جواهر الكلام - ج ١٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

مخصوص لا على أنه زكاة ـ يمكن كون المراد منهما اشتراط تأدية زكاته لما مضى من السنين احتياطا في تطهير المال ، لأن هشاما وسليمان مظنة عدم إخراجهما الزكاة في هذه السنين ، ويمكن كون المراد تأدية الزكاة لا انتقال خطابها إلى المشروط عليه ، وربما احتمل إرادة زكاة الأرض المشتراة لا الثمن وإن كان لفظ المال في الخبر الأخير ظاهر فيه ، وغير ذلك ، هذا كله مضافا إلى مهجوريتهما وعدم العمل بهما في ذلك ، فلا ريب في قصورهما عن معارضة ما يقتضي العدم ، كما هو واضح.

وأما صحيح منصور فإنما يدل على جواز تبرع المقرض بالإخراج ، وهو لا يستلزم جواز اشتراط تعلق الوجوب به دون المالك ، نعم بعد ثبوت جواز التبرع يتجه لزوم اشتراطه لو اشترطه ، للعموم المزبور على معنى تحمل المشروط عليه لها عن المديون ، وإخراجها من ماله عنه مع كون الوجوب متعلقا بالمقترض ، لا على معنى تعلق الوجوب بالمقرض ابتداء وسقوطه عن المقترض ، فان وفي المقرض بالشرط سقطت عن المقترض وإلا تعين عليه الإخراج ، كما لو وجب على شخص أداء دين آخر بنذر وشبهه فإنه لا يسقط الوجوب عن المديون ، بل يتعلق الوجوب به ، فان وفي الأجنبي برئت ذمة المديون ، وإلا تعين عليه الأداء ، وحمل كلام المخالف على ذلك يقتضي لفظية النزاع ، ولعله كذلك ، لكن قد عرفت أن هذا مبني على جواز التبرع ، وقد توقف فيه بعضهم لكون الزكاة عبادة ، فاعتبر الأذن ، وفيه أنها لا تجدي أيضا ، والاستناد إلى الصحيح المزبور يقتضي الإجزاء مطلقا ، وهو الأقوى في النظر له مؤيدا بما في الزكاة من شبهية الدين ، ولذا صحت الوكالة فيها ، وقد تقدم شطر صالح في المسألة فيما تقدم ، فلاحظ وتأمل.

كما أنه تقدم الكلام في المسألة الخامسة وهي من دفن مالا وجهل موضعه أو ورث مالا ولم يصل اليه ومضى عليه أحوال ثم وصل اليه أو تمكن من قبضه زكاه لسنة استحبابا بل في المدارك لا يظهر لإعادتها وجه يعتد به ، لكن نقول هنا قد يتجه‌

٢٠١

الوجوب في المدفون الذي لم يحصل اختباره إلا بعد سنين فجهل موضعه ثم وجده بعد ذلك ، لأصالة تأخر الحادث ، وهو الجهل ، فيبقى على استصحاب التمكن إلى آن الجهل ، وكذا إذا لم يجده أصلا ، اللهم إلا أن يقال إن الأصل لا يصلح لتنقيح الشرط الذي هو صدق كون المال عنده وفي يده في هذه المدة ، إذ يمكن تقدم التلف ، فيكفي حصول الشك في الشرط في سقوط المشروط ، وأصالة تأخر الحادث لا يقتضي حصول تلك الصفة عرفا ، على أن أصالة براءة الذمة وعدم تعلق الزكاة بالمال تقتضيان العدم ، بل هما محصلان للمطلوب بلا واسطة ، بخلاف أصل تأخر الحادث ، ولعله لذا أطلق الأصحاب استحباب التزكية لسنته من غير إشارة من أحد منهم إلى شي‌ء مما ذكرنا ، فلاحظ وتأمل ، والله أعلم.

المسألة السادسة إذا ترك نفقة لأهله تبلغ قدر النصاب فما زاد بحيث لا يعلم زيادتها عن قدر الحاجة فهي معرضة للإتلاف بالإنفاق ، والمشهور شهرة عظيمة أنها تسقط الزكاة عنها مع غيبة المالك ، وتجب لو كان حاضرا ، وقيل والقائل ابن إدريس تجب فيها على التقديرين ، والأول مع أنه مشهور مروي في‌ الموثق (١) عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام « قلت له : رجل خلف عند أهله نفقة ألفين لسنتين عليها زكاة قال : إن كان شاهدا فعليه زكاة ، وإن كان غائبا فليس عليه زكاة » وخبر أبي بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت له : الرجل يخلف لأهله نفقة ثلاثة آلاف درهم نفقة سنتين عليه زكاة قال : إن كان شاهدا فعليها زكاة ، وإن كان غائبا فليس فيها شي‌ء » ومرسل ابن أبي عمير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا « عن رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة فحال عليها الحول قال : إن كان مقيما زكاة ، وإن كان غائبا لم يزك » إلا أن ابن إدريس على أصله من عدم العمل بأخبار الآحاد لم يفرق بينها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٢.

