جواهر الكلام - ج ١٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فلا يضر التردد ، ومن اختلال القصد ، وتوقف في الذكرى » انتهى.

والمراد بالتردد في المتن وغيره عدم العزم على الإقامة ، فيندرج فيه العازم على السفر غدا مثلا فحصل له مانع عن ذلك حتى مضى له الثلاثون ، كما لا يخفى على من لاحظ النصوص في المقام بل والفتاوى مع التأمل التام.

ولو نوى الإقامة ثم بدا له فعدل عنها قبل أن يصلي فريضة تماما رجع الى التقصير لأصالته التي ينبغي الاقتصار في الخروج عنها على المتيقن الذي هو غير المفروض قطعا ، خصوصا بعد ملاحظة نفي الخلاف فيه من الرياض وعن الذخيرة والحدائق ، بل الإجماع من المدارك وعن المصابيح عليه وعلى انه لو صلى صلاة واحدة بنية الإتمام لم يرجع كنفي الخلاف فيه أيضا ، بل في الرياض أن عليه الإجماع في عبارة جماعة ، بل لا يبعد تحصيل الإجماع عليه ، لانه كما في مفتاح الكرامة لم يختلف فيه اثنان ، مضافا الى‌ الصحيح (١) عن أبي ولاد الحناط قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اني كنت نويت حين دخلت المدينة أن أقيم بها عشرة أيام فأتم الصلاة ثم بدا لي بعد أن لا أقيم بها فما ترى لي أتم أم أقصر؟ فقال إن كنت دخلت المدينة وصليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصر حتى تخرج عنها ، وإن كنت دخلتها على نيتك المقام فلم تصل فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشرا وأتم ، وإن لم تنو المقام فقصر ما بينك وبين شهر ، فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة ».

نعم قيل قد يظهر الخلاف في الأول من المبسوط حيث اكتفى في ظاهر بعض عباراته بالنية ، إلا انه يجب تنزيله على الصلاة تماما بعدها بقرينة تصريحه بعد ذلك بعين ما في المتن ، على انه على تقدير خلافه محجوج بما عرفت ، فلا يلتفت اليه ، كما أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة المسافر الحديث ١.

٣٢١

لا يلتفت أيضا الى خبر الجعفري (١) المتضمن للأمر بالعود الى التقصير بعد الصلاة تماما لانه مخالف للصحيح المجمع على العمل به في ذلك الذي قد أمرنا بطرح المعارض له.

انما الكلام في إرادة الكناية بالصلاة تماما فيه عن مطلق الشروع في عمل مشروط صحته بالإقامة من صلاة نافلة أو الدخول في صوم ونحوهما ، أو انه كناية عن ذلك لكن إذا أتم ( تم خ ل ) أو وصل فيه الى حد لا يجوز له إبطاله لو كان مقيما كالصوم بعد الزوال ، أو ليس كناية عن شي‌ء من ذلك بل المدار على خصوص إكمال الفريضة تماما حتى أنه لا يجدي فيه لو وصل في الفريضة إلى ركوع الثالثة أو الرابعة أو قبل التسليم ثم عدل عن الإقامة وجوه بل أقوال أقواها وفاقا للمدارك والرياض وغيرهما الأخير إن لم يثبت إجماع على خلافه ، والظاهر أنه كذلك وإن حكاه عليه العلامة الطباطبائي في ظاهر مصابيحه أو صريحها ، لكنه محل للنظر بل للمنع ، فيتعين القول به حينئذ ، لإطلاق الصحيح المزبور الحاكم على إطلاق ما دل على كفاية نية الإقامة لو كان ، ودعوى إرادة ما سمعت من الصلاة تماما فيه يدفعها أنه لا شاهد لها بعد حرمة القياس من إجماع أو فهم عرفي أو غيرهما.

وما يقال في توجيه الثاني من أنه لو فرض أن هذا الصائم سافر بعد الزوال فلا يخلو إما أن يوجب عليه الإفطار أو إتمام الصوم لا سبيل إلى الأول للأخبار الصحيحة المتضمنة لوجوب المضي في الصوم الشاملة بإطلاقها أو عمومها لهذا الفرد فيتعين الثاني وحينئذ فلا يخلو إما أن يحكم بانقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال وقبل الخروج أو لا؟ لا سبيل إلى الأول لاستلزامه وقوع الصوم الواجب سفرا بغير نية الإقامة ، وهو غير جائز إجماعا إلا ما استثني من الصوم المنذور على وجه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٢.

٣٢٢

وما ماثله ، وليس هذا منه ، فيثبت الأخير ، وهو عدم انقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها بعد الزوال سواء سافر بالفعل حينئذ أم لم يسافر ، إذ لا مدخل للسفر في صحة الصوم وتحقق الإقامة ، بل حقه أن يتحقق عدمها ، وقد عرفت عدم تأثيره فيها ، اما إذا لم يسافر بقي على التمام الى أن يخرج إلى المسافة ، وهو المطلوب.

