جواهر الكلام - ج ١٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

قائما والتقرب به إلى الله تعالى ثم إيجابهم إفساده بهذه المتابعة أو ندبهم اليه على اختلاف القولين كما عرفت ، خصوصا بعد نهي الله تعالى عن إبطال العمل ، كاستبعاد حصول فضيلة الجماعة بذلك وبالصلاة المستأنفة جديدا ، ضرورة خروجها عنه حينئذ ، اللهم إلا أن يقال بحصول فضيلة الجماعة له بذلك لا بصلاته المستأنفة ، وهو أبعد ، ولعله لذا توقف في القواعد في حصول الفضيلة بذلك ، وكأنه جعله مستحبا خارجيا ، بل استقرب في التذكرة العدم في نحو المقام كما عن نهاية الأحكام والإيضاح فيه ، وإن كان هو ضعيفا منافيا لظاهر النصوص والفتاوى ، بل قد يؤيدها أيضا أن المتجه على هذا التقدير الفساد بأول مسمى السجود لتحقق الزيادة عمدا كما ستسمعه فيما يأتي ، فلا معنى لمتابعته حينئذ بعد في السجدة الأخرى وغيرها ، بل ربما يؤيدها أيضا ما ستعرف في بعض الصور الآتية.

واحتمال دفع ذلك كله بالشهرة يدفعه أنه لا شهرة محققة ، إذ أقصاه أنه خيرة الفاضلين والشهيدين وبعض أتباعهم ، وإن كان ذلك منهم في كتبهم المتعددة فهي شهرة فتاوى لا مفتين ، بل قد عرفت أن الشهيد في الذكرى لم يرجح في المقام ، بل قد يمكن بالتتبع تحصيل القول بالصحة لغير الشيخ والحلي كالصدوقين والكليني وغيرهم ، بل لعله ظاهر النافع أو محتمله كما ستعرف ، ومن هنا ظهر أن قول الشيخ لا يخلو من قوة ، إلا أن الاحتياط لا ينبغي تركه ، وهو إنما يحصل إذا دخل في هذا الحال بإتمام الصلاة ثم الاستئناف من رأس ، والله أعلم ، هذا.

وفي المدارك أنه « إن قلنا باستحباب المتابعة وعدم وجوب استئناف النية كانت التكبيرة المأتي بها تكبيرة الإحرام ووجب إيقاع النية قبلها ، وإن قلنا بوجوب استئناف النية كان التكبير المأتي به أولا مستحبا كما هو ظاهر » وظاهره يعطي أن التكبير على التقدير الثاني ليس تكبير الإحرام ، لكنه مخالف للمستفاد من الفتاوى والنصوص ،

٦١

كما هو واضح.

ولو أدرك المأموم الامام وقد سجد إحدى السجدتين في الركعة الأخيرة أو غيرها نوى وكبر ودخل معه في الأخرى لكثير من الأدلة السابقة حتى صحيح ابن مسلم (١) المتقدم ، إذ الظاهر من إرادة إدراكه في السجدة الأخيرة هو الدخول معه فيها كما اعترف به غير واحد من الأصحاب ، فما في المدارك ـ من أنه لا دلالة فيه على حكم المتابعة في السجدة والظاهر أن الاقتصار على الجلوس أولى ـ في غير محله ، كما هو واضح ، وفي الاعتداد بهما أو الاستئناف القولان السابقان ، بل الصحة هنا أولى ، لعدم كون الزيادة ركنا ، ولذا قال بالصحة من لم يقل بها هناك كالشهيد الثاني في روضته ، إذ جعل الضابط في الاستئناف ـ بعد أن جوز للمأموم أن يدخل مع الإمام في سائر الأحوال ـ أنه إن زاد معه ركنا استأنف ، وإلا فلا ، لكن فيه أن الزيادة في الصلاة عمدا مبطلة للصلاة أيضا وإن لم تكن ركنا ، ولا دليل على اغتفارها للمتابعة دون الركن ومن هنا لم يفرق غيره بين المسألتين ، إلا أنك قد عرفت هناك قوة الصحة سابقا ، فهنا بطريق أولى.

بل قد يؤيد هنا بإطلاق ما دل (٢) على النهي عن إعادة الصلاة من سجدة ، وبأن المعلوم من إفساد الزيادة العمدية ما لا يشمل نحو المقام ، بل قد يشك في اندراج ما نحن فيه فيه بعد فرض قصد المكلف أنها فعل خارج عن الصلاة فعلها متابعة للإمام ، نعم هي فعل في أثناء الصلاة ، ولا دليل على أن مطلقه وإن لم يكن كثيرا بحيث يشمل ما نحن فيه مفسد للصلاة ، بل لعل الثابت عدمه ، ولعل من ذلك أو نحوه فرق الشهيد بين المقامين.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الركوع ـ الحديث ٢ و ٣.

٦٢

لكن قد يناقش في كون زيادة السجدتين بهذا العنوان من زيادة الركن المفسد للصلاة أيضا ، بناء على أن المعتبر في ركنية الزيادة كونها بعنوان أنه من الصلاة ولو سهوا أو وقع منه ذلك مع الغفلة أصلا لا بعنوان أنه ليس من الصلاة ، وقد سبق نظيرة في أحكام الخلل فيمن زعم إتمام صلاته ثم افتتح صلاة جديدة ثم تبين له نقصانها ، إذ احتمل الفاضل هناك عدم فساد الصلاة بزيادة تكبيرة الإحرام معللا له بنحو ما سمعت فيأتي حينئذ بالركعة ويتم صلاته ، فلاحظ وتأمل.