٢٠٢

وبين غيرها من المال الغائب عنه مالكه لكنه قادر على التصرف فيه متى أراد في وجوب الزكاة ، لعموم الأدلة الذي لا تفاوت فيه بين حضور المالك وغيبته ، وقال : إن الفرق أورده شيخنا في نهايته إيرادا لا اعتقادا ، وفيه أن الواجب الخروج عنه بهذه النصوص ، وكون التعارض بينها من وجه لا ينافي ظهور هذه النصوص في الفرد الذي هو محل النزاع ، فيتجه التخصيص بها حينئذ على هذا التقدير ، بل قد يجول في الذهن أن مبنى هذه النصوص على خروج هذا الفرد عن تلك العمومات لا تخصيصها بها باعتبار تعريضه للتلف بالاتفاق والاعراض عنه لهذه الجهة الخاصة ، فكأنه أخرجه عن ملكه ، فلا يصدق عليه أنه حال الحول عليه وهو عنده ، خصوصا مع عدم علمه بسبب غيبته عنه كيف صنع به عياله ، ويمكن أن يكون بدلوه بمال آخر أو اشتروا به ما يحتاجونه سنتين مثلا ، وغير ذلك من الاحتمالات التي تحصل له بالغيبة دون الحضور الذي ليس فيه سوى عزم منه على إنفاق هذا المال ، وبالجملة لا يخفى على من له ذوق بالفقه ومعرفة بخطاباتهم عليهم‌السلام أن المراد من هذا التفصيل أنه لا يصدق على هذا المال أنه حال الحول عليه وهو عنده ، خصوصا وليس في هذه النصوص إشارة إلى التخصيص ، فيكون الحاصل أنه يكفي في سقوط الزكاة عدم هذه العندية ، كما أنه يكفي في وجوبها هذه العندية مع الحضور وإن عزم على أنه للإنفاق ، فتأمل جيدا فإنه دقيق ، وربما كان في قول المصنف : « معرضة للإتلاف » إشارة إلى بعض ذلك ، والله أعلم.

المسألة السابعة لا تجب الزكاة حتى يبلغ كل جنس من الزكوي نصابا لما دل على اعتباره في كل جنس منها من النصوص (١) المستفيضة أو المتواترة وحينئذ فـ ( لو ) ملكها جميعها مالك وقصر كل جنس منها أو بعضها عن النصاب لم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الأنعام والباب ٥ من أبواب زكاة الذهب والفضة والباب ٢ من أبواب زكاة الغلات وغيرها من الأبواب.

٢٠٣

يجبر بالجنس الآخر إجماعا بقسميه ونصوصا (١) كمن معه عشرة دنانير ومائة درهم أو أربعة من الإبل وعشرون من البقر وهكذا فلا يجبر أحدهما بقيمة الآخر ويتمم به النصاب ويخرج منه الزكاة ، خلافا لبعض العامة فضم الذهب إلى الفضة ، لاتفاقهما في كونهما ثمنا ، والحنطة إلى الشعير للاشتراك في القوت ، وهو اجتهاد في مقابلة النص والإجماع والأصول ، قال زرارة (٢) في الصحيح : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل عنده مائة وتسعة وتسعون درهما وتسعة عشر دينارا أيزكيها؟ فقال : لا ليس عليه زكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتى تتم ، قال زرارة : وكذلك هو في جميع الأشياء وقال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل كن عنده أربع أنيق وتسعة وثلاثون شاة وتسعة وعشرون بقرة أيزكيهن؟ فقال : لا يزكي شيئا منهن ، لأنه ليس شي‌ء منهن تاما فليس تجب فيه الزكاة » وأما‌ موثق إسحاق بن عمار (٣) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام « قلت له : تسعون ومائة درهم وتسعة عشر دينارا عليها في الزكاة شي‌ء فقال : إذا اجتمع الذهب والفضة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة ، لأن عين المال الدراهم ، وكل ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة والديات » فشاذ مطرح ، أو محمول على التقية ، أو على زكاة التجارة ، أو على ما عن الشيخ من احتمال إرادة بلوغ الفضة خاصة ، لكنه بعيد جدا مناف للتعليل وغيره ، واحتمال كونه خاصا بمن جعل ماله أجناسا مختلفة كل واحد منها لا تجب فيه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الأنعام والباب ٥ من أبواب زكاة الذهب والفضة والباب ٢ من أبواب زكاة الغلات وغيرها من الأبواب.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١ وذيله في الباب ١ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٧.

٢٠٤

الزكاة فرارا منها مستدلا عليه بموثقه الآخر (١) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام أيضا عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير أعليها زكاة؟ فقال : إن فر بها من الزكاة فعليه الزكاة ».

وفيه أنه مع عدم ملائمة التعليل وغيره مناف لما سمعته سابقا من سقوط الزكاة بذلك ولو فعله فرارا للنصوص (٢) وغيرها كما عرفته مفصلا ، فتعين حينئذ حمل الخبر المزبور على ما قدمنا ، كحمل خبر الفرار على الندب أو غيره كما تقدم والله أعلم.

( القول الثالث في زكاة الغلات )

ويقع النظر في الجنس والشروط واللواحق ، أما‌ الأول فقد علمت سابقا أنه لا تجب الزكاة فيما يخرج من الأرض إلا في الأجناس الأربعة : الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، لكن يستحب فيما عدا ذلك من الحبوب مما يدخل في المكيال والميزان كالذرة والأرز والعدس والماش كما تقدم الكلام في ذلك بما لا مزيد عليه وكذا السلت والعلس بناء على خروجهما عن الحنطة والشعير ولكن قيل والقائل الشيخ وجمع من الأصحاب كالفاضل في بعض كتبه والشهيدين وثاني المحققين والميسي وابن إدريس على ما حكي عن بعضهم السلت كالشعير والعلس كالحنطة في الوجوب ، والأول أشبه وأشهر ، بل عن كشف الالتباس والمفاتيح أنه المشهور ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، لأصالة عدم الوجوب ، وحصره في التسعة في المستفيض من النصوص (٣) المنساق من الحنطة والشعير فيه غيرهما ، بل عن ابن دريد « السلت حب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة.

