جواهر الكلام - ج ١٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بأحكام السنة منه بخلاف الأقرأ فإنه القاري العالم بأحكام الدين القرآنية كما ترى لا تستأهل ردا.

وعلى كل حال فالقول به بالنسبة إلى بعض أفراد القارين وبعض أفراد الفقهاء لا يخلو من قوة ، كما أن القول بالأول بالنسبة إلى البعض الآخر كذلك ، بل قد يدعى وضوح الترجيح عند عامة المتشرعة الممارسين لطريقة الشرع السابرين ( السامعين خ ل ) لأخبارهم (ع) ، وكان ذلك مأخوذا لهم يدا عن يد إلى أئمتهم (ع) ، بل لعل في اختلاف الأخبار إشعارا بذلك ، ضرورة أنه لا يكاد يخفى على أطفال المتشرعة ترجيح العالم المجتهد الفاضل المراقب المرتاض على قارئ مقلد لا يعرف معنى ما يقرأه كبعض الأعاجم ، إذ لا خير في قراءة لا تدبر فيها.

كما أنه لا يخفى ترجيح القاري الذي هو جيد القراءة جدا وعارف بجملة ما يحتاج إليه في الصلاة على وجه الاجتهاد أو التقليد على من كان أزيد منه فقها في الجملة على وجه الاجتهاد أو التقليد إلا أن قراءته في أدنى مراتب الاجزاء ، فالميزان غير مختل الوزن ، ومع فرض تعادل الكفتين يفزع إلى الأخبار لا أنه يرجع إليها على كل حال ، ضرورة عدم وفاء ما اشتمل منها على ذكر المرجحات بتمام الأمور المتصورة المستفادة أيضا من عموم أخبار أخر وخصوصها ، بل لا تعرض فيها لتمام ما يتصور في مضامينها نفسها كاجتماع المتعدد منها في مقابلة المتحد ، وإن كان قضية إطلاق ترتيبها ترجيحه وإن كان واحد على المتعدد ، والله أعلم بحقيقة الحال.

والمراد بالأقرإ كما هو المتبادر المنساق منه الأجود قراءة كما في التذكرة وكشف الالتباس والمدارك وغيرها ، واليه يرجع ما في التحرير من أنه الأبلغ في الترتيل ومعرفة المخارج والاعراب مما يحتاج إليه في الصلاة ، وزاد في البيان وجوه التجويد ، وما في الروض وعن غيره من أنه الأجود أداء وإتقانا للقراءة ومعرفة أحكامها ومحاسنها ،

٣٦١

ونحوه في المسالك ، وعن فوائد الشرائع والميسية ، لا الأكثر قرآنا وإن نسب إلى بعضهم بل اختاره المولى الأكبر في شرح المفاتيح لتعارف الترجيح به في ذلك الزمان ، وللصحيح (١) والخبر (٢) الواردين في العبد والأعمى يؤمان القوم إذا رضوا بهما وكانا أكثرهم قرآنا وغيرهما من أخبار الطرفين ، لكن الأول أقوى ، نعم لا بأس بالترجيح بذلك أيضا مع التساوي في الأداء كما اعترف به في الذكرى بل والمنتهى ، بل ربما نقل عن غيرهما أيضا ، ولعل الخبرين يحملان على ذلك.

وكيف كان فبناء على ظاهر كلمات الأصحاب من تقديم الأقرأ ( فـ ) المشهور نقلا في الذخيرة وتحصيلا كون الأفقه بعده ، ونسبه في المنتهى والتذكرة إلى الأكثر ، بل عن الغنية الإجماع عليه ، لما عرفت من الأمور السابقة التي هي إن لم تقتض تقديمه على الأقرأ فلا ريب في اقتضائها تقديمه على غيره ، وللرضوي (٣) بل وخبر الدعائم (٤) أيضا ، ولا يعارضها خبر أبي عبيدة (٥) الذي لا جابر له في المقام ، بل الموهن متحقق ، فما عن المرتضى وأبي علي والسرائر ـ من جعل الأسن بعد الأقرأ ثم الأفقه ، بل في البيان عن بعض الأصحاب أنه ذهب إلى تقديم الأقدم هجرة فالأسن فالأفقه ، بل عن القاضي أنه لم يذكر الأفقه أصلا كالمحكي عن الأمالي من جعل الأقدم هجرة بعد الأقرأ وبعده الأسن وبعده الأصبح وجها ـ ضعيف لم نعرف لشي‌ء منه شاهدا سوى خبر أبي عبيدة لخصوص ما حكاه في البيان ، وقد عرفت قصوره في المقام.

ويكفي الفقه في الصلاة في الترجيح ، فلو فرض كون أحدهما أفقه من الآخر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٤) المستدرك ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

٣٦٢

فيها تقدم ، أما لو تساويا في الفقه فيها وزاد أحدهما في الفقه في غيرها لم يبعد ترجيحه عليه أيضا وفاقا للروض والمسالك والرياض وغيرها ، بل عن فوائد الشرائع نسبته إلى ظاهرهم ، خلافا للذكرى فلم يعتبره لخروجه عن كمال الصلاة ، وفيه أن المرجح لا ينحصر فيها ، بل كثير منها كمال في نفسه ، ولعل هذا منها مع شمول النص له بإطلاقه ، بل قد يظهر من خبر أبي عبيدة إرادته بالخصوص ، لقوله عليه‌السلام فيه : « الأعلم بالسنة والأفقه في الدين » نعم لو كان أحدهما أفقه من الآخر في الصلاة والآخر أفقه منه في غيرها لم يبعد ترجيح الأول ، مع أنه لا يخلو من نظر فيما لو فرض عموم فقاهته لسائر أبواب الفقه.

