جواهر الكلام - ج ١٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فرويدا لا يغرنكم ، فان شهوات الخلق مختلفة ، فما أكثر من ينبو عن المال الحرام وإن كثر ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة يأتي منها محرما ، فإذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا ما عقدة عقله ، فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثم لا يرجع إلى عقل متين ، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله ، وإذا وجدتم عقله متينا فرويدا لا يغرنكم حتى تنظروا مع هواه يكون على عقله أو يكون مع عقله على هواه ، وكيف محبته للرئاسات الباطلة وزهده فيها ، فان في الناس من خسر الدنيا والآخرة بترك الدنيا للدنيا ، ويرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة ، فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة ـ إلى أن قال ـ : ولكن الرجل كل الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لأمر الله ، وقواه مبذولة في رضى الله ، يرى الذل مع الحق أقرب إلى عز الأبد من العز في الباطل ـ إلى أن قال ـ : فذلكم الرجل نعم الرجل ، فبه فتمسكوا ، وبسنته فاقتدوا ، وإلى ربكم به فتوسلوا ، فإنه لا ترد له دعوة ، ولا تخيب له طلبته » إلا أنه ـ مع كونه غير معلوم السند ، ومرويا في غير الكتب الأربعة ، ومحتملا للتعريض به إلى أناس خاصين كالأول والثاني وأصحابهما وقاصرا عن معارضة غيره من الأخبار المكتفية بحسن الظاهر حتى على مذهب الخصم ـ قال في الوسائل : إنه بيان لأعلى مراتب العدالة لا لأدناها ، بل قال : إنه مخصوص بمن يؤخذ عنه العلم ويقتدى به في الأحكام الدينية ، كما هو ظاهر ، لا بإمام الجماعة والشاهد وهو جيد جدا.

بقي الكلام في منافيات المروة ففي الذخيرة والكفاية دعوى الشهرة على اعتبارها في عدالة الشاهد والامام ، بل عن الماحوزية نقل حكاية الإجماع على ذلك ، وعن مجمع البرهان أنه احتمل الإجماع على اعتبارها في غير مستحق الزكاة والخمس ، بل في الذخيرة أيضا وظاهر المفاتيح أن المشهور جعلها جزء في مفهوم العدالة ، وكيف كان فلا أعرف‌

٣٠١

لهم حجة على شي‌ء من ذلك سوى‌ قول الكاظم عليه‌السلام في حديث هشام (١) : « لا دين لمن لا مروة له ، ولا مرة لمن لا عقل له » وخبر عثمان بن سماعة (٢) المتقدم في علامات المؤمن « من عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم ، ووعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته ، وكملت مروته ، وظهر عدله ، ووجب أخوته » بل وقول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن أبي يعفور (٣) : « وأن يكون ساترا لعيوبه » إذ منافي المروة عيب ، لأن مخالفتها إما لخبل أو نقصان عقل أو قلة مبالاة أو حياء ، وعلى كل حال فلا ثقة بقوله ولا بفعله ، وقد‌ قالوا عليهم‌السلام (٤) : « الحياء من الايمان ، ولا إيمان لمن لا حياء له » بل وربما يشير إلى ذلك‌ حديث البرذون حيث قال : « لا أقبل شهادته لأني رأيته يركض على برذون » بل ربما ادعي ملازمتها للتقوى.

لكن الجميع كما ترى ، بل لا يخفى على المتأمل في الأخبار المتقدمة أنها لا مدخلية لها في العدالة حيث لم تذكر في شي‌ء منها ، ودعوى التلازم بينها وبين التقوى ممنوعة أشد المنع ، فإن أولياء الله يقع منهم كثير من الأشياء التي ينكرها الجهلة ، نعم لا يبعد قدح بعض الأشياء التي تقضي بنقصان عقل فاعلها ، كما إذا لبس الفقيه مثلا لباس أقبح الجند من غير داع إلى ذلك ، بل قد يقال : إنها محرمة حينئذ بالعارض ، للأمر‌

__________________

(١) أصول الكافي ج ١ ص ١٩ ـ الطبع الجديد ـ الحديث ١٢ من كتاب العقل والجهل.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٩ وهو خبر عثمان عن سماعة كما تقدم في الرقم (٥) من ص ٢٩١ ويأتي في الرقم (١) من ص ٣٠٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من كتاب الشهادات ـ الحديث ١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١٠ ـ من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج.

٣٠٢

بحفظ العرض وما في‌ حديث سماعة (١) من قوله عليه‌السلام : « كملت مروته » ليس المراد منها ما هي عندهم قطعا ، وإجماع الماحوزية غير ثابت ، بل نقل عنه نفسه أنه قال : ليس يبعد عدم اعتبارها ، لأنه مخالفة للعادة لا الشرع ، وهو ظاهر في عدم ثبوت الإجماع عنده ، بل‌ روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يركب الحمار العاري ، ويردف خلفه (٢) وأنه كان يأكل ماشيا إلى الصلاة بمجمع من الناس في المسجد (٣) وأنه كان يحلب الشاة (٤) ونحو ذلك ، مع أنه ورد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في الزهد ما لو وقع في مثل هذا الزمان لكان أعظم مناف للمروة بالمعنى الذي ذكروه ، مثل‌ ما ورد (٥) في رقع جبته حتى أستحيي من راقعها.

