جواهر الكلام - ج ١٥

الشيخ محمّد حسن النّجفي

قدر بساعة مثلا فالحول الثاني يقتضي ساعتين وهكذا ، وفيه ما لا يخفى بعد الإحاطة بما عرفت ، على أنه لو قلنا بكون الحول حقيقة شرعية أو مجازا فهو في الأحد عشر خاصة وما في بعض العبارات من ظهور دخول الجزء إنما هو لتحقيقها لا لدخوله في مسمى الحول أو المراد منه ، كما هو واضح لدى كل من تصفحها ، مع أن بعضها كالإرشاد قد اقتصر على الأحد عشر ، وظني أنه هو مراد الجميع وإن صدر بعض ما يوهم خلافه من بعضهم ، بل وقع فيه ما هو أغرب من ذلك ، فلاحظ وتأمل.

وكيف كان فـ ( لو اختل أحد شروط وجوبها في أثناء الحول ) الشرعي أو اللغوي بناء على عدم استقرار الوجوب إلا به بطل الحول ، مثل أن نقصت عن النصاب فأتمها أو لم يتمكن من التصرف فيها أو نحو ذلك مما عرفت اشتراطه بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك أو عاوضها بغير جنسها أو بجنسها ونوعها كغنم سائمة ستة أشهر مثلا بغنم كذلك أو مثلها مما هو مساويها في الحقيقة كالضأن بالضأن أو أخص من ذلك كالأنوثة والذكورة على الأصح الأشهر ، بل المشهور ، بل عن ظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه إذا لم يقصد الفرار ، بل في المفاتيح أن المخالف شاذ ، ولعله كذلك ، إذ لم نجده إلا للشيخ في المحكي عن مبسوطة فأوجب الزكاة بإبدال النصاب الجامع للشرائط بالجامع لها ، وربما ظهر من فخر المحققين وفاقة كما ستعرف ، وقال في السرائر : إن إجماعنا على خلاف ما ذهب اليه فيه ، ومع ذلك لم نجد له دليلا معتدا به عدا المرسل في محكي شرح الإرشاد للفخر ، وهو غير حجة ، وأن من عاوض أربعين سائمة ستة أشهر بأربعين سائمة كذلك صدق عليه أنه ملك أربعين سائمة طول الحول ، وهو واضح الضعف ، ضرورة أن كلا منهما لم يحل عليه الحول ، فلا ريب أن الأصح سقوط الزكاة لانقطاع الملك ، وقولهم عليهم‌السلام في عدة‌

١٠١

روايات (١) : « كل ما لا يحول عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه ».

وكيف كان فلا خلاف في غير ذلك حتى من الشيخ ، قال فخر المحققين على ما حكي عنه في شرح الإرشاد : « إذا عاوض النصاب بعد انعقاد الحول عليه مستجمعا للشرائط بغير جنسه وهو زكوي أيضا كما لو عاوض أربعين شاة بثلاثين بقرة مع وجود الشرائط في الاثنين انقطع الحول ، وابتداء الحول الثاني من حين تملكه ، وإن عاوضه بجنسه وقد انعقد عليه الحول أيضا مستجمعا للشرائط لم ينقطع الحول ، بل بني على الحول الأول ، وهو قول الشيخ أبي جعفر الطوسي قدس الله روحه للرواية (٢) وإنما شرطنا في المعاوض عليه انعقاد الحول لأنه لو عاوض أربعين سائمة بأربعين معلوفة لم تجب الزكاة إجماعاً ، وكذا لو عاوض أربعين سائمة ستة أشهر بأربعين سائمة أربعة أشهر لم تجب الزكاة إجماعاً ، بل ينبغي أن تكون أربعين سائمة ستة أشهر بأربعين سائمة مدة ستة أشهر ، ومتى اختل أحد الشروط لم تجب الزكاة إجماعا ، وكذا لو عاوض نصابا من الذهب بنصاب منه وكان المأخوذ منه طفلا أو مجنونا لم تنعقد الزكاة إجماعا ، لأنه لم ينعقد عليه حول إجماعا ، وكذا لو عاوض ببعض النصاب » انتهى.

وقيل والقائل المرتضى في المحكي من انتصاره والشيخ أيضا في المحكي من جمله وتهذيبه إذا فعل ذلك فرارا وجبت الزكاة ، وقيل والقائل المشهور نقلا وتحصيلا لا تجب ، وهو الأظهر لانقطاع الملك أيضا ، وإطلاق الأدلة الشامل لصورتي الفرار وعدمه ، وخصوص ما ورد في جواز الفرار من خبر علي بن يقطين (٣) عن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١ والباب ١٥ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١ والباب ١٥ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٢.

١٠٢

أبي إبراهيم عليه‌السلام وحسن عمر بن يزيد (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام وحسن زرارة (٢) وحسن هارون بن خارجة (٣) وغير ذلك مما هو وارد في سبك الدراهم والدنانير الذي يدل على ما نحن فيه بطريق أولى ، فلا ريب حينئذ في الحكم المذكور ، خصوصا مع أنا لم نجد ما يشهد للقول الآخر سوى ما حكاه المرتضى من الإجماع المتبين خلافه ، وموثقي محمد بن مسلم (٤) وإسحاق بن عمار (٥) وخبر معاوية بن عمار (٦) الواردة في الحلي وإبدال الدراهم بالدنانير أو بالعكس ، كالمحكي عن فقه الرضا عليه‌السلام (٧) وهي مع أن خبرين منها في غير ما نحن فيه محمولة على الندب أو على الفرار بعد الحول أو على التقية أو غير ذلك مما تعرفه في محله إن شاء الله عند ذكر المصنف له في النقدين.