ولو تساووا في الفقه فالأقدم هجرة عند علمائنا كما في المنتهى ، للرضوي بل وخبري أبي عبيدة والدعائم ، إذ لا ينافيه مخالفة مقتضاهما في الأفقه لما عرفت ، فما في التحرير والدروس والموجز وعن السرائر والمبسوط من تقديم الأكبر سنا أو الأشرف أو الهاشمي عليه ضعيف ، بل عن بعضهم عدم ذكره مرجحا أصلا ، ولعله لأنه لا فائدة فيه في زمننا كما اعترف به في الحدائق ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « لا هجرة بعد الفتح » ولأن المراد به ما هو المتبادر منه من الأقدم هجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام كما في المنتهى وغيره ، والظاهر إرادة ذلك الزمان منه ، نعم بناء على عدم انقطاع الهجرة عندنا كما صرح به في المسالك تتصور له فائدة في بعض الفروض النادرة ، واحتمال إرادة السبق إلى العلم منه في زماننا كما عن يحيى بن سعيد والقطيفي ، أو الساكن في الأمصار كما عن المحقق الكركي وتلميذه ، أو السبق إلى الإسلام أو إلى داره ، أو أولاد من تقدمت هجرته كما في التذكرة لا شاهد على شي‌ء منه ، وما‌ عن الصادق عليه‌السلام « إن فضل أهل المدن على القرى كفضل أهل السماء على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب جهاد العدو ـ الحديث ٧ من كتاب الجهاد.

٣٦٣

الأرض » لا دلالة فيه أصلا ، بل ولا دلالة في‌ المروي (١) عن معاني الأخبار عنه عليه‌السلام أيضا « أنه من ولد في الإسلام فهو عربي ، ومن دخل فيه بعد ما كبر فهو مهاجر ، ومن سبي وعتق فهو مولى » على شي‌ء من ذلك عدا الأول مما ذكر في التذكرة ، مع أن الظاهر إرادته ذلك على نوع من المجاز.

فان تساووا في الهجرة فالأسن عند أكثر العلماء كما في التذكرة للأخبار السابقة ، فما عن السرائر من تقديمه على الأقدم هجرة ضعيف ، والظاهر إرادة الأسن في الإسلام كما في التحرير والذكرى والدروس والموجز وعن المبسوط والسرائر والنفلية والجعفرية وفوائد الشرائع والميسية والغرية وإرشاد الجعفرية والفوائد الملية ، فابن خمسين في الإسلام أسن من ابن سبعين وله فيه أربعون ، إلا أن النص غير ظاهر فيه كما اعترف به في المدارك ، ولعله لذا لم يرجح في نهاية الأحكام على ما قيل.

فان تساووا فالأصبح وجها عند الأكثر كما في الروض للرضوي والمرسل عن علل الصدوق والسرائر حيث قال أولهما بعد ذكره خبر أبي عبيدة : وفي حديث آخر (٢) « وإذا كانوا في السن سواء فأصبحهم وجها » وثانيهما نحو ما عن المرتضى فان تساووا فقد‌ روي (٣) « أصبحهم وجها » مع إمكان التأييد ببعض الأخبار (٤) الدالة على عناية الله بمن حسن صورته وغيرها ، لكن تركه بعضهم أصلا ، كما أنه تأمل فيه أو منعه آخر وخير بينه وبين الأحسن ذكرا ثالث ، بل احتمل إرادة الأحسن‌

__________________

(١) معاني الأخبار ص ٢٣٩ المطبوعة عام ١٣٧٩.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٧.

(٤) البحار الجزء ٢ من المجلد ١٥ ص ٢٦ باب أصناف الناس ومدح حسان الوجوه.

٣٦٤

ذكرا بين الناس منه أو قال به رابع ، لقول أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) : « إنه يستدل على الصالحين بما يجري الله تعالى لهم على ألسنة الخلق » إلا أن الجميع في غير محله بعد القول بالتسامح في أدلة السنن ، ضرورة الاكتفاء حينئذ بما عرفت مما هو منجبر بالشهرة العظيمة ، بل عن فوائد الشرائع نسبته إلى عامة الأصحاب على حسب الاكتفاء في استحباب المراتب السابقة عليه بنحو ذلك مما تقدم مما هو قاصر سندا أو سندا ودلالة ولذا حملوا التقديم فيها جميعها على الاستحباب دون الفرض والإيجاب حتى قال في التذكرة : إنا لا نعلم فيه خلافا ، وكأنه يريد معتدا به ، وإلا فقد سمعت ما عن ابن أبي عقيل وإن كان يحتمل إرادته الكراهة ، وعن العماني وظاهر المبسوط وصريح المراسم إيجاب تقديم الأقرأ على الأفقه ، لكنه من المحتمل بل كاد يكون صريح العبارة المحكية عن ثانيهما إرادتهم الفقيه الذي لم يكن عنده قدر ما يكفي في الصلاة من القراءة ، فيكون خروجا عما نحن فيه حينئذ وإلا كان ضعيفا جدا لإطلاق الأدلة وعمومها ، وإمكان تحصيل الإجماع إن لم يكن الضرورة على عدم الوجوب مع عدم ما يصلح لإثباته في نفسه فضلا عن أن يعارض غيره ، إذ ليس إلا تلك الأخبار القاصرة عن تمام ما ذكره الأصحاب من قيود الاستحباب فضلا عن الحتم والإيجاب ، كذكر التشاح المعتبر بينهم في أصل الرجوع إلى هذه المرجحات ، اللهم إلا أن يكون استفادوه من لفظ التقديم فيها ، وتعارف ذكر مثل هذه المرجحات عند الاختلاف ، ومن قوله في خبر أبي عبيدة : إنه يقول بعض للآخر : تقدم يا فلان وبالعكس إذ ذاك من التشاح ، لعدم اختصاصه بإرادته تقديم نفسه ، بل هو أعم منه ومن إرادة تقديم غيره كما نص عليه في الرياض وغيره ، إلا أن الظاهر بل لعله من المقطوع به عدم إرادة ما يشمل رغبة كل من‌

__________________

(١) نهج البلاغة ـ القسم الأول من الأقسام الخمسة من الرسالة الثالثة والثلاثون ( الجزء ٤ ص ١٩ المطبوع في بيروت مع شرح محمد عبده ).

