جواهر الكلام - ج ١٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الغنم والأكيلة ووصفها بتربية الاثنين في صحيح عبد الرحمن (١) يومي اليه أيضا.

إلا أن الجميع كما ترى ، إذ لا يخرج بذلك عن العلة المستنبطة ، لا أقل من الشك ، فيتجه حينئذ العمل بإطلاق النهي ، فلا تجزي وإن رضي المالك ، بل لعله الظاهر منه ، ضرورة أنه لا يجوز للساعي أن يأخذ شيئا من الغنم من دون رضى المالك سواء كان أحد هذه المذكورات أو غيرها ، فلا وجه لاختصاص المنع فيها على تقدير عدم رضاه ، اللهم إلا أن يحمل على خصوص ما إذا امتنع المالك عن الزكاة وأريد أخذها منه قهرا ، لكن حمل ما في النص والفتوى على خصوص هذه الصورة كما ترى ، فلا ريب في أن الأقوى عدم الاجتزاء بها مطلقا ، نعم ينبغي اختصاص ذلك بالشاة ، لما عرفت من أنها هي الربي دون غيرها الباقي على مقتضى الإطلاق ، ودعوى اندراج النفاس في المرض يمكن منعها ، وكلام الثعالبي مع أنه ليس حجة في الأحكام الشرعية لا دلالة فيه على كون النفاس مرضا ، كما هو كذلك في الإنسان ، بل ربما خصها بعضهم بالمعز ، وقد عرفت شهادة الصحيح (٢) له ، لكن قد سمعت أن كلام الأكثر على خلافه ، والمثبت مقدم على النافي ، وما في الصحيح لم يعلم كونه من الامام عليه‌السلام ، وكذا ينبغي الاقتصار فيها إلى الخمسة عشر يوما ، وما عداها يبقى على مقتضي إطلاق الأدلة ، وما عن النهاية من أن الضابط استغناء الولد عنها واضح المنع ، وكلام أهل اللغة وإن كان مطلقا في القرب من الولادة إلا أنه يشكل الأخذ به في الزائد على ذلك ، لما سمعته من كلام الأصحاب الذي به يقوى الإطلاق بحيث لا يصلح الاستصحاب معارضا له.

هذا كله إذا لم يكن الجميع ربي ، وإلا أجزأه خروجها كما صرح به غير واحد ، بل في الرياض قولا واحدا للإطلاق السالم عن معارضة ما هنا بعد انصرافه إلى غير الفرض ، لكن عن التذكرة الأقرب إلزامه بالقيمة ، ولا وجه له على كل من التعليلين ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

١٦١

اللهم إلا أن يكون العلة الاحترام لولدها ، بل ولها من جهة ما يحصل لهما من الأذى بالمفارقة ، والصدقة لا يتبعها أذى ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للأعرابي في مرسل النوفلي المروي في آخر كتاب المعايش (١) من الكافي : « أهد لنا ناقة ولا تجعلها ولها » أي شديدة الحزن بانقطاع ولدها عنها ، لكن على كل حال لا يلزم بالقيمة فإن له شراء شاة غير ربي ويدفعها ، واحتمال عدم الاجتزاء بها لكون النصاب ربابا كما هو المفروض يدفعه ما سمعته سابقا من عدم وجوب كون الفريضة من صنف النصاب ، كما هو واضح ، ومما تقدم في المريضة تعرف الحال في الملفق من الربى وغيره ، بل هو من المسألة السابقة بناء على أن المنع فيها للنفاس الذي هو المرض ، فلاحظ وتدبر.

وكذا لا تؤخذ الأكولة بلا خلاف أجده فيه ، بل ظاهرهم الاتفاق عليه ، كما اعترف به بعضهم للموثق المزبور (٢) والصحيح (٣) بناء على أن المراد منه الأخذ لا العد كما ستعرف الحال فيه ، نعم عن جماعة تقييد ذلك بما إذا لم يبذلها المالك بل قد سمعت نفي الخلاف عنه في محكي المنتهى وفي شرح اللمعة للاصبهاني مما لا شبهة فيه ، وهو مبني على أن العلة في المنع دفع الضرر عن المالك والاوفاق به ، لكونه المنساق من تفسيرها بأنها هي السمينة المعدة للأكل بلا خلاف أجده فيه ، ولا ينافيه تفسيرها في الموثق بالكبيرة بعد إرادة السمينة منه لا كبر السن ، وفي الصحاح « الأكولة الشاة التي تعزل للأكل وتسمن ، ويكره للمصدق أخذها » وعن العين والمقاييس « أنها التي ترعى للأكل » والظاهر عدم إرادة التخصيص بالرعي ، لكن لا يخفى أن الاعتماد على مثل ذلك في تنقيح العلة على وجه يفيد جواز أخذها زكاة لو بذلها المالك وينزل إطلاق النهي عليه لا يخلو من إشكال ، خصوصا بعد احتمال كون مراعاة المالك حكمة لخروجها‌

__________________

(١) فروع الكافي ج ٣ ص ٣١٧ من الطبع الحديث « باب النوادر » ٥٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

١٦٢

عن قبول دفعها فريضة زكاة شرعا ، فلا ينفع بذل المالك ، بل لعل ذلك هو الظاهر ، سيما من صحيح عبد الرحمن ، مضافا إلى ما سمعته سابقا في الربى من عدم فائدة للنهي عن الأخذ مع عدم رضا المالك إلا نادراً ، فلعل الأقوى عدم الاجتزاء بها إن لم يقم إجماع على خلافه ، والظاهر عدم ثبوته ، فلاحظ وتأمل ، هذا. وفي شرح اللمعة للاصبهاني « لعل ما في العين والمقاييس وغيرهما من التفسير بالشاة على سبيل التمثيل » وفيه منع خصوصا بعد تعارف الاعداد منها لا الإبل والبقر ، والتنصيص عليها في الموثق ، والمدار في كونها معدة للأكل على العرف ، ولعله يقضي بما كان كذلك بالقوة القريبة من الفعل ، ثم إنه يختلف باختلاف عادة المالك ، وهل المعتبر إعداده لنفسه أو مطلقا حتى يدخل ما يعده الجزارون لغيرهم؟ فيه نظر ، والأظهر الأول كما في شرح اللمعة للاصبهاني ولو كان النصاب جميعه أكولة فعن التذكرة وجوب إخراجها ، وفيه ما لا يخفى ، نعم يجزيه خروجها كالمريضة التي يستفاد مما قدمناه فيها معرفة الحكم في التلفيق هنا أيضا بأدنى تأمل.

