جواهر الكلام - ج ١٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الشيخ وجماعة أنه يتشهد جالسا ويسلم إيماء ثم يقوم مع الامام ، ولعله لا بأس به بعد انحصار استطاعته بذلك كما سمعته في الموثق ، واختاره في المختلف وبه يجمع حينئذ بينهما كما في الحدائق ، والله أعلم.

المسألة الثامنة إذا فاته مع الإمام شي‌ء من الركعات لم ينقطع استحباب الجماعة بإجماع المسلمين ، بل صلى ما يدركه وجعله أول صلاته وإن كان آخر صلاة الامام وأتم ما بقي عليه بلا خلاف معتد به فيه بيننا ، بل في الغنية والمنتهى والتذكرة وعن المعتبر وغيره الإجماع عليه ، فما عن أبي علي ـ من الخلاف في ذلك ، ولعله يوافق أبا حنيفة وبعض العامة من تبعية صلاة المأموم للإمام في ذلك ، فيستقبل الأول حينئذ لو كان قد أدرك في الآخر ـ لا ينبغي أن يصغى إليه ، إذ هو مع أن الإجماع بقسميه على خلافه قد استفاضت المعتبرة (١) أو تواترت في الأمر بما ذكرنا ، والنهي عن ذلك بل في بعضها التعريض بهم ووصفهم بالحمقى ، ففي‌ خبر طلحة بن زيد (٢) عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام قال : « يجعل الرجل ما أدرك مع الإمام أول صلاته ، قال جعفر عليه‌السلام : وليس يقول كما يقول الحمقى » ومرسل ابن النضر (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قال لي : أي شي‌ء يقول هؤلاء في الرجل إذا فاته مع الامام ركعتان؟ قال : يقولون : يقرأ في الركعتين الحمد وسورة فقال : هذا يقلب صلاته فيجعل أولها آخرها ، فقلت : فكيف يصنع؟ فقال : يقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة » :

كما أنه قد استفاضت أيضا أو تواترت في الأمر بقراءة المأموم في الأولتين له والأخيرتين للإمام معللا في‌ صحيح ابن الحجاج (٤) عن الصادق عليه‌السلام بأنهما له الأولتان ، قال فيه : « وسألته عن الرجل الذي يدرك الركعتين الأخيرتين من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٢.

٤١

الصلاة كيف يصنع بالقراءة؟ قال : اقرأ فيهما فإنهما لك الأولتان ، ولا تجعل أول صلاتك آخرها » وهو حقيقة في الوجوب ، فمنه ـ مضافا إلى اعتضاده بالاحتياط في التوقيفيات ، إذ الحرمة لم يصرح أحد بها في المقام ، بل الظاهر الاتفاق بين من تعرض لذلك على الرجحان في الجملة وإن اختلفوا في وجوبه وندبه ، وبما دل على أصل القراءة في الصلاة المعلوم أو المظنون أو المحتمل عدم معارضته أدلة سقوط القراءة عن المأموم وضمان الامام لها ، ضرورة عدم شمولها لما نحن فيه ، على أنه يجب الخروج عنها بأخبار المقام المعتضدة بعضها ببعض السالمة على كثرتها من اختلاف بينها بالنسبة إلى ذلك ـ ينقدح قوة القول بالوجوب ، وفاقا للمحكي عن علم الهدى والشيخ في التهذيبين وظاهر النهاية والمبسوط والغنية وأبي الصلاح ، بل لعله ظاهر الكليني والصدوق أيضا ، واختاره بعض الأساطين من متأخري المتأخرين كالمحدث البحراني والمولى الأكبر في شرح المفاتيح والسيد في الرياض وغيرهم ، وكأنه مال إليه في الذخيرة كما عن الأردبيلي ، وخلافا للمنتهى والتذكرة والمختلف والنفلية والفوائد الملية وعن السرائر فالاستحباب ، وربما مال اليه أو اختاره بعض متأخري المتأخرين ، للأصل الذي يكفي في قطعه بعض ما عرفت فضلا عن الجميع بعد تسليم جريانه في نحو المقام.

والجمع بين دليل الضمان ونحوه وبين ما هنا يحمل هذا الأمر على الاستحباب ـ خصوصا بعد اشتمال صحيح ابن الحجاج الآمر بذلك منها على ما علم ندبيته كالآمر بالتجافي فيه وعدم التمكن من القعود حيث يتشهد الامام ، وصحيح زرارة (١) الآمر فيه بذلك أيضا على نهي المأموم عن القراءة في أخيرتيه المعلوم إرادة الكراهة منه ، ضرورة بقاء التخيير له ، وخصوصا بعد شيوع الأمر في الندب حتى قيل فيه ما قيل ، سيما وهو في هذا الصحيح وغيره بالجملة الخبرية ، كما أنه هو فيه أيضا بالقراءة في النفس‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

