جواهر الكلام - ج ١٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وليس هناك ما يدل على شرعيتها بهذا الوجه ، ثم ذكر الخلاف بين الأصحاب في نية الانفراد ، ومثله في الحدائق غير أنه زاد التصريح بأن من العذر جلوس المسبوق للتشهد حال قيام الامام فيتشهد ثم يلحق به ، ثم قال : وكذا من تخلف عنه بركن أو أكثر لعذر من سهو أو ضيق مكان كما تقدم ، فإنه يأتي بما سبقه ويلحق به ولا يضر تأخره عنه لمكان العذر ، وهو صريح فيما سمعت ، وقال في الرابع عند رد ما استظهره من عبارة النافع من عدم جواز تسليم المأموم قبل الامام بدون نية الانفراد : « إني لم أعرف له وجها عدا الاتفاق على عدم جواز مفارقة المأموم الإمام في غير المقام من سائر أحوال الصلاة من غير نيتها ، فكذا هنا ، وهو كما ترى » إلى آخره ، والظاهر أن مراده بقوله : « كما ترى » الفرق بين المقام ومحل الإجماع بالفعلية التي تجب المتابعة فيها والقولية التي ليست كذلك ، لا منع الإجماع كما يرشد إلى ذلك ملاحظة ما بعد ذلك من كلامه ، إلى غير ذلك من عباراتهم.

بل قد يستفاد أيضا ضرورية الحكم به من شرح المولى الأكبر على المفاتيح كما لا يخفى على من لاحظ كلامه في المتابعة وفي المقام ، فلاحظ وتأمل ، هذا ، مع أن المتبع الدليل وقد سمعته سابقا عند البحث في المتابعة ، إلا أنا ذكرنا ذلك هنا تأييدا له لما سمعناه من بعض مشايخنا المعاصرين من الحكم بجواز مفارقة الإمام بمعنى التأخر عنه في الأفعال اختيارا من دون نية وعذر في الركن والركنين فصاعدا ، ولا ريب أنه اشتباه وتوهم من بعض العبارات التي قدمناها سابقا في تفسير المتابعة وآخر منها المشتمل على التصريح بالصحة لو تخلف بركن ونحوه ، وقد عرفت الوجه في الجميع فيما مضى ، خصوصا الثانية إذ المفارقة بمعنى التأخر وإن منعناها لكنه لا يزيد على منعها بمعنى السبق الذي قلنا إنه إثم خاصة لا بطلان وإن أوهمته بعض العبارات ، منها عبارة الذخيرة السابقة حيث استوجه الاستدلال بما سمعت المقتضي بظاهره الفساد ، ونحوها عبارة الحدائق ، بل قد‌

٢١

عرفت فيما مضى إنكاره على الذكرى الظاهر في ذلك ، ومنها عبارة الرياض وغيره حيث استوجه حمل عبارة الشيخ الآتية التي هي أطلق فيها بطلان الصلاة مع المفارقة لغير عذر على إرادة عدم النية ، وظاهره تسليمه البطلان حينئذ ، بل ظاهره أنه من المسلمات عند غيره أيضا ، ومنها عبارة التذكرة وغيرها السابقة في بحث المتابعة ، والأقوى عدم البطلان كما عرفت فيما مضى وإن كان يأثم ، فلاحظ وتأمل.

وأما جواز المفارقة للعذر ففي المدارك والذخيرة والحدائق أنه لا ريب فيه ، وفي المنتهى الإجماع عليه ، بل قد يظهر من المتن والفاضل جوازها من دون نية للانفراد ، وهو متجه في العذر الذي لا يذهب القدوة ، بل أقصاه التخلف في الجملة ، كتشهد المسبوق ومزاحمة المأموم عن الركوع مع الإمام أو تركه غفلة أو نحوها مما ورد في النصوص (١) فعلها ثم اللحوق بالإمام ، ولذا قال المولى الأكبر في شرح المفاتيح : إن المراد بالعذر هنا هو خصوص المواضع التي ورد من الشرع جواز مفارقته بالنحو الذي ورد ، بل وكذلك هو متجه أيضا في مثل الأعذار التي تفرد المأموم عن الامام قهرا كانتهاء صلاة الإمام قبل المأموم أو تبين عدم قابليته للإمامة بفسق أو كفر أو حدث أو نحوها ، لمعلومية انتفاء المشروط بانتفاء شرطه من غير حاجة إلى نية ، نعم قد يقدح بقاؤه على الائتمام بعد علمه بانتفاء الشرط مثلا من العدالة ونحوها للتشريع أو للنهي أو لغيرهما ، وهو غير نية الانفراد.

وأما الأعذار التي تلجئه إلى إتمام صلاته قبل صلاة الإمام كحدوث وجع في بطنه مثلا أو مزاحمة بول أو غائط ونحوها فالظاهر أنه لا بد فيها من نية الانفراد وإن كان يكفي فيها قصد المكلف هذه المفارقة وقصد سبق إمامه في الصلاة جمعا بين ما دل على جواز المفارقة في مثل هذا الحال وبين ما دل على وجوب متابعة المأموم ، فحينئذ له‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة والباب ١٧ من أبواب صلاة الجمعة.

٢٢

التخلص من الثاني بنية الانفراد ، ولعل عدم الإشارة إليها في الأخبار الدالة على جواز المفارقة في مثل الفرض لضرورية حصولها لمريد المفارقة بإرادته ذلك ، ومعلومية ذهاب الائتمام بمثل تعمد هذا السبق والتأخر ، وبعد احتمال تخيل المكلف بقاء ائتمامه وإن لم يتابع لمكان العذر أو غفلته عن قصد الانفراد مثلا وعدمه.

