جواهر الكلام - ج ١٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والإفطار المشعر بالتلازم بين الإتمام والصيام ـ بل في بعض‌ النصوص (١) « هما سواء في ذلك » ـ يمكن منعها بحيث تشتمل ما نحن فيه ، خصوصا بعد إضراب أبي الحسن عليه‌السلام عن الجواب عن الصيام ، واقتصاره على الصلاة في موثق عثمان بن عيسى (٢) المتقدم سابقا المشعر بعدم ذلك في الصوم ، فلاحظ.

ولا يجب التعرض للنية ، بل لو عينها كان له العدول ، فمن نوى الإتمام كان له الاقتصار على الركعتين وبالعكس ، كما عن المصنف في المعتبر التصريح به ، واستحسنه في المدارك ، ولعله لإطلاق الأدلة وعدم توقف صدق الامتثال عليها ، ضرورة عدم كونهما كالظهر والعصر الذين يتوقف تشخيص الفعل لأحدهما على النية كما في سائر الأفعال المشتركة ، وليس ذلك من جهة أن التخيير بين القصر والإتمام من التخيير بين الأقل والأكثر الذي لا يعتبر فيه ذلك ، بل هو كذلك وإن قلنا إنهما ماهيتان مختلفتان ، لإطلاق الأدلة ، إلا أن الانصاف عدم خلوه عن البحث والتأمل ، خصوصا لو أراد العدول بعد الشروع في الثالثة قبل الركوع ، فتأمل.

ومما ذكرنا يظهر أن له الإتمام في الأماكن المزبورة وإن كانت الذمة مشغولة بواجب ، لعدم اندراجه في النهي عن التطوع لمن عليه فريضة قطعا ، فما يحكى عن والد العلامة من المنع لا ريب في ضعفه.

ولو ضاق الوقت إلا عن أربع ركعات فالأحوط والأقوى تعين القصر عليه فيهما ليقع الصلاتان في الوقت ، ويحتمل جواز الإتمام في خصوص العصر (٣) لعموم‌ « من أدرك من الوقت ركعة فقد أدرك الوقت كله » وفيه أن ذلك وإن تحقق به إدراك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب من يصح منه الصوم من كتاب الصوم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المواقيت من كتاب الصلاة.

٣٤١

الصلاة إلا أنه لا يجوز تعمده اختيارا ، لاقتضائه تأخير الصلاة عن وقتها المعين لها شرعا مع التمكن منه ، ومنه ينقدح أنه لا فرق فيما ذكرنا بين ضيق الوقت إلا عن أربع وبين الزائد إذا كان دون الثمان ، كما أنه منه ينقدح أيضا ضعف احتمال الإتمام في العصر خاصة في الفرض السابق ثم قضاء الظهر.

ثم إنه لا يخفى عليك بعد ما سمعت استحباب صلاة نوافل المقصورة في هذه الأماكن كما نص عليه في الذكرى ، قال : « ونقله نجيب الدين بن نما عن شيخه ابن إدريس ، لأنه من إتمام الصلاة والإكثار المأمور به في هذه الأماكن » بل في الذكرى « ولا فرق بين أن يتم الفريضة أولا ، ولا بين أن يصلي الفريضة خارجا عنها والنافلة فيها أو يصليهما معا فيها » ولا بأس به ، لكن الأول لا يخلو من بحث ، والله العالم.

وإذا تعين القصر على المسافر فأتم عالما عامدا أعاد على كل حال في الوقت وخارجه بلا خلاف أجده بل عن الغنية والدروس والمدارك وعن الانتصار والتذكرة وشرح الأستاد الأكبر وظاهر المنتهى والنجيبية والذخيرة الإجماع عليه ، لعدم صدق الامتثال ، إذ القصر عزيمة كما عرفت وللصحيح (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : صليت الظهر أربع ركعات ، وأنا في سفر قال : أعد » والآخر عن زرارة ومحمد بن مسلم (٢) عن الباقر عليه‌السلام قالا « قلنا : فمن صلى في السفر أربعا أيعيد أم لا؟ قال : إن كان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد ، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه » والمروي (٣) عن الخصال « وإن لم يقصر في السفر لم تجز صلاته ، لأنه قد زاد في فرض الله تعالى ».

ولا فرق على الظاهر في الحكم المزبور بين القول بوجوب التسليم أو استحبابه ولذا اتفق الجميع عليه ، ولم يقل أحد منهم بصحة الصلاة هنا بناء على تحقق الخروج من‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٨.

٣٤٢

الصلاة بالفراغ من التشهد الذي هو آخر أجزائها الواجبة ، ولعله لذا استدل بعضهم على وجوب التسليم بما في المقام ، لكن قد يقال به هنا للدليل ، أو أنه بناء على استحباب التسليم لا يتحقق الخروج من الصلاة بمجرد الفراغ ، بل لا بد معه من نية الخروج أو فعل ما به يحصل كالتسليم ، وإلا لصحت الصلاة لوقوع الزيادة خارج الصلاة ، بل قد يقال إنه وإن لم نعتبر قصد الخروج في الفراغ إلا أن المبطل قصد عدم الخروج من الصلاة ، وفي المدارك « الحق أن الصلاة المقصورة إنما تبطل بالإتمام إذا وقعت ابتداء على ذلك الوجه دون ما إذا وقعت على وجه القصر ثم حصل الإتمام بعد الفراغ من الأفعال الواجبة جمعا بين الروايات المتضمنة لهذا الحكم والأدلة الدالة على استحباب التسليم » ولتمام البحث معه مقام آخر ، انما المقصود اتفاق القولين على البطلان هنا.

