جواهر الكلام - ج ١٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

الإجماع عليه ، وهو جيد ، لكن كان ينبغي جزمه بذلك حتى بالنسبة إلى إجماعه الذي ادعاه في السرائر وإن كان لم يصرح بنحو ذلك فيها ، لكنه مراده في الرسالة قطعا ، خصوصا مع إحالته المسألة في السرائر إليها مدعيا أنه بلغ فيها إلى أبعد الغايات وأقصى النهايات ، ضرورة عدم تركه ذكر مثل ذلك فيها الذي هو أعظم من كل ما ذكر ، فيعلم أن هذا أقصى ما كان عنده ، ولو وجد ملجأ غيره لأورده ، ومن العجيب ذكره هذا الإجماع هنا وإنكاره العمل بأخبار الآحاد الثقات في السرائر مدعيا فيها الإجماع أو الضرورة ، كما أنه من العجيب نقله في الرسالة المزبورة عمن عرفت ممن علم حاله أنه ممن لا يقول بالمضايقة ، بل من العجيب أيضا عدم ذكره رواة المواسعة مقابل ذلك ، ولذا رده غير واحد بأن الرواة رووا أخبار الطرفين ، وكم له من عجب جر به الطعن إلى نفسه ممن تأخر عنه من الأساطين ، بل ومن عاصره ، فإنك قد سمعت أن سديد الدين محمود الحمصي المعاصر له صاحب التصانيف الكثيرة علامة زمانه في الأصوليين كما عن تلميذه منتجب الدين كان يطعن عليه بأنه مخلط لا يعتمد على تصنيفه ، ولعله أخذه مما يظهر عليه من إرادة الترويج ، فربما يدعي الدعوى ويذكر فيها الإجماع ثم ينقضها في مكان آخر قريب منه ويدعي فيها الإجماع ، كما حكي عنه في مفتاح الكرامة أنه نقل الإجماع في بحث الولاء على أنه إذا كان المعتق المتوفى امرأة فولاؤها لعصبتها دون ولدها وإن كانوا ذكورا ، ثم رجع عنه ، لأنه راجع تصانيف الأصحاب وأقوالهم فوجدها مختلفة ، ثم ما بعد به المدى حتى نسب إلى الخلاف خلاف ما نقل هو عنه ، وربما يمدح الموافق له تارة لأنه وافقه ، ويذمه أخرى ويجعله عن العلم بمعزل ، إلى غير ذلك مما يطول ذكره ، بل لو أردنا استقصاء البحث في نفس عبارته التي سمعتها في الرسالة المزبورة لاحتاج إلى تسويد جملة من الفرطاس ، وفيما سمعته الكفاية للمتنبه الفطن.

ومما سمعت يظهر البحث أيضا في إجماعات غيره في المقام كإجماع الشيخ في‌

٨١

الخلاف الذي علله بأنهم لا يختلفون في ذلك ، فإنه يرد عليه ما سمعته في كلام المفيد ، على أنه هو بنفسه قد يشعر بعض عباراته في بعض كتبه به ، بل ربما آوى بعض أخبار المواسعة غير راد لها ولا مؤل ، بل ربما تشعر جملة من عباراته في الاستبصار بأن المدار في تضيق الحاضرة عنده الوقت الاختياري ، ومن هنا قال بعض مشايخنا المحققين : إن كلام الشيخ في كتبه لا يخلو من اختلاف واضطراب ، وأما إجماع ابن زهرة فلا يخفى على الخبير حاله بل وحال غيره من إجماعاته ، بل قد يحتمل أن منشأه هنا دعوى المرتضى الإجماع على فورية الأوامر المطلقة في الكتاب والسنة ، أو تلك العبارة التي سمعتها في كلام المفيد أو غير ذلك ، وبقي إجماع الرسيات وشرح الجمل ، ويجري فيهما بعض ما تقدم ، وبالجملة الركون هنا إلى هذه الإجماعات التي قد عرفت حالها من الفتاوى والروايات مما لا يقطع بالعذر معه عند رب السماوات ، خصوصا بعد ما سمعت من معارضتها بالإجماعات السابقة في أدلة المواسعة ، واشتهار الاعراض عنها في الأعصار المتأخرة المملوة من الأفاضل المحققين الذين لا يجسر على دعوى قصورهم عن المتقدمين ، بل هي على العكس أقرب إلى الصواب كما لا يخفى على ذوي الألباب ، بل هم معهم أشبه شي‌ء بقوله تعالى (١) ( ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها ) ويكفيهم في الفضل أنهم علموا ما عند المتقدمين وزادوا عليهم بما عندهم ، وأعلم الناس من يجمع علمه وعلم غيره.

ولقد أجاد المجلسي طاب ثراه فيما حكي عنه في أحكام صلاة الجمعة من البحار حيث قال : « وأي فرق بين عمل الشهيد الثاني ومن تأخر عنه وعمل الشيخ ومن تأخر عنه إلى زمان الشهيد الثاني حيث يعتبر أقوال أولئك ولا يعتبر أقوال هؤلاء ، مع أنه لا ريب أن هؤلاء أدق فهما وأذكى ذهنا وأكثر نتبعا منهم ، ونرى أفكارهم أقرب إلى الصواب في أكثر الأبواب » إلى آخره. مع أنه لا يخفى عليك وضوح الفرق بين المقامين وشدة‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٠٠.

٨٢

التباين بين المسألتين ، لما عرفت من كثرة القائلين من القدماء بالمواسعة ، بل هي أقرب إلى دعوى الإجماع من المضايقة ، إذ أرباب الثانية المقطوع بفتواهم بها بالنسبة إلى الأولى نزر قليل ، بل لم يعرف عن بعضهم إلا بالنقل كالقديمين ، وليس هو كالعيان.

