جواهر الكلام - ج ١٤

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

( الطرف الثالث )

( في أحكام الجماعة‌ )

(وفيه مسائل ) :

الأولى : إذا علم أو ثبت بعد الفراغ من الصلاة أن الامام فاسق أو كافر أو على غير طهارة من الحدث الأصغر أو الأكبر لم تبطل صلاة المؤتم على المشهور بين الأصحاب قديما وحديثا نقلا وتحصيلا ، بل في الرياض عليه عامة أصحابنا عدا السيد والإسكافي ، بل في الخلاف الإجماع على الوسط الملحق به الأول إجماعا في الرياض مع ظهور الأولوية فيه ، كما أنه في التذكرة الإجماع على الأخير ، ونسبة الصحة إلى علمائنا في الثاني ، ثم حكى عن المرتضى خاصة الخلاف فيه لقاعدة الاجزاء وإن كانت هي بالنسبة إلى الأخير لا تخلو من إشكال لا يدفعه أنه لا طريق له في معرفة ذلك إلا الظاهر ، ضرورة لزوم التكليف بما لا يطاق لو أريد الواقع ، إذ قد يقال باجتزائه بالظاهر ما لم ينكشف الواقع ، ضرورة تبين كونها حينئذ ليست بصلاة حتى يجزيه الائتمام بها في إسقاط القراءة وزيادة الأركان مثلا لو اتفق‌

٢

ونحو ذلك ، ودعوى أنه يكفي في صحة صلاة المأموم ذلك الظاهر أول الكلام ، إذ المتيقن من إطلاق الأدلة في الفراغ من متيقن الشغل غير محل الفرض ، واستصحاب الاجزاء قبل التبين لما بعد التبين لا يرجع إلى محصل عند التأمل بحيث يقطع الأصل السابق وإن تمسك به المولى الأكبر في شرحه.

نعم هي واضحة الجريان بالنسبة للأولين ، لأن واقعي‌ قوله عليه‌السلام (١) : « صل خلف من تثق بدينه وأمانته » نفس هذا الاطمئنان الذي بتبين كفره وفسقه لم ينكشف عدم اطمئنان به فيما مضى كي يتجه الفساد ، بل هو في هذا الحال يصدق عليه أنه صلى خلف من وثق بدينه ، فيتحقق الامتثال المقتضي للإجزاء ، مضافا إلى‌ مرسل ابن أبي عمير (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في قوم خرجوا من خراسان أو بعض الجبال وكان يؤمهم رجل فلما صاروا إلى الكوفة علموا أنه يهودي ، قال : لا يعيدون » بل عن الفقيه روايته عن كتاب زياد بن مروان القندي ونوادر ابن أبي عمير عن الصادق عليه‌السلام بتفاوت ، وظاهره عدم الإرسال ، على أن من الواضح عدم قدح مثل هذا الإرسال من مثل هذا المرسل في مثل هذا المقام فيما نحن فيه ، وإلى الصحاح المستفيضة جدا في الثالث ، منها‌ صحيح ابن مسلم (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن الرجل يؤم القوم وهو على غير طهر فلا يعلم حتى تنقضي صلاته ، قال : يعيد ولا يعيد من خلفه وإن أعلمهم أنه على غير طهر » ومنها‌ صحيحه الآخر أيضا (٤) عن الصادق عليه‌السلام « عن الرجل أم قوما وهو على غير طهر فأعلمهم بعد ما صلوا ، فقال : يعيد هو ولا يعيدون ».

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢ مع الاختلاف.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

٣

والمناقشة فيهما بأن أقصاهما عدم قبول قوله في حق من خلفه ، وهو لا يستلزم الحكم بالصحة حتى فيما لو علم المأمومون بذلك كما هو مفروض المسألة يدفعها ـ مع أن المتبادر منهما أن عدم وجوب الإعادة لعدم تأثير حدثية الإمام مع عدم علمهم بها في صحة صلاتهم ، كما يومي إلى ذلك التعليل في‌ صحيح زرارة (١) قال : « سألته عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم أنه ليس على وضوء ، قال : يتم القوم صلاتهم فإنه ليس على الامام ضمان » إذ الظاهر إرادته من نفي الضمان بيان عدم مدخلية صلاة الإمام في صلاة المأموم ، لا لعدم قبول قوله في حقهم وعدم حصول اليقين لهم بخبره ، ومع إطلاق قوله : « أعلمهم » فيهما ، إذ من الممكن إخباره إياهم على وجه يستفيدون القطع بذلك ـ عدم قبول باقي المعتبرة الدالة على الحكم المزبور لها ، كصحيح زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن جماعة صلى بهم إمامهم وهو غير طاهر أتجوز صلاتهم أم يعيدونها؟ فقال : لا إعادة عليهم تمت صلاتهم ، وعليه هو الإعادة ، وليس عليه أن يعلمهم ، هذا عنه موضوع » بناء على إرادة ظهور حاله عندهم من‌ قوله : « وهو غير طاهر » ولا ينافيه ما في ذيله من أنه « ليس عليه » إلى آخره ، وموثق ابن بكير (٣) قال : « سأل حمزة بن حمران أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أمنا في السفر وهو جنب وقد علم ونحن لا نعلم ، قال : لا بأس » إذ الظاهر إرادته أنا لا نعلم بذلك حال الصلاة ، وإلا فقضية سؤاله عنه علمه به بعد ذلك ، بل وصحيح الحلبي (٤) أيضا عن الصادق عليه‌السلام « من صلى بقوم وهو جنب أو على غير وضوء فعليه الإعادة ، وليس عليهم أن يعيدوا ، وليس عليه أن يعلمهم ، ولو كان ذلك عليه لهلك ، قال : قلت : كيف يصنع بمن قد خرج إلى خراسان؟ وكيف كان يصنع بمن لا يعرف؟ قال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٨.