وكذا لا يؤخذ فحل الضراب بدون إذن المالك بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه ، أما مع بذله فقد صرح غير واحد بأخذه حينئذ ، بل في محكي المنتهى نفي الخلاف عنه ، وهو مبني على ما عرفت ، وفيه البحث السابق ، ولذا جزم ثاني الشهيدين والمحققين في المسالك وشرح القواعد وغيرهما بأنه لا يجزي إلا بالقيمة ، وهو قوي جدا ، لإطلاق النهي الذي لم ينقح علته دليل معتبر بل ربما يومئ‌ النبوي (١) « لا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق » إلى عدم كونها مراعاة المالك ، خصوصا مع كون النهي فيه عن الإخراج لا الأخذ ، ولا فرق في ذلك بين كونه أعلى قيمة من الفريضة أو لا ، فما عن بعضهم من التفصيل بذلك فيؤخذ في‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٤ ص ٨٧.

١٦٣

الأول دون الثاني واضح الضعف ، ضرورة اقتضائه جواز أخذ غير مسمى الفريضة مع بذل المالك وعلو قيمتها لا على وجه القيمة ، كما هو محل البحث ، نعم لو كان الكل فحولة اتجه جواز أخذه كما نص عليه غير واحد ، لإطلاق الأدلة السالم عن معارضة ما هنا بعد انصرافه إلى غير ذلك ، أما إذا لم يكن كذلك فالمتجه المنع كما عرفت حتى لو كان زائدا على الحاجة ، لإطلاق النهي ، فما عن بعضهم من تقييده بما إذا لم يكن زائدا على الحاجة وإلا كان كغيره محتاج إلى تنقيح كون العلة الحاجة ، وليس ، ودعوى ظهور الإضافة إلى الغنم في صحيح عبد الرحمن وإلى الضراب في فتاوى الأصحاب في ذلك واضحة المنع ، خصوصا بعد احتمال أن تكون الأولى لإخراج الإبل والبقر كما يشهد له لفظ الكبش في الموثق (١) وعدم القول بالفصل بين الجميع لم نتحققه ، بل المتحقق خلافه نعم نهى عن أخذه والأكولة في البيان في الإبل والغنم ، وبعضهم أطلق ، والثانية بمعنى الحاصل منه الضراب ونحوه لا المحتاج اليه لذلك ، كما هو واضح.

هذا كله في الأخذ ، أما العد فلا خلاف أجده في أن الربى تعد ، بل نقل الاتفاق عليه غير واحد ، بل قيل : إنه ضروري ، نعم هو بالنسبة إلى الأكولة وفحل الضراب متحقق ، فعن أبي الصلاح عدم عد الأخير ، واستظهره في المحكي من مجمع البرهان وزيد في النافع والإرشاد واللمعة والروضة والحدائق عدم عد الأكولة أيضا لظاهر صحيح عبد الرحمن (٢) المؤيد بما أرسله في السرائر من أنه لا يعد فحل الضراب في شي‌ء من الأنعام ، والمشهور نقلا على لسان جماعة إن لم يكن تحصيلا عدهما ، لإطلاق الأدلة ، وفصل ثاني الشهيدين بين المحتاج اليه فلا يعد ، وغيره فيعد ، وأوجب أولهما في البيان عد الفحل مع كون الكل فحولا أو المعظم أو تساوت الفحول والإناث ، دون ما نقص فلا يعد ، وعن المنتهى أنهما لا يعدان إلا أن يرضى المالك فيعدان بلا خلاف.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

١٦٤

والأقوى ما عليه المشهور ، للإطلاق المؤيد بما في خبر محمد بن قيس (١) من التصريح بأنه يعد صغيرها وكبيرها السالم عن المعارض عدا صحيح عبد الرحمن وما‌ عن السرائر « روي أنه لا يعد فحل الضراب في شي‌ء من الأنعام » والمرسل غير حجة ، ولا جابر له ، والصحيح يمكن إرادة الأخذ منه بقرينة اشتماله على الربى وشاة لبن ، وقد حكى الإجماع غير واحد على عدهما ، بل قيل : إنه لا ينبغي الشك فيه ، لأن الغرض الأهم من تملك الغنم إنما هو الولادة واللبن ، فلو لم تجب الزكاة فيهما لشاع وذاع وملأ الأسماع ، فإذا انضم إلى ذلك فحل الضراب والأكولة كان ما يجب فيه الزكاة أقل قليل لندرة حصول نصاب تام مستوف للشرائط خال عنها ، فقد صح لنا أن ندعي أن الحكم ضروري فضلا عن أن يكون مجمعا عليه ، ومن ذلك يعلم أنه لا وجه لترجيح هذا الصحيح الدال على عدم العد في الربى وغيرها على الإجماع المحكي وإن احتمله بعضهم ، كما أنه لا وجه لتخصيص الصحيح بالإجماع في الربى وشاة اللبن ، وتبقى الأكولة وفحل الضراب على ظاهره ، ضرورة عدم كونه منه بعد التنصيص على كل واحد فيه بالخصوص نعم قد يقال : إنه لا بأس بالعمل به في بعض دون بعض ، لكن ذلك ليس بأولى من حمله على الأخذ ، خصوصا بعد الموثق المصرح فيه بذلك الظاهر في العد ، بل هو أولى قطعا ، وأولى من إرادة عموم المجاز منه الشامل للعد والأخذ.