٣٦٥

الشخصين في إمامة الآخر به ، ولعل ما في خبر أبي عبيدة منه لا أنه من التنازع في إمامة شخص كأن يريد زيد مثلا إمامة عمرو ويريد بكر إمامة خالد ، إذ هذا أقصى ما يمكن تسليم اندراجه في التشاح ، مع إمكان منعه وقصره على إرادة كل منهم الإمامة لنفسه ، فتأمل.

وكيف كان فان تساووا في هذه الصفات ففي الدروس والموجز وعن غيرهما القرعة من غير مراعاة مرجحات أخر ، وفي التذكرة قدم أتقاهم وأورعهم على الأقوى لأنه أشرف في الدين ، وأفضل وأقرب إلى الإصابة ( الإجابة خ ل ) ، ثم أشرفهم نسبا وأعلاهم قدرا فان استووا فالأقرب القرعة ، لأنهم أقرعوا في الأذان في عهد الصحابة فالإمام أولى ، واحتمل الشهيد تقديم الأورع على المراتب كلها بعد القراءة والفقه ولا بأس به لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « قدموا خياركم » وقوله عليه‌السلام (٢) : « إن أئمتكم وافدكم » وغير ذلك مما لا يخفى.

بل قد يقال بعدم انحصار الترجيح بالمرجحات المنصوصة ، بل إنما ذكرت تنبيها للمكلف وتعليما له على ملاحظة أمثال ذلك ، وإلا فميزانه بيده ، والصفات الراجحة شرعا غير خفية ، كما أنه غير خفي مراتبها أيضا ، ومع فرض التساوي في الجميع قد يقوى السقوط حينئذ ، ويرجع إلى التخيير ، إذ الظاهر أن القرعة للأمور المشكلة باعتبار الاشتباه الظاهري دون الواقع ، وإلا فمع احتمال خلو الواقع كما في الفرض فلا ، نعم قد يكون لها وجه عند تعارض أمر الترجيح عليه بالتعدد والاتحاد وغيرهما ، ولعل عدم تعرض النصوص لعلاج نحو ذلك لسهولة أمر هذا الاختلاف ، وعدم خوف الفتنة منه ، وندرة التساوي من كل وجه ، أو تصادم المرجحات كذلك.

والمراد بالورع كما في الذكرى العفة وحسن السيرة ، وهو مرتبة وراء العدالة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

٣٦٦

تبعث على ترك المكروهات والتجنب عن الشبهات والرفض ، وأهذب منه ما عن بعضهم من أن التقوى التجنب عن الشبهات لئلا يقع في المحرمات ، والورع هو التجنب عن المباحات لئلا يقع في الشبهات ، لكن عن الأردبيلي المناقشة في ذلك بأنه ليس من ترك كثيرا من الأمور التي هي عمدة في التقرب مثل تحصيل العلوم والعبادات الشاقة الكثيرة وقضاء حوائج المؤمنين مع أنه يجتنب الشبهات ويتورع عن المباحات يكون أتقى وأكرم على الله تعالى ، بل الأمر بالعكس ، لأن الأكرمية باعتبار الاتصاف بالأوصاف المقربة ، فمن اتصف بالأكثر والأعلى فهو الأكرم عند الله ، ففي التعريفين تأمل وتزلزل ، فحينئذ ينبغي تقديم من فيه الوصف المذكور ، وإني أظن أنه مقدم في جميع المراتب ، وعدم ذكره لظهوره ، قلت : المراد ترك المباحات خوف الوقوع في المحرمات لا المستحبات ، وإلا فهذه الأمور المذكورة عين التقوى والورع إذا جامعها الإخلاص ، فتأمل جيدا ، والله أعلم بحقيقة الحال.

ويستحب للإمام أن يسمع من خلفه الشهادتين بلا خلاف أجده فيه ، للصحيح (١) عن الصادق عليه‌السلام « ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه التشهد ، ولا يسمعونه هم شيئا يعني الشهادتين ، ويسمعهم أيضا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين » وخبر أبي بصير (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « ينبغي للإمام أن يسمع من خلفه كلما يقول ، ولا ينبغي لمن خلفه أن يسمعوه شيئا مما يقول » بل يستفاد من الثاني استحباب إسماع سائر ما يجوز الإجهار فيه من الأذكار في الركوع والسجود وغيرهما ، كما أنه يستفاد منه كراهة إسماع المأموم شيئا من ذلك ، نعم الظاهر الاقتصار في ذلك على غير المنكر من رفع الصوت كما يشير اليه‌ خبر عبد الله بن سنان (٣) المروي عن تفسير العياشي سأل الصادق عليه‌السلام « عن الامام هل عليه أن يسمع من خلفه وإن كثر ، فقال :

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

٣٦٧

ليقرأ قراءة وسطا ، إن الله تعالى (١) يقول ( وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها ) ».

