جواهر الكلام - ج ١٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المزبوران ، نعم لا يعتبر دوام ذلك فيها ، بل يكفي حصول المعاملة بها سابقا وإن هجرت بعد ذلك كما صرح به جماعة منهم المصنف ، فقال أو ما كان يتعامل بهما بل لم أر فيه خلافا كما اعترف به في محكي الرياض ، للاستصحاب والإطلاق وغيرهما.

ولا فرق في السكة بين الكتابة وغيرها ، ولا بين كونها سكة إسلام أو كفر كما صرح به غير واحد ، للإطلاق نصا وفتوى ومعقد إجماع ، بل قال في كشف الأستاذ : « إنه لا فرق بين القديمة والجديدة والإسلامية وغيرها وبقاء الأثر مع بقاء المعاملة فيها وعدمه والصافية والمغشوشة وإلغاء السكة وعدمه وعموم الأماكن وعدمه ولا بين الاتخاذ للمعاملة وبين الاتخاذ لزينة الحيوان والإنسان وغيرهما » نعم قال بعد ذلك « ولو كان سكة غير سكة سلطان الوقت فان عمت بها المعاملة فكسكة السلطان ، وإلا فلا اعتبار بها » وفيه بحث ، وأما ما ذكره غير واحد من الأصحاب ـ من عدم الزكاة في غير المنقوش ولو جرت المعاملة به ، بل في المدارك ومحكي الذخيرة نسبته إلى الأصحاب مشعرين بدعوى الإجماع عليه ـ فيمكن أن يكون مستنده الأخبار السابقة ، مع أنه لا يخلو من بحث أيضا.

وكذا لا زكاة في الممسوح على ما نص عليه في الروضة ، لكن قد يناقش ببقاء اسم الدرهم والدينار ، وإطلاق الزكاة في الذهب والاستصحاب ، والوصف بالمنقوش في خبر ابن يقطين (١) مع أنه جار مجرى الغالب فيما فيه المعاملة في ذلك الوقت ومع قوة الظن بإرادة الكناية بذلك عن الدراهم والدنانير لم يعلم حجية الوصف فيما زال عنه الوصف ، ويمكن أن يريد الممسوح أصالة لا عارضا ، فيكون عين ما سمعته من المدارك ، ولا مخالفة فيه حينئذ لما سمعته من كشف الأستاذ ، فتأمل.

ولو كان النقش لغير المعاملة ثم اتخذ بعد ذلك لها فالظاهر تعلق الزكاة ، مع احتمال العدم ، من غير فرق بين كون الاتخاذ عن ضرب سلطان وبين غيره ، ولعل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٢.

١٨١

لفظ الضرب في كلام الأصحاب جريا على الغالب ، ولو ضربت للمعاملة لكن لم يتعامل بها أصلا أو تعومل بها تعاملا لم تصل به إلى حد تكون به دراهم أو دنانير مثلا لم تجب الزكاة للأصل وغيره ، ولعله إليه أومأ في جامع المقاصد بقوله : « وينبغي أن تبلغ برواجها أن تسمى دراهم ودنانير ».

ولو اتخذ المضروب بالسكة للزينة كالحلي وغيرها ففي الروضة وشرحها للاصبهاني لم يتغير الحكم ، زاده الاتخاذ أو نقصه في القيمة ما دامت المعاملة به على وجهه ممكنة ، لإطلاق الأدلة والاستصحاب الذي به يرجح الإطلاق المزبور على ما دل على نفيها عن الحلي ، وإن كان التعارض بينهما من وجه ، بل يحكم عليه ، لأن الخاص وإن كان استصحابا يحكم على العام وإن كان كتابا ، مضافا إلى ما قيل من أن المفهوم من نصوص الحلي (١) المعد لذلك أصالة ، ودعوى ظهورها في جعل الدراهم والدنانير حليا فلا تقبل التخصيص حينئذ واضحة المنع ، كدعوى ترجيح نصوص الحلي باشتمالها على التعليل لها باقتضاء الزكاة فيها عدم بقاء شي‌ء منها أو ما هو كالتعليل ، ضرورة أنه بعد تسليم كونه علة لا حكمة أقصاه العموم القابل للتخصيص بما عرفت ، نعم لو تغيرت بالاتخاذ بثقب ونحوه بحيث لا تبقى المعاملة بها اتجه عدم وجوب الزكاة فيها حينئذ ، لانتفاء الشرط الذي هو المعاملة بصنفها ، وليس ذا كالمهجورة التي قد حصل التعامل بصنفها سابقا ، كما هو واضح ، والله أعلم.

ومن شرط وجوبها فيهما أيضا حول الحول حتى يكون النصاب موجودا فيه أجمع بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص (٢) دالة عليه عموما وخصوصا فيهما ، ومن الواضح كون المفهوم منهما بقاء شخص النصاب في تمام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة.

١٨٢

الحول فلو نقص في أثنائه أو تبدلت أعيان النصاب بجنسه أو بغير جنسه لم تجب الزكاة خلافا للشيخ فأوجبها مع التبديل بالجنس ، وقد عرفت ضعفه سابقا ، كما أنك قد عرفت أيضا عدم الفرق بين فعل ذلك للفرار وغيره ، لإطلاق الأدلة ، وأن الخلاف فيه ضعيف كسابقه.

وكذا يشترط أيضا التمكن من النصاب تمام الحول ، فـ ( لو منع من التصرف فيه سواء كان المنع شرعيا كالوقف ) بناء على صحة وقف الدراهم والدنانير للزينة والرهن ، أو قهريا كالغصب فلا زكاة كما تقدم الكلام في ذلك مفصلا ، بل لا ينبغي للمصنف ذكر ذلك هنا ، ضرورة عموم هذا الشرط لكل ما تجب فيه الزكاة ، وقد قدمه في الشرائط العامة ، فلاحظ وتدبر.

