جواهر الكلام - ج ١٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الساعي ، ولو أخره مع التمكن ضمن ، نعم الاختراف والاقتطاف وغيرهما من مقدمات الأداء ، لتوقفه على معرفة مقدار الحق الذي يكلف بإخراجه ، ولا ينافي ذلك ما سمعته من معقد الإجماع ونفي الخلاف ، ضرورة عدم دلالتهما على عدم وجوب الجذاذ ونحوه وإن أطلق عدم وجوب الإخراج إلا بعده ، لكن المراد عدم وجوب الإخراج لو طلب بدون الجذاذ والاقتطاف ، وكذا الكلام في الحنطة والشعير بناء على اتحاد زمان تحقق مساهما وزمان أوان حصادهما ، فيتحد حينئذ وقت الوجوب والإخراج وإن توقف الأخير على الحصاد ونحوه مما يجب عليه فعله مقدمة على نحو ما عرفت.

وعلى كل حال فالمراد بوقت الإخراج الوقت الذي إذا أخرت الزكاة عنه مع التمكن من إخراجها تصير مضمونة ، والوقت الذي يسوغ للساعي فيه مطالبة المالك بالإخراج ، لا الوقت الذي لا يجوز تقديم الزكاة عليه ، لتصريحهم بجواز مقاسمة الساعي لمالك الثمرة قبل الجذاذ ، وإجزاء دفع الواجب على رؤوس الأشجار ، ويدل على الجواز مضافا إلى العمومات خصوص‌ قوله عليه‌السلام في صحيح سعد (١) « إذا خرصه أخرج زكاته ».

ثم لا يخفى عليك أن عدم وجوب الإخراج مع وجوب الزكاة بناء على المشهور إنما هو إذا أريد البقاء إلى المنتهى ، أما إذا أريد اقتطافه حصرما أو عنبا أو بسرا أو رطبا فلا ريب في وجوب الإخراج منه حينئذ ، ضرورة معلومية كون التأخير إرفاقا بالمالك الذي يريد الانتظار بالثمرة إلى نهايتها ، فتأمل.

ولو كانت الثمرة مخروصة على المالك فطلب الساعي الزكاة منه قبل اليبس لم يجب إجابة المالك له على الظاهر ، لإطلاق معقد الإجماع على جواز التأخير ، ولو بذل المالك الزكاة بسرا أو حصرما مثلا للساعي وجب القبول على الأقوى ، والله أعلم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ١.

٢٢١

وكيف كان فـ ( لا تجب الزكاة في الغلات ) الأربعة إلا إذا ملكت بسبب ملك الزراعة التي هي بمعنى النمو ، قال الله تعالى (١) ( أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ ) والمراد أنه يعتبر كون ملكها حال تعلق الزكاة بها ببدو الصلاح أو حصول المسمى على القولين بسبب سبق الملك على ذلك الحال ولو بالشراء أو غيره ، لا ما إذا كان الملك لها في حال التعلق بغيره من الأسباب للتملك كالابتياع والهبة أو غيرهما ، فإنه لا زكاة فيها على المنتقل إليه ، ضرورة عدم تعلق خطاب الزكاة المعلوم اشتراطه بسبق الملك المفقود في الفرض ، وإلى ذلك يرجع ما في المعتبر « لا تجب الزكاة في الغلات إلا إذا نمت في الملك ، فلا تثبت فيما يبتاع بثمره ولا ما يستوهب ، وعليه اتفاق العلماء » ومحكي المنتهى « لا تجب الزكاة في الغلات الأربع إلا إذا نمت في ملكة ، فلو ابتاع غلة أو استوهب أو ورث بعد بدو الصلاح لم تجب الزكاة ، وهو قول العلماء كافة » والنافع وإيضاحه والتحرير والتذكرة من التعبير بنمو الغلة والثمرة في ملكه ، لكن في المدارك « أن هذا التعبير غير جيد ، أما على ما ذهب اليه المصنف من عدم وجوب الزكاة في الغلات إلا بعد تسميتها حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا فظاهر لأن تملكها قبل ذلك كاف في تعلق الزكاة بالمتملك ، كما سيصرح به المصنف وإن لم تتم في ملكة ، وأما على القول بتعلق الوجوب بها ببدو الصلاح فلأن الثمرة إذا انتقلت بعد ذلك تكون زكاتها على الناقل قطعا وإن نمت في ملك المنتقل اليه » وفيه أن المراد من ذلك بيان الشرطية لما ذكروه من متعلق الزكاة ، وليس المقصود منه ما يقصد بالتحديد من الطرد والعكس ، وقد عرفت أن المراد بالنمو حال تعلق الزكاة كل على مختاره فيه ، فاشترطوا فيه كون ملكه على الوجه المزبور حتى يتحقق خطاب الزكاة للمنتقل اليه ، بل عند التأمل الجيد ما ذكرناه أولى مما ذكره الشهيد الثاني في المسالك ،

__________________

(١) سورة الواقعة ـ الآية ٦٤.

٢٢٢

وتبعه عليه غيره ، وربما حكي عن قطب الدين من أن المراد بالزراعة في اصطلاحهم انعقاد الثمرة في الملك ، وحمل الابتياع والهبة الواقعين في العبارة على ما حصل من ذلك بعد تحقق الوجوب ، إذ هو كما ترى ، مع أنه إنما يناسب كلام القائلين بتعلق الوجوب بها بالانعقاد ، وأما على قول المصنف فيكون المراد بها تحقق الملك قبل تعلق الوجوب فيها ، هذا ، وفي الدروس « يشترط في الغلات تملكها بالزراعة وانعقاد الحب وبدو الصلاح ، ويكفي انتقالها قبلهما إلى ملكه » وفي اللمعة والروضة « يشترط فيها التملك بالزراعة إن كان مما يزرع أو الانتقال أي انتقال الزرع أو الثمرة مع الشجرة أو منفردة إلى ملكه قبل انعقاد الكرم وبدو الصلاح في النخل وانعقاد الحب في الزرع ، فتجب عليه الزكاة حينئذ وإن لم يكن زارعا ، وربما أطلقت الزراعة على ملك الحب والثمرة على هذا الوجه » وفيه ما عرفت من شمول الزراعة بالمعنى الذي ذكرناه للغلات الأربعة ، فلا حاجة إلى تقييد العبارة ، وعلى كل حال فالمراد واضح كوضوح الدليل ، فالاطناب في ذلك خال عن الثمرة ، والله أعلم.