فظهر حينئذ ضعف معارضة تلك الأدلة بهذه الإجماعات ، كمعارضتها بقوله تعالى (١) ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) لما حكاه في الذكرى عن كثير من المفسرين أنها في الفائتة ، لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ، إن الله تعالى. إلخ » ، وعن البيضاوي بعد ذكر جملة من معاني الآية أو لذكر صلاتي ، لما‌ روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من نام » الخبر. كما عن مجمع الطبرسي أيضا بعد ذكر جملة من المعاني ، وقيل : معناه أقم الصلاة متى ذكرت أن عليك صلاة كنت في وقتها أو لم تكن عن أكثر المفسرين ، وهو المروي (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام ، ويعضده ما رواه‌ أنس (٤) « ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال ـ إلى آخره ـ وقرأ ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) » رواه مسلم في الصحيح‌ ونحوه عن جوامعه مضافا إلى ما سمعته في صحيح زرارة (٥) المروي في الذكرى الذي ذكرناه في أدلة المواسعة ، كصحيحه الآخر (٦) عن الباقر عليه‌السلام « إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى فإن كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك ، فان الله عز وجل يقول ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) ، وإن كنت تعلم إذا‌

__________________

(١) سورة طه ـ الآية ١٤.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١٢.

(٣) مجمع البيان ـ سورة طه ـ الآية ١٤.

(٤) صحيح مسلم ج ٢ ص ١٤٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢.

٨٣

صليت التي فاتتك فاتتك التي بعدها فابدأ بالتي أنت في وقتها واقض الأخرى » إذ هو ظاهر في استفادة الفورية من الآية ، ولذا استدل بها عليها ، فتكون اللام للتوقيت أي عند ذكري.

ويعضدها حينئذ الأخبار الكثيرة المستفاد منها ذلك ، كالنبوي (١) الذي ادعى في السرائر أنه من المجمع عليه بين الأمة « من نام عن صلاة أو نسيها فوقتها حين يذكرها » والآخر المروي عن رسيات المرتضى « من ترك صلاة ثم ذكرها فليصلها إذا ذكرها ، فذلك وقتها » وخبر نعمان الرازي (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن رجل فإنه شي‌ء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها قال : فليصل حين ذكر » ونحوه صحيح حماد بن عثمان (٣) بل لعلهما خبر واحد وإن وقع خلل في السند ، وصحيح زرارة (٤) عن الباقر عليه‌السلام « أربع يصليها الرجل في كل ساعة : صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أديتها ، وصلاة ركعتي طواف الفريضة ، وصلاة الكسوف ، والصلاة على الميت ، فهذه يصليهن الرجل في الساعات كلها » وصحيح معاوية بن عمار (٥) عن الصادق عليه‌السلام « خمس صلوات لا تترك على حال : إذا طفت بالبيت ، وإذا أردت أن تحرم ، وصلاة الكسوف ، وإذا نسيت فصل إذا ذكرت ، وصلاة الجنازة » وموثقه (٦) عن الباقر عليه‌السلام « أنه سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلاة لم يصلها أو نام عنها قال : يصليها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها ليلا أو نهارا » ‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٢ ص ٢١٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١.

٨٤

وخبر يعقوب بن شعيب أو صحيحه (١) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس أيصلي حين يستيقظ أو ينتظر حتى تنبسط الشمس؟ فقال : يصلي حين يستيقظ » وصحيح زرارة أيضا أو خبره (٢) عن الباقر عليه‌السلام « إذا نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها فليقض الذي وجب عليه ، لا يزيد على ذلك ولا ينقص ، ومن نسي أربعا فليقض أربعا حين يذكرها مسافرا كان أو مقيما ، وإن نسي ركعتين صلى ركعتين إذا ذكر مسافرا كان أو مقيما » وصحيحه الآخر (٣) عن الباقر عليه‌السلام في قول الله تعالى (٤) ( إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ) قال : يعني مفروضا ، وليس يعني وقت فوتها ، إن جاز ذلك الوقت ثم صلاها لم تكن صلاته مؤداة ، ولو كان ذلك كذلك لهلك سليمان ابن داود حين صلاها لغير وقتها ، ولكن متى ما ذكر صلاها ، ومتى ما استيقنت أو شككت في وقتها أنك لم تصلها أو في وقت فوتها أنك لم تصلها صليتها ، فان شككت بعد ما خرج وقت الفوت وقد دخل حائلا فلا إعادة عليك من شك حتى تستيقن ، فان استيقنت فعليك أن تصليها في أي حال كنت ».

وموثقة سماعة بن مهران (٥) « سألته عن رجل نسي أن يصلي الصبح حتى طلعت الشمس قال : يصليها حين يذكرها » وصحيح أبي ولاد (٦) عن الصادق عليه‌السلام سأله‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٤.

(٣) ذكر صدره في الوسائل في الباب ٧ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٤ وذيله في في الباب ٦٠ منها ـ الحديث ١.

(٤) سورة النساء ـ الآية ١٠٤.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٥.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب صلاة المسافر ـ الحديث ١.

