جواهر الكلام - ج ١٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

العشر فنازلا ، كما أن الداعي إلى ضبطها بالشاة وبنت المخاض ونحوها دون القيم سهولة معرفة ذلك بالنسبة إليهم في ذلك الوقت وتيسره لهم ، ولذلك خير في الجبر بين الشاتين والعشرين درهما ، مضافا إلى احتمال التفاوت بين الحصة المقدرة بمقابلة الشاة وبين الحصة المقابلة بقيمتها المحمولة على الدراهم والدنانير ، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع ، وإعطاء البدل غير العين أو القيمة غير مناف بعد أن كان ذلك بدليل شرعي معتبر مبني على الإرفاق بالمالك ، كما يومي اليه خبر المصدق (١) على أن ذلك معارض بتخلف لوازم كونها في الذمة كما عرفت ، ورفع اليد عن القولين باعتبار تخلف اللازمين مع بعد تسليم إمكانه إحداث قول ثالث ، كما هو واضح.

وعلى كل حال فقد ظهر لك من ذلك اندفاع ما عساه يقال من أنه على تقدير العين يلزم استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه في نحو‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « في الست وعشرين بنت مخاض » بالنسبة إلى ما إذا كانت جزءا منه وما لم تكن بإرادة العين في الأول وما يقابل القيمة في الثاني ، لما عرفت من اتحاد المراد في الجميع ، وكذا اندفاع الإشكال الذي استعظمه جملة من الفضلاء ـ على قول من سمعت من الأصحاب بأن أقل الفريضة في الغنم الجذع ، وهو ما كمل له سبعة أشهر ، بأن الفريضة جزء من النصاب ، فلا بد من حول الحول عليها كالنصاب ، فكيف تكون سبعة أشهر ، إذ قد عرفت أن ذلك التقدير للفريضة التي هي حقيقة الحصة الشائعة في مجموع النصاب ، بل هي على النسبة في كل جزء جزء من النصاب ، ولا فرق فيما به التقدير بين السبعة أشهر والأقل والأكثر ، كما هو واضح ، وإطلاق اسم الفريضة على ما به التقدير باعتبار انطباقه عليها في حال الإخراج وأن الشارع اعتبر تقدير الفريضة ، بل لعله المراعى في التقويم دون الحصة ونحو ذلك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٤.

١٤١

لا أنه الفريضة أولا وبالذات ، بل ظهر مما ذكرنا كيفية تعلقها بالعين ، وأنها على جهة الإشاعة في مجموع أجزاء النصاب كما هو الظاهر من كلام الأصحاب على ما اعترف به في المدارك ، بل عن إيضاح الفخر نسبته إليهم ، لا أنه تعلق رهانة والمال في الذمة أو ليس فيها ، ولا أرش جناية كذلك ، لما سمعته من الأدلة الظاهر بعضها إن لم يكن جميعها أو الصريح في نفي هذين الاحتمالين ، لكن في التذكرة بعد البناء على أنها في العين قال : « وهل يصير أهل السهمين بقدر الزكاة شركاء لرب المال؟ الأقرب المنع ، وهو أحد قولي الشافعي ، وإلا لما جاز للمالك الإخراج من غيره ، ويحتمل ضعيفا الشركة » ثم ذكر الاحتمالين المزبورين غير مرجح أحدهما على الآخر وذكر ما يتفرع عليهما وعلى الشركة وقال في البيان : « في كيفية تعلقها بالعين وجهان ، أحدهما أنه طريق الاستحقاق فالفقير شريك ، وثانيهما أنه استيثاق فيحتمل أنه كالرهن ، ويحتمل أنه كتعلق أرش الجناية بالعبد ، وتضعف الشركة بالإجماع على جواز أدائها من مال آخر ، وهو مرجح للتعلق بالذمة ، وعورض بالإجماع على تتبع الساعي العين إذا باعها المالك ، فلو تمحض التعلق بالذمة امتنع ـ ثم قال : ـ ويحتمل أن يفرد تعلق الزكاة في نصب الإبل الخمسة بالذمة لأن الواجب شاة ، وليست من جنس المال ، ويجاب بأن الواجب في عين المال قيمة شاة » والجميع كما ترى ، والأصل في هذه الاحتمالات العامة وإن تبعهم عليها غيرهم غفلة عما تقتضيه نصوصنا وغيرها ، وحينئذ فلو باع المالك النصاب نفذ في نصيبه قولا واحدا كما اعترف به في البيان ، ووقف في حصة الفقير على إجازة الإمام عليه‌السلام أو وكيله ، فيأخذ من الثمن بالنسبة ، ولو أدى المالك الزكاة من غيره بعد البيع لم يجد في الصحة ، ضرورة عدم الملك حال البيع ، اللهم إلا أن يجعل الشرط الملك ولو متأخرا عنه ، وفيه بحث أو منع ، وما يقال إن التأدية من الغير تقوم مقام الإجازة يدفعه ـ بعد اختصاصه بالتأدية للإمام عليه‌السلام أو وكيله دون الفقير الذي لا تجدي الإجازة منه ، لعدم الولاية له ، وعدم‌

١٤٢

اختصاص الحق به ـ أن المتجه حينئذ الرجوع بالثمن على النسبة كما هو مقتضى الإجازة ، اللهم إلا أن يكون ذلك معاوضة عنه ، وهو كما ترى.

