جواهر الكلام - ج ١٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

من وجوه على المتيقن نصا وفتوى ، خلافا للمحكي عن التقي والجعفي والمبسوط والغنية والتذكرة والمختلف ، بل في الغنية الإجماع عليه ، لكن علله بأن أصحابنا لا يختلفون في جواز أخذ القيمة في الزكاة ، فلعله غير مخالف ، بل قيل : إن عبارة المبسوط يلوح منها ذلك ، فينحصر الخلاف حينئذ في الثلاثة ، ويكون نادرا. مع أنا لم نقف له على شاهد سوى ما قيل من أن بنت المخاض مع الجبر مساوية لبنت اللبون ، وهي مع الجبر مساوية للحقة ، فبنت المخاض مع الجبرين مساوية للحقة ، لأن المساوي للمساوي مساو والمقدمات الثلاثة قطعية ، فلا يكون قياسا ، وفيه منع المساواة من كل وجه ، لعدم الدليل عليه ، إذ لا إطلاق فيه يستند اليه ولا غيره ، فلا يجوز التعدي عن ( إلى ظ ) غير المنصوص وسوى إجماع الغنية الذي عرفت حاله ، ومع التسليم موهون بمصير من عرفت إلى خلافه ، وسوى دعوى إرادة المثال من النصوص ، وهي مجرد احتمال لا دليل عليه ولقد أجاد في السرائر حيث أنه ـ بعد أن حكى عن بعض أصحابنا أنه إن كان بينهما درجتان فأربع شياه ، وإن كان ثلاثة درج فست شياه أو ما في مقابلة ذلك من الدراهم ـ قال : « وهذا ضرب من الاعتبار والقياس ، والمنصوص من الأئمة عليهم‌السلام والمتداول من الأقوال والفتيا بين أصحابنا أن هذا الحكم فيما يلي السن الواجبة من الدرج دون ما بعد عنها ».

وكذا لا يجزي ما فوق الجذع من الأسنان عنه مع أخذ الجبر بلا خلاف أجده فيه ، بل في البيان الإجماع عليه وكذا لا يجزي هذا التقدير في ما عدا أسنان الإبل كالبقر بلا خلاف كما عن التذكرة ، بل في البيان الإجماع عليه أيضا نعم يجزي ذلك كله بملاحظة القيمة السوقية ، بل الظاهر عدم إجزاء ما فوق الجذع من الأسنان كالرباع والثني عن أحد الأسنان الواجبة من غير جبر وإن احتمله بعضهم ، لكونه غير الواجب ، ولا دليل على البدلية ، ودعوى استفادة ذلك من الأولوية فيكون‌

١٢١

الواجب حينئذ ذلك فما فوق يدفعها منع الأولوية ، لعدم تنقيح العقل والنقل لها ، وخبر الجبر لا دلالة فيهما على ذلك ، بل ربما يدلان على العكس ، فتأمل جيدا.

وكذا لا تجزي بنت المخاض عن الخمس شياه وإن أجزأت عن الست والعشرين بل لا تجزي عن الشاة إلا على وجه القيمة ، لكن في الدروس والبيان « أنه يجزي فرض كل نصاب أعلى عن الأدنى » وزاد في الأول « وفي إجزاء البعير عن الشاة فصاعدا لا بالقيمة وجهان » قلت : قد عرفت أن أقواهما العدم ، وأما الأول فهو متجه فيما إذا لم يكن عنده الفرض وكان علو الأعلى بدرجة ، ضرورة إجزائه في هذا الحال مع أخذ الجبر ، فبدونه أولى ، على أن الجبر حق للمالك فله إسقاطه ، بل يمكن القول بإجزائه في حال وجود الفرض وإن كان ظاهر النصوص والفتاوى في بادئ النظر اعتبار عدم الفرض في الاجزاء ، بل صرح به بعضهم ، إلا أن التأمل الجيد يقتضي بعدم إرادة الشرط حقيقة من ذلك ، وأن المراد بيان قيام هذا الفرد مقام الفرض ، وأن المالك بالخيار ، لجريان هذا الشرط مجرى الشرط الغالب في عدم إرادة المفهوم منه ، وأن مثل هذا الكلام يقال في مقام التخيير ، خصوصا إذا كان الفرد الأول أهم وأفضل ، لا أن المراد الترتيب في الوجوب ، وحينئذ يكون الحال في ذلك نحو ما سمعته منا في إجزاء ابن اللبون الذكر عن بنت المخاض ، بل العارف بلسان الشرع يعلم أن الشارع لم يقصد الوجوب الترتيبي حقيقة من ذلك ، بل لا يعلق الوجوب على الوجود عنده وإن كان متمكنا من الشراء ، ولم يبين أن المدار على زمان الخطاب أو إلى حال الأداء ولا غير ذلك مما لا يخفى على ذي اللسان والعارف بلحن خطابهم عدم تساهلهم على تقدير الوجوب فيه ، فتأمل جيدا ، وحينئذ يتجه الاجزاء من غير أخذ جبر ، لأولويته منه معه ، وفي المحكي عن المبسوط لو كانت عنده بنت مخاض إلا أنها سمينة وجميع إبله مهازيل لا يلزمه إعطاؤها ، ولعل فيه استئناسا لما قلناه ، كما أنه قد يستأنس له بما صرح به‌

١٢٢

بعضهم من أنه لو فقد الأصيل والبدل تخير بين شراء الفريضة وبين شراء الأدنى ، ودفعها مع الجبر أو الأعلى ودفعها وأخذ الجبر بالتقريب الذي سمعته في ابن اللبون ، وأما إجزاء الأعلى بدرجتين حال عدم الفريضة فضلا عن حال وجودها كما يقتضيه إطلاقه فغير متجه بناء على المختار من عدم إجزائه مع الجبر ، وأنه ليس إلا ملاحظة القيمة كما عرفت الحال فيه.