(٤) ـ الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ١.

٤

هذا عنه موضوع » ضرورة إرادته نفي الإعادة عليهم لو علموا ، وإلا فمن الواضح عدم الإعادة عليهم حال عدم العلم ، لقبح تكليف الغافل ، وبذلك يظهر دلالة غيره أيضا.

لكن ومع ذلك كله فالمحكي عن الإسكافي وعلم الهدى وجوب الإعادة في المسائل الثلاثة ، لكن في الرياض أن الأول أطلقها في الأولين وقيدها في الوقت في الثالث ، وكذا الثاني إلا أنه لم يقيد الثالث بذلك ، ولم أعرف حكاية هذا التفصيل لمن تقدمه ، بل في ظاهر الروضة أن القائل بالإعادة قائل بها في الوقت ، بل قد يظهر من المختلف أن خلاف السيد في الأولين خاصة ، بل في صريح المنتهى وظاهر التذكرة أن السيد موافق في المسألة الثالثة.

وكيف كان فلا ريب في ضعفه في القلة (١) لما عرفت ، كضعف ما استدل به له كذلك من أنها صلاة تبين فسادها لاختلال بعض شرائطها ، فيجب إعادتها ، وبأنها صلاة منهي عنها فتكون فاسدة ، إذ هو إما مصادرة محضة أو لا يفيد المطلوب ، نعم قد يشهد له في الجملة‌ صحيح معاوية بن وهب (٢) قال للصادق عليه‌السلام : « أيضمن الإمام صلاة الفريضة؟ فإن هؤلاء يزعمون أنه يضمن ، قال : لا يضمن ، أي شي‌ء يضمن إلا أن يصلي بهم جنبا أو على غير طهر » وخبر عبد الرحمن العزرمي (٣) عن أبيه عن الصادق عليه‌السلام أيضا « صلى علي عليه‌السلام بالناس على غير طهر وكانت الظهر ، ثم دخل فخرج مناديه أن أمير المؤمنين عليه‌السلام صلى على غير طهر فأعيدوا وليبلغ الشاهد الغائب » والمروي (٤) عن البحار عن نوادر الراوندي بسنده فيه عن موسى بن إسماعيل عن أبيه عن جده موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب « في الثلاثة » أو « في الغاية ».

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٩.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

٥

« من صلى بالناس وهو جنب أعاد هو وأعاد الناس » وعن دعائم الإسلام (١) عن علي عليه‌السلام قال : « صلى عمر بالناس صلاة الفجر فلما قضى الصلاة أقبل عليهم فقال : يا أيها الناس إن عمر صلى بكم الغداة وهو جنب ، فقال له الناس : فما ذا ترى؟ فقال : علي الإعادة ولا إعادة عليكم ، فقال له علي عليه‌السلام : بل عليك الإعادة وعليهم ، إن القوم بإمامهم يركعون ويسجدون ، فإذا فسد صلاة الإمام فسد صلاة المأمومين ».

إلا أن الجميع كما ترى قاصر عن معارضة ما تقدم من وجوه ، بل الثاني منها مشتمل على ما ينافي العصمة الثابتة عقلا ونقلا كتابا وسنة ، كما أن الأول منها مجمل الدلالة ، إذ في الوسائل بعد أن رواه قال : « الحكم بضمان الامام هنا يدل على وجوب الإعادة عليه وعدم وجوب الإعادة على المأمومين » إلى آخره. مع احتمال إرادة علم المأمومين به قبل الائتمام ، فتعين إرادة وجوب الإعادة عليهم من ضمان الامام صلاتهم حال الجنابة ـ كما هو مستفاد من الاستثناء ، لأن المراد بالضمان صيرورة أفعاله الصلاة عنهم وإن تابعوه هم ، لكن التأدية به دونهم كما يومي اليه في الجملة التعليل بعدم الضمان لعدم الإعادة في صحيح زرارة (٢) السابق ـ محل منع ، على أنه محتمل كغيره الحمل على التقية ، لأنه حكي عن الشعبي وحماد وابن سيرين وأصحاب الرأي ، بل ربما كان مذهبا لعمر أيضا ، ولا ينافي ذلك تعريضه فيه للعامة ، إذ قد يكون حضر في المجلس منهم من لا يعرفه السائل أو غير ذلك ، والثالث منها محتمل لإرادة حال علم المأمومين به قبل الصلاة ولغيره ، وبالجملة فالمسألة بوضوحها غنية عن التطويل خصوصا في بيان ضعف قول المخالف ممن عرفت.

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

٦

وأضعف منه ما حكاه الصدوق عن جماعة من مشايخه من التفصيل بين الجهرية والإخفاتية فيعيد المأمومون في الثانية دون الأولى ، ولم أعرف له مستندا بالخصوص كما اعترف به غير واحد ، لكن يحتمل أنه مراعاة لحال القراءة ، ولأن نداء أمير المؤمنين عليه‌السلام كان في صلاة الظهر ، وهو كما ترى قاصران عن إثبات الحكم في نفسه فضلا عن أن يعارضا تلك الأدلة التي بعضها كمرسل ابن أبي عمير صريح أو كالصريح في عدم الفرق بين السرية والجهرية.