نعم لو ضمن المال قبل البيع وقلنا بصحة الضمان له على معنى أن له نقل المال إليه بالقيمة في ذمته اتجه حينئذ الجواز لحصول الشرط ، لكن في‌ صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) « قلت للصادق عليه‌السلام : رجل لم يزك إبله وشاته عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى ، قال : نعم تؤخذ زكاتها وتبع البائع أو يؤدي زكاتها البائع » واحتمله في البيان ، قال : « إذا باع بعد الوجوب نفذ في قدر نصيبه قولا واحدا ، وفي قدر الفرض يبني على ما سلف ، فعلى الشركة يبطل البيع فيه ويتخير المشتري الجاهل لتبعض الصفقة ، فإن أخرج البائع من غيره ففي نفوذ البيع فيه إشكال من حيث أنه كإجازة الساعي ، ومن أن قضية الإجازة تملك المجيز الثمن ، وهنا ليس كذلك ، إذ قد يكون المخرج من غير جنس الثمن ومخالفا له في القدر » قلت : يمكن أن يكون بمنزلة الإجازة له في ضمانه إياه ونقله اليه ، ثم قال : « وعلى القول بالذمة يصح البيع قطعا فإن أدى المالك لزم ، وإلا فللساعي تتبع العين ، ويتجدد البطلان ويتخير المشتري ، وعلى الرهن يبطل البيع إلا أن يتقدم الضمان ويخرج من غيره ، وعلى الجنابة يكون البيع التزاما بالزكاة ، فإن أداها نفذ ، وإن امتنع تتبع الساعي العين ، وحيث قلنا بالتتبع لو أخرج البائع الزكاة فالأقرب لزوم البيع من جهة المشتري ، ويحتمل عدمه ، إما لاستصحاب خياره ، وإما لاحتمال استحقاق المدفوع ، فتعود مطالبة الساعي » قلت : فيه أن المتجه على الأول عدم تبعية الساعي العين ، لعدم تعلق الحق بها كما هو الفرض ، وقد يقوى الصحة على الثاني إذا تعقبه الفك بأداء الزكاة من غيره على ما تسمعه إن شاء الله في كتاب الرهن ، وكأنه عرض بما ذكره لما في التذكرة ، قال : « فإذا باع النصاب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

١٤٣

بعد الحول وقبل الإخراج فالبيع في قدر الزكاة مبني على الأقوال ، فمن أوجبها في الذمة جوز البيع ، ومن جعل المال مرهونا فالأقوى الصحة ، وإن قيل بالشركة فالأقوى الصحة أيضا ، لعدم استقرار حق المساكين ، فان له إسقاطه بالإخراج من غيره ، وإن قيل تعلق أرش الجاني ابتنى على بيع الجاني ، والوجه ما قلناه من صحة البيع مطلقا ، ويتبع الساعي المال إذا لم يؤد المالك المال ، فينفسخ البيع فيه على ما تقدم ، ولو لم يؤد المالك من غيره ولم يأخذ الساعي من العين كان للمشتري الخيار ، لتزلزل ملكه ، وتعرض الساعي به متى شاء ، ولو دفع المالك الزكاة من موضع آخر سقط خيار المشتري لزوال العيب ، ويحتمل ثبوته ، لإمكان أن يخرج المدفوع مستحقا ، فيتبع الساعي المال ـ ثم قال ـ : ولو قلنا ببطلان البيع في قدر الزكاة كما اختاره الشيخ صح البيع في الباقي ، فللمشتري الخيار ، ولا يسقط خياره بأداء الزكاة من موضع آخر ، لأن العقد في قدر الزكاة لا ينقلب صحيحا بذلك ».

وفيه مواضع للنظر لا تخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا ، كما لا يخفى عليك أنه لا يتجه ما ذكراه من صحة البيع على تقدير الشركة في نصيبه إلا على المختار من أن الشركة على جهة الإشاعة في كل جزء من أجزاء النصاب دون الشركة على جهة الترديد في الكلي بمعنى أن للفقير شاة من الأربعين مثلا دائرة ، لا أن له في كل شاة جزءا ، إذ هو مع أنه خلاف ظاهر الأدلة السابقة لا يتم القول بالصحة في نصيبه عليه ، للإبهام والاجمال في كل من نصيب الفقير والمالك ، فلا يصح بيع واحد منهما ، لأنه بمنزلة بيع شاة من هذه الشياة وعبد من هؤلاء العبيد ، وقد عرفت الإجماع على الصحة في نصيب المالك ، بل قد يستفاد مما هنا قوة ما ذكرناه سابقا من تعلق الزكاة بالنصاب والعفو لو كان ، لا أنها مختصة به دون العفو ، فإنه قد لا يتجه صحة البيع حينئذ للإبهام والاجمال‌

١٤٤

أيضا ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

وكيف كان ( فـ ) على المختار إذا تمكن من إيصالها أي الزكاة إلى مستحقها فلم يفعل فقد فرط فإذا فرط فان تلفت لزمه الضمان بلا خلاف في الثاني ولا إشكال ، ضرورة معلومية هذا الحكم في الأمانات التي هذه من جملتها ، بناء على أنها في العين ، وأما الأول فلا ريب فيه على تقدير عدم جواز التأخير له ، إذ هو حينئذ كالغاصب ، أما على الجواز كما هو مقتضى جملة من النصوص المعتبرة على ما تعرفه في محله فلعل الضمان فيه حينئذ للإجماع المحكي إن لم يكن المحصل ، وصحيح ابن مسلم (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم؟ فقال : إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها اليه فهو لها ضامن حتى يدفعها وإن لم يجد لها من يدفعها اليه فعبث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان ، لأنها قد خرجت من يده ، وكذلك الوصي الذي يوصى اليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه اليه ، وإن لم يجد فليس عليه ضمان » وصحيح زرارة (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت ، فقال : ليس على الرسول ولا على المؤدي ضمان ، قلت : فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت أيضمنها؟ قال : لا ولكن إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها » وبهما يقيد إطلاق ما دل على عدم الضمان بالإرسال ونحوه ، كما أنه لا منافاة بينهما وبين ما دل على جواز التأخير والإرسال ونحوهما ، لعدم التضاد بين الجواز والضمان الذي لم يعتبر فيه الإثم في شي‌ء من الأدلة كما هو واضح ، وإطلاق التفريط في المتن وغيره عليه من حيث ترتب الضمان به لا من جهة الإثم ، وربما تسمع فيما يأتي إن شاء الله تعالى زيادة تحقيق للمسألة.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٢.

١٤٥

وكذا يلزمه الضمان لو تمكن من إيصالها إلى الساعي أو الإمام عليه‌السلام لكون الإيصال إليهما إيصالا إلى أهلها ، بل الظاهر أن الحكم كذلك في المجتهد أو وكيله بالنسبة إلى هذا الزمان ، لاتحاد المدرك في الجميع ، وهو عموم ولايتهم ، والله أعلم.