المقصد الثالث في أسنان الفرائض المعلوم الرجوع فيها هنا إلى اللغة بعد انتفاء الشرعية والعرفية بنت المخاض بفتح الميم اسم جمع للنوق الحوامل ، واحدتها خلفة ، ولا واحد لها من لفظها هي التي لها سنة ودخلت في الثانية أي أمها ماخض بمعنى حامل ولو بالمنشئية على معنى أن أمه لحقت بالحوامل وإن لم تكن حاملا ، وحاصل المراد أنه وضعتها أمها في وقت وقد حملت النوق التي وضعن معها وإن لم تكن هي منها ، فنسبتها حينئذ إلى الجماعة لذلك ، وإلا فهو ابن ناقة لا نوق متعددة ، ووجه التسمية ما قيل من أن العرب كانت تحمل الفحول على الإناث بعد وضعها سنة ، فتحمل في السنة ، والأمر سهل.

وبنت اللبون بفتح اللام هي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة أي أمها ذات لبن ولو بالصلاحية وإن لم تكن كذلك فعلا. والحقة بكسر الحاء المهملة هي التي لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة فاستحقت أن يطرقها الفحل كما عن بعضهم في وجه التسمية أو يحمل عليها كما عن آخر ، والأولى تعليلها بهما ، وعلى كل حال لا يعتبر فيها ذلك فعلا قطعا ، وما في حسنة الفضلاء (١) وكلام ابني الجنيد وأبي عقيل والصدوق فيها ( أنها خ ل ) حقة طروقة الفحل محمول على ذلك ، ويؤيده ما عن الخليل في العين والعالي من الكلام الطروقة المقلوصة التي بلغت الضراب والجذعة بفتح الجيم والذال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٦.

١٢٣

المعجمة هي التي لها أربع ودخلت في الخامسة ولعله المراد مما في المجمل من أنها ما أتى لها خمس سنين ، وكذا ما تسمعه عن المقاييس وعن المعتبر والمنتهى سميت بذلك لأنها تجذع مقدم أسنانها أي تسقطه لكن لم نجد لذلك فيما حضرنا من كتب اللغة أثرا ، نعم يظهر من بعضها أنها سميت بذلك لحداثة سنها وشبابها ، بل قد صرح الجوهري بأن هذا السن لا ينبت فيه سن ولا يسقط ، وفي المحكي عن المقاييس الجيم والذال والعين ثلاثة أصول أحدهما يدل على حدوثة السن وطراوته ، فالجذع من الشاة ما أتى له سنتان ومن الإبل الذي أتى له خمس سنين ، وفيه وفي المجمل أيضا الجذع الدهر الأزلم ، لأنه جديد أبدا ، ويقال : فلان في هذا الأمر جذع إذا أخذ فيه حديثا.

وعلى كل حال فـ ( هي أعلى الأسنان المأخوذة في الزكاة ) بلا خلاف معتد به أجده في ذلك ، بل ولا في شي‌ء مما تقدم ، وعن الصدوق أنه ذكر أسنان الإبل فقال : « أول ما تطرحه أمه حوار إلى تمام السنة فابن مخاض إلى تمامها ، فابن لبون إلى الرابعة ، فإذا دخل فيها سمي الذكر حقاً ، والأنثى حقة ، فإذا دخل في الخامسة سمي جذعاً ، فإذا دخل في السادسة سمي ثنيا ، فإذا دخل في السابعة ألقى رباعيته وسمي رباعياً فإذا دخل في الثامنة ألقى السن التي بعد الرباعية وسمي سديسا ، فإذا دخل في التاسعة فطر نابه وسمي باذلا ، فإذا دخل في العاشرة فهو مخلف ، وليس له بعد هذا الاسم اسم ».

والتبيع عند الأصحاب على ما في شرح اللمعة للاصبهاني هو الذي يتم له حول إلى تمام السنتين ، وكأنهم أخذوه من وصفه في حسن الفضلاء (١) بالحولي بل عن المغرب تفسيره به ، لكن قد يقال : إنه لا يتعين الحولي لما كمل له حول كما اعترف به الأصبهاني في شرحه للمعة ، بل قال : إنه في أكثر ما رويناه من كتب اللغة ولد البقر في أول سنة ، وهو لا يعطي كمال سنة بل خلافه ، وصرح الثعالبي في فقه اللغة وابن قتيبة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

١٢٤

في أدب الكاتب بأنه قبل الجذع ، وفي المبسوط قال أبو عبيدة : تبيع لا يدل على سن وقال غيره : إنما سمي تبيعا لأنه يتبع أمه في الرعي ، ومنهم من قال : لأن قرنه يتبع أذنه حتى صارا سواء ، فإذا لم يدل اللغة على معنى التبيع والتبيعة فالرجوع فيه إلى الشرع والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد بين (١) وقال : « تبيع أو تبيعة جذع أو جذعة » وقد فسره أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما‌السلام بالحولي (٢) قلت : عن ظاهر العين والمجمل والمقاييس والمفردات للراغب موافقة أبي عبيدة ، إلا أنه قد يقوى ما عند الأصحاب لصحيح ابن حمران (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « التبيع ما دخل في الثانية » ووصفه بالحولي في الحسن (٤) ودعوى أنه أعم كما في شرح اللمعة للاصبهاني يدفعها تبادر خلافه ، وإطلاق السواد الحولي في هذا الزمن على الأعم من ذلك غير معتد به في كشف المعني الحقيقي ، كما هو واضح ، بأدنى تدبر.

وكيف كان فقد قيل في وجه التسمية أنه سمي بذلك لأنه يتبع قرنه أذنه أو يتبع أمه في الرعي والأولى التعليل بهما. وأما المسنة فـ ( هي الثنية ) أي التي كمل لها سنتان ودخلت في الثالثة وعن المبسوط قالوا : هي التي تم لها سنتان وهو الثني في اللغة ، فينبغي أن يعمل عليه ، وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٥) أنه قال : « المسنة هي الثنية فصاعدا » والأمر في ذلك سهل.

وإنما الكلام في قوله ويجوز أن يخرج من غير جنس الفريضة بالقيمة السوقية‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٤ ص ٩٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٧ من كتاب الحج وفيه « أسنان البقر تبيعها ومسنها في الذبح سواء » وليس فيه الجملة المذكورة وإنما هي مذكورة في الوافي بيانا للحديث.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٥) المبسوط ـ كتاب الزكاة ـ فصل زكاة البقر.