ولو أدركه أي المأموم الإمام بعد رفع رأسه من السجدة الأخيرة كبر وجلس معه لإطلاق أدلة الرخصة في الدخول وخبر معاوية بن شريح (١) بناء على أن التتمة من الصادق عليه‌السلام لا الصدوق ، وخبر عبد الرحمن (٢) المتقدم أيضا وموثق عمار (٣) عن الصادق عليه‌السلام سأله « عن الرجل يدرك الامام وهو قاعد يتشهد وليس خلفه إلا رجل واحد عن يمينه ، قال : لا يتقدم الامام ولا يتأخر الرجل ولكن يقعد الذي يدخل معه خلف الإمام ، فإذا سلم الامام قام الرجل فأتم صلاته ».

فما في المدارك ـ من حصر أقصى إدراك الجماعة بإدراك الإمام في السجدة الأخيرة لظاهر صحيح ابن مسلم (٤) السابق ـ ضعيف جدا مخالف للإجماع المحكي إن لم يكن المحصل ، فيجب الخروج عن إشعار هذا الصحيح أو مفهومه أو تنزيله على مالا ينافي المطلوب من تفاوت مراتب فضيلة الإدراك أو غيره ، وكان الأولى له تعليله بانتهاء محل القدوة بناء على عدم وجوب المتابعة في الأقوال كما هو الأقوى ، وإن كان هو أيضا ضعيفا لا يعارض ما عرفت من الأدلة السابقة ، على أنه لو قلنا لا يجب المتابعة فيها بل ولا يندب لكن الجلوس فعل من الأفعال التي يتابع المأموم الإمام فيها ، كما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ١.

٦٣

هو واضح ، وكذا ما في الحدائق من التوقف في الحكم المزبور أيضا لمعارضة ما هنا بخبر عمار (١) الآخر المتقدم سابقا المشتمل على النهي عن القعود مع الإمام إذا أدركه جالسا بعد الركعتين بل ينتظره حتى يقوم ، إذ قد عرفت أنه يجب طرحه في مقابلة غيره أو الجمع بينهما بالتخيير وأفضلية المتابعة ، على أن موضوعه التشهد الأول في الصلاة ذات التشهدين ، ويبقى حينئذ محل للجماعة إن لم يتابعه في ذلك الجلوس بخلاف ما هنا ، فتأمل.

وكيف كان فإذا سلم الامام لو فرض أنه كان في الركعة الأخيرة قام فاستقبل تمام صلاته ولا يحتاج هنا إلى استئناف تكبير بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك بين أساطين الأصحاب ، بل في الذكرى والروض القطع به ، بل في مفتاح الكرامة وعن المهذب البارع الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد ظهور قوله عليه‌السلام في‌ موثق عمار (٢) المتقدم آنفا « أتم صلاته » في ذلك أيضا ، بل هو ظاهر غيره أيضا من الأدلة ، خصوصا بعد ما سمعته منا في ترجيح كلام الشيخ في المسألة الأولى ، مضافا إلى اقتضاء القاعدة ذلك ، ضرورة عدم مقتض للفساد ، إذ الجلوس والتشهد الذي مر في المعتبرة (٣) أنه بركة غير قادحين قطعا.

ومن هنا لم يخالف أحد بالصحة في المقام وإن خالفوا فيما عرفت عدا ما عساه يظهر من المصنف في النافع من الاستئناف هنا أيضا ، إلا أني لم أجد أحدا ممن تأخر عنه أو تقدمه وافقه عليه كما اعترف به شارحه في الرياض ، وإن كان قد يستدل له بأنه زيادة أيضا في الصلاة لم يعلم اغتفارها في المقام ، لقصور الأدلة عن إفادة عدم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٦٤

الاستئناف هنا أيضا كما في باقي الصور ، وبما عن‌ الفقيه عن عبد الله بن المغيرة (١) قال : « كان منصور بن حازم يقول : إذا أتيت الامام وهو جالس قد صلى ركعتين فكبر ثم اجلس ، فإذا قمت فكبر » إذ الظاهر إرادة تكبيرة الإحرام منه ، لأنه لا تكبير للجلوس أو للقيام ، ورده في الرياض بأنه إن تشهد فهو بركة كما مر في المعتبرة ، وليس من الزيادة المبطلة ، وإلا فليس إلا القعود خاصة ، وهو غير مبطل بلا شبهة كما يفصح عنه أمر المسبوق به (٢) حيث لم يكن له محل للتشهد ، وبأن قطع الخبر المزبور يمنع جواز العمل به ، مع أني لا أجد قائلا به ولا أعرفه ، ومعارض بموثق عمار المذكور الظاهر أو الصريح في عدم لزوم الإتيان بالتكبير ، وهو جيد.

لكن ظاهره عدم قدح مثل ذلك في الصلاة لو وقع اختيارا من غير متابعة الامام ، وأنه ليس من الزيادة المبطلة ، لعدم وقوعه بنية أنه من الصلاة ، ولبركة التشهد وقلة فعل الجلوس ، وإلا لو كان مدار اغتفاره المتابعة عنده لاتجه عليه أنه لم لم يغتفر لها زيادة السجدتين أو السجدة الواحدة ، ضرورة اتحاد مقتضاها في الجميع.

وقد يناقش بإمكان التخلص عن شبهة زيادة السجدة بنحو ذلك أيضا كما سمعت وباشتمال التشهد على ما يتوقف في كونه ذكرا كالإقرار بالعبودية والرسالة ، فيمكن دعوى عدم جوازه لو لا المتابعة ، وبأنه إن لم يتشهد كان له السكوت كما صرح به الفاضلان على ما حكي عن أولهما ، إذ لا يتعين عليه الذكر قطعا ، وربما كان طويلا مبطلا للصلاة خصوصا إذا أطال الإمام في التشهد والتسليم ، فلو لا أنه مغتفر للمتابعة لاتجه البطلان.