كما أن منه ومن باقي أدلة المقام يستفاد الحكم في سائر شرائط الصحة من الاستقبال وغيره ، بل والأركان أيضا ، ضرورة أولويتها أو مساواتها لفاقد الطهارة من الحدث وصلاة اليهودي والنصراني ، فلو تبين حينئذ بعد الفراغ فساد صلاة الإمام لاستدباره القبلة أو لعدم إتيانه بالنية أو بركن أو زاد ركنا مثلا سهوا وعلم به بعد الصلاة لم تبطل صلاة المأمومين لما عرفت ، بل قيل : ول‌ قول الصادق عليه‌السلام (١) : « في رجل يصلي بالقوم ثم يعلم أنه قد صلى بهم إلى غير القبلة ، قال : ليس عليهم إعادة شي‌ء » وقوله عليه‌السلام أيضا في صحيح الحلبي أو حسنه (٢) : « في الأعمى يؤم القوم وهو على غير القبلة ، قال : يعيد ولا يعيدون فإنهم قد تحروا ».

لكن قد يناقش في الأول بإمكان إرادة ما لا يوجب الإعادة من الانحراف عن القبلة لا ما نحن فيه من تبين كون الإمام خاصة على غير القبلة ، ضرورة ظهوره في اتحاد قبلة الامام والمأمومين ، فلو فرض الانحراف الموجب للإعادة لوجب أمر الجميع بذلك ، لعدم اختصاص الخطأ حينئذ بالإمام ، بل هو مشترك بين الجميع ، فيكون كتبين حدث الامام ومن ائتم به ، وهو غير ما نحن فيه قطعا ، وفي الثاني بأنه ظاهر في علم المأمومين بذلك قبل الدخول ، ومن المعلوم وجوب الإعادة عليهم فيه إذا لم يكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

٧

الاختلاف عن اختلاف في الاجتهاد ، فلا بد حينئذ من تأويل الخبر المزبور ، واحتمال أن إعادته دونهم للتقصير في الاجتهاد وعدمه وإن كان قد ظهر خطأ الجميع في استقبالهم بعيد ، إذ فرض الأعمى الرجوع إليهم في القبلة ، وعلى كل حال فليس هو بتلك الصراحة فيما نحن فيه من ظهور خطأ الإمام في القبلة دون المأمومين على وجه يوجب الإعادة عليه دونهم ، فالعمدة حينئذ في الاستدلال عليه وعلى أمثاله فحوى الأخبار السابقة.

نعم قد يستفاد من‌ صحيح زرارة (١) حكم الإخلال بالنية مضافا إليها ، قال : « قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : رجل دخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة وأحدث إمامهم وأخذ بيد ذلك الرجل فصلى بهم أيجزيهم صلاتهم بصلاته وهو لا ينويها صلاة؟ فقال : لا ينبغي للرجل أن يدخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة ، بل ينبغي له أن ينويها ، وإن كان قد صلى فان له صلاة أخرى ، وإلا فلا يدخل معهم ، وقد تجزي عن القوم صلاتهم وإن لم ينوها » إذ من الواضح كون الذيل جواب السؤال دون ما قبله ، لكن لا صراحة فيه بعلم المأمومين بذلك بعد الفراغ ، إلا أنه قضية إطلاقه ، بل لعله ظاهر لفظ الاجزاء فيه أيضا.

مع أنك في غنية عنه بما عرفت من فحوى الأدلة السابقة المعتضدة بعدم خلاف صريح معتد به أجده في الفرق بينها وبين ما سمعت من المسائل الثلاثة السابقة سوى ما يظهر من المحكي عن السرائر من القول بالإعادة على المأمومين أيضا عند تبين الخطأ في القبلة ، قال فيها : « ومن صلى بقوم إلى غير القبلة ثم أعلمهم بذلك كانت عليه الإعادة دونهم ، وقال بعض أصحابنا : إن الإعادة تجب على الجميع ما لم يخرج الوقت ، وهذا هو الصحيح ، وبه أقول وأفتي ، والأول مذهب السيد المرتضى ، والثاني مذهب شيخنا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

٨

أبي جعفر رحمه‌الله ، وهو الذي تقتضيه أصول مذهبنا » لكن من المحتمل قويا بل الظاهر إن لم يكن مقطوعا به إرادته ما لو كان المأمومون تابعين له في ذلك الاستقبال وحينئذ يتجه وجوب الإعادة عليهم كما ذكره ، لوقوعها على غير القبلة لا لخطأ الامام ، وهو غير ما نحن فيه من المسألة ، فتأمل. نعم قد يظهر من المحكي من عبارة المبسوط الخلاف فيما نحن فيه ، ولا ريب في ضعفه.

هذا كله في تبين فساد صلاة الإمام لكفر أو حدث أو فقد نية أو خلل في قبلة ، وقد عرفت أنه لا يقتضي فساد صلاة المأموم إذا علم بعد الفراغ ، بل الظاهر أنه لا فرق بين تعمد الامام ذلك وعدمه ، كما أنه لا بأس لو علم بعدم عدالته بعد ذلك لفحوى ما دل على الكفر وغيره مما سمعت.