٢٠٥

يشبه الشعير أو هو بعينه ، والعلس حبة سوداء يخبز في الجدب أو يطبخ » وعن المغرب « العلس بفتحتين عن الثوري والجوهري حبة سوداء إذا أجدب الناس طحنوها وأكلوها ، وقيل هو مثل البر إلا أنه عسر الاستنقاء ، تكون في الكمامة حبتان ، وهو طعام أهل صنعاء » وعن المحيط « العلس شجرة كالبر إلا أنه مقترن الحب حبتين حبتين » وعن الفائق « السلت حب بين الحنطة والشعير لا قشر له » بل في ظاهر خبري زرارة (١) وابن مسلم (٢) أن السلت غير الحنطة والشعير ، ويتم بعدم الفصل بينه وبين العلس ، كما أنه يتم في الحكم بالاستحباب فيهما بالنصوص العامة والخاصة ، لكن ومع ذلك لا تخلو المسألة من إشكال ، لنص بعض أهل اللغة على كونهما منهما ، قال في الصحاح : « العلس ضرب من الحنطة حبتان في قشر ، وهو طعام أهل صنعاء ـ وقال أيضا ـ : السلت بالضم ضرب من الشعير ليس له قشر كأنه الحنطة » وقال ابن الأثير : « السلت ضرب من الشعير أبيض لا قشر له ، وقيل هو نوع من الحنطة ، والأول أصح ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن بيع البيضاء بالسلت فكرهه ، والبيضاء الحنطة » وعن القاموس « السلت بالضم الشعير أو ضرب منه » وعن الأزهري « العلس صنف من الحنطة يكون عنه في الكمام الحبتان وثلاثة » وعن العين « السلت شعير لا قشر عليه بالحجاز والغور يتبردون بالسويق منه في الصيف » ونحوه عن المحيط ، وعن أدب الكاتب « السلت ضرب من الشعير دقيق القشر صغير الحب » ونحوه عن المجمل وديوان الأدب ، وعن المقاييس « السلت ضرب من الشعير لا يكاد يكون له قشر ، والعرب تسميه العريان » وعن المغرب « شعير لا قشر له يكون بالغور والحجاز » وقال في محكي المبسوط : « السلت شعير فيه مثل ما فيه ، والعلس نوع من الحنطة ، يقال : إذا ديس بقي كل حبتين في كمام ، ولا يذهب ذلك حتى يدق ويطرح في رحى خفيفة ، ولا ينقى نقاء الحنطة ويبقى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة ـ الحديث ٤.

٢٠٦

في كمامها ، ويزعم أهلها أنها إذا هرست أو طرحت في رحى خفيفة خرجت على النصف فإذا كان كذلك تخير أهلها بين أن يلقى عنها الكمام وتكال على ذلك ، فإذا بلغت النصاب أخذ منها الزكاة أو تكال على ما هي عليه ، ويؤخذ عن كل عشرة أوسق زكاة فإذا اجتمع عنده حنطة وعلس ضم بعضه إلى بعض ، لأنها كلها حنطة » وفي الخلاف « السلت نوع من الشعير ، يقال : إنه بلون الحنطة وطعمه طعم الشعير بارد مثله ، فإذا كان كذلك ضم اليه وحكم فيه بحكمه » وفي القواعد « العلس حنطة حبتان في كمام واحد على رأي ، والسلت يضم إلى الشعير لصورته ، ويحتمل إلى الحنطة ، لاتفاقهما طبعا ، وعدم الانضمام » وهو خلاف ما سمعته من الخلاف من أنه بارد كالشعير ، لكن لا يخفى عليك أن المدار على الاسم الذي لا مدخلية له في الصورة والطبيعة ، وتناوله له على وجه الحقيقة المساوية للفرد الآخر في الفهم عند الإطلاق في زمن صدور الأخبار محل نظر أو منع ، فالأصل حينئذ بحاله ، والله أعلم.

وأما النظر في الشروط فلا إشكال ولا خلاف‌ في اعتبار بلوغ النصاب في الوجوب ، بل الإجماع بقسميه عليه ، كما أن النصوص (١) متواترة فيه ، بل هو ضروري وهو خمسة أوسق فما في‌ خبر أبي بصير (٢) عن الصادق عليه‌السلام « لا تجب الصدقة إلا في وسقين ، والوسق ستون صاعا » كقوله عليه‌السلام في خبره الآخر (٣) : « لا يكون في الحب ولا في النخل ولا في العنب زكاة حتى تبلغ وسقين ، والوسق ستون صاعا » بل في‌ المرسل عن ابن سنان (٤) « سألته أيضا عن الزكاة في كم تجب في الحنطة والشعير؟ فقال : في وسق » وفي‌ صحيح الحلبي (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام في كم تجب الزكاة من الحنطة والشعير والتمر والزبيب؟ قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الغلات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ـ ١٠.

٢٠٧

في ستين صاعا » بل في‌ موثق إسحاق بن عمار (١) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الحنطة والتمر عن زكاتهما فقال : العشر ونصف العشر ـ إلى أن قال ـ فقلت : ليس عن هذا أسألك إنما أسألك عما خرج منه قليلا كان أو كثيرا قال : من كل عشرة واحد ، ومن كل عشرة نصف واحد ، قلت : فالحنطة والتمر سواء قال : نعم » مطرح أو محمول على الندب ، أو على التقية بناء على عدم اعتبار وجود القائل بها ، أو على إرادته بعد إحراز النصاب الذي هو الخمسة ، أو غير ذلك.

نعم ما في الأولين من أن الوسق ستون صاعا لا خلاف فيه نصا وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه والصاع تسعة أرطال بالعراقي وستة بالمدني بلا خلاف معتد به أجده ، لخبر الهمداني (٢) الذي رواه المشايخ الثلاثة ، بل رواه الصدوق منهم في عدة من كتبه ، قال : « كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام على يد أبي جعلت فداك أن أصحابنا اختلفوا في الصاع بعضهم يقول : الفطرة بصاع المدني وبعضهم يقول : العراقي فكتب إلى الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي ، قال : وأخبرني أنه يكون ألفا ومائة وسبعين وزنة » وخبر علي بن بلال (٣) قال : « كتبت إلى الرجل عليه‌السلام أسأله عن الفطرة وكم تدفع؟ قال : فكتب ستة أرطال من تمر بالمدني ، وذلك تسعة أرطال بالبغدادي » إذ من المعلوم كون المراد بذلك الصاع المتفق على كونه الواجب في الفطرة ، كما أن من المعلوم عدم الفرق في الصاع بين المقام والفطرة.