ولو كان قد أتم صلاته ( جاهلا بـ ) أن حكم المسافر التقصير فلا إعادة ولو كان الوقت باقيا للصحيح (١) السابق وفاقا للأكثر كما في المدارك وغيرها ، بل المشهور كما في الروض وغيره ، بل في الرياض « أن عليه الإجماع في الجملة في ظاهر بعض العبارات » بل حكى المقدس البغدادي الإجماع عليه صريحا ، وربما يؤيده معروفية استثناء هذه المسألة ومسألة الجهر والإخفات من عدم معذورية الجاهل ، كما يومي اليه سؤال الرسي والرضي السيد المرتضى عن وجه ذلك ، قال الأول : أما الوجه فيما تفتي به الطائفة من سقوط فرض القضاء عمن صلى من المقصرين صلاة المتمم بعد خروج الوقت إذا كان جاهلا بالحكم في ذلك ، مع علمنا بأن الجهل بأعداد الركعات لا يصح معه العلم بتفاصيل أحكامها ووجوهها إذ من البعيد أن يعلم بالتفصيل مع جهل الجملة التي هي الأصل ، والإجماع على أن من صلى صلاة لا يعلم أحكامها فهي غير مجزية ، وما لا يجزي من الصلاة يجب قضاؤه » ويقرب منه سؤال الثاني أيضا ، وأجاب المرتضى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٤.

٣٤٣

عنه ـ مقرا لهما على ما يستفاد من كلامهما من كون الحكم مفروغا عنه ـ تارة بأنه يجوز تغير الحكم الشرعي بسبب الجهل وإن كان الجاهل غير معذور ، وأخرى بما يقرب منه أيضا من أن الجهل وإن لم يعذر صاحبه وهو مذموم يجوز أن يتغير معه الحكم الشرعي ويكون حكم العالم بخلاف حكم الجاهل ، وكأنه يريد أن الجاهل هنا أيضا غير معذور بالنسبة للإثم وعدمه وإن كان فعله صحيحا للدليل ، إذ لا بأس بترتيب الشارع حكما على فعل أو ترك للمكلف عاص به ، كما في مسألة الضد التي مبناها أن الشارع أراد الصلاة من المكلف وطلبها منه بعد عصيانه بترك الأمر المضيق الذي هو إزالة النجاسة مثلا ، فهنا أيضا يأثم هذا الجاهل بترك التعلم والتفقه المأمور بهما كتابا (١) وسنة (٢) إلا أنه لو صلى بعد عصيانه في ذلك صحت صلاته للدليل ، فتأمل.

وكيف كان فلا ينبغي التأمل في الحكم المزبور بعد ما عرفت ، فما في الغنية وعن الإسكافي وأبي الصلاح ـ من الإعادة في الوقت دون خارجه ، بل في الأول الإجماع عليه ، لقاعدة عدم معذورية الجاهل التي يجب الخروج عنها بعد تسليم شمولها لما نحن فيه بما عرفت ، ولإطلاق الأمر بها في بعض المعتبرة (٣) التي ستسمعها في الناسي ، وفي الصحيح (٤) ومروي الخصال (٥) السابقين الذي يجب الخروج عنه أيضا بما مر بناء على كون التعارض بينهما بالعموم والخصوص المطلق ، بل وعلى كونه من وجه ، لوضوح رجحانه عليه بالشهرة العظيمة وغيرها التي منها ومن غيرها يعلم ما في دعوى الإجماع السابق ـ في غاية الضعف ، وإن كان ربما قيل إنه قد يظهر من الرسي بل والمرتضى‌

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ١٢٣ وسورة النحل ـ الآية ٤٥.

(٢) أصول الكافي ج ١ ص ٣٠ الباب ١ من كتاب العلم.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٨.

٣٤٤

حيث أقره على ظاهر سؤاله غير منكر عليه ، مع أنه يمكن منعه على مدعيه ، خصوصا بالنسبة للسيد ، إذ مطمح نظره الجواب عن أصل الاشكال ، وأضعف منه ما يحكى عن العماني من الإعادة في الوقت وخارجه لبعض ما مر مما عرفت الحال فيه ، فلا نعيده.

ولا يبعد إلحاق الصوم بالصلاة كما نص عليه في الدروس ، ويقتضيه استدلال الشريف البغدادي على حكم الجاهل بالنسبة إلى الصلاة بصحيح ليث (١) « إذا سافر الرجل في شهر رمضان أفطر ، وإن صام بجهالة لم يقضه » الذي هو الحجة على ما نحن فيه ، ويؤيده في الجملة تلازم القصر والإفطار والصيام والتمام وأنهما سواء ، وإن كان لا يخلو من تأمل ما ، لقاعدة عدم معذورية الجاهل التي اقتصر في الاستثناء منها على المسألتين ، اللهم إلا أن يريدوا بالقصر والإتمام ما يشمل الإفطار والصيام ، ولعله يأتي في الصوم تمام البحث فيه إن شاء الله.

والأحوط بل الأقوى الاقتصار فيما خالف تلك القاعدة المحكي عليها الإجماع في كلام الرضي والرسي والموافقة لظاهر الأدلة على المتيقن ، وهو جهل القصر من أصله كما هو ظاهر الصحيح المزبور بل والفتاوى على ما اعترف به في الروض ، وعن الحدائق أنه المشهور ، وفي الكفاية أنه أنسب بالقواعد ، وعن الذخيرة وشرح الأستاد التصريح باختياره ، دون الجهل ببعض الخصوصيات كمن جهل انقطاع كثرة السفر بإقامة العشرة فأتم ، أو انقطاع سفر المعصية بقصد الطاعة في أثنائه أو نحو ذلك ، لكن توقف في المدارك كما عن نهاية الأحكام ، بل عن مجمع البرهان التصريح بالتسوية بين الجميع في الحكم ، ولعله للاشتراك في العذر المسوغ لذلك ، وهو الجهل ، ول‌ قوله عليه‌السلام في الصحيح (٢) المزبور : « وفسرت له » إذ قد يقال باندراج ذلك كله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب من يصح منه الصوم ـ الحديث ٦ من كتاب الصوم.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٤.

٣٤٥

في غير المفسر الذي يعذر فيه بمقتضى المفهوم.