وكيف كان فقد ظهر لك مما ذكرنا أنه لا تجب الزكاة في الحلي محللا كان كالسوار للمرأة وحلية السيف للرجل أو محرما كالخلخال للرجل والمنطقة للمرأة وكالأواني المتخذة من الذهب والفضة وآلات اللهو لو عملت منهما بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بيننا إذا لم يكن بقصد الفرار ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وهو الحجة ، مضافا إلى النصوص السابقة سيما الحاصرة للزكاة في غير ذلك ، وإلى‌ خبر رفاعة (١) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام وسأله بعضهم عن الحلي فيه زكاة قال : لا وإن بلغ مائة ألف » ونحوه‌ خبر أبي المحسن (٢) عنه عليه‌السلام أيضا ، وزاد « وأبي يخالف الناس في هذا » وقال هو عليه‌السلام أيضا في مرسل ابن أبي عمير (٣) : « زكاة الحلي أن يعار » وسأله الحلبي (٤) « عن الحلي فيه زكاة قال : لا » وقال أبو إبراهيم عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٣.

١٨٣

في خبر ابن يقطين (١) : « فأما الحلي فإنه ليس في شي‌ء منها وإن كثر الزكاة » إلى غير ذلك من النصوص التي لا بأس بدعوى تواترها.

وقيل والقائل الشيخ فيما حكي عنه يستحب فيه أي الحلي المحرم الزكاة ولم نقف له على مأخذ ، بل ولا عليه في الحلي المحلل عدا ما سمعته من أن زكاته إعارته نعم في التذكرة أطبق الجمهور كافة على إيجاب الزكاة فيه ، لأن المحظور شرعا كالمعدوم حسا ، ولا حجة فيه ، لأن عدم الصفة غير مقتض لإيجاب الزكاة ، فإن المناط كونهما مضروبين بسكة المعاملة ، كما أن فيها أيضا قال الشافعي في الجديد : تجب الزكاة في الحلي المباح ، وبه قال عمرو بن مسعود وابن عباس وعبد الله بن عمرو ابن العاص وسعيد ابن المسيب وسعيد بن جبير وعطا ومجاهد وجابر بن يزيد وابن سيرين والزهري والثوري وأحمد في رواية وأصحاب الرأي ، ولعله عليه‌السلام إليهم أشار بقوله : « وأبي يخالف الناس في هذا » في الخبر السابق ، وبالجملة لا إشكال في شي‌ء من ذلك عندنا ، لفوات الشرط الذي قد عرفت ، كما أنك قد عرفت الحال في الدراهم والدنانير لو جعلت حليا ، وتعرف الحال إن شاء الله تعالى فيما لو قصد به الفرار.

وكذا لا زكاة في السبائك المتخذة من الذهب والنقار التي هي قطع الفضة غير المضروبة والتبر الذي هو غير المضروب من الذهب أو تراب الذهب قبل تصفيته بلا خلاف أجده فيه مع عدم قصد الفرار ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص (٢) وافية الدلالة عليه ، أما إذا قصد بالسبك الدراهم والدنانير أو جعلهما‌

__________________

(١) لم تذكر هذه الجملة في خبر ابن يقطين وإنما هي عبارة الشيخ ( قده ) في ذيل الخبر المروي في التهذيب ج ٤ ص ٨ ـ الرقم ١٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ و ١١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة.

١٨٤

حلية الفرار من الزكاة فالمشهور بين المتأخرين سقوط الزكاة ، بل في الرياض نسبته إلى عامتهم ، كما أن عن جماعة حكاية الشهرة المطلقة على ذلك ، بل في المفاتيح أن القول بالوجوب شاذ وقيل والقائل الصدوقان والمرتضى والشيخ وابنا زهرة وحمزة والحلبي في إشارة السبق فيما حكي عنهم إذا عملهما أي النقدين كذلك سبكا فرارا وجبت الزكاة ولو كان ذلك قبل حول الحول وعن المفيد أنه حكاه رواية بل عن الانتصار الإجماع عليه وعلى مثله إذا بادل جنسا بغيره ، وسأل نفسه عن خلاف ابن الجنيد في السبك وأجاب بأن الإجماع سبقه ولحقه ، بل عن ظاهر الخلاف والغنية الإجماع عليه أيضا ، ولعل ذلك هو الحجة لهم بعد‌ موثق محمد بن مسلم (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحلي فيه الزكاة قال : لا إلا ما فر به من الزكاة » وقوي معاوية بن عمار (٢) عنه عليه‌السلام « قلت له : الرجل يجعل لأهله الحلي من مائة دينار والمائتي دينار وأراني قد قلت : ثلاثمائة فعليه الزكاة قال : ليس فيه زكاة ، قال : قلت : فإنه فر به من الزكاة فقال : إن كان فر به من الزكاة فعليه الزكاة ، وإن كان إنما فعله ليتجمل به فليس عليه زكاة » وموثق إسحاق بن عمار (٣) « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير أعليه زكاة؟ فقال : إن كان فر بها من الزكاة فعليه الزكاة » ولم نقف على غيرها كما اعترف به بعضهم.

لكنها قاصرة عن معارضة غيرها مما دل على السقوط ، كصحيح ابن يقطين (٤) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام « قلت له : إنه يجتمع عندي الشي‌ء فيبقى نحوا من سنة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٧.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٦ وذيله في الباب ١١ منها ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٢.

١٨٥

أيزكيه؟ قال : لا ، كلما لم يحل عندك عليه الحول فليس عليك فيه زكاة ، وكلما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي‌ء ، قلت : وما الركاز؟ قال : الصامت المنقوش ، ثم قال : إذا أردت ذلك فاسبكه فإنه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضة زكاة » وحسن هارون ابن خارجة (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أخي يوسف ولى لهؤلاء أعمالا أصاب فيها أموالا كثيرة وأنه جعل المال حليا أراد أن يفر به من الزكاة أعليه الزكاة؟ قال : ليس على الحلي زكاة ، وما أدخل على نفسه من النقصان في وضعه ومنعه نفسه فضله أكثر مما يخاف من الزكاة » ورواية عمر بن يزيد (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل فر بماله من الزكاة فاشترى به أرضا أو دارا أعليه فيه شي‌ء؟ فقال : لا ، ولو جعله حليا أو نقرا فلا شي‌ء عليه فيه ، وما منع نفسه من فضله أكثر مما منع من حق الله أن يكون فيه » صحيح زرارة (٣) الآتي مؤيدا ذلك كله بالأصل وعموم (٤) ( وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ ) ونصوص عدم الزكاة فيما لم يحل عليه الحول جامعا للشرائط ، كصحيح الفضلاء (٥) وحسن زرارة (٦) في الحرث والثمرة ، وحسنه الآخر (٧) في السوم طول الحول ، وحسنه الثالث (٨) الدال على اشتراط بقاء النصاب في الدراهم طول الحول‌ وصحيح علي بن يقطين (٩) سأل أبا الحسن عليه‌السلام « عن المال الذي لا يعمل به‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٢.

