جواهر الكلام - ج ١٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المفسدة في ذلك ، ومن هنا استشكله في المدارك بعد أن حكاه عن المتأخرين ، وعن القطيفي أنه لم يحضرني دليله ، وقد ذكرنا نبذة من الكلام في تصرف الولي في كتاب الرهن من أراده فليلاحظه.

أما إذا كان الولي بحيث لا يجوز له الاقتراض بان لم يكن مليا أو لا مصلحة في اقتراضه فهو كما إذا لم يكن المقترض وليا في عدم الجواز وكان كل منهما ضامنا للمال لو تلف كلا أو بعضا بقيمته أو مثله ، لكونهما غاصبين ، ولكن أطلق المصنف والفاضل في بعض كتبه أن لليتيم الربح حينئذ وأنه لا زكاة هنا وعن محكي المبسوط والنهاية موافقتهما في الأول ومخالفتهما في الثاني لكن في غير الولي ، كما أن الشهيدين والمقداد وثاني المحققين والقطيفي على ما حكي عن بعضهم وافقوهما على الأول إذا كان وليا واشترى بالعين ، واختلفوا في الزكاة ، فبعضهم أثبتها وآخر نفاها ، ولعل التحقيق في الولي كون الربح لليتيم مع الشراء بالعين ، وقصد النفس بعد كون المال للغير المخاطب بإيقاع الشراء له مع المصلحة غير قادح ، كما لو اشترى بمال زيد عينا يقصد أنها له ، فإنه لا يجدي في عدم (١) تبعية ملك المعوض للعوض إذا كان وكيلا أو أجاز المالك ، وقد فرضنا كون المتصرف الولي ، فلا يحتاج إلى إجازة ، إذ هو حينئذ كالوكيل على الشراء بالعين وقصد نفسه ، فإن صحة البيع لا تحتاج إلى إجازة من الموكل في وجه قوي ، لأن الوكيل قد فعل ما وكل فيه ، وقصده لنفسه لاغ ، وليس الفعل مشتركا تشخصه النية ، إذ الفرض أنه وكيل على الشراء بالعين ، وهو لا يقع إلا للموكل ، فكذا الولي ، بل لعله أولى من الوكيل في ذلك ، وعلى هذا يحمل صحيح ربعي (٢) وخبر منصور (٣) المتقدمان آنفا ، ونحوهما‌ حسن ابن مسلم (٤) في مال‌

__________________

(١) في النسخة الأصلية شطب على لفظة « عدم » والصحيح ما أثبتناه.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب ما يكتسب به ـ الحديث ٢.

٢١

اليتيم « العامل به ضامن ولليتيم الربح إذا لم يكن للعامل به مال ، وقال : إن عطب أداه ».

ومنه يظهر فساد ما ذكره بعض متأخري المتأخرين من احتياج الصحة إلى إجازة من الولي ، بل ربما توقف في الصحة معها أيضا ، لكون الشراء وقع لنفسه ، فلا تنفعه الإجازة ولو قلنا بصحة الفضولي معها ، إذ قد ظهر لك مما ذكرنا عدم الاحتياج إلى الإجازة في الصحة ، لكونه مكلفا مع الشراء بعين مال الطفل وحصول المصلحة بكون الشراء للطفل لا لنفسه.

نعم ينبغي تقييد ذلك كله بما إذا وقع الشراء بالعين ، أما إذا وقع في الذمة فالقاعدة تقتضي كونه للولي ، فيكون الربح له وإن كان قد أضمر التأدية من مال الطفل حال الشراء ، فإن إضماره ذلك لا يقتضي تبعية الملك له ، وتأديته لم تبرأ ذمته ، ودعوى أن النص والفتوى يشملان هذه الصورة ، لأنها الغالب ، ولصدق الشراء بمال الطفل حينئذ ، يمكن منعها ، على أن الخروج عن القاعدة المحكمة بإطلاق هذه النصوص ليس أولى من العكس ، بل هو أولى.

ولو لم يكن ربح ولا نقصان أمكن الحكم بصحة العقد بناء على اعتبار عدم المفسدة لا المصلحة ، أو على أنها معتبرة في رفع الإثم في التصرف دون صحة العقد ، فيكفي فيها عدم المفسدة وإن أثم بالإيقاع ، وقد يقوى الفساد ، لاعتبارها في الصحة كما هو ظاهر الآية (١) وحينئذ يكون كالشراء مع النقيصة الذي حكمه أنه يجب عليه استرجاع مال الطفل مع التمكن ، وإلا غرم للطفل ماله ، وأخذ ما بيده له مقاصة ، ولو كانت المصلحة في المقاصة للطفل اعتبرها له ، لأنه عوض ماله ، وغرم الباقي له ، لكن في وجوب ذلك عليه إشكال ، أقواه العدم.

ولو كان أول الشراء ناقصا ثم زاد بعد ذلك فالظاهر البقاء على الفساد ، وقد‌

__________________

(١) سورة الأنعام ـ الآية ١٥٣.

٢٢

يحتمل انكشاف الصحة قهرا أو مع تجديد الإجازة فيدخل في ملك الطفل لمصادفته المصلحة واقعا ، لكنه لا يخلو من ضعف ، كما أن الظاهر ـ فيما إذا كان أول الشراء فيه ربح فنقص بعد ذلك ـ البقاء على الصحة ، فتكون النقيصة حينئذ على الطفل ، وقد يحتمل انكشاف الفساد ، لكنه أيضا لا يخلو من ضعف كالسابق.

هذا كله إذا كان المتصرف الولي ، أما إذا كان غير ولي وقد اشترى بعين مال الطفل بعنوان أنه له وكان فيه ربح فالضوابط تقتضي أنه فضولي لا يدخل في ملك الطفل حتى يجيز الولي ، والظاهر عدم وجوب الإجازة عليه ، لأصالة براءة ذمته من وجوب التكسب عليه ، لكن ظاهر المصنف وغيره كونه كالولي في الحكم ، وربما استدل له بإطلاق النصوص السابقة ، لكن قد يمنع شمولها لغير الولي ، خصوصاً مع اشتمالها على ما يقتضي رفع الضمان إذا كان للعامل مال ، وهو لا يتم إلا في الولي ، ضرورة ضمان غيره على كل حال ، لعدم جواز التصرف له ، ومن ذلك يظهر لك أن دعوى وجوب إجازة الولي الحقيقي لمثل هذا التصرف إذا صادف المصلحة لا شاهد لها ، كما أنه مما قدمنا سابقا يظهر لك أنه لا وجه للتوقف في الصحة مع إجازة الولي ، لما عرفت من أن قصد النفس غير قادح.