ومن ذلك كله يظهر لك زيادة تأييد للصحة في الصور السابقة وإن تابع فيما تابع من السجدة أو السجدتين ، إلا أنه على كل حال لا ريب في ضعف ظاهر النافع من‌

__________________

(١) الفقيه ج ١ ص ٢٦٠ ـ الرقم ١١٨٤ من طبعة النجف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ و ٦٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٦٥

البطلان ، ويمكن إرادته مجرد استحباب الدخول من التشبيه ، فلا مخالفة ، أو الإتمام من الاستقبال لا الاستئناف فيكون حينئذ موافقا للشيخ في الصحة في الصور السابقة ، والله أعلم.

المسألة العاشرة يجوز أن يسلم المأموم قبل الامام وينصرف لضرورة كوجع أو أخذ بول أو خوف فوات شي‌ء أو نسيان وغيرها كما صرح به غير واحد من الأصحاب ، بل في المدارك والذخيرة أنه مقطوع به في كلام الأصحاب حتى في كلام القائلين بوجوب التسليم ، كمعقد إجماع الحدائق على ذلك ، للأصل وعدم وجوب المتابعة في الأقوال على الأصح ، وصحيح أبي المعزى (١) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يصلي خلف إمام فيسلم قبل الامام؟ قال : ليس بذلك بأس » كصحيحه الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا إلا أنه زاد في سؤاله « فيسهو » قبل قوله : « فيسلم » وصحيح الحلبي (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « في الرجل يكون خلف الامام فيطيل الامام التشهد ، فقال : يسلم من خلفه ويمضي في حاجته إن أحب » وصحيح علي بن جعفر (٤) عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يكون خلف إمام فيطول في التشهد فيأخذه البول أو يخاف على شي‌ء أن يفوت أو يعرض له وجع كيف يصنع؟ قال : يسلم وينصرف ويدع الامام ».

بل الظاهر الجواز وإن لم ينو الانفراد مع عدم العذر فضلا عنه ، كما هو قضية الأدلة المزبورة وإطلاق المتن وغيره ومحتمل المسالك وصريح الروض بناء على عدم وجوب المتابعة في الأقوال والذخيرة والرياض ، بل لعله ظاهر غيرهم من الأصحاب أيضا كما اعترف به في الذخيرة تبعا للروض لافرادهم هذه المسألة عن مسألة المفارقة ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٢.

٦٦

ولو اعتبروا فيها النية لم يكن لهذا الافراد فائدة معتد بها ، بل ينبغي الجزم بذلك بناء على عدم وجوب المتابعة في الأقوال ، إذ احتمال خروج خصوص هذا القول من بينها لاقتضائه الخروج عن الصلاة الذي هو كالفعل أو كالافتتاح بالتكبير الذي أوجبنا المتابعة فيه ضعيف ، فما في ظاهر النافع والمنتهى من الافتقار إلى نية الانفراد حال عدم العذر لحرمة المفارقة في غير المقام بدونها محجوج بما عرفت ، وأولى منه بذلك ما في الذكرى والبيان وعن غيرهما من الافتقار إليها مع العذر أيضا ، ولعله للجمع بين دليلي حرمة المفارقة وجوازها مع العذر ، وانصراف إطلاق نصوص المقام إلى النية ، بل هي في الحقيقة قصد السبق الواقع من المأموم ، وفيه أنه لا شمول في دليل حرمة المفارقة لمثل المقام كي يعارض إطلاق الأدلة ، وأنه من الواضح الفرق بين نية الانفراد وبين إرادة سبق المأموم الامام ، وأقصى ما يمكن تسليمه انصراف الإطلاق إلى الثاني دون الأول على أن صحيح السهو لا يقبل ذلك وإن كانت دلالته على المطلوب إنما هي بعدم أمره بتلافي ما سها فيه ، أو بإطلاق نفي البأس كما هو واضح.

ثم إنه لو قلنا بوجوب نية الانفراد فلو فارق بدونها عمدا أثم خاصة لا أنه فسدت صلاته كما صرح به هنا في الذكرى ، وسمعته مكررا منا غير مرة في باقي أفراد ترك المتابعة ، نعم ينبغي استثناء خصوص المتابعة في تكبيرة الإحرام من ذلك ، لظهور الفساد هنا بتعمد تركها ، لعدم تحقق الائتمام حينئذ بمصل ، كما هو واضح.

المسألة الحادية عشرة إذا وقف النساء في الصف الأخير فجاء رجال للصلاة جماعة وجب في صحة صلاتهم أن يتأخرن عنهم إذا لم يكن للرجال موقف أمامهن بناء على حرمة المحاذاة والتقدم في الصلاة فرادى ، أو على اعتبار ذلك في خصوص الجماعة وإن قلنا بالكراهة هناك ، كما لعله ظاهر المتن هنا كالمنتهى وإن قال بالكراهة فيما تقدم ، وقد تقدم تمام البحث في ذلك في بيان الموقف من فصل الجماعة‌

٦٧

فلاحظ وتأمل ، وكيف كان فلا ريب في إرادة الوجوب الشرطي مما في المتن لا التعبدي خصوصا إذا كانت الأرض مباحة أو ملكا للنساء ، كما هو واضح.