بل قد يندرج فيه أيضا الجاهل يكون المسافة الموجبة للقصر الثمانية أو الأربعة مع الرجوع ليومه ونحو ذلك ، إلا أنه لا ريب في أن الأحوط إن لم يكن الأقوى الأول كما أنه كذلك أيضا لو انعكس الفرض بأن صلى من فرضه التمام لإقامة ونحوها قصرا جاهلا بالحكم فضلا عن أن يكون عالما لما عرفت ، وفي الروض وعن الحدائق أنه المشهور ، بل ربما كان ظاهر جميع الأصحاب أيضا حيث اقتصروا في بيان المعذورية على الأولى التي لا يلزم منها المعذورية هنا قطعا ، إذ لعل العذر هناك من جهة أصالة التمام ومعروفيته بخلافه هنا ، خلافا للمحكي عن جامع ابن سعيد فالصحة وعن مجمع البرهان نفي البعد عنها ، ولعله لإطلاق استثنائهم الجهل بالقصر والإتمام من القاعدة ، وللاشتراك في العلية ول‌ صحيح منصور (١) عن الصادق عليه‌السلام « إذا أتيت بلدة وأزمعت المقام بها عشرة فأتم الصلاة ، وإن تركه رجل جاهلا فليس عليه الإعادة » وخبر محمد بن إسحاق (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام في الامرأة التي صلت المغرب ركعتين في سفرها قال : « ليس عليها قضاء ».

بل منه ينقدح حينئذ أنه لا فرق هنا في ذلك بين ما يصح قصره وما لا يصح كما عن بعض مشايخ المحدث البحراني ، مع أن في الدروس الإجماع على الإعادة في قصر الثانية ، بل قد يقال بقصور هذا الخبر لشذوذه كما اعترف به في الدروس ، بل عن عن الشيخ (ره) الذي هو رواه ذلك أيضا ، بل عن شرح الأستاد ذلك أيضا ناسبا له إلى الأصحاب عن تخصيص القاعدة والأخبار المتواترة الدالة على تثليث المغرب ولفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام وإجماع المسلمين أو ضرورتهم على ذلك ، وعلى أنه لا قصر فيها ، بل قد يقال بقصور الصحيح (٣) الأول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٧.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٣.

٣٤٦

أيضا عن تخصيص القاعدة أيضا ، لقلة المفتي به ، إذ لم يحك إلا عن ابن سعيد وبعض متأخري المتأخرين ، بل ربما احتمل عود الضمير فيه الى القصر للمسافر وإن لم يكن مذكورا فيه كما في الروض ، وإن كان هو كما ترى ، لكنه قد يقال هو ـ على كل حال بعد ما عرفت ـ من الشواذ التي لا يعمل بها في نفس مضمونها فضلا عن أن يتعدى منه الى غيره ، خصوصا ما يحكى عن يحيى أيضا من أنه ألحق به ناشئ الإقامة في عدم الإعادة ، وإن كان قيل إنه لم يوافقه عليه أحد ، هذا.

وفي المسالك لو أتم لجهله بالمسافة فلا إعادة مطلقا ، لاقتضاء الأمر الناشي من الأمر بالاستصحاب الاجزاء ، مع احتمالها في الوقت كما عن الجعفرية وشرحها ، لعدم الإتيان بالمأمور به واقعا ، وهو أحوط ، نعم لا قضاء عليه خارج الوقت وإن فرط في الفحص لعدم صدق اسم الفوات ، كما أنه يجب عليه أن يقصر على القولين بعد تجدد العلم وإن نقص الباقي عن المسافة ، والله أعلم.

وأما إن كان ناسيا أعاد في الوقت ، ولا يقضي إن خرج الوقت كما هو المشهور ، بل في الرياض أن عليه عامة من تأخر ، بل عن كشف الرموز لا أعلم فيه مخالفا إلا ابن أبي عقيل ، بل في السرائر وظاهر الغنية وعن الخلاف والانتصار وظاهر المعتبر والتذكرة الإجماع عليه ، بل في الأول أن الأخبار به متواترة ، وعليه العمل والفتوى من فقهاء آل الرسول ( عليهم الصلاة والسلام ) وهو الحجة بعد شهادة التتبع له في الجملة ، مضافا الى القاعدة بالنسبة إلى الوقت ، وعدم صدق اسم الفوات بالنسبة إلى خارجه ، وخبر أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام المنجبر بعد تسليم احتياجه بما عرفت بالنسبة إليهما معا « سألته عن الرجل ينسى فيصلي في السفر أربع ركعات قال : إن ذكر في ذلك اليوم فليعد وإن لم يذكر حتى يمضي ذلك اليوم فلا » ‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٢.

٣٤٧

والظاهر الكناية عن الوقت باليوم ، كما يومي اليه مضافا الى الفتاوى‌ صحيح العيص (١) المنزل على الناسي قطعا ، مع أنه يكفينا إطلاقه بحيث يشمل ما نحن فيه ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى وهو مسافر فأتم الصلاة قال : إن كان في وقت فليعد ، وان كان الوقت قد مضى فلا ».

فما عن الصدوق ووالده والعماني والشيخ في المبسوط وقواه في الدروس على القول بوجوب التسليم بل عن ظاهر المنتهى التوقف من جهته ـ من القول بالإعادة مطلقا للأصل فيهما ، وإطلاق الأمر بالإعادة في الصحيح السابق الذين يجب الخروج عن أولهما وتقييد الثاني منهما بما هنا ـ ضعيف جدا ، على أن المحكي عن الصدوق في المقنع والفقيه التعبير بما في خبر أبي بصير (٢) الذي سمعت ما قلناه فيه ، لا أقل من إرادة نفس البياض من اليوم في كلامه ، فلا تعرض فيه للفائت ليلا كي يخالف الأصحاب ، ولعله اتكل على عدم القول بالفصل كالمحكي عن العماني من ذكر العشاء خاصة فيما نحن فيه ، بل لو أريد من اليوم ما يشمل الليل والنهار لم يكن مخالفا للأصحاب في صلاة الظهرين أيضا إن أريد الليلة الماضية ، بل وإن أريد الليلة المستقبلة لم يكن مخالفا في العشاء بناء على استمرار وقتها للصبح.