فلو ذهب عارضه في الأثناء وأراد الرجوع إلى إمامه بنى ، بناء على جواز تجديد نية الائتمام للمنفرد ، بل لعل ما نحن فيه أولى منه ، لسبق ائتمامه ببعض هذه الصلاة ، بل ينبغي القطع به إن جوزنا تلك المفارقة للمأموم من غير نية انفراد ، بل لمكان العذر جاز له سبقه له مثلا ، وإلا فهو باق على ائتمامه إلى أن تنتهي صلاته ، إذ هو حينئذ مأموم ، ولعل من جوز له المفارقة من غير نية كما يقتضيه بعض إطلاقات الفتاوى يريد هذا المعنى لا أنه يصير منفردا بغير نية كالعذر السابق ، إلا أنه ينبغي تقييده بما إذا كانت مفارقته في غير محل القراءة.

وكيف كان فالظاهر إرادة خصوص العذر المزبور لمن قيد جواز المفارقة مع العذر بنية الانفراد كما عن بعضهم لا الأعذار السابقة خصوصا الأول ، ضرورة بقاء الاقتداء فيه المنافي لنية الانفراد ، فكان من أطلق جواز المفارقة مع العذر بدون نية أراد مثل ذلك العذر ، ومن قيد أراد ما سمعت ، والأمر سهل.

لكن ينبغي أن يعرف خصوص الأعذار التي تجوز المفارقة مع بقاء القدوة ، إذ قد عرفت أن مدار أكثرها على النص ، وتسمعه إن شاء الله في المسبوق ، بل تسمع أنه هل التخلف لقراءة السورة أو إتمام الفاتحة مثلا منه أو لا؟ إلا أن هذا في خصوص المفارقة بالتأخر عنه ، أما المفارقة بالتقدم على الامام بمعنى ركوعه مثلا قبل ركوعه مع بقاء الاقتداء فليس في شي‌ء من النصوص ذكر عذر لها عدا السهو والنسيان وظن فعل الامام ، ومعها يسقط التكليف بالمتابعة ، مع أنه بعد التنبه يجب عليه الرجوع إليها ، نعم‌

٢٣

يمكن تصوره بما إذا حدث للمأموم مرض مثلا ألجأه إلى سبق الإمام في الركوع مثلا خاصة لا إلى إرادة المفارقة رأسا ، ولعله الظاهر من إطلاق بعض الفتاوى أنه لا بأس به وأنه كالتأخر ، فيبقى ائتمامه حينئذ وإن سبقه عمدا ، لكنه لا يخلو من إشكال ، لاحتمال وجوب نية الانفراد عليه ثم إتمام صلاته ، وهكذا في كل عذر غير منصوص حتى للتأخر ، والله أعلم.

وأما الأعذار التي تصير المأموم منفردا قهرا فليست محتاجة إلى حصر وعد لوضوحها ، إنما الكلام في الأعذار التي تلجئه إلى اختيار الانفراد ، فهل المدار فيها على الضرر أو هو مع فوات النفع أو الأعم منها؟ ليس في شي‌ء من النصوص أيضا تعرض لها ، ولا تعليق فيها على العذر كي يرجع فيها إلى العرف ، نعم قد يستفاد من النصوص (١) الواردة في جواز التسليم قبل الامام لطوله في التشهد ونحوه تعميم العذر فيها للأعم مما يمكن تحمله وما لا يمكن ، وما يكون فيه ضرر وما لا يكون ، فيكون الخارج حينئذ الانفراد لا لغرض من الأغراض المعتد بها ، وما عداه فهو من الانفراد لعذر ، وربما يؤيده إطلاق الأصحاب العذر ، إذ الظاهر إرادتهم الغرض والحاجة منه ولا بأس به.

على أنه لا ثمرة لنا في البحث عن ذلك ( فـ ) ان المختار عندنا أنه إن نوى الانفراد في الجماعة المندوبة جاز مطلقا لعذر كان أولا ، وفاقا للأكثر ، بل المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل في المدارك والحدائق أنه المعروف من كلام الأصحاب ، بل في الرياض نفي ظهور الخلاف فيه إلا من المبسوط ، بل في ظاهر المنتهى أو صريحه والتذكرة وعن صريح نهاية الأحكام وإرشاد الجعفرية الإجماع عليه ، بل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٢٤

لعله كما قيل ظاهر الخلاف أو صريحه أيضا ، وهو الحجة بعد اعتضاده بالأصل ، وبإطلاق ما دل على جواز التسليم قبل الامام مما مضى ويأتي ، وباستصحاب بقاء جواز الانفراد له وبظهور الأدلة في استحباب الجماعة ابتداء واستدامة ، وخروجها عن مهية الصلاة وإلا كانت معتبرة في صحتها وهو واضح الفساد ، فابطالها حينئذ بعدم استدامة نيتها لا يستلزم إبطال الصلاة ولا إثم فيه ، ضرورة اختصاص النهي عن إبطال العمل لو سلم إرادة ما يشمل مثل ذلك منه ، إذ من المحتمل في الآية (١) إرادة الابطال بنحو الارتداد وشبههه بالصلاة لا كل عمل ، بل الظاهر إرادة الواجبة منها كما حرر في محله ، ولقد أجاد الأردبيلي فيما حكي عنه من الاستدلال على جواز المفارقة قبل التسليم بالأصل وكون الجماعة مندوبة ، ولا تجب المندوبة بالشروع عندهم إلا الحج بالإجماع.

وما عساه يقال ـ من أن الجماعة وصف لماهية الصلاة كالظهرية والعصرية ونحوهما لا أنها من الأوصاف الخارجية كالمسجدية ونحوها ، ولذا بطلت الصلاة في فقدان أحد الشرائط السابقة من الحائل والعلو ونحوهما ولو كان لم يعلم بهما المكلف حتى فرغ ، فلا يجوز العدول حينئذ إلا بدليل خاص مثل العدول بالانفراد إلى الائتمام والعدول بالظهر إلى العصر ونحوهما ، لا مثل العدول من إمام إلى آخر ، إذ لو سلم جوازه اختيارا أمكن الفرق بينه وبين المقام بأن خصوص الامام من مشخصات أفراد الصلاة كالمكان الخاص والساتر الخاص ونحوهما بخلاف أصل الجماعة التي بسببها تنقسم الصلاة قسمين فرادى وجماعة ـ يدفعه أولا ما عرفت من وجود الدليل على ذلك ، كالإجماعات المحكية المعتضدة بما عرفت من الشهرة ونحوها ، وثانيا منع كون الجماعة من الأوصاف المقومة المنوعة ، بل ليست هي إلا كالمسجدية والإمامة ونحوهما ، وثبوت بعض الأحكام لها لا يستلزم كونها كذلك ، ومن هنا لم تبطل الصلاة في جملة من المقامات التي انقطعت‌

__________________

(١) سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ الآية ٣٥.