ولو أمهر امرأة نصابا ملكته بالعقد كما تعرفه في محله إن شاء الله ، وحينئذ فلو أقبضها إياه وحال عليه الحول في يدها وجب عليها الزكاة بلا خلاف ولا إشكال فيه ، لإطلاق الأدلة السالم عن المعارض ، وكونه في معرض السقوط أو التشطير غير قادح كما في الهبة وغيرها ولو طلقها قبل الدخول وبعد الحول ولم تخرج بعد الزكاة من العين ولا من الغير مع تمكنها من الإخراج كان له النصف موفرا ، وعليها حق الفقراء فتخرجه من نصيبها أو غيره للآية التي يمكن امتثالها ، بخلاف ما لو وجده تالفا فإنه ينتقل للقيمة ، وخطاب الزكاة خاص بها لا مدخلية للزوج به ، فلا ينقص من نصيبه شي‌ء ، لكن قد يناقش فيه في بادئ النظر بأن مقدار الزكاة قد خرج عن ملكها بحول الحول ، فليس الباقي في يدها إلا ما عداه ، والطلاق إنما يفسخ المملك الذي هو عقد النكاح في النصف ، وهو حقيقة الحصة المشاعة في جميع المهر ، فمع فرض ذهاب شي‌ء منه يتعذر من النصف نسبته ، فينتقل إلى القيمة ، لا أنه يذهب جميعه منها ، وإلا لاقتضى فيما لو تلف منه النصف قبل الطلاق انحصار حقه فيما بقي في يدها من النصف الآخر ، وهو معلوم البطلان ، ضرورة عدم كون ما في يدها النصف المشاع حقيقة وإن أطلق عليه اسم النصف ، فالمتجه حينئذ في الفرض انتقال النصف المشاع في غير فريضة الزكاة للزوج وتغرم له قيمة النصف من الفريضة ، ويكون المراد مما في المتن ونحوه من أن له النصف موفراً عدم النقصان في حقه باعتبار ضمانها له قدر الفائت ، لا أن له النصف كملا من الموجود ، واحتمله في المدارك تبعا للمسالك.

ومن هنا كان المحكي عن المبسوط فيما نحن فيه أن لها الإخراج من الغير ومن‌

١٤٦

العين ، ويكون الحكم كما لو طلقها بعد الإخراج كذلك ، واحتمله في البيان ، قال « ولو طلق قبل الدخول بعد الحول وجبت الزكاة عليها ، فان طلق بعد الإخراج أخذ نصف الباقي ونصف قيمة المخرج ، ولا ينحصر حقه في الباقي على الأقوى ، وإن طلق قبل الإخراج احتمل أن لها الإخراج من العين وتضمن للزوج ، فلو اقتسمها قبل الإخراج فالأقوى صحة القسمة وتضمن للساعي ، فلو أفلست فله الرجوع على الزوج ، ثم هو يرجع عليها ، ولو طلق قبل تمكنها من الإخراج لم تسقط زكاة ما أخذ الزوج ، لرجوع عوضه إليها ، وهو البضع ، بخلاف ما إذا تلف بعض النصاب قبل التمكن من الإخراج » وكذا الدروس ، قال : « ولو تشطر قبل الدخول وبعد الحول فالزكاة عليها وفي جواز القسمة هنا نظر ، أقربه الجواز وضمانها ، وبه قطع في المبسوط ، فلو تعذر أخذ الساعي من نصيب الزوج ، ورجع الزوج عليها ، ولا يسقط وجوب الزكاة في النصف هنا لو طلق قبل إمكان الأداء ، لرجوع العوض إليها ».

قلت : لا يخفى عليك ـ بناء على ما ذكرنا سابقا من التعلق بالعين على جهة شركة الإشاعة ـ أن المتجه استحقاقه النصف كملا من العين ، لعدم المعارضة بين الخطاب به والخطاب بالزكاة بعد فرض الإشاعة في كل منهما ، فكل شاة مثلا نصف منها للزوج وجزء من أربعين جزء للفقير ، فهو حينئذ كالنصف مثلا والثلث في المواريث ، ويختص النقصان حينئذ في نصيبها خاصة ، لأن الباقي بعد إخراج الحصتين لها ، نعم لو أن خطاب الزكاة يقتضي شاة مخصوصة أو شاة كلية مرددة اتجه حينئذ انتقال نصف الموجود له ، وغرامة ما فات بالزكاة عليها ، ومن ذلك ظهر لك أن ليس لها الإخراج من العين قبل القسمة كما عن المنتهى والتحرير التصريح به ، لكون المال مشتركا بينها وبين الزوج والفقراء ، بل عن الشافعي المنع من القسمة قبل أداء الزكاة إلا أن تنتقل إليها بضمان ونحوه ، فتختص الشركة بينها وبين الزوج ، فتصح القسمة ، نعم يمكن أن يقال بصحة‌

١٤٧

القسمة مراعاة بالأداء على نحو ما سمعته في بيع النصاب ، ولا فرق في الحكم المزبور بين طلاقها قبل التمكن من الأداء أو بعده ، ضرورة حصول ملك الفقير بحول الحول ، وعدم معارضة ما ثبت للزوج بالطلاق له ، مضافا إلى تأخره عن خطاب الزكاة كما هو الفرض ، فلا حاجة إلى التعليل برجوع العوض إليها ، وهو البضع.

فمن الغريب ما عن التحرير من أن الوجه سقوط نصف الفريضة ، وأغرب منه التعليل له بأنه كالتلف قبل التمكن ، ولم يثبت عنده عوضية البضع ، ضرورة وضوح الفرق بين المقامين ، وعدم بناء المسألة على عوضية البضع وعدمها ، على أن المحكي عنه والمنتهى أنه قرب وجوب الزكاة فيما لو انفسخ النكاح بعيب وسقط المهر كله ، وإن ضمنت قدر المأخوذ فيها ، ولا فرق بين المسألتين ، اللهم إلا أن يخصا ذلك بما إذا كان بعد التمكن وإن كان هو غير مجد لهم في الحكم في أصل المسألة ، لأن التمكن من الأداء معتبر في الضمان لا في الوجوب ، والفرض أن خطاب النصف أو الكل حصل بعد خطاب الزكاة ، فهو كما لو كان تالفا من يدها ، وهو واضح.