وإذا مات الإمام أو أغمي عليه في الأثناء استنيب من يتم الصلاة بهم بلا خلاف معتد به أجده ، بل بالإجماع في الموت صرح جماعة ، بل في التذكرة ذلك أيضا فيه مع الإغماء ، بل عن الذكرى وغيرها الإجماع في مطلق العذر الشامل للموت وغيره ، وإن كنت لم أجد ذلك فيها ، إلا أن ظاهر الأصحاب عدم التوقف فيه وفي كل عذر مساو للموت من جنون ونحوه ، وإن كان لا تصريح في النصوص إلا بالموت إلا أن الظاهر إلغاء الخصوصية ولو بمعونة الاتفاق المزبور ، فما في الحدائق حينئذ ـ من التأمل أو المنع في الإغماء ونحوه من الأعذار المخرجة للإمام عن الاختيار عدا الموت لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح الحلبي (٢) : « في رجل أم قوما فصلى بهم ركعة ثم مات ، قال : يقدمون رجلا آخر ويعتدون بالركعة » إلى آخره ، ومكاتبة الحميري للقائم عليه‌السلام المروية عن الاحتجاج (٣) « أنه روي عن العالم عليه‌السلام أنه سئل عن إمام قوم صلى بهم بعض صلاتهم وحدثت حادثة كيف يعمل من خلفه؟ فقال عليه‌السلام : يؤخر ويتقدم بعضهم ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه ، التوقيع ليس على من نحاه إلا غسل اليد إذا لم يحدث ما يقطع الصلاة يتم صلاته مع القوم » ـ في غير محله ، إذ لا يخفى عليك انسياق عدم الفرق بين الموت وغيره من نفس الخبرين مع قطع النظر عن الاتفاق والأخبار الأخر ، وأن الموت أحد الأفراد نص عليه لمكان السؤال عنه ، كما أن الظاهر أيضا عدم إرادة الشرطية من قوله في صحيح الحلبي :

__________________

(١) سورة الإسراء ـ الآية ١١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٣ ـ من أبواب غسل المس ـ الحديث ٤ من كتاب الطهارة.

٣٦٨

« يقدمون » بحيث لا يجزي لو تقدم بعضهم من غير تقديم منهم ، بل هو أحد الأفراد أيضا كما يومي اليه مكاتبة الحميري ، إذ الظاهر إرادته هذا الصحيح من قوله فيها : « روي عن العالم » إلى آخره ، وقد سمعت حكايته إياه بما لا يفهم منه ذلك حيث قال : « يتقدم » بل لعله ظاهر في خلافه ، ولا ينافيه ما في الذكرى من أن حق الاستخلاف في الفرض المزبور للمأمومين للصحيح المذكور ، إذ من المعلوم عدم إرادته الحقية الحتمية بل الظاهر أيضا عدم اعتبار كون المقدم بعضهم ، وإن كان ظاهر مكاتبة الحميري أنه هو الذي فهمه من إطلاق الصحيح ، إلا أن الظاهر عدم إرادته ذلك على سبيل الشرطية كما نص عليه بعض الأصحاب ، مضافا إلى ما تسمعه من ظهور بعض النصوص الواردة في الأعذار الطارئة للإمام التي لم تخرجه على الاختيار كالحدث والرعاف ونحوهما في تقديم الأجنبي ، ولا فرق بينهما على الظاهر ، فما عساه يلوح من بعضهم ـ من التوقف في ذلك اقتصارا في العبادة التوقيفية على المتيقن ـ في غير محله.

وكذا إذا عرض للإمام ضرورة بأن سبقه الحدث أو الرعاف أو الأذى في بطنه أو ذكر أنه كان على غير طهارة أو تمت صلاته لسفر جاز أن يستنيب عنه من يتم الصلاة بالمأمومين بلا خلاف أجده في شي‌ء من هذه الأعذار ، بل في الذكرى « يجوز الاستخلاف عند علمائنا أجمع للإمام إذا أحدث أو عرض له مانع » وفي التذكرة « الإجماع على المرض والحدث » بل في الرياض « أنه بالإجماع على ذلك صرح جماعة » ومع ذلك فالنصوص (١) بها مستفيضة حد الاستفاضة إن لم تكن متواترة ، منها أنه‌ سأل معاوية بن عمار (٢) الصادق عليه‌السلام في الصحيح « عن الرجل يأتي المسجد وهم في الصلاة وقد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فيعتل الإمام فيأخذ بيده ويكون أدنى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ و ٧٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

٣٦٩

القوم اليه فيقدمه ، فقال : يتم صلاة القوم ثم يجلس حتى إذا فرغوا من التشهد يومي إليهم بيده من اليمين والشمال فكان الذي أومى إليهم بيده تسليما وانقضى صلاتهم ، وأتم هو ما كان فاته أو بقي عليه » والمرسل (١) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « ما كان من إمام تقدم في الصلاة وهو جنب ناسيا أو أحدث حدثا أو رعافا أو أذى في بطنه فليجعل ثوبه على أنفه ثم لينصرف وليأخذ بيد رجل فليصل مكانه ، ثم ليتوضأ وليتم ما سبقه به من الصلاة ، فإن كان جنبا فليغتسل وليصل الصلاة كلها » إلى غير ذلك من الأخبار التي لا يسع المقام حصرها ، إذ هي تقرب من ثلاثة عشر ، وظاهرها إتمام النائب الصلاة من موضع القطع ولو في أثناء قراءة السورة ، فما عن بعضهم من وجوب الابتداء بالسورة لا دليل عليه وإن كان هو الأحوط ، وأحوط منه الفعل بنية القربة المطلقة.

وإطلاق كثير منها كالفتاوى يقتضي عدم الفرق في النائب بين المأموم والأجنبي كما صرح به بعضهم ، بل كاد يكون صريح‌ صحيح جميل (٢) عنه عليه‌السلام « في رجل أم قوما على غير وضوء فانصرف وقدم رجلا ولم يدر المقدم ما صلى الامام قبله ، قال : يذكره من خلفه » وخبر زرارة (٣) سأل أحدهما عليهما‌السلام « عن إمام أم قوما فذكر أنه لم يكن على وضوء فانصرف وأخذ بيد رجل وأدخله وقدمه ولم يعلم الذي قدمه ما صلى القوم ، قال : يصلي بهم ، فإن أخطأ سبح القوم به وبنى على صلاة الذي كان قبله » ضرورة ظهور فرض عدم علمه بما صلاة الإمام فيه وغيره بما قلنا ، لكن قد يشعر الثاني منهما بأن النائب يبني على صلاة من قبله ، فيكتفي بالمقدار الذي بقي للمأمومين ولو ركعة أو ركعتين ، ويكون حينئذ نائبا عن الإمام في ذلك وإن لم يكن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