(٤) سورة محمد (ص) ـ الآية ٣٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ١ عن زرارة وعبيد ابن زرارة جميعا.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٣.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١.

١٨٦

ولا يقلب فقال : يلزمه الزكاة في كل سنة إلا أن يسبك » ونصوص الحلي السابقة (١) وصحيح زرارة (٢) الوارد في الغلة الكثيرة من أصناف شتى ، وغير ذلك من النصوص التي لا فرق فيها بين نية الفرار وعدمه.

على أن نصوص الخصم لا صراحة في خبر محمد بن مسلم منها ، لأن ما فيه الزكاة أعم من الوجوب والندب ، والخبران الآخران وإن اشتملا على لفظ « على » لكن يمكن عود الضمير فيهما إلى المال ، فتكون حينئذ بمعنى « في » بل في التهذيب حمل خبري الحلي منها على الفرار بعد الحول ، وقال : ليس لأحد أن يقول : إن هذا التأويل لا يمكنكم ، لأن الخبرين تضمنا أن السائل سأل عن الحلي هل فيه الزكاة أم لا؟ فقال : لا إلا ما فر به من الزكاة ، وما يجعله حليا بعد حلول الحول لم تجب الزكاة فيه ، وإنما وجب قبل أن يصير حليا ، فإذا لا معنى لإخراج بعض الحلي من الكل ، لأن قوله عليه‌السلام حين سأله السائل عن الحلي هل فيه زكاة أم لا؟ « فقال : لا ، » قضى أن كل ما يقع عليه اسم الحلي لا تجب فيه الزكاة سواء صيغ قبل حلول الوقت أم بعد حلوله لدخوله تحت العموم ، فقصد عليه‌السلام بذلك إلى تخصيص البعض من الكل ، وهو فيما قدمناه مما صيغ بعد حلول الوقت ، بل استدل على ما ذكر من الحمل بما في‌ صحيح زرارة ومحمد (٣) عن الصادق عليه‌السلام « أيما رجل كان له مال وحال عليه الحول فإنه يزكيه ، قلت له : فان وهبه قبل حله بشهر أو يومين قال : ليس عليه شي‌ء أبدا ، وقال زرارة عنه عليه‌السلام : إنما هذا بمنزلة رجل أفطر في شهر رمضان يوما في إقامته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ و ١١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الغلات ـ الحديث ١.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٢ وذيله في الباب ١١ منها ـ الحديث ٥.

١٨٧

ثم يخرج في آخر النهار في سفر فأراد بسفره ذلك إبطال الكفارة التي وجبت عليه ، وقال : إنه حين رأى الهلال الثاني عشر وجبت عليه الزكاة ، ولكنه لو كان وهبها قبل ذلك لجاز ولم يكن عليه شي‌ء بمنزلة من خرج ثم أفطر ، إنما لا يمنع ما حال عليه الحول ، فاما ما لم يحل عليه فله منعه ، ولا يحل له منع مال غيره فيما قد حل عليه ـ والظاهر من قوله عليه‌السلام هذا الإشارة إلى قوله : « أيما رجل كان له مال وحال عليه الحول فإنه يزكيه » والصواب « ثم وهبه فإنه يزكيه » ولعله سقطت كلمة « ثم وهبه » من قلم النساخ أو اكتفى عنها بدلالة ما بعدها عليها ـ قال زرارة : وقلت له : رجل كانت له مائتا درهم فوهبها لبعض إخوانه أو ولده أو أهله فرارا بها من الزكاة فعل ذلك قبل حلها بشهر فقال : إذا دخل الشهر الثاني عشر فقد حال عليها الحول ووجبت عليه فيها الزكاة ، قلت له : فإن أحدث فيها قبل الحول قال : جائز ذلك له ، قلت : إنه فر بها من الزكاة قال : ما أدخل على نفسه أعظم مما منع من زكاتها ، فقلت له : إنه يقدر عليها فقال : وما علمه أنه يقدر عليها وقد خرجت من ملكه قلت : فإنه دفعها اليه على شرط ، فقال : إنه إذا سماها هبة جازت الهبة وسقط الشرط وضمن الزكاة ، قلت له : وكيف يسقط الشرط وتمضي الهبة ويضمن الزكاة فقال : هذا شرط فاسد ، والهبة المضمونة ماضية ، والزكاة لازمة عقوبة له ، ثم قال : إنما ذلك له إذا اشترى بها دارا أو أرضا أو متاعا ، ثم قال زرارة : قلت له : إن أباك عليه‌السلام قال لي : من فر بها من الزكاة فعليه أن يؤديها فقال : صدق أبي عليه أن يؤدي ما وجب عليه ، وما لم يجب عليه فلا شي‌ء عليه فيه ، ثم قال : أرأيت لو أن رجلا أغمي عليه يوما ثم مات فذهبت صلاته أكان عليه وقد مات أن يؤديها؟ قلت : لا إلا أن يكون أفاق من يومه ، ثم قال : لو أن رجلا مرض في شهر رمضان ثم مات فيه أكان يصام عنه؟ قلت : لا ، قال : فكذلك الرجل لا يؤدي عن ماله إلا ما حال عليه الحول » فان ذيله صريح في إرادة الفرار بعد الحول‌

١٨٨

وما فيه من الاجمال السابق في الهبة غير قادح.