ولا تعد السخال أي الأولاد مطلقا وإن كان السخل اسما لولد الغنم إلا أن المراد هنا مطلق الأولاد من الأصناف الثلاثة ولو تغليبا ، وعلى كل حال لا تعد مع الأمهات إذا فرض كونها نصابا مستقلا عنها وغير مكملة لنصاب آخر إذا أضيفت إليها ولا كان زمان الملك فيها متحدا بل لكل منهما حول بانفراده بلا خلاف أجده ، بل الإجماع في محكي الخلاف والمنتهى والانتصار وغيرها عليه ، مضافا إلى ظهوره من النصوص السابقة في مسألة ابتداء حولها ، ومن إطلاق الأدلة الشامل لذلك ولغيره من متفاوت الملك زمانا وإن لم يكن بالولادة ، فلو ولدت خمس من الإبل خمسا أو أربعون من البقر أربعين أو ثلاثين التي هي نصاب قبل الأربعين فكذا بعدها كان لكل حول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٣.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ٦.

(٧) المستدرك ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الذهب والفضة ـ الحديث ١.

١٠٣

بانفراده يؤدي فريضته ، وكذا لو ملك ذلك في الزمان المختلف ، ضرورة عدم الفرق بين تجدد الملك بالولادة وغيرها ، ولا ينافي ذلك‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر محمد بن قيس (١) في الغنم : « ويعد صغيرها وكبيرها » ضرورة إمكان كون المراد عد كل منهما مستقلا بعد بلوغ النصاب في كل منهما وحول الحول أو غير ذلك مما لا ينافي ما تقدم.

أما إذا لم تكن نصابا مستقلا ولا مكملة لنصاب فلا شي‌ء فيها قطعا ، للأصل وظاهر النصوص ، ولعل من ذلك ما إذا ولدت له أربعون من الغنم أربعين ، لعدم كون الأربعين بعد الأربعين نصابا مستقلا ولا مكملة لنصاب آخر ، لأن الثمانين من الغنم ليست نصابا كما عرفت ، فليس فيها حينئذ إلا شاة وفاقا للفاضل في منتهاه وتذكرته وقواعده وتحريره ونهايته وثاني الشهيدين وسيد المدارك وغيرهم على ما حكي عن بعضهم وربما قيل بوجوب شاة لها أيضا ، واحتمله في محكي المعتبر وجعله في الدروس وجها لقوله عليه‌السلام (٢) : « في كل أربعين شاة » ولأنه نصاب كامل وجبت الزكاة فيه مع الانفراد فكذا مع الانضمام ، وفيه أن المراد من الأول النصاب المبتدأ ، إذ لو ملك ثمانين دفعة لم تجب عليه شاتان إجماعا ، وأن الفرق واضح بين صورتي الانضمام والانفراد ، فلا يقاس أحدهما على الآخر ، خصوصا بعد‌ قوله عليه‌السلام (٣) : « ليس في الغنم بعد الأربعين شي‌ء حتى تبلغ مائة وأحد وعشرين » الشامل لما نحن فيه.

أما إذا لم تكن نصابا مستقلا ولكن كانت مكملة للنصاب الآخر للأمهات كما لو ولدت ثلاثون من البقر أحد عشر أو ثمانون من الغنم اثنين وأربعين أو ملكها كذلك‌

__________________

(١) الاستبصار ج ٢ ص ٢٣ الرقم ٦٢ طبع النجف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

١٠٤

بغير الولادة ففي سقوط اعتبار الأول وصيرورة الجميع نصابا واحدا أو وجوب زكاة كل منهما عند انتهاء حوله ، فيخرج عند انتهاء حول الأول تبيع أو شاة ، وعند مضي سنة من تلك شاتان أو مسنة ، أو يجب فريضة الأول عند حوله ، فإذا جاء حول الزيادة لوحظ ما يخصها من فريضة نصاب المجموع ، فإذا جاء الحول الثاني للأمهات أخرج ما نقص من تلك الفريضة وهكذا ، فيخرج في مثال البقر في الحول الأول للأمهات تبيع ، وللعشر عند حولها ربع مسنة ، فإذا جاء الحول الآخر للأمهات يخرج ثلاثة أرباع مسنة ، ويبقى هكذا دائما ، أو عدم ابتداء حول الزائد حتى ينتهي الحول الأول ثم استئناف حول واحد للجميع أوجه ، أوجهها الأخير وفاقا للفخر والشهيدين وأبي العباس والمقداد والكركي والصيمري وسيد المدارك والخراساني والفاضل البهبهاني والأستاذ في كشفه والمولى في الرياض والمحدث البحراني على ما حكي عن بعضهم ، لوجوب إخراج زكاة الأول عند تمام حوله ، لوجود المقتضي ، وهو اندراجه في الأدلة ، وانتفاء المانع ومتى وجب إخراج زكاته منفرداً امتنع اعتباره منضما إلى غيره في ذلك الحول ، للأصل ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « لا ثني في صدقة » وقول أبي جعفر عليه‌السلام (٢) : « لا يزكي المال من وجهين في عام واحد » ولظهور أدلة النصاب المتأخر في غير المفروض.

ومنه يعلم أنه لا وجه للقول بتوزيع الفريضة حينئذ فرارا من تثنية الصدقة ، وإلى أكثر ذلك يرجع ما في الروضة وغيرها وإن كانت العبارة لا تخلو من قصور ، قال : « أما لو كان غير مستقل ففي ابتداء حوله مطلقا أو مع إكماله للنصاب الذي بعده أو عدم ابتداء حوله حتى يكمل الأول فيجزي الثاني لهما أوجه ، أوجهها الأخير ، فلو كان‌

__________________

(١) نهاية ابن الأثير مادة « ثني » و « ثنى » على وزن « إلى ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب من تجب عليه الزكاة ـ الحديث ١ عن أبي عبد الله عليه‌السلام وهو الصحيح كما يأتي في المسألة الثانية من أحكام مال التجارة.