٢٥

الجماعة فيها بموت الامام وحدثه ونحوهما ، ولم يقتصروا على المنصوص بل تعدوا منها إلى غيرها كما يفهم من ذلك المقام ، وبطلان الصلاة للأمور السابقة بعد التسليم ليس للتقويم بل لظهور الأدلة في أنها شرائط للصلاة حال كونها جماعة لا أنها شرائط للجماعة ، فتأمل.

وبالجملة لا فرق بين الإمامة والمأمومية بالنظر إلى الصلاة ، وتمام الكلام محتاج إلى إطناب تام كما لا يخفى بعد التأمل فيما عرفت ، واعتضاده أيضا بما يظهر للفقيه الممارس العارف بلسان الشارع ومحاوراته من سبرة الأدلة الواردة في مفارقة المأموم عند عروض ضرورة لامامه ، والأدلة الواردة في المسبوق وفي ائتمام المتم بالمقصر ، وفي جواز التسليم قبل الامام ، وفي صلاة ذات الرقاع ونحو ذلك من عدم توقف صحة الصلاة على بقاء الجماعة ، وأنه لا مدخلية لها فيها ، واحتمال الإثم خاصة يدفعه ما عرفت سابقا من أن العمدة في وجوب المتابعة الإجماع ونحوه مما هو معلوم عدم شموله لمثل المقام الذي ينوى فيه الانفراد ، كاحتمال قصر تلك الأماكن على محالها ، وعدم استفادة ما ذكرنا منها ، إذ هو كما ترى مناف لمقتضى المفهوم منها لدى كل ممارس لكلماتهم عليهم‌السلام عارف باراداتهم عليهم‌السلام ، بل الظاهر أن ذلك كله مورد فيها لا شرط ، بل قد يدعى إطلاق بعضها.

ونحوه احتمال عدم تأثير هذه النية في صيرورته منفردا وإن لم نقل بإبطالها الصلاة بل هو أوضح منه فسادا ، ضرورة أن الأعمال بالنيات ، ولا عمل إلا بنية ، ولكل امرئ ما نوى ، كل ذا مضافا إلى الاعتضاد بالشهرة العظيمة ، بل عدم الخلاف إلا من المبسوط ، فقال : « من فارق الامام لغير عذر بطلت صلاته ، ومن فارقه لعذر وتمم صحت صلاته » والمحكي عن ناصريات السيد أنه « إن تعمد سبقه إلى التسليم بطلت صلاته » مع احتمالهما كما قيل حال عدم نية الانفراد وإن كان البطلان المذكور في كلامهما محل منع على هذا التقدير أيضا ، لما عرفت من تعبدية وجوب المتابعة في الأفعال دون‌

٢٦

الأقوال لا شرطيته ، فحكمهما حينئذ بالبطلان خصوصا الأخير كما تعرفه عند تعرض المصنف له محل منع وإن بالغ في نصرته المولى الأكبر في شرح المفاتيح تبعا لتردد جملة من متأخري المتأخرين فيه مما عرفت ، ومن أن العبادة توقيفية ، والمتيقن في الصحة وإسقاط القراءة واغتفار زيادة الركن مثلا حال استمرار القدوة دون غيره ، ومن عدم تصريح في الأخبار به ، بل قد يومي أكثرها كالمأموم فيها بالاستخلاف (١) وبالرجوع إلى الامام لو سبقه (٢) وغيرها إلى عدمه ، وإلا لعولج به في بعض هذه المقامات ، ولا احتيج إلى ذكر العذر من الحاجة ونحوها في جواز المفارقة ، ومن غير ذلك من الأمور التي لا تستأهل ردا لوضوح ضعف إشعارها جميعا ، كوضوح ضعف استدلال بعضهم ] بالصحيح السابق (٣) في الاستخلاف الظاهر في وجوب الاستخلاف الذي قد عرفت وجوب حمله على الندب للإجماع ، وللصحيح الآخر (٤) وغيرهما ، وبالجملة فالمسألة من الواضحات.

ثم إن الظاهر إذا نوى الانفراد جريان حكم المنفرد عليه من محل نيته ، حتى لو كان في أثناء قراءة الحمد أو السورة وجب عليه إتمامهما خاصة لا استئنافهما من الأول ولا سقوطهما من رأس كما صرح به جماعة ، بل لعله كذلك في أثناء الكلمة الواحدة فضلا عن غيرها ، إلا أن الانصاف أن للتأمل فيه بل وفيما هو بمنزلة الواحدة مجالا ، لكن في التذكرة بل وتعليق الإرشاد والمسالك وعن نهاية الأحكام والغرية أنه يعيد السورة التي فارق فيها ، بل استوجه في الذكرى استئناف القراءة مطلقا ، لأنه نوى الانفراد في محل القراءة فوجبت عليه ، لأصالة عدم سقوطها ، والأول أقوى ، تحكيما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

٢٧

لإطلاق أدلة الضمان وإن كان الأحوط الاستئناف بنية القراءة المطلقة ، هذا ، وفي المسالك « أنه بناء على القول بإعادة السورة التي فارق فيها لو كان الامام قد تجاوز نصف السورة لم يجز له العدول عنها ، وكذا لو كانت مفارقته في الجحد والتوحيد مطلقا في غير الجمعتين ، وعلى القول الآخر له قراءة أي سورة شاء » وفيه بحث.