٤٢

الظاهر في إرادة غير التلفظ بها أو غير الصريح في ذلك ، مع أنه حذف التحميد في بيان ذكر الأخيرتين فيه أيضا ، بل قال : « لا يقرأ فيهما إنما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ، ليس فيهما قراءة » وهو غير المشهور على ما قيل ، بل قيل : إنه ترك فيه ذكر السورة على رواية الفقيه له ، وهو خلاف المشهور ، بل خلاف الإجماع المحكي من جماعة ـ في محله ، بل قد يؤيد ذلك كله استمرار السيرة في الأعصار والأمصار على الدخول في الجماعة من غير سؤال أن الإمام في الأولتين أو الأخيرتين كي يقرأ ولا يقرأ معتضدة بخلو الفتاوى والنصوص ، وسيما أخبار الباب وأخبار (١) التقدم إلى الصف والتأخر عنه ، وأخبار (٢) الحث على الدخول في الجماعة وغيرها عن التعرض لوجوب هذا السؤال ، بل في الصحيح (٣) أنه إذا لم يدر المستناب المسبوق كم صلى الامام ذكره من خلفه ، اللهم إلا أن يحمل على النسيان ونحوه مما لا ينافي ذلك ، كاستمرار السيرة على الدخول في الجماعة من غير اختبار حاله من تمكن قراءة الحمد وعدمه ، مع أنه إذا لم يعلم أو علم العدم لا يجوز له الدخول ، ومعتضدة أيضا بخلو النصوص عن التعرض لذلك ، كخلوها عن التعرض لحكمه إذا لم يمهله الامام عن إتمام قراءة الحمد ، فهل يتابع ويقطع القراءة كما أنه يترك السورة لذلك أو أنه يقرأ ويتخلف عن الامام ثم يلحقه كما تخلف عنه للتشهد؟ بل قد يؤيده أيضا النصوص (٤) الدالة على إدراك الجماعة بإدراك الإمام راكعا أو قبل الركوع بآن ما الظاهرة في عدم قراءة المأموم هناك بل هو كصريح الأمر فيها بالمشي حال الركوع لدخوله المسجد ورؤيته الإمام راكعا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ و ٤٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٤٣

واحتمال خروج ذلك عن محل النزاع ـ لاتفاق الجميع حينئذ على سقوط القراءة من رأس ، إنما البحث إن كان ففيما قبل ركوع الامام وتمكن المأموم من الشروع في قراءة الفاتحة كما يرشد إلى ذلك ما في الحدائق والرياض ، حيث قالا بعد أن حكما بوجوب القراءة إن الأحوط للمأموم الذي لا يعلم التمكن من القراءة أن لا يدخل مع الإمام إلا عند تكبيرة الركوع ، فإنه لا قراءة حينئذ ، كما أن الأحوط له إن دخل قبل ذلك قراءة ما يتمكن من الفاتحة ثم يتابع ويتم الصلاة ثم يستأنفها من رأس ـ يدفعه أنه لا دليل على هذا التفصيل نصا وفتوى ، بل إطلاقهما القراءة في الأولتين للمأموم الأخيرتين للإمام يقتضي خلافه ، بل ظاهر بعضها وصريح آخر أنه لا فرق في ذلك بين الركعة الأولى التي يدركها مع الامام وغيرها ، فيقرأ في كل منهما المأموم ، بل يؤيده أيضا ما في المدارك وغيرها من أن أكثر الأصحاب لم يتعرضوا لحكم القراءة في المسبوق ، وكأنه لأنهم أوكلوه إلى حكم المأموم غير المسبوق ، وما قيل أيضا من أن معظم من تعرض للمسألة على الاستحباب ، فإن السرائر وما تأخر عنها صرحوا به ، وما تقدم عليها بين من لم يتعرض وبين من عبر بمضمون الأخبار ، فيحمل على إرادة الندب مثلها.

ومن هنا قيل : إن من تأخر عن الشيخ فهم منه الندب ، ولم ينسب في المختلف القول بالوجوب لأحد إلا علم الهدى ، بل قال : إن أصحابنا وإن ذكروا القراءة لكنهم لم يذكروا الوجوب ، على أن المحكي عن المرتضى لم يذكر فيه إلا وجوب الفاتحة مع أنه ممن قال بوجوب السورة حتى حكى عليه الإجماع في الانتصار كما قيل ، واحتمال وجوبها عنده في غير المقام وأما فيه فالفاتحة خاصة يدفعه أنه لم نعرف أحدا قال هنا بهذا التفصيل وإن كان ظاهر المحكي عن السرائر نسبته إلى بعض أصحابنا ، حيث أنه نسب فيها هنا إلى بعض أصحابنا إيجاب السورتين معا ، ثم قال : ومنهم من قال : قراءة الحمد‌

٤٤

وحدها ، فلا يبعد إرادة الندب من الوجوب في عبارة السيد ، إلى غير ذلك من المؤبدات الكثيرة.

لكن الجميع كما ترى قاصر عن معارضة تلك الأخبار الكثيرة جدا للتي فيها الصحيح وغيره ومروية في الكتب الأربعة وغيرها كما جمعها في الحدائق ، وربما سمع بعضها في أثناء البحث ، وقد اشتمل بعضها على التأكيد والتعليل والنهي عن خلافه ، بل قد ينضم إليها الأخبار (١) الآمرة بجعل ما يدركه أول صلاته لا آخرها على إرادة القراءة فيه كما يفعله لو كان منفردا بقرينة المرسل (٢) السابق ، خصوصا وكثير من هذه المؤيدات من اللغو الذي لا ينبغي أن يسطر ، كما هو محرز في محله ، إذ من الواضح عدم قدح اشتمال الخبر على الأمر المراد منه الندب والنهي المراد منه الكراهة بقرائن خارجية في دلالة الأمر الآخر فيه على الوجوب ، خصوصا إذا كان في سؤال آخر مستقل ، وإلا لزم رفع اليد عن أكثر الأخبار ، على أنه ـ مع إمكان معارضته أيضا هنا باشتمال الخبر المزبور على ما علم وجوبه ، كاللبث متأخرا عن الامام للتشهد ـ يمكن منع ندبية التجافي المذكور وإن كان هو ظاهر الأكثر ، حيث أطلقوا الجلوس بل ظاهر هذا المعترض أنه مفروغ منه.