١٠٥

عنده أربعون شاة فولدت أربعين لم يجب فيها شي‌ء أي على الأخيرين ، وعلى الأول فشاة ، أو ثمانون فولدت اثنين وأربعين فشاة للأولى خاصة ثم يستأنف حول الجميع بعد تمام الأول ، وعلى الأولين تجب أخرى عند تمام حول الثانية » فإن أقصى ما يمكن أن يقال فيها : إن المراد بغير المستقل ما ليس بنصاب في حالي الانضمام وعدمه ، ليشمل ما لو كان نصابا في حال الانفراد ، فيتجه حينئذ تمثيله بالأربعين الوالدة أربعين ، فإن السخال ليست نصابا مستقلا في حالة الانضمام ولا مكملة للنصاب الآخر للأمهات ، فليس فيها شي‌ء على الأخيرين ، وفيها شاة على الأول الذي ابتدئ الحول له مطلقا مع كونه نصابا ولو في حال الانفراد ، ويكون حينئذ ذلك إشارة إلى ما سمعته من محتمل المعتبر والدروس وغيرهما ، والوجه الثاني أنه لا يبتدأ له حول إلا إذا كان مكملا للنصاب الذي بعده ، فيلغي حينئذ ما مضى للأمهات ، ويحسب النصاب الأخير من حين الولادة والوجه الثالث أنه لا يبتدأ له حول حتى يكمل حول الأمهات ثم يستأنف حول للجميع إلا أن مقتضى ذلك إعطاء شاتين على الوجه الثاني لا شاة واحدة ، كما هو الظاهر ، اللهم إلا أن يريد احتساب حول للأمهات ويعطى زكاته ، ثم إذا تم حول الزيادة يعطي زكاة النصاب الثاني لكن لا تعطى تامة فرارا من تثنية الصدقة ، ولأن بعض النصاب مزكى ، فيعطى شاة واحدة تكون هي مع ما مضى من شاة الأمهات تمام فريضة النصاب الثاني ، فتأمل جيدا ، ومن ذلك كله يظهر لك قصور العبارة وعدم حسن التأدية ، بل لا تخلو من نظر ، ولذا اعترضها غير واحد من المحشين ، وتكلف لها الفاضل الهندي بما يعلم عدم دلالة العبارة عليه ، بل وعدم إرادة المصنف له ، فلاحظ وتدبر ، والأمر سهل بعد وضوح الحال لديك.

ولو كانت الزيادة مع كونها مكملة للنصاب مشتملة على نصاب مستقل كما لو ملك عشرين من الإبل ثم في أثناء الحول ملك سبعة أخرى بالولادة أو بغيرها فيحتمل أن‌

١٠٦

يكون أبدا في العشرين أربع شياه وفي الست شاة ، ويحتمل أن يسقط حكم العشرين من حين ملك الست فلا يجب حينئذ إلا بنت مخاض إذا حال حول السبع ( الست خ ل ) ويحتمل أن يكون الواجب أولا في العشرين أربع شياه وفي السبع ستة أجزاء من ستة وعشرين جزءا من بنت مخاض ، ثم يجب في المجموع بنت مخاض ولكن بالتوزيع بأن يكون إذا كمل حول العشرين وجب عشرون جزء من بنت مخاض ، وإذا تم حول الست وجب ستة أجزاء منها ، ويحتمل أن يكون الواجب إذا تم حول العشرين أربع شياه ثم إذا تم حول الست بنت مخاض إلا ما وقع بإزائه من الأربع شياه في الجزء من الحول الأول الذي ملك فيه الثاني ، مثلا إذا ملك الست في منتصف الحول فالعشرون في النصف الأول من الحول أربعة نصب ، وفي النصف الثاني جزء من النصاب السادس ، فإذا تم الحول الأول أدي أربع شياه ، فإذا تم حول الست ظهر أن نصف الأربع شياه للنصب الأربعة والنصف الآخر للنصاب السادس ، فهو بإزاء نصف ما يتوزع عليها من أجزاء بنت مخاض ، وهي العشرون ، فشاتان بإزاء عشرة أجزاء من ستة وعشرين جزء من بنت مخاض ، ولكن الأقوى الأول الذي هو مقتضى إطلاق الأصحاب أن لها حولا بانفرادها إذا كانت نصابا مستقلا ، وكذا الكلام فيمن ملك خمسا أولا ثم ملك عشرين.

ومنه يعلم ما في المحكي عن المنتهى « من أنه لو ملك أربعين شاة ستة أشهر مثلا ثم ملك تمام النصاب الثاني وزيادة واحدة مثلا وجب عليه عند تمام حول الأولى شاة ، وهل يحصل ابتداء انضمام النصاب الأول إلى النصاب الثاني عند ملك الثاني أو عند أخذ الزكاة من الأول؟ الأقرب الأول ، لأنه يصدق عليه وقت ابتداء الملك أنه ملك مائة وإحدى وعشرين ، فحينئذ إذا مضت سنة من ابتداء ملك الزيادة وجبت عليه شاتان فيجب عليه في سنة ونصف ثلاث شياه ، إلا أنه يبقى فيه إشكال من حيث أن النصاب‌

١٠٧

الأول أخرج عنه الزكاة منفردة فلا يجوز اعتباره منضما مع الغير في ذلك الحول ، ولو قيل بسقوط حكم اعتبار النصاب الأول عند ابتداء ملك تمام النصاب وصيرورة الجميع نصابا واحدا كان حسنا ، أما لو ملك تمام النصاب الثاني بغير زيادة ـ مثلا ملك إحدى وثمانين بعد مضي ستة أشهر على أربعين ـ لم يجب عليه عند تمام سنة الزيادة شي‌ء ، لنقصان النصاب عند استحقاق الفقراء من الأربعين » ونحوه عن التحرير أيضا ، وفي شرح الفاضل الأصبهاني « أنه لو أوجب عند تمام الأول شاة وعند تمام الثاني شاة ونصفا لم يلزم ضرر على المالك أو المستحق ».