المسألة الثانية عشرة إذا استنيب المسبوق بركعة أو ركعتين فإذا انتهت صلاة المأمومين أومأ إليهم ليسلموا ثم يقوم فيأتي بما بقي عليه من الصلاة‌ للصحيح (١) عن الصادق عليه‌السلام « في إمام قدم مسبوقا بركعة ، قال : إذا أتم صلاة القوم فليوم إليهم يمينا وشمالا فلينصرفوا ، ثم ليكمل هو ما فاته من صلاته » والآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « عن الرجل يأتي المسجد وهم في الصلاة وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فيعتل الإمام فيأخذ بيده ويكون أدنى القوم اليه فيقدمه ، قال : يتم صلاة القوم ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهد أومأ إليهم بيده عن اليمين والشمال ، وكان الذي أومأ إليهم بيده التسليم وانقضاء صلاتهم ، وأتم هو ما فاته أو بقي عليه » لكن من المعلوم إرادة الندب من ذلك ، للأصل وإطلاق باقي أدلة المقام وغيره مما هو نظيره كائتمام المسافر بالحاضر ونحوه ، كما أن الظاهر ذلك أيضا بالنسبة إلى جلوسه إلى فراغهم من التشهد إذا لم يكن عليه تشهد وإن تضمنه الصحيح الثاني.

بل الظاهر أنه لا بأس بتقديم واحد منهم ليسلم بهم ، لخبر طلحة بن زيد (٣) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : « سألته عن رجل أم قوما فأصابه رعاف بعد ما صلى ركعة أو ركعتين فقدم رجلا ممن قد فاته ركعة أو ركعتان ، قال : يتم بهم الصلاة ثم يقدم رجلا فيسلم بهم ، ويقوم هو فيتم بقية صلاته » بل عن الشيخ في التهذيب أنه أحوط ، بل قد يستفاد مما قدمنا في ائتمام المسافر بالحاضر ـ من أن له الانتظار حتى يفرغ الامام فيسلم معه ـ جواز ذلك هنا أيضا ، كما لم يستبعده في المنتهى معللا له بأنه قد ثبت جواز ذلك في صلاة الخوف ، وتبعه في المدارك وإن أنكر عليه في الرياض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥.

٦٨

تبعا للحدائق بأنه قياس وليس بحجة ، لكنه كما ترى ، والأمر سهل.

والظاهر أنه لا حاجة في تشهد المأمومين وسلامهم هنا إلى نية الانفراد وإن فارقهم بعد رفع الرأس من السجدة الأخيرة ، لإطلاق الأدلة وكون التخلف للعذر ، بل الظاهر بقاؤهم على المأمومية حتى يسلموا ، فلا يجوز الاقتداء حينئذ ببعضهم لثبوت جميع أحكام المأمومين لهم بناء على ذلك ، فتأمل جيدا ، والله أعلم ، والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين الذين ببركاتهم وفقنا الله تعالى لإتمام أحكام الجماعة ، ونرجو منه جل شأنه بهم التوفيق لغيرها ، وهو عند ظن عبده به الحسن.

( خاتمة فيما يتعلق بالمساجد‌ )

يناسب ذكرها في المقام لغلبة انعقاد الجماعات فيها وإن ذكرها بعضهم في المكان ملاحظة لكون المسجد أفضل أماكن المصلي ، والأمر سهل ، والمراد بالمسجد شرعا المكان الموقوف على كافة المسلمين للصلاة ، فلو خص بعضا منهم به لم يكن مسجدا ، اقتصارا على المتيقن ، بل هو ظاهر الأدلة أيضا ، ضرورة منافاة الخصوصية للمسجدية إذ هو كالتحرير ، فلا يجوز ، بل لا يتصور فيه التخصيص ، فيبطل الوقف حينئذ من أصله كما عن فخر المحققين والمحقق الثاني التصريح به ، بل هو قضية غيرهما أيضا ، إذ احتمال بطلان التخصيص وصحة الوقف قهرا على الواقف وإن لم يكن ذلك مقصودا له لا دليل عليه ، بل هو مناف لأصول المذهب وقواعده ، خلافا لظاهر العلامة في القواعد في أحكام المساجد ، بل هو خيرته فيها في باب الوقف ، فصحح الوقف وأبطل التخصيص‌

٦٩

وله عن التذكرة أيضا من قوة صحة الوقف والتخصيص معا ، وتردد في الدروس في صحة التخصيص وعدمها ثم على البطلان ففي صحة الوقف وعدمها ، والأقوى ما سمعت.

وهل يعتبر في تحقق المسجدية صيغة الوقف وشبهها ولو بأن يقول : جعلته مسجدا لله ، ويأذن في الصلاة فيه فيصلي فيه ولو واحدا ، ويقبضه الحاكم الذي له الولاية العامة أو يكفي مجرد قصده ذلك وإن لم يتلفظ؟ وجهان بل قولان قد استقرب في الذكرى كما عن مجمع البرهان ثانيهما مستظهرا له من عبارة المبسوط ، لكنه اعتبر فيه على الظاهر الصلاة فيه ولو من الواقف ، لأنه قال فيها أي الذكرى قبيل ذلك : ولو بناه بنية المسجد لم يصر مسجدا ، نعم لو أذن للناس بالصلاة فيه بنية المسجدية ثم صلوا أمكن صيرورته مسجدا ، لأن معظم المساجد في الإسلام على هذه الصورة ، ويقوى في النظر الأول ، للأصل وظهور إطباقهم في باب الوقف على الافتقار فيه إلى اللفظ ، بل حكي عن المبسوط نفسه هناك التصريح بأنه لا بد من التلفظ بالوقف في خصوص ما نحن فيه من غير تردد ولا ذكر خلاف إلا من أبي حنيفة ، ولم يعلم كون معظم المساجد في الإسلام بدون تلفظ ويكفينا في جواز الصلاة فيها اشتهارها في المسجدية ، ولا حاجة إلى الفحص عن كيفية الوقف كما في غيره من العقود من النكاح وغيره ، إلا أنه مع ذلك فالإنصاف أن النصوص غير خالية عن الإيماء إلى الاكتفاء بالبناء ونحوه مع نية المسجدية من غير حاجة إلى صيغة خاصة ، خصوصا ما ورد (١) منها في تسوية المساجد بالأحجار في البراري والطرق ، وربما يأتي لذلك تتمة إن شاء الله في باب الوقف.