ويزكى حاصل الزرع ثم لا يجب بعد ذلك فيه زكاة ولو بقي أحوالا بل ألف حول إجماعا بقسميه ونصوصا (١) مضافا إلى اقتضاء الأمر الطبيعة ولا معارض له ، بخلافه في الأنعام والنقدين كما هو واضح ، والله أعلم.

ولا تجب الزكاة إلا بعد إخراج حصة السلطان بلا خلاف أجده كما عن جماعة الاعتراف به أيضا ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، بل في المعتبر خراج الأرض يخرج وسطا ، ويؤدي زكاة ما بقي إذا بلغ نصابا إذا كان لمسلم ، وعليه فقهاؤنا وأكثر علماء الإسلام ، وقال أبو حنيفة : لا عشر في الأرض الخراجية ، وفي التذكرة تجب الزكاة في أرض الصلح ، ومن أسلم أهلها عليها بإجماع العلماء ، وأما ما فتح عنوة فإذا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الغلات والمستدرك ـ الباب ٧ منها.

٢٢٣

زرعها وأدى مال القبالة وجب في الباقي الزكاة إن بلغ النصاب ، ولا تسقط الزكاة بالخراج عند علمائنا أجمع ، وفي‌ صحيح أبي بصير ومحمد (١) قالا للباقر عليه‌السلام : « هذه الأرض التي يزارع أهلها ما ترى فيها؟ قال : كل أرض دفعها إليك السلطان فتاجرته فيها فعليك فيما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر ، إنما العشر عليك فيما حصل بعد مقاسمته لك » وخبر صفوان والبزنطي (٢) قالا : « ذكرنا له الكوفة وما وضع عليها من الخراج وما سار فيها أهل بيته فقال : من أسلم طوعا تركت أرضه في يده وأخذ منه العشر مما سقت السماء والأنهار ونصف العشر مما كان بالرشا فيما عمروه منها ، وما لم يعمروه منها أخذه الإمام فقبله ممن يعمره ، وكان للمسلمين على المتقبلين في حصصهم العشر أو نصف العشر ، وليس في أقل من خمسة أوسق شي‌ء من الزكاة ، وما أخذ بالسيف فذلك إلى الامام يقبله بالذي يرى ، كما صنع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخيبر قبل سوادها وبياضها يعني أرضها ونخلها ، والناس يقولون لا يصلح قبالة الأرض والنخل وقد قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خيبر ، وعلى المتقبلين سوى قبالة الأرض العشر ونصف العشر في حصصهم ، ثم قال : إن أهل الطائف أسلموا وجعلوا عليهم العشر ونصف العشر ، وإن أهل مكة دخلها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنوة وكانوا أسراء في يده فأعتقهم ، وقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء » وهما صريحان في إخراج الخراج قبل الزكاة ، بل لا ينبغي التأمل فيه في حصة السلطان المأخوذة بعنوان المقاسمة ، ضرورة أنه كالحصة من المزارعة التي يستحقها مالك الأرض ، فإنه لا إشكال في عدم وجوب زكاتها على المزارع ، لأنها ملك غيره ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ١ مع الاختلاف فيه.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ١.

٢٢٤

وإنما تجب الزكاة عليه فيما يرجع اليه من الزرع.

ولعل المراد بحصة السلطان التي عبر بها الأكثر هنا هي هذه ، لكن عن جامع المقاصد « المراد بحصة السلطان خراج الأرض أو قسمتها » وفي الحدائق « خراج السلطان وحصته هو ما يأخذه من الأرض الخراجية من نقد أو حصة من الحاصل وإن سمي الأخير مقاسمة » ولعله أشار بذلك إلى ما ذكروه في التجارة من قولهم : ما يأخذه السلطان الجائر من الغلات باسم المقاسمة والأموال باسم الخراج ، وعن بعض الأصحاب أنه عبر هنا بالخراج بدل الحصة ، وعن آخر أنه عبر بهما فقال بعد الخراج وحصة السلطان ، وعن الصيمري « أن الكل عبارة عن معنى واحد ، فمن اقتصر على الحصة أراد بها الخراج مطلقا سواء كان مشتركا بين المسلمين كالمفتوح عنوة أو مختصا كالأنفال وصدق على المشترك أنه حصة ، لأنه الجابي والمتولي له ، ومن اقتصر على الخراج فقد أراد ذلك ، ومن جمع بينهما أراد بالحصة ما اختص بالإمام وبالخراج المشترك » قلت : على كل حال ظاهر النص والفتوى أنه لا زكاة إلا بعد القسمين من غير فرق بين الحصة وغيرها ، وأما‌ مرسل ابن بكير (١) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « في زكاة الأرض إذا قبلها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الإمام عليه‌السلام بالنصف أو الثلث أو الربع فزكاتها عليه ، وليس على المتقبل زكاة إلا أن يشترط صاحب الأرض الزكاة على المتقبل ، فان اشترط فإن الزكاة عليهم ، وليس على أهل الأرض زكاة إلا على من كان في يده شي‌ء مما قطعه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » فهو مع منافاته للإجماع مناف لما دل من النصوص على وجوب الزكاة عليهم في حصصهم ، بل مناف لما يقتضي سقوطها عن المملوك بالجهة العامة ، اللهم إلا أن يحمل على الأرض المملوكة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام عليه‌السلام كما أنه ينبغي حمل عدم الزكاة فيه على عدمها في الحصة التي أخذها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٤.