لكن قيل في الذكرى عن الصدوق وجوبه ، وربما كان ظاهر المحكي عن السرائر أيضا ، بل والغنية والتقي وابن حمزة وإن عبر هؤلاء الثلاثة بأنه يجلس مستوفرا ، بل قواه في الرياض ، ولعله كذلك لهذا الصحيح (٣) المعتضد بالاحتياط ، وبالصحيح الآخر (٤) عن الصادق عليه‌السلام في حديث « من أجلسه الإمام في موضع يجب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

٤٥

أن يقوم فيه تجافى وأقعى إقعاء ولم يجلس متمكنا » وبالمروي عن‌ معاني الأخبار (١) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا جلس الإمام في موضع يجب أن تقوم فيه تتجافى » السالم عن معارض معتد به ، إذ الأصل غير صالح لذلك ، كخلو النصوص غير ما عرفت بل والتعبير بالقعود في بعضها مما هو لا يقاوم ذلك سندا ولا عددا بل ولا دلالة ، إذ هو مطلق يجب حمله عليه ، بل لعله متعين ، ضرورة أنه أولى من إخراج الأمر بالقعود فيه عن حقيقته وإرادة الإباحة منه ، إذ لم يقل أحد بوجوبه أو ندبه ، ولا شيوع في الأمر بالندب بحيث استغنى عن القرينة أو زاحم الحقيقة كما هو محقق في محله.

على أنه ينبغي القطع بعدم إرادة الندب منه هنا ، إذ الفرض كما اعترف به الخصم أنه ارتكب ذلك جمعا بين هذه الأوامر وبين ما دل على سقوط القراءة ، وقد عرفت هناك إرادة حرمة القراءة منها في أكثر الأحوال التي لا تجامعها الندب ، وإرادة التخصيص ليس بأولى من إبقاء الأمر على حقيقته وارتكابه ، بل هو أولى قطعا ، لما فيه من المجاز الواحد بخلافه ، وقد تعارف التعبير عن الإخفات بالقراءة في النفس في الأخبار ، منها أخبار الصلاة (٢) خلف من لا يقتدى به ، على أنه مشترك الإلزام على تقديري الوجوب والندب ، إذ الفرض ندبية القراءة الملفوظة عندهم ، وحذف التحميد ـ مع أن المقام ليس مساقا لبيانه ـ غير قادح في المطلوب ، كحذف السورة على رواية الفقيه بعد دلالة غيره من الأخبار عليها ، بل المحكي عن الفقيه فيما حضرني من الوسائل إثبات السورة فيه ، واستمرار السيرة بعد التسليم على عدم السؤال مع جهل الحال إن لم نقل إنه للاعتماد على أصالة عدم دخول الإمام في الثالثة مثلا لمعارضته بأصالة عدم سقوط القراءة لا دلالة فيه على نفي الوجوب إذا علم كون الإمام في الثالثة أو الرابعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب السجود ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٤٦

الذي هو محل البحث ومورد الأخبار ، كخلو النصوص عن التعرض لذلك مع أنها غير مساقة لبيان مثله ، بل لا أجد بعدا في التزامه وإن خلت النصوص عن التعرض له ، إذ لعله اتكالا على باب المقدمة المعلوم وجوبها بالعقل ككثير من الأمور المتروك بيانها فيها لها.

وأما استمرار السيرة على الدخول من دون اختبار حاله في التمكن وعدمه ففيه بعد التسليم أنه لعله لاستصحاب بقاء الامام على الحال الذي أدركه إلى حين الفراغ ، أو لأنه له ذلك وإن لم يعلم بل وإن علم العدم ، لجعل الشارع له حينئذ تكليفا آخر من ترك القراءة واللحوق أو إتمامها ثم اللحوق ، بناء على عدم اشتراط صحة الجماعة بإدراك الركوع إذا أدرك الامام وهو قائم ، خصوصا إذا كان التخلف لعذر ونحوه ، وليست النصوص خالية عن التعرض لذلك بالكلية ، بل في بعضها الإيماء إلى ترجيح مراعاة المتابعة على إتمام الفاتحة وإن كانت هي بالنسبة إلى ترك السورة أصرح ، ففي‌ صحيح معاوية بن وهب (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدرك آخر صلاة الامام وهي أول صلاة الرجل فلا يمهله حتى يقرأ فيقضي القراءة في آخر صلاته ، قال : نعم » وعن‌ دعائم الإسلام (٢) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : « إذا سبق الإمام أحدكم بشي‌ء من الصلاة فليجعل ما يدركه مع الإمام أول صلاته وليقرأ فيما بينه وبين نفسه إن أمهله الامام » وعنه أيضا (٣) عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام قال : « إذا أدركت الامام وقد صلى ركعتين فاجعل ما أدركت معه أول صلاتك فاقرأ لنفسك بفاتحة الكتاب وسورة أن أمهلك الإمام أو ما أدركت أن تقرأ فاجعلها أول صلاتك ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

٤٧

مضافا إلى الاستئناس بالنصوص (١) الواردة في الائتمام بمن لا يقتدى به الآمرة بالقراءة خلفه لكن بمقدار الممكن من الفاتحة والسورة ، إذ الظاهر معاملته معاملة الجماعة الصحيحة وإن لم تكن كذلك ، ومضافا إلى ما دل من النصوص (٢) على الأمر بالجماعة حال ركوع الإمام أو نحوه من الأحوال التي يعلم عدم تمكن المأموم فيها من القراءة أصلا.