هذا كله فيما لو طلقها قبل الإخراج من العين ، أما لو كان بعده فالمتجه أخذ نصف الموجود وغرامة نصف قيمة المخرج في الزكاة أو نصف مثله إن كان مثليا ، ولا ينحصر حقه في الباقي وفاقا لما سمعته من الدروس والبيان ، وهو المحكي عن التذكرة في آخر كلامه خلافا للمحكي عن المبسوط والتحرير وغيرهما ، فحصروه في الباقي ، بل ربما استظهر من المتن والقواعد ومحكي المنتهى ، ولعله لإطلاق كلامهم وإن كان قد يحتمل كون موضوع المسألة في كلامهم ما كان قبل الإخراج ، وقد عرفت أن التحقيق فيها ذلك.

وعلى كل حال فلا ريب في أن الأقوى ما ذكرنا ، لما عرفت من أن نصف المهر حقيقة الحصة المشاعة في جميع أجزائه ، فمع فرض تلف شي‌ء ولو بالانتقال إلى الغير يسقط من النصف على النسبة ، وإن غرمت له القيمة أو المثل ، لأنه في يدها مضمون‌

١٤٨

عليها ، وبذلك ظهر لك الفرق بين الطلاق قبل الإخراج وعدمه ، ضرورة عدم ملك الفقير في الأول لجميع الشاة بل حصة منها لا تعارض ملك الزوج لنصفها ، بخلاف الثاني الذي قد ملك الفقير فيه جميع الشاة ، كما هو واضح ، أما لو كان الإخراج من غير العين فلا خلاف أجده في استحقاق الزوج النصف كملا من المجموع ، لوجود المقتضي ، وهو الطلاق ، وعدم المانع كما عرفت ، وما يتوهم في بادئ النظر من أن ذلك انتقال جديد إليها بسبب أداء القيمة أو غيرها ، والطلاق إنما يفسخ الملك الحاصل لها بسبب النكاح دون غيره من النواقل الجديدة ، فلو فرض انتقال المهر عنها بهبة أو نحوها ثم عاد إليها بإرث أو غيره ثم طلقها قبل الدخول لم يكن له إلا القيمة ، لأن الطلاق فاسخ لا ناقل ـ يدفعه ـ بعد تسليم أن ليس له إلا القيمة فيما فرض مثالا لما نحن فيه ـ أن ما هنا ليس كذلك ، لما عرفت من عدم المعارضة بين حق الزكاة وما يثبت للزوج من النصف ، لكونهما حقين مشاعين في المال المحتمل لهما من غير عول كما أوضحناه سابقا ، فلا فرق بين بقائه للفقير وبين انتقاله عنه حينئذ ، والله أعلم.

ولو هلك النصف بعد قسمته مع الزوج قبل أداء الزكاة حيث يصح لها ذلك بتفريط منها ولم تؤد الزكاة لفلس أو غيره كان للساعي أن يأخذ حقه من العين التي في يد الزوج ويرجع الزوج عليها به ، لأنه مضمون عليها إلا أن الظاهر كون حقه نصف الزكاة لا تمامها بناء على ما عرفته من الإشاعة ، ويتبعها أي الساعي في النصف الآخر ، لأن الفرض التفريط منها ، نعم إذا لم يكن تفريط فلا رجوع له عليها ، وأما احتمال رجوعه بتمام الزكاة على ما في يد الزوج فلا يتم على ما قلناه من تعلقها بالعين على وجه الإشاعة لا الكلي في النصاب ، كما أن المتجه بناء على ما ذكرنا لو كان التلف بعد الطلاق انتقال نصف الموجود إلى الزوج ، ويغرمها ما قابل النصف التالف ، لا أنه يختص بالموجود ، ضرورة اقتضاء الشركة ذلك ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، والله أعلم.

١٤٩

ولو كان عنده نصاب فحال عليه أحوال فإن أخرج زكاته في رأس كل سنة من غيره تكررت الزكاة فيه لعدم نقصانه وإن لم يخرج من غيره وجب عليه زكاة حول واحد لحصول النقصان حينئذ بناء على المختار من كون التعلق في العين تعلق شركة ، أما على تقدير وجوبها في الذمة فالمتجه حينئذ تكرار الزكاة في كل سنة ولو وصل إلى حد يستوعب النصاب أو يزيد عليه بتعاقب السنين ، وهو واضح ، نعم لو كان عنده أكثر من نصاب كتسعة وأربعين من الغنم مثلا فحال عليه الحول كانت الفريضة في النصاب ويجبر في الحول الثاني من الزائد فتجب فريضته وهكذا في كل سنة حتى ينتهي الزائد فينقص المال عن النصاب كما في السنة الحادية عشر في المثال المفروض فإنه لا تجب فيها زكاة لنقصان النصاب في السنة العاشرة وكذا لو كان عنده ست وعشرون من الإبل ومضى عليها حولان وجب عليه للحول الأول بنت مخاض فينقص النصاب ويرجع في السنة الأخرى إلى نصاب الخمس وعشرين ، فيجب فيه خمس شياه ، فان مضى عليها ثلاثة أحوال وجب عليه للأول بنت مخاض وللثاني خمس شياه ، وللثالث أربع شياه ، لنقصانه عن نصاب الخمس وعشرين بالسنة الثانية ، فيرجع إلى نصاب العشرين الذي فيه أربع ويكون المجموع حينئذ تسع شياه وذلك كله واضح ، لكن في المدارك « لا يخفى أن ذلك مقيد بما إذا كان النصاب بنات مخاض ، أو مشتملا عليها ، أو قيمة الجميع قيمة بنت المخاض ، أما لو انتفت الفروض فان كانت زائدة عن قيمة بنت المخاض أمكن أن يفرض خروج قيمة بنت المخاض عن الحول الأول من جزء وأخذه من النصاب ، ويبقى منها قيمة خمس شياه عن الحول الثاني ، فتجب في الثالث خمس شياه أيضا ، ولو كانت ناقصة عن قيمة بنت المخاض نقص النصاب في الحول الثاني عن خمس وعشرين ، فيجب فيه أقل من خمس شياه ، كما لا يخفى » وهو جيد وإن كان ما فرضه أخيرا يمكن أن‌