١٢٥

ومن العين أفضل ، وكذا في سائر الأجناس وتفصيل البحث في ذلك أنه لا خلاف معتد به في الاجتزاء بإخراج القيمة في غير الأنعام ، بل في المعتبر والتذكرة والمفاتيح وظاهر المبسوط وإيضاح النافع والرياض على ما حكي عن بعضها الإجماع عليه ، وفي‌ صحيح علي بن جعفر (١) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن الرجل يعطي عن زكاته عن الدراهم دنانير وعن الدنانير دراهم بالقيمة يحل ذلك له ، قال : لا بأس » وصحيح البرقي (٢) عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام « كتبت اليه هل يجوز جعلت فداك أن يخرج ما يجب في الحرث من الحنطة والشعير وما يجب على الذهب دراهم بقيمة ما يسوى أم لا يجوز إلا أن يخرج من كل شي‌ء ما فيه؟ فأجابه عليه‌السلام أيما تيسر يخرج » وهو ظاهر في عموم جواز كل ما تيسر الشامل إذا تيسرا معا ، ضرورة الصدق حينئذ على كل منهما أنه تيسر ، فلا وجه للمناقشة في دلالته على الاجزاء مطلقاً ، إلى غير ذلك مما يدل على الاجزاء ، فما عن أبي علي من منع إخراج القيمة مطلقا في غير محله بعد ما عرفت ، مع أن المحكي عنه في شرح اللمعة للاصبهاني التصريح بموافقة المشهور ، إنما الإشكال فيها في الأنعام ، والمشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ذلك أيضا ، بل في الخلاف والغنية وعن ظاهر الانتصار والاقتصاد والسرائر الإجماع عليه ، بل قيل : إنه قد يظهر ذلك من المبسوط أيضا ويلوح من التنقيح لفحوى ما سمعته في غيرها ، بل قيل : إنها أولى بالجواز ، بل قد يظهر من‌ قوله عليه‌السلام : « أيما تيسر » أن المدار على الميسور ، بل ربما يدعى العموم فيه للجميع وإن كان أول السؤال خاصاً ، بل لا ريب في عدم ظهوره بالخصوصية ، بل لعل الظاهر منه عدمها.

بل قد يومي أخبار الجبر (٣) في الجملة لذلك أيضا ، بل في الغنية بعد ذكر الجبر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الأنعام والمستدرك ـ الباب ١١ منها.

١٢٦

المشهور قال : وعلى هذا الحساب يؤخذ ما هو أعلى وأدنى بدرجتين أو ثلاث بدليل الإجماع المشار إليه ، فإن أصحابنا لا يختلفون في جواز أخذ القيمة في الزكاة ، مضافا إلى ترك الاستفصال في بعض النصوص ، كالمروي عن‌ قرب الاسناد (١) « عيال المسلمين أعطيهم من الزكاة فأشتري لهم منها ثيابا وطعاما وأرى أن ذلك خير لهم فقال : لا بأس » وغيره مؤيدا ذلك كله بما يظهر من حسنة يزيد بن معاوية (٢) وغيرها من النصوص من إرادة المسامحة للمالك ، وأنها مواساة ، فلا يكلف بالشاق ، وبأن القيمة غالبا تكون أنفع للفقير ، وبأن المقصود من الزكاة رفع الخلة وسد الحاجة ونحو ذلك مما يحصل بالقيمة والعين ، بل ربما يكون دفع العين في بعض الأوقات ضررا على الفقير لحاجته إلى السياسة العاجز عنها ، وربما حصل ضرر عليه بذلك حتى لو أراد لم تحصل بيده ، بخلاف دفع القيمة من الراغب فيها وربما صعب عليها فراقها لشدة أنسه بها وشدة تعبه عليها ، فهي عنده بمكانة ليست عند غيره ، وبما دل على أن للمالك التخيير في العين والتغيير ، وبأن الساعي مأمور ببيع الأنعام ، وأن المالك أحق من غيره ، حتى ورد في‌ خبر محمد بن خالد (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في أدب الساعي إلى أن قال : « فإذا أخرجها فليقومها فيمن يريد ، فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحق بها ، وإن لم يردها فليبعها » بل قيل : إنما يكون أحق بها لو جاز له العدول إلى القيمة ، وإن كان قد يناقش بإمكان منع ذلك ، بل أخذ العين منه أولا ثم بيعها منه قد يدل على عدم جواز دفع القيمة ، لكن قد يقال : إن أخذ العين للتقويم بزيادة حتى تقف على ثمن ، فيكون ذلك لتعرف القيمة ، بل قد يدعى ظهور الخبر المزبور في ذلك ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب المستحقين الزكاة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١ لكن روى عن يزيد بن معاوية.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٣.

١٢٧

لا أن المراد أخذها زكاة ثم أخذ القيمة ، إذ ذاك كأنه من اللغو والعبث ، وقول علي عليه‌السلام (١) : « لا تباع الصدقة حتى تعقل » أي تؤخذ وتدرك وتقبض ، محمول على ذلك أو نحوه مما لا ينافي المطلوب ، ولعل الداعي إلى هذا التعرف والتقويم في الأنعام دون الغلات والنقدين عدم معروفية القيمة فيها بخلافهما ، ومن هنا احتاج إلى هذا التعرف فيها بخلافهما.