٣٧٠

هو بالنسبة إليه صلاة ، بل قد يومي‌ خبر طلحة بن زيد (١) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « سألته عن رجل أم قوما فأصابه رعاف بعد ما صلى ركعة أو ركعتين فقدم رجلا ممن قد فاته ركعة أو ركعتان ، قال : يتم بهم الصلاة ثم يقدم رجلا فيسلم بهم ويقوم هو فيتم بقية صلاته » إلى جواز النيابة في السلام وحده أيضا بناء على إرادة الأعم من المأموم من الرجل المقدم فيه ، وخبر علي بن جعفر (٢) عن أخيه موسى عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد سأله « عن إمام يقرأ السجدة فأحدث قبل أن يسجد كيف يصنع؟ قال : يقدم غيره فيسجد ويسجدون ، وينصرف وقد تمت صلاته » إلى جوازه في السجدة أيضا بناء على إرادة ما يشمل الأجنبي من الغير فيه ، إلا أن الحكم لما كان من المستغربات ولم ينص عليه أحد من الأصحاب كما اعترف به في الحدائق وإن كان ربما استظهره من المنتهى وجب حمل هذه الأخبار على إرادة المأموم ، ومع فرض عدم قبول خبر زرارة وسابقه له باعتبار تضمنهما لعدم علم المقدم ولو كان مأموما لعلم ـ مع أنه يمكن دفعه بإمكان تصويره فيه أيضا ـ يجب أن يراد بالبناء فيه بالنسبة للمأمومين دونه ، أو غير ذلك أو طرحه.

لكن على كل حال لا ينبغي التوقف في جواز استخلاف المأموم وغيره ، وإن كان الأحوط الأول ، كما أنه لا ينبغي التوقف في أنه للمأمومين تقديم من يشاؤون (٣) إذا لم يقدم الامام لهم من يأتمون به ، بل لبعضهم أن يتقدم وإن لم يقدمه أحد ، كما يدل عليه‌ صحيح علي بن جعفر (٤) سأل أخاه موسى عليه‌السلام « عن إمام أحدث فانصرف ولم يقدم أحدا ما حال القوم؟ قال : لا صلاة لهم إلا بإمام ، فليتقدم بعضهم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٣) في النسخة الأصلية « من يشاؤا » ولكن الصواب ما أثبتناه.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

٣٧١

فليتم بهم ما بقي منها وقد تمت صلاتهم ».

نعم الظاهر أنه أحق منهم بالتقديم ، لكونه نائبا عنه ، ولظاهر أكثر الأدلة إلا أن ذلك ليس على سبيل الحتم والإلزام قطعا ، بل لهم أن لا يأتموا بمن قدمه لهم ، فيقدمون غيره ، ويتمون صلاتهم ، كما أن لهم إتمام صلاتهم فرادى من غير ائتمام حتى لو قلنا بعدم جواز نية الانفراد اختيارا ، ضرورة قهريته في المقام ، إذ احتمال فساد الصلاة مقطوع بعدمه ، كاحتمال وجوب الائتمام ، بل عن العلامة في التذكرة الإجماع على بطلان الأخير من الاحتمالين ، ويؤيده أيضا ـ مضافا إلى الأصل وغيره ـ ظاهر‌ صحيح زرارة (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم أخبرهم أنه ليس على وضوء ، قال : يتم القوم صلاتهم ، لأنه ليس على الامام ضمان » فيجب حينئذ حمل صحيح علي بن جعفر السابق على تأكد الفضل والاستحباب لا الحتم والإيجاب ، أو على خصوص الجمعة كما أسلفناه ، وإلا فاحتمال القول بأن العبادة توقيفية والأصل عدم جواز العدول وعدم نقل النية فينبغي الاقتصار على المتيقن مما لا ينبغي الالتفات اليه ، خصوصا في المقام ، لما عرفت من الصحيح المزبور ، فللمأمومين حينئذ إتمام الصلاة فرادى وجماعة بتقديمهم إماما ، أو تقديم الامام لهم ، أو من دون تقديم مقدم بل تقدم لنفسه ، أو بعضهم فرادى وبعضهم جماعة ، متفقين في الإمام أو مختلفين فيه ، كما نص على ذلك كله أو أكثره في المنتهى وغيره ، ويستفاد من نصوص المقام.

وكذا يستفاد منها أنه لو فعل ذلك الامام اختيارا بأن أحدث مثلا عمدا جاز الاستخلاف أيضا كما نص عليه في التذكرة وغيرها ، لإطلاق بعض النصوص ، والقطع بمساواته للمضطر ، خلافا لأبي حنيفة فمنعه بناء منه على أصل فاسد.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

٣٧٢

بل قد يستفاد أيضا مما ورد منها في استخلاف الامام المسافر عند انتهاء صلاته من يتم الصلاة بالمأمومين جواز الاستخلاف في صورة سبق الإمام المأمومين ، ضرورة عدم الفرق بينهما كما نص عليه في المنتهى ، وإن استشكله في الحدائق تبعا للتحرير من جهة عدم النص عليه بالخصوص مع توقيفية العبادة ، لكنه في غير محله ، إذ الفقيه بعد ممارسته لكلامهم عليهم‌السلام وأنسه به صار كالحاضر المشافه في كثير من الأمور فإذا فهم وانساق إلى ذهنه من بعض الأدلة التعدي من مواردها إلى غيرها كان حجة شرعية يجب عليه العمل بها ، ولعل كثيرا من إنكار بعض القاصرين عن هذه المرتبة على الأصحاب حتى يرمونهم بالعمل بالقياس ونحوه يدفعه نحو ذلك ، كما لا يخفى.