١٥٠

يحصل في نصاب بنت المخاض أو المشتمل عليها إذا فرض كونها من الأفراد العائبة ، فان الواجب للفقير حينئذ في النصاب قيمة الوسط من بنت المخاض ، وخطاب الزكاة لا يتعلق في بنت المخاض التي هي أحد أجزاء النصاب ، بل الواجب فيها جزء أيضا كغيرها ، كما هو واضح ، والأمر سهل ، هذا ، ولا أظنك تحتاج بعد ذلك إلى كيفية تفريع هذه الفروع ونظائرها على قولي تعلق الرهانة وأرش الجناية مع كونها في الذمة وعدمه ، وما يتأتى منها وما لا يتأتى ، ولا كيفية التفريع ، لوضوحه بأدنى تأمل حتى مسألة الضمان بالتمكن من الإيصال للمستحق وعدمه ، وإن كان قد يقال : إن مسألة الضمان وعدمه لا تبتني على الأقوال ، لوفاء الأدلة من الإجماع والنصوص ، فلاحظ وتأمل جيدا.

والنصاب المجتمع من المعز والضأن وكذا من البقر والجاموس وكذا من الإبل العراب والبخاتي تجب فيه الزكاة بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، لكون الجميع من جنس واحد هنا ، ولتعليق الزكاة على اسم الإبل والبقر والغنم الشامل للجميع ولكن الكلام في أن المالك بالخيار في إخراج الفريضة من أي الصنفين شاء تساوت القيم أو اختلفت كما هو ظاهر القواعد والإرشاد وصريح جماعة من متأخري المتأخرين ، وربما لاح من السرائر ، أو أنه يجب التقسيط والأخذ من كل بقسطه مع تفاوت القيم على معنى إخراج فريضة قيمتها مقسطة على الصنفين على النسبة كما هو خيرة الفاضل في بعض كتبه والشهيدين والكركي وأبي العباس والصيمري ومحكي المبسوط وغيره ، بل قيل : إنه المشهور ، لأنه الذي تقتضيه قاعدة الشركة ، فلو كان عنده عشرون بقرة وعشرون جاموسة وقيمة المسنة من أحدهما اثنا عشر ومن الآخر خمسة عشر أخرج مسنة من أي الصنفين شاء قيمتها ثلاثة عشر ونصف التي هي مجموع نصفي القيمتين ، بل احتمل في البيان أنه يجب في كل صنف نصف مسنة أو قيمته كما عن‌

١٥١

بعض العامة ، ثم قال : « ورد بأن عدول الشرع في الناقص عن ست وعشرين من الإبل إلى غير العين إنما هو لئلا يؤدي الإخراج من العين إلى التشقيص ، وهو هنا حاصل ، نعم لو لم يؤد إلى التشقيص كان حسنا ، كما لو كان عنده من كل نصاب » وفيه أن التشقيص لازم بناء على ما سمعته سابقا من كيفية تعلقها بالعين ، بل عند التأمل مرجع هذا الاحتمال إلى القول بالتقسيط السابق ، ضرورة أنه مع فرض عدم الفريضة التي قيمتها ما عرفت ينتقل إلى التنصيف المزبور في القيمة ، بل هذا الاحتمال أوفق بقواعد الشركة عند التأمل ، نعم هو مناف لإطلاق ما دل على إجزاء مسمى الفريضة كمنافاة القول بالتقسيط لذلك ، وكشف الحال بناء على ما ذكرناه من كيفية تعلق الزكاة في العين وأنها على الإشاعة وأن هذه المسماة بالفريضة ذكرت ضبطا لتلك الحصة المتعلقة بالمال ، ومن هنا انصرفت إلى الوسط من المسمى ، فلا يجزي الأدنى ، ولا يكلف الأعلى ، وحينئذ لا تفاوت في كون النصاب جميعه من الجاموس أو من البقر أو مجتمعا بعد فرض كون الجميع من جنس واحد هنا ، والحصة واحدة ، لتقديرها بأقل أفراد الوسط من الجنس ، فإذا دفعه من أي صنف يكون أجزأ ، لصدق الامتثال ، وإن تطوع بالعالي من إفراط الوسط زاد خيرا كما لو تطوع بأعلى أفراد الجنس ، نعم لا يجزيه الأدنى من أفراد الصنف الأدنى من أفراد الجنس ، لأنه أدنى الجنس حينئذ ، وقد عرفت تقدير حصة الفقير بغيره ، بخلاف الوسط من أي صنف يكون ، فإذا كان الأمر كذلك لم تكن قاعدة الشركة تقتضي التقسيط المزبور.

نعم لو كان هناك خطابان : أحدهما يقتضي وجوب تبيع الجاموس لو كان هو النصاب والآخر يقتضي تبيع البقر اتجه مراعاة الأمرين في الاجتماع على حسب النسبة ، لا ما نحن فيه الذي ليس فيه إلا خطاب واحد ، وهو‌ قوله عليه‌السلام : « في كل‌

١٥٢

ثلاثين من البقر تبيع » مثلا ، والفرض شموله للصور الثلاثة ، كما أن ظاهره يقتضي اتحاد الفريضة فيها أجمع ، وليس إلا على ما ذكرنا ، لأن الفريضة في كل صورة مغايرة للأخرى ، ضرورة عدم إمكان استفادة ذلك من نحو الخطاب المزبور بناء على التعلق بالعين على الوجه الذي ذكرناه ، كما هو واضح بأدنى تأمل.