يدفعه ـ مع أن مساقه الاكتفاء بمطلق الشروع في الصوم الذي لا يصح وقوعه سفرا وإن عدل قبل زوال الشمس ، ولا ريب في ضعفه ، لعدم الدليل إلا القياس المحرم ، على أنه مع الفارق ، وان اختاره في القواعد والمقاصد العلية وظاهر المسالك والمقدس البغدادي وعن التذكرة والتحرير ونهاية الأحكام والموجز وغاية المرام وإرشاد الجعفرية بل اعترف به ذلك المستدل نفسه ، قال وبطلانه بنفس السفر لا يستلزم بطلانه بالرجوع من نية الإقامة ، مضافا الى النهي عن إبطال العمل » الى آخره ، بل ربما حكي عن فخر الإسلام أيضا ، لكن عن إيضاحه والذكرى والبيان وكشف الالتباس والجعفرية أن فيه وجهين كالتنقيح ، بل والدروس حيث قال : فيه نظر ـ أنه لا مانع من اختيار الأول بقصور النصوص المتضمنة وجوب المضي في الصوم بعد الزوال عن تناول مثل ذلك ، ضرورة صراحة بعضها وظهور الآخر في المسافر من موضع يلزمه فيه الإتمام الذي هو في المقام محل النزاع ، ودعوى أن الظاهر كونه مجمعا عليه ممكنة المنع ، بل والثاني أيضا ، ولا يستلزم عدم انقطاع نية الإقامة بالرجوع عنها في هذا الحال ، إذ يمكن دعوى عدم البأس في وقوع الصوم الواجب في السفر إذا حصل الى الزوال حال الإقامة لعدم الدليل على منعه ، بل هو كالمسافر من منزله بعد الزوال الذي لم يبق له حكم المنزل في باقي الزمان مع وجوب الصوم ، وتلازم الصوم والإتمام المستفاد من تلازم القصر والإفطار يمكن تخصيصه بإطلاق الصحيح المزبور الدال على رجوعه الى القصر‌

٣٢٣

ما لم يصل فريضة تماما ، وليس العكس أولى منه ، بل هو أولى ، هذا.

وأنت خبير أن من مقومات الدليل المزبور فرض السفر بعد الزوال ، فلا وجه لدعوى اقتضاء الدليل المسطور التعميم لمطلق الشروع فيه ، كما ذكره المستدل المذكور وذكرناه نحن أولا جريا على مذاقه ، وبالجملة إلحاق الصوم بالفريضة في ذلك لا يخلو من نظر أو منع ، سواء كان العدول قبله أو بعده ، وان كان الثاني أقرب ، والاحتياط بالجمع لا ينبغي تركه فيه ، بل وفي كل مقام قد عمل فيه بعض الأعمال المتوقف جوازها على الإقامة كما سمعته من الوجه الأول ، بل قد يتأكد الاحتياط فيما إذا لم يعمل أصلا إلا أن الإقامة قد ترتب أثرها في الفريضة ، كما لو ترك الصلاة في تمام الوقت على وجه يثبت قضاؤها عليه تماما ثم عدل ، فإنه قد صرح غير واحد من الأصحاب بوجوب التمام عليه حينئذ معللين له باستقرار إتمام الفائت في الذمة ، فهو كمن صلى تماما من غير فرق بين التارك عمدا أو نسيانا.

والمناقشة فيه بمنع وجوب قضائها تماما مع فرض عدوله قبل قضائها ـ نعم هو متجه لو قضاها خارج الوقت تماما ثم عدل لظهور تناول النص حينئذ له ـ يدفعها معلومية وجوب قضاء الفائت كما فات ، وقد فات تماما قطعا فيجب قضاؤها كذلك ، وكذا المناقشة بأنه لو أريد من أثر النية ما يشمل ذلك لاتجه القول بوجوب الإتمام حتى لو رجع قبل خروج الوقت (١) ، لأنه بمجرد النية صار حكمه الإتمام بحيث لو كان في ذلك الوقت فرض حاضر لصلاة تماما ، وكفى في ذلك تأثيرا ، إذ هو كتأثير القضاء ، إذ لا يخفى عليك تفاوت المقامين ، فان التأثير في هذا تقديري بخلافه في القضاء فإنه تحقيقي ، بل هو غير التأثير لو فرض دخول الوقت عليه حال نية المقام بحيث خوطب‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الظاهر « قبل دخول الوقت ».

٣٢٤

بالتمام ثم عدل قبل الصلاة فضلا عما قبل الوقت ، وذلك لعدم استقرار هذا الخطاب إلا بمضي تمام الوقت ، بخلافه في القضاء ، فإنه قد استقر الخطاب فيه ، فتأمل.

نعم قد يناقش في الدليل المزبور بظهور النص في فعلية التمام ، ولذا كان ظاهر المدارك وعن الإيضاح ومجمع البرهان والذخيرة ومصابيح الأنوار الرجوع الى التقصير هنا ، وانه لا مدخلية لاستقرار القضاء تماما ، ومنهما معا توقف الفاضل والشهيدان وغيرهما في الحكم المزبور فبين من اقتصر على ذكر الوجهين وآخر على الاشكال والنظر ، كما انهم بين من ذكر ذلك في الناسي وبين من ذكره في العامد ، لكن لا يخفى عليك قصور النص عن إفادة كل منهما ، ولذا اعترف في جامع المقاصد على ما حكي عنه بأنه مخالف لظاهر الرواية ، وان قال هو أيضا إن الأصح الإتمام نظرا الى ما تقتضيه أصول المذهب ، إلا أنك خبير بعدم اقتضاء الأصول لذلك اللهم إلا أن يريد إطلاق ما دل على الإتمام بمجرد نية المقام ، أقصاه خروج الراجع قبل الصلاة في وقتها ، ولعله لا يخلو من قوة ، إذ الإنصاف أن النص هنا غير ظاهر في شمول ذلك ولا عدمه ، ضرورة كون المفهوم منه بناء حكمي المسألة على ما هو الغالب من عدم فوت الصلاة من المؤمن الموحد ، فيبقى حينئذ ما نحن فيه على مقتضى غيره من الأدلة ، وقد عرفت اقتضاء إطلاقها التمام.