بل قد يستفاد من نصوص المقام أيضا جواز نقل المأموم نيته من إمام إلى إمام آخر اختيارا ، وجواز نقل المأموم نيته إلى الإمامة ببعض المأمومين أو غيرهم كما نص في التذكرة على الأول ، فقال : « يجوز نقل المأموم نيته من إمامه إلى إمام آخر في تلك الصلاة » لكن منعه في الحدائق تبعا له في المنتهى ومحتمل الذكرى للأصل وتوقيفية العبادة‌ والنبوي (١) « إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه » ولعدم الفائدة في النقل لحصول فضيلة الجماعة ، إلا أن الجميع كما ترى لا تعارض فهم الفقيه التعدية من الأدلة المزبورة ، ومن هنا قال في الذكرى : « إنه يمكن أن يفرق بين العدول إلى الأفضل وغيره » بل قد يقال بجواز دور النقل وتراميه وإن قال في الذكرى : « فيه ما فيه » ولعل الانصاف فضلا عن الاحتياط يقتضي التوقف في بعض الصور المزبورة مخافة رجوع مداركها إلى تخريج في الأدلة غير جائز ».

ونحوه في ذلك جواز استخلاف الإمام إماما غيره ببعض جماعته أو جميعها مع بقائه مصليا مؤتما بالخليفة أو منفردا ، مأموما كان الخليفة أو منفردا ، وإن أمكن تجشم‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

٣٧٣

الدليل لذلك كله ، خصوصا بناء على جواز نقل نية الانفراد إلى الائتمام وبالعكس ، وجواز نقل النية من إمام إلى إمام آخر ، لكن الاحتياط في ذلك كله ساحل بحر الهلكة ، وإن كان الظاهر أنه لا إشكال في التعدي عن خصوص الأعذار المنصوصة الطارئة للإمام من الحدث والرعاف أو تذكر الحدث أو الأذى في البطن والسفر وإن اقتصر عليها في الحدائق ، بل الظاهر إرادة كل ما يمنعه عن إتمام الصلاة ولو لطعنة أو غيرها ، بل يمكن التعدي إلى ما يمنعه من إتمام الصلاة مختارا ، فيستخلف حينئذ لو صار فرضه الجلوس مثلا.

ويجوز وإن كان يكره أن يأتم حاضر بمسافر وبالعكس على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل في الرياض « أن عليه من عدا الصدوقين كافة » بل عن الخلاف وظاهر الغنية أو صريحها الإجماع عليه ، خلافا للمحكي عن والد الصدوق فلا يجوز فيهما ، وعنه في المقنع في ثانيهما ، وهما ضعيفان ، لإطلاق الأدلة ، وخصوص ظاهر المعتبرة المستفيضة في الثاني إن لم تكن متواترة ، كصحيح ابن مسلم (١) عن الباقر عليه‌السلام « إذا صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته ركعتين ويسلم ، وإن صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر » وحماد بن عثمان (٢) سأل الصادق عليه‌السلام « عن المسافر يصلي خلف المقيم ، قال : يصلي ركعتين ويمضي حيث شاء » وخبر الأحول (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا دخل المسافر مع أقوام حاضرين في صلاتهم فان كانت الأولى فليجعل الفريضة في الركعتين الأولتين وإن كانت العصر فليجعل الأولتين نافلة ، والأخيرتين فريضة » وعمر بن يزيد (٤) سأل الصادق عليه‌السلام أيضا « عن المسافر يصلي مع الامام فيدرك من الصلاة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٧.

٣٧٤

ركعتين أيجزي ذلك عنه؟ فقال : نعم » وغيرها من الأخبار الكثيرة الصريحة في الصحة المستلزمة للجواز وعدم الإثم ، ضرورة عدم انفكاكهما في مثل المقام عندنا ، وهي الحجة على الصدوق بل وعلى والده أيضا بضميمة عدم القول بالفصل.

مضافا إلى‌ الموثق (١) عن الصادق عليه‌السلام « لا يؤم الحضري المسافر ولا المسافر الحضري ، فإن ابتلي بشي‌ء من ذلك فأم قوما حاضرين فإذا أتم الركعتين سلم ثم أخذ بيد بعضهم فقدمه فأمهم ، وإذا صلى المسافر خلف قوم حضور فليتم صلاته بركعتين ويسلم ، وإن صلى معهم الظهر فليجعل الأولتين الظهر والأخيرتين العصر » إذ الظاهر إرادة الكراهة من النهي أولا فيه بقرينة‌ قوله عليه‌السلام بعد ذلك : « فان ابتلي » إلى آخره ، مما هو معلوم عدم مجامعته للحرمة ، فيكون حينئذ كقول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير المرادي (٢) عن الصادق عليه‌السلام « لا يصلي المسافر مع المقيم فان صلى فلينصرف في الركعتين » الذي يراد منه أن الأرجح له أن لا يفعل ، فان فعل كانت هذه كيفية صلاته ، بل ينبغي الجزم بالنسبة للنهي الأول بقرينة الأخبار الأول ، بل يمكن تحصيل القطع بالجواز فيهما بملاحظة السيرة والطريقة ، وعدم معروفية المنع مع كثرة وقوع ذلك في زمن النبي وأمير المؤمنين ( عليهما الصلاة والسلام ) وغيرهما إذ لا زال المترددون من الأطراف عندهم ويحضرون الصلاة معهم ، كما أنهم عليهم‌السلام لا زالوا هم في سفر يأمون فيه من فرضه الإتمام ، ومع ذلك لم ينقل خبر من الأخبار إنهم (ع) منعوهم من الائتمام في أحد الحالين ، إذ لو وقع لشاع وذاع حتى خرق الأسماع ، لتوفر الدواعي اليه.