قلت : لا تساعد عليه الأدلة ، كما أنها لا تساعد على ما ذكره من الأقرب ، ضرورة صدق ملك الأربعين حولا عليه في أثناء حول الزيادة ، فالمتجه ملاحظة حول لكل منهما ، قال في الدروس : ولو ملك مالا آخر في أثناء الحول من جنس ما عنده فان كان نصابا مستقلا كخمس من الإبل بعد خمس وكأربعين بقرة وعنده ثلاثون أو مائة وأحد وعشرين من الغنم وعنده أربعون فلكل حول بانفراده ، ولو كان غير مستقل كالأشناق استأنف الحول للجميع عند تمام الحول الأول على الأصح ، ولو ملك إحدى وعشرين بعد خمس فالشاة بحالها ، وكذلك إلى خمس وعشرين ، ولو ملك ستا وعشرين جديدة ففيها بنت مخاض عند تمام حولها وفي أربعين من الغنم بعد أربعين وثلاثين من البقر بعد ثلاثين وجه بالوجوب ، وقيل : لو ملك بعد الأربعين إحدى وثمانين فلكل حول ، ورد بثلم النصاب بمستحق المساكين ، مشترط زيادة واحدة ، وهو سهو ولو قلنا بأن الزكاة في الذمة على القول النادر ، قلت : كله يرد على ما في القواعد أيضا حيث قال : « ولو ملك خمسا من الإبل نصف حول ثم ملك أخرى ففي كل واحدة عند كمال حولها شاة ، ولو تغير الفرض بالثاني بأن ملك إحدى وعشرين فالشاة عند تمام حول نصابها ، وأحد وعشرون جزء من ستة وعشرين جزء من بنت مخاض عند‌

١٠٨

حول الزيادة ، ولو ملك ثلاثين بقرة وعشرا بعد ستة أشهر فعند تمام حول الثلاثين تبيع أو تبيعة ، وعند تمام حول العشر ربع مسنة ، فإذا تم حول آخر على الثلاثين فعليه ثلاثة أرباع مسنة ، فإذا حال الآخر على العشر فعليه ربع مسنة وهكذا ، ويحتمل التبيع وربع المسنة دائما ، وابتداء حول الأربعين عند تمام حول الثلاثين » وعن فخر المحققين أنه قال : « لما سألت والدي عن ذلك وأنه لا تتحقق هذه المسائل على القول بأن الزكاة في العين لحصول النقص بما يخرج أولا من النصاب قال : إنه يمكن تأويلها على قول الشيخ بتقديم الزكاة معجلة ، ولا ينقص بها النصاب » والأمر في ذلك كله سهل كسهولة معرفة الحال فيما سمعت من الفروع بعد الإحاطة بما ذكرنا ، بل وغيرها من الفروع المذكورة في التذكرة والنهاية والمنتهى والتحرير والبيان وشرح اللمعة للاصبهاني وإن أطنبوا فيها وفي ذكر الوجوه المبنية على توزيع الفريضة وغيرها مما لم تساعد عليه الأدلة ، فلاحظ وتأمل وتدبر ، والله أعلم.

ولو حال الحول فتلف من النصاب شي‌ء فان فرط المالك ولو بتأخير الأداء مع التمكن منه من دون مسوغ شرعي ضمن ، وإن لم يكن فرط سقط من الفريضة بنسبة التالف من النصاب بلا خلاف ولا إشكال في ذلك كله ، ضرورة كونه بعد حول الحول ، وفرض الزكاة في العين أمانة في يده ، فيجري عليه حكمها حينئذ ، ولو تلف النصاب كله لم يكن عليه شي‌ء مع عدم التفريط ، وهو المراد من‌ المرسل (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يكون له إبل أو بقر أو غنم أو متاع فيحول عليه الحول فتموت الإبل والبقر والغنم ويحترق المتاع قال : ليس عليه شي‌ء » بل لعل الظاهر من الفاء فيه وقوع ذلك بعد حول الحول بلا فصل يعتد به ، فلا تأخير فيه للأداء.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٢.

١٠٩

وإذا ارتد المسلم عن فطرة قبل الحول لم تجب الزكاة لانقطاع الملك واستأنف ورثته الحول لانتقال المال إليهم ، إذ الردة كالموت في ذلك وإن كان الارتداد بعده وجبت الزكاة لوجود المقتضي وارتفاع المانع ، وتولى إخراجها الإمام أو القائم مقامه وإن لم يكن عن فطرة لم ينقطع الحول لبقاء الملك ووجبت الزكاة عند تمام الحول ما دام باقيا لأنه مكلف ، والمنع من التصرف في المال بتقصير منه ، مع أنه متمكن منه بالإسلام ، ويتولى إخراجها الإمام أو من يقوم مقامه ، لعدم صحتها منه وإن كان مكلفا بها ، كما هو واضح ، لكن عن المبسوط « أنه إن كان قد أسلم عن كفر ثم ارتد ولحق بدار الحرب ولا يقدر عليه زال ملكه وانتقل المال إلى ورثته إن كان له ورثة ، وإلا فإلى بيت المال ، فان كان حال عليه الحول أخذ منه الزكاة ، وإن لم يحل لم يجب عليه شي‌ء » وربما ظهر من بعضهم التردد فيه ، بل وافقه الفاضل في المحكي عن منتهاه وتحريره ، والصيمري في كشفه ، وهو مع مخالفته للأصل لم نجد له شاهدا يعتد به ، بل الشواهد على خلافه ، ولتحرير المسألة مقام آخر ، وعلى كل حال يتولى الإخراج عنه الامام عليه‌السلام أو نائبه ، لعدم صحتها منه ، ولو عاد إلى الإسلام كان المأخوذ مجزيا ، بخلاف ما إذا أداها بنفسه ، ولو كانت العين باقية أو كان القابض عالما بالحال جدد النية وأجزأت حينئذ ، هذا كله في الرجل ، أما المرأة فلا ينقطع الحول بردتها مطلقا ، لعدم انقطاع ملكها بذلك كما هو معلوم في محله ، والله أعلم.