على انه قد يشهد للأول ـ مضافا الى تعبيره كالعماني بلفظ الإعادة التي من المعروف إرادة ما لا يشمل القضاء منها ـ غلبة فتواه كوالده بمضمون‌ الفقه الرضوي ، والموجود فيه (٣) على ما قيل « وإن كنت صليت في السفر صلاة تامة فذكرتها وأنت في وقتها فعليك الإعادة ، وإن ذكرتها بعد خروج الوقت فلا شي‌ء عليك » كما أن الموجود في المبسوط « ومن مشى في السفر فصلى صلاة مقيم لم تلزمه الإعادة إلا إذا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٢.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٢.

٣٤٨

كان الوقت باقيا فإنه يعيد » وهي نصة في موافقة الأصحاب ، فتتفق الكلمة حينئذ ، وينعقد الإجماع فمن العجيب نسبة الخلاف اليه من المختلف ومن تأخر عنه ، وكأنه لما وقع له بعد هذه العبارة بيسير جدا ، وهو « من سهى فصلى أربعا بطلت صلاته ، لأن من قال من أصحابنا بأن كل سهو يلحق في صلاة السفر يوجب الإعادة فظاهر ، ومن لم يقل فقد زاد فيه فعليه الإعادة » لكنك خبير بإمكان تنزيله على الأول ، خصوصا بعد معروفية لفظ الإعادة فيما لا يشمل خارج الوقت ، ولا ينافيه ذكره البطلان أولا لاحتمال ارادته منه حينئذ مع الذكر في الوقت ، بل يمكن إرادته البطلان على كل حال وإن سقط القضاء عنه عفوا للدليل لو علم خارج الوقت لا للحكم بصحة ما فعله الذي لم يوافق الأمر في الواقع ، وبإمكان تنزيله على شي‌ء آخر ستسمعه ، فتأمل جيدا.

وإن أبيت عن ذلك كله فهو محجوج بما عرفت ، بل لعل مثله غير قادح في إمكان تحصيل الإجماع ، فتقويته له في الدروس في غير محلها ، كتوقف الفاضل في ظاهر المنتهى كما سمعتهما ، نعم عن الذكرى « أنه يتخرج على القول بأن من زاد خامسة في الصلاة وكان قد قعد مقدار التشهد تسلم له صحة الصلاة لأن التشهد حائل بين ذلك وبين الزيادة » واستحسنه في الروض ، بل قال : « إنه كان ينبغي لمثبت تلك المسألة القول بها هنا ، ولا يمكن التخلص من ذلك إلا بأحد أمور إما بإلغاء ذلك كما ذهب إليه أكثر الأصحاب ، أو القول باختصاصه بالزيادة على الرابعة كما هو مورد النص هناك ، ولا يتعدى الى الثلاثية والثنائية ، فلا يتحقق المعارضة هنا ، أو اختصاصه بزيادة ركعة لا غير كما ورد به النص هناك ، ولا يتعدى الى الزائد كما عداه بعض الأصحاب ، أو القول بأن ذلك في غير المسافر جمعا بين الأخبار ، لكن يبقى سؤال الفرق مع اتحاد المحل » قلت : أو التزام اختلاف موضوع المسألتين إذا فرض ما نحن فيه فيمن نسي أنه مسافر فقصد التمام من أول الأمر بخلاف تلك التي ظن عدم حصول ما نواه‌

٣٤٩

منه فيها فزاد في صلاته سهوا أو سهى ولم يتنبه حتى فعل الخامسة ، بل قد يفرق بينهما أيضا بناء على فرض المسألة أيضا فيمن قصد القصر إلا أنه سهى عنه في الأثناء فقام الى التمام بظهور الوحدة حينئذ هنا أي أنها صلاة واحدة بخلافه في تلك ، نعم قد يحتاج الى التزام بعض الوجوه المزبورة لو فرض أنه قام سهوا غير متنبه ، أو انه تخيل نقصان المقصورة التي قصدها ابتداء فبان الزيادة ، وهما معا خلاف ظاهر فرض الأصحاب للمسألة كالمصنف وغيره مما هو ظاهر في قصده التمام لنسيان السفر ، بل لعله ظاهر النص أيضا ، بل قد تحمل عبارة المبسوط الثانية التي تخيل منها خلافه على هذا الفرض الذي ليس عند الأصحاب.

ومن ذلك يعلم ما في المدارك حيث قال بعد أن حكى ما سمعته عن جده : « ولا يخفى عليك بعد الإحاطة بما قررناه في تلك المسألة ضعف هذه الطرق ، وأنها غير مخلصة للإشكال ، والذي يقتضيه النظر أن النسيان والزيادة إن حصلا بعد الفراغ من التشهد كانت هذه المسألة جزئية من جزئيات من زاد في صلاته ركعة فصاعدا بعد التشهد نسيانا ، وقد بينا أن الأصح ان ذلك غير مبطل للصلاة مطلقا لاستحباب التسليم ، وإن حصل النسيان قبل ذلك بحيث أوقعها كلها أو بعضها على وجه التمام اتجه القول بالإعادة في الوقت دون خارجه ، كما اختاره الأكثر لما تقدم » انتهى ، وفيه مواضع للنظر ، خصوصا بعد الوقوف على ما تقدم لنا في تلك المسألة ، وخصوصا بعد ما عرفته في هذه المسألة من أنها إجماعية منصوصة ، فلا وجه لجعلها من جزئيات تلك المسألة ، بل لو سلم له ذلك كان المتجه استثناؤها منها كما ذكره جده ، وكيف كان فالخطب سهل عندنا بعد عدم القول في تلك المسألة بذلك ، والله أعلم.