فمن الغريب بعد ذلك ما في انتصار المرتضى من « أن ابن الجنيد قد عول على أخبار رويت عن أئمتنا عليهم‌السلام تتضمن أنه لا زكاة عليه وإن فر بماله ، وبإزاء تلك الأخبار ما هو أظهر منها وأقوى وأولى وأوضح طريقا تتضمن أن الزكاة تلزمه ، ويمكن حمل ما تضمن من تلك الأخبار أنها لا تلزمه على التقية ، فإن ذلك مذهب جميع المخالفين ، ولا تأويل للأخبار التي وردت بأن الزكاة تلزمه إذا فر منها إلا إيجاب الزكاة ، فالعمل بهذه الأخبار أولى » وفيه مضافا إلى ما عرفت أنه يمكن حملها على الندب ، وما نسبه إلى جميع المخالفين لم نتحققه ، نعم هو منقول عن الشافعي وأبي حنيفة والمحكي عن أحمد ومالك الوجوب ، والمشتهر في زمن الصادق عليه‌السلام كما قيل مذهب مالك ، فهو أولى بالتقية ، كل ذلك مضافا إلى عدم معلومية مذهب القائلين بعدم السقوط بالفرار أنه بالنسبة إلى جميع أفراده بالسبك والإتلاف وغيرهما أو خاص بالبعض وأنه بالنسبة إلى سنة الفرار أو كل سنة ، وأنه عام لابتداء تملك المال على وجه لا تتعلق به زكاة فرارا منها أو خاص بما لو ملكه كذلك ثم أراد الفرار بإعدام شرط أو إيجاد مانع ، والمحكي عن المرتضى رحمه‌الله أنه تعرض للسبك خاصة كابن زهرة في الغنية والحلبي في الإشارة ، أو مع إبدال الجنس بغيره ، وعن اقتصاد الشيخ أن من فر في الغلات بنقصها عن النصاب لم تسقط عنه ، ولم يتعرض لغير ذلك ، وفي الوسيلة لغير المنقوش المضروب ، وقال في الخلاف : « من كان معه نصاب فبادل بغيره لا يخلو إما أن يبادل بجنس مثله مثل أن بادل إبلا بابل أو بقرا ببقر أو غنما بغنم أو ذهبا بذهب أو فضة بفضة فإنه لا ينقطع الحول ويبني ، وإن كان بغيره مثل أن بادل إبلا بغنم أو ذهبا بفضة وما أشبه ذلك انقطع حوله واستأنف الحول في البدل الثاني ـ وقال ـ : يكره للإنسان أن ينقص نصاب ماله قبل حول الحول فرارا من الزكاة ، فإن فعل وحال عليه‌

١٨٩

الحول وهو أقل من النصاب فلا زكاة عليه ـ وقال ـ : إذا كان معه نصاب من جنس واحد ففرقه في أجناس مختلفة فرارا من الزكاة لزمته الزكاة إذا حال عليه الحول ، ومن نقصه من غير حاجة فعل مكروها ولا يلزمه شي‌ء إذا كان التبعيض قبل الحول على أشهر الروايات ـ وقال ـ : لا زكاة في سبائك الذهب والفضة ، ومتى اجتمع دراهم أو دنانير ومعها سبائك أو نقار أخرج الزكاة من الدراهم والدنانير إذا بلغا النصاب ولم يضم السبائك والنقار إليها ، وقال جميع الفقهاء يضم بعضها إلى بعض ، وعندنا أن ذلك يلزمه إذا قصد به الفرار من الزكاة ، دليلنا الأخبار التي ذكرناها في الكتابين المقدم ذكرهما ، وأيضا الأصل براءة الذمة ، وما اعتبرناه يجب فيه الزكاة بلا خلاف ، وما قالوه ليس على وجوب الزكاة فيه دليل » وهو كما ترى صريح في التفصيل ، وقوله : « وعندنا » يشعر بالإجماع ، وقوله أخيرا : « وما اعتبرناه يجب فيه الزكاة بلا خلاف » يحتمل أن يكون المراد به ما قصد به الفرار فيكون كالتصريح بالإجماع ، ويحتمل أن يكون المراد به الدراهم والدنانير.

وفي محكي المبسوط « من نقص ماله عن النصاب لحاجة اليه لم يلزمه الزكاة إذا حال عليه الحول ، وإن نقصه من غير حاجة فعل مكروها ، ولا يلزمه شي‌ء إذا كان التبعيض قبل الحول ـ ثم ذكر ـ أنه إن بادل جنسا بمثله لم ينقطع الحول مطلقا ، وإن بادل بالخلاف انقطع إن لم ينو الفرار ، وإلا فلا ، وأنه يلزمه الزكاة فيما نوى بسبكه الفرار ـ وذكر ـ أن المبادلة إن كانت فاسدة لم ينقطع الحول ـ ثم قال ـ : وإذا كان معه خلخال فيه مائتان وقيمته لأجل الصنعة ثلاثمائة لا يلزمه زكاته ، لأنه ليس بمضروب ، فان كان قد فر به من الزكاة لزمه زكاته على قول بعض أصحابنا يعني به وجوب إخراج ربع عشر الزائد للصنعة أيضا حتى يكون عليه في المثال سبعة دراهم ونصف ـ وذكر ـ أن أواني الذهب والفضة لا قيمة للصنعة فيها أصلا إلا إذا قصد بها الفرار ،

١٩٠

فيها ربع عشرها ـ ثم قال ـ : ومتى أراد رب الثمرة قطعها قبل بدو صلاحها مثل الطلع لمصلحة جاز له ذلك من غير كراهية ، ويكره له ذلك فرارا من الزكاة ، وعلى الوجهين معاً لا يلزمه الزكاة » ولا يخفى عليك الوجه في وجوب السبعة ونصف وإن كان قد يقع في بادئ النظر أن المتجه سبعة بناء على ملاحظة زيادة الصيغة ، وإلا فخمسة ، إذ من الواضح أن ذلك ليس زكاة ، بل هي مقدار قيمة الخمسة خاصة في الخلخال التي زادت بسبب الصنعة في عشرها.