بل لا يبعد جريان ذلك في غير هذا الفرع مما ذكر هنا ، كما لو نوى المقام ثم نسي إلا انه صلى تماما لشرف البقعة مثلا ، وبعد الفراغ ذكر نية الإقامة ثم أراد الخروج وإن ذكر في الروض أن فيه وجهين كما عن غيره ، كذكره نحو ذلك أيضا فيما لو نوى الإقامة ثم صلى بنية القصر ثم أتم أربعا ناسيا ثم تذكر بعد الصلاة ونوى الخروج ، قال فيه : « فان كان في الوقت فكمن لم يصل ، لوجوب إعادتها ، وان كان قد خرج الوقت احتمل الاجتزاء بها لأنها صلاة تمام مجزية ، وعدمه لأنه لم يقصد التمام ».

٣٢٥

لكن قد يناقش فيه بما عن مجمع البرهان من أن الظاهر صحة هذه الصلاة وعدم الإعادة مطلقا ، وعدم ضرر تلك النية ، لعدم وقوع الفعل كله على ذلك الوجه مع حصول قصد ما للإتمام ، فليس بأنقص من صور العدول ، وجعل العصر مكان الظهر والقياس على المقصر لو صلى تماما ليس بسديد.

ويدفع بأن الأصل الفساد في جميع الصور لعدم النية إلا ما دل عليه الدليل ، الى غير ذلك من الفروع المذكورة ، وقد عرفت وجه البحث فيها.

واحتمال ان الإقامة أمر شرعي فكل ما شك في اعتباره فيها فهو معتبر يدفعه أن المرجع فيها إلى إطلاق الأدلة السابقة إلا انه ومع ذلك كله فالاحتياط لا ينبغي تركه ، خصوصا مع إشعار‌ قوله عليه‌السلام في الصحيح (١) السابق « وإن شئت فانو المقام عشرا وأتم » بكون التمام لنية المقام لا لشرف البقعة مثلا كالفتاوى ، بل ربما قيل بعدم اعتباره لو وقع التمام منه ذاهلا غير ملاحظ نية الإقامة وإن كان لا يخلو من نظر بناء على عدم وجوب إعادة مثل هذه الصلاة عليه ، لأنه بنية الإقامة صار بمنزلة من وجب عليه الإتمام لنفسه ، ولا يجب عليه ملاحظة السبب ، ومن ذلك ينقدح النظر أيضا في بعض الصور السابقة ، اللهم إلا أن يقال إنه وإن لم تجب عليه لكن الكلام في تحقق شرط تأثير الإقامة بحيث لا يرجع الى التقصير لو رجع عنها ، وكونه مجرد وقوع الصلاة تماما صحيحة وإن لم يلاحظ السبب أول البحث ، لكنه كما ترى ، فتأمل.

نعم لا ينبغي التأمل في الرجوع الى القصر لو لم يصل حتى خرج الوقت لعذر مسقط للقضاء كما في الإغماء والجنون والحيض المستوعبة للوقت (٢) لعدم تأثير نية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١.

(٢) في النسخة الأصلية « للقضاء » ولكن الصحيح ما أثبتناه.

٣٢٦

الإقامة حينئذ ، ولذا نفى الاشكال عنه بعضهم ، ونسبه الى الأصحاب آخر ، بل في مفتاح الكرامة أنهم حكموا بالرجوع قولا واحدا ، ومنه يعلم حينئذ قصور إطلاق ما دل على تحقق الإقامة بالعزم والنية عن تناول مثل ذلك ، فتأمل جيدا.

ثم إنه هل يعتبر بقاء مسافة أو قصدها في رجوعه الى التقصير عند رجوعه عن الإقامة قبل فعل الصلاة تماما أو أنه يكفي فيه السفر الأول الظاهر الثاني ، لعدم تأثير نية الإقامة في قطع السفر إذا رجع عنها قبل فعل الصلاة تماما ، ولإطلاق النص والفتوى ولقد أجاد الأردبيلي فيما حكي عنه من أني لا أجد وجها للتردد في ذلك بعد إطلاق خبر أبي ولاد (١).

لكن ومع ذلك فقد احتمل في الروض اشتراط بقاء مسافة تمسكا بإطلاق النص والفتوى بأن نية الإقامة من القواطع للسفر فيبطل حكم ما سبق بمجرد النية وإن لم يصل تماما ، كما لو وصل الى وطنه ، وربما أيد بأنه لا منافاة في إطلاق خبر أبي ولاد لذلك ، لظهور أن السائل كوفي ويريد السفر إلى الكوفة ، ولذا أطلق فيه القصر عند الرجوع ، كإطلاقه ذلك بعد الخروج إذا صلى تماما ، إذ لا بد حينئذ من المسافة باعتراف الخصم.

إلا أنه لا يخفى عليك ضعف الاحتمال من أصله بل غرابته ، ضرورة إرادة كون الإقامة من القواطع إذا لم يرجع عنها قبل الصلاة تماما لا معه ، كما هو واضح ، نعم لا بد في القصر من بقاء مسافة لو أن عدوله كان بعد أن صلى فريضة تماما ، لأنه حينئذ بمنزلة من أراد المسافرة بعد إتمام الإقامة لا في الفرض المزبور ، على ان المتجه عليه توقف التقصير على الشروع في المسافة لا أنه يكتفى في التقصير في البلد عند الرجوع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١.

٣٢٧

عن الإقامة بمجرد كون الباقي مسافة كما هو ظاهر الخصم.