أما لو بان بعد الفراغ من العمل فقدان باقي ما يعتبر في الإمام من العقل وطهارة المولد والبلوغ والذكورة والحرية بناء على اشتراطها ، وعدم الإمامية والمأمومية ونحوها إلى غير ذلك فلم أجد في النصوص بل ولا في كلام الأصحاب تعرضا لشي‌ء منها عدا ما في المنتهى من أنه لو صلى خلف من يشك في كونه خنثى فالوجه الصحة ، لأن الظاهر السلامة من كونه خنثى ، خصوصا لمن يؤم الرجل ، ولو تبين بعد الصلاة أنه كان خنثى مشكل لم يعد ، لأنه بنى على الظاهر فكان كما لو تبين كفره ، وما في التذكرة في أثناء كلامه في تبين الجنابة من الحكم بصحة الصلاة لو تبين أن الامام امرأة ، ونحوه الموجز وشرحه ، لكن فيهما أيضا لو تبين كون الإمام مأموما أعاد.

وكيف كان فقد يقوى في النظر إطلاق البطلان ، ولعله ظاهر اقتصار الأصحاب على الكفر من صفات الامام الملحق به الفسق خاصة ، كظاهر ذكر هذه الأمور بعنوان الشرائط المعلوم انصرافها إلى الواقع ، للشغل وعدم اليقين بصدق الامتثال كي يحصل الفراغ يقينا ، والقطع والظن طريقان عقلا ، لا أن المكلف به الموضوع المتصف بهما ،

٩

وتخيل الامتثال ليس امتثالا ، نعم يحتمل الاجزاء في الموضوع المعلوم عدم بناء الشارع فيه على الواقع ، كطهارة المولد التي يمكن دعوى أنه يستفاد من الأدلة الشرعية الاجتزاء بظاهر الفراش عن سائر الأحكام المرتبة عليه سما في المقام بعد خروج الوقت ، لعدم صدق اسم الفوات أو الشك فيه ، بل يمكن التفصيل بذلك في غيره من الأمور المذكورة أيضا ، فيعيد لو تبين الخطأ في الوقت ، ولا يعيد لو كان في خارجه ، كما أنه يمكن الفرق فيها بين ما كان منها شرطا لصحة الصلاة كالعقل وبين ما هو شرط للإمامة كطهارة المولد ونحوه ، فيلحق الأول بالكفر بخلاف الثاني ، بل يمكن إلحاق الجميع بالكفر بعد حمله في النص والفتوى على المثالية ، للمساواة أو الأولوية ، ولا شعار التعليل في صحيح زرارة السابق للإعادة (١) بعدم ضمان الامام بذلك ، إذ المراد منه على الظاهر أن الامام غير ضامن لصلاة المأموم ، وأنه لا مدخلية لصلاته في صلاته ، بل هو مكلف بها تماما ، ولم يفت منه شي‌ء منها بسبب المأمومية عدا القراءة التي تسقط للغفلة والنسيان ونحوهما ، وفساد الائتمام قد لا يورث فسادا في الصلاة كما في الكفر والفسق والحدث والموت وغيرها مما يحدث في الأثناء أو ينكشف سبقه ، لكن الأحوط الأول في العبادة التوقيفية التي اشتغلت الذمة فيها بيقين ، بل لعله من ذلك وغيره مما عرفت كان هو الأقوى ، فتأمل.

ولو كان المأموم عالما بفساد صلاة الإمام لفقد شرط واقعي مثلا أو بعدم إحرازه أحد شرائط الإمامة أعاد صلاته بلا خلاف ولا إشكال ، سواء كان الامام عالما بما علم به المأموم أو لا ، بل الظاهر أنه كذلك أيضا لو نسي وائتم به حتى في المسائل السابقة المنصوصة ، للأصل وظهور النصوص في غيره ، بل وكذا لو كان ذلك عن اشتباه بأن تخيل أنه العدل أو المؤمن أو المتطهر أو الرجل أو العاقل ونحو ذلك‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب « لعدم الإعادة ».

١٠

فظهر أنه الآخر الذي كان يعلم أنه متصف بالضد.

ولو علم المأموم بالكفر أو الفسق ونحوهما مما لا يقدح بعد الفراغ في أثناء الصلاة قيل والقائل على الظاهر من قال بالإعادة في السابق يستأنف لتبين فساد بعض صلاته ، بل ربما احتمل أو قيل بذلك وإن لم نقل بوجوب الإعادة بعد الفراغ ، لعدم جواز المفارقة في الأثناء ، إذ الجماعة من مقومات الصلاة المنوية ، ولأن الأصل الفساد ، خرج ما بعد الفراغ بالنصوص السابقة ، ولما في المنتهى والذكرى والمحكي عن السرائر من أن في‌ رواية حماد عن الحلبي (١) « يستقبلون صلاتهم لو أخبرهم الإمام في الأثناء أنه لم يكن على طهارة » وإن كنت لم أجدها فيما حضرني من كتب الأخبار كما اعترف به أيضا في الحدائق ، قال : لم أقف على هذه الرواية فيما حضرني من كتب الأخبار ، ولا سيما ما جمع الكتب الأربعة من الوسائل والبحار ، فلاحظ وتأمل.

وقيل والقائل على الظاهر من قال بالصحة في السابق ينوي الانفراد ويتم صلاته وهو أشبه لظهور تلك الأدلة فيه بناء على مساواة حكم الجزء للكل أو أولويته ، ولا طلاق بعضها وخصوص آخر كصحيح زرارة (٢) السابق المشتمل على التعليل المتقدم.