ومن ذلك يعلم المراد مما في‌ صحيح أيوب بن نوح (٤) الوارد في الفطرة أيضا‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٤ ـ من أبواب زكاة الغلات الحديث ٦ وذيله في الباب ٣ منها ـ الحديث ٢ مع الاختلاف في الألفاظ.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٣.

٢٠٨

وهو أنه كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام وقد بعثت إليك العام عن كل رأس من عيالي بدرهم قيمة تسعة أرطال ، فكتب عليه‌السلام جوابا محصوله التقرير على ذلك‌ خصوصا مع كون الراوي عراقيا ، وفي‌ صحيح زرارة (١) « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتوضأ بمد ويغتسل بصاع ، والمد رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال » يعني أرطال المدينة ، فيكون تسعة أرطال بالعراقي ولا ريب في كونه مؤيدا للمطلوب وإن لم يعلم كونه من الامام عليه‌السلام ، بل قيل : الظاهر من جماعة أن التفسير من تتمة الرواية ويشهد له قوله في التذكرة وقول الباقر عليه‌السلام : « والمد رطل ونصف ، والصاع ستة أرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي » وعن المصنف رحمه‌الله أنه نقل الخبر من‌ كتاب الحسين بن سعيد هكذا « والصاع ستة أرطال بأرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي ».

وعلى كل حال فهو حينئذ أربعة أمداد وذلك لأن المد رطلان وربع بالعراقي ورطل ونصف بالمدني فيكون النصاب حينئذ ألفين وسبعمائة رطل بالعراقي حاصلة من ضرب الخمس في الستين ، فتبلغ ثلاثمائة ، فتضرب في التسعة أرطال فتبلغ المقدار المزبور ، وألف وثمانمائة رطل بالمدني حاصلة من ضرب الثلاثمائة في الستة وألف ومائة وسبعون درهما ، لأن المد مائتا درهم واثنان وتسعون درهما ونصف درهم ، لكن في‌ خبر المروزي (٢) قال أبو الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام : « الغسل بصاع من ماء ، والوضوء بمد من ماء ، وصاع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أمداد ، والمد وزن مائتين وثمانين درهماً ، والدرهم ستة دوانيق ، والدانق وزن ست حبات ، والحبة وزن حبتي شعير من أواسط الحب لا من صغاره ولا من كباره » وفي الموثق (٣)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٣ من كتاب الطهارة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٤ من كتاب الطهارة.

٢٠٩

« سألته عن الماء الذي يجزي للغسل فقال : اغتسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصاع وتوضأ بمد ، وكان الصاع على عهده خمسة أمداد ، وكان المد قدره رطل وثلاث أواق » وهما واجبا الطرح لشذوذهما ، وربما حملا على الفرق بين صاع الماء وغيره باعتبار الثقل والخفة ، وتداخل الأجسام وعدمه ، وفيه أنه ينافيهما صحيح زرارة (١) حينئذ أو من جهة مشاركة بعض أزواجه في الغسل له.

وكيف كان فالرطل العراقي مائة وثلاثون درهما أحد وتسعون مثقالا بلا خلاف أجده إلا من الفاضل في التحرير وموضع من المنتهى ، فجعله مائة وثمانية وعشرين درهما وأربعة أسباع درهم أي تسعون مثقالا ، ولم نعرف له مستندا ، بل هو مخالف لما سمعته من خبر الهمداني (٢) المراد من الوزنة فيه الدرهم بقرينة‌ خبر إبراهيم بن محمد الهمداني (٣) فإن فيه « الفطرة صاع من قوت بلدك ـ إلى أن قال ـ : تدفعه وزنا ستة أرطال برطل المدينة ، والرطل مائة وخمسة وتسعون درهما ، تكون الفطرة ألفا ومائة وسبعين درهما » والتقريب أن الرطل العراقي ثلثا الرطل المدني ، ولعله لذا وغيره قيل : إنه سهو من قلمه الشريف ، أو أنه تبع فيه بعض العامة.

وكيف كان فقد اعتبرناه في يوم الثلاثاء عشرين في شعبان سنة ألف ومائتين وتسعة وثلاثين من الهجرة النبوية بعيار البقال في النجف الأشرف فكان اثني عشر وزنة إلا ربع الوقية وخمس مثاقيل صيرفية ، لأن الحقة كانت فيه ستمائة مثقال صيرفي وأربعين مثقالا كذلك ، والصاع ستمائة مثقال وأربعة عشر مثقالا صيرفيا وربع مثقال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ١.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الفطرة ـ الحديث ٢ وذيله في الباب ٧ منها ـ الحديث ٤.

٢١٠

ينقص عن الحقة ستة وعشرون مثقالا إلا ربعا ، وأما عيار العطار في النجف فقد اعتبرناه فكان ربع الوقية فيه تسعة عشر مثقالا صيرفياً نصف من ربع البقال إلا مثقالا لأنه أربعون مثقالا صيرفيا ، فإذا أردت ضبط النصاب به فعلى هذا الحساب ، كما هو واضح بأدنى تأمل.

والسبب في ضبط ذلك أن هذا التقدير عندنا على التحقيق دون التقريب ، فلو حصل النقصان ولو قليلا فلا زكاة للأصل ، ول‌ قوله عليه‌السلام (١) : « وليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي‌ء » بل‌ قال الباقر عليه‌السلام في صحيح زرارة وبكير (٢) : « فان كان من كل صنف خمسة أوساق غير شي‌ء وإن قل فليس فيه شي‌ء ، وإن نقص البر والشعير والتمر والزبيب أو نقص من خمسة أوساق صاع أو بعض صاع فليس فيه شي‌ء » وعدم صدق التقدير حقيقة مع النقصان ولو يسيرا ، والمسامحة العرفية ليست من الحقائق التي يحمل عليها الإطلاق ، على أنه قد صرح بعدم العبرة بها في الجملة في الخبر المزبور ، نعم لا عبرة بما جرت العادة به من ممازجته للنصاب من غيره كالتراب اليسير والتبن كذلك والشعير في الحنطة ونحو ذلك مما لا يخرج به عن الاسم ، بل أقصاه تعدد الأصناف عرفا ، أما إذا كان كثيرا لا يتسامح فيه في العرف فلا يغتفر ، بل لو كان أجنبيا قد مزج بصنف خالص عنه قدح في العفو وإن لم يكن كثيرا ، فتأمل جيدا. وعلى كل حال فما عن بعض الجمهور من أن التقدير تقريب لا تحقيق لأن الوسق حمل وهو يزيد وينقص واضح الضعف ، لأن المعتبر التقدير الشرعي لا اللغوي.