ومن ذلك ظهر لك قوة القول الأول وأن المالك بالخيار لكن على الطريق المزبور وأنه لا ينافي القول بالشركة التي قد عرفت كونها على الوجه المذكور ، بل ليس النصاب المجتمع من الصنفين إلا كالنصاب من الصنف الواحد المختلفة أفراده بالجودة ، فإنه لا إشكال في عدم التقسيط فيه ، فكذا ما نحن فيه ، ضرورة عدم الفرق بين اختلاف القيمة في أفراد الصنف الواحد والصنف المتعدد بعد الاتحاد في الجنس الذي هو مورد خطاب الزكاة ، وصدق اسم الفريضة على كل من الفردين ، والفرض أن التقدير بها كما هو واضح ، بل ظهر مما ذكرنا أنه يجزى عن نصاب كل من الصنفين فرد من الصنف الآخر ، فيجزي عن نصاب الضأن ثني من المعز ، وعن نصاب المعز جذع من الضأن كما عن التذكرة التصريح به ، بل عنها أيضا والمبسوط أنه إذا كان المال ضأنا أو ماعزاً كان الخيار لرب المال ، إن شاء أعطى من الضأن ، وإن شاء من الماعز ، وهو موافق لما قلناه هنا ، لكن المحكي عنهما فيما نحن فيه التقسيط ، وهو مناف لذلك ، إلا أن يحمل على عدم اختلاف القيمة ، إذ الظاهر عدم اعتبار التقسيط ، لعدم الفائدة فيه وإن اقتضاه إطلاق بعضهم ، لكن يجب تنزيله على اختلاف القيمة ، بل ربما كان في كلامه ما يشهد بذلك ، وعلى كل حال فالتحقيق ما عرفت.

ولو قال رب المال : لم يحل على مالي الحول أو قد أخرجت ما وجب علي أو تلف ما ينقص تلفه النصاب أو لا حق علي أو نحو ذلك قبل منه ما لم يعلم كذبه بلا خلاف يظهر منا كما اعترف به في الجملة بعضهم للأصل في البعض وقول أمير المؤمنين‌

١٥٣

عليه‌السلام (١) في حسن يزيد بن معاوية لمصدقه : « ثم قل لهم يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم ، فهل لله في أموالكم حق فتؤدوه إلى وليه؟ فان قال لك قائل : لا فلا تراجعه ، فان أنعم لك منعم منهم فانطلق معه » وفي رواية أخرى (٢) « فإن ولى عنك فلا تراجعه » مؤيدا ذلك كله بأن الإخراج حق له ، لكونه ولاية كولاية الوكيل ، كما هو حق عليه ، ولأنه لا يعلم غالبا إلا من قبله ، لعدم انحصار المستحق حتى يستعلم ، خصوصا وقد جاز احتسابها من دين وغيره مما يتعذر الاشهاد عليه ، ولأنه عبادة فيقبل قوله في أدائها ولم يكن عليه بينة ولا يمين في ذلك وإن كان مخالفا للأصل بلا خلاف أجده ، نعم في الدروس يصدق المالك في تلفها بظالم وغيره بيمينه بعد الحكم بتصديقه في عدم الحول بغير اليمين ، قيل : ولعله لكون الأولى على خلاف الأصل دون الثانية ، لكن مقتضاه ثبوته في كل ما كان من هذا القبيل حتى الإخراج ، اللهم إلا أن يفرق بينه وبين غيره بأنه عبادة ، فلا يكلف البينة على أدائها بخلاف غير الإخراج.

وكيف كان فـ ( لو شهد عليه شاهدان ) بأنه قد حال الحول أو أن المال موجود غير تالف قبلا لعموم ما دل على قبول البينة ، ولا معارض له حتى الحسن المزبور (٣) الظاهر في غير المفروض ، أما لو شهدا بعدم الإخراج فإن كان مع دعوى المالك الإخراج في صورة يمكن الشهادة بنفيها ، كأن يقول : دفعت الزكاة إلى هذا المستحق في اليوم الفلاني من غير محاسبة عليه بدين ونحوه فشهدا بأنه لم يكن في ذلك اليوم في هذا البلد ودفعت الشاة الفلانية في يوم كذا فشهدا بأنها قبله ونحو ذلك فلا إشكال في القبول ، لأنه وإن كان نفيا إلا أنه باعتبار كونه شيئا مخصوصا يرجع إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١ لكن روى عن بريد بن معاوية.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

١٥٤

الإثبات ، بخلاف النفي المطلق الذي لا يمكن العلم به غالبا ، وكذا لا تقبل دعوى المالك مع العلم بكذبها ، ضرورة أولوية ذلك من عدم سماعها مع الشهادة عليه بخلافها ، مضافا إلى أدلة الأمر بالمعروف وغيره ، وبه صرح في الروضة وغيرها ، بل كأنه من الواضحات ، لكن ربما توهم القبول معه عملا بإطلاق الحسن المعلوم عدم إرادة ما يشمل ذلك منه ، كما هو واضح.

وإذا كان للمالك أموال متفرقة في أماكن متعددة إلا أنها من جنس واحد كان له إخراج الزكاة من أيها شاء بلا خلاف ولا إشكال ، ضرورة خياره مع الاجتماع ، وقاعدة الشركة لا تنافي ذلك بعد ثبوته بالأدلة السابقة ، وكذا لو كانت أجناسا مختلفة بناء على الاجتزاء بالقيمة ، وأنها لا تخص النقود ، فلم يتضح لنا وجه ذكر المصنف ذلك هنا مع استفادته من المباحث المتقدمة ، ويمكن أن يكون لخلاف بعض العامة أو لدفع توهم المنع من ذلك ، للمنع من إخراج الزكاة عن البلد التي حصلت فيه مع وجود المستحق ، لكن تسمع إن شاء الله تحقيق الحال في ذلك.

ولو كان السن الواجبة في النصاب كبنت المخاض والحقة والمسنة مريضة وباقي النصاب صحيحا لم يجب على الساعي أخذها لو دفعها المالك بل لا يجوز وأخذ غيرها مما هو من أفراد الفريضة إن اختار المالك شراءها مثلا ، فان لم يختر المالك ذلك ولا البدل الشرعي الذي عرفته سابقا دفع القيمة من النقدين أو غيرهما بالقيمة على التفصيل الذي مر سابقا ، وكأن المصنف ذكر ذلك توطئة لما بعده ، وهو قوله ولو كان كله مراضا بمرض واحد لم يكلف شراء صحيحة بلا خلاف بل ظاهر نسبته إلى علمائنا في المدارك ومحكي المنتهى الإجماع عليه ، كظاهر اقتصار نسبة الخلاف فيه إلى مالك ومحكي التذكرة ، بل هو صريح الحدائق للأصل وما سمعته سابقا من أن الزكاة في العين على وجه الشركة حقيقة ، وأن المراد من ذكر الفريضة‌