وبالجملة لا يكاد يخفى على من تصفح النصوص في الباب ـ حتى ما ورد من المقاصة بها عن الدين ودفع الكفن منها ونحو ذلك ، وقد رزقه الله معرفة لسانهم ولحن خطابهم ـ ظهور اجتزاء الشارع بالقيمة لو دفعها المالك ، وأنه لا يكلف دفع العين ، بل قد يظهر من خبر قرب الاسناد (٢) ومعقد إجماع الخلاف والغنية عدم تعيين القيمة بالدراهم والدنانير ، بل يجزي دفعها من أي جنس يكون كما هو ظاهر المتن أو صريحه ، بل نسبه بعضهم إلى الأصحاب ، قال تصريحا من بعض وتلويحا من آخر ، بل في البيان لو أخرج في الزكاة منفعة بدلا من العين كسكنى الدار فالأقرب الصحة ، وتسليمها بتسليم العين ، ويحتمل المنع لأنها تحصل تدريجا ، ولو آجر الفقير نفسه أو عقاره ثم احتسب مال الإجارة جاز وإن كان معرضا للفسخ ، لكن في المدارك « أن جواز احتساب مال الإجارة جيد ، وكونه معرضا للفسخ لا يصلح مانعا ، أما جواز احتساب المنفعة فمشكل بل يمكن تطرق الإشكال إلى إخراج القيمة ما عدا النقدين » قلت : لا ريب في انصراف القيمة إليهما ، بل ربما يؤيده‌ خبر سعيد بن عمرو (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت : يشتري الرجل من الزكاة الثياب والسويق والدقيق والبطيخ والعنب فيقسمه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب المستحقين الزكاة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٣.

١٢٨

قال : لا يعطيهم إلا الدراهم كما أمره الله تعالى » وفي الوافي هذا الحديث لا ينافي ما قبله لأن التبديل إنما يجوز بالدراهم والدنانير دون غيرهما ، إلا أنك قد سمعت معقد إجماع الخلاف وغيره ، ومقتضاه جواز دفع المنفعة عن ذلك بعد أن كان قبض العين قبضا لها والوفاء شي‌ء مستقل بنفسه لا دليل على اعتبار كون المدفوع عينا فيه ، بل ربما ظهر من خلاف الشيخ أن اعتبار ذلك هنا من أقوال العامة ، فلاحظ وتأمل ، والخبر بعد الإغضاء عن سنده لم يعلم الزكاة فيه أنها عن المشتري ، أو كان قابضا لها عن الغير دراهم ودنانير ، ولكن مع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه ، بل لا ينبغي تركه في دفعها في الأنعام إذا لم يعدم الإنسان تخلصا من خلاف المفيد ، وربما مال إليه في المعتبر والمدارك والذخيرة والحدائق وغيرها على ما حكي عن بعضها ، لكنه في غاية الضعف إذا كان المدفوع إليه الإمام عليه‌السلام أو وكيله العام أو الخاص ، ضرورة ولايتهم على الفقير فلهم المعاوضة عن ماله ، فإذا أراد قبض القيمة من أي جنس يكون عنه لم يكن إشكال في الجواز ، ودعوى عدم جواز ذلك لهم واضحة الفساد ، نعم قد يكون للمنع وجه لو كان المدفوع إليه أخذ الفقراء ، مع أن الأقوى خلافه لما عرفت.

وكيف كان فالمعتبر في القيمة وقت الإخراج ، لأنها إنما أجزأت بدلا وليست واجبة بالأصالة عندنا ، فهي من قبيل العوض ، فالمعتبر فيه وقت الإخراج ، لكن في التذكرة إنما تعتبر القيمة وقت الإخراج إن لم يقوم الزكاة على نفسه ، فلو قومها على نفسه وضمن القيمة ثم زاد السوق أو انخفض قبل الإخراج فالوجه وجوب ما ضمنه خاصة دون الزائد والناقص وإن كان قد فرط بالتأخير حتى انخفض السوق أو ارتفع ، أما لو لم يقوم ثم ارتفع السوق أو انخفض أخرج القيمة وقت الإخراج ، وفيه أنه بعد تنزيل التقويم على إرادة المعاوضة عليها لا دليل على ولايته بحيث يكون له المعاوضة على الزكاة على وجه يكون الواجب عليه في الذمة القيمة لا العين ، فالمتجه وجوب العين‌

١٢٩

وملاحظة القيمة وقت الإخراج ، ولو انخفض السوق يكون حاله كحال الغاصب إذا كان التأخير بتفريطه والظاهر عدم ضمانه تفاوت السوق ما لم يكن لتفاوت في العين ، والله أعلم.

والشاة التي تؤخذ في الزكاة فريضة في الإبل والغنم فريضة أو جبرا قيل والقائل الشيخ وبنو حمزة وزهرة وإدريس والفاضل والشهيدان والعليان والمقداد والقطيفي على ما حكي عن بعضهم أقلها الجذع من الضأن والثني من المعز بل هو المشهور نقلا على لسان جماعة وتحصيلا ، بل في الرياض ليس فيه مخالف يعرف ، بل في الخلاف والغنية الإجماع عليه وقيل ما تسمى شاة لكن عن جماعة أنه لم يعرف القائل بذلك ولعله كذلك وإن اختاره جماعة من متأخري المتأخرين ، وربما كان في المحكي عن المنتهى والتحرير نوع ميل اليه وعلى كل حال فـ ( الأول أظهر ) للإجماع المحكي المعتضد بما عرفت ، وخبر سويد بن عقلة (١) « أتانا مصدق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : نهينا أن نأخذ المراضع ، وأمرنا أن نأخذ الجذعة والثنية » وكونه من طرق العامة غير قادح بعد نقل الأصحاب له ، واستدلالهم به ، وموافقته للشهرة العظيمة التي هي طريق تبين له ، نعم ليس فيه دلالة على تمام المطلوب ، وأوضح منه دلالة‌ المرسل عن غوالي اللئالي عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أنه أمر عامله أن يأخذ الجذع من الضأن والثني من المعز ، قال : ووجد ذلك في كتاب علي عليه‌السلام » ويمكن أن يكون ذلك إشارة إلى الخبر المزبور ، فيكون نوع تبين له وكاشفا عن إجماله ، بل لعل‌ موثق إسحاق ابن عمار (٢) « عن السخل متى تجب فيه الصدقة؟ قال : إذا أجذع » محمول على ذلك‌

__________________

(١) سنن النسائي ج ٥ ص ٣٠ وسنن أبي داود ج ٢ ص ١٣٧ عن سويد بن غفلة قال : « أتانا مصدق النبي ص فأتيته فجلست اليه فسمعته يقول : إن في عهدي أن لا نأخذ راضع لبن. إلخ » وليس فيه الجملة الثانية وإنما ذكر مضمونها في خبر مسلم بن شعبة المروي في سنن أبي داود ج ٢ ص ١٣٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٣.