ثم إن المحكي عن المنتهى أنه قال : « النصب معتبرة بالكيل بالأصواع ، واعتبر الوزن للضبط والحفظ ، فلو بلغ النصاب بالكيل والوزن معا وجبت الزكاة قطعا ، ولو بلغ بالوزن دون الكيل فكذلك ، ولو بلغ بالكيل دون الوزن كالشعير فإنه أخف من الحنطة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٨.

٢١١

مثلا لم تجب الزكاة على الأقوى ، وقال بعض الجمهور : تجب وليس بالوجه » وفي المدارك بعد حكاية ذلك عنه قال : « ومرجعه إلى اعتبار الوزن خاصة ، وهو كذلك ، إذ التقدير الشرعي إنما وقع به لا بالكيل » قلت : هذا مناف لأول كلامه ، وأيضا فالموجود في أكثر النصوص التقدير بالأوسق والصوع ، بل إنما وقع ضبط الصاع بالوزن في زكاة الفطرة والغسل ، ولعله لذا قال في التذكرة : النصاب يعتبر بالكيل لأن الأوساق مكيلة ، وإنما نقلت للوزن لتضبط وتحفظ ، وحينئذ فان لم يكن المتجه الاعتبار بالكيل خاصة فلا محيص عن القول بكفايته لو حصل وافق الوزن أولا ، ويكون النصاب حينئذ ما بلغ بأحدهما ، وما نقص عنهما معاً ليس بنصاب نحو ما سمعته في تقدير الكر بالوزن والمساحة وليس ذا من التخيير بين الأقل والأكثر ، بل للتسامح في التفاوت اليسير الحاصل في بعض الأفراد منهما ، ولا ينافي ما تقدم منا من البناء على التحقيق دون التقريب ، لرجوع الحاصل إلى مراعاة التحقيق في البلوغ بأحدهما ، وكان ذلك لعدم تيسر الوزن في جميع الأوقات لجميع الناس ، وكذا الكيل ، لكن الأمر في ذلك كله سهل ، لعدم معرفة الصاع في هذا الزمان إلا بالوزن ، فيكون المدار عليه حينئذ كما هو واضح ، هذا.

وفي التذكرة النصاب المعتبر وهو خمسة أوسق إنما يعتبر وقت جفاف التمرة ، ويبس العنب والغلة ، فلو كان الرطب مثلا خمسة أوسق ولو جف نقص فلا زكاة إجماعا وإن كان وقت تعلق الوجوب نصابا ، ثم قال : وأما ما لا يجف مثله وإنما يؤكل رطبا كالهلبات والبرين وشبههما من الدقل فإنه يجب فيه الزكاة أيضا ، لقوله عليه‌السلام (١) : « فيما سقت السماء العشر » وإنما يجب فيه إذا بلغ خمسة أوسق تمرا ، وهل يعتبر بنفسه أو بغيره من جنسه؟ الأقرب الأول وإن كان تمره يقل ، ثم نقل عن الشافعية وجها بأنه يعتبر بغيره ، ولا ريب في ضعفه ، ولو لم يصدق على اليابس من ذلك النوع اسم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زكاة الغلات.

٢١٢

التمر أو الزبيب اتجه سقوط الزكاة فيه مطلقا ، وهو جيد ، وربما كان ما في‌ صحيح ابن مسلم (١) عن الصادق عليه‌السلام ـ من « ترك معا فأرة وأم جعرور وأنهما لا يزكيان وإن كثرا » ـ إشارة اليه في الجملة ، لأنهما كما قيل من أرادا التمر ، مضافا إلى ما تسمعه من الصحيح في العنب.

وكيف كان فقد ظهر لك أن ما نقص عن التقدير المزبور ولو يسيرا فلا زكاة فيه وأما ما زاد ففيه الزكاة وإن قل بلا خلاف أجده فيه ، كما عن المنتهى نفيه عنه أيضا بين العلماء ، والنصوص (٢) دالة عليه ، فليس حينئذ في الغلات إلا نصاب واحد ، ما نقص عنه فلا زكاة فيه ، وما بلغه فيه الزكاة كما هو واضح ، ولا عبرة بما تختلف به الموازين الصحيحة مما جرت العادة نحو ما سمعته في النقدين ، والله أعلم.

وعلى كل حال فالحد الذي تتعلق به الزكاة من الأجناس الأربعة أن يسمى حنطة أو شعيرا أو تمرا أو زبيبا كما في المعتبر والنافع وحكاه جماعة عن أبي علي وفخر الإسلام على ما قيل ، وعن المنتهى أنه حكاه عن والده ، وكأنه مال إليه في الروضة كالمحكي عن صاحب الذخيرة وحكاه الفاضل الهندي عن نهاية الشيخ والمراسم والموجود في النهاية في باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة بعد أن ذكر وقت الوجوب في النقدين وأما الحنطة والشعير والتمر والزبيب فوقت الزكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد والجذاذ والصرام ، وربما حملت على وقت الإخراج لا وقت الوجوب ، وفي محكي المراسم « أما الوقت الذي تجب فيه الزكاة فعلى ضربين : أحدهما رأس الحول يأتي على نصاب ، والآخر وقت الحصاد ، فأما رأس الحول فيعتبر في النعم والذهب والفضة ، وأما ما يعتبر فيه الحصاد والجذاذ فالباقي من التسعة » وفيها الاحتمال المزبور ، إلا أنه بعيد ، ضرورة كونه بعد التصفية لا الحصاد الذي يحصل بالجفاف واليبس الحاصل عندهما اسم الحنطة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الغلات.