وكيف كان فالظاهر جواز نية الانفراد في جميع أحوال الصلاة ، ولا يشترط الدخول معه في ركن ، فلو أدركه في أثناء القراءة وفارق قبل الركوع صح كما صرح به في المسالك والروض ، واحتمال توقف انعقاد الجماعة على إدراك ركوع الركعة الأولى بحيث إن لم يركع معه ينكشف أن لا ائتمام واضح الفساد ، لمنافاته لإطلاق أدلة الدخول في الجماعة ، وخصوص صحيح ابن الحجاج (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام الوارد في الجمعة المشتمل على المفارقة في ركوع الأولى للزحام ، وما ستسمعه من الإجماع المحكي على إدراك الجماعة وإدراك الركعة بإدراك الإمام قبل الركوع في المسألة التاسعة من مسائل هذا الكتاب ، ولإطلاق الفتاوى في المتابعة وغيرها ، والنصوص (٢) الدالة على عدم الإدراك إذا لم يدرك الركوع يراد منها كما لا يخفى على من لاحظها ابتداء الائتمام لا من حصل منه ذلك واتصف بوصف المأمومية وتحمل الإمام القراءة عنه ، وللخبر (٣) الذي استدل به الفاضل في المنتهى على أصل جواز نية الانفراد راويا له عن ابن بابويه ، قال : « كان معاذ يصلي في مسجد على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويطيل القراءة وأنه مر به رجل فافتتح سورة طويلة فقرأ الرجل لنفسه وصلى ثم ركب راحلته ، فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبعث إلى معاذ فقال : يا معاذ إياك أن تكون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

٢٨

فتانا ، عليك بالشمس وضحاها وذواتها » وإن كان هو لا صراحة فيه بالركعة الأولى كما أنه لا صراحة فيه على ما استدل به الفاضل عليه من جواز نية الانفراد ، لعدم ثبوت حجية فعل ذلك الرجل ، وعدم ثبوت تقرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ، اللهم إلا أن يكون هو الذي أبلغ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما رواه الجمهور ومع ذا لم ينكر عليه ولم يأمره بالإعادة.

وعلى كل حال فلا إشكال في عدم اعتبار ركوع المأموم مع الإمام في الانعقاد بعد فرض اقتدائه به في أثناء القراءة أو ابتدائها ، نعم يجزي عندنا إدراك الركوع في إدراكهما ، على أن المراد بإدراكه سبق نية المأموم بحيث يكون لو أراد الإدراك لأدرك لا أنه تتوقف صحة جماعته على فعل الركوع معه ، وربما كان لهذا البحث ثمرة أخرى وهي أنه لو لم يتابعه فيه بأن سبقه أو تأخر عنه من غير نية الانفراد لم تبطل جماعته بناء على الأصح عندنا من تعبدية المتابعة لا شرطيتها من غير فرق بين الركوع الأول وغيره ، فتأمل جيدا.

أما إذا كانت الجماعة واجبة كالجمعة مثلا فليس له نية الانفراد حينئذ اختيارا بلا إشكال ولا خلاف كما اعترف به بعضهم ، لكن إذا كان الوجوب أصليا تتوقف صحة الصلاة عليه كجماعة الجمعة لا إذا كان عارضيا بنذر ونحوه ، فإنه وإن كان لا يجوز بل يأثم وتجب عليه الكفارة إلا أن الظاهر صحة الصلاة ، لعدم صيرورته شرطا بالنذر مع احتمال الفساد أيضا ، ولو كانت مندوبة تتوقف صحة الصلاة عليها كالمعادة ندبا فالظاهر عدم جوازها أيضا ، لتوقف صحة الصلاة على الجماعة ، فلو نوى الانفراد حينئذ وفارق بطلت صلاته ، بل وإن لم يفارق أيضا ، لصيرورة موافقته بعد نيته الانفراد موافقة اتفاقية أو قصدية لكن مع عدم قصد الجماعة ، ودعوى عدم البطلان بنيته الانفراد في كل ما لا يجوز فيه ذلك للغوية نيته وهذريتها بعد فرض وجوب الجماعة‌

٢٩

شرطا أو شطرا وشرعا عليه ، فان لم يفارق حينئذ كان غير آثم مع صحة جماعته ، وإلا كان آثما خاصة لا لنية الانفراد بل لتركه المتابعة ولو مع نيته الإمامة ، وجماعته حينئذ صحيحة ، يدفعها وضوح عدم التلازم بين الوجوب وبين عدم الفساد إذا لم تحصل استدامة النية ، لما دل على شرطيتها في سائر الأعمال ابتداء واستدامة ، فكون الشي‌ء واجبا لا يستغني عن النية فضلا عن أن لا يفسده عدمها ، وإلا لجاز عدم استدامة النية في الصلاة وغيرها من الأعمال ، وهو واضح البطلان.

ثم إنه قد يستفاد مما اخترناه ـ من جواز نية الانفراد اختيارا من حيث اقتضائه تلفيق الصلاة من الجماعة والانفراد ، ومن حيث استدلال غير واحد من الأصحاب على ذلك المقام باستحباب الجماعة ، وهو مشترك بينهما ـ جواز نية الائتمام للمنفرد طلبا لفضيلة الجماعة أيضا ، لعدم الفرق في ذلك بين الأول والأخير ، بل في كشف الالتباس أن ظاهر الشهيد أن نقل الجماعة إلى المنفرد مبني على جواز نقل المنفرد إلى الجماعة وإن كنا لم نتحققه ، بل في الدروس والبيان أن للمأموم الاقتداء في تتمة صلاته بآخر من المؤتمين ، وفي جوازه بإمام آخر أو منفرد وجهان مبنيان على جواز تجديد نية الائتمام للمنفرد ، وهي شي‌ء آخر غير ما استظهره ، لكنه في الجملة مؤيد لما قلناه من ارتباط هذه المسائل بعضها ببعض ، لكون المدار فيها جميعا التبعيض ، بل لعله من بعض أفراد ما نحن فيه ، لصيرورته منفردا بانتهاء صلاة الإمام ، هذا.