كما أنه يأتي البحث في اعتبار القربة في صحة الوقف هناك أيضا ، لكن يمكن دعوى اعتبارها في خصوص المسجدية كما عن جماعة التصريح بها وإن لم نقل بها في مطلق الوقف ، لظهور جهة العبادية فيها ، بل هي عبادة محضة ، إلا أنه بناء على ذلك يتجه فساد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ١.

٧٠

الصلاة في نحو مساجد المخالفين ، لعدم صحة عباداتهم ، فتكون حينئذ ملكا لأربابها ، بل لو قلنا بصحة ذلك منهم باعتبار أن الوقف وإن كان عبادة لكنه وإن كان مسجدا فيه جهة المعاملة ، لاحتياجه إلى الصيغة ونحوها ، فيصح منهم ، ولا ينافيه اعتبار نية القربة لإمكانها منهم ، لكن هو فاسد من جهة أخرى ، وهي قصدهم المسجدية لصلاة أهل مذهبهم ، وهو مع ما عرفت من منافاة التخصيص للمسجدية قاض بالفساد ، لأن لا صلاة لأحد من أهل مذهبهم كي يصح الوقف لها مسجدا ، وفيه أن مجرد زعمه ذلك وإن لم يكن صرح به بعد أن جعل الوقف للمصلين الذين هم حقيقة أهل الحق لا أهل مذهبه لا يقتضي الفساد ، بل الوقف في نفس الأمر لهم لا لغيرهم ، فيحرم صلاتهم فيه دونهم ، ضرورة صحة وقفهم وفساد ظنهم ، نعم لو صرح بالوقف مسجدا على أهل مذهبه اتجه الفساد ، مع أنه ربما حكي عن العلامة الطباطبائي في حلقة درسه إمكان القول بصحة وقفهم أيضا وبطلان شرطهم المبتني على ظنهم الفاسد ، وهو لا يخلو من وجه ، لكن الأقوى خلافه ، خصوصا بعد ما سمعت سابقا.

نعم قد يقال بجواز الصلاة في مساجدهم وإن كانت كذلك ، لمكان الاعراض عن هذه البقعة ، ولاستفاضة النصوص بأن الأرض كلها للإمام وأنه إذا ظهر الحق أخرجها من أيديهم (١) ولأمر الأئمة عليهم‌السلام بالتردد إليها والصلاة معهم فيها (٢) وفعلهم عليهم‌السلام ذلك (٣) وتقريرهم عليهم‌السلام أصحابهم عليه (٤) مع أنه قد يناقش فيه بأنه لم يعلم شي‌ء من ذلك فيما شرطوا فيه الاختصاص بأهل مذهبهم‌

__________________

(١) أصول الكافي ـ ج ١ ص ٤٠٧ و ٤٠٨ و ٤٠٩ من الطبعة الحديثة « باب أن الأرض كلها للإمام عليه‌السلام ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٩ و ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٧.

٧١

ولا إطلاق في الفعل والتقرير كي يستند اليه ، وإطلاق الأمر بالتردد إليها غير منصرف إلى ذلك قطعا لندرته ، سيما بعد كونه غير مساق لتناول مثله ، وملكية الأرض للإمام عليه‌السلام يراد منها أمر آخر ، ولذا لم يجز الصلاة في دورهم ونحوها بغير إذنهم قطعا.

ثم لا يخفى عليك جريان كثير مما سمعته في البيع والكنائس التي هي معابد اليهود والنصارى ، ضرورة اشتراكها مع مساجد العامة في جميع ذلك حتى في ورود النصوص من أئمتنا عليهم‌السلام في الرخصة لنا في الصلاة بها المشعرة بصحة وقفهم لها أو غيرها مما تقدم ويأتي ، هذا.

وقد يطلق المسجد على المكان المتخذ في الدار ونحوها لصلاة أهلها فيه من غير قصد وقفية أو عموم ، وبالجملة المصلى ، والظاهر أنه لم يكن بهذا الاتخاذ مسجدا كما صرح به غير واحد ، بل في كشف اللثام الاتفاق عليه وإن كان قد يظهر من الأدلة ـ كخبر حريز (١) عن الصادق عليه‌السلام وعبيد بن زرارة (٢) عنه عليه‌السلام أيضا المروي عن محاسن البرقي وعبد الله بن بكير (٣) عنه عليه‌السلام أيضا المروي عن قرب الاسناد وغيرها ـ استحباب اتخاذ مثل هذا المكان في الدار ، وربما يزيد في ثواب الصلاة ، بل ربما يظهر من المحكي عن مجمع البرهان حصول ثواب المسجدية ، لكنه لا يخلو من نظر بل منع ، لعدم الدليل ، ولذا صرح في جامع المقاصد بأنه لا يتعلق به ثواب المسجد ، أما باقي أحكام المساجد فلا أجد خلافا في عدم جريان شي‌ء منها عليه ، فله حينئذ توسيعه وتضييقه وتحويله وتغييره وجعله كنيفا فضلا عن غيره ، كما في‌ خبر علي بن جعفر (٤) عن أخيه موسى عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد « سألته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ٦.