٢١٣

والشعير على ما قيل ، لكن عن إيضاح النافع كأن المصنف يسلم ذلك في الحبوب أي يوافق المشهور ، لأنه يرى أن الاشتداد يصدق معه الاسم ، ومن ثم لم يذكر القول إلا في التمر ، قلت : وكذا هنا ، وربما أومأ إليه في الجملة ما عن إيضاح الفخر ، حيث قال في شرح كلام والده : « هذا هو المشهور ، وقال ابن الجنيد : لا تجب الزكاة حتى تسمى تمرا أو زبيبا أو حنطة أو شعيرا ، وهو بلوغها حد الجفاف ، ومنعه في الحنطة والشعير ظاهر ، فإنه يسمى بذلك ما انعقد حبه » إلى آخره ، هذا. وفي البيان عن أبي علي والمصنف أنهما اعتبرا في الثمرة التسمية عنبا أو تمرا ، وهو مخالف للمعروف نقله عن أبي علي وللموجود في كتب المصنف الثلاثة ، وفي مفتاح الكرامة أنه قد يلوح مذهب المحقق من المقنع والهداية وكتاب الأشراف والمقنعة والغنية والإشارة وغيرها ، لمكان حصرهم الزكاة في التسعة التي منها التمر والزبيب والحنطة والشعير ، وظاهرها اعتبار صدق الأسامي.

وكيف كان فقد قيل والقائل المشهور نقلا وتحصيلا بل إذا اشتد الحب وأحمر ثمرة النخل أو اسفر أو انعقد الحصرم بل في التنقيح لم نعلم قائلا بمذهب المحقق قبله ، وعن المقتصر أنه عليه الأصحاب ، وعن موضع من المنتهى لا تجب الزكاة في الغلات إلا إذا نمت في ملكه ، فلو ابتاع أو استوهب أو ورث بعد بدو الصلاح لم تجب الزكاة بإجماع العلماء ، وتوقف في القولين جماعة ولكن الأشبه بأصول المذهب وعموم (١) ( وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ) ونحو ذلك الأول للتعليق في أكثر النصوص على اسم الحنطة والشعير والتمر والزبيب ، ودعوى تحقق الاسم بذلك إن سلمت في الأولين فهي واضحة المنع في الأخيرين ، خصوصا الأخير ، ضرورة عدم صدق اسم الزبيب على العنب فضلا عن الحصرم ، ونصوص الخصم ظاهرة الدلالة على ذلك كما‌

__________________

(١) سورة محمد (ص) ـ الآية ٣٨.

٢١٤

ستسمع ، أما التمر فعن الفاضل وغيره أن أهل اللغة نصوا على أن البسر والرطب نوعان من التمر ، ويتم بعدم القول بالفرق بينه وبين غيره ، لكن فيه ـ مضافا إلى منافاة ذلك للعرف كما يشهد له صحة السلب عنهما فيه ـ أن الموجود في الصحاح في ثمر النخل أوله طلع ثم خلال ثم بسر ثم رطب ثم تمر ، وعن مجمع البحرين « قد تكرر في الحديث ذكر التمر ، وهو بالفتح والسكون اليابس من ثمر النخل » وعن المصباح التمر ثمر النخل كالزبيب من العنب ، وهو اليابس بإجماع أهل اللغات ، لأنه يترك على النخل بعد إرطابه حتى يجف أو يقارب ثم يقطع ويترك في الشمس حتى ييبس ، قال أبو حاتم : ربما جذت النخلة وهي باسرة بعد ما أخلت لتخفيف عنها أو خوف السرقة حتى يكون تمرا ، وما عن بعض نسخ الصحاح من أن التمر أوله طلع ثم خلال إلى آخر ما سمعت يراد منه الأول وإن لم يطلق عليه اسمه ، وإلا لكان الطلع منه ، ولا يقوله أحد ، وكذا ما عن القاموس الحصرم التمر قبل النضج ، وأول العنب ما دام أخضر ، وكذا قوله أيضا : البسر هو التمر قبل إرطابه ، وكذا ما عن المغرب أيضا من أن غورة خرما ، لأن غورة كما قيل : الحصرم ، وقد سمعت تفسيره في القاموس ، وقد ظهر من ذلك كله حينئذ توافق العرف واللغة على عدم تسمية البسر تمرا ، نعم عن العين البسر من التمر قبل أن يرطب ، وهو غير نص في عده منه أيضا ، بل يؤيد العدم قوله بعد ذلك وفي الحديث (١) « لا تبسروا » أي لا تخلطوا التمر بالبسر للنبيذ ، فمن الغريب ما عن المختلف من الجواب عن عدم عد البسر في العرف تمرا بأن العبرة باللغة دون العرف ، فانا لم نتحقق أولا ما نسبه هو وغيره إلى اللغة ، وثانيا فيه منع تقديم اللغة على العرف في الأحكام الشرعية ودعوى أن الأصل في العرف التأخر لحدوثه ، والأصل في كل زمان عدم النقل فيه إلى أن يتحقق ، والنقل في العرف غير متحقق في أزمنة النصوص تنافي ما وقع منهم في غير‌

__________________

(١) النهاية لابن الأثير في مادة « بسر » و « ثجر ».

٢١٥

مقام من تقديم العرف على اللغة ، اللهم إلا أن يدعى تيقن ثبوته في ذلك الزمان ، وهو كما ترى ، وأغرب من ذلك ما عن فخر الإسلام من منع النقل عرفا ، قال : « وأما في التمر فقد نقل عن أهل اللغة أن البسر تمر ، والنقل على خلاف الأصل ، قالوا : متعارف عند العرف ما قلناه ، قلنا : المجاز خير من الاشتراك والنقل ، قالوا : راجح في الاستعمال قلنا : الحقيقة أولى وإن كانت مرجوحة » وهو كما ترى وإن أيد بأن الطبيب إذا منع منه حكم أهل العرف باندراج الرطب والبسر فيه ، كالحلف على عدم أكله ، وفيه أنه للقرائن ، وإلا كان ممنوعا ، ولئن أغضي عن ذلك كله فهو مطلق لا ينصرف إلى هذا الفرد منه ، خصوصا البسر ، ودعوى شيوعهما أيضا فيه واضحة الفساد ، وتعلق الزكاة بالسخال ليس للفظ الإبل والبقر والغنم ، بل لخصوص النصوص فيها ، مع إمكان الفرق بين المقامين.