وفي البيان عن الشيخ في الفرض « أنه يتخير بين إخراج ربع العشر وقت البيع وبين إخراج خمسة دراهم قيمتها سبعة ونصف ، وبين إخراج قيمتها ذهبا ، وليس له أن يدفع مكان الخمسة سبعة ونصفا ، لأنه ربا ، وأشكله بأنه ليس بمعاوضة ، وإخراج القيمة جائز عندنا ، ولأن الشيخ يحكم بأنه لو أتلفها متلف فعليه قيمتها ، وقيمة الصنعة والزيادة لمكان الصنعة مع أنه معاوضة ، فهنا أولى » انتهى ، وهو جيد ، ضرورة ابتنائه على ما هو ظاهر أدلة القائلين بالفرار من تعلق الزكاة بنفس الحلي الذي قصد به الفرار لا بالدراهم التي صيغت حليا ، وبذلك يفرق بين المقام وبين صوغ الدراهم التي فيها الزكاة فإن الظاهر الاجتزاء بتأدية المالك مقدارها وإن زادت قيمة الحلية ، فتأمل جيداً ، هذا.

وفي المحكي عن نهاية الأحكام « لا زكاة في الحلي وإن كان محرما ، خلافا لبعض علمائنا في المحرم إذا فر به من الزكاة ، فعلى قوله تجب الزكاة سواء كان التحريم لعينه كالأواني والقصاع والملاعق والمجامر المتخذة من الذهب والفضة ، أو باعتبار القصد كما لو قصد الرجل بحلي النساء الذي اتخذه أو ورثه أو اشتراه كالسوار والخلخال أن يلبسه غلمانه ، أو قصدت المرأة بحلي الرجال كالسيف والمنطقة أن تلبسه جواريها أو غيرهن من النساء ، وكذا لو أعد الرجل حلي الرجال لنسائه وجواريه ، أو أعدت المرأة حلي النساء لزوجها وغلمانها ، فكل ذلك محرم تجب فيه الزكاة عندهم ، وحكم القصد الطاري‌

١٩١

بعد الصياغة حكم المقارن ، فلو اتخذه على قصد استعمال محظور ثم غير قصده إلى مباح بطل الحول ، فلو عاد إلى القصد الفاسد ابتدأ حول الزكاة ، ولو لم يقصد استعمالا مباحا ولا محرما فلا زكاة ، لعدم الشرط وهو النقش أو تحريم الاستعمال ، وكذا لا زكاة لو اتخذ الحلي ليؤاجره ممن له استعماله وإن اتخذه للنماء ، فإنه لا اعتبار بالأجرة هنا ، لأنها كأجرة العوامل ، ولو انكسر بحيث لا يمنع الاستعمال لم يؤثر في السقوط ، ولو لم يصلح للاستعمال واحتاج إلى سبك وصوغ جديد سقطت الزكاة ، لخروجه عن صفة التحريم ، ولو كان بحيث يمنع الاستعمال لكن لا يحتاج إلى صوغ جديد بل يقبل الإصلاح باللحام لم تسقط ، لدوام صورة الحلي المحرم » إلى غير ذلك من كلماتهم التي قد عرفت عدم الدليل عليها ، بل ظاهر الأدلة خلافها ، ومنها يعلم أن نصوص عدم السقوط بالفرار للحلي لا شهرة بين القائلين به على العمل بمضمونها وحينئذ فلا ريب في أن حملها على الاستحباب أشبه بأصول المذهب وقواعده.

هذا كله لو كان الفرار قبل الحول أما لو جعل الدراهم والدنانير كذلك بعد حول الحول وبعد أن وجبت الزكاة لم تسقط إجماعا بقسميه ، للأصل وغيره ، لكن الظاهر اجتزاء المالك بدفع مقدار الزكاة من الدراهم والدنانير من غير الحلي وإن زادت قيمة الحلي ، لأصالة جواز الدفع من غير العين ، أما لو لم يؤد أمكن القول بمشاركة الفقراء له في الحلية ، فلهم من الزيادة بسبب الصنعة على حسب النسبة ، ويحتمل أن يكون لهم مقدار الزكاة خاصة في الحلي ، والأول أوفق بقواعد الشركة ، والثاني أوفق بالإرفاق بالمالك ، والله أعلم.

وأما القول في أحكامها أي زكاة الذهب والفضة فمسائل : الأولى لا اعتبار باختلاف الرغبة مع تساوي الجوهرين في صدق الاسم‌

١٩٢

وإن اختلفت القيمة والأوصاف بذلك بل يضم بعضها إلى بعض بلا خلاف أجده فيه ، بل نسبه بعضهم إلى الأصحاب مشعرا بالإجماع عليه ، ولعله كذلك مضافا إلى إطلاق الأدلة وأما الكلام في كيفية الإخراج للزكاة فالمشهور أنه إن تطوع المالك ( بـ ) إعطاء الأرغب ونحوه من الأفراد الكاملة فقد أحسن وزاد خيرا وأنفق مما يجب وإلا كان له الإخراج من كل جنس بقسطه كما تقتضيه قاعدة الشركة ، ولا يجزيه الدفع من الأردى ، لمنافاته لقاعدة الشركة ، وفيه ما عرفته سابقا من منافاة التقسيط لإطلاق أدلة الفرائض التي لا فرق فيها بين أفراد النصاب ، ولعله لذا حكي عن مبسوط الشيخ أن الأفضل التقسيط ، وإن اقتصر على الإخراج من جنس واحد لم يكن به بأس ، ونحوه عن التحرير بل عن التذكرة والقواعد ما يوافق ذلك أيضا ، قالا : لو تساويا في العيار واختلفت القيمة كالرضوية والراضية استحب التقسيط ، وأجزأ التخيير إلا أنهما قالا في المقام : يكمل جيد النقرة برديها كالناعم والخشن ، ثم يخرج من كل جنس بقدره ، وظاهرهما الفرق بين اجتماع النصاب من الجيد والردي وبين الجيد والأجود ، فيقسط في الأول مع المماسكة بخلاف الثاني ، وفيه أن قاعدة الشركة تقتضي التقسيط في الجميع ، ولذا التزمه في الجميع ثاني المحققين والشهيدين على ما حكي عنهما ، بل لعله ظاهر المصنف وأول الشهيدين وغيرهما ، وإن كان الأقوى خلاف ذلك أيضا ، لما تقدم من أن الشارع قد جعل مسمى هذا الاسم عوضا عن الحصة المشاعة فيؤخذ بإطلاقه فيجزيه كل فرد إذا لم يكن الوسط الذي ينصرف إليه الإطلاق ، أو يظن إرادته باعتبار جمعه مراعاة الحقين المعلوم من الأدلة اعتبارهما معا ، للنهي عن أخذ المريضة وذات العوار ونحوهما ، وعن أخذ كرائم الأموال ، وشدة تأكيد أمير المؤمنين عليه‌السلام على مصدقة في مراعاته كما سمعته سابقا ، وأما التقسيط فلا أثر له في شي‌ء من النصوص ، بل ظاهرها خلافه ، بل كان دعواه زيادة في علم الشارع حيث أنه أطلق‌