١٥٥

تقدير الحصة الواجبة ، فلا تفاوت حينئذ بين كون النصاب مريضاً أو صحيحاً ، ضرورة رجوع الحال إلى نحو‌ قولهم عليهم‌السلام (١) : « فيما سقت السماء العشر » الذي من المعلوم عدم الفرق فيه بين الجيدة والردية ، فكذا‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « في الأربعين شاة شاة » المراد منه وجوب ربع العشر ، وانسياق الصحة من‌ قولهم عليهم‌السلام (٣) : « في ستة وعشرين من الإبل بنت مخاض » ونحوه لو سلم غير مناف بعد كون المراد منه تقدير النسبة ، فمع فرض ضبطها بنسبة الصحيح من بنت المخاض إلى باقي النصاب الصحيح كان الواجب الحصة المشاعة التي هي العشر ونحوه مثلا ، فلا تفاوت حينئذ بين المراض والصحاح ، إذ حاصله أن الله تعالى أوجب الزكاة في الإبل والبقر والغنم كما هو مضمون النصوص ، ولاحظ تقدير الحصة في الجميع بالصحيح ، كما هو واضح.

نعم لو فرض تفاوت المرض أو فرض كونه في البعض دون البعض اتجه عدم الاجتزاء بالمريضة حينئذ ، لعدم انطباقها على الحصة المشاعة التي هي ربع العشر في الأربعين من الغنم مثلا ، إذ الفرض تفاوت الأفراد في القيمة ، فلو كان عنده عشرون شاة صحيحة قيمة كل شاة عشرة دراهم ، وعشرون مريضة قيمة كل واحدة منها خمسة دراهم كان قيمة ربع العشر منه سبعة دراهم ونصف ، لا الخمسة دراهم الذي فيه ضرر على الفقير ولا العشرة الذي فيه ضرر على المالك ، ومع ذلك مناف لقاعدة الشركة ، ومن هنا صرح الشيخ وابن حمزة والفاضل والشهيدان والكركي وغيرهم بمراعاة التقسيط في صورة التلفيق ، بل نسبه بعضهم إلى الأصحاب ، لكن قالوا : إنه يخرج حينئذ فرد من مسمى الفريضة قيمته نصف قيمة الصحيح ونصف قيمة المريض لو كان التلفيق بالنصف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زكاة الغلات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام.

١٥٦

وهكذا في الثلثين والثلث وغيره ، بل في محكي التذكرة والتحرير لو كان كله مراضا والفرض صحيح لم يجز أن يعطي مريضا ، لأن في الفرض صحيحا ، بل يكلف شراء صحيح بقيمة الصحيح والمريض ، قال في الأول : فإذا كانت بنت لبون صحيحة في ستة وثلاثين مراض كلف بنت لبون صحيحة بقيمة جزء من ستة وثلاثين جزءا من صحيحة وخمسة وثلاثين جزءا من مريضة ، لكن قد يشكل ذلك بأن الفريضة لا ينظر إلى قيمتها أصلا إلا إذا أخرجت من غير الجنس ، أو من غير المقدر شرعا ، أما إذا أخرج ما يقع عليه الاسم شرعا فإنه يجزي ولا ينظر إلى القيمة ، نعم يستقيم الإخراج فيما إذا كانت الفرائض متعددة كبنتي لبون من ست وسبعين نصفها مراض ، فإنه يجزي إخراج صحيحة ومريضة ، وكذا إذا أخرج القيمة فإنه يراعى فيها الصحة والمرض ، ومما يؤيد ذلك أنك قد عرفت فيما تقدم سابقا عدم إجزاء المريضة والهرمة وذات العوار ، والمراد اعتبار أن لا تكون الفريضة إحدى الثلاث ، فيكون الحاصل أنه في الأربعين شاة شاة ليست إحدى الثلاث ، وأظهر أفراد ذلك ما لو كان النصاب جميعه أو معظمه صحيحا والباقي مريضا أو ذات عوار ، ومقتضاه وجوب شاة منه ليست إحدى الثلاث ، وهو أحد صور التلفيق ، مع أنه لم يلحظ فيه التقسيط ، بل قد ينقدح من ذلك عدم اعتباره في القيمة أيضا ، ضرورة كونها عوض الفريضة التي لم يعتبر الشارع فيها ذلك ، فليست هي حينئذ إلا كفريضة النصاب المختلف بالجودة والأجودية ، فان الظاهر عدم مراعاة التقسيط فيه سواء أخرج الشاة مثلا أو قيمتها ، نعم يعتبر في الشاة أن تكون من أواسط الشياه ، للانصراف الذي عرفته سابقا ، ويختص إجزاء المريضة مثلا فيما إذا كان النصاب كله مريضا لما سمعته ، ولعله لذا قال في المدارك : متى كان في النصاب صحيحة لم تجز المريضة ، لإطلاق النهي عن إخراجها ، بل يتعين إخراج الصحيح إلا أني لم أجده لغيره ، نعم لعله ظاهر الرياض أيضا ، فلاحظ وتأمل.

١٥٧

ودعوى الشك في وجوب الصحيحة في الفرض المزبور لانصراف النهي عن أخذ المريضة إلى غيره يدفعها أن مقتضاها الاجتزاء بالمريضة ، لعدم معارض للإطلاقات حينئذ ، ويمكن تحصيل الإجماع على خلافه ، ولو سلم عدمه فلا ريب في حصول الشك بالبراءة بها عن الشغل اليقيني للشك في إرادة ذلك من الإطلاق ، أما إذا أخرج شاة صحيحة من أواسط الشياه أجزأه قطعا ، لصدق الامتثال وإن لم يلحظ التقسيط في قيمتها ، وقاعدة الشركة بعد تقدير الشارع للحصة بما أخرجه لا يلتفت إليها ، بل الظاهر الاجتزاء بقيمتها ، لأنها هي مقدر الحصة ، بل هذا هو الفائدة في التنصيص عليها بالتقدير ، فيرجع بإخراج القيمة إليها لا قيمة الحصة كي يحتاج إلى التقسيط ، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع ، وإن قل الموافق عليه ، إلا أنه كفى بالحق رافعاً للوحشة ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( لا تؤخذ الربى وهي الوالدة إلى خمسة عشر يوما ) على المعروف بين الأصحاب ، بل نسبه بعضهم إليهم مشعرا بالإجماع عليه وإن كان كثير منهم بعد تفسيرها بذلك قال وقيل إلى خمسين يوما إلا أنه لم نعرف قائله ، كما أنه لم نعرف من نص على الأول من أهل اللغة عدا ما تسمعه عن الأزهري ، نعم عن مجمع البحرين حكايته بلفظ القيل ، كالتفسير بالعشرين يوما ، وبالشهرين ، وبالشاة القريبة العهد بالولادة ، وبالشاة التي تربى في البيت من الغنم لأجل اللبن ، ثم قال : وخصها بعضهم بالمعز ، وبعضهم بالضأن ، وعن جامع اللغة « هي الشاة إذا ولدت وأتى عليها من ولادتها عشرة أيام أو بضعة عشر يوما » وفي الصحاح « الشاة التي وضعت حديثا ، وجمعها رباب بالضم ، والمصدر رباب بالكسر ، وهو قرب العهد بالولادة ، تقول شاة ربي بينة الرباب بالكسر وأعنز رباب بالضم ، قال الأموي : هي ربي ما بينها وبين شهرين ، وقال أبو زيد : الربى من المعز ، وقال غيره من المعز والضأن جميعا ، وربما جاء في الإبل أيضا ، قال الأصمعي : أنشدنا منتجع بن نبهان حنين أم البوفى ربابها » انتهى ،