ولو قصر المسافر اتفاقا لا بقصد التقصير إما لجهله بأن حكم المسافر التقصير أو لغير ذلك لم تصح صلاته بلا خلاف أجده فيه بين من تعرض له ، لأنه قد‌

٣٥٠

صلى صلاة يعتقد فسادها ، وأنها غير المأمور بها ، بل لم تكن مقصودة بحال ولا لاحظ فيها التقرب ، وبالجملة ما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد وأعاد حينئذ قصرا في الوقت لأصالة الشغل وعدم صدق الامتثال كما هو واضح ، ولا ينافي ذلك القول بصحة عبادة الجاهل مع مطابقتها للواقع وحصول التقرب منه ، ولذا لم يحلها أحد ممن تعرض لها على تلك المسألة عدا المقدس البغدادي ، ضرورة كون موضوع تلك المسألة قصد الفعل للجاهل ، لا أنه وقع منه اتفاقا من غير قصد ، بل كان المقصود خلافه كما نحن فيه.

ولو علم خارج الوقت ففي القضاء إتماما أو قصرا وجهان ينشئان مما ستسمعه ، وربما احتمل أن المراد من نحو ما في المتن الجاهل ببلوغ مقصده مسافة فقصر ثم علم أنه مسافة ، فإنه أيضا تجب عليه الإعادة في الوقت قصرا ، لأن فرضه الإتمام قبل العلم ، فلم يكن مأمورا بالقصر كي يصح ما فعله مما هو موقوف على موافقة الأمر ، وكونه في الواقع مأمورا بالقصر مع أنه غير عالم به بل كان عالما خلافه غير مجد ، ولذا لو أتم ثم علم المسافة لم يجب عليه الإعادة لقاعدة الاجزاء ، وفيه أولا أن المتجه فيه الصحة إذا فرض في حال يمكن وقوع نية التقرب بالقصر منه ، وثانيا لفظ الاتفاق في العبارة ظاهر في خلافه ، إذ جعله قيدا للمسافر على معنى اتفاق أنه مسافر لأن مقصده بالغ المسافة خلاف المراد من مثل العبارة المزبورة قطعا ، اللهم إلا أن يقال بعدم توقف الوجه المزبور على ذلك ، بل يمكن عليه أيضا رجوع القيد الى القصر على معنى اتفاق وقوع القصر منه من غير قصد له ، بأن نسي إرادة التمام في صلاته فسلم على ركعتين مثلا ثم علم بلوغ مقصده المسافة ، وفيه أنه حينئذ راجع الى الوجه الأول وإن كان مبناه الجهل بالحكم ، ومبنى هذا الجهل بالموضوع ، ولذا جمعهما في التذكرة والنهاية على ما حكي عنهما ، فقال : ولو قصر المسافر اتفاقا من غير أن يعلم وجوبه أو جهل المسافة فاتفق أن كان الفرض ذلك لم نجزه ، فتأمل جيدا ، هذا كله لو علم بان مقصده مسافة في الوقت ، أما لو علم‌

٣٥١

بذلك خارج الوقت ففي القضاء قصرا أو تماما وجهان ينشئان من حصول سبب القصر في الواقع وإن لم يكن عالما به ، فهو الفائت في الحقيقة ، ومن أنه مكلف بالتمام ، ومن فاتته فريضة فليقضها كما فاتته ، قال في الذكرى : « وهذا مطرد فيما لو ترك الصلاة أو نسيها ولم يكن عالما بالمسافة ثم تبين المسافة بعد خروج الوقت ، فان في قضائها قصرا أو تماما الوجهين » الى آخره.

ويقوى في النظر الأول ، لأن المخاطب به في الواقع وفي اللوح المحفوظ القصر ، فهو الذي فاته ، وإن كان هو لو صلى تماما في ذلك الوقت كان معذورا ، خلافا للذكرى فقوى الثاني ، بل اختاره المقدس البغدادي معللا له بأنه لم يخاطب إلا بالتمام ، لأن جهله انما كان بالموضوع لا بالحكم الذي كان خطاب الجاهل به في الواقع القصر وان عذر في اعتقاده ، ضرورة الفرق بين الجهل بالحكم والجهل بالموضوع ، وهو كما ترى ، خصوصا بعد ما عرفت سابقا من معذورية الجاهل بالقصر هنا بحيث لو صلى تماما ثم علم بعد ذلك لم يكن عليه الإعادة ، فكان التكليف بالقصر في الحقيقة من مقومات موضوعه علم المكلف به ، فهو أولى بالواقعية المزبورة من الجهل بالموضوع الذي يمكن منع الاجتزاء فيه بما يقع منه من التمام لو تبين له في الوقت كون المقصد مسافة مثلا كما سمعته سابقا في الشرائط ، وقاعدة الإجزاء قد ذكرنا غير مرة أن موردها الأمر في الواقع لا تخيل الأمر كما في الفرض.

فالأقوى القضاء قصرا في المسألتين ، لأنه الفائت في الحقيقة ، ولأن القضاء ليس في الحقيقة إلا توسعة في وقت الفعل بدليل غير دليل الأداء ، فهو في الحقيقة كمن علم في الوقت قبل أن يصلي ، وقوله عليه‌السلام : « كما فاتته » يراد منه كيفيات الفعل التي قررها الشارع له في الواقع لا بحسب زعم المكلف ، فتأمل هذا.

وربما فسرت العبارة ونحوها بمن نوى الصلاة تماما نسيانا ثم نسي وسلم على‌

٣٥٢

ركعتين ثم ذكر فإنه يعيد قصرا في الوقت وخارجه ، لعدم نية ما هو فرضه ظاهرا وباطنا ، بل نوى التمام الذي هو خلافه ، وفيه أنه بناء عليه تندرج فيما ذكرناه من التفسير أيضا ، إلا أنه قد يناقش في وجوب الإعادة عليه بأن نية الإتمام سهوا مع عدم وقوع غير القصر منه لا تؤثر بطلانا بل تكون لغوا ، ولذا لو ذكر قبل التسليم مثلا فسلم صحت صلاته قصرا بلا كلام كما اعترف به المقدس البغدادي ، ومنه استوجه عدم الإعادة تبعا للذكرى حيث قواه ، ويؤيده أن القصر والإتمام ليسا من مقومات الفعل حتى يجب نيتهما ، ولا تعدد لما في الذمة حتى يجب تشخيصه بذلك ونحوه ، وهو لا يخلو من وجه ، إلا أن الأحوط الإعادة.