وأما الزكاة فنفيها عن الولي وإن كان قد قصد الشراء لنفسه متجه ، لعدم سلامة الربح له ، وفي‌ موثق سماعة (١) « الرجل يكون عنده مال اليتيم يتجر به أيضمنه؟ قال : نعم ، قلت : فعليه زكاة قال : لا ، لعمري لا أجمع عليه خصلتين الضمان والزكاة » لكنه غير صريح فيما نحن فيه ، بل ولا ظاهر ، اللهم إلا أن يقال : إنه إن لم يحمل عليه لم يوافق ما هو المعلوم من النص والفتوى من أن الولي إذا ضمن مال الطفل واتجر به لنفسه كانت الزكاة عليه ، وأنه بهذا المعنى تجتمع الزكاة والضمان ، أما إذا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٥.

٢٣

حمل على ما نحن فيه من كون الضمان فيه لعدم جواز افتراضه لعدم ملائته أو غيرها وكان الاتجار لنفسه يتجه حينئذ نفي الزكاة عنه ، لما عرفت من صيرورة الربح للطفل ، فمثل هذا الضمان لا يجتمع مع الزكاة ، لكنه كما ترى لا يخلو من تكلف.

وعلى كل حال فنحن في غنية عنه بالنسبة إلى نفيها عنه من ماله ، وأما بالنسبة إلى الطفل فلعل عدم الزكاة حينئذ لعدم قصد التكسب له ، وإن صرف الشارع الربح له وستعرف اشتراط زكاة التجارة بذلك ، مضافاً إلى أصالة العدم ، ضرورة ظهور ما دل على الاستحباب فيما إذا كانت التجارة له ، ولو كان المتصرف غير الولي ثم أجازه فقد عرفت القول بعدم الزكاة فيه أيضاً ، وأنه لا فرق بينه وبين الولي الذي لم يجز له التصرف ، وعلل بعدم قصد الطفل عند الشراء ، فيكون قصد الاكتساب له طارئا ، واستضعفه في المدارك بأنه على تقدير تسليم الشرط إنما هو قصد الاكتساب عند التملك وهو هنا حاصل بناء على ما هو الظاهر من أن الإجازة ناقلة لا كاشفة ، ثم حكى عن الشهيدين والمحقق الثاني استحباب إخراج الزكاة من مال الطفل في كل موضع يقع الشراء للطفل ونفى البأس عنه.

قلت : لعل الظاهر ذلك وإن قلنا إن الإجازة كاشفة بناء على ما هو الصحيح من معنى الكشف ، فيكفي حينئذ في قصد التكسب للطفل إجازة الولي ذلك الشراء له ، وأولى من ذلك ما لو وقع الشراء فضوليا للطفل من أول الأمر فأجازه ، فإنه لا إشكال في كونه اتجارا بمال الطفل ، فيندرج حينئذ في الأدلة السابقة ، لكن الانصاف عدم ترك الاحتياط في كل مقام يقع فيه الاشتباه ، لما عرفت من أن الحكم استحبابي لا إيجابي ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( تستحب الزكاة في غلات الطفل ومواشيه ) كما صرح به‌

٢٤

الفاضل والشهيدان والكركي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم وقيل : تجب والقائل الشيخان وبنو زهرة وسعيد وحمزة والتقي والقاضي على ما حكي عنهم ، بل حكاه غير واحد عن الشيخين وأتباعهما ، بل عن ناصريات المرتضى ذهب أكثر أصحابنا إلى أن الإمام يأخذ الصدقة من زرع الطفل وضرعه ، والأقوى عدم الوجوب ، كما هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل لعل عليه عامة المتأخرين ، بل عن تلخيص الخلاف نسبته إلى أصحابنا بل عن كشف الحق ذهبت الإمامية إلى أن الزكاة لا تجب على الطفل والمجنون ، للأصل وإطلاق النصوص (١) المستفيضة غاية الاستفاضة نفي الزكاة عن مال اليتيم الشامل للفرض وخصوص موثق أبي بصير (٢) السابق في الغلات الذي لا وجه لحمل النفي فيه على إرادة بيان النفي عن جميع الغلات التي منها ما لا تجب الزكاة فيه ، ضرورة عدم قابليته لذلك ، لاشتماله على النخل ، مع أنه لا وجه معتد به لاختصاص الطفل حينئذ به ، والمناقشة في سنده لو سلمت مدفوعة بالانجبار بالشهرة ، كل ذلك مع عدم دليل للوجوب سوى خطابات الوضع التي يمكن منع سوقها لبيان الأعم من المكلف والمكلف به ، ولو سلم فلا صراحة فيها بالوجوب ، ضرورة صدقها مع الندب ، ولو سلم فهي ظاهرة في المالك الكامل ، ضرورة أنها تكليف ، والتكليف مشروط بالكمال ، لرفع القلم عن الصبي والمجنون ، فالمراد حينئذ منها وجوب الزكاة في الأعيان على من له أهلية التكليف ، وصرف ذلك إلى الولي وإن كان ممكنا إلا أنه خلاف الظاهر من هذه النصوص المنساق منها إرادة المالك ، ولو أغضي عن ذلك كله وسلم عمومها للكامل وغيره فالتعارض بينها وبين الإطلاقات السابقة من وجه ، ولا ريب في رجحانها عليها من وجوه ، منها الأصل والشهرة وخبر أبي بصير ووضوح الدلالة ، ودعوى ترجيحها عليها بأن المنساق من المال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ و ٢ و ٣ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٣ و ١١.