٨٥

عن حكمه حيث أنه مسافر وقصر في النهار ثم عدل في الليل وأراد الرجوع إلى منزله ولم يدر أيقصر في رجوعه أم يتم؟ فقال عليه‌السلام بعد كلام : « وإن كنت لم تسر في يومك الذي خرجت فيه يريدا فان عليك أن تقضي كل صلاة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تريم من مكانك ذلك ، لأنك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير حتى رجعت ، فوجب عليك قضاء ما قصرت ، وعليك إذا رجعت أن تتم الصلاة حتى تصير إلى منزلك » : وصحيح زرارة (١) عن الباقر عليه‌السلام أنه سئل « عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصلها أو نام عنها فقال : يقضيها إذا ذكرها في أي ساعة ذكر من ليل أو نهار ، فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت ، وهذه أحق بوقتها فليصلها ، فإذا قضاها فليصل ما قد فاته مما قد مضى ، ولا يتطوع بركعة حتى يقضي الفريضة كلها ».

وصحيحه الآخر الطويل (٢) عن الباقر عليه‌السلام الذي هو عمدة أدلة القائلين بالمضايقة حتى أن الشيخ في الخلاف قال : إنه جاء مفسرا للمذهب كله ، قال : « إذا نسيت صلاة أو صليتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأولهن فأذن لها وأقم ثم صلها ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة ، وقال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : وإن كنت قد صليت الظهر وقد فاتتك الغداة فذكرتها فصل الغداة أي ساعة ذكرتها ولو بعد العصر ، ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك صليتها ، وقال : إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فانوها الأولى ثم صل العصر ، فإنما هي أربع مكان أربع ، وإن ذكرت أنك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر وقد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١.

٨٦

صليت منها ركعتين فانوها الأولى ثم صل الركعتين الباقيتين ، وقم فصل العصر ، وإن كنت قد ذكرت أنك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل العصر ثم صل المغرب ، وإن كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر ، فان كنت قد صليت من المغرب ركعتين ثم ذكرت العصر فانوها العصر ثم قم فأتمها ركعتين ثم تسلم ثم تصلي المغرب ، فان كنت قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصل المغرب وإن كنت ذكرتها وقد صليت من العشاء ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثم سلم ثم قم فصل العشاء الآخرة ، فإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة ، وإن كنت ذكرتها وأنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثم قم فصل الغداة وأذن وأقم ، وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة ابدأ بالمغرب ثم العشاء ، فان خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم بالغداة ثم صل العشاء ، فان خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة ثم صل المغرب والعشاء وابدأ بأولهما ، لأنهما جميعا قضاء ، أيهما ذكرت فلا تصلهما إلا بعد شعاع الشمس ، قال : قلت : لم ذاك؟ قال : لأنك لست تخاف فوتها ».

وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى ، فقال : إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلى حين يذكرها ، فإذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي ، وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى المغرب ثم صلى العتمة بعدها ، وإن كان صلى العتمة وحده فصلى منها ركعتين ثم ذكر أنه نسي المغرب أتمها بركعة ، فتكون صلاته للمغرب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢.

٨٧

ثلاث ركعات ثم يصلي العتمة بعد ذلك » وصحيح صفوان بن يحيى (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « سألته عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلى العصر فقال : كان أبو جعفر عليه‌السلام أو كان أبي عليه‌السلام يقول : إن أمكنه أن يصليها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها ، وإلا صلى المغرب ثم صلاها » وخبر أبي بصير (٢) « سألته عن رجل نسي الظهر حتى دخل وقت العصر قال : يبدأ بالظهر ، وكذلك الصلوات تبدأ بالتي نسيت إلا أن تخاف أن يخرج وقت الصلاة فتبدأ بالتي أنت في وقتها ثم تقضي التي نسيت » وخبر معمر بن يحيى (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلى على غير القبلة ثم تبين له القبلة وقد دخل وقت صلاة أخرى ، قال : يصليها قبل أن يصلي هذه التي قد دخل وقتها إلا أن يخاف فوت التي قد دخل وقتها » وما عن‌ دعائم الإسلام (٤) روينا عن جعفر بن محمد عليه‌السلام أنه قال : « من فاتته صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى فإن كان في الوقت سعة بدأ بالتي فاتته وصلى التي هو منها في وقت ، وإن لم يكن في الوقت إلا مقدار ما يصلي التي هو في وقتها بدأ بها وقضى بعدها الصلاة الفائتة » والمروي (٥) في كتب الأصحاب مرسلا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « لا صلاة لمن عليه صلاة ».

وجميع ذلك كما ترى غير صالح في نفسه لإثبات تمام ما سمعته من أهل المضايقة في عنوان النزاع فضلا عن أن يعارض تلك الأدلة السابقة ، أما الآية فلا ريب في عدم ظهورها في نفسها مع قطع النظر عن تفسيرها بالأخبار فيما ذكره ، بل هي ظاهرة في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨.

(٣) التهذيب ج ٢ ص ٤٦ ـ الرقم ١٥٠ من طبعة النجف.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١.

(٥) المستدرك ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٢.