٢٢٥

الامام عليه‌السلام وكذا قوله عليه‌السلام في ذيله : « ليس » على الرخصة التي ستعرفها في سقوط الزكاة إذا أخذها الجائر أو على أن المراد من جهة شدة ظلمهم فيما يأخذونه من الخراج ، ولعل استثناءه خصوص ما أقطعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعدم أخذهم منه شيئا ، هذا ، ولكن في التذكرة « تذنيب لو ضرب الامام عليه‌السلام على الأرض الخراج من غير حصته فالأقرب وجوب الزكاة في الجميع ، لأنه كالدين » وهو كما ترى محجوج بظاهر النص والفتوى ، ولا أقل من أن يكون الخراج كأجرة الأرض التي لا كلام عندهم في أنها من المؤن.

نعم قد يتوقف فيما إذا أخذ الجائر زيادة على الخراج المعتاد ظلما ، قال في المسالك : « لا يستثنى الزائد إلا أن يأخذه قهرا بحيث لا يتمكن من منعه سرّاً أو جهرا فلا يضمن حصة الفقراء من الزائد » ونحوه ما في فوائد الشرائع إلا أنه قال : « مقدار الخراج المعتبر شرعا » ولم يحله على العادة كالمسالك لعدم التقدير به شرعا ، وفي شرح الفاضل « أنه أظهر ، إذ لا تقدير له شرعا » وعلى كل حال هو كذلك من غير إشكال لو كان المأخوذ من نفس الغلة ، بل ومن غيرها في وجه قوي ، وربما كان في‌ خبر سعيد الكندي (١) ما يستفاد منه ذلك ، حيث قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : « إني آجرت قوما أرضا فزاد السلطان عليهم ، فقال : أعطهم فضل ما بينهما ، فقلت : لم أظلمهم ولم أزد عليهم ، قال : نعم ، وإنما زادوا على أرضك » بل وكذا الحال في غير الخراجية من الأرض ، بل وإن كان الظالم ممن لم يدع الإمامة كسلاطين الشيعة ، فتأمل.

وعلى كل حال فلا كلام عند الأصحاب في عدم سقوط الزكاة فيما بقي في يده بعد أخذ الخراج إذا كان بالغا للنصاب ، وقد عرفت ما يدل عليه من محكي الإجماع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من كتاب المزارعة والمساقاة ـ الحديث ١٠.

٢٢٦

والنص ، لكن‌ قال رفاعة (١) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل له الضيعة فيؤدي خراجها هل عليه فيه العشر؟ قال : لا » وفي‌ خبر أبي كهمس (٢) عنه عليه‌السلام « من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه » وخبر أبي قتادة (٣) عن سهل ابن اليسع أنه حيث أنشأ سهل‌آباد سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عما يخرج منها ما عليه؟ قال : إذا كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شي‌ء ، وإن لم يأخذ السلطان منها شيئا فعليك إخراج عشر ما يكون فيها » وصحيح رفاعة (٤) أيضا « سألت الصادق عليه‌السلام عن الرجل له الضيعة فيؤدي خراجها هل عليه عشر فيها؟ قال : لا » إلا أنه قد حكى غير واحد الإجماع على خلافها ، فوجب طرحها أو حملها على التقية من أبي حنيفة ، أو على إرادة عدم الزكاة فيما أخذه من الخراج ، أو على أن الخراج كان من غير الحاصل ، وباحتسابه من المؤن لم يبق شي‌ء تجب فيه الزكاة ، أو على إرادة ما يأخذه الحاكم المحتسب زكاة من الخراج فيها بناء على أن للمالك ذلك وإن كان هو لا يخلو من إشكال ، خصوصا بعد‌ صحيح زيد الشحام (٥) « قلت للصادق عليه‌السلام : جعلت فداك إن هؤلاء المصدقين يأتوننا فيأخذون منا الصدقة فنعطيهم إياها أتجزي عنا؟ قال : لا ، إنما هؤلاء قوم غصبوكم أو قال : ظلموكم أموالكم ، وإنما الصدقة لأهلها » نعم في‌ صحيح يعقوب بن شعيب (٦) « سألت الصادق عليه‌السلام عن العشور التي تؤخذ من الرجل أيحتسب بها من زكاته؟ قال : نعم إن شاء » وصحيح العيص (٧) في الزكاة ، فقال : « ما أخذ منكم بنو أمية فاحتسبوا به ولا تعطوهم شيئا ما استطعتم ، فان المال لا يبقى على هذا إن يزكى مرتين » وصحيح سليمان (٨) « سمعت الصادق عليه‌السلام

__________________

(١) الاستبصار ج ٢ ص ٢٥ الرقم ٧١ طبع النجف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ١.

(٤) الاستبصار ج ٢ ص ٢٥ الرقم ٧١ طبع النجف.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٣.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٤.

٢٢٧

يقول : إن أصحاب أبي عليه‌السلام أتوه فسألوه عما يأخذ السلطان فرق لهم ، وأنه يعلم أن الزكاة لا تحل إلا لأهلها ، فأمرهم أن يحتسبوا به ، فجاز ذا والله لهم ، فقلت : يا أبه إن سمعوا ذلك لم يزك أحد ، فقال : يا بني حق أراد الله تعالى أن يظهره » إلى غير ذلك ، ومن هنا حمل الشيخ صحيح الشحام على استحباب الإعادة ، وفي الحدائق الأظهر حمله على ما إذا تمكن من عدم الإعطاء بإنكار ونحوه ولم يفعل بل سلمها لهم بمجرد الطلب ، على أن المسألة مع ابتنائها على كون الزكاة في العين قد تبنى أيضا على أن الغاصب لأحد الشريكين يقوم مقامه في القسمة ، ولنا فيها بحث ذكرناه في البيع.