وبالجملة لا يكاد يمكن أن ينكر قوة الظن بإرادة الأخذ منه لا العد بملاحظة الموثق وغيره مما عرفت ، مضافا إلى الإطلاقات والعمومات العظيمة التي ليس فيها إشعار بعدم العد لا مطلقا ولا مع التفاصيل المزبورة الخالية عن الدليل المعتد به ، بل فيها الإشعار بخلافه ، بل ربما يحصل القطع بملاحظة كل من النصوص المتعرضة لبيان الزكاة وكيفية إخراجها ولما يؤخذ وما لا يؤخذ بالعد للجميع ، بل في شرح الأستاذ الأكبر أنه ربما‌

__________________

(١) الاستبصار ج ٢ ص ٢٣ الرقم ٦٢ طبع النجف.

١٦٥

يصير متواترا بالمعنى ، فلا ريب في فساد القول بالعد مطلقا أو مع التفاصيل المزبورة التي أضعفها ما سمعته عن المنتهى ، ضرورة عدم مدخلية رضى المالك في الحكم الشرعي بعد عدم ما يقتضي تعليقه عليه ، كما هو واضح.

ثم إن ظاهر المصنف وغيره تخصيص المنع عن الأخذ بهذه المذكورات ، لكن في التحرير والدروس والبيان ومحكي المبسوط والسرائر والتذكر زيادة الحامل ، لأن‌ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) نهى أن يأخذ شافعا‌ أي حاملا ، وعن الأخير « إلا أن يتطوع المالك بإخراجها » ونحوه في التحرير والبيان ، بل فيه وعن التذكرة لو طرقها الفحل فكالحامل لتجويز الحمل ، وعن الأخير « لو كانت كلها حوامل وجب إخراج حامل » وفي البيان في وجوبه عندي نظر ، قلت : بل منع ، للأصل وإطلاق الأدلة ، والشركة الحادثة في الحامل لا تقتضي الشركة في المحمول ، ومن ذلك يعلم الوجه في عدم أخذ الحامل في الصورة الأولى ، مضافا إلى الخبر المزبور ، نعم في إلحاق المطروقة بالحامل نظر بل منع.

وكيف كان فلا إشكال في أنه يجوز أن يدفع من غير غنم البلد في زكاة الإبل وإن كان أدون قيمة للإطلاق السالم عن معارضة قاعدة الشركة في العين وغيرها ، بل لا خلاف أجده فيه عدا ما يحكى عن مبسوط الشيخ وخلافه ، فقال في الأول : « يؤخذ من نوع البلد لا من نوع آخر ، لأن المكية والعربية والنبطية مختلفة » وفي الثاني « يؤخذ من غالب غنم البلد » وفيه أن الاختلاف لا يخرجها عن صدق الشاة التي هي مناط الامتثال للأمر بها ، كما هو واضح ، نعم خالف الشهيدان والكركي وأبو العباس والصيمري على ما حكي عن بعضهم في زكاة الغنم ، فلم يجوزوا الدفع من غير غنم البلد إلا أن تكون أجود أو بالقيمة ، لقاعدة الشركة ، مع أن الأقوى خلافه ،

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٤ ص ٩٦.

١٦٦

وفاقا للمصنف والفاضل ، للإطلاق الذي قد عرفت في المباحث السابقة استفادة حكمين منه : أحدهما كون الفقير شريكا في النصاب على حسب نسبة الفريضة ، وثانيهما إجزاء مسمى ما قدر الشارع به تلك النسبة عن الحصة المشاعة التي في النصاب ، ولعل ذلك هو الفائدة في ذكر التقدير به ، مضافا إلى بيان مقدار النسبة ، وبه استحق إطلاق اسم الفريضة ، وإلا فقد عرفت أنها في الحقيقة الحصة المشاعة في العين ، ولو أن غير غنم البلد لا يجزي وإن صدق عليه الاسم لقاعدة الشركة لم يجز ما كان منه أيضا إذا كان خارجا عن النصاب ، ضرورة منافاتهما معا لقاعدة الشركة ، لكن يدفعها أن الشارع اكتفى عن تلك الحصة بمسمى الشاة التي هي من أواسط الشياه وليست أحد المذكورات فلا يتفاوت الحال بين غنم البلد وغيره ، ولو أن وصف الشامية والعراقية والمكية ملاحظ في الفريضة المخرجة للوحظ فيها الأجودية ونحوها إذا كان النصاب من الأجود ، وهو معلوم البطلان ، كمعلومية بطلان ملاحظة النسبة لو فرض كون النصاب ملفقا من غنم البلد وغيره ، ومقتضاه تعيين القيمة في بعض الأفراد ، كما إذا لم يحصل شاة قيمتها المنتزعة من القيمتين ، بل جميع هذه الالتزامات زيادة فيما وصل إلينا منهم عليهم‌السلام ، والواجب على العباد اتباعهم دون غيرهم ، وكذا الكلام في فريضة الإبل والبقر ، ضرورة اشتراك الجميع فيما عرفت ، فيجزي مسمى فرائضها وإن لم يكن من إبل البلد وبقرة ، وقد تقدم في دفع الضأن فريضة عن المعز وبالعكس ما يشهد لما هنا ، على أن الأمر واضح بعد التأمل فيما ذكرنا.