٧٢

عن رجل كان له مسجد في بعض بيوته أو داره هل يصلح أن يجعله كنيفا؟ قال : لا بأس » ونحوه المروي عن مستطرفات السرائر عن كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر (١) صاحب الرضا عليه‌السلام ، وخبر مسعدة بن صدقة (٢) المروي عن قرب الاسناد أيضا ، قال : « سمعت جعفر بن محمد عليهما‌السلام وسئل عن الدار والبيت قد يكون فيه مسجد فيبدو لأصحابه أن يتوسعوا بطائفة منه ويبنوا مكانه ويهدموا البنية ، قال : لا بأس بذلك » وخبر عبد الله بن سنان (٣) سأل الصادق عليه‌السلام « عن المسجد يكون في الدار وفي البيت فيبدو لأهله أن يتوسعوا بطائفة منه أو يحولوه إلى غير مكانه فقال : لا بأس بهذا كله » ونحوه خبر الحلبي (٤) وأبي الجارود (٥) عنه وعن الباقر عليهما‌السلام.

وكيف كان فلا ريب في أنه يستحب اتخاذ المساجد إذ هو مجمع عليه بين المسلمين ، بل ضروري من ضروريات الدين ، وفي‌ النبوي (٦) المروي عن كتاب الأعمال « من بنى مسجدا في الدنيا أعطاه الله بكل شبر منه أو قال بكل ذراع منه مسيرة أربعين ألف عام مدينة من ذهب وفضة ودر وياقوت وزمرد وزبرجد ولؤلؤ » الحديث ويكفي في ذلك أقل ما يصدق عليه مسماه ، وقال أبو عبيدة الحذاء في الحسن كالصحيح (٧) : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : من بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة ، قال : فمر بي أبو عبد الله عليه‌السلام في طريق مكة وقد سويت بأحجار مسجدا فقلت له : جعلت فداك ، نرجو أن يكون هذا من ذاك ، فقال نعم » وفي‌ خبره الآخر (٨) عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : « من بنى مسجدا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام المساجد الحديث ٢.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ٤.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ١.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ٢.

٧٣

كمفحص قطاة بنى الله تعالى له بيتا في الجنة ، قال : ومر بي وأنا بين مكة والمدينة أضع الأحجار فقلت : هذا من ذاك فقال : نعم » وعن محاسن البرقي مسندا إلى هاشم الحلال (١) قال : « دخلت أنا وأبو الصباح على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له أبو الصباح : ما تقول في هذه المساجد التي بنتها الحاج في طريق مكة؟ فقال : بخ بخ تيك أفضل المساجد ، من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة » إلى غير ذلك.

والظاهر أن المراد من هذه الأخبار ببناء المسجد هنا إنشاء المسجدية لا عمارة المسجد السابقة مسجديته وإن كانت هي أيضا لا إشكال في استحبابها ، بل لعلها هي مورد الآية (٢) بل هي مقتضى ما يقال من ظهور المشتق في تحقق مبدئه قبل زمان النسبة إليه ، كقوله : « اسقني ماء باردا » ونحوه ، لكن المراد هنا ما عرفت بالقرائن كما أن الظاهر إرادة الكناية عن المبالغة في الصغر من التشبيه بمفحص إلى القطاة ، إذ هو كمعقد الموضع الذي تكشفه القطاة في الأرض وتلينه بجؤجئها تتبيض فيه ، فيكون المراد أنه يستحب وإن كان صغيرا نسبته إلى الصلاة كنسبة المفحص إلى القطاة ، وربما كان فيه حينئذ إيماء إلى عدم اعتبار اشتمال المكان على تمام المصلي في جميع أحوال صلاته في تحقق المسجدية ، اللهم إلا أن يراد من التشبيه المزبور المبالغة في الصغر بحيث لا يسع إلا المصلي نفسه خاصة ، ويحتمل أن يكون المراد من التشبيه عدم الاحتياج في حصول المسجدية إلى بناء الجدران بل يكفي رسمه كما يومي اليه فعل أبي عبيدة ونحوه المشار إليه في الأخبار السابقة ، بل قد يظهر منها عدم اعتبار الملكية للأرض المباحة مثلا في جعلها مسجدا بل يكفي تحجيرها في ذلك ، بل لا يشترط سبقه على المسجدية فيجزي قصده‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ٦.

(٢) سورة التوبة ـ الآية ١٨.

٧٤

بنية المسجدية ويحصلان معا.

ويستحب أن تكون المساجد مكشوفة غير مسقفة ولا مظللة مع عدم الحاجة تأسيا بالمحكي عن فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في‌ الحسن كالصحيح (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنى مسجده بالسميط ، ثم إن المسلمين كثروا فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه ، فقال : نعم فزيد فيه وبناه بالسعيدة ثم إن المسلمين كثروا فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه ، فقال : نعم ، فأمر به فزيد فيه وبنى جداره بالأنثى والذكر ثم اشتد عليهم الحر فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل ، فقال : نعم فأمر به فأقيمت سواري من جذوع النخل ثم طرحت عليه العوارض والخصف والإذخر فعاشوا فيه حتى أصابتهم الأمطار فجعل المسجد يكف عليهم فقالوا : يا رسول الله لو أمرت بالمسجد فطين فقال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ، عريش كعريش موسى عليه‌السلام فلم يزل كذلك حتى قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ». مؤيدا بما دل على أن من أسباب قبول الصلاة وإجابة الدعاء عدم الحائل بين المصلي والسماء ، وبإمكان استفادة رجحان المكشوفية هنا مما دل على كراهة التسقيف والتظليل مما تسمعه وإن لم نقل بأن ترك المكروه مستحب ، لكن الذي نص عليه بعض الأصحاب كراهة التظليل لا استحباب الكشف ، ولعله لعدم صلاحية ما تقدم لثبوته بعد البناء على أن ترك المكروه ليس بمستحب ، إلا أن المحكي عن مجمع البرهان أنه لا كلام في استحباب كونها مكشوفة مع كراهة المسقوفة إلا أن تسقف بالحصر والبواري من غير طين ، ولعل مستنده في الاستحباب المزبور ما عرفت ، كما أن مستنده ومستند غيره من الأصحاب ـ حتى نسبه في مفتاح الكرامة إلى الشيخ ومن تأخر عنه في كراهة التظليل وفي الذخيرة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ١.