٢٥

في نصوص النفي الصامت ممنوعة ، إذ لا ريب في أن المواشي والغلات من جملة الأموال بل النعم أكثر أموال العرب ، كدعوى ترجيحها بصحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام (١) « ليس على مال اليتيم في العين والمال الصامت شي‌ء ، فأما الغلات فعليها الصدقة واجبة » الموافق لجمهور العامة ، واحتمال إرادة الثبوت من الوجوب الذي لم يثبت كونه حقيقة في المعنى المصطلح كما في المدارك ، وإن كان فيه ما فيه ، والذي لم يشتمل على تمام المدعى ، ودعوى الإجماع المركب كما عن ابن حمزة يمكن منعها كما ترى ، فلا محيص للفقيه عن حمله على الندب حينئذ كما صرح به من عرفت ، إلا أنه قد صرح به أيضا في المواشي ، ولم نعرف له دليلا سوى دعوى الإجماع المركب على مساواة حكمها للغلات وجوبا أو ندبا ، ودون ثبوتها خرط القتاد ، خصوصا في نحو المقام الذي لا يتسامح في دليل الندب فيه باعتبار معارضته بدليل حرمة التصرف وخصوصا مع عدم تعرض كثير للندب فيهما معا ، بل ربما ظهر من بعض من نفي الوجوب كابن إدريس الحرمة ، وبه جزم العلامة الطباطبائي في مصابيحه بعد أن ادعى عدم التصريح به قبل الفاضلين ، بل ربما كان ظاهر من تقدمهم كالصدوقين والمرتضى وابن أبي عقيل وغيرهم نفي الندب أيضا ، ومن ذلك يعلم حينئذ ما في عبارة النافع في الغلات من أن الأحوط الوجوب ، فتأمل.

وكيف قلنا فالتكليف بالإخراج يتناول الوالي عليه لأنه هو الذي له ولاية التصرف في ماله ، ولظهور بعض النصوص (٢) السابقة في خطابه بذلك ، فليس حينئذ للطفل الإخراج بدون إذنه وإن قلنا بشرعية عباداته ، ولا لغيره ، لكن عن مجمع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٢ وفيه « الدين » بدل « العين ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٣.

٢٦

البرهان أنه على تقدير عدم حضور الولي يمكن التوقف حتى يوجد أو يبلغ الطفل فيقضي ويحتمل جواز الأخذ لآحاد العدول والمستحقين ، قلت : لعل وجهه أن هذا الاستحباب ليس تكليفا محضا بل له جهة تعلق بالمال حينئذ ، إلا أنه ينبغي أن يكون المتولي لأخذ ذلك الحاكم مع غيبة الولي ، بل ومع امتناعه في وجه ، وقد سمعت ما حكاه المرتضى عن أكثر أصحابنا.

وكيف كان فلو تعدد الأولياء جاز لكل واحد منهم ، فإن تشاحوا وأمكن التوزيع ففي كشف الأستاذ وزع عليهما ، قلت : يمكن أن يقدم من تمكن منهم من المال إذ ليس للآخر قهره ومنعه ، وفي الدروس ويتولى الولي الإخراج ، فيضمن لو أهمل مع القدرة في ماله وجوبا أو ندبا لا في مال الطفل ، ولولا أن الحكم استحبابي اتجه مطالبته بدليل الضمان في ماله في الندب ، كالذي في كشف الأستاذ من أنه إن أتلفا أي الطفل والمجنون شيئا منها مع تفريط الولي كان الضمان عليه ، ومع عدمه يكون الضمان عليهما ، فيؤدي الولي العوض من مالهما أي ولو على الندب ، وقال فيه أيضا : « إذا بلغ الطفل لم يمكنه الولي من دفع زكاته حتى يأنس منه الرشد بالاختبار لأحواله بالتصرف بأمواله » وفيه أنه لا بأس بدفعه من حيث أنه دفع ، لكونه مكلفا ، وعبادته صحيحة بل لعل الأولى مباشرته لذلك ، لأنه هو المخاطب ، نعم ينبغي اطلاع الولي على المدفوع إليه ، فحينئذ لو دفع شيئا إلى الفقير الجامع للشرائط على وجه التقرب لم يحتج إلى احتساب الولي عليه ، وإن كان هو أحوط مع بقاء العين وتلفها ، نعم لو سلمها إلى غير الجامع فتلفت في يده كان الضمان عليه ، لعدم جواز تناوله منه بدون إذن الولي ، فلا غرور منه.

ثم إن ظاهر النص والفتوى كون الطفل المولود ، فلا يدخل الحمل في شي‌ء من الأحكام السابقة ، بل لعل قوله تعالى (١) ( نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ) ظاهر في عدم صدقه‌

__________________

(١) سورة الحج ـ الآية ٥.

٢٧

على الحمل كما هو مقتضى العرف أيضا ، وأولى من ذلك لفظ اليتيم ، ودعوى التنقيح ممنوعة ، فالأصل حينئذ بحاله ، فما عن بعضهم من احتمال دخول الحمل في الحكم ـ بل ربما مال اليه بعض الناس ، بل تردد فيه في البيان ، ثم استقرب أنه مراعي بالانفصال حيا ، بل في شرح اللمعة للاصبهاني التحقيق إن لم يثبت الإجماع المنقول في الإيضاح تعميم الحكم له إن كان المستند العمومات ، وإلا بني الحكم على دخوله في مفهوم اليتيم ـ واضح الفساد ، بل الأخير لم يأت بشي‌ء فضلا عن أن يكون تحقيقا ، فلا ريب في أن التحقيق ما ذكرنا ، خصوصا وملكه مراعى بسقوطه حيا ، ومن هنا قطع في المحكي عن التذكرة بالعدم ، لعدم التكليف ، وعدم الوثوق بحياته ووجوده ، بل عن الإيضاح أن إجماع أصحابنا على أنه قبل انفصال الحمل لا زكاة في ماله كالميراث لا وجوبا ولا غيره ، وإنما يثبت وجوبا على القول به واستحبابا على المختار بعد الانفصال.