ومنه يظهر أنه يجزي في الفريضة الذكر والأنثى لتناول الاسم الذي هو الشاة لهما ، سواء كان النصاب فحولا أو أناثا أو ملفقا ، وقاعدة الشركة لا تنافي بعد تقدير الشارع الحصة بما عرفت ، فما عن الخلاف من كان عنده أربعون شاة أنثى أخذ منه أنثى ، وفي الذكور يتخير ، وجامع المقاصد من أنه يتخير في الذكران أو في شاة‌

١٦٧

الإبل لا مطلقا ، والمختلف من أنه يجوز دفع الذكر إذا كان بقيمة واحدة منها دون غيره لقاعدة الشركة في العين ، فيه مضافا إلى ما عرفت أن ليس المتعلق بالعين إلا مقدار ما جعله الشارع فريضة لا بعض آحادها بخصوصها ، وإلا لما تصور تعلقها بالإبل ولا الغنم التي قد عرفت جواز دفع الجذع فريضة فيها ، وهو ليس من النصاب قطعا ، لعدم حول الحول عليه كما عرفته سابقا ، وكان المسألة من الواضحات التي لا تحتاج إلى إطناب خصوصا بعد تأمل الفرائض في الإبل مثلا التي يمكن أن يكون النصاب خاليا عنها ، مع أن المراد من الخطاب واحد من غير فرق بين حالي الوجود والعدم ، وكأن الوهم نشأ من الانسياق في بادئ النظر في خصوص نصاب الغنم الذي لا ينفك عنه صدق الفريضة على أحد أجزائه ، ولم يعلم أنه لا فرق بين خطاب الغنم والإبل والبقر في عدم اعتبار كون الفريضة من النصاب ، بل وجميع محال الزكاة ، كما هو واضح بأدنى تأمل. ومن هنا كان المشهور هنا على خلاف ما سمعته من الثلاثة ، بل لم يحك الخلاف إلا عنهم ، فلاحظ وتأمل ، خصوصا فيما وقع من بعض الأصحاب كالشهيد وغيره من اعتبار قاعدة الشركة في العين تارة ، والاعراض عنها أخرى ، والله ورسوله وأهل بيته ( عليهم الصلاة والسلام ) هم أعلم.

( القول في زكاة الذهب والفضة‌ )

لا تجب الزكاة في الذهب حتى يبلغ عشرين دينارا أي مثقالا شرعيا بلا خلاف أجده فيه نصاً وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص (١) متواترة فيه ، فإذا بلغ عشرين ففيه نصف دينار عبارة عن عشرة قراريط هي نصف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة.

١٦٨

المثقال الذي قد عرفت أنه الدينار ، وهو ثمان وستون شعيرة وأربعة أسباع شعيرة ، والقيراط ثلاث شعيرات وثلاثة أسباع شعيرة ، فالمثقال عشرون قيراطا ، ونصفه عشرة وهي ربع العشر من العشرين ديناراً ثم ليس في الزائد شي‌ء حتى يبلغ أربعة دنانير ، ففيها قيراطان ، ولا زكاة فيما دون عشرين مثقالا ولا فيما دون أربعة ، ثم كلما زاد المال أربعة ففيه قيراطان بالغا ما بلغ ، وقيل والقائل ابنا بابويه في الرسالة والمقنع على ما حكي عنهما لا زكاة في العين أي الدنانير حتى تبلغ أربعين فإذا بلغ ففيه دينار بل عن علي بن بابويه منهما الخلاف في النصاب الثاني أيضا ، فجعله أربعين أيضا وعلى كل حال فـ ( الأول أشهر ) فتوى ورواية ، بل هو المشهور نقلا وتحصيلا ، بل عن الخلاف الإجماع عليه ، بل عن الغنية لا خلاف فيه ، وظاهرها نفيه بين المسلمين ، بل في المحكي عن السرائر إجماعهم عليه ، وأن علي بن بابويه مخالف لهم ، وعن التذكرة إذا بلغ أحدهما يعني النقدين وجب فيه ربع العشر ، فيجب في العشرين مثقالا نصف دينار وفي المائتين من الفضة خمسة دراهم بإجماع علماء الإسلام ، بل في مفتاح الكرامة الذي وجدناه فيما عندنا من المقنع والهداية والفقيه موافقة المشهور ، نعم في الأول نسب بعد ذلك خلاف المشهور إلى الرواية ، والموجود فيما حضرنا من نسخة الهداية « اعلموا أنه ليس على الذهب شي‌ء إلى أن يبلغ أربعة وعشرين ، ثم فيه نصف دينار وعشر دينار ثم على هذا الحساب متى ما زاد على عشرين وأربعة ، ففي كل أربعة عشر إلى أن يبلغ أربعين ، فإذا بلغ أربعين مثقالا ففيه مثقال » ولم يحك ذلك عنه أحد ، وعلى كل حال فلم نتحقق الخلاف من غيره وغير أبيه ، لكن عن المعتبر أنه نسب الخلاف اليه وإلى أبيه وجماعة ، كما أنه حكاه عن الخلاف عن قوم من أصحابنا ، ولعلهما أرادا الرواة ، وإلا فالمنقول عن القدماء من أهل الفتاوى كالمفيد والسيد وغيرهما التصريح بالمشهور.

وكيف كان فلا ريب في ضعفه ، إذ النصوص في غاية الاستفاضة بخلافه ، بل‌

١٦٩

يمكن دعوى تواترها ، وفيها الصحيح وغيره ، منها خبر علي بن عقبة (١) وعدة من أصحابنا عن الباقر والصادق عليهما‌السلام ، ومنها موثق سماعة (٢) عنه عليه‌السلام أيضا ، ومنها صحيح أبي بصير (٣) ومنها خبر أبي عيينة (٤) عنه عليه‌السلام أيضا ، ومنها صحيح الحسين بن بشار (٥) عن أبي الحسن عليه‌السلام ، ومنها خبر يحيى بن أبي العلاء (٦) ومنها‌ صحيح زرارة (٧) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « في الذهب إذا بلغ عشرين ديناراً ففيه نصف دينار ، وليس فيما دون العشرين شي‌ء ، وفي الفضة إذا بلغت مائتي درهم خمسة دراهم ، وليس فيما دون المائتين شي‌ء ، فإذا زادت تسعة وثلاثون على المائتين فليس فيها شي‌ء حتى تبلغ الأربعين ، وليس في شي‌ء من الكسور شي‌ء حتى تبلغ الأربعين ، وكذلك الدنانير على هذا الحساب » أي متى بلغ قيمتها ذلك وجب فيها ربع العشر ، ففي العشرين دينارا التي هي بحساب المائتين درهما ـ لما قيل من أنه في ذلك الوقت كل دينار بعشرة ، وعليه تقدير الدية ـ نصف دينار ، وفي الأربعة بعدها التي هي بمنزلة الأربعين ربع عشرها أيضا قيراطان ، وهكذا حتى تصل إلى الأربعين ، فيكون فيها دينار ، ثم على هذا الحساب ، واليه أومى في‌ صحيح ابن أبي عمير (٨) « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الذهب والفضة ما أقل ما يكون فيه الزكاة؟ قال : مائتا درهم وعدلها من الذهب ، وقال : سألته عن النيف الخمسة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١٣ وهو صحيح الفضلاء.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٨.