فلم يبق للمشهور حينئذ سوى النصوص التي لا فرق فيها بين الحقيقة والمجاز ، كصحيح سلمان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « ليس في النخل صدقة حتى يبلغ خمسة أوساق ، والعنب مثل ذلك حتى يكون خمسة أوساق زبيبا » وأرسل ذلك في التهذيب إرسالا (٢) فيمكن أن يكون غير الصحيح المزبور ، بل قيل : إنه الظاهر ، فيكون حينئذ روايتين ، وصحيح سعد بن سعد (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن أقل ما تجب فيه الزكاة من البر والشعير والتمر والزبيب فقال : خمسة أوساق بوسق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت : كم الوسق؟ قال : ستون صاعا ، قلت : فهل على العنب زكاة أو إنما تجب عليه إذا صيره زبيبا؟ قال : نعم إذا خرصه أخرج زكاته » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٧ عن سليمان.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ١.

٢١٦

وصحيح سعد الآخر (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن الرجل تحل عليه الزكاة في السنة في ثلاثة أوقات أو يؤخرها حتى يدفعها في وقت واحد؟ فقال : متى حلت أخرجها ، وعن الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب متى تجب على صاحبها؟ قال : إذا صرم وإذا خرص » وخبر أبي بصير (٢) « لا يكون في الحب ولا في النخل ولا في العنب زكاة حتى يبلغ وسقين ، والوسق ستون صاعا » ويتم الاستدلال بنصوص العنب بعدم القول بالفصل بينه وبين غيره ، وبنصوص الخرص بما صرح به الفاضلان وغيرهما من أنه وقت بدو الصلاح ، وفي شرح الأستاذ أنه على ما صرح به الأصحاب ومنهم المحقق إنما يكون في حال البسرية والعنبية ، فيصح لنا الاستدلال بكل ما دل على جواز الخرص في النخيل والكرم من الروايات والإجماعات ، بناء على ما ذكروه في صفته وفائدته من أنه تقدير الثمرة لو صارت تمرا والعنب لو صار زبيبا ، فان بلغت الأوساق وجبت الزكاة ، ثم يخيرهم بين تركه أمانة في أيديهم وبين تضمينهم حصة الفقراء أو يضمن حصتهم إلى آخر ما ذكروه. وكل ذلك إنما يكون على المشهور ، وإلا فلا وجه للخرص في ذلك الوقت ، ولا للمنع عن التصرف على القول الآخر ، لجوازه من غير احتياج اليه.

وقد يناقش في دلالة الجميع على المطلوب ، أما الصحيح الأول فالظاهر من أوله إرادة تمرا بقرينة ما بعده ، وحينئذ يمكن إرادة البلوغ زبيبا فعلا لا أنه يقدر فيه ذلك بل قيل : إن الظاهر الأول ، ودعوى أن المراد من أوله ثمرة النخل ـ لأنه المجاز المعروف فيثبت حينئذ بإطلاقه الزكاة فيها ، خرج ما خرج وبقي الباقي ـ على أنها قبل بدو الصلاح لا عبرة بها ، فلا ينصرف إليها الإطلاق ـ كما ترى ، خصوصا بعد ما سمعت من ظهور‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ٣.

٢١٧

إرادة التمر بقرينة ما بعده ، والمرسل على فرض أنه غيره يجري فيه ذلك أيضا ، وصحيح سعد ـ مع أنه كأكثر النصوص السابقة في العنب ، ودعوى التتميم بعدم القول بالفصل يدفعها المحكي عن أبي علي في أحد النقلين فيه ، ومال إليه في المدارك ـ يمكن كونه بالحاء المهملة من حرص المرعي إذا لم يترك منه شيئا ، ويكون ذلك كناية عن صرمه زبيبا ، وعلى تقدير كونه بالخاء المعجمة فهو من جملة أخبار الخرص ، ولعل المراد منه حينئذ الكناية عن تصييره زبيبا ، لأنه لا يخرص عليه عادة إلا إذا أريد بقاؤه للزبيبية لا إذا أراد صرمه عنبا ، وإن كان قد يقال : إن المراد منه إذا خرص على تقدير بقائه زبيبا يخرج زكاته إذا صرم عنبا ، وأما الصحيح الآخر فمع ما فيه مما يشهد للمطلوب من قوله : « متى حلت أخرجها » يحتمل كونه بالحاء المهملة كما سمعته سابقا ، ويكون المراد أنه إذا صرم وحرص أي لم يترك منه شي‌ء وجب إخراج الزكاة منه ، بل لعل ذلك متعين ، إذ لا معنى لجعل الوقت الصرام والخرص بالمعجمة ، لاختلافهما جدا ، ومن هنا قيل على تقدير كونه بالمعجمة يراد منه وقت الصرام أيضا ، بل عن الذخيرة الجواب بذلك عن أدلة الخرص جميعها ، قال : يجوز أن يكون أي الخرص مختصا بما كان تمرا على النخل ، أو يكون الغرض منه أن يؤخذ منهم إذا صارت الثمرة تمرا وزبيبا ، فإذا لم يبلغ ذلك لم يؤخذ منهم.

