمة المقدار المخصوص منها في الذمة ، فلاحظ وتأمل ، وقد ظهر لك من ذلك كله ما في كلام سيد المدارك ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( تقوم بالدراهم أو الدنانير ) كما في الإرشاد والقواعد وغيرها بل لا أجد خلافا في أصل التقويم بهما بيننا ، لأنهما أصل المال ، ولذا كانا المرجع في الديات وفي عوض المتلفات وأروش الجنايات والمعيبات وغير ذلك مما يرجع إلى الغرامات ونحوها ، ومقتضى المتن وغيره ممن أطلق أنه لا فرق في التقويم بأحدهما بين كون ثمن المتاع عروضا أو نقدا وبين كون الثمن من جنس ما وقع به التقويم وعدمه ، ولعله لإطلاق ما دل على التقويم من موثق إسحاق بن عمار (١) وغيره ، لكن في المدارك « أنه مشكل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٧.

٢٧٦

على إطلاقه ، والأصح أن الثمن إن كان من أحد النقدين وجب تقويم السلعة بما وقع به الشراء كما صرح به المصنف في المعتبر والعلامة ومن تأخر عنه ، لأن نصاب العرض مبني على ما اشترى به ، فيجب اعتباره به ، كما لو لم يشتر به شيئا ، ول‌ قوله عليه‌السلام (١) : « وإن كنت تربح فيه شيئا أو تجد رأس مالك فعليك زكاته » ورأس المال إنما يعلم بعد التقويم بما وقع به الشراء ، ولو وقع الشراء بالنقدين وجب التقويم بهما ، ولو بلغ أحدهما النصاب زكاه دون الآخر ، ولو كان الثمن عروضا قوم بالنقد الغالب ، واعتبر بلوغ النصاب ووجود رأس المال في الحول به خاصة ، ولو تساوى النقدان كان له التقويم بأيهما شاء ، ويكفي في استحباب الزكاة بلوغ القيمة النصاب بأحدهما ، وكذا وجود رأس المال ».

وقال أيضا في شرح قول المصنف‌ تفريع إذا كانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر تعلقت به الزكاة ، لحصول ما يسمى نصابا « هذا إنما يتم إذا كان الثمن عروضا وتساوى النقدان ، وإلا وجب التقويم بالنقد الذي وقع به الشراء أو بالنقد الغالب خاصة كما تقدم » ويقرب من ذلك ما في المسالك فإنه في شرح قول المصنف : « ويقوم » إلى آخره قال : « هذا إذا كان رأس المال عروضا ، أما لو كان أحد النقدين تعين تقويمه به ، فان بلغ به النصاب استحبت ، وإلا فلا ، ولو كان منهما معا قوم بهما على التقسيط ، ولو كان نقدا وعرضا قسط أيضا على القيمة ، وقوم ما يخص النقد به ، والآخر بالنقد الغالب منهما ، فان تساويا تخير ، وكذا القول فيما لو كان جميعه عرضا » وفي شرح قوله : « تفريع » إلى آخره قال أيضا : « إن اشتريت بعرض أو بما بلغت به من النقد ، وإلا فلا » وقال في الدروس : « والعبرة في التقويم بالنقد الذي اشتريت به لا بنقد البلد ، فلو اشترى بدراهم وباعها بعد الحول بدنانير قومت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١.

٢٧٧

السلعة دراهم ولو باعها قبل الحول قومت الدنانير دراهم عند الحول ، وقيل : لو بلغت بأحد النقدين نصابا استحبت ، وهو حسن إن كان رأس المال عرضا » إلى غير ذلك من كلماتهم المتقاربة ، بل حكي عن المبسوط والخلاف نحو ذلك فضلا عن الكركي والميسي وأبي العباس والصيمري وغيرهم ، بل قد سمعت نسبته في المدارك إلى الفاضلين ومن تأخر عنهما.

وفيه أولا أن المتجه بناء على كلامهم ملاحظة ثمن العرض الذي وقع ثمنا للسلعة ولا يكفي كونه ثمنا في التقويم بأي النقدين مع التساوي ، وثانيا أن الظاهر كون النقدين معا من النقد الغالب شرعا ، فلا يقدح في جواز التقويم بأحدهما في نحو ما نحن فيه اتفاق كثرة استعمال الآخر في بعض الأزمنة والأمكنة ، إذ لا إطلاق حتى ينصرف إلى الغالب ، مع أن الظاهر كونهما غالبين في زمن صدور النصوص ، مضافا إلى موثق إسحاق بن عمار (١) على ما رواه الشيخ ، فالمتجه جواز التقويم بكل منهما على كل حال وأنه متى بلغ النصاب بأحدهما زكاه ، لإطلاق الموثق المزبور ، وعموم ما دل على زكاة مال التجارة المقتصر في الخارج منه على المتيقن ، وهو الناقص عنهما ، ودعوى توقف معرفة رأس المال على التقويم بما وقع به الشراء واضحة الفساد ، ضرورة عدم مدخلية ذلك فيه ، فإنه قد يعرف قيامها برأس المال وإن قومت بغير الثمن ، وكذا دعوى أن السلعة محكوم في المقام بكونها على حكم ما اشتريت به من دراهم أو دنانير فلا معنى لتقويمها بغيره ، إذ هو كتقويم الدراهم بدنانير وبالعكس مما هو معلوم البطلان ، لأنه لا دليل على هذا التنزيل ، والاستحسان غير حجة عندنا ، ودعوى كونه جهة ترجيح للتقويم لا يصغى إليها في إثبات حكم شرعي ونفيه ، ومن ذلك كله ظهر لك أن الأولى إطلاق المصنف وغيره ، خصوصا بعد أن كان الحكم ندبيا ، نعم لو كان مال التجارة دراهم أو دنانير اتجه اعتبار نصابهما ، ولا يلحظ قيمة كل منهما بالآخر ، ضرورة كون‌

__________________

(١) الخلاف ج ١ ص ٣٤٥ الطبعة الثانية عام ١٣٧٧ ـ كتاب الزكاة المسألة ١١١.