(٧) ذكر صدره في الوسائل في الباب ١ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٩ وذيله في الباب ٢ منها ـ الحديث ٦.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١ عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي.

١٧٠

والعشرة قال : ليس عليه شي‌ء حتى يبلغ أربعين ، فيعطى من كل أربعين درهما درهم » وصحيح محمد بن مسلم (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ قال : إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة » وهو المراد من‌ موثق زرارة (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « ليس في الفضة زكاة حتى تبلغ مائتي درهم ، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، فان زادت فعلى حساب ذلك في كل أربعين درهما درهم وليس في الكسور شي‌ء ، وليس في الذهب زكاة حتى يبلغ عشرين مثقالا ، فإذا بلغ عشرين مثقالا ففيه نصف مثقال ، ثم على حساب ذلك إذا زاد المال في كل أربعين دينارا دينار » لا أن المراد أنه لا يحسب إلا بذلك حتى يكون منافيا للروايات الأخر ، ومن‌ صحيح زرارة وبكر (٣) سمعا أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « في الزكاة أما في الذهب فليس في أقل من عشرين دينارا شي‌ء ، فإذا بلغت عشرين دينارا ففيه نصف دينار ، وليس في أقل من مائتي درهم شي‌ء ، فإذا بلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، فما زاد فبحساب ذلك ، وليس في مائتي درهم وأربعين درهما غير درهم إلا خمسة الدراهم ، فإذا بلغت أربعين ومائتي درهم ففيها ستة دراهم ، فإذا بلغت ثمانين ومائتين ففيها سبعة دراهم وما زاد فعلى هذا الحساب ، وكذلك الذهب ».

إلى غير ذلك من النصوص التي لا يصلح لمعارضتها‌ صحيح زرارة (٤) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل عنده مائة درهم وتسعة وتسعون درهما وتسعة وثلاثون دينارا أيزكيها؟ قال : لا ، ليس عليه شي‌ء من الزكاة في الدراهم ولا في الدنانير حتى‌

__________________

(١) لوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٢.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٨ وذيله في الباب ١ منها ـ الحديث ١٠.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١١ وذيله في الباب ٢ منها ـ الحديث ١٠ عن زرارة وبكير وهو الصحيح.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١٤.

١٧١

تتم أربعين دينارا والدراهم مائتي درهم » وصحيح الفضلاء (١) عن الصادقين عليهما‌السلام قالا : « في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال ، وفي الورق في كل مائتين خمسة دراهم ، وليس في أقل من أربعين مثقالا شي‌ء ، ولا في أقل من مائتي درهم شي‌ء وليس في النيف شي‌ء حتى يتم أربعون ، فيكون فيه واحد » فلا بأس بطرحهما في مقابلة ما سمعت أو حملهما على إرادة الدينار الكامل الذي يجب في الأربعين وإن بعد ، بل قيل في عبارة الفقيه والهداية إشعار بذلك ، كقوله عليه‌السلام : « ليس في النيف » إلى آخره ، مع أن الثاني منهما مطلق قابل للتقييد بغيره ، بل والأول أيضا ، وأبعد من ذلك كله ما في شرح اللمعة للاصبهاني من أنه يحتمل أن يكون زرارة سأل عن دنانير هي أنصاف الدنانير المعروفة ، أو عن رجل كان عنده تسعة وثلاثون ديناراً لم يكن من ماله إلا تسعة عشر دينارا وإن لم يكن يعلم ذلك وكان عليه‌السلام يعلم ذلك ، ثم قال : وليس في الخبر الأخير ذكر للزكاة ، فيجوز أن يكونا عليهما‌السلام إنما قالا ذلك في مقابلة بين اثنين أو جماعة من بيع أو صلح أو مضاربة لم يكن فيما دون الأربعين على ما اقتضته المعاملة شي‌ء على العامل أو له مثلا شي‌ء ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( لا زكاة في الفضة حتى تبلغ مائتي درهم ، ففيها ) ربع العشر خمسة دراهم ، ثم كلما زادت أربعين كان فيها درهم بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك نصا وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص (٢) يمكن دعوى تواترها فيه وحينئذ ليس فيما نقص في جميع الموازين عن الأربعين زكاة عندنا كما ليس فيما ينقص عن المائتين شي‌ء ولو يسيرا كالحبة ونحوها وإن تسومح فيه في‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١٣ وذيله في الباب ٢ منها ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة.

١٧٢

المعاملة بحيث يروج فيها ، لأن المسامحة العرفية لا يبتني عليها الأحكام الشرعية ، إذ الحقيقة في التقدير كونه على التحقيق دون التقريب ، نعم لو كان النقصان مما تختلف به الموازين فينقص في بعضها دون بعض ففي المحكي عن المعتبر والتحرير والتذكرة ونهاية الأحكام والميسية والمسالك تجب الزكاة ، واليه يرجع ما عن البيان « في الغلات لو اختلفت الموازين فبلغ في بعضها وتعذر التحقيق فالأقرب الوجوب ».