هذا كله في حصة السلطان وأما خروج المؤن كلها فهو كذلك على الأظهر عند المصنف وفاقا للمقنع والمقنعة وكتاب الأشراف وجمل العلم والعمل والنهاية وموضع من المبسوط والمراسم والغنية والسرائر والإشارة والنافع والمعتبر والمنتهى والتذكرة والمختلف ونهاية الأحكام والإرشاد والتلخيص وتخليصه والتحرير والتبصرة والبيان والدروس وتعليق الشرائع وإيضاح النافع وتعليقه وجامع المقاصد والموجز وكشفه ومجمع البرهان والمصابيح والرياض والمجلسي في شرحه على الفقيه وظاهر الاستبصار والتنقيح أو صريحهما على ما حكي عن بعضها ، فلا ريب في أنه المشهور شهرة عظيمة كما حكاها غير واحد عليه ، بل في ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه ، ويدل عليه ـ مضافا إلى الأصل في وجه وإجماع الغنية المعتضد بما سمعت ـ قوله تعالى (١) ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ ) بل وقوله (٢) ( وَيَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ؟ ) ( قُلِ الْعَفْوَ ) بناء على أن المراد منه ما يفضل عن النفقة ، قال في الصحاح : « عفو المال ما يفضل عن النفقة » وحينئذ فكلما قابل المئونة ليس من العفو ، وفحوى ما دل (٣) على اعتبار‌

__________________

(١) سورة الأعراف ـ الآية ١٩٨.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ٢١٦ و ٢١٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس ـ الحديث ٤ من كتاب الخمس.

٢٢٨

الخمس من الضيعة ونحوها بعد مئونتها وبعد خراج السلطان ، إذ هو زكاة في المعنى كما أومأت اليه النصوص بل لعل زيادته على العشر لاعتبار إخراج مئونة المستفيد في الأرباح تمام السنة بخلاف الزكاة ، وما في‌ الفقه (١) المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام بناء على حجيته ، فعن نسختين منه أنه قال : « بعد خراج السلطان ومئونة العمارة والقرية » وعن أخرى « بعد خراج السلطان ومئونة القرية » وهي الموافقة لما عن الفقيه والهداية والمقنع والمقنعة ، ولعل المراد بها كما عن المجلسي الزرع ، لغلبة كونه في القرى ، ضرورة عدم اعتبار نفس القرية ، ولذا لم ينسب إلى أحد منهم ذلك ، فليس المراد إلا ما ذكرنا‌ والحسن أو الصحيح (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ويترك للحارس العذق والعذقان والثلاثة لحفظه إياه » وأخصيته من المدعى مدفوعة بعموم التعليل ، مع العلم بعدم القائل بالفرق بين مئونة الحارس وغيره ، وما عساه يظهر من‌ خبر الريان (٣) عن يونس أو غيره ممن ذكره عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قلت له : جعلت فداك بلغني أنك كنت تفعل في غلة عين زياد شيئا ، فأنا أحب أن أسمعه منك ، قال : فقال : نعم كنت آمر إذا أدركت الثمرة أن يثلم في حيطانها الثلم ليدخل الناس ويأكلوه ، وكنت آمر في كل يوم أن توضع عشر بنيات يقعد على كل بنية عشرة ، كلما أكل عشرة جاء عشرة أخرى ، يلقى لكل نفس منهم مد من رطب ، وكنت آمر لجيران الضيعة كلهم الشيخ والعجوز والمريض والصبي والمرأة ومن لا يقدر أن يجي‌ء فيأكل منها لكل إنسان مدا فإذا كان الجذاذ أوفيت القوام والوكلاء والرجال أجرتهم ، وأحمل الباقي إلى المدينة‌

__________________

(١) الموجود في فقه الرضا (ع) ص ٢٢ والمستدرك الباب ٦ من أبواب زكاة الغلات الحديث ١ هكذا‌ « فإذا بلغ ذلك وحصل بغير خراج السلطان ومئونة العمارة والقرية. ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٢.

٢٢٩

ففرقت في أهل البيوتات والمستحقين الراحلتين والثلاثة والأقل والأكثر على قدر استحقاقهم ، وحصل لي بعد ذلك أربعمائة دينار ، وكان غلتها أربعة آلاف دينار ».

بل ربما يستفاد منه ومن غيره مما ورد في الإنفاق من البساتين ومن نصوص المارة (١) ونصوص الحفنة (٢) وغيرها استثناء ما جرت السيرة والطريقة به من الأكل من البستان للمترددين وأضيافها ونحو ذلك مما هو من حقوقها ، بل لعله من جملة مؤنها أيضا ، فتأمل جيدا ، وفحوى ما مر من نصوص الخراج والحصة اللذين لا إشكال في كون الأول منهما من المئونة ، ومناسبته لقاعدة الشركة في المؤن اللاحقة بعد تعلق الزكاة ، ضرورة اشتراك النصاب بين المالك والفقراء ، فلا يختص أحدهما بالخسارة ، كما لا يختص بالنفع ، ولا قائل بالفصل بين اللاحقة والسابقة ، مع أن المئونة السابقة سبب الزيادة ، فتكون على الجميع ، وعدم ملاحظة الشركة في بعض الأحوال إرفاقا بالمالك إنما هو للدليل ، وما في إلزام المالك بالمئونة كلها من الحرج والضرر عليه ، مع أن الزكاة إنما شرعت صلة ، وما فيه أيضا من تنفير الناس عن القيام بأمر الزرع والغرس ، أو حملهم على المعصية بمخالفة الأمر بما يشق ، وهو خلاف اللطف الواجب ، وقد وقع إلى ذلك الإشارة بقوله تعالى (٣) ( وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ) وتعليله ذلك ( إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ ) وما فيه أيضا من لزوم التكرار في زكاة الغلة لو أخرجت منها جميعها مع تزكية البذر سابقا ، إلى غير ذلك مما لا يقدح المناقشة في بعضه مع سلامة المجموع الذي يمكن حصول القطع بملاحظته.

خصوصا بعد ندرة القائل بالعدم ، إذ هو الشيخ في الخلاف وموضع من المبسوط‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب بيع الثمار من كتاب التجارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الغلات.

(٣) سورة محمد (ص) ـ الآية ٣٨.