ومن ذلك كله ينقدح لك قوة القول بمراعاة وجوب المتابعة وترجيحها على وجوب القراءة وإن كانت الفاتحة ، وإلا فالسورة لا إشكال في تقديم المتابعة عليها ، إذ هي وإن أطلق الأمر بها في بعض النصوص لكن في آخر منها التصريح بسقوطها إذا لم يمهله الامام ، كصحيح زرارة (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إذا أدرك الرجل بعض الصلاة وفاته بعض خلف إمام يحتسب بالصلاة خلفه جعل ما أدرك أول صلاته ، إن أدرك من الظهر أو من العصر أو من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرأ في كل ركعة مما أدرك خلف الإمام في نفسه بأم الكتاب وسورة ، فان لم يدرك السورة تامة أجزأته أم الكتاب ، فإذا سلم الامام قام فصلى ركعتين لا يقرأ فيهما ، لأن الصلاة إنما يقرأ فيها في الأولتين في كل ركعة بأم الكتاب وسورة ، وفي الأخيرتين لا يقرأ فيهما إنما هو تسبيح وتكبير وتهليل ودعاء ليس فيهما قراءة ، وإن أدرك ركعة قرأ فيها خلف الإمام ، فإذا سلم الامام قام فقرأ بأم الكتاب وسورة ثم قعد وتشهد ، ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما قراءة ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

٤٨

إنما البحث في الفاتحة مطلقا أو إذا تلبس المأموم في قراءتها ولم يمهله الامام لإتمامها ، لظهور‌ قوله عليه‌السلام في الصحيح (١) : « أجزأته أم الكتاب » في أنها أقل المجزي ول‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب » وعليه يمكن (٣) حينئذ خلوها عنها إلا أنك قد عرفت أن الأقوى في النظر ترجيح مراعاة المتابعة في الركن على القراءة لما سمعت ولأنها الجزء الأعظم في الجماعة ، ولذا اغتفر لها زيادة الركن ونحوه ، ولا يرد التخلف للتشهد ـ الذي هو أهون من القراءة ، بل لا كلام في جواز المفارقة للعذر ، ولا ريب في أن تأدية الواجب منه كالتشهد ـ للفرق بينهما أولا بالنص ، وثانيا بأنه ليس في التخلف للتشهد فوات ركن ، على أنه محتاج لزمان قليل ، بل لعله لا يعد من المفارقة في مثل هذا التأخر ، كما أومأ إليه‌ الصادق عليه‌السلام في خبر عبد الرحمن ابن أبي عبد الله (٤) « إذا سبقك الإمام بركعة جلست في الثانية لك والثالثة له حتى يعتدل الصفوف قياما » كقوله عليه‌السلام أيضا في صحيح ابن الحجاج (٥) « فإذا كانت الثالثة للإمام وهي له الثانية فليلبث قليلا إذا قام الامام بقدر ما يتشهد ثم يلحق بالإمام » إلى آخره ، وكونه عذرا في التأخر موقوف على ثبوت الوجوب في المقام ، فتأمل وإن توقف فيه أولا في الرياض تبعا للحدائق.

ومن هنا يعلم الجواب عن التأييد بأخبار الدخول في الجماعة حال ركوع الإمام ضرورة أنه لا قراءة عندنا في هذا الحال كما اعترف به في الرياض والحدائق على ما سمعت سابقا ، لكن من العجيب توقفهما هناك وجزمهما هنا على وجه لا إشكال فيه من أحد كما عرفت ، إذ ليس في الأخبار تفصيل بين شروع المأموم في القراءة وعدمه ، فحيث‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب القراءة في الصلاة ـ الحديث ٥.

(٣) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح « لا يمكن ».

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

٤٩

لا شروع لأن لا وقت له لا إشكال فيه بخلاف الأول ، فيأتي احتمال وجوب الإتمام ثم اللحوق للإمام ولو في السجود ، واحتمال وجوب المتابعة وسقوط القراءة ، وظني أنه من متفرداتهما ، وأنه وهم محض ، نعم لا بأس بذكر ما دل على الدخول في الجماعة حال ركوع الإمام أو تكبيره له على وجه يعلم أن لا قراءة فيه للمأموم مؤيدا لسقوط القراءة ورجحان مراعاة المتابعة عليها ، كما سمعته منا ، على أنه إن لم يظهر ترجيح لأحدهما على الآخر لتصادم المرجحات أو لغير ذلك كان المتجه التخيير بين الأمرين حينئذ لا التوقف والتردد ، فتأمل جيدا.

وعدم تعرض أكثر الأصحاب لو سلم محتمل لوجوه ، منها معلومية وجوب القراءة عليه ، وإطلاقهم السقوط هنا منزل على غير محل الفرض ، وكون معظم المتعرضين على الندب يدفعه التتبع ، بل لم نعرفه لأحد قبل ابن إدريس على ما حكي عنه ، بل قبل العلامة كما يومي اليه عدم نسبته إلى أحد في المنتهى ، بل ظاهره أنه من متفرداته بخلاف الوجوب ، فإنه هو حكاه عن بعض أصحابنا ، وابن إدريس أيضا كذلك وإن حكى الخلاف بينهم بالنسبة إلى الفاتحة والسورة ، فلا ريب في معلومية قدمه على الاستحباب نعم هو ليس صريح كلامهم ، لكنه ظاهر كالصريح ، وقد عرفت فيما تقدم القائل به ومن نسب اليه ذلك ، على أن العمدة الدليل ، وقد علمته ، كما أنك علمت أنه لا إجماع ولا شهرة على خلافه ، بل لعل الشهرة بالعكس خصوصا مع ملاحظة المصنفين لا التصانيف.

وبالجملة لا محيص عن القول بالوجوب ، كما أنه لا محيص عن القول بوجوب ما تيسر له من الفاتحة والسورة ، وإلا فيترك ويتابع كما تبين ذلك مفصلا.