الشرط الرابع أن لا تكون عوامل ولو في بعض الحول فإنه ليس في العوامل زكاة ولو كانت سائمة بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص (١) المعتبرة دالة عليه أيضا ، فما في الموثقين (٢) والخبر (٣) من أن عليها زكاة مطرح أو محمول على الندب أو التقية أو على إرادة العارية من الزكاة فيها ، والكلام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الأنعام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٨.

١١٠

في صدق العوامل كالكلام في السائمة حتى أن خلاف الشيخ هناك يأتي مثله هنا ، فلاحظ وتأمل ، وظاهر المصنف وغيره بل هو صريح جماعة عدم اعتبار أمر آخر غير ذلك ، خلافا للمحكي عن سلار فاعتبر الأنوثة ، وهو متروك كما اعترف به في الدروس ، بل يمكن تحصيل الإجماع على خلافه فضلا عن ظاهر النصوص ، مع أنا لم نجد له شاهدا معتدا به ، وما يقال : إن‌ قوله عليه‌السلام (١) : « في خمس من الإبل شاة » يشهد باعتبار تذكير العدد بدفعه ـ مع أنه في الإبل خاصة ولا يتم في العشرين والأربعين ونحوهما ـ ما صرح به في بعض كتب اللغة كما قيل من أن الإبل شامل للمذكر والمؤنث وإن جرى عليه حكم التأنيث كغيره من الألفاظ التي يستوي فيها التذكير والتأنيث ، والله أعلم.

وأما الفريضة فقد تقدم ذكرها في الغنم ، وأما في غيرها فيقف بيانها على مقاصد ، الأول الفريضة في الإبل شاة في كل خمسة حتى تبلغ خمسا وعشرين ، فإذا زادت واحدة كان فيها بنت مخاض وقد سمعت خلاف القديمين في ذلك وضعفه فإذا زادت عشراً كان فيها بنت لبون ، فإذا زادت عشراً أخرى كان فيها حقة ، فإذا زادت خمس عشرة كان فيها جذعة ، فإذا زادت خمس عشرة أخرى كان فيها بنتا لبون ، فإذا زادت خمس عشرة أيضا كان فيها حقتان ، فإذا بلغت مائة وإحدى وعشرين طرح ذلك وكان في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون كما نطق بذلك كله صحيح البجلي (٢) عن الصادق عليه‌السلام وخبر أبي بصير (٣) عنه عليه‌السلام أيضا وصحيح زرارة (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام وموثقه (٥) الآخر عنه وعن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام الحديث ٣.

١١١

أبي عبد الله عليهما‌السلام لكن اقتصر في الأولين وفي الأخير (١) على قوله عليه‌السلام : « في كل خمسين حقة » وزاد في الأخيرين « في كل أربعين بنت لبون » ومن الجميع يستفاد في الجملة خلاف ما صرح به جماعة منهم المحقق الثاني والشهيد الثاني والشيخ وابنا إدريس وحمزة والفاضل وأبو العباس والميسي والقطيفي والصيمري وغيرهم على ما حكي عن بعضهم ، بل في شرح اللمعة للاصبهاني أنه صرح به الأصحاب من غير نقل خلاف وفي محكي الخلاف نسبة المثال المنطبق على ذلك إلى اقتضاء المذهب ، وعن السرائر بعد أن حكى عن الخلاف ذلك قال : هذا هو الصحيح المتفق عليه المجمع ، لكن قد عرفت اقتضاء النصوص خلاف ذلك في الجملة من وجوب مراعاة المطابق منهما حتى لو كان الجمع بينهما هو المطابق حسب بهما معا كالمائة والأربعين ، ولو حصلت المطابقة بكل منهما تخير ، وإلا وجب اعتبار أكثرهما استيعابا مراعاة لحق الفقراء ، فيجب الحساب حينئذ بالأربعين في المائة والواحد والعشرين ، والمائة وخمس وستين ، ويتخير في الأربعمائة بين حسابها جميعاً بخمسين خمسين ، فيخرج ثمان حقائق ، وأربعين أربعين فيخرج عشر بنات لبون ، وبين حساب مائتين بالأول ومائتين بالثاني ، فيخرج أربع حقائق وخمس بنات لبون ، ضرورة تطابق الجميع على جواز حساب المائة وأحد وعشرين بكل خمسين ، مع أن احتسابها بالأربعين هو الأقل عفوا ، لعدم زيادة غير الواحدة فيه ، بخلاف الأول الذي يزيد فيه تمام الواحد وعشرين ، فكأن ذلك منهم كالاجتهاد في مقابلة النص المبني على حكمة لا نعرفها ، ولعل التفاوت في السن بين الحقائق وبنات اللبون يقوم مقام التعدد في الأخير ، فالحقتان مثلا يقومان مقام ثلاث بنات لبون.