٢٣٠

ولم نعرف موافقا له ممن تقدمه أو تأخر عنه إلى زمن يحيى بن سعيد ثم منه إلى زمن ثاني الشهيدين ، فعن فوائده على القواعد صريحا وغيرها ظاهرا أنه قال به ، نعم مال اليه بعض متأخري المتأخرين كصاحبي المدارك والمفاتيح ، وربما آذنت به عبارة اللمعة ، فمن الغريب دعوى الثاني الإجماع عليه ، وأما الشيخ فإنما نسبه إلى جميع الفقهاء الإعطاء والظاهر إرادته العامة ، وربما توهم بعض فنسب إلى الشيخ دعوى الإجماع ، بل ولعل ضعف دليله أيضا ، إذ هو ليس إلا إطلاق ما دل على العشر ونصفه الذي يجب الخروج عنه ببعض ما ذكرنا ، ولا أقل من الشك في شموله لما قابل المئونة ، فيبقى الأصل سالما وحسن أبي بصير ومحمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام أنهما قالا له : « هذه الأرض يزارع أهلها ما ترى فيها؟ فقال : كل أرض دفعها إليك السلطان فتاجرته فيها فعليك فيما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه ، وليس على جميع ما أخرج الله منها العشر إنما العشر عليك فيما يحصل في يدك بعد مقاسمته تلك » وهو أيضا مخصص أو مقيد بما عرفت ، على أن الحصر فيه بالنسبة إلى خصوص الحصة ، بل قد يقال : إن مقاسمته له تكون بعد المؤن الحاصلة على الزرع ، ومن هنا حكي عن الاستبصار وغيره أنه جعله دليلا للمشهور ، فما في المدارك من أنه كالصريح في المطلوب واضح الضعف ، ودعوى أن الشيعة كانوا يخرجون المؤن من أنفسهم كي تزيد حصة السلطان طمعا فيه أو خوفا منه لم نتحققها ، بل ربما قيل : إن المتحقق خلافها ، وخبر علي بن شجاع (٢) سأل أبا الحسن الثالث عليه‌السلام « عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر مما يزكى فأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرا وبقي في يده ستون كراً ما الذي يجب ذلك من ذلك؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شي‌ء؟ فوقع لي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ١ مع الاختلاف في اللفظ.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٢.

٢٣١

منه الخمس مما يفضل من مئونته » وهو ـ مع أنه لا ظهور فيه في كون العمارة من المئونة التي تخرج من نماء الضيعة لما ستعرف أن القائل بخروج المئونة يخصها بالمئونة التي تكرر في كل سنة ، وعليه يكون الخبر حينئذ مخالفا للإجماع ـ إنما هو في كلام السائل ، فلا حجة فيه ، مضافا إلى ما في سنده ، وما عساه يظهر من نصوص نصف العشر (١) من أن هذه النقيصة في الفريضة في مقابلة ما يحتاج اليه الزرع من الآلات كالدوالي والنواضح ونحوها ، ولو أن المئونة تخرج من الأصل لم يفرق في الفريضة بين ما يسقى سيحا وبين ما يسقى بالدوالي ، وفيه ـ مع أن الحكم تعبدي لا تعرف حكمته ـ يمكن أن يكون ذلك للكلفة في استعمال الأجراء على السقي والحفظة وأشباه ذلك زائدا على بذل الأجرة ، فناسب التخفيف ، بل في تقديم المئونة من الكلفة ما لا يخفى ، على أن الغالب قلة ما يحصل من ذرع ذي العلاج والآلات بخلاف ما يكون بغيره ، كما أن الغالب مباشرة المالك للعمل بنفسه في تلك الأوقات ، وستعرف أن عمله ليس من المؤن ، فراعى حاله الشارع بنقصان الفريضة ، كل ذلك مضافا إلى إمكان قلب الدليل على الخصم بأن يقال : لو كانت على رب المال لما توجه تنصيف العشر فيما كثرت.

ولكن الإنصاف أنه لا شهادة لهذه النصوص بل نصوص العشر وغيره من الأخبار المطلقة في وجوب الزكاة أو العامة على شي‌ء من القولين ، ضرورة عدم كونها مساقة لبيان ذلك ، ولذا خلت عن التعرض لحصة السلطان التي لا كلام في خروجها ، ولا للبذر الذي قيل : إنه كذلك أيضا ، ولا أعذاق الحارس ، مع أنه يمكن انصرافها إلى المتعارف ، بناء على اعتياد الخروج ، كما أنه يمكن أن يكون خلوها عن التصريح بذلك للتقية ، لما عرفت من اتفاق الفقهاء إلا عطاء على عدم إخراج المؤن ، وبالجملة كلما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زكاة الغلات.

٢٣٢

أجاد الفقيه التأمل في المسألة ازداد القول بخروج المؤن قوة كما هو واضح لمن حصل له.

ثم إنه هل يعتبر النصاب بعد المئونة فلا زكاة حينئذ إذا لم يحصل ، أم قبلها فيزكي الباقي من بعدها وإن قل ، أم يعتبر ما سبق على الوجوب كالسقي والحرث قبل النصاب فان لم يبلغ الباقي نصابا فلا زكاة ، وما تأخر كالحصاد والجذاذ ونحوهما بعده ، فيزكي الباقي وإن قل؟ أقوال أشهرها بل المشهور الأول ، للرضوي (١) بناء على حجيته وإجماع الغنية بل وغيره في خصوص حصة السلطان ، ولعل مستند الثاني إطلاق ما دل على وجوبها ببلوغ النصاب الذي لا ينافيه وجوب المئونة وإن كانت متقدمة في الإخراج واتفاق استغراقها النصاب غير قادح بعد ما دل على ترتبهما فيه ، فينتفي حينئذ موضوع متعلق الزكاة ، وفيه أن العمل بإطلاق ما دل على وجوب الزكاة ببلوغ النصاب يقتضي عدم إخراج المئونة ، ضرورة أنه لا دليل حينئذ على إخراجها منها ، إذ عليه يكون الحاصل من نحو‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « فيما سقت السماء العشر » أن العشر ثابت في ذلك مع بلوغ النصاب ولو بضميمة ما يقابل لمئونة ، ومن هنا فصل ثالث بما سمعت مراعاة لقواعد الشركة على معنى العمل بالإطلاق المزبور بعد إخراج المؤن السابقة ، فيكون مقتضى الزكاة حينئذ متحققا ، والمئونة المتأخرة موزعة على المالك والفقراء كما هو مقتضى قاعدة الشركة ، فيؤخذ العشر من الباقي وإن قل ، لتحقق الزكاة فيه قبل حدوث المئونة ، وفيه أنه لا فرق فيما سمعته سابقا من الأدلة المعتد بها على إخراج المئونة بين السابقة واللاحقة ، وأن تأخرها في الوجود لا ينافي اعتبار كون النصاب بعدها كالمئونة السابقة ، وقاعدة الشركة فرع ثبوتها ، والكلام فيه ، ومن ذلك يعلم أنه لا وجه للاستدلال من بعضهم على إخراج المئونة بقاعدة الشركة ، خصوصا‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زكاة الغلات.