مضافا إلى ضعف مستند السابق ، إذ الأول منه مصادرة أو غير مفيد ، والثاني ضعيف كما تعرفه فيما يأتي ، على أنه يمكن الفرق بين ما نحن فيه وبين ذلك بالاضطرار إلى الانفراد هنا ، فلا مفارقة فيه اختيارا ، والثالث تعرف ما فيه كما أنك عرفت ما في الرابع ، فلا ريب حينئذ في كونه أشبه ، بل ينبغي القطع به في مسألة تبين الحدث من المسائل الثلاث بملاحظة الأخبار السابقة في الاستنابة التي يستفاد منها مع ذلك جواز‌

__________________

(١) البحار ج ١٨ ص ٦٢٥ و ٦٢٦ من طبعة الكمباني.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

١١

استنابة المأمومين هنا أيضا ، وعدم تعين نية الانفراد عليهم ، لما عرفت من إرادة المثال مما ذكر فيها ، فيتعدى منه إلى غيره ، خلافا للمحدث البحراني فالجمود على خصوص ما ذكر فيها كما سمعت سابقا ، ولا ريب في ضعفه.

بل ويستفاد منها أيضا عدم بطلان الصلاة أيضا لو تجدد الكفر أو الفسق أو أحدث لا إذا تبين سبقه ، على أنه أولى بالحكم المزبور من صورة التبين ، بل الظاهر هنا عدم الفساد لو تجدد خلاف باقي ما يعتبر في الإمام من الجنون أو الخرس أو غيره ، فلا تبطل صلاة المؤتم بل ينفرد أو ينوي الائتمام بالغير ، ضرورة أنه كالموت أو الحدث في الأثناء.

ثم إنه لو تبين الكفر أو الفسق أو الحدث في الأثناء في محل يمكنه القراءة ونوى الانفراد مثلا فهل يجتزئ بالقراءة الواقعة من الامام أو يجب عليه استئنافها؟ وجهان ينشئان من ظهور الأدلة في جريان أحكام الجماعة عليه إلى حال العلم ، ومن بيان فساد تحمله عنه بتبين فساد صلاته أو إمامته في محل يمكنه القراءة ، فيجب فعلها ، لا أقل من الشك في سقوطها عنه في هذا الحال ، وهو أحوط إن لم يكن أقوى ، وأحوط منه فعلها بنية القربة المطلقة تخلصا من الزيادة عمدا في الصلاة ، فتأمل جيدا ، والله أعلم.

المسألة الثانية إذا دخل طالب الجماعة مسجدا مثلا ورأى أن الامام راكع وخاف فوت الركوع إن مشى حتى يلحق بالصف نوى وكبر وركع في مكانه بناء على ما قدمنا سابقا من إدراك الركعة بإدراك الركوع ويجوز له أن يمشي حينئذ في ركوعه حتى يلحق بالصف بلا خلاف صريح أجده في شي‌ء من ذلك كما اعترف به غير واحد ، بل ربما استظهر من التذكرة الإجماع عليه ، بل في الخلاف والمنتهى دعواه صريحا عليه ، بل قد يستفاد من نسبته إلى رواية الأصحاب في‌

١٢

الذكرى ذلك أيضا ، لصحيح ابن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام أنه سئل « عن الرجل يدخل المسجد فيخاف أن تفوته الركعة ، فقال : يركع قبل أن يبلغ القوم ويمشي وهو راكع حتى يبلغهم ».

كما أني لا أجد خلافا في جواز سجوده مكانه ثم إذا قام إلى الثانية التحق بالصف بل ظاهر المنتهى الإجماع عليه ، لصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٢) قال : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا دخلت المسجد والامام راكع فظننت أنك إن مشيت اليه رفع رأسه قبل أن تدركه فكبر واركع فإذا رفع رأسه فاسجد مكانك ، فإذا قام فالحق بالصف ، فإذا جلس فاجلس مكانك ، فإذا قام فالحق بالصف » وخبر إسحاق ابن عمار (٣) قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : أدخل المسجد وقد ركع الامام فأركع بركوعه وأنا وحدي وأسجد إذا رفعت رأسي أي شي‌ء أصنع؟ قال : قم فاذهب إليهم وإن كانوا جلوسا فاجلس معهم » وصحيح معاوية بن وهب (٤) « رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يوما دخل المسجد الحرام لصلاة العصر فلما كان دون الصفوف ركعوا فركع وحده ثم سجد سجدتين ثم قام فمضى حتى لحق الصف ».

والمناقشة في الأخير بأنه غير ما نحن فيه ، لمعلومية كون الائتمام منه عليه‌السلام بهم تقية ، فهو في الحقيقة منفرد يدفعها أنه وإن كان تقية إلا أن الظاهر مراعاة أحكام الجماعة كي لا ينكر عليه ، على أنه من المحتمل كونه ائتماما حقيقة تقية وإن كان ظاهر الأدلة السابقة في القراءة خلف من لا يقتدى به ينافيه ، لكن على كل حال لا بأس في الاستدلال بما يقع منه في كيفية الجماعة وإن كان أصل إظهاره الائتمام تقية ، فتأمل جيدا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٦.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٢.