٨٨

عدمه ، إذ لا يخفى كون الخطاب بالآية الشريفة لموسى على نبينا وعليه السلام ، فإنه سبحانه قال (١) : « ( وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى ) ـ إلى أن قال ـ ( فَلَمّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً ، وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى ، إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنَا فَاعْبُدْنِي ، وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ، إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى ، فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ فَتَرْدى ، وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى ) إلى آخرها ، واحتمال إرادة الخطاب لنبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله ( فَاعْبُدْنِي ) إلى قوله ( وَما تِلْكَ ) على أن يكون جملة معترضة بينهما أو لكل مكلف في غاية الضعف بل الفساد ، على أنه لا ينافي ما ستسمع ، بل الظاهر أنه تعالى شأنه لما بشره بالرسالة أمره بالاستماع لما أوحاه له من التوحيد الذي هو أصل الأصول والفروع ، والعبادة له تعالى التي هي نتيجة كمال الإيمان الكاشفة عن حصوله وثبوته ، ثم عطف الصلاة له عليها من عطف الخاص على العام ، لأنها أفضل العبادات وعمود الطاعات ، فالياء في ذكري كياء فاعبدني أي أقم الصلاة لي ، إذ إقامتها لذكره إقامة له تعالى شأنه ، أو أن المراد أقمها لأجل ذكري ، إذ الصلاة في الحقيقة باعتبار اشتمالها على التسبيح والتعظيم والأذكار واشتغال القلب واللسان في الله بسببها ذكر من أذكاره ، بل عبر عن الصلاة بالذكر في قوله تعالى (٢) ( فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ ) وقوله تعالى (٣) ( فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ) وقوله تعالى (٤) ( الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً ) ومنه (٥) ( فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ) وعن‌

__________________

(١) سورة طه ـ الآية ٨ إلى ١٨.

(٢) سورة الجمعة ـ الآية ٩.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ٢٤٠.

(٤) سورة آل عمران ـ الآية ١٨١.

(٥) سورة الروم ـ الآية ١٦.

٨٩

الباقر عليه‌السلام (١) « ذكر الله لأهل الصلاة أكبر من ذكرهم إياه ألا ترى أنه تعالى يقول (٢) ( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ) » وربما حمل عليه قوله تعالى أيضا (٣) ( وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ) أو أن المراد أقمها لأجل أن تكون ذاكرا لي غير ناس كما هو شأن المخلصين والأولياء الذين لا يفترون عن ذكر الله ، ولا تلهيهم تجارة ولا بيع عنه ، أو أن المراد لأجل ذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري ، أو لإخلاص ذكري وطلب وجهي لا ترائي بها ولا تقصد بها غرضا آخرا أو لأني أذكرك بالمدح والثناء وأجعل لك لسان صدق ، أو لأني ذكرتها في الكتب ، أو لذكري إياها وأمري بها فأقمها امتثالا لذلك ، أو لوجوب ذكري على كل أحد ، وهي منه ، أو لأوقات ذكري ، وهي مواقيت الصلاة ، أو غير ذلك ، لا أن المراد أقم الصلاة لذكري لك إياها عند نسيانك لها أي تذكيري وأضافه اليه مع أن المناسب التعبير بذكرها لما قيل من أنه ورد في الأخبار أن الذكر والنسيان من الأشياء التي لا صنع للعباد فيها ، أو أن المراد لذكر صلاتي على جهة الإضمار أو التجوز بإرادتها من ضمير التكلم ، إذ هو كما ترى مع ركاكته وظهور الآية بخلافه مناف لمرتبة موسى أو نبينا ( عليهما الصلاة والسلام ) من نسيان الصلاة ، على أن الآية كالصريحة في إرادة الأمر بإقامة أصل الصلاة وبيان زيادة الاهتمام بها لا خصوص الفائتة منها.

ودعوى وجوب القول بذلك للأخبار المتقدمة والمحكي عن أكثر المفسرين وإن كان ظاهر الآية نفسها ما تقدم يدفعها ـ بعد إمكان منع قبول مثل هذه الأخبار في‌

__________________

(١) تفسير الصافي ـ سورة البقرة ـ الآية ١٤٧.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ١٤٧.

(٣) سورة العنكبوت ـ الآية ٤٤.

٩٠

صرف مثل هذا الظاهر من الكتاب ، ضرورة أولويته من التخصيص أو التقييد بخبر الواحد الصحيح الصريح الذي منعه جماعة ـ أنه لا ظهور في تلك الأخبار بإرادة الفائتة خاصة من الصلاة فيها ، بل ولا إرادة التذكر من النسيان من الذكر فيها ، إذ صحيح زرارة مع اشتماله على ما لا يقول به أهل المضايقة بل ربما رده بعضهم باشتماله على نوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس فيه سوى الاستدلال على وجوب القضاء إذا ذكر بالآية ، وهو يتم مع كون الصلاة فيها للأعم من الحاضرة والفائتة ، بل ويتم وإن كان الذكر فيها لا بمعنى التذكر بعد النسيان ، بل يكفي فيه استفادة قضاء الصلاة من إطلاق الأمر فيها بإقامة الصلاة معللا بالذكر الذي منه يستفاد إرادتها وإن خرج وقتها ، ودعوى إرادته عليه‌السلام استفادة الفورية حال الذكر منها ممنوعة كل المنع ، لما ستعرفه من أنه لا دلالة في مثل هذه العبارة الواقعة فيه على الفورية كي يحتاج إلى الاستدلال عليها ، خصوصا وقد سمعت ما عن الطبرسي في كتابيه من تعميم الصلاة في الآية للحاضرة والفائتة حاكيا له عن أكثر المفسرين راويا له عن الباقر عليه‌السلام ، كما أنه حكي عن الشيخ الذي هو من أرباب المضايقة في تبيانه أنه قال بعد أن فسر الآية ببعض ما ذكرناه نحن : « وقيل : إن المعنى متى ذكرت أن عليك صلاة كنت في وقتها أو فات وقتها فأقمها » إلى آخره ، فيجب حينئذ حمل قوله ( لِذِكْرِي ) وإن قلنا إنه بمعنى التذكر على أن زمان التذكر وقت لوجوب الصلاة مطلقا دفعا لتخيل سقوط الوجوب بالنوم أو النسيان في أول الوقت أو عدم وجوب القضاء بعد خروج الوقت ، أو وجوب شي‌ء آخر غير القضاء ، أو وجوب القضاء في وقت خاص كالأداء ، بل لو لم يستفد منه إلا مجرد إيجاب القضاء بعد الذكر لكونه فرضا جديدا لكفى بذلك فائدة ، لا أن المراد أنه يجب الفعل في أول أوقاته ، لعدم صحته بالنسبة للحاضرة التي هي أهم للشارع في إرادة بيانها بالآية ، فاللام حينئذ بمعنى « بعد » بل لو جعل بمعنى « في » أو « عند » أمكن القول بأن‌