١٣٠

أيضا بقرينة الإجماع على عدم اعتبار ذلك في حول الزكاة ، وإنما المعتبر النتاج أو السوم كما عرفته سابقا ، فيكون المراد منه حينئذ الأخذ في الزكاة لا العد ، مؤيدا ذلك كله بأنه لو كان مسمى الشاة مجزياً على وجه يشمل السخل حال ولادته أو قيمته لاشتهر ذلك تمام الاشتهار ، وتوفرت الدواعي على نقله ، مع أن الأمر بالعكس ، بل المنع من أخذ المريضة والهرمة وذات العوار ونحوها يقضي بخلافه ، بل لا يبعد دعوى انصراف إطلاق الشاة في النصوص إلى خلاف ذلك ، بل لعل الفتوى أيضا كذلك ، ويشهد له أمر السيد لعبده بشراء شاة ، على أن الإطلاق الصادر فيهما إنما هو في مقام إظهار حد النصب وتمييز نصب الشاة عن نصب الإبل ، ولا أقل من ذلك كله ينقدح الشك في المراد من الإطلاق المزبور ، فيبقى قاعدة توقف يقين الشغل على يقين البراءة بحالها ، فمن الغريب الاستناد إليه في مقابلة جميع ما عرفت.

والمراد بالجذع من الضأن ما كمل له سبعة أشهر ، والثني من المعز ما كملت له سنة كما في الدروس والبيان والتنقيح وفوائد الشرائع وإيضاح النافع وتعليقه وتعليق الإرشاد والميسية والمسالك والروضة وكذا السرائر على ما حكي عن بعضها ، بل عن غير موضع أنه المشهور ، بل عن بعض محشي الروضة أنه لا يعرف قولا غيره ، بل في ظاهر الغنية الإجماع على الثني في بحث الهدي ، بل والجذع وإن قال : إنه الذي لم يدخل في السنة الثانية ، وعن بعضهم في الثني أنه روي في بعض الكتب (١) عن الرضا عليه‌السلام لكن في حج الكتاب أنه يجزي في الهدي من الضأن الجذع لسنته ، بل في شرح الأصبهاني للروضة أنه اقتصر الصدوقان والشيخان في المقنعة والنهاية والمصباح وعلم الهدى في الجمل وسلار وابنا زهرة وحمزة والفاضلان في النافع والإرشاد وفخر الإسلام على ذلك ، قلت :

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب الذبح ـ الحديث ٢ من كتاب الحج وفيه « لستة » ولكن في فقه الرضا عليه‌السلام ص ٢٨ « لسنة ».

١٣١

يمكن إرجاعه إلى السابق وإن كان لا يخلو من تكلف ، والمحكي عن أكثر أهل اللغة أن الجذع ما دخل في السنة الثانية ، نعم عن المغرب والأزهري الجذع من المعز لسنة ، ومن الضأن لثمانية أشهر ، وأرسل بعضهم عن ابن الأعرابي إلا جذاع وقت وليس بسن فالعناق يجذع لسنة ، وربما أجذعت قبل تمامها للخصب ، فتسمن ويسرع أجذاعها ، فهي جذعة ، ومن الضأن إذا كان ابن شابين أجذع لستة أشهر أو إلى سبعة ، وإذا كان ابن هرمين أجذع لثمانية إلى عشرة ، وفي الصحاح وقيل في ولد النعجة : إنه يجذع في ستة أشهر أو تسعة أشهر ، ولم أر له موافقا ، ولعل لفظ تسعة من تصحيفات النساخ وفي محكي المبسوط بعد ما ذكر أسنان المعز وذكر أن السخلة منه إذا دخل في الثانية فهي جذعة ، والذكر جذع ، قال : وأما الضأن فالسخلة منه مثل ما في المعز سواء ، ثم هو حمل للذكر وللأنثى دخل إلى سبعة أشهر ، فإذا بلغت سبعة أشهر قال ابن الأعرابي : إن كان بين شابين فهو جذع ، وإن كان بين هرمين فلا يقال جذع حتى يستكمل سنة ، فإذا دخل في الثانية فهو ثني وثنية على ما ذكرناه في المعز سواء إلى آخرها ، وإنما قيل جذع في الضأن إذا بلغ سبعة أشهر وأجزأ في الأضحية لأنه إذا بلغ هذا الوقت كان له نزو وضراب ، والمعز لا ينزو حتى يدخل في السنة الثانية ، فلهذا أقيم الجذع في الضحايا مقام الثني من المعز ، وفي شرح الأصبهاني أنه قطع في الحج بما حكاه عن ابن الأعرابي والفاضل في التذكرة اقتصر هنا على ذكر كلام ابن الأعرابي ، وفي المنتهى على نقل ما في المبسوط ، قال : وقطع في النهاية والقواعد والشهيد في البيان وابن إدريس بأنه ما كمل سبعة أشهر ، ونسب في الدروس كونه ابن ثمانية إن كان ابن الهرمين إلى القيل ، وفي حج المنتهى والتذكرة والتحرير أنه ابن ستة أشهر ، وقيل : إن كان ابن ثني وثنية فابن ستة أشهر ، وإن كان ابن هرمين فابن ثمانية ، وإن كان ابن ثني وهرمة فابن سبعة ، إلى غير ذلك من كلماتهم.

١٣٢

هذا كله في الجذع ، وأما الثني من المعز فقد عرفت التصريح بأنه الداخل في الثانية ، وفي شرح الأصبهاني نسبته مع ذلك إلى الصدوقين والشيخين وعلم الهدى وسلار وابني زهرة وإدريس والفاضلين ، قال : وهو الموافق للمفردات للراغب ، ونسبه ابن الأثير في النهاية إلى أحمد بن حنبل ، لكن المشهور عند اللغويين أنه الداخل في الثالثة وبه صرح في محكي المبسوط في أسنان الغنم والتذكرة إلا أنه يقوى في النظر ما سمعته من الفقهاء ، لقوة الظن الحاصل من كلامهم ، خصوصا وكلام أهل اللغة بمرأى منهم ومسمع ، وخصوصا مع احتمال كون المراد منه ذلك في الزكاة ، وإن كان اسم الثني في اللغة للداخل في الثالثة فيجزي حينئذ ذلك في زكاة الغنم والإبل والجبران ، واحتمال مراعاة المماثلة في الأولى لقاعدة الشركة يدفعه إطلاق الأدلة ، مضافا إلى ما سمعته وتسمعه من كيفية الشركة ، فلاحظ وتأمل.