١٣

بل قد يقال : إنا في غنية عن ذلك كله بما دل (١) على جواز الفصل في الصلاة إذا كان قليلا ، وعلى خصوص المشي (٢) فيها أيضا ، فحينئذ لا حاجة في إثبات جواز كل من الأمرين السابقين إلى دليل خاص ، لكن ينبغي تقييده حينئذ بما إذا لم يكن حال الذكر في الركوع ، كما في الدروس والروض والمسالك وعن الميسية ، وحال القراءة في القيام ، لمنافاته حينئذ الطمأنينة المعتبرة فيهما ، وتقييده أيضا بما إذا لم يستلزم الانحراف عن القبلة كما في الذخيرة وعن المجمع ، بل في حواشي الشهيد أنه نقله الفخر عن والده ، فيرجع القهقرى حينئذ لو احتاج إلى الاستدبار مثلا ، وتقييده أيضا بما إذا لم يكن بعد ونحوه يمنع من الائتمام كما في التذكرة والذكرى والبيان والروض والمسالك وجامع المقاصد وتعليق النافع وعن التنقيح والهلالية وفوائد الشرائع والجعفرية وشرحيها والميسية وغيرها ، وإلا لم يجز له الائتمام ، بل ظاهر بعض مشايخنا اتفاق الأصحاب عليه وأن مقصودهم هنا بذكر الحكم المزبور الاستثناء من كراهة انفراد الإنسان بالصف وحده لا الاستثناء من التباعد ونحوه مما يمنع من الائتمام ، وبالغ في إنكار ذلك حتى شنع على من تخيله ، وربما يؤيده أيضا ما في الخلاف وعن البيان من أنه يمشي إذا لم يقف بجنبه مأموم آخر ، وإلا لم يستحب له الانتقال ، بل قيل : إنه ظاهر المبسوط والتحرير والتذكرة ونهاية الأحكام أيضا ، وهو كالصريح في أن بناء المسألة عندهم على استثنائها من كراهة الانفراد بالصف ، بل قد يومي اليه في الجملة الخبران الأخيران ، فحينئذ بناء على ذلك كله نستغني عن دليل بالخصوص لإثبات الحكم المزبور ، بل تكفي تلك الأدلة العامة إلا في رفع كراهة الانفراد بالصف.

ومن هنا قال في المنتهى : لو فعل ذلك من غير ضرورة ولا عذر ولا خوف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

١٤

فوات فالظاهر الجواز ، خلافا لبعض العامة ، لأن للمأموم أن يصلي منفردا وأن يتقدم بين يديه ، قيل : وأن يتأخر كما نص عليه جماعة من الأصحاب ونطقت به جملة من الأخبار (١) والنهي عنه محمول على الكراهة عند عدم الحاجة إليه ، لكن قد يناقش بأن إطلاق الأدلة المزبورة وبعض الفتاوى يقتضي جواز المشي حال الذكر والقراءة ، وتقييده بدليل الطمأنينة ليس بأولى من العكس ، بل لعله أولى ، لضعف دليلها عن تناول مثل المقام بحيث يتكل عليه في تقييد إطلاق هذا الحكم هنا الذي أول ما ينساق منه جوازه وإن فقدها ، ولاغتفار أعظم من ذلك للجماعة ، كما أنه يقتضي أيضا جواز الائتمام وإن كان بعيدا يمتنع ايتمامه اختيارا أي إذا لم يخف فوت الركوع لعين ما عرفت بل لعل الإطلاق هنا أيضا أظهر في التناول ، بل ظاهر الأدلة أن هذا حكم ساغ لإدراك الجماعة وخوف فواتها لا أنه تنبيه وإدلال للمكلف على أمر سائغ في نفسه وإن لم يخف الفوات.

نعم لا وثوق في الإطلاق المزبور بالنسبة للجواز مع الحائل أو السفل أو استدبار القبلة ونحو ذلك مما لا ينتقل اليه من الإطلاق المذكور ، ولا غرابة في ذلك ، ضرورة تفاوت الأفراد والأحوال بالنسبة إلى الإطلاقات ، ومثله أو أدنى منه البعد الكثير جدا المستلزم للمشي الكثير كذلك ، بلى قد يستفاد من صحيح عبد الرحمن المتقدم أنه لو كان كثيرا في الجملة وزعه على الركعات كي لا يحصل مسمى الفعل الكثير ، فيلحق بالصف حينئذ في الجملة عند قيام الإمام للركعة الثانية مثلا ، ثم عند قيامه للثالثة بل الظاهر إرادة المثال من ذلك ، وإلا فله الالتحاق في الجملة عند الركوع ، ثم عند الرفع منه ، ثم عند الجلوس وهكذا ، إذ المراد أنه لا يفعله جميعه دفعة واحدة.

ولعله من ذلك كله توقف في الحكم المشهور في الجملة في الرياض تبعا للحدائق ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب مكان المصلى.

١٥

بل جزم به في الأخير فجوز المشي حال ذكر الركوع والائتمام مع البعد المانع من الاقتداء في غير هذه الصورة المنصوصة ، وقد يؤيده أيضا مضافا إلى ما سمعت أنه لو كان البعد بما لا يجوز له اختيارا مانعا شرعيا هنا أيضا وأن المسألة مستثناة من كراهة الانفراد في الصف خاصة لما كان الحكم هنا اتفاقيا ، بل كان اللازم اختصاصه بالمشهور دون من لا يجوز التباعد بما لا يتخطى ، مع أنه لم ينقل خلاف عنه هنا ، بل قد يؤيده أيضا ظهور الوجوب من الأمر بالالتحاق وإن كان هو مخيرا فيه بين فعله حال الركوع مثلا وحال القيام ، اللهم إلا أن يقال : إنه هنا لا يراد منه الوجوب قطعا ، ضرورة أنه على هذا التقدير أيضا لم يرد منه خصوص المانع مثلا ، بل أقصاه الإطلاق الشامل له ولغير المانع وهو في الثاني ليس للوجوب قطعا ، فلا بد من حمله حينئذ على القدر المشترك بينهما الذي لا ريب في أولوية الندب منه ، واحتمال أنه مختص بالبعد المانع ، وغيره يفهم بالأولوية ونحوها بعيد ، لكن ومع ذلك كله فالأحوط ما هو المشهور على الظاهر خصوصا في مثل ما نحن فيه من العبادة التوقيفية.