٧٥

إلى الأصحاب ـ حسن الحلبي أو صحيحه (١) الذي رواه المشايخ الثلاثة على اختلاف في متنه بل وسنده غير قادح في المطلوب « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن المساجد المظللة أتكره الصلاة فيها؟ فقال : نعم ، ولكن لا يضركم اليوم ، ولو قد كان العدل لرأيتم كيف يصنع في ذلك » إلا أنه قد يشكل بما في الحسن السابق من تظليل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسجده ، وبأن الحاجة ماسة إليه لدفع الحر والبرد.

ومن هنا قال في الذكرى : « لعل المراد كراهة تظليل جميع المسجد أو تظليل خاص أو في بعض البلدان » وحكاه بعضهم عنه ساكتا عليه ، كما أنه قد اختار آخر أولها ، وثالث ثانيهما ، فقال : « المراد كراهة السقف لا التظليل بغيره » مؤيدا له بأنه به تندفع سورة الحر والبرد ، ومع المطر لا يتأكد استحباب التردد إلى المساجد كما يدل عليه إطلاق النهي (٢) عن التسقيف ، وما اشتهر من‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) : « إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال » قال : والنعال وجه الأرض الصلبة قاله الهروي في الغريبين ، وقال الجوهري : النعل الأرض الغليظة تبرق حصاؤها لا تنبت شيئا ، انتهى ، وهو جيد.

ولكن الأولى كراهة مطلق التظليل حتى العرش لغير الحاجة ولا بأس بما كان عرشا مع وجودها ، وأما غير العرش فيكره وإن مست الحاجة إليه ، كما يدل عليه الحسن السابق ، وبه يجمع بين الأخبار حتى‌ ما أرسله في الفقيه (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام « أول ما يبدأ به قائمنا عليه‌السلام سقوف المساجد فيكسرها ويأمر بها فتجعل عريشا كعريش موسى عليه‌السلام » وما رواه في كشف اللثام عن كتاب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ٤.

٧٦

الغيبة للشيخ أسنده عن أبي بصير (١) قال : « إذا قام القائم عليه‌السلام دخل الكوفة وأمر بهدم المساجد الأربعة حتى يبلغ أساسها ويصيرها عريشا كعريش موسى عليه‌السلام » إلى آخره ، نعم ظاهر الحسن السابق عدم الكراهة في الصلاة الآن في المساجد التي ظللها أهل الخلاف ، لعدم قيام العدل ، وإفضائها إلى ترك المساجد رأسا وكأنه عليه‌السلام لمعروفية المساجد في ذلك الزمان لهم وأنه ليس للشيعة مسجد يعرفون به أطلق الحكم المزبور ، أما في مثل زماننا هذا الذي قام فيه بحمد الله في الجملة دين الشيعة وكانت لهم مساجد لا يعارضهم بها أحد خصوصا بلاد الأعاجم فالظاهر كراهة تظليلها بغير العريش ، وكراهة الصلاة فيها أيضا تحت الظل كما عن الأستاذ الأكبر التصريح به في الثاني ، بل ربما احتمل كراهة الصلاة فيها وإن لم (٢) يكن في موضع الظل ، لظاهر خبر الحلبي (٣) السابق ، لكنه ضعيف ، لانسياق ما تحت الظل منه ، بل لو لا التسامح في الكراهة لأمكن المناقشة في كراهة الصلاة تحت الظل أيضا ، لاقتصار الأصحاب على ذكر كراهة التظليل ، بل قد يدعى ظهور الاختصاص بذلك من كلماتهم ، ومن الواضح عدم اقتضائه كراهة الصلاة كحرمة التصوير مثلا على القول بها ، اللهم إلا أن يدعى أن كراهة التظليل هنا لمكان الحجب والحيلولة بين المصلي والسماء الذي ربما دلت النصوص في صلاة العيد (٤) والصلوات المندوبة على أنه لا ينبغي والله أعلم.

وكذا يستحب أن تكون الميضاة خارجة عن المساجد على جهة‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ١.

(٢) في النسخة الأصلية « وإن يكن » والصحيح ما أثبتناه.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة العيد.

٧٧

القرب من أبوابها بلا خلاف كما في الرياض ، لخبر إبراهيم بن عبد الحميد (١) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وبيعكم وشرائكم ، واجعلوا مطاهركم على أبواب مساجدكم » مؤيدا بما فيه من المصلحة للمترددين ، والتجنب عن أذية رائحتها المصلين ، وعن احتمال السراية إلى المسجد ، وعن منافاة احترام المسجد ونزاهته ، ونحو ذلك.