هذا كله لو وقع القصر منه اتفاقا من غير قصد ، أما لو قصده مع علمه بأن تكليفه الإتمام فلا ريب في البطلان وإن طابق الواقع ، لعدم تصور نية التقرب منه بعد فرض قصده العصيان بفعل التقصير ، ومن الواضح أن ذلك غير مفروض المتن ونحوه ، ولذا نص عليهما معا بعضهم كما قيل معللا للبطلان في الأولى باعتقاد فساد الصلاة ، وللثانية باعتقاد المعصية ، وهما متغايران ضرورة ، لكن قيل إنه ربما اشتبه على بعض الناس المسألتان ، وهو غريب بعد التصريح في الأولى باتفاقية القصر ، وفي الثانية بتعمده ، والله أعلم.

وإذا دخل الوقت وهو حاضر متمكن من فعل الصلاة وقد مضى من الوقت ما يسعها جامعة للشرائط ثم سافر أي تجاوز محل الترخص والوقت باق قيل والقائل الصدوق في المقنع ، والعماني على ما حكي عنهما واختاره الفاضل في المختلف والإرشاد والشهيدان في الدروس وظاهر الروض ، بل في الأخير أنه المشهور بين المتأخرين يتم بناء على اعتبار وقت الوجوب ، وقيل والقائل المفيد والمرتضى والشيخ في موضع من المبسوط والتهذيب على ما حكي عنهم وعن كثير من المتأخرين ،

٣٥٣

بل في الرياض أنه الأشهر ، بل في ظاهر السرائر أو صريحها الإجماع عليه يقصر اعتبارا بحال الأداء ، وقيل والقائل الشيخ في الخلاف على ما قيل يتخير بينهما جمعا بين الأدلة وقيل كما عن الشيخ في نهايته والصدوق في فقيهه يتم مع السعة ويقصر مع الضيق ولا ريب أن القول بـ ( التقصير أشبه ) الأقوال ، للإجماع السابق المعتضد بالشهرة المحكية إن لم تكن محصلة ، وباعتبار حال الأداء في المسألة الآتية عند المخالف هنا مثل الفاضل والشهيد وغيرهما المقتضي لاعتباره هنا أيضا ، فتأمل ، وبقاعدة القصر على المسافر والإتمام على الحاضر ، وبإطلاق أدلة التقصير للمسافر كتابا وسنة المقطوع بشمولها للفرض ، ضرورة كونه مسافرا حال الأداء ، واحتمال إرادة المسافر حال الوجوب من ذلك الإطلاق ـ فلا يشمل حينئذ ، بل يبقى على مقتضى إطلاق الإتمام على الحاضر المراد منه حال الوجوب أيضا ـ لا ينبغي أن يصغى إليه ، للقطع بانصراف قولهم عليهم‌السلام : الحاضر يتم والمسافر يقصر إلى إرادة الحضور والسفر حال أداء الصلاة لتحقق الموضوع الذي رتب الشارع الحكمين عليه ، بل هو حقيقة في نحو ذلك ، فلو أريد منه من كان حاضرا أو مسافرا في الزمن السابق على زمن صدور الفعل كان مجازا قطعا كما هو واضح.

والمعتضد أيضا بخصوص‌ صحيح إسماعيل بن جابر (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يدخل علي وقت الظهر وأنا في السفر فلا أصلي حتى أدخل أهلي فقال : صل وأتم الصلاة ، قلت : فدخل علي وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر فلا أصلي حتى أخرج فقال : فصل وقصر ، فان لم تفعل فقد خالفت الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وصحيح محمد بن مسلم (٢) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام الرجل يريد السفر فيخرج حين تزول‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة المسافر الحديث ـ ٢ مع الاختلاف اليسير.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة المسافر الحديث ـ ١.

٣٥٤

الشمس قال : إذا خرجت فصل ركعتين » وخبر الوشاء (١) المنجبر بما سمعت ، قال : « سمعت الرضا (ع) يقول : إذا زالت الشمس وأنت في المصر وأنت تريد السفر فأتم ، وإذا خرجت بعد الزوال قصر العصر » بناء على إرادة الإتمام منه في المصر ، والرضوي (٢) « فإن خرجت من منزلك وقد دخل عليك وقت الصلاة في الحضر ولم تصل حتى خرجت فعليك التقصير ، وان دخل عليك وقت الصلاة في السفر ولم تصل حتى تدخل أهلك فعليك التمام ».

والمناقشة في الجميع باحتمال إرادة الخروج قبل مضي زمان يسع الصلاة وما تحتاجه من الشرائط كي يتحقق الوجوب الذي هو شرط الإتمام في السفر عند الخصم ، بل يمكن دعوى أن ذلك هو ظاهر بعضها يدفعها ـ مع عدم التصريح بالشرط المزبور في كلام بعضهم ، بل ربما كان مقتضى ما تسمعه من بعض أدلتهم عدمه ، نعم ذكره الشهيدان منهم ، وربما كان ظاهر غيرهما أيضا ـ أن مجرد الاحتمال لا يدفع الاستدلال بالظواهر من الإطلاقات ونحوها ، خصوصا إذا انضم إليها ترك الاستفصال ونحوه ، وخصوصا إذا كان الفرد الغالب من المطلق هو المطلوب كما في المقام ، ضرورة غلبة سعة الوقت للصلاة مع فرض دخول الوقت عند أهله باعتبار عدم خطابه بالتقصير حتى يتجاوز محل الترخص ، وقبله يصلي تماما ، فهو الى أن يتجاوزه يسع الصلاة وأزيد قطعا.

ومعارضة ذلك كله باستصحاب التمام أو إطلاق أدلة وجوبه على الحاضر الشامل لمثل الفرض ـ ضرورة عدم تقييد الوجوب بما إذا لم يسافر ، وبأصالة التمام في الفريضة المستفاد من إطلاق الأدلة المقتصر في الخروج عنه على المتيقن من المسافر الذي لم يستقر وجوب التمام عليه ، وبأنه كالحائض والمغمى عليه ونحوهما من ذوي الأعذار الذين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة المسافر الحديث ١٢.