وكيف كان فهو الأقوى ، لاغتفار ذلك في المعاملة ، فكذا هنا ، ولصدق بلوغ النصاب بذلك ، ضرورة عدم اعتبار البلوغ بالجميع ، لعدم إمكان تحققه ، فلا إشكال في الاجتزاء بالبلوغ في البعض مع عدم العلم ، بخلاف الباقي ، وليس إلا لحصول الصدق بذلك المشترك بينه وبين الفرض الذي لا مدخلية للعلم ، بخلاف الغير وعدمه فيه ، ودعوى الفرق بصحة السلب أيضا في الأول دون الثاني يدفعها منع الصحة على الإطلاق وإنما يصح مقيدا في البعض ، بخلاف الإثبات فإنه يصح إطلاقه بالبلوغ بالبعض ، كما هو ظاهر في المقام وفي أشبار الكر وأذرع المسافة وغيرها ، وتحقيق ذلك أنه لا إشكال في انصراف ما به التقدير إلى الوسط لأنه الغالب ، لكن من المعلوم أن له أفرادا متعددة فيجزي كل منها للصدق ، ودعوى اختصاص الحكم بالوسط منها أيضا يدفعها أنه ليس فرداً مخصوصاً كي ينصرف إليه الإطلاق ، على أن المدار الصدق العرفي ، وهو متحقق في أقل أفراد الوسط ، ويمكن تأييده بعد الاحتياط بإطلاق ما دل على أن الزكاة في الذهب مثلا خرج منه الناقص عن العشرين في جميع الموازين ، ويبقى ما عداه ، فما عن خلاف الشيخ وتذكرة الفاضل ـ من عدم الوجوب للأصل المقطوع بما عرفت ، ولأنه لو صدق الإثبات بالبعض لصدق السلب به ، فيبقى الأصل حينئذ سالما ، وقد عرفت الفرق بينهما ـ واضح الضعف.

وكيف كان فقد ظهر لك من ذلك كله أن للذهب نصابين وكذا للفضة ، وإن‌

١٧٣

شئت جعلته نصابا واحدا كليا بأن تقول لا شي‌ء في الذهب حتى يبلغ عشرين ، فإذا بلغ ففي كل أربعة قيراطان دائما ، ولا شي‌ء في الفضة حتى تبلغ المائتين ، فإذا بلغت ففي كل أربعين درهما درهم دائما ، ولكن الموافق لما في النصوص التعبير الأول ، ولعله لذلك عبر به الأصحاب ، والأمر سهل بعد وضوح المطلوب ، وبعد أن ظهر أن الواجب في كل منهما بعد بلوغ النصاب ربع العشر ، ولذا لو أخرجه من عنده أحدهما بعد العلم بالاشتمال على النصاب الأول أجزأ وإن لم يعتبر الجميع ، بل ربما زاد خيرا ، إذ قد يشتمل ما عنده على العفو ، كما هو واضح.

وكيف كان فـ ( الدرهم ستة دوانيق ، والدانق ثمان حبات من أواسط حب الشعير ) في العظم والصغر والرزانة والخفة بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل عن ظاهر المنتهى في الفطرة الإجماع على الأول ، بل عن ظاهر الخلاف إجماع الأمة عليه ، نحو ما في المدارك من أنه نقله الخاصة والعامة ، ونص عليه جماعة من أهل اللغة ، وفي المفاتيح « أنه كذلك باتفاق الخاصة والعامة ونص أهل اللغة » وفي الرياض لم أجد فيه خلافا بين الأصحاب ، وعزاه جماعة إلى الخاصة والعامة مؤذنين بكونه مجمعا عليه عندهم ، بل في المفاتيح نفي الخلاف أيضا عما بعد الأول ، وفي محكي المنتهى نسبته إلى علمائنا ، وفي المدارك قطع به الأصحاب ، بل عن رسالة المجلسي في تحقيق الأوزان أنه متفق عليه بينهم ، وأنه صرح به علماء الفريقين ، نحو ما في الحدائق ، إلى غير ذلك من كلماتهم المعلوم كفايتها في هذا الموضوع ، ومنه يعلم شذوذ‌ المرسل (١) عن المروزي المجهول عن أبي الحسن عليه‌السلام « إن الدرهم ستة دوانيق ، والدانق وزن ست حبات ، والحبة وزن حبتين شعيرا من أواسط الحب لا من صغاره ولا من كباره » كما اعترف به غير واحد ، فما عن مجمع البرهان « أن هذا عمدة في كثير من الأحكام ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٣ من كتاب الطهارة.

١٧٤

وما نجد له دليلا إلا أنه مشهور ونقله الأصحاب المعتمدون ، ونقلهم مقبول حتى كاد يكون إجماعا وإن كانت الرواية تخالفه » مما عساه يشعر بالتوقف فيه في غير محله ، إذ قد عرفت شذوذ الرواية ، وكفاية ما سمعته من الاتفاق المزبور دليلا لما هو أعظم منه فضلا عنه ، مضافا إلى ما عن ظاهر الخلاف من إجماع الأمة على أن الدرهم نصف مثقال شرعي وخمسه ، وعن رسالة المجلسي أنه مما لا شك فيه ومما اتفقت عليه العامة والخاصة وفيها أيضا أنه مما لا شك فيه أن المثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي ، فالصيرفي مثقال وثلث من الشرعي ، وفي الحدائق أيضا « لا خلاف بين الأصحاب وغيرهم أن الدنانير لم يتغير وزنها عما هي عليه الآن في جاهلية ولا إسلام ، صرح بذلك جملة من علماء الطرفين » قال الفاضل في النهاية أن الدنانير لم يتغير المثقال فيها في جاهلية ولا إسلام ، وكذا نقل عن الرافعي في شرح الوجيز ، قيل وشرحه الآخر لليمني.