٢٧٨

كل منهما قيمة لباقي الأموال كما هو واضح ، فإن المسألة أكثر المتأخرون من الكلام فيها ، وربما ظهر من بعضهم مفروغية الحال فيما ذكروه من التفصيل ، وأنت خبير بما فيه والله أعلم.

المسألة الثانية إذا ملك أحد النصب الزكاتية للتجارة مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة أو عشرين دينارا أو نحو ذلك سقطت زكاة التجارة المستحبة ووجبت زكاة المال الواجبة وذلك لأنه لا يجتمع الزكاتان بلا خلاف كما في الخلاف ، بل في الدروس ومحكي التذكرة والمعتبر والمنتهى الإجماع عليه ، وفي المسالك ذكر جماعة أن لا قائل بثبوتهما ، والأصل فيه‌ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « لا ثنى في صدقة » وقول الصادق عليه‌السلام في حسن زرارة (٢) : « لا يزكى المال من وجهين في عام واحد » ويشكل ذلك على القول بوجوب زكاة التجارة لعدم الترجيح حينئذ كما ستعرف وعلى كل حال بذلك يخرج عما تقتضيه القاعدة من عدم السقوط ويضعف ما قيل : من أنه تجتمع الزكاتان هذه وجوبا وهذه استحبابا مع أنا لم نعرف قائله كما اعترف به غير واحد ، واحتمال أن المراد من الخبرين ومعاقد الإجماعات خصوص الواجبتين واضح الفساد بأدنى ملاحظة لناقلي الإجماع ، وأنهم ممن يقولون بالندب ، ولظاهر النفي في الخبرين المحمول على نفي الحقيقة الشاملة للواجب والمندوب ، فلا فرق حينئذ بين الواجبتين والمندوبتين والمختلفتين ، نعم لا دلالة في شي‌ء مما سمعت على تعيين الساقط في نحو المقام ، لكنه مفروغ من كونها زكاة التجارة عند الأصحاب بناء على الندب معللين له بأن الواجب مقدم على الندب ، وفيه أن ذلك عند التزاحم في الأداء بعد معلومية وجوب الواجب وندبية المندوب لا فيما نحن فيه الذي مرجعه‌

__________________

(١) النهاية لابن الأثير مادة « ثني » و « ثني » على وزن « إلى ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١.

٢٧٩

إلى معلومية عدم مشروعية أحدهما على وجه لا ينتقل منه إلى التخيير المعلوم عدم تعقله في المقام ، ضرورة أنه لا معنى له بين الواجب والندب ، ودعوى رجوع الحال إلى تعارض الأدلة من وجه فيرجع إلى الترجيح ، ولا ريب في كونه لدليل الواجب واضحة الفساد ، ضرورة أن ذلك لا يصلح شاهدا لتعيين الساقط منهما الذي استفدنا سقوطه من الخبرين المزبورين ، وليس المقام أي مقام تعرف الثابت منهما من تعارض الدليلين اللذين قد عرفت عدم تعارضهما ، ولكن علمنا بدليل خارجي ارتفاع أحدهما المعين في الواقع المبهم عندنا ، فلا بد من دليل معتبر يعينه ، ولا يكفي الظن الناشئ من اعتبارات ونحوها كما هو واضح ، فالمتجه إن لم يثبت إجماع التوقف حينئذ في الحكم بسقوط أحدهما على التعيين ، كما أن المتجه الرجوع في العمل إلى أصل البراءة ، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه ، واحتمال وجوبه هنا لا يصغى اليه ، لدوران الأمر بين الواجب والندب.

ومما ذكرنا يظهر لك الحال بناء على الوجوب أيضا ، إذ لا فرق فيه عليه وإن زاد هنا باحتمال التخيير ، بل في المسالك أنه ربما قيل به ، لتساويهما في الوجوب ، وامتناع الجمع بينهما ، وعدم المرجح ، وأنهما كالأمرين المتعذر عقلا إرادتهما معا من الأمر لضيق الوقت أو غيره ، وفيه أن التخيير هناك ينتقل اليه الذهن من مجرد اللفظ بخلافه هنا ، بل لعل ظاهر دليل عدم الجمع هنا عدم التخيير كما هو ظاهر الأصحاب أيضا فتعين حينئذ كون الثابت أحدهما ، ولا دليل على التعيين كما سمعته في الندب ، وترجيح المالية بالاتفاق على وجوبها وتعلقها بالعين أو التجارة بأنها أحظ للفقراء مع قطع النظر عما فيه غير مجد فيما نحن فيه إن لم يثبت إجماع ، إذ مرجعه إلى ما لا يصلح الاعتماد عليه في تعيين الساقط منهما ، لعدم كون المقام من التعارض عند التأمل ، كما أوضحناه سابقا ولعله إلى ذلك كله أومأ المصنف بقوله : « ويشكل ذلك على القول بالوجوب » لأن‌

٢٨٠