بل منه يندفع ما أشكل على بعض الأعلام في إجزاء الجذع في زكاة الغنم بناء على كونه دون الحول بأن الشركة في العين يقتضي كون الفريضة أحد النصاب الذي حال عليه الحول ، فكيف تكون جذعا ، حتى أن الفاضل البهبهاني في شرحه على المفاتيح قد أطنب كمال الإطناب في ذلك ، وإن كان قد سبقه إليه في الجملة الأردبيلي ، ولم يتخلص منه إلا بأحد أمرين إما اختصاص إجزاء الجذع المزبور في غير زكاة الغنم ، وإما بأن الجذع ما كمل له حول ، لكن ستعرف ضعف هذا الإشكال ، لأن المراد بالشركة المزبورة على نحو زكاة الإبل من كون الفريضة مشاعة في مجموع النصاب حتى أن كل واحد منه للفقير فيه جزء ، فلا بأس حينئذ بتقديرها بالجذع وغيره ، ضرورة رجوع الحاصل ( إلى ظ ) أن الفقير يملك ما يقابل الجذع من النصاب كالتبيع في البقر والشاة وبنت المخاض مثلا في الإبل ، إذ من المعلوم عدم اختصاص وجوب الزكاة فيما لو وجد مسمى الفريضة في النصاب ، بل لو وجد لا يتعين على المالك إعطاؤه ، كما أنه من المعلوم‌

١٣٣

عدم اختلاف كيفية الوجوب في حصول مسمى الفريضة في النصاب وعدمه ، بل وعدم الفرق في كيفيته في نصاب البقر والغنم والإبل ، وكان منشأ الاشتباه ( الاشكال ظ ) عدم تصور خلو نصاب الغنم عن مصداق مسمى الفريضة أي الشاة التي أقلها الجذع ، بخلاف غير الغنم من النصب.

لكن لا يخفى عليك عدم صلاحية مثل ذلك للفرق ، بل قد يقطع الفقيه بأدنى تأمل باتحاد المراد من خطاب الزكاة في جميع هذه الموارد بل وغيرها كما تسمع زيادة تحقيق لذلك إن شاء الله ، فلا إشكال حينئذ في ذلك من هذه الجهة ، نعم قد يشكل كون سن الجذع من الضأن ذلك ، بخلو كلام أهل اللغة عنه كما عرفت ، بل وجماعة من الفقهاء بل المعظم بناء على ما تقدم ، وربما يقوى في النظر ما سمعته من ابن الأعرابي من كون الجذوعة حالا لا سنا ، ولعله الأوفق بعبارة الجذع لسنة ممن تقدم النقل عنهم وعلى كل حال فالمراد أن أقل المجزي ذلك لا أنه لا يجزي غيرهما ، فحينئذ الأعلى منهما سنا أولى بالاجزاء ، وإذا دفع كان فريضة ، فما في الدروس من أنهما لو فقدا أي الجذع والثني في غنمه دفع الأقل وأتم القيمة ، أو الأكثر واسترد الزائد في غير محله بالنسبة إلى الأخير ، كما أنك قد عرفت عدم الفرق بين شاة الإبل والغنم والجبران ، لإطلاق الأدلة ، فما عن بعضهم من الفرق فتعتبر المماثلة في الوسط دون الطرفين في غير محله ، والله أعلم.

وكيف كان فـ ( لا ) تؤخذ المريضة من النصاب السليم ولا الهرمة من نصاب الفتيات ولا ذوات العوار من نصاب الصحيح عند الأصحاب كما عن بعضهم ، بل عن آخر نفي الخلاف فيه ، بل قيل : قد نقل على ذلك الإجماع في مواضع وفي شرح اللمعة للاصبهاني الاتفاق كما يظهر في الأخيرين ، وحكي عن المنتهى أنه لا يعلم‌

١٣٤

في الأولى والأخيرة مخالفا ، وقال الصادق عليه‌السلام في صحيح محمد بن قيس (١) : « ولا يؤخذ هرمة ولا ذوات عوار إلا أن يشاء المصدق » ولعل المريضة تندرج في ذات العوار ، لأنه بفتح العين وضمها بل وكسرها مطلق العيب ، على أنه لا قائل بالفصل بين الثلاثة ، بل لعل النهي عن أخذ الربى كما ستعرف يومي إليها أيضاً فيها بناء على أن ذلك للنافس الذي هو مرض ، مضافا إلى قوله تعالى (٢) ( وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ ) وعموم الخبيث لغير ذلك غير قادح بعد الخروج بالدليل ، كل ذلك بعد الإغضاء عن قاعدة الشركة في العين التي لا ينافيها الإطلاق المقتضي تخيير المالك بعد الشك في شموله لما هنا ولو لما عرفت ، وعلى كل حال فالحكم مما لا إشكال فيه ، لكن استثناء المشية للمصدق بالكسر أي أخذ الصدقة غير موافق لقاعدة اعتبار المصلحة في الولي أو عدم المفسدة ، اللهم إلا أن يحمل على ما إذا كان في القبول بالقيمة مصلحة للفقراء ، فيقبل بها ، أو على ما إذا تمكن من بيعه بقيمة الصحيح ، أو المراد قبوله في سهم نفسه ، أو غير ذلك كي لا ينافي القواعد ، إذ الخروج بمثله عنها كما ترى ، وإن حكي ذلك عن المقنع والمفاتيح.

هذا كله إذا لم يكن النصاب جميعه كذلك أو بعضه ، وإلا أجزأت ولو على النسبة كما ستعرف الحال عند تعرض المصنف له ، ثم إن الظاهر من الفتاوى ومعاقد الإجماعات عدم الفرق في ذلك بين الأنعام جميعها كما هو مقتضى بعض ما ذكرنا من الأدلة وإن كان النص في الغنم.