ودعوى أن ذلك إن تم في التمر فلا يتم في الزبيب ـ لأنه لا يصير زبيبا إلا بعد الصرم ومضي مدة ، وحينئذ يصير مكيلا أو موزونا بالفعل بلا شبهة ، فلا يجوز أخذ الزكاة منه بمجرد الخرص والظن والتخمين ، لكونه مكيلا أو موزونا بالفعل ، كما هو الظاهر من فتوى الفقهاء والأخبار في مباحث التجارة ـ يمكن منعها وأنه يجوز خرصه زبيبا على شجره ، فلا يكون مكيلا ولا موزونا كالتمر في النخل ، كدعوى أنه غير تام في التمر أيضا ، لأنه لو أريد صيرورة جميع الثمرة تمرا جافا يابسا ففساده في غاية الوضوح‌

٢١٨

لأنه من المحالات العادية إبقاؤه إلى تلك الحال ، لما فيه من المضار الكثيرة من تناثره من هبوب الرياح وعبث الطيور ، وتنقله إلى حالات ردية ، وصعوبة جمعه أو كبسه ، وتغيره بالغبار ، إلى غير ذلك من المفاسد الكثيرة على المالك والفقير ، سلمنا أنه ليس من المحالات العادية وعدم حصول تلك المضار الشديدة لكنه إذا بلغ إلى ذلك الحد بادروا إلى الصرم والجذاذ ، فلا فائدة في الخرص عليهم ، لأنه إنما شرع للتوسعة والرخصة في التصرفات إلى وقت الجذاذ ، وإن كان أراد وقت صيرورة بعض التمار تمرا جافا ففيه أنه لا فائدة في هذا الخرص ، لأن الرطب إنما يصير تمرا على التدريج ، مضافا إلى تفاوت الأثمار والأشجار ، بل العنقود الواحد قد تتفاوت أجزاؤه ، فكلما صار البعض تمرا تجب فيه الزكاة بعد بلوغ المجموع النصاب ، فخرص البعض يكون لغوا لعدم انحصار الزكاة فيه ، ولعدم العلم بقدر المجموع ، ولا تجدي معرفة البعض في معرفة المجموع ، لما عرفت من أن ذلك على التدريج ، والاكتفاء بخرص ما صار تمرا دون غيره فتسقط الزكاة عنه فاسد قطعا ، ثم إنه يلزم أن يكون لكل بستان خارص ، إذ من المعلوم أنه على ما ذكره لا يكفي الخارص الواحد للقرى المتعددة ، إذ هي كما ترى ، إذ لعل فائدة الخرص الحفظ من الخيانة ونحوها ، بل هو المقصد الأصلي فيه ، وكذا ما قيل من أن الزكاة لو كانت مقصورة على التمر والزبيب لشاع الحكم فيها وذاع عند الفقهاء وغيرهم كما في زكاة الفطرة ، ولم يكن الأمر بالعكس ، بل ربما يلزم من ذلك ضياع الزكاة ، لأنهم كانوا يحتالون بجعل العنب والرطب دبسا وخلا ، أو كانوا يبيعونهما كذلك ، بل كان قد تعرضت النصوص له وللاحتيال به فرارا ، أو تعرضت له في معرض الامتنان ، إذ فيه أن الأول معارض بمثله وبجريان السيرة والطريقة على عدم توقف المالك في التصرف لمكان شركة الفقراء له في العين ، والثاني مدفوع بأن الغالب في الثمرة خصوصا ثمرة النخل إرادة التمر الذي يبقى تمام السنة ، ومن هذه الجهة ما وقعت الحيلة بذلك‌

٢١٩

لكن الانصاف مع هذا كله عدم خلو المسألة عن الاشكال ، خصوصا مع ملاحظة الشهرة ، وبعض الصحاح السابقة ، وظاهر الإجماع وما سمعته من إجماع المنتهى وفتوى من لا يعمل إلا بالقطعيات كابن إدريس ، فالاحتياط الذي هو ساحل بحر الهلكة لا ينبغي تركه ، بل لعل التأمل في نصوص العنب يقضي بأن محل الزكاة ذوات الأمور المذكورة لا أحوالها المقارنة للأسماء ، فلا يقدح حينئذ عدم التسمية زبيبا وحنطة وشعيرا وتمرا ، ولا ينافي ذلك اعتبار بدو الصلاح بالاحمرار والاصفرار مثلا في ثمرة النخل ، ضرورة عدم الاعتناء بها قبل ذلك مع عدم الأمن من سلامتها من الآفة ، فهي حينئذ كبقائها طلعا ، وقد ظهر من ذلك أن القول المزبور مع موافقته للاحتياط لا يخلو من قوة ، هذا. ولا ينبغي التعرض للثمرة بين القولين ، فإنها في غاية الوضوح ، والله العالم.

وكيف كان فـ ( وقت ) وجوب الإخراج الذي هو بحيث يسوغ للساعي مطالبة المالك به وإذا أخرها عنه مع التمكن ضمن في الغلة إذا صفت ، وفي التمر بعد اخترافه واجتذاذه وفي الزبيب بعد اقتطافه بلا خلاف أجده فيه ، بل في محكي المنتهى « اتفق العلماء كافة على أنه لا يجب الإخراج في الحبوب إلا بعد التصفية وفي التمر إلا بعد التشميس والجفاف » وفي التذكرة « لا يجب الإخراج حتى تجد الثمرة وتشمس وتجفف ، وتحصد الغلة وتصفي من التبن والقشر بلا خلاف » وحينئذ فيختلف على المشهور زمان وجوب الزكاة وزمان وجوب الإخراج ، بل وعلى غير المشهور بناء على ظاهر العبارة وغيرها ، لكن في الروضة « أن وقت الوجوب والإخراج واحد ، وهو وقت التسمية بناء على غير المشهور ، أما عليه فهو مغاير لوقت الإخراج » وفي المسالك والمدارك « جعل ذلك وقت الإخراج تجوز ، وإنما وقته عند يبس الثمرة وصيرورتها تمرا أو زبيبا » ولعل مرادهما أن وقت الإخراج التسمية لا الاقتطاف والاختراف ، فيوافق حينئذ ما سمعته من الروضة ، فلا يجوز له الامتناع إذا طلبه‌

٢٢٠