٩١

وقت الذكر جنس يصدق في أفراد متعددة وإن كانت مترتبة الوجود ، فيحصل الامتثال بإيقاع الفعل في أي واحد منها ، بل لو فرض استمرار زمان الذكر كان أوضح في الامتثال بالتأخير ، إذ هو حينئذ كقوله : صل يوم الخميس ، ودعوى إرادة الأول لا شاهد لها.

بل قد يقال : إن‌ قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصحيح المزبور (١) : « من نسي شيئا من الصلاة » بعد أن صلى الصبح ونافلتها يشعر بإرادته الأعم من الفريضة من الصلاة ، فيجب حمل الأمر حينئذ على الطلب المطلق الذي هو أعم من الوجوب والندب ، وحمل التوقيت بالذكر على عدم إرادة الفورية ، ضرورة عدم التضييق في النافلة ، والتقييد والتخصيص ليس بأولى مما ذكرنا ، خصوصا لو قلنا : « إذا » للتوقيت وسلمنا إرادة أول أزمنته لكن الأمر للندب حتى يشمل النافلة ، لأن مجازية الندب في الأمر في غاية الشيوع والكثرة ، كما أن أمره فيه لأصحابه بالتحول وصلاته النافلة قبل القضاء ظاهر في عدم إرادته وجوب الفعل في أول زمان الذكر من لفظ « إذا » فيه بل قد يدعى ظهور هذه وما ماثلها في نفسها فضلا عن القرائن المؤيدة في إرادة بيان سببية الذكر للوجوب وابتداء حصوله فيه كقولهم (ع) (٢) : إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة ، وإذا انكسفتا أو إحداهما فصلوا ، وإذا شككت في الركعتين فأعد ، وإذا شككت في المغرب فأعد ، وإذا شككت في الفجر فأعد‌ ، بل‌ روي (٣) « فيمن أجنب في رمضان فنسي أن يغتسل حتى خرج رمضان أن عليه أن يقضي الصلاة والصوم إذا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ١ والباب ١ من أبواب صلاة الكسوف الحديث ١٠ والباب ١ من أبواب الخلل الحديث ١٤ والباب ٢ منها الحديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ١ والوسائل الباب ٣٠ من أبواب من يصح منه الصوم ـ من كتاب الصوم.

٩٢

ذكر » ومن الواضح عدم فورية قضاء الصوم بالمعنى المزبور ، ونحو قوله تعالى (١) : ( وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ).

بل قد يقال : إن هذا التقييد يؤتى به عرفا لصحة الكلام وتكميله ، ضرورة استنكار قوله : إذا نسيت الصلاة فصل ، أو إذا نمت عن الصلاة فصل ، وإذا أغمي عليك فصل وعدم مألوفيته إن لم يقيد بالذكر في الأول واليقظة في الثاني والإفاقة في الثالث ، ولو أردت وضوح الحال فافرض نفسك المجيب عن هذا السؤال ، إذ خطابات الشارع كخطابات بعضنا مع بعض ، ومن المعلوم عدم إرادة الفورية التي يقولها الخصم من ذلك ، ولو فرض إرادتها لم يكتف بمثل هذه العبارة التي لا أقل من احتمال كون « إذا » فيها ظرفا للوجوب أو للقضاء.

ونحو ذلك كله يجري في النبوي المشتمل على ذكر الآية أيضا بعد الإغضاء عن ضعف سنده ، بل وصحيح زرارة الآخر أيضا وإن استدل فيه بالآية على وجوب البدأة بالفائتة مع سعة الوقت ، لكنه من حيث أن المستدل عليه لا ظهور فيه بمضايقة الخصم كما أن المستدل به لا دلالة فيه أصلا على الترتيب الذي في السؤال كان محتملا لإرادة الاستدلال بالآية على الرخصة أو مطلق الطلب الذي هو أعم من الوجوب التعييني في البدأة بالفائتة وفعلها وقت الحاضرة دفعا لتوهم منع الجواز أو الرجحان الحاصل من شدة ما ورد من التأكيد في المحافظة على الحاضرة في وقتها ، فيكون المقصود حينئذ بيان أن ذلك أحد أفراد الواجب التخييري ، على أنه لا دلالة فيه على إرادة وقت الاجزاء أو الفضيلة ، بل لعل الظاهر الثاني ، لشيوع إرادته من مثل التعبير المزبور وندرة فرض الأول كي يحتاج إلى التنبيه عليه ، بل والنبوي الذي ادعى في السرائر إجماع الأمة عليه التي يمكن منعها عليه ، إذ الظاهر منه إرادة بيان كون الذكر وقت وجوبها ووقت صحة‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٩٢.

٩٣

فعلها ، نحو ما سمعته في‌ قوله عليه‌السلام : « إذا ذكرها » لا مضايقة الخصم.