ولعلهم أخذوا ذلك من‌ صحيح الفضلاء (٢) الوارد في البقر عن الصادقين‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح إسقاط لفظ « وفي الأخير ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

١١٢

عليهما‌السلام « قالا : في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي ، وليس في أقل من ذلك شي‌ء وفي أربعين بقرة بقرة مسنة ، وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شي‌ء حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة ، وليس فيما بين الأربعين إلى الستين شي‌ء ، فإذا بلغت الستين ففيها تبيعان إلى السبعين ، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنة إلى الثمانين ، فإذا بلغت ثمانين ففي كل أربعين مسنة إلى تسعين ، فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات حوليات ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففي كل أربعين مسنة » بل قيل : لا خلاف في ذلك في البقر ، ومنها استفادوا أن النصاب فيها ثلاثون وأربعون باعتبار حساب ما فرضه المعلوم إرادة المثال منه بذلك ، وقد لاحظ فيه المطابقة حتى في صورة الجمع بينهما كالسبعين ، وعدم تعرضه لحساب المائة بالأربعين والستين غير مناف ، إذ لا يجب الاستقصاء في الأمثلة ، كما أن اقتصاره على الأربعين في الأخير كذلك بعد ما تكرر من الاحتساب بالثلاثين في المطابق له ، فرجع الحاصل منه إلى أن النصاب في البقر كل ثلاثين وكل أربعين كما هو معقد إجماع محكي الخلاف والتذكرة على التخيير ، لكن هذا الصحيح ـ مع اشتماله على كثير مما لا نقول به ، وهو وارد في البقر ـ يمكن أن يكون المراد منه بيان المثال لا تعين ذلك ووجوبه ، على أنه في خصوص المطابق ، ولا دلالة فيه على وجوب مراعاة الأقل عفوا ، بل تلك النصوص في الإبل صريحة في خلافه ، فلعل المتجه في الاقتصار على المستفاد من مجموع ما ورد في البقر والإبل مراعاة المطابقة خاصة دون الأقل عفوا ، لكن على كل حال هو خلاف إطلاق جماعة من الأصحاب التخيير ، بل هو صريح البعض ، بل عن فوائد القواعد والرياض نسبة التخيير مطلقا إلى ظاهر الأصحاب وإن كان فيه ما لا يخفى بعد ما عرفت سابقا.

بل ربما استفيد ممن عقب إطلاقه كالمصنف بقوله ولو أمكن في عدد فرض كل واحد من الأمرين كان المالك بالخيار في إخراج أيهما شاء اختيار القول الأول‌

١١٣

باعتبار ظهوره في اختصاص التخيير بذلك ، بخلاف ما إذا كان المطابق أحدهما خاصة ، نعم لا دلالة فيه على اعتبار الأقل عفوا إذا كان كل منهما غير مطابق ، بل لعل المصرح بذلك قليل ، فيمكن أن يقال باعتبار المطابق منهما ولو مجموعهما ، ويتخير مع مطابقتهما معا وعدم مطابقتهما معا ، لكن لا ريب أن الأولى تحري الأقل عفوا ، بل قد يقال بتعينه في المائتين وستين مثلا ، فيحسب ما فوق المائتين بالخمسين فيعطى حقة ، وإلا لزم اقتضاء زيادة العشر على الخمسين نقصانا في الحق لو حسب بالأربعين وأعطي بنت لبون لوجوب الحقة قبلها ، وكيف كان فالتخيير حيث يكون للمالك كما صرح به جماعة ـ بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا ، بل عن التذكرة الإجماع عليه ، ولعله المنساق من الأدلة فضلا عن تحقق الامتثال بأحدهما فلا تسلط لغير المالك عليه ، وفضلا عما ورد من النصوص في آداب المصدق ، خلافاً للمحكي عن الخلاف والمبسوط فقال : « يتخير الساعي » ولا دليل عليه ، بل ظاهر الدليل خلافه ، بل ربما احتمل من احتجاج الأول منهما موافقته للمشهور ، فلاحظ وتأمل ، هذا كله في الإبل.

وفي كل ثلاثين من البقر تبيع أو تبيعة ، وفي كل أربعين مسنة لصحيح الفضلاء (١) المتقدم وإن كان غير مشتمل على التخيير بين التبيع والتبيعة إلا أنه رواه في المعتبر كذلك ، قال : ومن طريق الأصحاب‌ ما رواه (٢) زرارة ومحمد بن مسلم وأبو بصير والفضيل عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام قال : « في البقر في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة ، وليس في أقل من ذلك شي‌ء حتى تبلغ ستين ، ففيها تبيعان أو تبيعتان ، ثم في سبعين تبيع أو تبيعة ومسنة وفي تسعين ثلاث تبايع » ولعله عثر عليه فيما عنده من الأصول كذلك كما هو مظنة ذلك ، بل أرسل في الخلاف أخبارا بذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٢) المعتبر ص ٢٦٠ مع نقصان في الجواهر.

١١٤

على أنه في‌ الصحيح المزبور (١) على ما رواه الكليني والشيخ في المرتبة الرابعة ، قال : « فإذا بلغت تسعين ففيها ثلاث تبيعات حوليات » مضافا إلى دعوى أولوية التبيعة من التبيع ، لكونها أكثر نفعا ، بل عن المنتهى لا خلاف في إجزاء التبيعة عن الثلاثين للأحاديث (٢) ولأنها أفضل بالدر والنسل ، بل لعل ظاهر الغنية والتذكرة والمنتهى والمدارك والمفاتيح الإجماع على ذلك على ما حكي عن بعضها ، بل كاد يكون صريحها أو بعضها مؤيدا ذلك كله بالشهرة المحكية في المختلف وغيره ، بل والمحصلة ، بل لم نجد مخالفا صريحا ، إذ لعل اقتصار ابن أبي عقيل والصدوقين والمفيد في كتاب الأشراف فيما حكي على التبيع اعتمادا على الأولوية المزبورة ، وإن كان تنقيحها على وجه تجزي على أنها فريضة لا على وجه القيمة لا يخلو من نظر.