ثم إن ظاهر النص والفتوى اختصاص الحكم في موضع يصدق معه الدخول كالمسجد ونحوه ، بل مورد الأول الأول ، إلا أن الذي يقوى في النظر شمول الحكم حتى للصحراء على معنى وصوله إلى موضع يمكنه فيه الائتمام بأن لا يكون بعيدا عادة بناء على المشهور ، أو الأعم منه ومن موضع يسعه الالتحاق في الصفوف في الصلاة يمشي لا يدخل تحت مسمى الكثير. ولو لتوزيعه على أحواله من الركوع والقيام ونحوهما بناء على غيره ، بل ربما قيل بدخول مثله تحت مسمى الدخول ، إذ هو الكون في مكان بعد أن لم يكن فيه ، كقوله جل اسمه (١) ( ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ) إلا أنه كما ترى‌

__________________

(١) سورة المائدة ـ الآية ٢٤.

١٦

لا يساعد العرف عليه عند الإطلاق ، وكذا ظاهر النص والفتوى عدم اعتبار كيفية خاصة في المشي المأمور به للالتحاق ، فينصرف إلى المتعارف ، لكن في الدروس والنفلية والفوائد الملية والروض والذخيرة وعن غيرها صريحا في بعض وظاهرا في آخر أنه يستحب له أن يجر رجليه ، ولا بأس به ، كما عن الفقيه من أنه‌ روي (١) « أنه يمشي في الصلاة يجر رجليه ولا يتخطى » وكأنه أراد ذلك في الذكرى حيث نسبه فيها إليها ، أو ما في النفلية من أنه‌ روى عبد الرحمن بن المغيرة « أنه لا يتخطى وإنما يجر رجليه » حكاية لفعل الصادق عليه‌السلام ، أما الوجوب ـ كما هو ظاهر الموجز وجامع المقاصد والمسالك أو صريحها ، بل في صريح تعليق النافع وعن الغرية وفوائد الشرائع ذلك ـ فضعفه واضح ، إذ دعوى محو غير هذه الكيفية الصلاة ممنوعة ، والله أعلم.

المسألة الثالثة إذا اجتمع خنثى مشكل وامرأة وانحصر الائتمام فيهما سقطت الجماعة بناء على وجوب وقوف الرجل المتحد عن يمين الامام ، لتعذر النظم المحصل للاحتياط حينئذ ، ووقفت الخنثى خلف الامام لاحتمال أنها امرأة والمرأة وراءه أي الخنثى لاحتمال أنه ذكر وجوبا كما هو ظاهر المحكي من عبارة المبسوط بل عن الإيضاح أنه حكاه عن ابن حمزة ، وهو متجه على القول بتحريم المحاذاة ، وإلا كان على الندب كما عن علم الهدى فيما نقل عنه وابن إدريس والفاضل والشهيدين وغيرهم ، بناء على غيره من كون ذلك مستحبا ، وإلا فيجوز وقوف الذكر المتحد خلفا ، كما أنه يجوز وقوف المتعدد عن اليمين ، نعم تسقط الجماعة عليه أيضا إن أريد نظمها على وجه يجمع الفضيلة والاحتياط لتعذره حينئذ ، إذ لعل الخنثى ذكر فينبغي وقوفه عن اليمين ، ولو كان معهما رجل سقطت الجماعة أيضا بناء على وجوب وقوف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

١٧

المتعدد من الذكر خلفا ، لتعذر الاحتياط أيضا ، ووقف الرجل عن اليمين أو خلفا والخنثى خلفه والمرأة خلف الخنثى بناء على غيره ، نعم تسقط عليه أيضا لو أريد النظم الجامع للفضيلة والاحتياط.

ولو كانوا رجالا وخناثى ونساء وقف الرجال خلف الامام والخناثى خلفهم والنساء خلف الخناثى وجوبا أو ندبا على القول بحرمة المحاذاة وعدمها ، ولو كان معهم صبيان ففي تقديمهم على الخناثى وتأخيرهم عنها قولان ينشئان من معلومية ذكورية الصبيان ومن تكليف الخناثى دونهم ، ولو كان معهم خصيان قدموا على من عدا الرجال من النساء والصبيان والخناثى ، وأخروا عن الرجال كما في التحرير وعن السرائر وأبي علي واستقربه في المختلف واستحسنه في الذكرى ، ولا بأس به إن كان المراد الندب وإن كان دليله محض اعتبار.

هذا كله بناء على مراعاة الواقع في الذكورة والأنوثة جوازا ومنعا وفضلا ، وإلا فلو قيل بأن المدار على العلم جاز محاذاة الخنثى للرجل وللمرأة ، ولعله لذا حكي عن ابن حمزة أنه منع من محاذاة المرأة للرجل وجوز محاذاة الخنثى لكل منهما ، وقد تقدم عند البحث في موقف النساء والرجال شطر صالح مما هنا ، فلا نعيده ، على أنه واضح بأدنى تأمل في الصور المتصورة في المقام ، كوضوح الوجه في الجميع.