ويتحصل حينئذ من ذلك كله ومما سمعته سابقا في القيراط والدينار أنه يكون مقدار العشرة دراهم سبعة مثاقيل شرعية أي دنانير ، فالعشرون دينارا التي هي أول نصب الذهب وزن ثمانية وعشرين درهماً وأربعة أسباع درهم ، والمائتا درهم التي هي أول نصب الفضة وزن مائة وأربعين مثقالا ، وعلم من ذلك أن المثقال درهم وثلاثة أسباع الدرهم ، كما أن الدرهم سبعة أعشار المثقال أي مثقال إلا ثلاثة أعشاره ، فهو مع ثلاثة أعشار المثقال مثقال ، بل علم أيضا أن الدرهم وزن ثمانية وأربعين حبة شعير ، والمثقال وزن ثمانية وستين حبة وأربعة أسباعها كما هو واضح بأدنى تأمل ، وعلى كل حال فالمدار في الدرهم والدينار هنا وفي الدية وغيرها على هذا الوزن ، ولا عبرة بغيره سابقاً ولاحقا ، فيرجع الأنقص منه والأزيد إليه ، فما بلغ به ترتب عليه الحكم ، إذ لا إشكال عندنا في أن العبرة بالوزن لا بالعد ، والإجماع بقسميه عليه ، وفي بعض‌

١٧٥

النصوص (١) دلالة عليه ، والظاهر وجود الدرهم بهذا الوزن في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال الفاضل في محكي المنتهى : الدراهم في بدء الإسلام كانت على صنفين بغلية ، وهي السود ، وطبرية ، وكانت السود كل درهم منها ثمانية دوانيق ، والطبرية أربعة دوانيق فجمعا في الإسلام وجعلا درهمين متساويين وزن كل درهم منها ستة دوانيق ، فصار وزن كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل بمثقال الذهب ، وكل درهم نصف مثقال وخمسه ، وهو الدرهم الذي قدر به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المقادير الشرعية في نصاب الزكاة والقطع ومقدار الدية والجزية وغير ذلك ، ونحوه عن التحرير والتذكرة وإن كان لم ينص في الأخير على أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قدر به المقادير ، وفي المحكي عن المعتبر « أن المعتبر كون الدرهم ستة دوانيق بحيث يكون كل عشرة منها سبعة مثاقيل ، وهو الوزن المعتدل ، فإنه يقال : إن السود كانت ثمانية دوانيق ، والطبرية أربعة دوانيق فجمعا وجعلا درهمين ، وذلك موافق لسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » لكن في المحكي عن نهاية الأحكام « والسبب أي في صيرورة الدرهم ستة دوانيق أن غالب ما كانوا يتعاملون به من أنواع الدرهم في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصدر الأول بعده نوعان : البغلية والطبرية ، والدرهم الواحد من البغلية ثمانية دوانيق ، ومن الطبرية أربعة دوانيق ، فأخذوا واحدا من هذه وقسموها نصفين ، وجعلوا كل واحد درهما في زمن بني أمية ، وأجمع أهل ذلك العصر على تقدير الدراهم الإسلامية بها ، فإذا زادت على الدرهم ثلاثة أسباعه كان مثقالا ، وإذا نقصت من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهما ، وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ، وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهما وسبعان ، قال المسعودي : إنما جعل كل عشرة دراهم بوزن سبع مثاقيل من الذهب لأن الذهب أوزن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٧.

١٧٦

من الفضة ، وكأنهم ضربوا مقداراً من الفضة ومثله من الذهب فوزنوهما فكان وزن الذهب زائدا على وزن الفضة بمثل ثلاثة أسباعها ، واستقرت الدراهم في الإسلام على أن كل درهم نصف مثقال وخمسه ، وبها قدرت نصب الزكاة ومقدار الجزية والديات ونصاب القطع في السرقة وغير ذلك » وبمعناه في البيان ، وفيه أن ذلك كان بإشارة زين العابدين عليه‌السلام ، وعن أبي عبيد في كتاب الأموال التصريح بأن ذلك كان في زمن بني أمية أيضا ، وربما أشكل ذلك على بعض الناس بأن تقدير الزكاة بالخمسة دراهم لا ينبغي حمله على العرف الحادث ، وفيه أنه لا دلالة في شي‌ء مما سمعت على انحصار الدراهم في تلك ، بل أقصاه غلبة المعاملة بها ، والحادث إنما هو انحصار المعاملة بها ، وهو غير قادح ، على أنه يمكن أن يكون تقدير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للزكاة بغير لفظ الدرهم بل كان شي‌ء ينطبق على هذا الدرهم الحادث الذي قدروا به أئمة ذلك الزمان ، كما هو واضح ، وعلى كل حال فلا ينبغي الإشكال في ذلك ، فان الدراهم وإن اختلفت إلا أن التقدير بما عرفت.

وفي المحكي عن كشف الرموز « أن الدرهم في قديم الزمان كان ستة دوانيق ، كل دانق قيراطان بوزن الفضة ، كل قيراط أربع حبات ، كل حبة ستة أسباع من حبات الشبه المستعملة الآن ، فالدرهم ثمان وأربعون حبة ، والدانق ثمان منها ، لأنه سدس الدرهم ، وكان الدرهم في ذلك الزمان بوزن الذهب أربعة عشر قيراطا ، فيكون وزن عشرة دراهم سبعة مثاقيل ، والزكاة إنما تجب في الدراهم إذا كانت بهذا الوزن ، فأما في زماننا هذا فالدرهم أربعة دوانيق ، كل دانق ثلاثة قراريط وحبة ، كل قيراط ثلاث حبات ، فيكون الدانق عشر حبات من حبات الشعير ، والتفاوت بين الموضعين إنما هو بثلاث السبع » وعن السرائر أن الدرهم أربعة دوانيق ، والدانق ثمان حبات ، والغرض من ذلك كله أن الدرهم مختلف بحسب الأزمنة ، إلا أن الذي وقع به التقدير‌