ومنه يعلم أنه إن لم يتيسر له التسبيحات مثلا في الركعات الأخيرة أو الأذكار في الركوع والسجود تركها وتابع ، وكذا تبين الكلام أيضا في التجافي وأن وجوبه لا يخلو من قوة من غير فرق فيه بين تشهد الإمام أو تسليمه ، لعموم الصحيح السابق‌

٥٠

ويستحب له التشهد حينئذ تبعا للإمام وفاقا للمنتهى والذكرى وإن عبر فيها بالجواز ، والبيان والرياض وغيرها ، بل لعله ظاهر المنتهى أيضا‌ للمعتبرين ، ففي أحدهما (١) « سئل عن رجل فاتته صلاة ركعة من المغرب مع الإمام فأدرك الثنتين هي الأولى له والثانية للقوم يتشهد فيها ، قال : نعم ، قلت : والثانية أيضا ، قال : نعم ، قلت : كلهن قال : نعم ، وإنما هي بركة » وفي الآخر (٢) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « جعلت فداك يسبقني الإمام فتكون لي واحدة وله ثنتان فأتشهد كلما قعدت؟ قال : نعم ، فإنما التشهد بركة ».

خلافا للغنية وعن النهاية وأبي الصلاح وابن حمزة ، ولعله ظاهر التحرير أيضا حيث قال : « قعد وسبح من غير تشهد » بل والمحكي عن المبسوط أيضا حيث قال : « لا يعتد به ويحمد الله ويسبحه » وإن كان المحكي عن نهايته أصرح في المنع ، فإنه وإن أثبت التسبيح بدله أيضا لكنه قال : « لا يتشهد » بخلافه في المبسوط ، ولم نعرف لهم شاهدا على ذلك وإن كان هو أحوط ، إذ لم نعرف قائلا بالوجوب ، للأصل وإشعار التعليل بالبركة وغير ذلك ، إلا أن الأحوط منه الإتيان بالتشهد بقصد القربة المطلقة لا بقصد الأمر الموظف ، تخلصا من احتمال الوجوب وإن لم نعرف قائلا صريحا به ، ولا ينافيه اشتماله على الإقرار بعبودية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورسالته بتقريب أنهما ليسا من الذكر أو الدعاء بعد‌ قوله عليه‌السلام : إنه بركة ، بل يمكن منع إنكار ذكريته أيضا ، لرجوعه إلى الثناء على واجب الوجود أيضا.

وكيف كان ففي الذخيرة وعن الأردبيلي أنه قد تجتمع حينئذ خمس تشهدات في الرباعية ، وأربعة في الثلاثية ، وثلاثة في الثنائية ، وفي الحدائق الظاهر أنه سهو من القلم أو القائل ، بل أربعة في الرباعية ، وثلاثة في الثلاثية ، واثنان في الثنائية ، وهو‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

٥١

كذلك إلا أن يلاحظ دخول المأموم مع الإمام إذا أدركه حال التشهد كما ستعرف ، واستنابة المسبوق أيضا ، بل قد يتصور أكثر من ذلك إذا لوحظ مع ذلك ترامي العدول والائتمام بناء على جوازه ، ولعله إلى ذلك أومأ الأردبيلي فيما حكي عنه من أنه يتصور أكثر من الخمس ، والأمر سهل.

وكذا ينبغي للمأموم متابعة الإمام أيضا في القنوت وإن لم يكن محل قنوته كما نص عليه جماعة‌ للموثق أو الصحيح (١) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يدخل في الركعة الأخيرة من الغداة مع الامام فقنت الإمام أيقنت معه؟ فقال : نعم » الحديث. لكن لا يجزيه ذلك عن القنوت لنفسه في ثانيته للعموم (٢) كما نص عليه في الرياض ، نعم لو اقتضى فوات المتابعة يسقط قطعا ، خصوصا بناء على ما تقدم من العلامة من تحريم جلسة الاستراحة على المأموم إذا لم يجلس الامام وإن كان هو واضح الفساد بالسيرة وغيرها ، وما في الصحيح المزبور محمول على الرخصة كما يشعر به لفظ الاجزاء على ما ذكرناه في بحث القنوت لا على فوات المتابعة ، لأن مفروض سؤال الصحيح الغداة ولا متابعة بعد إدراك الثانية منها فقط.

ومن جميع ما سمعت ظهر لك الحال في قول المصنف ولو أدركه أي الإمام في الرابعة دخل معه ، فإذا سلم قام فصلى ما بقي عليه ويقرأ في الثانية له بالحمد والسورة قطعا ، لأنه منفرد ولذا كان في الاثنتين الأخيرتين له أن يقرأ بالحمد ، وإن شاء سبح بلا إشكال ولا خلاف كما اعترف به في المدارك ، إنما الخلاف فيما إذا أدرك معه الركعتين الأخيرتين وسبح الامام فيهما ، فالمشهور كما في الروض والذخيرة على بقاء التخيير له أيضا وإن سبح الامام فيهما ولم يقرأ ، بل في المنتهى نسبته إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب القنوت ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب القنوت.

٥٢

علمائنا ، وهو الأقوى لإطلاق أدلته ، وصحيح زرارة السابق (١) وغيره ، خلافا لما أرسله غير واحد عن بعض من وجوب القراءة عليه معللين ذلك بأنه لئلا تخلو الصلاة عن فاتحة الكتاب التي لا صلاة بدونها ، وهو مشعر باختصاص الخلاف فيما إذا لم يقرأ المأموم إما لعدم وجوبها عليه أو لعدم تيسرها له ، ومال إليه في الحدائق ، لصحيح معاوية بن وهب (٢) ومرسل ابن النضر (٣) المتقدمين سابقا ، قال : وبهما يخص إطلاق أدلة التخيير كما خصصت بأخبار (٤) ناسي القراءة في الأولتين كما قدمنا التحقيق فيه سابقا ، وهو كما ترى ضعيف جدا ، لقصورهما عن ذلك من وجوه لا تخفى.