ولو نوى الإقامة في أثناء الصلاة وأتمها ثم رجع عن الإقامة بعد الفراغ ففي عوده الى التقصير وعدمه وجهان ، ينشئان من ظهور النص في اعتبار افتتاح الصلاة على التمام ، ومن تحقق أثر الإقامة الذي هو الإتيان بالركعتين الأخيرتين ، وإلا فالركعتان الأولتان مرادة منه على كل حال ، أقواهما الثاني ، نعم لا ينبغي التأمل في ظهور النص والفتوى في اعتبار كون تمام الفريضة مما تؤثره الإقامة ، فلا يجزي وقوع التامة منه على كل حال كالصبح والمغرب ، فما عن بعضهم من احتمال الاكتفاء بذلك غلط قطعا.

وكذا ما يحكى عن الشيخ وأتباعه من الاكتفاء بمجرد شروعه في الصلاة على وجه التمام وإن عدل في الركعة الأولى أو الثانية ، ضرورة مخالفته لظهور النص في اعتبار الفراغ من الفريضة المفتتحة على التمام ، بل قد يدعى ظهوره في عدم الاجتزاء حتى لو ركع للثالثة أو الرابعة بل قبل السلام بناء على توقف التمام عليه ، وإن كان الاكتفاء بمجرد ركوع الثالثة أو القيام له لا يخلو من وجه عرفته فيما تقدم من الاكتفاء بمجرد تحقق أثر الإقامة كما سبق البحث فيه مفصلا ، والانصاف المحافظة على الاحتياط في أكثر هذه الصور لما سمعت ، والله أعلم.

بقي شي‌ء وهو أن الظاهر كون ذلك كله في الرجوع قبل العشرة ، أما إذا أتمها ولم يكن قد صلى تماما لعذر مسقط للتكليف بالقضاء كالحيض مثلا فقد يقال بوجوب التمام عليه وإن لم يكن من نيته إقامة عشرة أيام ، بصدق إقامة العشر منوية الموجب للتمام ، واعتبار فعل الصلاة تماما انما هو في الرجوع قبلها ، وإن كان قد يحتمل ذلك حتى لو أقام العشرة أيضا ، فتأمل جيدا والله العالم.

٣٢٨

هذا كله في الشرائط‌ وأما البحث في القصر نفسه ( فـ ) لا ريب في انه في محله من الرباعية مثلا عزيمة لا رخصة بلا خلاف ، بل هو مجمع عليه نقلا وتحصيلا ، بل لعله من الضروريات ، والنصوص (١) ظاهرة وصريحة فيه ، سيما صحيح زرارة والحلبي (٢) المشتمل على التصريح بإرادة الوجوب من رفع الجناح في الآية (٣) مستدلا عليه بآية الحج (٤) فلا جهة حينئذ للبحث في ذلك ، وان الأمر به في مقام توهم الحظر ، ولدفع مشقة السفر ، وأن ليس في الآية إلا رفع الجناح ، نعم هو عزيمة إلا أن يكون المسافة دون الثمانية أربعا أو زائدا عليها ولم يرد الرجوع ليومه أو ليلته ، فإنه حينئذ يتخير بين القصر والإتمام على قول مشهور بين القدماء قد تقدم البحث فيه سابقا ، وإلا أن يكون قد سافر بعد دخول الوقت وتجاوز محل الترخص فإنه حينئذ يتخير بينهما على قول محكي عن خلاف الشيخ ، والإتمام أفضل ، وستعرف الحال فيه أو يكون المسافر‌ في أحد المواطن الأربعة مكة والمدينة ومسجد الجامع بالكوفة والحائر ، فإنه مخير ، والإتمام أفضل على المشهور بين الأصحاب نقلا في المختلف والمصابيح وغيرهما ، وتحصيلا ، بل في ظاهر الروض وعن التذكرة والذكرى وفي صريح السرائر وعن الخلاف الإجماع عليه ، بل في الوسائل « لأنه مذهب جميع الإمامية أو أكثرهم ، وخلاف الصدوق شاذ نادر » الى آخره ، الى غير ذلك من عبارات الأصحاب الظاهرة أو الصريحة في معلومية الحكم بين الطائفة التي يشهد لها التتبع أيضا ، فاني لا أجد فيه خلافا كما اعترف به في الرياض إلا من ظاهر الصدوق أو صريحه ، فمنع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب صلاة المسافر.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٢ وهو صحيح زرارة ومحمد بن مسلم.

(٣) سورة النساء ، الآية ١٠٢.

(٤) سورة البقرة ، الآية ١٥٣.

٣٢٩

من الإتمام إلا مع نية المقام ، وإن استحب له نيتها في هذه المواضع لشرفها ، ومن المرتضى وابن الجنيد في ظاهر المحكي عنهما من نفي التقصير ووجوب الإتمام مع إمكان إرادتهما نفي تحتمه كما احتمله الشهيد ، بل يؤيده حصر غير واحد الخلاف في الصدوق ، بل في المختلف المشهور استحباب الإتمام ، واختاره الشيخ والمرتضى وابن الجنيد وابن إدريس وابن حمزة ، بل عن المصنف والمنتهى التصريح بنسبة التخيير المزبور إلى الثلاثة وأتباعهم ، وان خلافه انما هو في طرد الحكم في باقي قبور الأئمة عليهم‌السلام بل يمكن تأويل عبارة الصدوق بإرادة المنع من وجوب الإتمام ، فتخرج المسألة حينئذ عن الخلافيات ، وتندرج في الوفاقيات ، أو الاحتياط له من جهة ظهور بعض الأدلة في وجوب التقصير بأن ينوي المقام ويتم أو يقصر كما وقع في مهذب القاضي ، فإنه بعد أن ذكر استحباب الإتمام قال : والتقصير هو الأصل ، والعمل به في هذه المواضع وغيرها أحوط.