١٧٧

باتفاق الأصحاب على الظاهر ما عرفت ، ولعل المرسل (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام السابق محمول على درهم في ذلك الزمان وإن لم يكن به التقدير ، بل التقدير للنصاب بالدرهم المزبور ، والإخراج منه على نسبته ، كما أومى إليه في‌ خبر حبيب الخثعمي المروي في باب علة وضع الزكاة على ما هي من كتاب الكافي (٢) قال : « كتب أبو جعفر المنصور إلى محمد بن خالد وكان عامله على المدينة أن يسأل أهل المدينة عن الخمسة في الزكاة من المائتين كيف صارت وزن سبعة ، ولم يكن هذا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمره أن يسأل فيمن يسأل عبد الله بن الحسن وجعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : فسأل أهل المدينة فقالوا : أدركنا من كان قبلنا على هذا ، فبعث إلى عبد الله بن الحسن وجعفر بن محمد عليهما‌السلام فسأل عبد الله بن الحسن فقال : كما قال المستفتون من أهل المدينة ، فقال : ما تقول يا أبا عبد الله؟ فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل في كل أربعين أوقية أوقية ، فإذا حسبت ذلك كان على وزن سبعة وقد كانت وزن ستة وكانت الدراهم خمسة دوانيق ، قال حبيب : فحسبناه فوجدناه كما قال ، فأقبل عليه عبد الله بن الحسن فقال : من أين أخذت هذا؟ قال : قرأت في كتاب أمك فاطمة عليها‌السلام قال : ثم انصرف فبعث اليه محمد بن خالد ابعث إلى بكتاب فاطمة عليها‌السلام فأرسل إليه أبو عبد الله عليه‌السلام إني إنما أخبرتك أني قرأت ولم أخبرك أنه عندي ، قال حبيب : فجعل محمد بن خالد يقول لي : ما رأيت مثل هذا قط » قال في الوافي : « إن بناء هذه الشبهة وانبعاثها على تغير الدراهم في الوزن بحسب القرون ، وقد كانت في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحسب بالأوقية ، وكانت الأوقية أربعين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٣ من كتاب الطهارة وهو عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام.

(٢) فروع الكافي ج ١ ص ٥٠٧ المطبوعة عام ١٣٧٧.

١٧٨

درهما ، والدرهم ستة دوانيق ، ثم صار الدرهم خمسة دوانيق ، وكانت الزكاة وزن ستة كما يستفاد من هذا الخبر ، ولعله صار في زمن المنصور أقل من خمسة دوانيق ، وصارت الزكاة وزن سبعة ، إن قيل كما غيرت الدراهم في الزكاة غيرت أيضا في النصب قلنا إنما كان العد في الزكاة ، وأما النصب فكانوا يزنونها من غير عد » قلت : حكي عن بعض الأفاضل فيما كتبه على هذا الخبر أن الدرهم غير الطبري والبغلي على ضروب ثلاثة ، درهم زنته ستة دوانيق ، وهو الشرعي الذي كان خمسة منه أول ما يجب في نصب الفضة ودرهم زنته خمسة دوانيق ، ودرهم زنته خمسة أسباع الدرهم الشرعي ، وهو الدرهم المحدث في زمان المنصور وما قاربه ، وقرر الوجه في سؤال المنصور أنه لما كان المشهور في عصره أن سبعة دراهم غير تلك الدراهم المحدثة هي أول ما يجب في نصب الفضة مع أن هذا المحدث لم يكن في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يرد فيه رواية والروايات وردت في الخمسة دراهم استفسر عن هذا واستعلم حقيقته ثم طبق جواب الامام عليه‌السلام على ذلك ، لكن عن آخر أن حاصل السؤال أن هذه الدراهم لم تكن في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكيف صار المائتان نصابا أولا زكاته خمسة دراهم ، وحاصل الجواب : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جعل النصاب الأول أربعين أوقية ، زكاتها أوقية ، وكان هذا القدر المخرج أي الأوقية وزن سبعة دراهم في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم زيد في قدر الدرهم فصار وزن ستة دراهم ، لأن كانت الدراهم بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة دوانيق ، ثم صارت الأوقية وزن خمسة دراهم بعد أن زيد دانق في الدرهم ، فالنصاب الأول وزن خاص لم يتفاوت ، نعم كان هذا القدر في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مائتين وثمانين درهما ، ثم صار مائتين وأربعين ، ثم صار مائتين ، فالنصاب قد نقص في عدد الدراهم ، والدرهم قد زيد في قدره ، لكن نسبة المخرج إلى النصاب لم تتفاوت ، قلت : والمدار عليها لا على غيرها من العد ونحوه كما عرفته سابقا ، ولا أظن أنه يخفى عليك شي‌ء بعد‌

١٧٩

الإحاطة بجميع ما ذكرناه ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( من شرط وجوب الزكاة فيهما ) مضافا إلى بلوغ النصاب كونهما مضروبين من سلطان الوقت أو مماثله دنانير أو دراهم منقوشين بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم ، بل في الغنية والتذكرة والمدارك ومحكي الانتصار الإجماع عليه ، وإن زاد في الأول أو سبائك فر بسبكها من الزكاة الذي هو بمعنى ما في الوسيلة من كونهما مضروبين منقوشين أو في حكم المضروب المنقوش ، لأن المراد من الشرط كما في شرح اللمعة للاصبهاني كونهما كذلك في الجملة ، لكن لا يخفى عليك ما فيه من اقتضائه وجوب الزكاة في المسبوكين لا بقصد الفرار ، نعم الذي يمكن تحصيله من الإجماع عدم الوجوب في غير المضروب المنقوش أصلا والمسبوك منه لا بقصد الفرار ، ولعله المراد له بل ولغيره ممن حكى الإجماع ، لما تعرفه إن شاء الله من كثرة المخالفين في المسبوك فرارا ، وحينئذ فهو الدليل على المطلوب ، مضافا إلى‌ خبر علي بن يقطين (١) عن أبي إبراهيم صلوات الله عليه « وكل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي‌ء ، قال : قلت : وما الركاز؟ قال : الصامت المنقوش » ومضمر مرسل جميل (٢) « ليس في التبر زكاة ، إنما هي على الدنانير والدراهم » وخبره الآخر (٣) عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام وإلى ما دل على نفيها عن السبائك والحلي والنقار والتبر من الأخبار (٤) وهي كثيرة.

والمراد من النقش أنه يكون بسكة المعاملة كما نص عليه غير واحد ، بل هو من معقد إجماع المدارك ، بل هو المنساق من غيره أيضا حتى خبر ابن يقطين ، بل قيل لعله يفهم ذلك من تعبير الأكثر بالدرهم والدينار ، قلت : وحينئذ يدل عليه الخبران‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ و ٩ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة.

١٨٠