والمراد بالميضاة المطهرة للحدث والخبث كما في الرياض تبعا للروض والذخيرة ، وفي‌ مجمع البحرين « وفي الحديث (٢) « فدعا بالميضاة » بالقصر وكسر الميم وقد تمد مطهرة كبيرة يتوضأ منها ، ووزنها مفعلة ومفعالة ، والميم زائدة ، والمتوضأ بفتح الضاد الكنيف والمستراح والحش والخلاء » انتهى ، وهو ظاهر بل صريح في غير المعنى المزبور كظهور العرف الآن في إرادة موضع الخلاء خاصة منها ، ولعله هو المراد للأصحاب ، ومن المطهرة في الخبر المزبور ، إذ هو الذي يتعارف اتخاذ موضع له ، ومن هنا قال في المدارك : إنه لم يتعرض المصنف لحكم الوضوء في المسجد ، ضرورة ابتنائه على إرادة المصنف موضع الخلاء خاصة من الميضاة ، ويؤيده أيضا تعبير العلامة الطباطبائي في منظومته عما نحن فيه بما سمعت ، فقال :

وأخرج المخرج عنه واجعل

فيما يلي المسجد قرب المدخل

إذ لا ريب في إرادة ذلك من المخرج ، نعم يكره الوضوء من حدث الغائط والبول في المسجد كما صرح به بعضهم ، بل في المدارك أنه قطع به العلامة ومن تأخر عنه ، للصحيح عن رفاعة (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الوضوء في المسجد‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٢٧ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ٢ وذيله في الباب ٢٥ منها ـ الحديث ٣ لكن رواه عن عبد الحميد عن أبي إبراهيم عليه‌السلام.

(٢) سنن البيهقي ج ١ ص ٤٩ وفيه‌ « فدعا بماء فأتى بالميضاة ».

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ١ من كتاب الطهارة.

٧٨

فكرهه من الغائط والبول » وهو غير ما نحن فيه من استحباب خروج الميضاة قطعا ، مع أنه قال في المدارك : إنه يمكن حمل الوضوء فيها على الاستنجاء أو على ما يتناوله كما أومأ إليه في المعتبر ، وعن نهاية الشيخ منع الوضوء من ذلك لا كراهته لكنه ضعيف وإن وافقه عليه العجلي كما قيل ، ونحوه المحكي عن المبسوط من منع الاستنجاء من البول والغائط في المسجد وإن لم يتنجس المسجد ، وكأنه فهم من الخبر المزبور الاستنجاء ومن الكراهة فيه الحرمة ، ولا ريب في ضعفه ، للأصول والعمومات المعتضدة بغيرهما مع عدم الدليل المعتبر على المنع ، هذا.

وقضية ذكر المصنف وغيره استحباب خروج الميضاة جواز كونها فيه ، وهو كذلك مع سبقها على المسجدية ، فيصير المسجد حينئذ ما عداها ، وعن السرائر منع جعل الميضاة في وسط المسجد ، وهو جيد إن سبقت مسجدية محلها أو يستلزم منه نجاسة غير محلها من المسجد أو نحو ذلك ، كما هو واضح.

وكذا يستحب عند الأكثر في الذخيرة ، والمشهور في الرياض أن تكون المنارة في المساجد مع الحائط لا في وسطها لما فيه من التوسعة ورفع الحجاب بين المصلين ، بل عن النهاية أنه لا يجوز كونها في الوسط واستحسنه جماعة ممن تأخر عنه إن تقدمت المسجدية على بنائها ، ولعله لمنافاته مقتضى المسجدية الذي هو استعداد كل مكان منه للصلاة فيه ، لكن قد يناقش باقتضاء ذلك الحرمة أيضا وإن لم يكن في الوسط أولا ، وثانيا بمنع اقتضاء منافاة الاستعداد الحرمة ، بل مدارها على الضرر بالمصلي فعلا ، فلعل الأولى إناطة الحكم بذلك كما أناطه به في الروضة بالنسبة للمطهرة الحديثة المتأخرة عن المسجدية ونحوه حرمة غرس الشجر مثلا فيها الذي لم ينص الأصحاب عليه هنا ، ولعله لذكرهم له في باب الوقف ، ويأتي البحث فيه هناك إن شاء الله ، هذا. وقد يشعر قول المصنف كغيره من الأصحاب مع الحائط باستحباب مساواة المنارة‌

٧٩

للحائط في العلو ، إذ هو مع علوها عنه لا يصدق تمام المصاحبة ، وقد صرح غير واحد بكراهة ارتفاعها عليه ، لإفضائه إلى تأذي الجيران بالإشراف عليهم ، ول‌ خبر السكوني (١) عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام « ان عليا عليه‌السلام مر على منارة طويلة فأمر بهدمها ، ثم قال : لا ترفع المنارة إلا مع سطح المسجد » وكان الاستثناء المزبور فيه إيماء إلى الإشعار المذكور ، وفي كشف اللثام عن‌ كتاب الغيبة للشيخ عن سعد عن أبي هاشم الجعفري (٢) عن أبي محمد عليه‌السلام قال : « إذا خرج القائم عليه‌السلام أمر بهدم المنابر والمقاصير » ولعل المراد الطوال منها إن لم يكن هو الظاهر ، وفي المنتهى الاستدلال بخبر السكوني على ذلك وعلى الحكم الأول ، وتبعه في كشف اللثام ، ونظر فيه في الرياض ، كما أنه نظر فيما سمعته من التعليل أولا له ، وقضيته التوقف فيه ، لكنك خبير بأن الحكم استحبابي يتسامح فيه.

وكذا يستحب أن يقدم الداخل إليها رجله اليمنى ، والخارج رجله اليسرى عكس المكان الخسيس ، ولشرفية اليمنى واستحباب الله البدأة بها فناسب الابتداء بها في الدخول إلى المكان الشريف ، وبعكسه الخروج ، وللخبر عن يونس (٣) عنهم عليهم‌السلام « الفضل في دخول المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى إذا دخلت ، وباليسرى إذا خرجت ».

ويستحب أيضا أن يتعاهد نعله ويستعلم حاله بأن يجدد به عهدا قبل الدخول إلى المسجد استظهارا للطهارة ، والمروي عن‌ مكارم الأخلاق للطبرسي (٤)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ٢.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ٣.

٨٠