هذا كله في الصغير وقيل والقائل الأكثر بل المشهور حكم المجنون حكم الطفل في جميع ما تقدم ، لكن إن لم يكن إجماعا كما عساه يظهر من بعضهم أشكل إثبات ذلك ، لعدم دليل معتد به على هذه التسوية إلا مصادرات لا ينبغي للفقيه الركون إليها ، ومن هنا قال المصنف وتبعه غيره كثاني المحققين والشهيدين وأبي العباس والقطيفي والميسي وغيرهم على ما حكي عن بعضهم الأصح أنه لا زكاة في ماله للأصل إلا في الصامت إذا اتجر له الولي استحبابا للنص ، قال عبد الرحمن بن الحجاج (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : امرأة من أهلنا مختلطة أعليها زكاة؟ فقال : إن كان عمل به فعليها الزكاة ، وإن كان لم يعمل به فلا » وقال موسى بن بكر (٢) : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن امرأة مصابة ولها مال في يد أخيها هل عليه زكاة؟ فقال : إن كان أخوها يتجر به فعليه زكاة » هذا ، وقد أطلق المصنف المجنون كغيره من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٢.

٢٨

الأصحاب ، بل قيل : إنهم كذلك من المفيد إلى الفاضل من دون تعرض للمطبق منه والأدواري ، بل صرح الفاضل منهم في تذكرته والمحكي من نهايته بأنه لو كان الجنون يعتوره أدوارا اشترط الكمال طول الحول ، فلو جن في أثنائه سقط واستأنف من حين عوده ، بل فيهما أن حكم المغمى عليه حكم المجنون ، نعم في التذكرة منهما أنها تجب على الساهي والنائم والمغفل ، لكن اعترضه في المدارك بأنه إنما تسقط الزكاة عن المجنون المطبق أما ذو الأدوار فالأقرب تعلق الوجوب به في حال الإفاقة ، إذ لا مانع من توجه الخطاب إليه في تلك الحال ، وأن في الفرق بين النوم والإغماء نظرا ، لأنه إن أريد عدم أهلية المغمى عليه للتكليف فمسلم ، لكن النائم كذلك ، وإن أريد كون الإغماء مقتضيا لانقطاع الحول وسقوط الزكاة كما ذكره في ذي الأدوار طولب بدليله ، فالمتجه مساواة الإغماء للنوم في تحقق التكليف بالزكاة بعد زوالهما كما في غيرهما من التكاليف ، وعدم انقطاع الحول بعروض ذلك في الأثناء ، وكأنه أشار إليه بقوله في محكي الذخيرة والكفاية في ذي الأدوار خلاف ، وفي المغمى عليه خلاف ، والظاهر مساواة الإغماء للنوم ، لأنا لم نجد خلافا من غيره في الأول كما اعترف به الأستاذ الأكبر في المحكي من حاشيته على الذخيرة ، قال عند قوله في الأدواري خلاف : لم نجد خلافا من الفقهاء في ذلك ، ومجرد المناقشة من بعض المتأخرين لا يجعله محل خلاف ، لأن الفقهاء ذكروا الشرائط وجعلوا استمرارها طول الحول شرطا ، مع أنك عرفت أن حول الحول شرط وأن الحول زمن التكليف ، مع أن عدم المانع لا يكفي بل لا بد من المقتضي ، لأن الأصل البراءة والعدم ، ولم نجد عموما لغويا يشمل هذا الفرد النادر غاية الندرة ، إذ في سني وقد بلغت الستين ما رأيته ولا سمعت أن أحدا رآه أو سمع أن أحدا رآه ، على أنه لا يصير حال غير المكلف أسوأ ، وأن عدم التكليف لا يصير منشئا للتكليف ، وإن قال : لا بد من أن يكون أول الحول أيضا في حال الإفاقة فقد عرفت أن اعتبار‌

٢٩

الحول على نهج واحد ، ويؤيده أن كلام الفقهاء في الشرائط على نهج واحد ، وأن التمكن من التصرف طول الحول شرط ، وأن في بعض الأخبار (١) عدم الزكاة على مال المجنون مطلقا من دون تفصيل واستفصال ، والبناء على أنه من الأفراد النادرة فلا يشمله يهدم بنيان دليلهم كما عرفت ، فتأمل جدا.

قلت : هو كما ذكر بالنسبة إلى الأدواري ، أما المغمى عليه فالأقوى فيه ما ذكره في المدارك مؤيدا بعدم استثناء الأصحاب له ، بل اقتصارهم على الطفل والمجنون شاهد على خلافه ، وكذا السكران ، وربما تسمع فيما يأتي زيادة تحقيق لذلك إن شاء الله ، كما أنه قد مر في الصبي ما يؤيده ، فلاحظ وتأمل ، والله أعلم.

والمملوك لا تجب عليه الزكاة عند أصحابنا في المحكي عن المنتهى وبإجماع العلماء ، ولا نعلم فيه خلافا إلا عن عطا وأبي ثور كما في التذكرة ، للأصل والحجر عليه مع عدم الاذن بناء على منعها به ، والحسن كالصحيح (٢) عن الصادق عليه‌السلام « ليس في مال المملوك شي‌ء ولو كان له ألف ألف ، ولو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا » والصحيح (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « سأله رجل وأنا حاضر في مال المملوك أعليه زكاة؟ قال : لا ولو كان له ألف ألف درهم » والموثق (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « ما تقول في رجل يهب لعبده ألف درهم أو أقل أو أكثر فيقول : أحللني من ضربي إياك أو من كل ما كان مني إليك أو مما أخفتك وأرهبتك فيحلله ويجعله في حل رغبة فيما أعطاه ، ثم إن المولى بعد أصاب الدراهم التي أعطاها في موضع قد وضعها فيه فأخذها فحلال هي؟ قال : لا ، فقلت : أليس العبد وماله لمولاه؟ فقال : ليس هذا ذاك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٣.

(٤) التهذيب ج ٨ ص ٢٢٥ ـ الرقم ٨٠٨ مع نقصان يسير فيه.