بل لعل المقصد الأصلي من ذلك إرادة بيان عدم اختصاصها بوقت من الأوقات وبيان صلاحية سائر الأوقات لها ، وبيان عدم سقوطها بمجرد فوت وقتها الأدائي ، كخبر نعمان الرازي الذي بعده بعد الإغضاء عن سنده ، بل هو أظهر منه في كون المقصود منه بيان ذلك ، لكون السؤال فيه وقع عن فعل القضاء في الوقت الذي يتوهم فيه الحظر كما عن أبي حنيفة وأصحابه ، أو شدة الكراهة لاشتهار النهي عنه ، بل لعل السؤال فيه عن الأعم من قضاء الفريضة والنافلة ، فيكون الأمر فيه لمطلق الطلب ، بل أظهر منهما في المعنى المذكور صحيحا زرارة ومعاوية ، ضرورة كون المقصود منهما عين ما في‌ خبر أبي بصير (١) عن الصادق عليه‌السلام « خمس صلوات يصلين في كل وقت : صلاة الكسوف ، والصلاة على الميت ، وصلاة الإحرام ، والصلاة التي تفوت ، وصلاة الطواف من الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى الليل » وما تقدم من المحكي عن‌ أصل الحلبي (٢) « خمس صلوات يصلين على كل حال متى ذكر ومتى أحب : صلاة فريضة نسيها يقضيها مع غروب الشمس وطلوعها ـ إلى أن قال ـ : وكسوف الشمس عند طلوعها وعند غروبها » بل يؤيده أيضا أن باقي الخمس أو الأربع فيهما لا مضايقة بمعنى الخصم في شي‌ء منها ، فقوله حينئذ في أولهما : « فمتى ذكرت » يراد به تقرير ما ذكره أولا من الصلاة في كل ساعة ، كقوله : « إذا ذكرت » في ثانيهما أي أنه لا بأس بفعلها حال الذكر في أي وقت كان ليلا أو نهارا حسب ما في الموثق المتقدم بعد الصحيحتين ، والسؤال في خبر ابن شعيب محتمل لأن يكون عن الجواز بلا كراهة أو الرجحان ، وصحيح زرارة يجري فيه ما سمعت ، بل صحيحه الآخر ظاهر في إرادة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٣١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١.

٩٤

ما تقدم من عدم سقوط الصلاة بفوت وقت الأداء ، مع أنه مشتمل على وجوب الصلاة مع الشك فيها في الوقت أو اليقين ، ومن المعلوم عدم وجوب المبادرة في ذلك.

وموثقة سماعة يعرف حالها مما تقدم ، وصحيح أبي ولاد ـ مع اشتماله على تحديد المسافة بما لا يقوله جملة من أرباب المضايقة كما قيل ، واحتمال « من قبل » فيه صلة لصليتها ليناسب التعليل المتصل به وإن بعد من جهة تعلق ما قبله وهو « بتمام » بقوله : « تقضي » إلا أنه قد يراد به مطلق الإعادة ـ يجب طرحه ، لما ستعرف إن شاء الله في محله من عدم وجوب قضاء المقصورة بالعدول عن السفر ، بل قيل : إنه مجمع عليه ، أو حمله على الاستحباب ، واحتمال الاستدلال به بناء على الثاني باعتبار ظهوره في الوجوب الشرطي في أداء المندوب ولا قائل بالفرق بينه وبين الواجب في ذلك كما ترى ظاهر المنع ، وصحيح زرارة يعرف حاله مما تقدم ، بل لعل فيه ما يقتضي أولويته بذلك مما سبق من إرادة مطلق الجواز أو الرجحان ، واحتمال إرادة وقت الفضيلة وغير ذلك.

وأما صحيحه الآخر الطويل الذي هو عمدة أدلة المضايقة فهو ـ مع أن سنده لا يخلو من كلام في الجملة ، وشهادة ذيله للمواسعة ، وجريان ما تقدم في قوله فيه : « أي ساعة ذكرتها » و « متى ذكرت » سيما بعد قوله فيه : « ولو بعد العصر » ومعارضته بما في صحيح الصيقل (١) عن الصادق عليه‌السلام من أمر ناسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء بإتمام العشاء ثم قضاء المغرب بعد معللا للفرق بينه وبين الظهر والعصر في ذلك بأن الشعاء بعدها صلاة بخلاف العصر ، فان حمله على إرادة مغرب ليلة سابقه وعدم وجوب العدول كما هو مذهب القائلين بالمواسعة أولى من حمله على الحاضرتين كما اعترف به في الذكرى المستلزم لطرحه ، لمعلومية وجوب العدول فيهما ، أو حمله على خلاف ظاهره أو صريحه من ضيق وقت العشاء ، فتأمل ، وتضمنه لحكم الحاضرتين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٥.