٢٣٣

بعد كونه من غير إذن الشريك ، ولا يرجع به لو زادت المئونة على المال ، وغير ذلك مما يعلم منه عدم بناء ذلك على هذه القاعدة ، فليس حينئذ إلا ما سمعت من الأدلة السابقة التي لا فرق فيها بالنسبة إلى ما نحن فيه بين المئونة السابقة واللاحقة ، كما أن المنساق منها إخراجها أولا ثم ملاحظة الباقي ببلوغ النصاب وعدمه ، فتأمل جيدا فإن جملة من أفاضل الأصحاب كالفاضل والكركي والشهيد وغيرهم قد خفي الحال عليهم في ذلك ، والله الموفق للصواب

ثم قال في المسالك : « والمراد بالمئونة ما يغرمه المالك على الغلة مما يتكرر كل سنة عادة وإن كان قبل عامه كأجرة الفلاحة والحرث والسقي وأجرة الأرض وإن كانت غصبا ولم ينو إعطاء مالكها أجرتها ، ومئونة الأجير وما نقص بسببه من الآلات والعوامل حتى ثياب المالك ونحوها ، ولو كان سبب النقص مشتركا بينها وبين غيرها وزع ، وعين البذر إن كان من ماله المزكى ، ولو اشتراه تخير بين استثناء ثمنه وعينه ، وكذا مئونة العامل المثلية ، وأما القيمة فقيمتها يوم التلف ، ولو عمل معه متبرع لم يحتسب أجرته ، إذ لا تعد المنة مئونة عرفا ، ولو زرع مع الزكوي غيره قسط ذلك عليهما ، ولو زاد في الحرث عن المعتاد لزرع غير الزكوي لم يحتسب الزائد ، ولو كانا مقصودين ابتداء وزع عليهما ما يقصد لهما ، واختص أحدهما بما يقصد له ، ولو كان المقصود بالذات غير الزكوي ثم عرض قصد الزكوي بعد إتمام العمل لم يحتسب من المؤن ولو اشترى الزرع احتسب ثمنه وما يغرمه بعد ذلك دون ما سبق على ملكه ، وحصة السلطان من المئونة اللاحقة لبدو الصلاح ، فاعتبار النصاب قبله » ونحو ذلك في الروضة وفوائد الشرائع ، قال في الأخير : « كلما يحتاج اليه الزرع عادة فهو من المؤن ، سواء تقدم على الزرع كالحرث والحفر وعمل الناضح ونحو ذلك ، أو قاربه كالسقي والحصاد والجذاذ وتنقية مواضع الماء مما يحتاج إليه في كل سنة ، لا أعيان الدولاب والآلات‌

٢٣٤

ونحو ذلك ، نعم يحسب نقصها لو نقصت ، والبذر من المئونة فيستثنى ، لكن إذا كان مزكى سابقا أو لم تتعلق به الزكاة سابقا ، ولو اشتراه لم يبعد أن يقال : يجب أكثر الأمرين من ثمنه وقدر قيمته » قلت : قال في البيان : « لو اشترى بذرا فالأقرب أن المخرج أكثر الأمرين من الثمن والقدر ، ويحتمل إخراج القدر خاصة ، لأنه مثلي ، أما لو ارتفعت قيمة ما بذره أو انخفضت ولم يكن قد عاوض عليها فان المثل معتبر قطعا ولو كان البذر معيبا فالظاهر أن المخرج بقدره » وفي محكي نهاية الأحكام والتحرير وغيرهما « إنما تجب الزكاة بعد إخراج المؤن من أجرة السقي والعمارة والحافظ والمساعد في حصاد وجذاذ وتجفيف الثمرة وإصلاح موضع التشميس وغير ذلك » وفي محكي الموجز وكشفه بعد أن ذكرا جملة من المؤن قالا : « والضابط كل ما يتكرر كل سنة بسبب الثمرة ـ ثم قالا ـ : وليس له إخراج أجرة عمله بيده من المئونة ، ولا أجرة العوامل كالثيران التي يسقى عليها ويحرث عليها ، ولا أجرة سهم الدالية ، وهو الجذع المركب على العين ، ولا أجرة الأرض المملوكة أو المستعارة ، ولو استأجر جميع ذلك أو غصب الأرض احتسب الأجرة » إلى غير ذلك من كلماتهم التي لا يخلو بعضها من النظر ، كاعتبار التكرر كل سنة في المئونة الخارجة ، مع أنه لا ريب عرفا في عد ما له مدخلية في الثمرة من المؤن وإن لم يتكرر كل سنة ، كاستنباط المستقي وتحسين النخل بالتركيب ونحوه ، وبناء جدران البستان وحفر النهر الذي هو العمود ونحو ذلك.

نعم قد يتوقف في كيفية إخراج غراماتها باعتبار عموم نفعها للثمرة في كل سنة ، مع أنه قد يقوى خروجها أجمع من الثمرة أولا في سنة واحدة أو سنتين ، للزوم التغرير بمال المالك إن لم يكن كذلك ، وربما كان في خبر علي بن شجاع (١) المتقدم وغيره شهادة على ذلك وعلى خروج مثل هذه المؤن حيث لم يستفصل فيه عن العمارة المخرجة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٢.