ثم إنه قد يشعر ما في المتن بعدم جواز قيام المسبوق قبل التسليم كما هو ظاهر المحكي عن السرائر ، ولعله لظاهر صحيح زرارة السابق وغيره مما تقدم ويأتي ، ولا ريب في أنه أحوط وأولى وإن كان الجواز أقوى حتى قبل التشهد فضلا عن التسليم إذا نوى الانفراد بناء على جوازه اختيارا ، إذ احتمال عدم مشروعيته في خصوص المقام لهذه الأخبار التي لم تسق لبيان ذلك كما ترى ، بل قيل وإن لم ينو الانفراد بناء على عدم وجوب المتابعة في الأقوال ، أو على ندبية التسليم وإن اختص الجواز حينئذ على الأخير بما بعد التشهد ، لكن فيه أن عدم وجوب المتابعة أو الندبية لا يخرجانه عن حكم الائتمام ، وإلا لم يجز له الانتظار وإن طال ، وهو معلوم الفساد ، فالأقرب حينئذ وجوب نية الانفراد لو أراد مفارقته قبل التشهد أو بعده قبل التسليم كما صرح به في الروض سواء قلنا بوجوب المتابعة أولا ، واستحباب التسليم أولا ، نعم لا يجب لو انتظره حتى سلم ، لانقطاع حكم المأمومية حينئذ به ، فلو قام حينئذ غافلا عنها لم يكن به بأس بخلاف الأول ، فإنه يرجع أو ينوي الانفراد حينئذ ، وإلا أتم وإن كانت صلاته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب القراءة في الصلاة.

٥٣

صحيحة ، لعدم شرطية المتابعة كما عرفت ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

المسألة التاسعة إذا أدرك المأموم الإمام بعد رفعه رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة أو غيرها فلا خلاف في فوات الركعة حينئذ كما اعترف به في المدارك ، بل هو إجماعي ، والنصوص (١) واضحة الدلالة عليه ، إذ هي تدرك بإدراك الإمام قبل الركوع إجماعا محصلا ومنقولا في التذكرة والمدارك وغيرهما أو بإدراكه راكعا بحيث يجتمع معه فيه على الأصح كما تقدم البحث فيه سابقا ، نعم إذا أراد إدراك الدخول معه لتحصيل فضيلة الجماعة نوى وكبر وسجد معه السجدتين وفاقا للأكثر كما اعترف به في المدارك والذخيرة ، بل المشهور كما في الكفاية ، بل لا خلاف فيه إلا من الفاضل في المختلف فتوقف كما في الرياض والحدائق ، لإطلاق أدلة الجماعة والحث عليها المقتضية بظاهرها جواز الائتمام حال تلبس الإمام بأي جزء من أجزاء الصلاة وإن لم تحتسب له ركعة إلا بإدراك الركوع كما صرح بهذا التعميم الشهيدان في البيان والفوائد الملية وغيرهما ، بل هو ظاهر غيرهما أو صريحه ، ول‌ خبر المعلى بن خنيس (٢) عن الصادق عليه‌السلام « إذا سبقك الإمام بركعة فأدركته وقد رفع رأسه فاسجد معه ولا تعتد بها » وصحيح معاوية بن شريح (٣) المروي في الفقيه عنه عليه‌السلام أيضا « إذا جاء الرجل مبادرا والامام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع ، ومن أدرك الامام وهو ساجد كبر وسجد معه ولم يعتد بها ، ومن أدرك الامام وهو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة ، ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهد فقد أدرك الجماعة ، وليس عليه أذان ولا إقامة ، ومن أدركه وقد سلم فعليه الأذان والإقامة » بناء على أن قوله أولا : « ومن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

٥٤

أدرك » إلى آخره ، من كلام الصادق عليه‌السلام كما في الوسائل ، بل لعله الأظهر كما اعترف به في الحدائق لا على ما عن الكاشاني في الوافي من احتمال كونه من كلام الصدوق.

والمروي عن‌ مجالس الحسن بن محمد الطوسي بسند متصل إلى أبي هريرة (١) قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا جئتم إلى الصلاة ونحن في سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا ، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة » بل وصحيح ابن مسلم (٢) قال « قلت له : متى يكون يدرك الصلاة مع الامام؟ قال : إذا أدرك الامام وهو في السجدة الأخيرة من صلاته فهو مدرك لفضل الصلاة مع الامام » بناء على ظهوره في إرادة السؤال عن أقصى الأحوال التي تدرك بها الجماعة ، واحتمال إرادة الحضور والامام في هذا الحال من لفظ الإدراك فيه وفي غيره لا أنه ينوي ويكبر ويدخل معه كما ترى في غاية الضعف ، بل لا ينبغي الإصغاء اليه مع ملاحظة خبري المعلى بن خنيس ومعاوية بن شريح وغيرهما المعتضدة بالفتاوي ، كاحتمال إرادة المتابعة للإمام فيما يجده متلبسا به من السجود ونحوه منه ويكبر للهوي له حينئذ لا أنه ينوي الصلاة ويكبر للإحرام ويدخل في الصلاة ثم يتابعه في السجود ، إذ هو وإن لم يكن بتلك المكانة من الضعف ـ بل قد يؤيده استبعاد نية الصلاة التي يعلم إبطالها بمتابعة الإمام في السجدتين ، أو امتناعها بناء على المشهور من وجوب الاستئناف عليه إذا قام كما ستعرف ، بل ربما كان هو ظاهر أحد موضعي تذكرة الفاضل وعن نهايته أيضا حيث قال : لو أدركه بعد رفعه من الركوع استحب له أن يكبر للهوي إلى السجود ويسجد معه ، فإذا قام الإمام إلى اللاحقة قام ونوى وكبر للافتتاح ـ إلا أنه مناف لمقتضى الإطلاق الذي أشرنا إليه سابقا ، وللمنساق من النصوص المتقدمة ، خصوصا المشتمل على لفظ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

٥٥

التكبير منها ، وظاهر لفظ الاستئناف في الفتاوى والاستدلال فيها على البطلان بزيادة ركن ونحوه مما ستسمعه حتى في التذكرة وعن نهاية الأحكام ، بل في موضع آخر من الأولى التصريح بتكبيرة الإحرام ، وغير ذلك مما ستعرف من النصوص بناء على اتحاد هذه الصور بالنسبة إلى ذلك.