٩٥

المشتركتين في الوقت المنبئ عن أن ما ذكر فيه من العدول ليس من جهة المضايقة ، كما أنه كذلك أيضا ، ضرورة عدم اقتضاء المضايقة العدول ، لكونه حكما شرعيا مخالفا للضوابط المحكمة والقواعد المتقنة ، وهي تبعية الأعمال للنيات ، خصوصا بالنسبة إلى البعض الواقع ، بل المتجه عليها أن الفساد أو الصحة لما شرع فيه وقام لها وافتتح الصلاة عليها كما لو تجاوز محل العدول ، وكون ذلك للدليل الذي قد أمرنا باتباعه والانقياد له ولا يختص بالمضايقة ، بل لأهل المواسعة القول به من جهته ، بل لا ينافي ذلك قولهم وإن أوجبوه بالنسبة إلى هذا الموضوع الخاص ، وهو الذاكر في الأثناء ، وإن كان هم لم يلتزموا بذلك ، إلا أن المراد بيان أن ذلك شي‌ء لا تقتضيه المضايقة ، ولا تنافيه المواسعة لو جاء به الدليل الصريح ، كما ستسمع له عند ذكر المصنف العدول زيادة إيضاح فتأمل جيدا ، واشتماله على ما حكي الإجماع على عدمه من العدول بالعمل بعد الفراغ منه بل‌ قوله عليه‌السلام فيه : « وإذا نسيت الظهر » إلى قوله : « حتى صليت العصر » لا يكاد يتم له معنى سالم من التكرير أو غيره ، واحتمال إرادة وقت الفضيلة من‌ قوله فيه : « ولم تخف فوتها » بل لعله الظاهر منه للمستقيم المتأمل ، خصوصا مع مراعاة الندرة لو أريد الوقت الاجزائي الذي هو نصف الليل كي يحتاج إلى الاحتراز عنه ـ محتمل لإرادة الوجوب التخييري الراجح أو مطلقا من الأمر فيه بالعدول ، بل لعله متعين بملاحظة ما ذكرناه أخيرا ، والأدلة السابقة للمواسعة المقتضية عدم وجوب العدول بسبب عدم وجوب الترتيب المستلزم لعدم وجوب العدول بطريق أولى.

ومن ذلك يظهر لك الحال في خبر عبد الرحمن الذي بعده المطعون في سنده بل ودلالته من حيث كون الأمر فيه بلفظ الخبر ، بل قيل : إن المستفاد من إطلاق السؤال‌

٩٦

والجواب فيه ومن خبر أبي بصير (١) الآتي وغيره شمول أول الجواب لما إذا ذكرت الصلاة في وقت إجزائها ، فلا يكون الغرض من‌ قوله عليه‌السلام : « صلى حين يذكرها » إيجاب المبادرة عند الذكر ، ولا يكون الأحكام المذكورة في الترتيب مبنية على ذلك ، بل وصحيح صفوان أيضا ، مع أن ظاهر جعل الغروب غاية للنسيان فيه وقوع التذكر عنده أو بعده قبل زوال الحمرة لا قبل الانتصاف ، فالترديد في الجواب حينئذ يومي إلى أن المراد بفوات المغرب فوت وقت فضيلتها ، فلا يكون الحكم فيه بوجوب التقديم للحاضرة أو للفائتة على التعيين ، بل وخبر أبي بصير المضمر المطعون في سنده ودلالته للتعبير فيه بلفظ الخبر ، إذ لم يقصد بوقت العصر في سؤاله أول وقتها وهو بعد مضي أربع ركعات من الزوال وتأخر وقتها كما هو ظاهر ، بل وقت فضيلتها هو مؤكد لما سبق ، فيكون المراد حينئذ بقوله : « وكذلك الصلوات » الغير المشتركة في الوقت ، بمعنى يبدأ بها إلا أن يخاف فوت وقت فضيلة الحاضرة ، فلا يكون دالا على مطلوب الخصم ، إذ المقصود حينئذ التشبيه في الجملة ، واحتمال جعل قوله : « تبدأ » ثانيا حكما لجميع ما تقدم حتى بالنسبة إلى الظهرين ويراد بالصلوات فيه حينئذ الأعم مما سبق ومن الحاضرتين المشتركتين في وقت كالعشاءين ، فيتعين حينئذ إرادة وقت الاجزاء من قوله فيه : « يخرج وقت الصلاة » بعيد جدا ، بل يمكن القطع بعدمه.

وأما خبر معمر بن يحيى المطعون في سنده بل ودلالته أيضا بما سمعت فظاهره الحاضرتان ، وهو خارج عما نحن فيه ، واحتمال إرادة التبين فيه بعد خروج تمام الوقت أو في الوقت وترك الإعادة حتى خرج الوقت بعيد ، بل لا وجه لوجوب الإعادة على الأول إلا أن ينزل على الاستدبار ونحوه بناء على وجوب الإعادة فيه مطلقا ، مع أنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٨ ولا يذكره ( قده ) فيما يأتي وإنما تعرض له سابقا في ص ٨٨.

٩٧

محتمل لإرادة خوف فوات وقت الفضيلة ، كاحتمال إرادة الحواضر من خبر الدعائم المطعون في مصنفه وفي أخباره سيما التي أرسلها ظاهرا ، ومطلق الطلب الذي هو أعم من الوجوب من الأمر الذي هو بلفظ الخبر فيه وغير ذلك ، والنبوي المرسل الذي لم يوجد في الأصول المعدة لجمع الأخبار محتمل لإرادة نفي الكمال مطلقا للنافلة غير الراتبة ونحوها والفائتة في وقت الحاضرة ، بناء على استحباب تقديمها على الفائتة ، أو على نفيه في خصوص الأولى بشهادة‌ النبوي الآخر الصحيح (١) « إذا دخل وقت مكتوبة فلا صلاة نافلة حتى يبدأ بالمكتوبة » وإلا فإرادة نفي الصحة منه للنافلة والحاضرة أو الأخيرة خاصة لمن عليه صلاة فائتة حتى يكون حجة للخصم لا دليل عليها ، بل يمكن معارضته باحتماله في نفسه عدم صحة الفائتة خاصة ، أو هي والنافلة لمن عليه حاضرة ، بل لعله يلتزم به من يقول بوجوب تقديم الحاضرة كما نسب إلى ظاهر الصدوقين وغيرهما وإن كان قدمنا سابقا أن مرادهما الاستحباب ، فتأمل جيدا.