مع إمكان دعوى أن ذلك هو قضية أدلة استحباب الجماعة في الصلاة أيضا ، لعدم الفرق بين الجملة والأبعاض ، واحتمال اختصار ( اختصاص خ ل ) الاستحباب المزبور في الأول خاصة يدفعه ـ مع عدم مساعدة الأدلة عليه ـ ما ذكرناه من جواز نية الانفراد في الأثناء ، بل قد ينقدح من ذلك ونحوه جواز نية الائتمام به ببعض‌

٣٠

الصلاة من أول الأمر كما جاز له حينئذ ذلك في الائتمام بمن يعلم انتهاء صلاته قبله كالمسافر ونحوه.

ومع ذلك كله فلا ريب في أن سبر الأدلة قاض بتوسعة الأمر في الجماعة ، ولذا جاز فيها نقل الائتمام من شخص إلى آخر في الاستخلاف ، بل الظاهر استخلافه وإن لم يكن مأموما ، خلافا لبعضهم ، كما أن الظاهر من إطلاق بعض تلك الأدلة جواز صيرورة الامام مأموما بالخليفة إذا كان عزله لفسق ونحوه ، ومن المعلوم أنه منفرد بل ربما كان قضية إطلاق بعض أدلة الاستخلاف الجواز وإن تخلل بين الائتمامين نية الانفراد ، بل لعل الاستخلاف في صورة الموت ونحوه إنما هو بعد صيرورة المأموم منفردا آنا ما ، ضرورة أنه لا معنى لكونه مأموما بلا إمام ، بل قد ذكرنا هناك قوة عدم اقتصار الاستخلاف على الصور المنصوصة ، وقوة جواز الائتمام بآخر اختيارا وإن كان كثير من ذلك محل خلاف ونظر ، بل ظاهر الأكثر أو صريحهم عدم جواز الانتقال من إمام إلى إمام آخر في غير صورة الاستخلاف ، إلا أنه يقوى في النظر الجواز ، للاستصحاب وظهور الأدلة في الموردية والمثالية ، ولغير ذلك وفاقا للتذكرة وظاهر المحكي عن نهاية الأحكام ، بل احتمله في الذكرى أيضا ، لكن إذا كان المنتقل إليه أفضل كما عن إرشاد الجعفرية سواء كان المنتقل إليه إماما أو منفردا أو مأموما نوى الانفراد.

بل قد يقوى في النظر من ذلك كله جواز تجديد المنفرد نية الائتمام لما عرفت ولإجماع الفرقة وأخبارهم المحكيين في الخلاف عليه ، وفي ظاهر التذكرة أنه ليس بعيدا من الصواب ، بل ظاهر الذكرى هنا كما عن نهاية الأحكام القول به أو الميل اليه وإن توقف فيه على الظاهر في الدروس والبيان ، لكنه مال في الذكرى إلى الجواز هنا ، بل وفي بحث تقدم المأموم على الإمام في الموقف ، فلاحظ.

٣١

خلافا لجماعة منهم الفاضل والمحقق الثاني فمنعوا من ذلك ، لتوقيفية العبادة مع حرمة القياس ، ولأنه لو جاز تجديد الائتمام لم يؤمر المصلي بقطع صلاته أو نقلها إلى النفل ثم إدراك الجماعة ، ولما قيل من أن ذلك كله كان في بدء الإسلام فكان يصلي المسبوق ما فاته ويأتم بالباقي ثم نسخ ، وفيه أن ظن الفقيه من الأدلة السابقة كاف في إثبات التوقيفي ومخرج عن القياس ، واحتمال أن الأمر بالقطع أو النقل لتحصيل كمال فضيلة الجماعة بإدراكها من أولها كما اعترف به في الذكرى ، بل ربما يومي هذا إلى المطلوب في الجملة ، ضرورة أولوية النقل إلى الائتمام منهما كما أشار إليه في الذكرى ، وأن النسخ غير ثابت ، لكن في الذكرى الجواب عنه تبعا للتذكرة بأنه غير محل النزاع وظاهره تسليم ذلك ، والفرق بين نقل المنفرد لا لسبق الامام له وبينه للسبق ، إلا أنه كما ترى ، هذا كله ، والانصاف عدم ترك الاحتياط في مثل ذلك.

المسألة السادسة الجماعة جائزة في السفينة الواحدة وفي سفن عدة سواء اتصلت بشد بعضها ببعض ونحوه أو انفصلت بلا خلاف ولا إشكال مع الجمع للشرائط المعتبرة في الجماعة ، لإطلاق الأدلة ، وخصوص‌ صحيحة يعقوب بن شعيب (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « لا بأس بالصلاة جماعة في السفينة » وصحيحة علي ابن جعفر (٢) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن قوم صلوا جماعة في سفينة أين يقوم الامام؟ وإن كان معهم نساء كيف يصنعون أقياما يصلون أم جلوسا؟ قال : يصلون قياما ، فان لم يقدروا على القيام صلوا جلوسا ، وهم يقوم الإمام أمامهم والنساء خلفهم ، وإن ضاقت السفينة قعدن النساء وصلى الرجال ، ولا بأس أن يكون النساء بحيالهم » خلافا للمحكي عن بعض العامة من المنع للجماعة في السفن المتعددة مع الانفصال‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

٣٢

ولا ريب في ضعفه ، نعم في المدارك وغيرها أنه يعتبر الأمن من فوات بعض شرائط الجماعة ، ولعله لعدم تحقق النية إن لم يثق بذلك ، لكن لا يخفى أنه محل للنظر ، بل له الائتمام حينئذ وإن لم يثق ، ضرورة عدم اشتراط صحة الائتمام بإحراز ما يعتبر فيه في تمام الصلاة ، إذ له حينئذ نية الانفراد أو الاستخلاف أو غير ذلك.