وكيف كان فـ ( ليس للساعي التخيير ) من دون رضى المالك قطعا ، بل إجماعا للأصل وقاعدة الشركة وظاهر النصوص (٣) التي منها‌ الصحيح (٤) المشتمل‌

__________________

(١) الاستبصار ج ٢ ص ٢٣ الرقم ٦٢ طبع النجف.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ٢٦٩.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

١٣٥

على وصية أمير المؤمنين عليه‌السلام لمصدقه الذي أرسله إلى بادية الكوفة ، قال فيه : « إذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه ، فإن أكثره له ، فقل له : يا عبد الله أتأذن لي في دخول مالك فان أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه ولا عنف به ، فاصدع المال صدعين ثم خيره أي الصدعين شاء ، فأيهما اختار فلا تعرض له ، ثم اصدع البقي صدعين ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له ، فلا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله في ماله ، فإذا بقي ذلك فاقض حق الله منه ، فان استقالك فأقله ثم اخلطهما واصنع مثل الذي صنعت أولا حتى تأخذ حق الله فيما له ».

وقال الصادق عليه‌السلام لمحمد بن خالد عامل المدينة (١) في حديث : « مر مصدقك إذا دخل المال فليقسم الغنم نصفين ، ثم يتخير صاحبها أي القسمين شاء ، فإذا اختار فليدفعه اليه ثم ليأخذ منه صدقته ، فإذا أخرجها فليقومها فيمن يريد ».

إنما الكلام في أن للمالك الخيار في أي فرد بحيث ليس للساعي معارضته ومنازعته واقتراح القرعة عليه أولا قولان ، المشهور الأول ، بل عن ظاهر التذكرة الإجماع عليه ، لأنه المخاطب بإيتاء الزكاة ، فيدفعها على مقتضى ما خوطب به يتحقق امتثاله ، وظهور الخبرين المزبورين وغيرهما ، خلافا للشيخ وجماعة فالقرعة مع المشاحة ، واليه أشار المصنف بقوله فان وقعت المشاحة قيل يقرع حتى يبقى السن التي يجب فيها بل عن بعضهم لزومها ابتداء ، إلا أنه في غاية الضعف ، لظهور النصوص في أخذها بدونها ، بل يمكن دعوى القطع من ملاحظة ما ورد (٢) في دفع المالك الزكاة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٣ مع الاختلاف فيه.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٤ والباب ٣٦ من أبواب المستحقين للزكاة.

١٣٦

وصرفها على الفقراء بنفسه وشرائه لهم ما يحتاجون وغير ذلك بخلاف ذلك ، بل يمكن دعواه أيضا منها بأن الخيار له ، وأنه ليس لأحد منازعته ومعارضته ، فيعطي منها ما يشاء لمن يشاء من غير فرق بين زكاة الأنعام وغيرها ، بل لعل السيرة القطعية على ذلك ، خصوصا في أمثال هذه الأوقات التي ليس للزكاة فيها سعاة ، بل كأنه من ضروريات المذهب بل الدين ، وبذلك أو بعضه يخرج عن قاعدة الشركة كما خرج عنها في الإعطاء من غير العين وإعطاء القيمة والتصرف في النصاب بعد الضمان ونحو ذلك ، ولعله لذا حمل القول بها على الندب في محكي التذكرة والبيان ، فقال في الأول : وقيل يقرع ، وهو على الندب ، وقال في الثاني : وقيل يقرع ، وهو على الندب ، مع أنه لولا التسامح والخلوص من شبهة الخلاف لكان الندب محل بحث أيضا.

فمن الغريب ما أطنب به بعض فضلاء متأخري المتأخرين من اعتبارها في المقام مراعيا قاعدة الشركة. فقال بعد دعوى الإجماع عليها من الخصم وغيره : « إن قسمة المال المشترك تكون بالقرعة عندهم إلا ما شذ ، لأنها نوع معاوضة عن حق كل من الشريكين بالآخر على وجه اللزوم الثابت عندهم بالقرعة ، للإجماع ، ولأنها لكل أمر مشكل ، ومجرد التراضي بدونها إنما يفيد إباحة التصرف ، فالمراد حينئذ من وجوبها اعتبارها في اللزوم نحو ما ذكروه في المعاملات بالنسبة إلى صيغها بعد تجويز المعاطاة » وهو من غرائب الكلام ، ضرورة ظهور النصوص بل صراحتها في عدم توقف الملكية عليها ، خصوصا‌ خبر سماعة (١) منها « إذا أخذ الرجل الزكاة فهي كماله يصنع بها ما شاء » ولو كان لزوم القسمة منحصرا في القرعة لكان الواجب على الشارع إظهاره في مقام من المقامات فضلا عن أن يظهر عكسه ، ودعوى أن هذه النصوص كنصوص البيع في الخلو عن التعرض للصيغة التي يحصل بها اللزوم ـ ولو أن مثل هذا الخلو يقضي‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ١.

١٣٧

بعدم الاحتياج إلى القرعة لاتجه عدم اعتبارها في جملة من المشتركات التي خلت نصوصها عن التعرض لها في قسمتها كالفتاوى ، ومن المعلوم خلافه ، وأنه ليس إلا اتكالا على ما ذكروه في باب القسمة ـ كما ترى لا ينبغي أن يصغى إليها بعد تصريح المشهور هنا بعدم اعتبارها ، وظهور النصوص أو تصريحها بذلك على ما عرفت ، نعم قد يقوى وجوب الوسط بما يصدق عليه اسم الفريضة في المقام وغيره ، فلا يكلف الأعلى ، ولا يجزيه الأدنى لأنه المنساق إلى الذهن من أمثال هذه الخطابات التي ستعرف إرادة تقدير الحصة المشاعة للفقير في النصاب بذكر التبيع والشاة وبنت المخاض وغيرها من الفرائض فيها ، لا أن المراد أعيانها التي قد لا تكون في النصاب ، بل ليست فيه قطعا في الخمس من الإبل ونحوه ، ولا يوافق ما تسمعه إن شاء الله من تحقيق كون الزكاة في العين على جهة الشركة مشاعة في جميع النصاب ، فلا ريب حينئذ في الانصراف إلى الوسط كما في جميع ما ورد من نظائر ذلك ، ومما ذكرنا يظهر لك ما في كلام جملة من الأعلام حتى من قال بالمختار منهم ، فإنه استند إلى اقتضاء ذلك ذلك ، وفيه أن مقتضاهما الأخذ من الجيد والردي والوسط ، لا أن أقل الواجب عليه الوسط ، فلاحظ وتأمل.