١٩٣

المقدار المخصوص في النصاب الذي قل ما يتفق تساوي أفراده في الحيوان ونحوه ، ودعوى ظهور تلك الإطلاقات في إرادة بيان النسبة خاصة لا إجزاء المسمى كائنا ما كان واضحة البطلان ، بل إن لم نقل بظهورها في العكس فلا ريب في إفادتها الأمرين كما هو ظاهر بأدنى تأمل ، وملاحظة لما سمعته سابقا في زكاة الحيوان ، فلاحظ وتدبر.

وقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا فرق عندنا بعد الاتحاد في الجنس بين تساوي الرغبة وعدمها وتساوي القيمة وعدمها وتساوي العيار وعدمه إذا كان مما يتسامح به ، وتساوي السكة وعدمها في وجوب الضم بل وفي الإخراج ، لكن في الإرشاد ويضم الجوهران من الواحد مع تساويهما وإن اختلف الرغبة ، ولكن يخرج بالنسبة ، وظاهره اعتبار التساوي في الضم زيادة على الاتحاد في الجوهر ، ولا وجه له قطعا ، بل هو غير مراد له أيضا وإن كانت العبارة غير جيدة ، والأمر سهل بعد وضوح المطلوب.

ثم إن الظاهر عدم جواز دفع الأعلى قيمة عن الأدنى مثل أن يخرج ثلث دينار جيد قيمة عن نصف دينار كما صرح به جماعة ، بل في الحدائق نسبته إلى المشهور ، لأن الواجب إخراج نصف دينار من العشرين ، فلا يجزي الناقص عنه ، لكن احتمله في التذكرة ، وضعفه جماعة ، وقال آخر : « إنه مبني على وجوب الأخذ بالنسبة ، وإلا فعلى مذهب الشيخ من جواز إخراج الأدون كأنه متجه ، لأنه إذا كان الواجب عليه دينارا واختار دفع الأدون ثم أراد دفع قيمته فدفع نصف دينار بقيمة ذلك الدينار الأدون فالمدفوع قيمة ليس هو الفريضة الواجبة حتى يقال : إن الواجب دينار ، فلا يجزي ما دونه » قلت : لعل المتجه العدم مطلقا ، لعدم عموم في ما دل على القيمة بحيث يشمل مثل ذلك ، بل ظاهر تلك الأدلة خلافه ، على أن الفريضة كالدينار مثلا شامل للأعلى وغيره فكل منهما فرد إذا دفعه المكلف ، ولا يتشخص أحدهما بحيث يكون هو الواجب بمجرد الاختيار ، بل لا يتشخص إلا بدفعه أو دفع قيمته من غير أفراد الفريضة ، فليس له‌

١٩٤

أن يدفع من أفرادها بقصد جعل بعضه قيمة عن فرد آخر ، ضرورة عدم صدق الامتثال معه ، لا أقل من الشك ، فيبقى استصحاب الشغل بحاله ، نعم له أن يصالح الفقير مثلا عن بعض بقيمة في الذمة ثم يحتسبها قيمة عن الفرد الأدنى ، وفرق واضح بين المقامين ، بل ينقدح من ذلك عدم جواز دفع الأدنى قيمة عن الأعلى بناء على كونه أحد الأفراد المجزية ، لما عرفت ، وإن كان هو زائدا عن الفريضة ، كما لو دفع دينارا تاما أدنى عن نصف دينار جيد ، وكان فرضه النصف ، لكن الظاهر إجزاؤه باعتبار كونه الفريضة وزيادة ، وقصد المكلف أنه قيمة عن الأعلى لا يقدح في الاجزاء وإن لم يتم له ما قصده ومن ذلك يظهر لك ما في المدارك وغيرها من جواز دفع الأدنى قيمة دون العكس ، فلاحظ وتأمل جيدا.

المسألة الثانية الدراهم المغشوشة مثلا بما يخرجها عن اسم الفضة الخالصة ولو الردية لا زكاة فيها حتى يبلغ خالصها نصابا بلا خلاف أجده فيما قبل الغاية ولا بعدها بل الأول من الواضحات ، وأما الثاني فقد يتأمل فيه باعتبار أن الزكاة إنما تجب في الفضة والذهب المسكوكين دراهم ودنانير ، والمركب من كل منهما وغيره خارج عن الاسم ، فلا تتعلق به الزكاة ، بل قد يمنع صدق اسم الدراهم والدنانير على غير الخالص حقيقة ، لكن قد يدفع ـ بعد عدم الخلاف فيه ، بل نسبه غير واحد إلى الأصحاب مشعراً بالإجماع عليه ـ بخبر زيد الصائغ (١) الآتي المنجبر بعمل الأصحاب ، ويمنع عدم صدق الدرهم والدينار حقيقة على ذلك ، خصوصا بعد غلبة الغش في الدراهم وتعارفه ، فيتحصل حينئذ مما دل على الزكاة في الدراهم مثلا ـ الشامل لهذه الأفراد وإن كانت نادرة ، لأنه من العموم اللغوي ، ومما دل على أن لا زكاة في غير الفضة والذهب ـ أنه متى بلغ ما فيها من الفضة نصابا وجبت الزكاة فيها ، وأنه متى وقعت السكة عليها ولو في ضمن غيرها‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١.

١٩٥

تعلقت بها كما هو واضح.