٣٠

ثم قال : فليردها له ، فإنها لا تحل له ، فإنه افتدى نفسه من العبد مخافة العقوبة والقصاص يوم القيامة ، فقلت : فعلى العبد أن يزكيها إذا حال الحول قال : لا إلا أن يعمل له بها ولا يعطى العبد من الزكاة شيئا » وغير ذلك.

بل المتجه عدمها عليه سواء قلنا يملك أو أحلنا ذلك كما هو المشهور نقلا وتحصيلا ، لأن خطابه بها مناف لعدم قدرته على شي‌ء ، وخطاب السيد بها بعد أن لم يثبت ولايته شرعا في أمثال ذلك لا دليل عليه ، ولإطلاق النصوص المزبورة ومحكي الإجماع المعتضد بفتاوى الأصحاب التي لا وجه معتد به لدعوى ابتنائها على عدم الملك ضرورة كونه حينئذ من بيان الواضحات ، وإن كان التحقيق عدم ابتنائها على ذلك ، ولا على الملك ، بل على أن المراد بيان مانعية الملك للزكاة مع قطع النظر عن ذلك ، كما يومي اليه ما في الصحيح (١) والموثق (٢) مما هو كالتعليل لعدم الزكاة عليه من أنه لا يعطى من الزكاة شيئا ، فما في المعتبر ومحكي المنتهى وإيضاح النافع من وجوب الزكاة على تقدير الملك واضح الضعف ، بل هو مناف لما ذكروه من عدم الزكاة على المكاتب مع الملكية ، فالتحقيق عدم الزكاة عليه مطلقا حتى لو رفع الحجر عنه مولاه وصرفه للإطلاق المزبور ، بل هو كصريح الموثق ، فما عن القطيفي والأردبيلي من الزكاة عليه حينئذ فيه ما لا يخفي ، والخطابات الوضعية على فرض شمولها للمقام لا تصلح لمعارضة ما هنا من وجوه.

ومن ذلك يظهر لك الوجه في قول المصنف ولو ملكه سيده مالا وصرفه فيه لم تجب عليه الزكاة بناء على إرادة المملوك من الضمير المجرور بالحرف وقيل : يملك وتجب عليه الزكاة لإطلاق خطاب الوضع الذي قد عرفت رجحان ما هنا عليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٢٢٥ ـ الرقم ٨٠٨.

٣١

من وجوه ، على أنه لم نعرف القائل به ، بل ولا القائل بالزكاة على المملوك مع كونه مالكا في غيره أيضا سوى ما استظهر من الوسيلة ، حيث أنه لم يذكر الحرية هنا من الشرائط منضما إلى ما يظهر منها في باب العتق من الملكية ، ولا ريب في ضعفه على تقديره.

وقيل والقائل المشهور : إنه لا يملك والزكاة على مولاه فيه وفي كل ما في يد العبد مما هو ملك للسيد ، بل عن المنتهى نسبته إلى أصحابنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، لكن في‌ صحيح ابن سنان (١) « قلت للصادق عليه‌السلام : مملوك في يده مال عليه زكاة قال : لا ، قلت : فعلى سيده قال : لا ، لأنه لم يصل إلى السيد وليس هو للمملوك » الذي قيل معناه على تقدير الملكية أنه لم يصل إلى السيد والحال أنه ليس للمملوك ، إذ‌ قوله عليه‌السلام : « ليس هو للمملوك » ليس كلاما مستأنفا وعلة لعدم الزكاة على المملوك ، إذ لو كان كذلك لذكر عقيب قوله : « لا » بل هو تتمة عدم الزكاة على السيد ، فيصير المعنى أنه وصل إلى السيد والحال أنه لمملوكه ، فمعنى وصوله إلى السيد أن يد مملوكه يده ، والحال أنه ملك للعبد ، وأما على تقدير عدم الملكية فواضح ، لأن من المعلوم أن يده ليس يد مالكية ، فما في يده يكون في يد مولاه قطعا ، فكيف يقول لم يصل اليه ، فلا بد أن يكون المراد أنه لم يصل اليه وصولا تاما ، بل وصل اليه وهو للعبد ، بمعنى أنه مختص به ومنتفع به وحاله حال المال المعد للضيافة الذي لا يسع صاحبه المنع عن أكله ، لمنافاته المروة ، فهو حينئذ غير متمكن من التصرف فيه ، وفيه تنبيه على أنه لا ينبغي أخذه منه ، بل لو جعل‌ قوله عليه‌السلام : « ليس هو للمملوك » علة لعدم الزكاة على العبد كان المراد من عدم وصوله إلى السيد عدم انتفاعه وهو معلوم ، مؤيدا ذلك كله بخلو النصوص السابقة النافية للزكاة على المملوك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٤.

٣٢

عن بيان أنها على السيد ، وبالأصل وبغير ذلك ، وظهور الإجماع السابق ممنوع ، إذ لم يتعرض للمسألة إلا بعض.

بل قد يستظهر تحمل عبارة المتن عدم وجوبها على السيد مع القول بعدم الملكية حتى يكون مقابلا لما حكاه أخيرا بلفظ القيل ، وفيه أن الصحيح المزبور لا يعارض الإجماع القطعي على وجوبها على البالغ العاقل المالك المتمكن من التصرف ، وهو الشاهد على صحة إجماع المنتهى ، فلا بد حينئذ من حمله على ما إذا كان المال في يد العبد ولم يتمكن المولى من التصرف فيه لغيبة أو امتناع أو عدم العلم به أو نحو ذلك مما هو مسقط للزكاة في غيره من الأموال ، ودعوى أن كل ما في يد العبد كذلك محل منع ، كما أنه لا بد من حمل إطلاق النصوص السابقة على نفي الزكاة عليه لا على ما يشمل السيد ، نعم يتجه سقوطها عن المولى بناء على ملكية العبد ، لانتفاء ملكه وقدرته على الانتزاع ، بل والتملك لا توجب الزكاة فتسقط عنه حينئذ لذلك ، وعن العبد لما عرفت ، وبناء على وجوب الزكاة عليه على تقدير الملك أو مع رفع الحجر عنه فلا يبعد خطاب العبد بها لظاهر الأدلة ، وربما احتمل كون المخاطب المولى كولي المجنون واليتيم ، لكونه محجورا عليه في التصرف ، وفيه ضعف ، وعلى كل حال فالمتجه وجوبها على المولى بناء على عدم ملكية العبد ، وربما كان في الصحيح المزبور دلالة عليه إذا وصل إلى يد السيد ، بل في‌ المروي (١) عن قرب الاسناد عن عبد الله بن الحسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام « ليس على المملوك زكاة إلا بإذن مواليه » دلالة عليه بناء على إرادة التوكيل له في الإخراج من الاذن فيه ، والله أعلم.