لكن ومع ذلك كله فاختار العلامة الطباطبائي وجوب التقصير تبعا للمحكي عن الفاضل البهبهاني ، بل ادعى أنه المشهور بين متقدمي الأصحاب ، ولعله أخذه مما يحكى عن الشيخ الجليل‌ ابن قولويه في كامل الزيارة حيث روى عن أبيه عن سعد بن عبد الله (١) قال : « سألت أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد مكة والمدينة والكوفة وقبر الحسين عليه‌السلام والذي روي فيها فقال أنا أقصر وكان صفوان يقصر ، وابن أبي عمير وجميع أصحابنا يقصرون » الى آخره. ومما في‌ مكاتبة علي بن مهزيار (٢) الى أبي جعفر عليه‌السلام : « ولم أزل على الإتمام الى أن صدرنا من حجنا في عامنا هذا. فان فقهاء أصحابنا أشاروا علي بالتقصير إذا‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ١٨ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ـ ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ـ ٤.

٣٣٠

كنت لا أنوي مقام عشرة ».

لكن فيه أنه لا صراحة في كل منهما بوجوب التقصير ، بل ولا ظهور ، إذ أقصاه الفعل من الأولين والإشارة من الآخرين ، بل قد يشعر استمرار ابن مهزيار في تلك المدة على التمام ، مع جلالة قدره وغزارة فضله ولفظ الشهور فيه بمعروفية التخيير في ذلك الزمان.

ومع الإغضاء عن ذلك كله فلا ريب في عدم تعين القصر ، لاستفاضة النصوص بخلافه حتى كادت تكون متواترة إذ هي خمس وعشرون رواية ، وفيها الصحيح والموثق وغيرهما مما هو منجبر بما عرفت ، والمروي في المجامع العظام وغيره مع اختلاف دلالتها على المطلوب ففي بعضها (١) ان من الأمر المذخور ومن مخزون علم الله الإتمام في الأربع أو في الحرمين ، وان أبي كان يرى لهما ما لا يراه لغيرهما ، والظاهر إرادة كون سر الإتمام فيها وحكمته من الأمور المحجوبة التي لا يطلع عليها إلا الله والراسخون في العلم أو أن الإتمام فيها من الأمور المذخور ثوابها والمخزون أجرها ، وفي‌ جملة أخرى (٢) منها « تتم الصلاة في أربعة مواطن أو ثلاثة ».

وفي جملة ثالثة (٣) منها « أتم الصلاة فيها » بل في‌ صحيح ابن الحجاج (٤) وموثق ابن عيسى (٥) « أتم وإن لم تصل فيها إلا صلاة واحدة » كخبر قائد الخياط (٦) المروي عن كامل الزيارة « أتم بالحرمين ولو مررت بهما مارا » وخبر أبي شبل (٧) المروي في الكافي والتهذيب « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أزور قبر الحسين عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١٤ و ٢٢ و ٢٣ و ٢٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١٢ و ١٣ و ٢١ و ٣٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٥.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١٧.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٣١.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١٢.

٣٣١

قال : نعم زر الطيب وأتم الصلاة ، فقلت : فان بعض أصحابنا يرون التقصير قال : إنما يفعل ذلك الضعفة » وفي‌ خبر زياد القندي (١) قال أبو الحسن عليه‌السلام : « يا زياد أحب لك ما أحب لنفسي ، واكره لك ما أكره لنفسي ، أتم الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين عليه‌السلام » ونحوه خبر آخر (٢) بل في‌ مكاتبة إبراهيم ابن شعيب الى أبي جعفر عليه‌السلام (٣) يسأله عن إتمام الصلاة في الحرمين فكتب « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب إكثار الصلاة في الحرمين فأكثر فيهما وأتم » وفي‌ صحيح ابن مهزيار (٤) « كتبت الى ابى جعفر الثاني عليه‌السلام أن الرواية قد اختلف عن آبائك في الإتمام والتقصير في الحرمين ، فمنها بأن تتم الصلاة ولو صلاة واحدة ، ومنها أن يقصر ما لم ينو مقام عشرة أيام ، ولم أزل على الإتمام فيهما الى أن صدرنا من حجنا في عامنا هذا ، فان فقهاء أصحابنا قد أشاروا علي بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة أيام ، فصرت الى التقصير ، وقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك ، فكتب الي بخطه قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما ، فأنا أحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصر وتكثر فيهما من الصلاة ، فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة : اني كتبت إليك بكذا فأجبت بكذا فقال : نعم فقلت : أي شي‌ء تعني بالحرمين؟ فقال : مكة والمدينة ».

وفي جملة رابعة التصريح بالتخيير ، كصحيح ابن يقطين (٥) عن أبي الحسن عليه‌السلام في الصلاة بمكة ، قال : « من شاء أتم ومن شاء قصر » وخبره الآخر (٦) المروي في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ـ ١٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ـ ٢١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١٨ لكن روى عن إبراهيم بن شيبة وهو الصحيح.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١٠.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١٩.