كما أنه يتعين البطلان لو استصحب نية الائتمام مع فوات بعض شرائطه كما صرح به في التذكرة والقواعد والذكرى والمسالك وظاهر البيان في تقدم سفينة المأموم على سفينة الامام خلافا للخلاف ، فقال : لا تبطل لو تقدمت معللا له بعدم الدليل ، بل ظاهره فيه عدم البطلان أيضا لو حصل البعد المفرط ما لم يمنع المشاهدة لذلك أيضا ، كما سمعته سابقا في الشرائط ، وفيه أنه يكفي ما دل على اعتبار مثل ذلك في الجماعة الشاملة للفرض من غير حاجة إلى دليل بالخصوص ، كما هو واضح ، ومن هنا احتمل في الذكرى أن الشيخ يريد في صورة التقدم إذا انفرد أو استدرك التأخر لصحتها حينئذ كما صرح بها فيها ، بل وفي التذكرة والبيان والمسالك أيضا ، لكن مع نية الانفراد خاصة ، وفيه أنه يمكن دعوى البطلان بمجرد حصول التقدم ولو آنا ما ، فلا تجديد نية الانفراد إلا إذا سبقت على التقدم ، وقد تقدم لنا بعض البحث في ذلك مع الشهيد في الذكرى في بحث الموقف ، حيث أنه قد صرح فيها بأنه لو تقدم المأموم في أثناء الصلاة متعمدا فالظاهر أنه يصير منفردا لا خلافه بالشرط ، ويحتمل أن يراعى باستمراره أو عوده إلى موقفه ، فان عاد أعاد نية الاقتداء ، ولو تقدم غلطا أو سهوا ثم عاد إلى موقفه فالظاهر بقاء القدوة ، ولو جدد نية الاقتداء كان حسنا ، فلاحظه وتأمل.

ثم لا فرق على الظاهر بين كون الجميع في السفينة أو السفن أو البعض على الأرض والبقي فيها في الامام والمأموم لإطلاق الأدلة ، كما هو واضح.

المسألة السابعة إذا شرع المأموم في نافلة فأحرم الإمام قطعها واستأنف كما‌

٣٣

في الخلاف والنافع والتذكرة والمنتهى والدروس والبيان واللمعة وغيرها ، ولعله اليه يرجع ما في الإرشاد « إذا دخل الإمام في الصلاة » ضرورة كون الإحرام هو أول الدخول في الصلاة ، بل وما عن الحسين بن بابويه والقاضي والنهاية والسرائر « إذا أقيمت الصلاة » لتعارف إحرام الامام عندها بلا فصل معتد به.

نعم هل هو إن خشي الفوات ، وإلا أتم ركعتين استحبابا كما قيده به غير واحد من الأصحاب ، بل نسبه في الرياض إلى الأكثر ، أو أنه يستحب مطلقا وإن لم يخش الفوات كما هو قضية إطلاق الشهيدين وغيرهما؟ الظاهر الأول ، خصوصا إذا كان الباقي منها قليلا جدا ، لما فيه من الجمع بين الوظيفتين ، وعدم إبطال العمل ، بل ينبغي القطع به بناء على حرمة قطع النافلة اقتصارا حينئذ على المتيقن نصا وفتوى ، ولا تسامح مع معارضة الاستحباب الحرمة ، بل قد يتوقف في التسامح هنا على التقدير الأول ، لمعارضته باستحباب الائتمام الذي يتسامح فيه أيضا ، على أنه لا دليل معتد به على أصل استحباب القطع سوى ما قيل من أهمية الجماعة في نظر الشارع من النافلة ، ومن الأمر بنقل نية الفريضة إلى النافلة وإتمامها ركعتين الذي هو بمعنى القطع لها ، فيكون النافلة أولى بذلك ، والرضوي (١) « وإن كنت في صلاة نافلة وأقيمت الصلاة فاقطعها وصل الفريضة مع الامام » وصحيح عمر بن يزيد (٢) المتقدم سابقا المشتمل على السؤال عن الرواية المتضمنة أنه لا ينبغي أن تتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال : « إذا أخذ المقيم في الإقامة » بناء على إرادة الأعم من الابتداء والاستدامة من التطوع.

لكن الجميع لو لا ظهور اتفاق الأصحاب عليه كما اعترف به في الرياض ومفتاح‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

٣٤

الكرامة محل للمناقشة ، خصوصا الأخير ، لظهوره في إرادة الابتداء ، ولذا خص الأصحاب الاستدلال به على كراهة الشروع في نافلة بعد الإقامة ، وإن كان هو مع ذلك فيه إيماء في الجملة إلى رجحان مراعاة الجماعة على النافلة ، بل وسابقه بناء على عدم حجيته عندنا ، بل وسابق السابق ، إذ الأولوية تجدي بعد اتحاد الكيفية ، أما مع الاختلاف بأن كان قطع الفريضة بنقلها إلى النافلة ثم إتمامها وقطع النافلة برفع اليد منها رأسا فلا ، بل قد يومي الأمر بإتمامها (١) مع النقل المزبور إلى عدم القطع في النافلة ، وإلا لكان المتجه قطع الفريضة بعد النقل المذكور ، وأما الأول فهو اعتبار محض ، بل يمكن منعه بالفرق بين التلبس بالعمل وعدمه ، ونقضه باقتضائه استحباب القطع لكل ما هو أفضل من قضاء حاجة أو دعاء أو قراءة قرآن أو غير ذلك ، إلا أنه يجب رفع اليد عن ذلك كله بعد الاتفاق المزبور واستحبابية الحكم المذكور وعدم حرمة قطع النافلة اختيارا ، كما لعله المشهور ، لكن ينبغي الاقتصار على المتيقن ، وهو ما سمعت.