وقد ظهر لك مما ذكرنا عدم الفرق في المملوك بين القن والمدبر وأم الولد بل وكذا المكاتب المشروط عليه والمطلق الذي لم يؤد شيئا ، ضرورة صدق المملوك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٢.

٣٣

المنفي عنه الزكاة في النصوص السابقة على الجميع ، وملكية المكاتب لما يكسبه لا تنافي اندراجه فيه ، خصوصا بعد ما عرفت من عدم الزكاة على غيره من أفراد المملوك على القول بملكيته ، للإطلاق المزبور ، مضافا إلى ما في التذكرة « المكاتب لا زكاة عليه إذا لم ينعتق بعضه ، سواء كان مشروطاً أو مطلقاً لم يؤد شيئاً في الذي كسبه ولا عشر أرضه عند علمائنا » بل عن المنتهى أنه قول العلماء عدا أبي حنيفة وأبي ثور ، وإلى‌ خبر أبي البختري (١) عن الصادق عليه‌السلام « ليس في مال المكاتب زكاة » الظاهر في نفيها حتى عن السيد أيضا ، وهو كذلك بناء على أن المال ملك للعبد دون السيد إلا إذا عجز ، فينكشف ملكه أو يحصل حينئذ ، إذ لا وجه لكون زكاته حينئذ على السيد حتى على الكشف ، لعدم التمكن منه قبل العجز ، بل وعلى أن المال ملك له دون العبد ، فيزول عنه بعدم العجز ، أو ينكشف عدم ملكه له ، لإطلاق النص المزبور المنجبر بما عرفت ، ولعدم تمكنه منه قبل العجز ، إذ ليس له انتزاعه من يد العبد ومنعه من التصرف فيه ، وبذلك افترق مال المكاتب عن غيره على القول بأن الجميع ملك للسيد في الزكاة على السيد وعدمها ، هذا ، ولكن في المدارك نوع ميل إلى الزكاة على المكاتب تبعا للمحكي عن شيخه ، استضعافا للرواية ، ولا يخفى عليك ما فيه.

ولو كان المكاتب مطلقا وتحرر منه شي‌ء وجبت عليه الزكاة في نصيبه إذا بلغ نصابا بلا خلاف أجده : بل عن الحدائق أنه محل اتفاق ، لوجود المقتضي وارتفاع المانع ، ودعوى الاندراج في اسم المملوك مع قلة الجزء ممنوعة ، ولو سلم فمبناها التسامح العرفي الذي لا يبنى عليه الحكم الشرعي ، وربما ظهر من المفاتيح نوع توقف في أصل الحكم حيث قال : والمبعض يزكي بالنسبة كذا قالوه ، هذا ، وفي كشف الأستاذ « أنه أي العبد كما لا يجوز له الإعطاء لا يجوز له القبول إلا بإذن سيده سابقا أو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٥.

٣٤

لاحقا ، فإذا قبل كان للسيد وإن كان مأذونا في القبض لنفسه على أصح الوجهين ، فيشترط قابلية المولى لأخذها ، ولو كان في سبيل الله لا بقصد الملك لم يدخل في ملك المولى ، ولو كان مشتركا فان كان مأذونا ملك كل واحد من الموليين من المال بنسبة حصته ، وإن كان وكيلا كان بينهم بالسوية ، وإن اختلفوا في الاستحقاق وعدمه ملك المستحق مقدار حصته دون غيره » وفيه من الاشكال ما لا يخفى إذا لم يكن قد قصد الدافع السيد ، ولا كان العبد وكيلا عنه ، خصوصا بعد ما سمعت من نفي إعطائه من الزكاة في الخبرين السابقين (١) وحمله على ما إذا لم يأذن السيد أو على أن المراد بحيث يملكها هو لا شاهد عليه ولا داعي له ، فتأمل جيدا.

ثم إن الكلام في اشتراط استمرار الحرية من مبدأ الحول إلى حين التعلق فيما يعتبر فيه الحول وحصولها قبل التعلق مستمرا إلى حينه في غيره هو الكلام في البلوغ والعقل ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( الملك شرط في الأجناس كلها ) إجماعا في المحكي عن نهاية الأحكام ، بل باتفاق العلماء كما عن المعتبر ، بل كافة كما عن المنتهى ، ولا ينبغي التأمل فيه إذا أريد عدمها في المباح ونحوه من غير المملوك ، للأصل السالم عن معارضة إطلاق الأدلة المنصرف إلى غيره ، بل الظاهر ذلك فيما كان الملك فيه بالجهة العامة كالمملوك للفقراء والعلماء ونحوهم ، لكن ظاهر ما ذكروه من التفريع إرادة عدم الزكاة على غير المالك من الأشخاص ، ولا بأس به أيضا ، والوجوب على الولي ونحوه باعتبار قيامه مقام المالك.

وإنما الكلام فيما ذكره المصنف والفاضل والشهيد من أنه لا بد أن يكون تاما بل أشدهم إشكالا المصنف هنا ، لذكره التمكن من التصرف شرطا آخر ، بخلافهما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١ و ٦.