وإن كان بعض ما ذكرناه من التأويل في أخبار المضايقة بعيدا فلا بأس به بعد أن رجحت أخبار المواسعة عليها بما لا يخفى على من تأمل ما حررناه فيهما وفي محل النزاع بل وبموافقة الكتاب (٢) أيضا الذي أمرنا بها عند التعارض في عدة أخبار (٣) مذكورة في محلها للتمييز بين الصادق والكاذب من حيث أنه كثر الكذابة من أهل الأهواء والبدع على النبي والأئمة ( عليهم الصلاة والسلام ) في حياتهم وبعد موتهم لتحصيل الأغراض الدنياوية ، ولما رأى جماعة منهم أن الأئمة عليهم‌السلام حكموا بكثير مما اشتهر خلافه بين الناس ولا سيما العامة وكشفوا عن المراد بكثير من الآيات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦١ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦.

(٢) سورة الإسراء ـ الآية ٨٠.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء.

٩٨

والروايات مما هو بعيد إلى الأذهان ، بل لا يصل اليه عدا المعصوم أحد من أفراد الإنسان جعلوا ذلك وسيلة إلى الاقتحام على نسبة كثير من الأكاذيب إليهم واختلاق الأضاليل والبدع عليهم ، فمن هنا أمر الأئمة عليهم‌السلام بالعرض على الكتاب لسلامته من الكذب والاختلاق ، لكن من المعلوم إرادة النصوص القرآنية منه أو الظواهر التي لا يحتاج فهم معناها إلى العصمة الربانية ، أو احتاج لكن على سبيل التنبيه للغير بحيث يكون بعد الوقوف هو الظاهر المراد لديه ، لا الآيات التي ورد تفسيرها بالأخبار الظنية التي تلحق من جهتها بالبطون الخفية ، وعلى فرض صحتها بالسر المخزون والعلم المكنون ، إذ ذاك في الحقيقة عرض على الخبر الذي لا مزية له على المعروض ، ضرورة أن الكذوب كما يمكنه اختلاق الكذب على الأئمة عليهم‌السلام فيما لا يتعلق بالتفسير كذلك يمكنه الاختلاق فيما يتعلق به ، بل قيل : قد طعن في الرجال على جملة من أرباب التفسير الذين شأنهم نقل الأخبار في ذلك عن الأئمة عليهم‌السلام ، كما طعن على أرباب الأخبار ووجد في التفاسير المنقولة عنهم عليهم‌السلام ، أكاذيب وأباطيل كما وجدت في غيرها من الأخبار ، فدعوى بعض الناس إرادة الأعم من ذلك مما لا يصغى إليها وإن بالغ في تأييدها وتشييدها ، بل شنع على الأصحاب بما غيرهم أولى به عند ذوي الألباب ، وتفصيل الحال لا يناسب المقام.

ولا ريب في موافقة أخبار المواسعة للكتاب الذي عرفته في الاستدلال عليها لا أخبار المضايقة ، إذ قوله تعالى ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ) المفسر بما سمعت مع أنك قد عرفت تفصيل الحال فيه ليس هو إلا من قبيل القسم الثاني من الكتاب الذي قد ذكرنا أنه في الحقيقة عرض على الخبر لا الكتاب ، بخلاف أخبار المواسعة المعروضة على الإطلاقات القرآنية الدالة على وجوب الحاضرة على ما عرفته سابقا ، بل منه يظهر أيضا ترجيحها بالموافقة للمعلوم من السنة النبوية وأخبار الذرية العلوية التي قد أمرنا‌

٩٩

بالعرض عليها أيضا في غير واحد من الأخبار (١) بل وبمخالفة العامة أيضا الذين جعل الله الرشد في خلافهم ، لأنهم حجبوا بأعمالهم عن الوصول إلى الحق والرجوع إلى أهله ، وبما‌ روي (٢) عن الصادق عليه‌السلام أنه قال لبعض أصحابه : « أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما يقول العامة؟ فقال : لا أدري ، فقال : إن عليا عليه‌السلام لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره ، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عليه‌السلام عن الشي‌ء الذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس » بل وبغير ذلك مما ليس ذا محل ذكره إذ القول بالمواسعة وعدم وجوب تقديم الفائتة مخالف للمحكي من مذاهب جمهور العامة بل القول برجحان تقديم الحاضرة مخالف للمحكي عن جميعهم ، ولا ينافي ذلك اشتمال بعض أخبار المضايقة على ما لا يقول به كثير من العامة ، إذ ذاك إن كان يقدح فإنما هو بالنسبة إلى حمل الخبر على التقية لا فيما نحن فيه ، مع أن التحقيق عدم قدحه فيها أيضا ، لاحتمال تجدد سببها ، أو لأن السائل إنما يخشى عليه بالنسبة إلى ذلك دون الآخر إذ التقية لا تنحصر في خوف الإمام ، أو لأن ذلك مما لا يتقى فيه لظهور وجهه ودليله بخلاف غيره ، أو لغير ذلك مما ليس ذا محل تفصيله.

فلا ريب حينئذ في رجحان أخبار المواسعة بذلك بل وبالشهرة والسيرة والإجماع التي تقدم تحريرها سابقا ، وسهولة الملة وسماحتها ونفي العسر والحرج فيها ، وعن الصادق عليه‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) أنه قال : « إذا حدثتم عني بالحديث‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب صفات القاضي من كتاب القضاء.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٩ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٢٧ من كتاب القضاء.

(٣) البحار ج ص ٢٤٢ المطبوعة بطهران عام ١٣٧٦ ـ الباب ٢٩ من كتاب العلم الحديث ٤٠ عن المحاسن.

١٠٠