ودعوى عدم صراحة الموثق المزبور بالكراهة ، لاحتمال اختصاص الصحة بصورة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

٣٧٥

الضرورة والتقية كما هو مورد الخبر (١) نحو المحكي عن‌ فقه الرضا عليه‌السلام (٢) بل فيه زيادة على « وإن ابتلي » « ولم يجد بدا من أن يصلي معهم » وهو نص في اختصاص الحكم بالجواز والصحة بحال الضرورة ، وهو لا يستلزم ثبوته كلية كما هو ظاهر الجماعة ، بل الثابت خصوص الحال المزبور ، لاعتبار سند الخبرين أي الموثق والرضوي ، وصلاحيتهما بذلك لتقييد إطلاق الصحاح بحالة الضرورة ، إذ غايتها إفادة الصحة في الجملة ، ولا إشكال فيها كذلك ، وإنما هو في كليتها وعمومها لحال الاختيار ، وليس فيها تصريح بل ولا إشارة ، بل غايتها الإطلاق المحتمل للتقييد بالضرورة ، جمعا بين الأدلة ، مع أنه مساق لبيان حكم آخر غير الجواز ، وهو كيفية اقتداء المسافر بالحاضر وبالعكس لو اتفق ردا على جماعة من العامة القائلين بأنه إذا اقتدى المسافر بالمقيم لزمه التمام ، وهم الشافعي وأبو ثور وأبو حنيفة وأصحابهم ، ولا عبرة به حينئذ فيما نحن فيه ضرورة حجيته فيما يساق له.

يدفعها ـ بعد الإجماع حتى من الصدوقين إذ المحكي عنهما إطلاق المنع ـ وضوح قصور الخبرين عن التقييد سندا ودلالة واعتضادا ، بل الثاني منهما غير حجة عندنا ، وفي سند الأول منهما داود بن الحصين ، وعن ابن عقدة والشيخ أنه واقفي ، ولا بيان فيه للابتلاء المجوز لذلك ، بل لعل كثيرا من أفراده لا يتصور فيه الاضطرار ، إذ التقية لا يمكن حمل الأخبار هنا حتى الموثق عليها ، باعتبار نصوصيتها في خلاف الكيفية التي عندهم في ائتمام المسافر بالحاضر بعد الإغضاء عن دعوى الظهور أو القطع بانسياق إرادة بيان شدة الكراهة من نحو العبارة في مثل المقام ، وكأن المقام من الواضحات‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ١٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

٣٧٦

التي لا تستأهل تطويل البحث.

كما أن إثبات الكراهة في الأمرين معا كذلك وإن كان ربما يظهر من اقتصار المتن ـ كالمحكي عن غيره ـ على كراهة ائتمام الحاضر بالمسافر انتفاؤها في العكس كما حكي عن ظاهر المراسم ، بل قيل : « إنه كاد يكون صريح التحرير ، ومال اليه أو قال به في المختلف » انتهى ، إذ إجماع الخلاف والغنية والموثق المزبور المعتضد بالرضوي كاف في إثبات الكراهة التي يتسامح فيها.

نعم هل يختص الكراهة في اختلاف الفرضين قصرا وتماما ، لأنه المنساق من الأدلة بملاحظة خصوص ما تعرض له فيها مما هو مختلف بحيث يعلم أو يظن إرادة ذلك من الإطلاقات ، كما يومي اليه خبر أبي بصير والموثق المزبور حيث نهي فيهما أولا على الإطلاق ، ثم ذكر فيهما أنه لو خالف النهي فليفعل كذا مما هو مختص بمختلف الكيفية أو أنه يعم مطلق ائتمام المسافر بالحاضر وبالعكس للإطلاق؟ وجهان بل قولان ، مال إلى ثانيهما في الرياض حاكيا له عن الروضة ، واختاره الفاضلان على ما حكي عن أولهما ، ولعله ظاهر البيان ، والمحكي عن السرائر وغيرها أيضا مما قيد فيه بالرباعية (١) وهو الأقوى في النظر وإن كانت الكراهة مما يتسامح فيها ، إلا أنه لا شي‌ء يعتمد عليه حتى مع ملاحظة التسامح عدا الإطلاق المنساق لما عرفت بقرينة ما سمعت ، فلا كراهة في الائتمام بالصبح والمغرب ، بل وبالظهرين إذا فرض الاتفاق كما لو ائتم حاضر بمسافر في صورة قضائهما قصرا أو العكس في صورة قضائهما أداء ، أما لو ائتم الحاضران أو المسافران أحدهما بالآخر لكن مع اختلاف كمية فرضيهما في القصر والتمام بالنظر للأداء والقضاء أو للقضاء أمكن القول بالكراهة ، ولا يقاس عليه مطلق نقصان فرض المأموم أو الإمام عن الآخر من حيث القصر والتمام ، للأصل السالم عن معارضة قياس معتبر‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب « بالرباعية هو أولهما ».

٣٧٧

من تنقيح أو غيره ، وإن كان الحكم مما يتسامح فيه.