٢٣٥

بل ربما كان ظاهره الأعم من الذي يتكرر كل سنة ، فلاحظ وتأمل ، كما أن ما سمعته من التحرير والنهاية من عد العمارة من المؤن يمكن أن يكون المراد منه الأعم أيضا ، فتأمل.

ومما يمكن أن يكون محلا للنظر أيضا ما سمعته من التخيير في إخراج ثمن البذر أو قدره إذا كان قد اشتراه ، خصوصا إذا لم يكن قد اشتراه للبذر ، بل اشتراه للقوت ونحوه ثم بدا له فبذره ، إذ الذي يعد أنه من مؤن الزرع وصار هو سببا لإتلافه عين البذر لا ثمنه ، ولو منع ذلك وجعل نفس الثمن لم يؤخذ القدر ، وبالجملة التخيير المزبور لا يخلو من نظر أو منع ، وكذا مئونة العامل المثلية لو كان قد اشتراها ، والضرر على المالك يدفعه الضرر على الفقراء ، وقد ينقدح من ذلك التوقف في إخراج قدر البذر إذا كان معيبا أيضا ، كما أنه ينقدح النظر في غير ذلك ، خصوصا مع ملاحظة ما سمعته من أدلة المؤن ، وملاحظة أن القاعدة عدم إخراج ما يشك في أنه من المؤن ، لإطلاق أدلة الوجوب وعموماته ، فليكن على ذلك المدار ، والله هو العالم.

( وأما اللواحق فمسائل ) :

الأولى كلما سقي سيحا أو بعلا أو عذبا ففيه العشر ، وما سقي بالدوالي والنواضح ففيه نصف العشر بلا خلاف أجده كما اعترف به بعضهم ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل في المعتبر نسبته إلى إجماع العلماء ، بل في محكي كشف الالتباس إجماع المسلمين ، ويدل عليه مضافا إلى ذلك‌ صحيح زرارة وبكير (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « في الزكاة ما يعالج بالرشاء والدلاء والنضح ففيه نصف العشر ، وإن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعل ففيه العشر كاملا » وصحيحه الآخر (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام أيضا « ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٥.

٢٣٦

ما بلغ خمسة أوساق ، والوسق ستون صاعا ، فذلك ثلاثمائة صاع ففيه العشر ، وما كان منه يسقى بالرشاء والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر ، وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا ففيه العشر تاما » وصحيحه الثالث (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام أيضا « إذا كان يعالج بالرشاء والنضح والدلاء ففيه نصف العشر ، وإن كان يسقى بغير علاج بنهر أو غيره أو سماء ففيه العشر تاما » وصحيح الحلبي (٢) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « في الصدقة فيما سقت السماء والأنهار إذا كان سيحا أو كان بعلا العشر ، وما سقت السواني والدوالي أو سقي بالغرب فنصف العشر » إلى غير ذلك من النصوص الظاهر منها كالفتاوى ما صرح به بعضهم من أن المدار في وجوب العشر ونصفه احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من دولاب ونحوه وعدمه ، وأنه لا عبرة بغير ذلك من الأعمال كحفر الأنهار والسواقي وإن كثرت مئونتها ، لعدم اعتبار الشارع إياه.

والمراد بالسيح الجريان على وجه الأرض سواء كان قبل الزرع كالنيل أو بعده والبعل بالعين المهملة ما يشرب بعروقه في الأرض التي تقرب من الماء ، واليه يرجع ما في الوافي من أنه ما لا يسقى من نخل أو شجر أو زرع ، وبالعذي ما سقته السماء ، والدوالي جمع دالية ، وهي الناعورة التي تديرها البقر أو غيرها ، والنواضح جمع ناضح وهو البعير يستقى عليه ، والرشاء الحبل ، والغرب بالغين المعجمة وسكون الراء الدلو العظيم الذي يتخذ من جلد الثور ، والسواني جمع سانية وهي الناقة التي يسقى عليها ، ومما هنا انقدح السؤال المشهور ، وهو أن الزكاة إذا كانت لا تجب إلا بعد إخراج المؤن فأي فارق بين ما كثرت مئونته وقلت حتى وجب في أحدهما العشر وفي الآخر نصفه ، وإن احتمل الشهيد في البيان إسقاط مئونة السقي لأجل نصف العشر دون ما عداها ، وقد يجاب عنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٢.

٢٣٧

أولا بأن أحكام الشرع تعبدية متلقاة من الشارع لا يعرف كثير من حكمها ، وثانيا بأن استعمال الأجراء على السقي والحفظة وأشباه ذلك كافة متعلقة بالمالك زائدة على بذل الأجرة ، فناسبها التخفيف عن المالك ، وبأن تقديم المئونة من الكلفة ، فلهذا وجب نصف العشر ، وبأن الغالب في ذلك الزمان علاجهم بأنفسهم ، وقد عرفت عدم احتساب ذلك من المؤن ، فناسب إرفاق الشارع بهم بنصف العشر ، مضافا إلى قلة الحاصل مما يزرع بالعلاج بخلاف السيح ونحوه ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( ان اجتمع فيه الأمران كان الحكم للأكثر ) بلا خلاف أجده فيه ، بل في الغنية وظاهر التذكرة وغيرها الإجماع عليه فان تساويا أخذ العشر من نصفه ومن نصفه نصف العشر بلا خلاف أيضا كما اعترف به في التذكرة ، بل في الغنية والمعتبر والمنتهى وغيرها الإجماع عليه على ما حكي عن بعضها ، بل يدل عليه وعلى سابقيه مضافا إلى ذلك‌ حسن معاوية بن شريح (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « فيما سقت السماء والأنهار أو كان بعلا العشر ، وأما ما سقت السواني والدوالي فنصف العشر ، قلت له : فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى سيحاً قال : إن ذلك ليكون عندكم كذلك. قلت : نعم ، قال : النصف والنصف ، نصف بنصف العشر ونصف بالعشر ، فقلت : الأرض تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سيحا قال عليه‌السلام : كم تسقى السقية والسقيتين سيحا؟ قلت : في ثلاثين وأربعين ليلة وقد مضت قبل ذلك في الأرض ستة أشهر سبعة أشهر قال : نصف العشر » ضرورة ظهور السؤال في أوله في المساواة ، كظهور آخره بل صراحته في الاختلاف ، وقد يؤيد ذلك أيضا بما عن التذكرة من أن اعتبار مقدار السقي وعدد مراته وقدر ما يشرب في كل سقية مما يشق ويتعذر ، فجعل الحكم للغالب ، كالطاعة إن كانت غالبة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ١.