(٢) المستدرك الباب ١٥ من أبواب صلاة المسافر الحديث ١.

٣٥٥

يجب عليهم القضاء إذا طرأ العذر بعد مضي ما يسع الصلاة ولم يفعلوا ، لاشتراك الجميع في طرو العذر وإن كان هو فيما نحن فيه يقتضي سقوط الركعتين ، وفي تلك يقتضي سقوط الصلاة من رأس ، فكما هو لم يؤثر هناك بعد الاستقرار المزبور لم يؤثر هنا ، وبأنه لو وجب القصر هنا في الأداء لوجب في القضاء عند القوات ، وليس فليس ، وبأنه لو وجب القصر لوجب الإفطار ، ضرورة تلازمهما ، وليس فليس ، وبأنه لو فرض شروعه في الصلاة قبل تحقق اسم السفر عليه حتى صار كذلك وهو في أثنائها كما إذا كان في سفينة أو راحلة لم يكن إشكال في وجوب إكماله الصلاة تماما ، لأنها على ما افتتحت ، فكذا هنا ، لعدم الفصل بين الصور ، وب‌ صحيح ابن مسلم (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق فقال : يصلي ركعتين ، وإن خرج الى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا » ونحوه‌ خبره الآخر (٢) وخبر بشير النبال (٣) « خرجت مع أبي عبد الله عليه‌السلام حتى أتينا الشجرة فقال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : يا نبال قلت : لبيك ، قال : إنه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلي أربعا غيري وغيرك ، وذلك ، انه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج » والموثق (٤) عن الصادق عليه‌السلام أيضا قال : « سئل إذا زالت الشمس وهو في منزله ثم يخرج في سفره قال : يبدأ بالزوال فيصليها ثم يصلي الأولى بتقصير ركعتين ، لأنه خرج من منزله قبل أن تحضره الأولى ، وسئل فإن خرج بعد ما حضرت الأولى قال : يصلي أربع ركعات ثم يصلي بعد النوافل ثمان ركعات ، لأنه خرج من منزله بعد ما حضرت الأولى ، فإذا حضرت العصر صلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ـ الحديث ١.

٣٥٦

العصر بتقصير ، وهي ركعتان لانه خرج في السفر قبل أن يحضر العصر » ـ ضعيفة جدا إذ الاستصحاب ـ مع إمكان منع جريانه في نحو المقام باعتبار أن الذي يجب في أول الوقت انما هو كلي الصلاة لا شخصها ، ويتخير المكلف في الإيقاع في أي جزء شاء من الزمان الموسع على حسب ما يقتضيه تكليف ذلك الجزء بخصوصه وضوء أو تيمما أو جلوسا أو اضطجاعا ونحو ذلك ، نعم في بعضها لا يجوز للمكلف نقل حاله اليه اختيارا ، وبعضها يجوز كما في المقام ، إذ لا ريب أن التخيير في الشي‌ء تخيير في لوازمه ، ولذا قيل إنه يستفاد بدلالة الإشارة من التوسعة في الوقت ومما دل على إباحة السفر مطلقا تخيير المكلف في الصلاة بين الإتمام بأن يصليها وهو حاضر وبين القصر بأن يسافر فيصليها كذلك ، كدلالة الآيتين (١) على أقل الحمل ـ مقطوع بما سمعت من الأدلة السابقة ، وكذا إطلاق أدلة التمام التي استفيد منها أصالته بعد الغض عن المناقشة فيه ، وأما إطلاق أدلة وجوبه على الحاضر فقد عرفت وضوح عدم شمولها للمقام ، ومع التسليم فهو معارض بمثله ، ومقيد بما عرفت ، والفرق بين المقام وبين الحائض والمغمى عليه في غاية الوضوح ، فقياسه حينئذ عليهما مع حرمته مع الفارق ، كوضوح منع الإتمام في القضاء ، إذ هو تابع للكلام في الأداء ، ولو سلم لفرض دليل يدل على اعتبار القضاء بحال الوجوب دون الأداء فلا ينبغي قياس المقام عليه أيضا ، كما أن عدم وجوب الإفطار للدليل وإن كان هو مسافرا لا يستلزم عدم القصر الواجب على المسافر ، ولذا وجب القصر عليه باعتراف الخصم دون الإفطار إذا فرض سفره حين الزوال بحيث لم يمض منه مقدار أداء الصلاة ، أو في وقت اختصاص الظهر دون العصر ، وكذا لا تلازم بين الإتمام في الفريضة التي تحقق السفر في أثنائها وبين المقام ، إذ لعله لاشتراط القصر بسبق تحقق السفر على افتتاح الصلاة ، مع أنه يمكن منع الأصل إذا فرض تحقق‌

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية ٢٣٣ ، وسورة الأحقاف ، الآية ١٤.

٣٥٧

السفر في الأثناء قبل أن يتجاوز محل القصر ، لانتقال تكليفه حينئذ مثل من نوى الإقامة في أثناء الصلاة أو رجع عنها كذلك ، فتأمل ، كما أنه يمكن النقض بالعكس فيما افتتح الصلاة على القصر ثم صار حاضرا في أثنائها ، فإن المتجه حينئذ على مذاق الخصم القصر ، لأن الصلاة على ما افتتحت عليه ، مع أنه لا يلتزم القول بالقصر إذا اتصف بالحضور قبل الشروع في الصلاة ، فيعلم عدم التلازم بين المسألتين.