ثم إن المستفاد من نصوص المقام في كيفية ائتمام المسافر بالحاضر هو مفارقة الإمام عند انتهاء صلاته ، لكن في التذكرة والمنتهى والقواعد والذكرى والدروس والبيان والموجز والروض ما يستفاد منه جواز انتظاره الامام حتى يسلم فيسلم معه ، بل لا أجد فيه خلافا بينهم ، بل في أكثر هذه الكتب أنه أفضل ، بل صريح الذكرى والروض وغيرهما عدم الفرق في ذلك بين ائتمام المسافر بالحاضر وبين من كانت صلاته ناقصة من الحاضرين أو المسافرين المؤتمين بمثلهم ، كمن اقتدى في الصبح أو المغرب بمن يصلي الظهر أو العصر ، ولعلهم أخذوا ذلك من كراهة مفارقة المأموم الإمام مع عدم وجوب التسليم فورا على المصلي منفردا فضلا عن المؤتم الذي يغتفر له السكوت الطويل لإدراك متابعة الامام ، على أنه يمكن التخلص عنه هنا بأن يشتغل بذكر وتسبيح ونحوهما أو مما تسمعه إن شاء الله في صلاة الخوف ، كما يومي اليه ما في المنتهى حيث قال في استنابة المسبوق : « ولو انتظروا حتى يفرغ ويسلم بهم لم أستبعد جوازه ، وقد ثبت جواز ذلك في صلاة الخوف » لكن في الحدائق مناقشة بأن ثبوت ذلك في صلاة الخوف لا يستلزم ثبوته هنا ، وتبعه في الرياض ، وهي لا تخلو من وجه ، مع أن الثابت في صلاة الخوف انتظار الامام لا المأمومين ، كالمناقشة فيما ذكره في الروض ، بل لعله يستفاد من القواعد أيضا من جواز انتظار الإمام الجماعة بالسلام بهم فيما لو فرض نقصان صلاته عن صلاتهم بل نص في الأول على أفضلية ذلك له وإن كان مدركه أيضا ما تسمعه في صلاة الخوف لكن في ثبوت الحكم فضلا عن الأفضلية فيه وفي سابقه نوع تأمل ، لتوقيفية هيئة العبادة وتوقف البراءة فيها على اليقين ، بل ظاهر المصنف في صلاة الخوف أن انتظار الإمام للمأمومين من خواصها ، فالحكم بذلك حينئذ لا يخلو من نظر ، وإن اقتصر بعض متأخري المتأخرين على المناقشة في الأفضلية دون أصل الحكم ، على أن ظاهرهم الانتظار‌

٣٧٨

في خصوص السلام.

مع أن قضية بعض ما سمعته مستندا لهم جوازه في التشهد أيضا حيث لا يكون فعله مع الامام ، كما إذا فرض انتهاء صلاة المأموم مثلا في ثالثة الإمام ، لكن كاد يكون صريح الذكرى والروض الاختصاص بالتسليم ، والمحصل من الأدلة في الثاني أنه يومي إليهم بالسلام ، فيقومون إلى إتمام صلاتهم ، أو أنه يستنيب بهم من يتمون صلاتهم معه.

نعم في وجوب جلوس الامام بعد السلام إلى أن يفرغ المأمومون وعدمه قولان المشهور كما في الحدائق الثاني ، للأصل ، خلافا للمحكي عن المرتضى وابن الجنيد فالأول ولعله لقول الصادق عليه‌السلام في الموثق أو الصحيح (١) : « أيما رجل أم قوما فعليه أن يقعد بعد التسليم ولا يخرج من ذلك الموضع حتى يتم الذين خلفه الذين سبقوا صلاتهم ، ذلك على كل إمام واجب إذا علم أن فيهم مسبوقا ، فان علم أن ليس فيهم مسبوق بالصلاة فليذهب حيث شاء » وخبر علي بن جعفر (٢) عن أخيه عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد « سألته عن حد قعود الامام بعد التسليم ما هو؟ قال : يسلم ولا ينصرف حتى يعلم أن كل من دخل معه في صلاته قد أتم صلاته ثم ينصرف » لكن الأولى حملهما على استحباب الجلوس وكراهة الانصراف ، لموثق عمار (٣) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يصلي بقوم فيدخل قوم في صلاته بقدر ما صلى ركعة أو أكثر من ذلك فإذا فرغ من صلاته وسلم أيجوز له وهو إمام أن يقوم من موضعه قبل أن يفرغ من دخل في صلاته؟ قال : نعم » وظاهر‌ موثق سماعة (٤) قال : « ينبغي للإمام أن يلبث قبل أن يكلم أحدا حتى يرى أن من خلفه قد أتموا الصلاة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٣ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٨ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٧ من كتاب الصلاة.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

٣٧٩

ثم ينصرف هو » كصحيح الحلبي أو حسنه (١) عن الصادق عليه‌السلام « لا ينبغي للإمام أن يتنفل ( ينفتل ينتقل خ ل ) إذا سلم حتى يتم من خلفه الصلاة » وحفص بن البختري (٢) عنه عليه‌السلام أيضا قال : « ينبغي للإمام أن يجلس حتى يتم كل من خلفه صلاته ».

نعم قد يشم من هذه الأخبار استحباب بقاء الامام على هيئة المصلي وكراهة فعل سائر ما ينافي الصلاة من انصراف أو غيره حتى التنفل بناء على إحدى نسختي صحيح الحلبي إلى أن يتم المأمومون صلاتهم.

ثم إن ظاهر المتن وغيره كراهية الائتمام كما هو ظاهر بعض نصوص (٣) المقام وظاهر آخر (٤) منها كراهية الإمامة بمعنى كراهية تعرضه للإمامة ورضاه بها وطلبه إياها ونيته لها ، ولا بأس بكراهتهما معا عملا بالظاهرين.

وكذا يكره أن يستناب المسبوق بركعة فصاعدا ، للنهي في‌ صحيح سليمان بن خالد (٥) المحمول عليها ، قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يؤم القوم فيحدث ويقدم رجلا قد سبق بركعة كيف يصنع؟ فقال : لا يقدم رجلا قد سبق بركعة ، ولكن يأخذ بيد غيره فيقدمه » إذ هو وإن كان حقيقة في الحرمة المقتضية للفساد إلا أنه لما كانت الصحة مقتضى المعتبرة المستفيضة (٦) التي تسمعها إن شاء الله في المسألة الثانية عشر وجب حمله عليها جمعا ، إلا أن يدعى عدم منافاة حرمة التقديم لصحة الصلاة هنا بعد وقوعه كما هو الظاهر ، إذ التقديم أمر خارج عن صلاة المتقدم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ٢ من كتاب الصلاة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب التعقيب ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٣٨٠