٢٣٨

على الإنسان كان عدلا وإن ندرت منه المعصية ، قلت : يمكن أن يقال : إن المراد بالأكثر في الفتاوى ما يتحقق به صدق كون الزرع مما يسقى بالسيح مثلا ، ضرورة عدم قدح النادر في ذلك عرفا ، فيكون المراد حينئذ بالتساوي ما لا يتحقق معه ذلك ولا خلافه ، بل يصدق كونه يسقى بهما كما هو ظاهر السؤال أولا في الخبر المزبور ، ومنه يتجه الحكم في المقامين لاندراج الأول في أدلة العشر ، وللجمع بين مقتضى السببين في الثاني الذي علله بعض الأصحاب بأن دوام كل من الأمرين في جميع السنة يوجب مقتضاه ، فإذا وجد في نصفه أوجب في نصفه ، فيجب عليه ثلاثة أرباع العشر ، وكأنه أشبه شي‌ء بالجمع بالتنصيف في المال الذي عليه يد كل من الشخصين ، إذ بالإجماع في المقام كان كل منهما نصف السبب ، فيؤثر مقتضاه على هذه النسبة ، ولذا كان الفرض ثلاثة أرباع العشر ، لأنهما نصف العشر ونصف نصفه ، كما هو واضح.

ومنه انقدح لبعض العامة الأخذ في الأغلب بالقسط كما يؤخذ مع التساوي ، فإن شرب بالسيح ثلث السقي مثلا كان في ثلثه العشر ، أو ربع السقي فالربع وهكذا ، وهو متجه لو لم نقل بكون المراد بالأكثر ما عرفت ، كما أنه لولا ذلك لصعب إقامة الدليل عليه من النصوص ، ضرورة كون الخبر المزبور ظاهرا في الكثرة التي ذكرنا ، ولذلك وصفه الراوي أولا بأنه يسقى بالدوالي ، فيبقى غير الكثير محتاجا إلى الدليل ، وليس ، بل ظاهر تلك الأدلة السابقة عدم خلو الزرع عن الوصفين جمعا أو انفرادا ، ودعوى أنه مع ( وإن خ ل ) صدق أحد الأمرين إلا أن حكمه باعتبار الأكثرية ذلك ، فيكون كالتخصيص لتلك الأدلة واضحة الفساد لا دليل عليها ، ولا ضرورة تلجى‌ء إليها ولا ينافي ذلك سؤال الإمام عليه‌السلام عن زمان السقية والسقيتين ، لإمكان كونه لزيادة الاستظهار ولأنه يمكن كونهما على وجه يصدق عليه مما يسقى سيحا إذا كان سقيه بالدوالي مدة قليلة ، والعمدة فيه سقية السيح أو سقيتاه ، لشدة رطوبة الأرض أو غير ذلك ، فتأمل جيدا.

٢٣٩

ومنه ينقدح لك أنه لا وجه للبحث بين الأصحاب في أن الاعتبار بالأكثر عدداً كما هو صريح البعض وظاهر الأكثر على ما قيل ، لأن المئونة إنما تكثر بسبب ذلك ، ولعلها هي الحكمة في اختلاف الواجب ، ويمكن أن ترجع إليه الرواية بتقييد إطلاقها بما هو الغالب في الزمان الأكثر من احتياجه إلى عدد أكثر ، بل ربما قيل : إنه الظاهر من الرواية ، أو زمانا كما مال إليه في المسالك مدعيا أنه الظاهر من الخبر باعتبار أنه عليه‌السلام رتب جوابه على أغلبية الزمان من غير استفصال عن عدد السقيات في تلك المدة ، أو نموا ونفعا كما هو خيرة الفاضل وأول الشهيدين وابن فهد والكركي والصيمري على ما قيل ، وذلك لأنه لما سأله الراوي عما يحصل من مجموع القسمين أجابه عليه‌السلام بثلاثة أرباع من دون استفصال عن كيفية الحصول والتكون أهو بالنسبة إليهما على السواء في القدر أو الزمان أم لا ، فعلمنا أنه عليه‌السلام فهم من كلام الراوي أن الحصول والنمو من القسمين على نمط واحد من الاعتداد به والاعتبار له ، فسأله الراوي عما إذا كان السقي بالدلاء هو الأكثر والأغلب زمانا لمكان قول الراوي : « يسقى » الدال على الاستمرار والتجدد ، وقد ذكر في الطرف الآخر المقابل له السقية والسقيتين ، والامام عليه‌السلام لم يجبه بادى بدء بأن في ذلك نصف العشر ، بل أخر الجواب حتى سأل واستفصل ، فلو كانت الأغلبية الزمانية والعددية كافية لكان الواجب عليه الجواب بأن فيه نصف العشر من دون استفصال وسؤال ، ولما سأل واستفصل ظهر له أن السقي بالسيح ليس على نحو معتد به ، وأنه نادر بالنسبة إلى الدلاء فأجاب بنصف العشر ، وعلمنا أنه عليه‌السلام ما ترك الجواب قبل الاستفصال مع وضوح السؤال في الأغلبية الزمانية والعددية إلا مخافة أن يتوهم السائل جواز الاكتفاء بأغلبية الزمان أو العدد ، فظهر أن المدار على الحصول والتعيش والنمو المعتد به.

٢٤٠