٣٣٢

الكافي والتهذيبين « سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن التقصير بمكة فقال : أتم وليس بواجب إلا أني أحب لك ما أحب لنفسي » وخبر صالح بن عبد الله الخثعمي المروي (١) عن قرب الاسناد ، قال : « كتبت الى أبي الحسن موسى عليه‌السلام أسأله عن الصلاة في المسجدين أقصر أم أتم فكتب إلى أي ذلك فعلت فلا بأس ، قال : فسألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عنها مشافهة فأجانبي مثل ما أجابني أبوه (ع) إلا أنه قال في الصلاة قصر » وخبر الحسين بن المختار (٢) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : « قلت : إنا إذا دخلنا مكة والمدينة نتم أو نقصر قال : إن قصرت فذلك ، وإن أتممت فهو خير تزداد » وخبر عمران بن حمران (٣) « قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : أقصر في المسجد الحرام قال : إن قصرت فذلك ، وإن أتممت خير ، وزيادة الخير خير » وصحيح ابن الحجاج (٤) قلت : « لأبي الحسن عليه‌السلام إن هشاما روى عنك أنك أمرته بالتمام في الحرمين ، وذلك من أجل الناس ، قال : لا كنت أنا ومن مضى من آبائي إذا وردنا مكة أتممنا الصلاة واستترنا من الناس ».

وهذه النصوص مع اعتبار أسانيد جملة منها واستفاضتها أو تواترها منجبرة بما عرفت من الشهرة التي كادت تكون إجماعا ، بل قد عرفت دعواه ممن سبق ، ولا دلالة في الأمر بالتمام في بعضها على تعيينه بعد أن عرفت عدم القائل إلا ما عساه توهم من المرتضى وابن الجنيد ، وبعد كونه في مقام توهم الحظر ، لمعروفية وجوب القصر على المسافر ، وبعد تصريح تلك الأخبار بالتخيير ، وكونه أفضل الفردين.

كما أنه لا بأس بحمل الأمر بالقصر الواقع في جملة من النصوص الذي بسببه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٢٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٦.

٣٣٣

اختار بعضهم القول بتعينه هنا على إرادة بيان أحد الفردين ، أو لمصلحة تتعلق في خصوص السائل أو لغير ذلك ، مع أنه في أكثرها في خصوص الحرمين كما ستعرف ، فمنها‌ صحيح ابن بزيع (١) « سألت الرضا عليه‌السلام عن الصلاة بمكة والمدينة تقصير أو إتمام فقال : قصر ما لم تعزم على مقام عشرة أيام » مع احتمال إرادة البلدين أو نواحيها كغيره من بعض ما سمعته بناء على قصر الرخصة على المسجدين أو مع البلدين‌

وصحيح معاوية بن عمار (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل قدم مكة فأقام على إحرامه قال : فليقصر الصلاة ما دام محرما » وخبر محمد بن إبراهيم الحصيني (٣) « استأمرت أبا جعفر عليه‌السلام في الإتمام والتقصير قال : إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام وأتم الصلاة ، قلت إني أقدم مكة قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة قال : انو مقام عشرة وأتم الصلاة ».

وخبر عمار بن موسى الساباطي (٤) المروي عن كامل الزيارات « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في الحائر قال : ليس الصلاة إلا الفرض بالتقصير فلا تصل النوافل ».

وخبر علي بن حديد (٥) « سألت الرضا عليه‌السلام فقلت : إن أصحابنا قد اختلفوا في الحرمين ، فبعضهم يقصر ، وبعضهم يتم وأنا ممن يتم على رواية أصحابنا في التمام ، وذكرت عبد الله بن جندب أنه كان يتم ، فقال : رحم الله ابن جندب ، ثم قال : لا يكون التمام إلا أن تجمع على إقامة عشرة أيام ، وصل النوافل ما شئت ، قال ابن حديد وكان محبتي أن يأمرني بالإتمام ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٣٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر الحديث ١٥ لكن روى عن محمد بن إبراهيم الحضيني.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٣٣.

٣٣٤

بل يمكن حمل خبر الحصيني (١) على إرادة الإتمام في منى وعرفات بناء على عدم قدح ما دون المسافة في نية الإقامة ، كما أن خبر الساباطي (٢) ـ مع اشتماله على فعل جندب الذي ترحم عليه الامام عليه‌السلام وفعل الراوي ومحبته ورواية التمام ـ محتمل لإرادة تعين التمام ووجوبه لا جوازه كالنهي في‌ صحيح معاوية بن وهب (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التقصير في الحرمين والتمام قال : لا تتم حتى تجمع على مقام عشرة أيام ، فقلت إن أصحابنا رووا عنك أنك أمرتهم بالتمام فقال : إن أصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلون ويأخذون نعالهم ويخرجون والناس يستقبلونهم يدخلون المسجد فأمرتهم بالتمام » بقرينة عدم صلاحية هذا التعليل للأمر بالتمام بعد فرض عدم مشروعيته في حقهم ، كصحيحه الآخر (٤) المروي عن العلل « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : مكة والمدينة كسائر البلدان قال : نعم ، قلت : روى عنك بعض أصحابنا أنك قلت لهم أتموا بالمدينة لخمس فقال : إن أصحابك هؤلاء كانوا يقدمون فيخرجون من المسجد عند الصلاة فكرهت ذلك لهم فلهذا قلته » وصحيح أبى ولاد (٥) المتقدم في المسألة السابقة.

وإلا فطرح تلك النصوص كلها المعتضدة بما عرفت وتأويلها حتى أخبار التخيير منها بإرادة الإتمام مع نية العشرة مع تصريح المشتمل على الإتمام للصلاة الواحدة وبمجرد المرور ، بل وما دل أيضا منها على كونه من الأمر المذخور ، بل وما دل على كون ذلك من خواص الأربعة ، وما دل على أنه انما يفعل ذلك الضعفة ، بل وما دل عليه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١٥ لكن رواه عن محمد بن إبراهيم الحضيني.

(٢) وهو خبر على بن حديد المدائني الأزدي الساباطي المتقدم آنفا.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٣٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٢٧.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١.