بل وتقدم أيضا عند ذكر المصنف عدم جواز الجماعة مع الحائل ما يستفاد منه تمام البحث في المسألة الرابعة التي ذكرها المصنف هنا ، وهي أنه إذا وقف الإمام في محراب داخل فصلاة من يقابله ويشاهده ماضية لوجود المقتضي وعدم المانع دون صلاة من إلى جانبيه أي الإمام ، لحيلولة جدران المحراب حينئذ ، إذ الفرض دخوله ، أو جانبي المأموم المقابل لذلك أيضا مع عدم الاكتفاء بمشاهد المشاهد على اختلاف التفسيرين كما سمعت إذا لم يشاهده ، ويجوز صلاة الصفوف الذين وراء الصف‌

١٨

الأول الذي فيه الإمام لأنهم يشاهدون من يشاهده ولو بوسائط ولو بأطراف العيون ، أو المراد بالأول الصف الذي فيه مقابل الامام ، فتختص حينئذ صحة جميع الصف بمن هو خلف الصف الأول ، لكون ذلك المقابل فيه بمنزلة الإمام لهم ، ولا حائل بينهم وبينه بخلاف من كان على جانبي ذلك المقابل ، لوجود الحائل بينهم وبين الامام ولا دليل على إجزاء مثل هذه المشاهدة التي هي بأطراف العيون مثلا في صحة الجماعة ، وقد تقدم تحقيق ذلك كله هناك ، فلاحظ وتأمل وإن أطنب الفاضل المعاصر هنا في الرياض ، وبالغ في نفي الخلاف بين الأصحاب في الاجتزاء بمثل هذه المشاهدة مستشعرا له من عبارات بعض المتأخرين وإرسالهم له إرسال المسلمات.

كما أنه بالغ في أن المراد من عبارات الأصحاب التي هي كعبارة المتن المعنى الأول حاملا للأول فيها على الأول ، وقال : ليس في شي‌ء منها ما يأبى ذلك سوى عبارة القواعد مع أنها قابلة للتأويل أيضا ، نعم توقف في إقامة الدليل من جهة النص خاصة على الاكتفاء بمثل هذه المشاهدة معللا ذلك بأنه ليس إلا الصحيحة (١) المتقدمة في بحث الشروط ، ودلالتها على ذلك غير واضحة ، قال : إلا أن تتمم بفهم الطائفة مع احتمال تتميمها من غير هذه الجهة ، ثم قال : هذا وفي‌ الصحيح (٢) « لا أرى بين الأساطين بأسا » وفي آخر (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام أصلي في الطاق يعني المحراب ، فقال : لا بأس إذا كنت تتوسع به » ثم قال : وفي هذا إشعار بل ظهور. تام بصحة صلاة المأمومين من جانبي من يقابل الامام خلفه في المحراب ، إذ معها تحصل التوسعة الكاملة المتبادرة من الرواية ، وإلا فلا يحصل من ولوجه في المحراب إلا التوسعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

١٩

بنفس واحدة ، وهي خلاف المتبادر منها كما عرفته ، فتأمل ، قلت : لقد أجاد بأمره في التأمل بعد ذلك ، إذ دعوى ظهور الخبر المزبور بما ذكره مع ندرة المحراب المفروض ـ خصوصا بعد التعبير فيه بالطاق وظهور الخطاب في التوسعة للإمام خاصة ـ في غاية الغرابة كما هو واضح.

المسألة الخامسة لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام في الأفعال المشتركة بينهما لغير عذر إذا لم ينو الانفراد ، ضرورة وجوب المتابعة عليه التي يقدح فيها المفارقة إذ هي تتحقق بسبقه في الفعل أو تأخره عنه تأخرا معتدا به ، وقد عرفت فيما مضى حرمتهما على المأموم إجماعا في الأول ، وبلا خلاف معتد به في الثاني لما سمعته سابقا ، بل ظاهر المدارك والذخيرة والحدائق هنا الإجماع عليه ، بل هو كاد يكون صريح الرياض ، قال في الأول : « أما أنه لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام بدون نية الانفراد لغير عذر فلا ريب فيه للتأسي ، وعموم‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا » ومن العذر ائتمام المسبوق حيث يكون تشهده في غير موضع تشهد الإمام ، فإنه يفارقه ويتشهد ثم يلحقه » ثم نقل خلاف الأصحاب في نية الانفراد ، فنفيه الريب فيه أولا وجعله الخلاف فيما إذا نوى الانفراد ثانيا ظاهر في قطعية المسألة عنده وعدم خلاف فيها بين الأصحاب ، كما أن قوله : « ومن العذر » إلى آخره ، ظاهر في إرادته ما يشمل التأخر في الجملة من المفارقة لا السبق خاصة ولا خصوص التأخر تمام الصلاة ، وقال في الثاني : « الظاهر أنه لا يجوز للمأموم مفارقة الإمام بدون نية الانفراد لغير عذر عند الأصحاب » واستدل عليه بالتأسي وبما‌ روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به » قال : وفي الوجهين نظر ، نعم يمكن أن يقال : الصلاة عبادة تحتاج إلى توقيف الشرع‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٤ ص ٢٥٠ ـ الرقم ٥٢٢٤.

٢٠