نعم يعتبر في الحكم بوجوبها العلم بالبلوغ نصابا ، أما لو شك فلا وجوب للأصل وغيره ، بل المعروف أيضا عدم وجوب التصفية ونحوها للاختبار ، بل عن المسالك لا قائل بالوجوب ، ووجه ذلك كله أن مقدمات الوجوب لا يجب تحصيلها ولا تعرفها ، لكن وقد يناقش بأن الأول مسلم بخلاف الثاني ، ضرورة معلومية الوجوب في مثله من مذاق الشرع ، وأنه ليس المراد الوجوب إذا اتفق حصول العلم بوجود الشرط ، فلا يجب حينئذ على من احتمل في نفسه الاستطاعة مثلا أو ظنها اختبار حاله ، ولا على من علق نذره على شي‌ء مثلا تعرف حصوله ونحو ذلك ، إذ هو كما ترى فيه إسقاط لكثير من الواجبات ، نعم هو كذلك حيث لا يكون له طريق إلى التعرف ، أو كان فيه ضرر عليه بحيث يسقط بمثله وجوب المقدمة ، ولعله لذلك مال بعض المحققين هنا إلى وجوب التعرف بالتصفية أو غيرها ، وهو قوي جدا إن لم يكن إجماع على خلافه.

ثم اعلم أنه لا يجوز له أن يخرج المغشوشة عن الجياد بلا خلاف ولا إشكال إلا إذا علم اشتمالها على ما يساوي الجياد ، وفي كونها حينئذ فريضة لا قيمة وإن زادت في العدد على الفريضة المسماة إشكال ، وإن كان الأقوى أنها كذلك ، وكذا لو أدى المغشوشة عن المغشوشة أو أدى جيادا عنها ، ولو ملك النصاب ولم يعلم هل فيه غش أم لا فعن التذكرة أنه تجب الزكاة ، لأصالة الصحة والسلامة ، وفيه تأمل ، ولو كان الغش بأحدهما كالدراهم بالذهب أو بالعكس وبلغ كل من الغش والمغشوش نصابا وجبت الزكاة فيهما أو في البالغ ، ويجب الإخراج من كل جنس بحسابه ، فان علمه وإلا توصل اليه بالسبك ونحوه ، قيل : أو ميزان الماء ، وهو كذلك إن أفاد اليقين ، وكيفيته أن يوضع قدرا من الذهب الخالص في ماء ويعلم على الموضع الذي يرتفع اليه الماء ثم يخرج ويوضع مثله من الفضة الخالصة ويعلم على موضع الارتفاع أيضا ، وتكون هذه العلامة‌

١٩٦

فوق الأولى ، لأن أجزاء الذهب أشد كثافة (١) ثم يوضع فيه المخلوط وينظر إلى ارتفاع الماء هل هو إلى علامة الذهب أقرب أو إلى علامة الفضة ، وكيف كان فإن أشكل الأكثر منهما وماكس المالك ولم يمكن التمييز أخرج ما يجب في الأكثر مرتين ، فلو كان قدر أحد النقدين ستمائة والآخر أربعمائة إلا أنه لا يشخصهما أخرج زكاة ستمائة ذهبا وستمائة فضة ، ويجزي ستمائة من الأكثر قيمة وأربعمائة من الأقل كما هو واضح ، والله أعلم.

المسألة الثالثة قد ظهر لك مما قررناه أنه إذا كان معه دراهم مغشوشة مثلا لا غير أو معها دراهم فان عرف قدر ما فيها من نصاب الفضة أخرج الزكاة عنها فضة خالصة وإن شاء أخرج عن الجملة منها مراعيا للنسبة ، فلو كان معه ثلاثمائة درهم والغش ثلثها في كل درهم تخير بين إخراج خمسة دراهم خالصة أو إخراج سبعة ونصف عن الجملة ، كما هو واضح ، وكذا لو كان معه مغشوشة وخالصة ، نعم لو علم قدر الفضة في الجملة لا في الأفراد الخاصة لا بد من الإخراج جيادا أو ما يتحقق معه البراءة ولا يجزيه ذلك وإن جهل ذلك أي قدر ما فيها من نصاب الفضة ولكن علمه على الإجمال فإن أخرج عن جملتها من الجياد احتياطا جاز أيضا للعلم بالبراءة حينئذ وإن ماكس ألزم تصفيتها جميعا أو ما يعلم منه الحال في الجميع ليعرف قدر الواجب الذي قد علم اشتغال الذمة به ، فلا بد له من العلم بحصول البراءة منه كما صرح به جماعة ، بل نسب إلى الأكثر بل عن الأردبيلي الإجماع عليه لو لا ما تسمعه من المنتهى ، لكن استشكله في التحرير ، ولعله لما استوجهه في محكي المعتبر والتذكرة والمنتهى وقواه المحقق الثاني والمولى الأردبيلي واستحسنه صاحب المدارك وغيره من الاكتفاء بإخراج ما تيقن اشتغال الذمة به وطرح المشكوك فيه ، عملا بأصالة البراءة ، وبأن الزيادة كالأصل ، فكما‌

__________________

(١) وفي النسخة الأصلية « كنازيا ».