٣٣٥

أيضا في قبر الحسين عليه‌السلام المعلوم عدم التمكن من نية المقام عنده في تلك الأيام بنفيه كما ترى.

وأضعف منه حملها على التقية كما يومي اليه الصحيحان (١) المزبوران اللذان هما مع ضم أحدهما إلى الآخر يدلان على الإتمام بخمسة أيام مطلقا ، ولا ريب أنه للتقية ، فإن الاكتفاء بها في أيام الإقامة محكي عن الشافعي إذ هي ـ مع ان بعضها يأبى ذلك ، وإمكان التخلص عنها بالسلام خفية على الركعتين ثم تعقيبهما بصلاة ركعتين ، واستبعاد خفاء ذلك على من عرفته من الأصحاب ، ومعروفية التمام بين الطائفة ، واشتمال بعضها على ذكر قبر الحسين عليه‌السلام الذي يجهد في التخفي بحضوره فضلا عن التمام فيه ـ لا توافق الأمر بالإتمام في كثير منها الظاهر في تعينه ، إذ هو ليس مذهبا لأحد منهم كما قيل ، لأنهم ما بين موجب للقصر وهم الأكثر ، ومنهم أبو حنيفة ، وبين مخير بينه وبين الإتمام ، وهو الشافعي وغيره.

ومن هنا يظهر أن حمل نصوص القصر على التقية أولى من العكس كما عن جماعة من الأصحاب التصريح به ، لاتفاقهم عليه ، واشتهار مذهب أبي حنيفة قديما وحديثا ، بل لعله الى ذلك أشار عليه‌السلام في غير واحد من النصوص السابقة بقوله عليه‌السلام ان الإتمام في هذه المواطن من مخزون علم الله ومذخوره على معنى إرادة أنه مما اختص به آل محمد ( عليهم الصلاة والسلام ) وشيعتهم وادخره لهم وصانه عن غيرهم ولم يوفق له سواهم معرضا بذلك كله على أبي حنيفة وأصحابه.

بل من ذلك ونحوه حينئذ يظهر معنى صحيح ابن الحجاج (٢) المتقدم سابقا في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٢٧ و ٣٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٦.

٣٣٦

نصوص المختار ، وان المراد استترنا بالإتمام خوفا من اطلاعهم على إتمامنا ، لا أن المراد الاستتار به عن أن يطلعوا علينا أنا نقصر حتى يكون دالا على كون الإتمام تقية ، كما أنه يظهر منه ومن غيره أن المراد بقوله عليه‌السلام « إنما يفعل ذلك الضعفة » سوادهم وعوامهم الذين يتخيرون من الأعمال ما خف ، ولا يعرفون مواقع الفضل ، لا أن المراد بهم ضعفة الأحوال الذين لا يستطيعون نية المقام لفقرهم وضعف حالهم.

وبالجملة الناظر بعين الإنصاف الى هذه النصوص لا يكاد يستريب فيما ذكرناه من وجوه ، بل لو لم يكن إلا كثره هذا التسائل عن ذلك في خصوص هذه المواضع ـ مع أن القصر للمسافر من ضروريات مذهب الشيعة ، حتى أن ابن مهزيار مع جلالة قدره وعظم منزلته وكثرة ملاقاته لهم عليهم‌السلام وقع منه ما سمعت كغيره من الرواة ـ لكفى في إثبات المختار ، لا أقل من حصول التعارض بين أمري الإتمام والتقصير الذي من المعلوم أن الحكم فيه التخيير ، خصوصا مع قيام الشاهد عليه من النصوص السابقة ، لكن ومع ذلك كله فلا ريب أن الأحوط القصر ، لضعف احتمال تعين التمام في جنبه بعد ظهور أدلته ، بل صريح بعضها بعدم تعينه.

ثم لا فرق فيما وقفنا عليه من فتاوى الأصحاب في الحكم المزبور بين المواضع الأربعة ، لكن في المدارك بعد أن ذكر التخيير في الحرمين قال : « وأما مسجد الكوفة والحائر فقد ورد بالإتمام فيهما أخبار كثيرة لكنها ضعيفة السند ، وأوضح ما وصل إلينا في ذلك مسندا‌ خبر حماد بن عيسى (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن : حرم الله وحرم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحرم أمير المؤمنين عليه‌السلام وحرم الحسين بن علي عليهما‌السلام » الى أن قال ـ وهذه الرواية معتبرة الإسناد ، بل حكم العلامة في المنتهى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١.

٣٣٧

والمختلف بصحتها ، وهو غير بعيد ، وفي معناها أخبار كثيرة ، فلا بأس بالعمل بها إن شاء الله » وفيه ـ مع أن من الواضح عدم قدح ضعف السند في المقام بعد كثرة النصوص ، وتعاضد بعضها ببعض ، وروايتها في الأصول المعتمدة وغيرها ، وقرب وصولها من حد التواتر ، بل ربما ادعي ، وعمل الطائفة قديما وحديثا بها ، وغير ذلك ـ أنه قد يناقش في دعوى صحة سند الخبر المذكور ، لأن في طريقه الحسن بن علي بن النعمان ، وفي توثيقه إشكال ، لأن النجاشي وإن صرح في ترجمته بالتوثيق على ما حكي عنه إلا أنه لا يتعين عوده اليه ، بل يحتمل رجوعه إلى أبيه علي بن النعمان ، قال : « الحسن بن علي بن النعمان مولى بني هاشم أبوه علي بن النعمان الأعلم ثقة ، ثبت له كتاب نوادر ، صحيح الحديث كثير الفوائد ، روى عنه الصفار » بل قد يؤيد الثاني ما ذكره عند ترجمة أبيه ، قال : « علي بن النعمان الأعلم وأخوه داود أعلى منه ، وابنه الحسن وابنه أحمد رويا الحديث ، وكان علي ثقة وجها ثبتا صحيحا له كتاب » الى آخره. وفي طريقه محمد بن خالد البرقي ، وعن النجاشي « أنه كان ضعيفا في الحديث » وعن ابن الغضائري « حديثه يعرف وينكر يروي عن الضعفاء كثيرا ويعتمد المراسيل » الى آخره. ولا ينافي ذلك ما حكي من توثيق الشيخ والعلامة إياه لأن الطعن المذكور إنما هو في رواياته لا فيه نفسه ، والفرق بينهما واضح ، فالأولى عدم التوقف في الحكم المذكور لما قلناه لا لذلك.