ومنه يعلم وجه الإشكال في إجزاء المسنة عنها وإن ادعى الإجماع عليه بعضهم ، نعم قد يقال : إن الصدوق في الفقيه والمقنع وإن اقتصر في الثلاثين على ذكر التبيع الحولي لكن في الستين قال : تبيعتان ، وفي السبعين تبيعة ومسنة ، وفي التسعين ثلاث تبايع ، وما ذاك إلا لعدم الفرق بينهما عنده ، كل ذلك مع ما قيل من أن التبيع لغة ولد البقر ذكرا كان أو أنثى ، بل ربما كان ذلك ظاهر ابن الأثير في نهايته ، وكيف كان فلا ينبغي التأمل في التخيير المذكور ، نعم تتعين المسنة في الأربعين ، ولا يجزي المسن منها قطعا ، للأصل والصحيح المذكور ومحكي الإجماع وغير ذلك ، ومقتضى إطلاق النص والفتوى عدم الفرق في ذلك بين كون البقر الذي عنده ذكورا أو أناثا أو مختلطة خلافا للمحكي عن المنتهى فاجتزى بالمسن إذا لم يكن عنده إلا ذكورا معللا له بأن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما تجب فيه الزكاة والباب ٣ من أبواب زكاة الأنعام.

١١٥

الزكاة مواساة ، فلا يكلف غير ما عنده ، وهو مع أنه اجتهاد في مقابلة النص يقتضي إجزاءه في غير الفرض إذا لم يكن عنده مسنة ، وهو معلوم البطلان كما لا يخفى ، وكذا لا يجزى التبيعان أو التبيعتان عنها إلا على وجه القيمة ، كما أنها هي لا تجزي عن التبيع أو التبيعة إلا على هذا الوجه ، ولعله ينزل عليه ما عن التحرير والمنتهى من الإجماع على إجزائها عن أحدهما.

بقي الكلام في شي‌ء وهو أنه حيث يكون الخيار للمالك في الفريضة ولو باعتبار الخيار في الحساب ما الذي يثبت للفقير في العين بناء على أن الزكاة فيها قبل حصول الاختيار منه ، إذ ملك أحدهما لا على التعيين في الأعيان الخارجية غير معهود بل غير معقول ، ودعوى أن المملوك معين في علم الله تعالى ، لأنه يعلم بما يختاره يدفعها أنه قد لا يختار ، اللهم إلا أن يقال : إن الله يعلم مختاره لو اختار ، لكنه كما ترى ، ولعل الأولى التزام أحد أمرين إما أن الزكاة غير جارية على حكم الأملاك المعروفة كما يؤيده ما سمعته سابقا منهم من إشاعة الفريضة في النصاب دون العفو ، وإما القول بأن الفريضة في نظر الشارع بقيمة واحدة ، فالتبيع والتبيعة سواء ، وكذا الحقتان مثلا مع بنات اللبون الثلاثة ، فإن التعدد يقوم مقام التفاوت في السن ، فالذي يتعلق بالمال حينئذ ما يقابل أحدهما ، فلا إبهام ولا ترديد حينئذ ، فتأمل جيدا ، فإنه دقيق ، والله أعلم.

المقصد الثاني في الأبدال ، من وجبت عليه بنت مخاض وليست عنده أجزأه ابن لبون ذكر بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به بعضهم ، بل عن التذكرة أنه موضع وفاق ، وفي خبري زرارة (١) وخبر أبي بصير (٢) واللفظ لأحد الأولين « فان لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر » بل في القواعد وغيرها الاجتزاء به اختياراً ، بل في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١ و ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٢.

١١٦

التنقيح الفتوى على الاجزاء مطلقا اختيارا واضطرارا ، وعن إيضاح النافع أنه المشهور وعن الغنية « عندنا أن بنت المخاض يساويها في القيمة ابن اللبون الذكر » خلافا لظاهر جماعة وصريح أخرى فلا يجزي إلا إذا لم يكن عنده بنت مخاض » لكن الأول لا يخلو من قوة ، لقيام علو السن مقام الأنوثة ، ولذا لم يكن فيه جبران إجماعا كما عن التذكرة بخلاف دفع بنت اللبون ، وبه صرح في الخبر الآتي (١) ولانسياق عدم إرادة الشرط حقيقة من عبارة النص ، وإلا لاقتضى عدم إجزائها عنه إذا لم تكن موجودة حال الوجوب وإن وجدت بعده ، بناء على أن الشرط عدم كونها عنده حينه لا حال الأداء مع معلوميته ، بل صرح في المدارك بتعين إخراجها حينئذ.

بل لعل قولهم ـ عدا النادر بل قيل : إن ظاهر الفاضلين كونه موضع وفاق ـ: ولو لم يكونا عنده كان مخيرا في ابتياع أيهما شاء مما يرشد إلى التخيير في الفرض ، ضرورة أن المتجه على تقدير كون الشرط حقيقة وجوب شرائها لإطلاق دليل الإلزام بها ، ولم يخرج منه إلا صورة عدم وجودها عنده ووجود ابن اللبون كما هو المنساق من النص ، بل صرح به فيما تسمعه من صحيح زرارة (٢) وخبر سبيع (٣) فيبقى حينئذ ما عداها مندرجا تحت الإطلاق ، بل لو سلم عدم شمول النص لهذه الصورة أيضا كان المتجه أيضاً وجوبها مقدمة لحصول يقين البراءة ، ولعله لذا عين شراءها في البيان ، ومال إليه في مجمع البرهان كما قيل ، وما يقال في توجيه إجزائه عنها في الفرض من أنه بشرائه يصير واجداً له فاقداً لها ـ نعم لو اشتراها تعينت ما لم يسبق إخراجه على شرائها ـ يدفعه أن البحث في الواجب عليه قبل شرائه ماذا ، كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٢ عن محمد بن مقرن ابن عبد الله بن زمعة بن سبيع عن أبيه عن جده عن جد أبيه.