١٩٧

تسقط الزكاة مع الشك في بلوغ الصافي النصاب فكذا تسقط مع الشك في بلوغ الزيادة نصابا ، فلو تيقن وجود النصاب الأول مثلا وشك في الزائد وهو الثاني مرة أو مرتين مثلا فإذا أخرج ما تيقنه صار المال مشكوكا في تعلق الوجوب به فلا تجب التصفية ، كما لو شك في الوجوب ابتداء ، وكما لو شك في الدين بعد أن دفع ما علمه ، وليس المراد من قاعدة يقين الشغل نحو ذلك ، ضرورة كون البراءة هنا كالشغل ، فإنه دفع ما تيقنه ، وما عداه لا يقين للشغل فيه ، إذ ليس ما نحن فيه كالصلاة ونحوها مما لا يحصل الامتثال معه إلا بالإتيان بالمشكوك فيه ، لكونه خطابا واحدا ، بخلاف المقام الذي هو بمنزلة خطابات متعددة لا يتوقف امتثال بعضها على الآخر ، كما هو واضح ، وهو جيد ، لكن قد يقال : إن أصل البراءة لا يجري في حق الغير المعلوم ثبوته في المال في الجملة ، ولا أصل يشخص كونه مقتضى النصاب الأول أو الثاني ، وتيقن الخمسة دراهم مثلا باعتبار أنها فريضة المائتين وبعض فريضة المائتين والأربعين لا يقتضي تيقن النصاب الأول الذي هو عبارة عن المائتين التي لم يتم معها أربعون ، ودعوى أن المائتين وأربعين نصابان ، والثمانين ثلاثة نصب ، وهكذا واضحة الضعف ، بل الظاهر أن المائتين وأربعين نصاب واحد كالمائتين ، فحينئذ مع العلم بحصول سبب شركة الفقير ولا أصل يشخصه لا يجدي أصل براءة ذمة المالك من دفع الزائد في دفع تعرف مقدار الشركة ، بل عند التأمل ما نحن فيه كالمال الذي خلط أجنبي معه مال شخص آخر ، ويمكن علم المقدار ، فتأمل جيدا ، وبذلك يفرق بين المقام والسابق ، على أنك قد عرفت قوة احتمال وجوب التعرف فيه ، والله أعلم.

المسألة الرابعة مال القرض الزكوي إن تركه المقترض بحاله ولم يحصل ما ينافي تعلق الزكاة مما سمعته سابقا وجبت الزكاة عليه دون المقرض بلا خلاف أجده فيه نصا وفتوى ، بل ظاهر التنقيح الإجماع عليه ، بل يمكن تحصيله فيه ، وهو مما‌

١٩٨

يعين القول بملكه بالقبض ، ولا يتوقف على التصرف وإن ذكروه قولا هناك ، كما أن ذلك يعين الفرق بين القرض المفروض وغيره من أقسام الدين ، ضرورة أن القائل بالوجوب في الدين على صاحبه إذا كان المديون موسرا ومتمكنا من قبضه لا يقول به فيما نحن فيه ، كما حكي عنه النص عليه هنا ، ولعله للإجماع والنصوص ، ولأنه يكون حينئذ كتزكية المال الواحد في السنة مرتين ، ودعوى أنهما مالان باعتبار الثبوت في ذمة المقترض مثل ما في يده ، فالقارض يزكي ماله في الذمة ، والمقترض ما في يده واضحة الفساد ، نعم لو لم يبق مال القرض في يد المقترض أمكن حينئذ القول بوجوب الزكاة على القارض بناء على وجوبها في الدين الذي من أفراده القرض ، بل قد يمكن ذلك أيضا لو سقطت الزكاة عن المقترض بجنون ونحوه ، لإطلاق ما دل على وجوبها في الدين خرج عنه القرض الباقي في يد المقترض على وجه يخاطب بزكاته دون غيره من الأفراد ولو أقرضه المقرض من شخص آخر أمكن القول بسقوط الزكاة عن المقترض الأول ، لعين ما سمعته فيه من دون واسطة ، وعدمه للإطلاق السابق ، ولعل الأول أقوى ، بل يمكن القول بخروج مطلق القرض عن الدين من غير فرق بين وجوب الزكاة على المقترض وعدمه بتصرف أو جنون أو غيرهما ، لظهور الأدلة في أن مورد خطاب الزكاة نفيا وثبوتا في القرض المقترض دون المقرض ، والانصاف عدم خلو المسألة عن الاشكال لكن يسهل الخطب عدم وجوبها في الدين عندنا كما عرفته سابقا.

وكيف كان فلا خلاف في أن الزكاة فيما نحن فيه على المقترض كما اعترف به غير واحد وإنما الخلاف فيما لو شرط المقترض الزكاة على المقرض في عقد القرض فـ ( قيل ) والقائل الشيخ في باب القرض من النهاية يلزم الشرط وتكون الزكاة على القارض دون المستقرض ، لعموم (١) « المؤمنون » وصحيح ابن‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب الخيار ـ الحديث ٧ من كتاب التجارة.

١٩٩

سنان (١) « سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : باع أبي عليه‌السلام من هشام ابن عبد الملك أرضا بكذا وكذا ألف دينار واشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين وإنما فعل ذلك لأن هشاما كان هو الوالي » وصحيح الحلبي (٢) عن الصادق عليه‌السلام « باع أبي عليه‌السلام أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال واشترط عليه في بيعه أن يزكي هذا المال من عنده لست سنين » وعن علي بن بابويه وولده الفتوى بمضمونهما ، قال الأول منهما : « إن بعت شيئا وقبضت ثمنه واشترطت على المشتري زكاة سنة أو سنتين أو أكثر فإن ذلك يلزمه » وصحيح منصور بن حازم (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل استقرض مالا فحال عليه الحول وهو عنده فقال : إن كان الذي أقرضه يؤدي زكاته فلا زكاة عليه ، وإن كان لا يؤدي أدى المستقرض ».

وقيل والقائل المشهور لا يلزم وإن اختلفوا في بطلان القرض حينئذ فتكون الزكاة على المقرض ، وعدمه فتكون على المقترض كما عرفته سابقا وعلى كل حال فـ ( هو الأشبه ) لكونه شرطا مخالفا للكتاب والسنة الدالين على أن خطاب الزكاة على المالك ، وعموم « المؤمنون » ونحوه إنما يقتضي إلزام ما هو مشروع في نفسه وحد ذاته كما أوضحناه في محله ، لا أنه يقتضي شرعية ما لم يعلم شرعيته ، على أنه معارض لما دل على اعتبار الملك في الزكاة من وجه ، والترجيح بالشهرة وغيرها لها ، والصحيحان مع عدم وضوح المراد منهما ـ بل يمكن دعوى إجمالهما ، بل يبعد كل البعد كنز الامام عليه‌السلام المال هذه المدة كي يشترط زكاته ، واحتمال إرادة مقدار زكاته وإن لم يجمع شرائط الزكاة في هذه المدة خروج عما نحن فيه ، ضرورة كونه في اشتراط قدر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ٢.

٢٠٠