٣٥

في البيان والقواعد ، فإن الأول قد ذكر التمام خاصة ، ثم قال : والنقص بالمنع من التصرف ، والموانع ثلاثة : أحدهما الشرع كالوقف ومنذور الصدقة والرهن غير المقدور على فكه ، ثم ذكر فروعا في البين ، وقال : المانع الثاني القهر ، فلا تجب في المغصوب والمسروق إلى آخره ، الثالث الغيبة ، فلا زكاة في الموروث حتى يصل إليه أو إلى وكيله ولا في الضال والمدفون مع جهل موضعه إلى آخر كلامه ، وقال في الثاني : الرابع كمالية الملك ، وأسباب النقص ثلاثة : الأول منع التصرف ، فلا تجب في المغصوب ولا الضال ولا المجحود بغير بينة إلى آخره ، الثاني تسلط الغير عليه ، فلا تجب في المرهون وإن كان في يده ، ولا الوقف لعدم الاختصاص ، ولا منذور التصدق به ، إلى آخره ، الثالث عدم قرار الملك ، فلو وهب له نصاب لم يجر في الحول إلا بعد القبول والقبض ولو أوصي له اعتبر الحول بعد الوفاة والقبول ، إلى آخره ، وإن أمكن مناقشتهما من وجه آخر ، أما المصنف ومن عبر كتعبيره فقد يشكل بأنه إن أريد به عدم تزلزل الملك كما ذكره بعض المحققين لم يتفرع عليه جريان المبيع المشتمل على خيار في الحول من حين العقد ، ولا جريان الموهوب فيه بعد القبض ، وإن أريد به كون المالك متمكنا من التصرف في النصاب كما عن المعتبر الإيماء اليه لم يتجه هنا لتصريح المصنف به بعد ذلك وإن أريد به حصول تمام السبب المقتضي للملك كما عن بعضهم لم يكن فيه زيادة على اعتبار الملك ، اللهم إلا أن يقال : إن المراد به عدم نقص الملك لا من حيث عدم التمكن من التصرف بل من جهة مانع آخر كالغنيمة والنذر ونحوهما ، وعدم التمكن من التصرف قد يجامع تمام الملك كما في المغصوب والمفقود ونحوهما فلا يجتزى به عنه ، كما أنه لا يجتزى بالعكس من حيث انسياق إرادة إخراج مثل الغصب ونحوه مما هو تام الملك من التمكن من التصرف ، ضرورة انسياق التام من الملك فناسب حينئذ الجمع بينهما والأمر سهل بعد ذكر التحقيق في كل ما فرعوه في المقام ، فان المتبع الدليل لا التعبير ،

٣٦

إذ ليس في شي‌ء مما عثرنا عليه من النصوص لفظ التمامية ، بل ولا لفظ التمكن.

( فـ ) نقول لو وهب له نصاب لم يجر في الحول إلا بعد القبض بلا خلاف أجده فيه بناء على عدم حصول الملك قبله ، كما أنه لا خلاف في جريانه فيه بعده من حينه ، والوجه فيهما معا واضح ، ضرورة عدم تناول خطاب الزكاة له في الأول ، لعدم الملك وعدم جواز التصرف له فيه ، بخلاف الثاني ، فإن جميع الأدلة شاملة له ، وتسلط الواهب على الفسخ في بعض الأحوال غير مانع من تمامية الملك ، فلا يشك في شمول الأدلة له حينئذ ، كما أنه لا يشك في شمولها للواهب في الأول ، لعدم الخروج عن الملك فتجب الزكاة عليه حينئذ ، نعم قد يتجه وجوب الزكاة قبل القبض بناء على اعتباره في اللزوم دون الملك ، إلا أنه يعتبر حينئذ التمكن منه بناء على اشتراطه كما ستعرف ، هذا ، وفي المسالك « لا فرق في توقف جريان الموهوب في الحول على القبض بين أن نقول : إنه ناقل أو أنه كاشف عن سبقه بالعقد ، لمنع المتهب من التصرف في الموهوب قبل القبض على التقديرين » وفي المدارك « أنه غير جيد ، لأن هذا الخلاف غير واقع في الهبة » وفي مفتاح الكرامة « ولقد تتبعت فوجدت الأمر كما ذكره في المدارك لكن لم أسبغ التتبع » قلت : قال في شرح الأستاذ : إن القبض على القول بكونه شرطا للزوم في الهبة يكون شرطا لتمامية الملك حينئذ ، إذ ليس معناه أنه بمجرد الهبة ينتقل الموهوب إلى المتهب ، إذ الهبة من العقود الجائزة قطعا ، وليس القبض من ملزماتها جزما ، إذ بعد القبض يجوز عند الكل رجوع الواهب إلا المواضع الخاصة التي ذكروها وعينوها ، ولم يجعل أحد ممن له فهم مجرد القبض من الملزمات بلا شك ولا شبهة ، ولا يخفى على من له أدنى درية ، وصرح المحققون بأن مرادهم من كون القبض شرطا في اللزوم في الهبة ليس المعنى المعروف لما عرفت من وجهه ، بل قالوا : معناه أن العقد يوجب ملكيته‌

٣٧

مراعاة تتحقق بالقبض ، فان تحقق اعتبر ( أثمر خ ل ) من حين العقد ، وصرحوا أيضا بأن الإجماع واقع على أنه ما لم يتحقق القبض لا تتحقق الثمرة عند الكل ، فجعلوا لمحل النزاع ثمرات خاصة ، ولم يجعل أحد كون الثمرة أنه بمجرد العقد تتحقق الملكية التامة ، غاية الأمر أنه يجوز له أن يفسخ ، وأنه إلى حين الفسخ كان ملكا تاما للمتهب ، وأن القبض رفع جواز الفسخ ، فيكون الهبة حينئذ من العقود اللازمة ، إذ لا شك في كونه فاسدا ، وهو صريح فيما ذكره في المسالك ، إلا أنه لا يخفى عليك عدم ثمرة معتد بها هنا في تحقيق ذلك ، ومن هنا كان تأخير الأمر إلى محله أليق.