ولا استبعاد في نيته وإن علم بعد الأدلة الشرعية أولا ، وبعد عدم وجوب هذه المتابعة عليه المقتضية بطلان صلاته ثانيا ، إذ له الانتظار من غير سجود إلى أن يقوم الامام إن لم يكن في الركعة الأخيرة ، وإلى أن يفرغ من الصلاة إن كان فيها كما صرح به وبأن الأفضل له المتابعة الشهيدان في البيان والروض والمسالك والروضة والفوائد الملية ، بل ربما كان ظاهر المحكي من عبارة المبسوط التي ستسمعها أيضا ، ولعله للجمع بين الأخبار السابقة وبين‌ خبر عبد الرحمن (١) عن الصادق عليه‌السلام في حديث « إذا وجدت الامام ساجدا فاثبت مكانك حتى يرفع رأسه ، وإن كان قاعدا قعدت ، وإن كان قائما قمت » والموثق (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « عن رجل أدرك الامام وهو جالس بعد الركعتين قال : يفتتح الصلاة ولا يقعد مع الامام حتى يقوم » فيحمل هذان على الاذن والجواز ورفع الإيجاب وما قبلهما على الفضل والاستحباب ، ولا بأس به.

لكن في الرياض أني لم أجد عاملا بهما قبل الشهيد ، فلا تكافئا تلك الأخبار الصحيحة المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع ، وبغير ذلك ، فهي أرجح منهما من وجوه ، وتنزيلهما على ما سمعت مع ظهورهما في حرمة المتابعة فرع الحجية المتوقفة على المكافاة ، وهي مفقودة ، وفيه أنه مبني على فهم وجوب المتابعة في المقام بعد الدخول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

٥٦

مع الامام من عبارات الأصحاب على وجه يتحقق به شهرة معتد بها أو إجماع ، وهو في محل المنع وإن أوهمه ظاهر بعض كلماتهم ، كمنع شمول ما دل على وجوبها من معقد إجماع أو غيره لمثل ما نحن فيه ، فلا يبعد حينئذ أن له التخيير المزبور ، بل قد يقال إن له نية الانفراد أيضا وإتمام صلاته لإدراكه الجماعة بمجرد إدراك الإمام في جزء من أجزاء الصلاة وإن لم يدرك الركعة معه.

هذا كله لو أدركه واقفا ، أما لو أدركه راكعا فنوى وهو يريد الاجتماع معه فلم يتيسر له ذلك فان كان بحيث يتحقق منه مسمى الركوع اتجه القول بالبطلان على رأي المشهور ، لحصول زيادة ركن حينئذ منه ، إذ لا اعتداد بهذا الركوع منه بعد أن لم يجتمع مع الامام فيه ، فليس له حينئذ متابعة الإمام بالسجدتين إلا أن يستأنف نية ، وإن كان قبل أن يتحقق منه مسمى الركوع رفع رأسه حينئذ مع الامام ثم تابعه بالسجدتين وأبطل صلاته بهما ، وليس له إبطال العمل في المقام أو في غيره من الصور بغير المتابعة كما نص عليه الشهيد الثاني في روضته ، افتصارا على المتيقن خروجه من إطلاق النهي ، هذا كله بناء على المشهور ، وإلا فعلى ما سمعته من الشيخ يتجه الصحة في ذلك كله.

وكيف كان فما في المختلف ـ من التوقف في الحكم المزبور من أصله أي جواز الدخول في الجماعة حال رفع الإمام رأسه ثم متابعته ، حيث قال بعد أن حكى عن الشيخ : « إنه لو أدرك الامام وقد رفع رأسه من الركوع استفتح الصلاة وسجد معه السجدتين ولا يعتد بهما ، وإن وقف حتى يقوم إلى الثانية كان له ذلك » وعندي في ذلك إشكال من حيث أنه قد زاد في الصلاة ركنا هو السجدتان ، مع أنه عليه‌السلام نهى عن الدخول في الركعة عند فوات تكبيرها في رواية محمد بن مسلم (١) الصحيحة عن الباقر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

٥٧

عليه‌السلام ، مع احتمال أن يكون إشكاله فيما يستفاد من الشيخ من عدم وجوب استئناف الصلاة ، بل يكتفي بتلك النية والتكبير كما ستسمعه فيما يأتي لا في أصل الدخول إلا أن الذي فهمه منه غير واحد من الأصحاب التوقف والاشكال في ذلك كما يومي اليه تعليله الثاني ، بل في المدارك والذخيرة أنه في محله ، ولعله لعدم ثبوت التعبد بالكيفية المذكورة ، وللنهي كما سمعته من المختلف في صحيح محمد بن مسلم (١) عن الصادق عليه‌السلام عن الدخول في الركعة التي لم يدرك تكبير ركوعها ، وآخر له أيضا (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « قال لي : إن لم تدرك القوم قبل أن يكبر الإمام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة » وفي ثالث (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا أدركت التكبير قبل أن يركع الامام فقد أدركت الصلاة » ـ ضعيف جدا ، ضرورة الاكتفاء في ثبوت التعبد هنا خصوصا لو قلنا بأنه من المستحب الذي يتسامح فيه بمثل ما سمعت من الأخبار التي فيها الصحيح وغيره المعتضدة بما عرفت من عدم خلاف أحد فيه قبله ، وقد عرفت الحال في هذه الأخبار عند البحث في إدراك الصلاة بإدراك الإمام راكعا ، وأن الأصحاب عدا الشيخ في بعض كتبه وبعض أتباعه أعرضوا عن ظاهرها حتى حكى الإجماع هو فضلا عن غيره في بعض آخر من كتبه على خلافه ، وبعد التسليم محتملة احتمالا قويا إرادة النهي عن الدخول ونحوه معتدا بتلك الركعة لا لإدراك فضل الجماعة كما يومي اليه إبدال النهي عن الدخول في‌ صحيح ابن مسلم (٤) الآخر أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام بالنهي عن الاعتداد بها ، فقال : « لا تعتد بالركعة التي لم تشهد تكبيرها مع الامام » بل ينبغي القطع به بملاحظة أخبار المشهور هناك ، وصحيح‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٣.