١١٧

وكيف كان من وجبت عليه سن من الإبل وليست عنده وعنده أعلى منها بسن دفعها وأخذ شاتين أو عشرين درهما ، وإن كان ما عنده أخفض بسن دفع معها شاتين أو عشرين درهما على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل في الغنية والمنتهى والتذكرة ومجمع البرهان والمدارك والمفاتيح والذخيرة والحدائق الإجماع عليه ، وفي‌ خبر سبيع (١) عن أبيه عن جده عن جد أبيه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « كتب له في كتابه الذي كتب بخطه حين بعثه على الصدقات من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليس عنده جذعة وعنده حقة فإنه يقبل منه الحقة ، ويجعل معها شاتين أو عشرين درهماً ، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده جذعة فإنه يقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته حقة وليست عنده حقة وعنده ابنة لبون فإنه يقبل منه ابنة لبون وتعطى معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده حقة فإنه يقبل منه الحقة ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده ابنة مخاض فإنه يقبل منه ابنة مخاض ويعطى معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن بلغت صدقته ابنة مخاض وليست عنده ابنة مخاض وعنده ابنة لبون فإنه يقبل منه ابنة لبون ويعطيه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، فمن لم يكن عنده ابنة مخاض على وجهها وعنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون وليس معه شي‌ء ».

ومثله‌ روى زرارة في الصحيح (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث زكاة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ٢ عن محمد بن مقرن ابن عبد الله بن زمعة بن سبيع عن أبيه عن جده عن جد أبيه.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٣ ـ من أبواب زكاة الأنعام ـ الحديث ١.

١١٨

الإبل ، قال : « وكل من وجبت عليه جذعة ولم تكن عنده وكانت عنده حقة دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه حقة ولم تكن عنده وكان عنده جذعة دفعها وأخذ من المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه حقة ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة لبون دفعها ودفع معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه ابنة لبون ولم تكن عنده وكانت عنده حقة دفعها وأعطاه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه ابنة لبون ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة مخاض دفعها وأعطى معها شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكانت عنده ابنة لبون دفعها وأعطاه المصدق شاتين أو عشرين درهما ، ومن وجبت عليه ابنة مخاض ولم تكن عنده وكان عنده ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه ابن لبون وليس يدفع معه شيئاً » فما عن الصدوقين والجعفي ـ من أن التفاوت بين بنت المخاض واللبون شاة يأخذها المصدق أو يدفعها مع أنه نادر كما قيل ـ مخالف لجميع ما عرفت بلا شاهد نعم قد يقوى ما في التذكرة والمسالك ومحكي الميسية من جواز الاكتفاء بشاة وعشرة دراهم ، حملا لما في الخبرين المزبورين على المثال ، وإلا كان جمودا مستهجنا.

ثم إن ظاهر النص والفتوى عدم اختصاص الحكم المزبور بما إذا كان القابض الساعي أو الإمام عليه‌السلام دون الفقير والفقيه ، لكن عن الموجز وكشفه ذلك ، لأنه نوع معاوضة فتتوقف على الوالي ، وفيه ـ مع أن الفقيه كذلك ـ منع كونه معاوضة موقوفة على ذلك ، بل هي حكم شرعي ولذلك كان الخيار في ذلك اليه لا إلى العامل كما نسبه في الحدائق إلى الأصحاب ، فإذا دفع الناقص مع الجبر فقد دفع ما وجب عليه كالقيمة ، وصرح غير واحد أيضا بأن الحكم كذلك سواء كانت القيمة السوقية مساوية لذلك أو ناقصة عنه أو زائدة عليه بل لا أجد فيه خلافا ، لإطلاق الدليل ، نعم استشكل الفاضل والكركي وثاني الشهيدين وسبطه وبعض من تأخر فيما إذا نقصت‌

١١٩

قيمة المدفوع من المالك عن الشاتين والعشرين درهما أو ساوته من إطلاق النص ، ومن أنه كأنه لم يؤد شيئا ، بل استوجه سيد المدارك والبهبهاني في شرحه عدم الاجزاء ، حملا للرواية على ما هو المتعارف والغالب في ذلك الزمان ، وفيه أن مقتضى ذلك مراعاة القيمة وقت الدفع ، فان ساوت قيمة الواجب أجزأ وإن نقصت أتمها بما يكملها زادت التكملة على الشاتين أو العشرين درهما أو نقصت ، وإن زادت أخذ التفاوت كذلك ، وهو كما ترى مخالف لظاهر النص والفتوى ، والمتجه اعتبار ذلك على حسب هذا التقدير الشرعي الذي مبناه بحسب الظاهر ملاحظة الحال في ذلك الزمان ، فلا عبرة بالتفاوت في غيره زيادة ونقصا ، فلو فرض كون الأدنى سنا أزيد قيمة من الواجب أو مساويا لم يكن للمالك دفعها بلا جبر ، للنص ، ومن ذلك وما تقدم يعلم أنه ليس على حسب المعاوضات المعتبر فيها التراضي ونحوه ، نعم لو أراد المالك عوض المقدر شرعا أو أزيد منه اعتبر التراضي حينئذ بينه وبين الامام عليه‌السلام أو وكيله العام أو الخاص أو الفقير ، هذا. وفي المسالك إن كان المالك هو الدافع أوقع النية على المجموع ، وإن كان الآخذ ففي محل النية إشكال ، ثم استقرب إيقاع النية على المجموع واشتراط المالك على الساعي أو الفقير ما يجبر به الزيادة ، فيكون نية وشرطا لا نية بشرط ، قلت : كأن الإشكال لأن إيقاع النية على ما عدا الجابر يشكل باحتمال نقص المدفوع عن الجابر أو مساواته له ، فلا يبقى شي‌ء ، وجعل التراضي على جزء ما من المدفوع مقابل للجابر وإيقاع النية على ما عداه يشكل بعدم لزوم التراضي ، فليس حينئذ إلا الطريق المزبور ، فتأمل جيدا.

ولو تفاوتت الأسنان بأزيد من درجة واحدة لم يتضاعف التقدير الشرعي ورجع في التقاص إلى القيمة السوقية على الأظهر الأشهر ، بل المشهور نقلا وتحصيلا بل في المدارك أنه قطع به في المعتبر من غير نقل خلاف اقتصاراً فيما خالف الضوابط‌

١٢٠