وصحيح ابن مسلم ـ مع قصوره عن معارضة ما تقدم من الأدلة من وجوه ، منها الشهرة والموافقة للإطلاقات ، خصوصا مع اضطراب سنده ومتنه في الجملة بالنسبة إلى رواية التهذيب له ـ محتمل لإرادة الصلاة أربعا في البلد عند إرادة الخروج الى السفر أو قبل تجاوز محل الترخص ثم يسافر ، إذ يصدق عليه حينئذ أنه خرج الى سفره ، كخبره الآخر ، وأما خبر بشير النبال فهو ضعيف السند لا يصلح لمعارضة بعض ما عرفت فضلا عن جميعه ، خصوصا مع احتماله الحمل على التقية كسابقه كما في الرياض ، والموثق ـ مع قصوره عن المقاومة أيضا ـ لا ينطبق على المختار عندنا من دخول وقت الظهر بمجرد الزوال واشتراكها مع العصر بما بعد وقت الاختصاص ، أو مطلقا على القولين.

ومن ذلك كله تعرف ما في المحكي عن بعض أفاضل المتأخرين من التوقف وعدم الترجيح معللا له بتعارض الصحيحين واحتمال كل منهما الحمل على الآخر ، إذ لا يخفى عليك رجحان حمل هذا الصحيح على الأول للشهرة والإجماع المحكي والموافقة للعمومات والإطلاقات ، وأقربية التصرف فيه من التصرف في الأول ، إذ غايته صرف الأمر فيه بالتقصير إلى صورة الخروج من البلد بعد دخول الوقت من غير مضي مقدار الصلاة بالشرائط كما سمعته سابقا ، وهو في غاية البعد ، لأن الخروج الى محل الترخص بعد دخول الوقت في المنزل كما هو نص مورده يستلزم مضي وقت الصلاتين بل وأكثر ، ولا أقل من أحدهما قطعا ، مع أنه عليه‌السلام أمر بالقصر من غير استفصال عن مضي‌

٣٥٨

مقدارهما أو أحدهما ، مع أن قوله فيه : « فلا أصلي حتى أخرج » كالصريح في تمكنه من الصلاة قبل الخروج ، مع أن تأكيد الحكم بالقسم على تقديره يلغو عن الفائدة الظاهرة منه ، وهي رفع ما يتوهم من وجوب التمام أو جوازه ، إذ هو ليس محل توهم لأحد حينئذ بخلافه على الظاهر ، ولعله لذا اعترف الفاضل المذكور فيما حكي عنه بأن هذا الصحيح أقبل للتأويل من ذلك على أن المراد ( من ظ ) خرج من سفره أشرف عليه لا الخروج حقيقة ، وهو كما ذكره.

وكذا تعرف من ذلك كله ما في القول بالتخيير مع استحباب التمام الذي منشئه دعوى تعارض الأدلة وتكافئها الموجب للعمل بها جميعا على التخيير ، خصوصا مع ورود‌ صحيح منصور (١) بذلك في المسألة الثانية ، قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا كان في سفره فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتى يدخل أهله فإن شاء قصر وإن شاء أتم ، والإتمام أحب إلى » لمنع التكافؤ أولا كما هو واضح ، وصراحة بعض (٢) تلك الأخبار السابقة في نفي التخيير مع استحباب التمام كالحلف بالله ونحوه ثانيا ، وكون الخبر المزبور في المسألة الثانية لا فيما نحن فيه ولا تلازم بينهما ، مع أن معارضة بالنسبة إليها أكثر مما هنا عددا وأقوى دلالة ، ولذا راعى فيها حال الأداء من قال بمراعاة حال الوجوب هنا ، لاستفاضة الروايات هناك بانقطاع حكم السفر بالوصول الى المنزل ، وأنه يقصر حتى يدخل أهله ، فطرحه حينئذ بالنسبة إليها متعين ، خصوصا مع إمكان القدح بصحة سنده ، واحتماله كما قيل الحمل على التقية لأنه مذهب بعض العامة.

وأما القول بالتفصيل المزبور جمعا بين الأدلة بشهادة‌ الموثق (٣) « سمعت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٦.

٣٥٩

أبا الحسن عليه‌السلام يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال : إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتم ، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر » ونحوه خبر الحكم بن مسكين (١) فهو ـ مع أن التأمل في تلك الأدلة يشرف الفقيه على القطع بعدمه ، وضعف سند الثاني منهما ـ مدفوع بأنه لا شهادة في شي‌ء منهما على ذلك لاحتمالهما أو ظهورهما في إرادة الضيق والسعة بالنسبة للدخول وعدمه على معنى أنه إن وسع الوقت للدخول فليدخل ويتم ، وإلا فليصل قصرا قبل الدخول وهو مسافر ، كما في‌ صحيح ابن مسلم (٢) عن أحدهما عليهما‌السلام « في الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلاة فقال : إن كان لا يخاف أن يخرج الوقت فليدخل فليتم ، وإن كان يخاف أن يخرج الوقت قيل أن يدخل فليصل وليقصر » فهما بالدلالة على خلاف المطلوب أولى ، فلا جهة لتحكيمهما على تلك الأدلة كما هو واضح ، لكن ومع ذلك فالاحتياط بالجمع بين القصر والإتمام مما لا ينبغي تركه في مثل المقام المعلوم شغل الذمة به ، ومن الغريب ما في المختلف من الاستدلال على مختاره بأنه أوفق في الاحتياط من القصر ، لأنه إذا جاء به برئت ذمته قطعا بخلافه لو قصر ، وهو كما ترى ، إذ من الواضح أن الاحتياط بالجمع بينهما لا بفعل التمام وحده ، إذ ليس هو قصرا وزيادة. والله أعلم.

وكذا الخلاف لو دخل الوقت وهو مسافر فحضر بعد مضي زمان يسع الصلاة والوقت باق ولكن المشهور هنا بين الأصحاب نقلا وتحصيلا أن الإتمام هنا أشبه اعتبارا بحال الأداء ، حتى أن مثل العلامة والشهيدين ممن اعتبر حال الوجوب هناك قال هنا باعتبار حال الأداء ، بل اكتفى في ثبوته بسعة الوقت لإدراك الركعة من الفريضة مع الشرائط ، وهو كذلك ، وان كان ليس له فعل ذلك اختيارا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٨.

٣٦٠