إنما الكلام في تعيين خصوص المواطن ، لاختلاف النصوص في ذلك ، إذ هي بين مشتمل (١) على لفظ الحرم في الأربعة مع الإضافة الى الله ورسوله وأمير المؤمنين والحسين عليهم‌السلام وبين مشتمل (٢) على لفظ المسجد في الثلاثة وحرم الحسين عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١٤ و ٢٣ و ٢٥.

٣٣٨

وبين مبدل للحرم (١) فيه بالقبر ، وآخر (٢) بالحائر ، والحرمين بمكة والمدينة (٣) ومسجد الكوفة بالكوفة (٤) ولا ريب أن قضية الضوابط ثبوت الحكم في الأوسع مكانا من هذه الألفاظ ، ضرورة عدم منافاة ثبوته في الأضيق له ، بل هو كالمؤكد شبه التنصيص على بعض أفراد العام مع عدم المخالفة في الحكم إلا أنه لما كان القصر هو الأصل في المسافر ـ وكثير من هذه النصوص اعتبارها من جهة الانجبار بالشهرة ، وقد قيل إن المشهور هنا الاقتصار في الحرمين على المسجدين منه ، بل على الأصليين منهما دون الزيادة الحادثة ، كما أن الظاهر كونه كذلك بالنسبة إلى مسجد الكوفة وقبر الحسين عليه‌السلام وان ورد بلفظ الحرم في بعض النصوص ، إلا أنه ينزل على خصوص ذلك كما عن المصنف الاعتراف به بالنسبة إلى حرم أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ وجب الاقتصار في الخروج منه على المتيقن ، وهو ذلك لا البلدان الثلاثة والحائر كما عن كتابي الأخبار للشيخ ، ولا الأربعة كما عن المصنف في كتاب له في السفر ، لورود الحديث بحرم الحسين عليه‌السلام وقدر بخمسة فراسخ أو بأربعة ، ولا خصوص مكة والمدينة كما هو ظاهر المتن ، واختاره في المدارك حاكيا له عن الشهيد وأكثر الأصحاب قال : لأنه المستفاد من الأخبار الكثيرة ، بل ولا الحائر بناء على تفسيره بالأوسع مما دار سور المشهد والمسجد عليه.

ولقد أجاد في السرائر حيث قال : « ويستحب الإتمام في أربعة مواطن في السفر في نفس مسجد الحرام ، وفي نفس مسجد المدينة ، وفي نفس مسجد الكوفة ، والحائر على متضمنة السلام ، والمراد بالحائر ما دار سور المشهد والمسجد عليه دون ما دار سور‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٢٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٢٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٢٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١٣.

٣٣٩

البلد عليه ، لأن ذلك هو الحائر حقيقة ، لأن الحائر في لسان العرب الموضع المطمئن الذي يحار فيه الماء ، قد ذكر ذلك شيخنا المفيد في إرشاده في مقتل الحسين عليه‌السلام لما ذكر من قتل معه من أهله ، فقال : والحائر محيط بهم إلا العباس عليه‌السلام فإنه على المسناة » الى آخره ، وعن الذكرى أنه في هذا الموضع حار الماء لما أمر المتوكل بإطلاقه على قبر الحسين عليه‌السلام ليعفيه ، فكان لا يبلغه.

وكيف كان فما عن المرتضى وابن الجنيد من طرد الحكم في سائر قبور الأئمة الهداة عليهم‌السلام لم نقف له على نص خاص ، ولعلهما أخذاه من معلومية شرف قبورهم ، وأنها مساوية للمسجدين أو تزيد مع فهم كون العلة في الحكم هنا شرف المكان ، كما يومي اليه بعض النصوص (١) السابقة ، مضافا الى‌ المحكي (٢) عن فقه الرضا عليه‌السلام « إذا بلغت موضع قصدك من الحج والزيارة والمشاهد وغير ذلك مما بتنبه لك فقد سقط عنك السفر ووجب عليك الإتمام ».

لكن الخروج بذلك عن مقتضى العمومات المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع مشكل ، سيما مع تضمنه الحكم بوجوب التمام الذي قد عرفت شذوذه وضعفه ، اللهم إلا أن يحمل الوجوب فيه على مطلق الثبوت ، كما أن الخروج به عن مقتضى أصالة عدم جواز الإتمام في الصوم لاقتصار النصوص والفتاوى على خصوص الصلاة فريضة أو نافلة كما صرح بالأخيرة في الكفاية ـ بل يمكن دعوى الإجماع عليه ، بل ربما ادعي ـ مشكل أيضا ، بل غير جائز قطعا ، ودعوى التلازم بين القصر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ٢ و ٤.

(٢) فقه الرضا عليه‌السلام ص ١٦.

٣٤٠