وأما اللواحق‌ فهي أن الزكاة تجب في العين لا في الذمة على المشهور نقلا وتحصيلا ، بل في شرح المفاتيح للبهبهاني « كاد يكون إجماعا » بل في موضع من التذكرة « نسبته إلى أصحابنا » وفي آخر « عندنا » وفي ثالث « نفي الخلاف عنه » وفي كشف الحق « نسبته إلى الإمامية » بل في محكي المنتهى « هو مذهب علمائنا أجمع حيواناً كان أو غلة أو أثمانا ، وبه قال أكثر أهل العلم » وفي السرائر « أنهم عليهم‌السلام أوجبوا الزكاة في الأعيان دون غيرها من الذمم » وفي محكي الانتصار « أنه الذي يقتضيه أصول الشريعة » وفي محكي مجمع البرهان « أنه المفهوم من الأخبار ، ولعله لا خلاف فيه عند أصحابنا » وعن بعض أن القائل بالذمة مجهول ، وآخر نسبته إلى الشذوذ من أصحابنا‌

١٣٨

وفي البيان عن ابن حمزة أنه نقله عن بعض الأصحاب ، قيل : ولعله في الواسطة ، إذ ليس لذلك في الوسيلة أثر ، وأرسل القول به في محكي المبسوط ، ولعله يريد بعض العامة كما نسبه إليه في محكي المعتبر.

وكيف كان فلا ريب في تعلقها بالعين في الغلات الوارد فيها العشر ونصفه ونحوهما مما هو حصة مشاعة في العين الخارجية ، بل وفي غيرها كالنقدين والأنعام الوارد فيها بلفظ « في » التي هي حقيقة في الظرفية ، كقوله عليه‌السلام (١) : « في مائتي درهم خمسة » و « في أربعين شاة شاة » (٢) ونحوها ، خصوصا بعد ما ورد (٣) من النصوص بلفظ الشريك بين الفقراء والأغنياء في أموالهم ، وأنه فرض الله لهم فيها كذا وكذا ، وما ورد (٤) في آداب المصدق وغيره مما هو ظاهر أو صريح في ذلك ، وما ورد (٥) من تلف الزكاة بتلف المال من غير تفريط ، ومن تبعية الساعي العين لو باعها المالك ، وغير ذلك مما لا يبقى للفقيه معه ريب في تعلقها بالعين ، مضافا إلى ما حكي من الاتفاق على تقدمها على الدين إذا قصرت التركة وكانت عين النصاب باقية ، وسقوطها بتلف النصاب من غير تفريط ، وتبعية الساعي العين لو باعها المالك ولم يؤد الزكاة ، وغير ذلك مما لا يتم بمقتضى الضوابط إلا على تعلقها بالعين.

فما يقال بعد ذلك كله ـ من أن المراد من لفظ « في » التسبيب نحو قولهم في القتل خطأ الدية ، وفي العين نصف الدية ، ونحوها مما هو شائع معروف مؤيدا ذلك بعدم تعقل الظرفية حقيقة في نحو‌ قوله عليه‌السلام : « في خمس من الإبل شاة » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٣ و ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب المستحقين للزكاة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٢.

١٣٩

ونحوه مما كانت الفريضة فيه ليست من جنس النصاب ، فيعلم أن باقي الخطابات كذلك لأن الجميع من مذاق واحد ، وبأنه لو كانت في العين لم يجز للمالك الإعطاء من غير العين حتى القيمة ، مع أن الإجماع المحكي عن جماعة على جوازه ، بل يمكن تحصيله ، مضافا إلى ما دل على إعطاء القيمة ، وصحيح عبد الرحمن (١) الآتي المشتمل على تأدية الزكاة من غير العين أيضا ـ في غير محله ، ضرورة معلومية المجازية في استعمال « في » في السبب وكثرته بعد التسليم غير مجدية ، بل لو سلم مساواته للحقيقة أمكن ترجيح الظرفية بما عرفت من النصوص وغيرها ، فيجب حينئذ ارتكاب التجوز في نحو‌ قوله عليه‌السلام : « في خمس من الإبل شاة » بإرادة أن له في الإبل الخمسة مقدار نسبة الشاة إليها ، ويكون المراد حينئذ من ذكر الشاة ضبط الحصة المشاعة ، بل الظاهر إرادة ذلك في جميع خطابات الزكاة التي لم ينص عليها بالحصة المشاعة كالغلات ، لكون الجميع باعتراف الخصم على مذاق واحد ، فقوله : في الست وعشرين بنت مخاض مثلا أي فيها ما يقابل بنت المخاض ضرورة عمومية الخطاب للتي فيها بنت مخاض ولغيرها مما لا يمكن كون المراد منه فيها نفس بنت المخاض ، بل التي فيها لا تتعين زكاة عند القائلين بتعلقها بالعين ، ضرورة كونها جزء النصاب الذي تعلق الزكاة بجميعه ، فليس المراد من الجميع حينئذ إلا ضبط الحصة المشاعة بذلك ، حتى‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « في أربعين شاة شاة » ويرجع الجميع إلى معنى ما ذكروه في الغلات المصرح فيها بالحصة المشاعة ، فلا حاجة حينئذ إلى التفصيل بين كون الفريضة من جنس النصاب وعدمه ، فالأول الزكاة منه في العين بخلاف الثاني ، إذ قد عرفت أن الجميع من واد واحد ، ولعل الداعي إلى ذكرها بهذا الطريق بعد كونه أحد الطريقين أنه قد تنتهي الحصة إلى ما لا تضبطه الكسور المعروفة من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

١٤٠