نعم الظاهر المنساق من الفتاوى إرادة فوات آخر ما يجزي في انعقاد أول الجماعة بأن يخشى عدم إدراك ركوع الركعة الأولى لا أن المراد خوف فوات تمام الجماعة ، وإلا فلو علم إدراك الركعة الأخيرة منها مثلا لم يستحب له القطع وإن احتمله في المدارك تبعا للمسالك ، بل قد يتوهم من عبارة الخلاف أيضا ، بل مال اليه المقدس الأردبيلي في المحكي عن مجمعه ، إذ ليس المدار على حصول ثواب الجماعة ولو في الجملة ، وإلا لاكتفى بإدراك السجدة أو جزء من الصلاة بناء على تحصيل فضيلة الجماعة بذلك. كما ستسمعه ، مع أنه من المقطوع بعدمه ، بل المدار على حصول معظم ثوابها ، وهو يحصل بما ذكرناه ، ولا أن المراد خوف فوات القراءة مثلا في الركعة الأولى حتى يكون‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٣٥

يستحب له القطع وإن علم إدراكها بعد القراءة أو بعضها كما عن بعضهم احتماله أيضا ، بل لعله اليه أو إلى ما يقرب منه أومأ من ذكر استحباب القطع إذا أقيمت الصلاة كي يتأهب المأموم للواجب وينتظر تكبير الامام معه ليكبر من غير فصل ، وكأنه مال إليه في المسالك ، بل جزم به في الفوائد الملية ، بل عن فوائد الشرائع القطع به إذا دخل الامام موضع الصلاة كالمسجد مثلا ، ولعله لموثق سماعة (١) الآتي في الفريضة ، إذ قد عرفت أن العمدة في الحكم المزبور معقد أكثر الفتاوى ، والمنساق منه ما سمعت ، فلا يستحب القطع حينئذ إلا إذا خشي الفوات بالإتمام ، فيقطع حينئذ ولو عند إقامة الصلاة بل وقبلها ، إذ احتمال تشاغله إلى وقت الضيق مما لا دليل عليه ، ولعل هذا مراد القائل بالقطع عند الإقامة أو قبلها ، فلا يكون مخالفا حينئذ ، مع احتمال أنه لا يقطع إلا إذا أحرم الإمام ، لاحتمال عدم انعقاد الجماعة أو تأخرها أو غير ذلك ، ومن هنا قيد الجماعة الحكم المزبور بإحرام الامام وخوف الفوات لما عرفت ، ولما تسمعه من جواز العدول في الفريضة إلى النافلة إذا أخذ المؤذن بالأذان والإقامة.

ثم إن الظاهر رجوع قيد الاستحباب في المتن إلى القطع أو اليه وإلى الإتمام ضرورة أنه لم يقل أحد بوجوب القطع ، بل هو واضح ، لكون الجماعة من المندوبات كما أنه لم يقل أحد بإباحة القطع الخالية عن الرجحان وإن أوهمه ما حكي عن النهاية وغيره من التعبير بالجواز ، كما هو واضح.

وإن كانت التي شرع فيها المأموم فريضة نقل نيته إلى النفل على الأفضل وأتم ركعتين على المشهور بين الأصحاب ، بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا ، كالمدارك والذخيرة أنه مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل لا خلاف فيه صريحا كما اعترف به في الرياض ، نعم ربما يوهمه المحكي من عبارة السرائر ، فلم يجوز القطع إلا أنه في غير‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

٣٦

محله بعد وضوح الدليل عليه من السنة المعتبرة المعتضدة بما سمعت ، كصحيح سليمان بن خالد (١) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلاة فبينما هو قائم يصلي إذ أذن المؤذن وأقام الصلاة ، قال : فليصل ركعتين ثم يستأنف الصلاة مع الامام ، ولتكن الركعتان تطوعا » وموثق سماعة (٢) « سألته عن رجل كان يصلي فخرج الامام وقد صلى الرجل ركعة من صلاة فريضة فقال : إن كان إماما عدلا فليصل أخرى ولينصرف ويجعلها تطوعا ، وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو ، وإن لم يكن إمام عدل فليبن على صلاته كما هو ويصلي ركعة أخرى معه ، ويجلس قدر ما يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ثم ليتم صلاته معه على ما استطاع ، فإن التقية واسعة ، وليس شي‌ء من التقية إلا وصاحبها مأجور عليها إن شاء الله تعالى ».

مضافا إلى ما عن‌ الفقه الرضوي (٣) أيضا « وإن كنت في فريضتك وأقيمت الصلاة فلا تقطعها واجعلها نافلة وسلم في الركعتين ثم صل مع الامام ، وإن كان ممن لا يقتدى به فلا تقطع صلاتك ولا تجعلها نافلة ولكن اخط إلى الصف وصل معه ، وإذا صليت أربع ركعات وقام الإمام إلى رابعته فقم معه وتشهد من قيام وسلم عن قيام » والمناقشة في الأفضلية المذكورة في المتن وغيره هنا وفي النافلة ـ بل الظاهر الاتفاق عليه كما اعترف به بعضهم بعدم الدليل ، لورود الأمر بذلك عقيب توهم الحظر ـ لا يصغى إليها ، كما هو واضح.

نعم ظاهر الجميع بل هو كصريح البعض اختصاص الاذن في قطع الفريضة بالطريق المخصوص ، فليس له حينئذ قطعها بغيره وإن خاف الفوت ، لإطلاق دليل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