١٥٨

وعن الأزهري « ربابها ما بينها وبين خمس عشرة ليلة » وفي المحكي عن المغرب « الربى الحديثة النتاج من الشاة » وعن أبي يوسف « التي معها ولدها » وفي المحكي عن الفائق أنها التي في البيت للبن ، وقيل : الحديثة النتاج ، ونحوه عن نهاية الجزري ، كما أن المحكي عن الثعالبي في فقه اللغة وابن قتيبة في المجمل وأدب الكاتب نحو ما سمعته عن الأموي وعن العين « هي الشاة من حين تلد إلى عشرين يوما » وعن أبي فارس « أنه لم يذكر في المقاييس إلا بمعنى ما يحبس من الشاة في اللبن » وفي المحكي عن القاموس « الربى كحبلى الشاة إذا ولدت وإذا مات ولدها والحديثة النتاج ، ويمكن أن يكون ما في كلام الأصحاب تحديدا لقرب النتاج كما أومأ إليه ثاني الشهيدين في الروضة ، فقال : « هي بضم الراء وتشديد الباء الوالد من الأنعام عن قرب إلى خمسة عشر يوما » إلا أن هذا التعميم لم نجده لغيره صريحا كما اعترف به بعضهم ، بل ربما ظهر من البيان وكثير من كتب الأصحاب اختصاصها بالشاة ، وكذا ما سمعته من كتب اللغة ، فإنها متفقة على عدم هذا التعميم ، نعم عن أبي عبيدة « الربى من المعز والضأن وربما جاء في الإبل » ولعله الذي أرسله في الصحاح ، ويمكن أن يكون ذلك منه للاشتراك في العلة ، وإطلاق‌ موثق سماعة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا تؤخذ أكولة ، والأكولة الكبيرة من الشياه تكون في الغنم ، ولا والدة ولا الكبش الفحل » وأما‌ صحيح عبد الرحمن (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « ليس في الأكيلة ولا في الربى ، والربى التي تربي اثنين ، ولا شاة لبن ولا فحل الغنم صدقة » فقد يؤيد اختصاصها بالمعز ، لأنها هي التي تلد اثنين ، نعم تفسيره الربى بذلك لم نعثر على من فسره به من الفقهاء واللغويين عدا الأستاذ في كشفه ، ولعله من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٢.

(٢) فروع الكافي ج ١ ص ٥٣٥ المطبوعة عام ١٣٧٧ « باب صدقة الغنم » ٢.

١٥٩

الراوي ، ولذلك أعرض عنه الأصحاب ، لكن عن‌ الفقيه (١) روايته « ولا في الربى التي تربي اثنين » فيتعين كونه من لفظ الامام عليه‌السلام ، ويمكن أن يكون الحذف فيها من النساخ.

وكيف كان فالحكم مقطوع به في كلام الأصحاب كما اعترف به غير واحد ، إلا أنهم اختلفوا في تعليله اختلافا يقتضي الاختلاف في الحكم ، ففي الدروس والروضة تعليله بأنها نفساء ، والنفاس مرض ، فتندرج في النهي عن المريضة أو ذات العوار أي العيب ، وفي المسالك الاستدلال عليه بقول الثعالبي « يقال امرأة نفساء ، ناقة عائذ ، أتان فريش ، نعجة رغوت ، عنز ربي » قال : « ومقتضى جعلها نظيرة النفساء أن المانع من إخراجها المرض ، لأن النفساء مريضة ، ومن ثم لا يقام عليها الحد » وعلله الفاضلان بأن فيه إضراراً بالمالك ، لاستقلالها بتربية ولدها ، ومقتضى الأول عدم الاجتزاء بها وإن رضي المالك ، للإضرار بالمستحقين ، وبه صرح في الروضة وفوائد الشرائع بخلاف الثاني فتجزي مع رضى المالك كما عن جماعة التصريح به منهم المصنف والفاضل ، بل قد يظهر من محكي المنتهى عدم الخلاف فيه ، فإنه ـ بعد أن نفى أخذ الربى والأكولة وكرائم الأموال وفحل الضراب والحامل ـ قال : « ولو تطوع المالك بذلك جاز بلا خلاف ، لأن النهي في هذه منصرف إلى الساعي لتفويت المالك النفع ، وللإرفاق به ، لا لعدم إجزائها » وربما يؤيده ما عن النهاية من حديث عمر (٢) وعن الربى والماخض والأكولة أمر المصدق أن يعد على رب المال هذه الثلاثة ولا يأخذها في الصدقة ، لأنها خيار المال ، ضرورة ظهوره في كون المنع مراعاة للمالك ، بل لعل جمعها مع شاة اللبن وفحل‌

__________________

(١) الفقيه ج ٢ ص ١٤ ـ الرقم ٣٧ طبع النجف.

(٢) سنن البيهقي ج ٤ ص ١٠٠ و ١٠١ مع الاختلاف في اللفظ.

١٦٠