ولو رجع الواهب قبل الحول سقطت الزكاة قولا واحدا كما عن المنتهى الاعتراف به ، وإن كان بعد الحول وإمكان الأداء وجبت الزكاة ، ولا يضمنها المتهب لجريان استحقاق الفقراء إياها مجرى الإتلاف ، بل لم يقيد في محكي المنتهى بإمكان الأداء بخلافه في محكي التذكرة وكشف الالتباس ، بل صرحا بأنه لو رجع الواهب قبل إمكان الأداء فلا زكاة على المتهب ولا على الواهب ، وإن رجع بعد الحول وإن كان الرجوع قبل الأداء مع التمكن منه قدم حق الفقراء ، ولعل إطلاق المنتهى أجود ، لعدم اعتبار التمكن من الأداء في الوجوب ، وما لا يعتبر فيه حول الحول كالغلات يشترط في وجوب زكاته على المتهب حصول القبض قبل تعلق الوجوب بالنصاب ولم يرجع به الواهب حتى بلغ محل تعلق الزكاة عنده ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

وكذا لو أوصي له اعتبر الحول بعد الوفاة والقبول لأنه وقت انتقال الموصى به إلى ملك الموصى له إن قلنا إن القبول ناقل ، وأما على الكشف فهو وإن حصل الملك قبله إلا أنه لم يكن الموصى به اليه عالما به بل ولا متمكنا منه ، فلا يجري في الحول أيضا عليه إلا بعده ، خصوصا إذا قلنا إن المراد بالكشف أنه بالقبول يحصل الملك سابقا لا أنه يحصل العلم به خاصة والمؤثر للملك غيره ، نعم لا يكفي ذلك في الجريان‌

٣٨

في الحول قبل التمكن منه كما عن جماعة التصريح به ، وإطلاق المصنف وغيره اعتماداً على الظهور ، ولأن الكلام هنا من حيث شرط تمامية الملك ، بل الموروث لا يجري في الحول بموت مورثه ، بل من حين التمكن منه وإن كان وقت الانتقال اليه الموت ، كما هو واضح.

ولو اشترى نصابا من الحيوان جرى في الحول من حين العقد لا بعد الثلاثة لأن الانتقال يحصل بالعقد لا بعدها ، وخيار المشتري غير منقص للملكية ، خلافا للشيخ فبعدها ، فلا يجري في الحول إلا بانقضائها ومنه يعلم الحال فيما لو شرط البائع أو هما خيارا زائدا على الثلاثة فإنه يبني على القول بانتقال الملك ، والوجه أنه من حين العقد فيجري حينئذ في الحول من حينه ، لكن قد يشكل بنقصان الملك بناء على عدم جواز التصرفات المنافية لخيار البائع كالبيع والهبة ونحوهما ، ومن هنا قال في فوائد الشرائع : ولقائل أن يقول : أين تمامية الملك والمشتري ممنوع من كثير من التصرفات.

وفي المسالك لو شرط البائع أو هما خيارا زائدا على الثلاثة اتجه قول الشيخ أي وإن لم يكن المنشأ ما ذكره من عدم الانتقال ، وبنحو ذلك صرح في المدارك وشرح الأستاذ للمفاتيح ، واحتمال إرادة من تعرض لذلك الرد على الشيخ ينفيه ملاحظة كلماتهم بل صرح غير واحد بوجوب الزكاة بعد الحول وإن كان الخيار باقيا ، بل في المحكي عن الموجز وشرحه أنه لو زاد عن حول ورجع فالزكاة على المشتري ، فان أخرج من غيره وإلا أسقط البائع من الثمن مقابل الفريضة.

ومقتضاهما أن ضمان الزكاة على المشتري ، وكأنه لاقتضاء الخيار رجوع المبيع تاما أو عوضه ، ولذا يرجع عليه بالقيمة لو تلف في يد المشتري ولو من غير تفريط ، ويقرب من ذلك ما في المحكي عن التذكرة من أنه إذا أقبض المشتري الثمن عن السلم أو غير المقبوض وحال عليه الحول فالزكاة على البائع ، فإن انفسخ العقد لتلف المبيع أو‌

٣٩

تعذر المسلم فيه وجب رد الثمن ، والزكاة على البائع ، ضرورة إجرائه الانفساخ مجرى الفسخ ، وعلى كل حال فملاحظة كلماتهم تنفي الاحتمال المزبور قطعا ، بل حملها على منع عدم جواز التصرف للمشتري مع خيار البائع وأن خياره يرجع فسخه لو فسخ إلى القيمة أو إلى نفس التصرف الواقع من المشتري أولى ، وإن كان في المسألة بحث ذكرناه في باب الخيار ، وإلا كانت المسألة محلا للنظر بناء على اشتراط تمامية الملكية ، اللهم إلا أن يمنع عدم تناول أدلة الزكاة لمثل هذا الملك المؤثر تبعية في النماء وغيره ، فيتجه حينئذ ما ذكروه ، وتعليل اشتراط التمامية بأنه يمتنع عليه الدفع من نفس العين لعدم استقرار ملكه ولا دليل على وجوب الدفع من غيره يدفعه منع عدم جواز الدفع من العين ، بل له الدفع ، وإذا فسخ البائع كان مضمونا عليه بالقيمة كما لو تلف في يده ، فتأمل جيدا فإن المسألة من المشكلات ، ولا تحرير لها في كلام الأصحاب ، والله أعلم.

وكذا لو استقرض مالا وعينه باقية جرى في الحول من حين قبضه الذي هو وقت الانتقال كما هو المشهور ، لا التصرف كما قيل ، وقد ذكرنا ضعفه بما لا مزيد عليه في باب القرض ، أو أنه راجع إلى المشهور الذي قد ورد به مع ذلك صحيح يعقوب بن شعيب (١) وحسن زرارة (٢) كما أوضحنا ذلك كله مفصلا في باب القرض ، فلاحظ ، والله المسدد.

ولا تجري الغنيمة في الحول إلا بعد القسمة لأنها لا تملك بالحيازة ، وإنما تملك بها عند المشهور على ما في المسالك ، ولا يشكل بأنها حينئذ مال بلا مالك ، لا مكان القول بأنها ملك للمسلمين كباقي أموال الكفار ، إلا أن الغانمين أحق بها من غيرهم ، وربما يؤيده تصريح غير واحد باختصاص بعض الغانمين بالغنيمة مع إسقاط الباقين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١.

٤٠