٣٧

الحرمة أو استصحابا لها حتى لو قلنا إن مدركها الإجماع ، بناء على المختار من استصحاب الحكم الثابت به أيضا ، فما في البيان ـ من أن الفريضة كالنافلة ، وفي الدروس والموجز من أنه إن يمكنه النقل إلى النفل نقل ، وإن خاف الفوت قطعها ، وقواه في الذكرى تبعا للمحكي عن القاضي وموضعين من المبسوط واستحسنه في المدارك والذخيرة والحدائق استدراكا لفضل الجماعة الذي هو أعظم من فضل الأذان ، ولأن العدول إلى النفل قطع لها أيضا ، ومستلزم لجوازه ، بل اختاره في الروض والمسالك والفوائد الملية إذا خاف فوات الائتمام بأول الصلاة فضلا عن غيره لكن بعد النقل إلى النفل معللا له بأن الظاهر أفضلية إدراك الائتمام من أول الصلاة من أفضلية إتمامها ركعتين ، ولأن الفريضة تقطع لما هو أدون من ذلك ، ولأنها بعد العدول صارت نافلة ، وحكمها ذلك كما عرفت ، فيحمل الخبران حينئذ على من لم يخف الفوات جمعا بينهما وبين ما دل على قطع النافلة ـ محل للنظر والتأمل لحرمة القياس ، على أن القطع للأذان له محل مخصوص اللهم أن يتمم بعدم القول بالفصل ، وهو كما ترى ، بل لعله يقتضي عدم التقييد بخوف الفوت كما هو صريح الروض ، وجواز القطع بالإتمام نافلة لا يستلزم الجواز مطلقا ، ضرورة وضوح الفرق بينهما ، بل لعل الأول لا يندرج في النهي عن الإبطال ، لأنه ليس إبطالا ، كما أن صيرورتها بعد العدول نافلة أيضا لا يستلزم جريان حكم النافلة ابتداء عليها ، على أنه لا نص في تلك بالخصوص كما عرفت كي يشمل ما نحن فيه إطلاقه أو يحتاج إلى الجمع بينه وبين الخبرين المزبورين ، ويبنى ( ومبني خ ل ) أيضا على كون العدول في الأثناء قبل الإتمام ركعتين كما هو ظاهر جماعة وصريح آخرين ، لكنه محتمل لأن يكون بعد الانصراف والإتمام نحو ما ورد (١) من جعل العصر الأولى بعد الفراغ ، بل عن مجمع البرهان نفي البعد عنه ، بل لعله المنساق من الخبرين ، بل لعله متعين بناء‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٣٨

على أن الواو للترتيب.

وتظهر الثمرة فيما لو أراد البقاء على الفريضة قبل الإتمام ركعتين ، وفي جواز القطع اختيارا بناء على جوازه في مثل هذه النافلة ، وفي غير ذلك ، ولعله من ذلك كله توقف الشهيد في ظاهر اللمعة ، بل ربما كان ظاهره الميل إلى المشهور ، بل اختاره في ظاهر النفلية.

نعم الظاهر أن له القطع المزبور بالعدول المذكور وإن أمكنه إتمام الفريضة وإدراك الجماعة في الإعادة استحبابا ، لإطلاق الخبرين المزبورين ، فما في ظاهر المحكي عن مجمع البرهان من إتمام الفريضة ثم الإعادة استحبابا ضعيف ، ضرورة كون المدار في المقام تحصيل فضيلة تلك الصلاة جماعة لا إدراك الجماعة كيف كان حتى أنه إذا تيسر له الجمع راعاه ، وبذلك ظهر الفرق بين ما نحن فيه وبين النافلة ، ونحوه المحكي عن فوائد الشرائع من أنه إن دلت القرائن على اتساع الزمان بحيث يكملها عند تحريم الامام لم يقطعها ولم ينقلها إلى النفل ، لما عرفت من الإطلاق ، نعم لو علم أنه لا يدرك الجماعة وإن نقل نيته إلى النفل وأتم بركعتين لم يجز له القطع بناء على المختار كما عرفت ، خلافا لمن سمعت ، فيقطع بعد النقل إلى النفل أو مطلقا ويأتم.

ولو عدل إلى النفل بناء على أن محل العدول الأثناء لا التمام فبان له أنه لا يدرك الجماعة وقلنا بعدم جواز القطع كما عرفت أيضا فهل يتمها نافلة أو يرجع عن نيته إلى النية السابقة؟ وجهان أو قولان ، إذ عن ظاهر الروض الأول ، والمحكي عن مجمع البرهان الثاني ينشئان من عدم الدليل على العدول الثاني ، ومن عدم مصادفة النية محلها ، وعدم منافاة نية النفل في الأثناء للفرض ، بل هي في الحقيقة كالعزم على إرادة التسليم على الركعتين.

ثم إن ظاهر النص جواز النقل المزبور إذا أذن المؤذن وأقام ، بل عند تبين‌

٣٩

انعقاد الجماعة خلف إمام عادل كما يومي اليه الموثق ، لا أنه مخصوص بما إذا أحرم الإمام كما عساه يوهمه المتن وغيره ، وكذا ظاهر النص أيضا أن محل العدول قبل تجاوز المأموم الركعتين ، أما بعده فلا دلالة فيه عليه ، وقضية الاحتياط والاقتصار فيما خالف الأصل على المتيقن عدم التعدي منه إلى غيره حتى لو كان في قيام الثالثة قبل أن يركع ضرورة أصالة عدم جواز العدول ، فيستمر حينئذ على إتمام فرضه وفاقا للتذكرة والرياض وعن النهاية ومجمع البرهان ، وكأنه تردد فيه في الروضة والروض ، بل ربما مال إلى القطع في الأول ، كما أنه احتمل فيهما العدول إلى النافلة مع هدم الزائد والتسليم ، وهما ضعيفان لا دليل معتد به على شي‌ء منهما.

وكذا لا دليل معتد به أيضا على ما ذكره غير واحد من الأصحاب ، بل في الروض أنه المشهور ، بل في البيان نفي الخلاف فيه من أنه لو كان الإمام الذي يراد الائتمام به إمام الأصل عليه‌السلام قطع المأموم الفريضة على كل حال واستأنف الصلاة معه وإن كان قد يقال : إنه لمزيد المزية له في الائتمام به عليه‌السلام ، بل هي أعظم من مزية أصل الجماعة التي قطعت النافلة وعدل لها بالفريضة إلى النافلة بمراتب قطعا ، لكنه كما ترى لا يصلح حجة في نفسه فضلا عن أن يعارض الأدلة ، ومن هنا حكي عن المعتبر أنه تردد فيه ، بل استقرب في المنتهى والمختلف مساواته لغير إمام الأصل عليه‌السلام في الإتمام ركعتين ، إلا أن الأمر سهل ، لقلة الجدوى في المسألة ، فالتشاغل فيها في غير محله.

هذا كله لو كان الامام ممن يقتدى به ، أما إذا كان ممن لا يقتدى به استمر المأموم على حاله في النافلة والفريضة ، للأصل والموثق السابق المعتضد بالرضوي المتقدم إلا أني لم أجد من أفتى بتمام مضمون الرضوي عدا ما يحكى عن ابن بابويه ، بل وعن‌

٤٠