٥٨

ابن مسلم (١) هنا الذي سمعته سابقا فضلا عن غيره من الأخبار الدال على ما نحن فيه بطريق أولى ، كما هو واضح.

نعم لا يعتد المأموم بتلك النية والتكبيرة وذلك السجود عند الأكثر كما في المدارك والذخيرة ، بل في الرياض لا خلاف فيه إلا من ظاهر الشيخ والحلي فإذا سلم الإمام حينئذ لو كان المفروض أنه أدركه في الركعة الأخيرة قام واستأنف الصلاة ( بـ ) نية جديدة وتكبير مستأنف وقيل والقائل الشيخ في ظاهر المحكي عن مبسوطة بل ونهايته والحلي في ظاهر المحكي من سرائره أنه يبني على نيته والتكبير الأول ويتم الصلاة ، وربما مال إليه الأردبيلي ، ولم يرجح في الذكرى في المقام والأول أشبه عند المصنف والفاضل والشهيدين وغيرهم ، لبطلان الصلاة بزيادة الركن التي لا دليل على اغتفارها هنا من نص أو إجماع ، أما الثاني فواضح ، وأما الأول فقد عرفت أنه لا دلالة في النصوص على أزيد من جواز الدخول معه ، بل لعل‌ قوله عليه‌السلام : « ولا تعتد بها » في خبر المعلى بن خنيس (٢) وغيره دال على المطلوب بناء على إرادة الصلاة من الضمير لا الركعة (٣) لكن قد يناقش باغتفار هذه الزيادة للمتابعة ، للأمر بها هنا الذي لا إشكال في استفادة عدم ترتب الفساد بالامتثال عن ظاهره نحو اغتفارها فيمن سبق الامام سهوا ، خصوصا إذا قلنا إن الذي يفعله المأموم مع الإمام في حال السهو إنما هو غير الركوع الصلاتي مثلا ، بل هو واجب للمتابعة خاصة ، وإلا فالركوع الواقع منه أولا هو الركوع الصلاتي ، إذ عليه حينئذ ينحصر اغتفار هذه الزيادة بمراعاة المتابعة ، واحتمال خروج ذلك بالدليل دون المقام كما ترى ، إذ مع قطع النظر عن أدلة المقام يمكن دعوى وضوح عدم الفرق بين المقامين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٣) في النسخة الأصلية « لا إلى الركعة » ولكن الصواب ما أثبتناه.

٥٩

سيما إذا لوحظ خبر حفص (١) الوارد في صلاة الجمعة المشتمل على زيادة السجدتين للمتابعة في غير السهو ، وقد اعترف الشهيد في الذكرى هناك بأنه لا يبعد العمل به لشهرته بين الأصحاب ، وعدم وجود ما ينافيه ، واغتفار الزيادة للمتابعة ، واعتراف الشيخ باعتماد أصله ، فلاحظ.

مضافا إلى استصحاب الصحة في المقام معتضدا بترك الأمر بالاستيناف في مقام البيان في جميع الأخبار السابقة ، خصوصا مع ظهورها في الصحة أو إيهامها ، ضرورة أنه إذا قال له : انو الصلاة وكبر للافتتاح ثم اسجد مع الامام ينساق إلى ذهن كل أحد منها أن ذلك لا فساد فيه للصلاة ، واحتمال الاتكال في ذلك على‌ قوله : « ولا تعتد بها » يدفعه أولا أن إرجاع الضمير إلى الصلاة ليس بأولى من إرجاعه إلى الركعة أو إلى جنس السجدة ، بل لعله هو الظاهر ، وثانيا أن الموجود فيما حضرني من نسخة الوسائل تثنية الضمير ، فيتعين رجوعه حينئذ إلى السجدتين ، ويؤيده أنه رواه في الذكرى كذلك ، ثم قال : فهذا يحتمل عدم الاعتداد بهما من الصلاة وإن كانت النية صحيحة ، ويحتمل عدم الاعتداد بهما ولا بالصلاة ، وعبارة المبسوط كالرواية.

قلت : لا ريب في ظهور الاحتمال الأول من الخبر المزبور على التقدير المذكور دفعا لما يتوهم من إطلاقهم عليهم‌السلام الأمر بالدخول في الجماعة ، والأمر بجعل ما يدركه المأموم مع الإمام أول صلاته ، ويؤيد أن الأصحاب فهموا من عبارة المبسوط الخلاف في المقام ، ونسبوا له القول بالصحة وعدم الاستئناف مع أن عبارته كما سمعته من الذكرى كالرواية ، فالمتجه حينئذ دلالتها على الصحة أيضا ولو لا شعار النهي عن خصوص الاعتداد بهما فيها هنا بذلك أو لغيره.

بل قد يشهد للصحة أيضا استبعاد أو امتناع أمرهم عليهم‌السلام بنية العمل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجمعة ـ الحديث ٢.

٦٠