وكان الذي دعاهم إلى اعتبار المروة وجودها في بعض أخبار ، لكن من المعلوم أنها ليست بالمعنى الذي ذكروه ، بل هو كقول أمير المؤمنين عليه‌السلام جواب سؤال جويرية (٦) عن الشرف والعقل والمروة : « وأما المروة فإصلاح المعيشة » وروي (٧) عن الرضا عن آبائه عليهم‌السلام قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ستة من المروة ، ثلاثة منها في الحضر ، وثلاثة منها في السفر ، فأما التي في الحضر فتلاوة القرآن وعمارة المسجد واتخاذ الاخوان ، وأما التي في السفر فبذل الزاد وحسن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٩.

(٢) البحار ـ ج ١٦ ص ٢٨٥ المطبوعة عام ١٣٧٩ ـ باب مكارم أخلاق النبي (ص) الرقم ١٣٦.

(٣) البحار ـ ج ١٨ ص ٦١٧ و ٦١٨ من طبعة الكمباني كتاب الصلاة.

(٤) البحار ـ ج ٦ ص ٢٣٨ المطبوعة عام ١٣٧٩ ـ باب مكارم أخلاق النبي (ص).

(٥) البحار ـ ج ١٤ ص ٨٧٢ من طبعة الكمباني.

(٦) روضة الكافي ص ٢٤١ الرقم ٣٣١ المطبوعة عام ١٣٧٧.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١٢ من كتاب الحج.

٣٠٣

الخلق والمزاح في غير معاصي الله » وعن الصادق عليه‌السلام (١) « المروة والله أن يضع الرجل خوانه بفناء داره ، والمروة مروتان ، مروة في الحضر ، ومروة في السفر فأما التي في الحضر فتلاوة القرآن ، ولزوم المساجد ، والمشي بين الإخوان في الحوائج ، والنعمة ترى على الخادم تسر الصديق وتكبت العدو ، وأما في السفر فكثرة الزاد وطيبه وبذله ، وكتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتك ، وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله » إلى غير ذلك.

والمروة بهذا المعنى غير ما ذكره الأصحاب قطعا ، على أنه لا دلالة فيها على اعتبارها في العدالة ، بل لعل بعض ما يخالف المروة بالمعنى الذي ذكره الأصحاب مما يؤكد العدالة وإن كان من المنكرات عرفا ، كما أن بعضه مما يستلزم الطعن في عرض الرجل مما ينحل إلى محرم ، على أن الأول يمكن دعوى اشتراطه في الشهادة لا أخذه في العدالة ، إلا أن يكون يحصل منه عدم الاطمئنان بمبالاته في الدين ، وينقدح حسن ظاهره ، واحتمال أن العدالة من الحقيقة الشرعية فما شك في اعتباره فيها ينبغي أن يعتبر لأصالة عدم تحقق الشرط بدونه يدفعه أن الأخبار أظهرت ما يراد منها ، مع أن ذكرها في مقام البيان كالصريح في نفي اعتبار أمر زائد فيها ، ودعوى أن الاحتياط قاض به يدفعها أن الاحتياط غير منضبط ، فقد يكون فيه ، وقد يكون في عدمه ، كمعاني العدالة.

نعم قد يقال : إن منافيات المروة منافية لمعنى العدالة التي هي الاستواء والاستقامة ، فإذا كان الرجل بحيث لا يبالي بشي‌ء من الأشياء المنكرة عرفا فلا ريب في عدم استقامته ، مؤيدا بما عساه يومي اليه بعض النصوص في المروة وإن لم تكن صريحة بالمعنى الذي ذكره الأصحاب ، بل قد يقال : إن منافاتها تورث شكا في دلالة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب آداب السفر ـ الحديث ١ من كتاب الحج.

٣٠٤

حسن الظاهر على الملكة أو على حسن غيره مما لم يظهر منه ، ضرورة كون المراد منه ما هو منكر في العادة ، ومستقبح فيها من دون ملاحظة مصلحة يحسن بها ، كما في بعض الأمور الواقعة من بعض الأولياء التي لا قبح فيها في العادة مع العلم بوجهها ، نحو ما وقع من أمير المؤمنين عليه‌السلام من ترقيع المدرعة والمدافة في المعاملة على الشي‌ء اليسير وغير ذلك.

ثم إن الظاهر إرادة الخلق في منافيات المروة القادحة في العدالة كما يشير اليه كلام ثاني الشهيدين ، لا أن اتفاق وقوع النادر قادح ، وليس هو أعظم من الصغيرة.

وأما الإصرار على الصغائر فهو مبني على أن المعاصي صغائر وكبائر كما هو المشهور ، بل في مفتاح الكرامة نسبته إلى المتأخرين قاطبة ، بل عن مجمع البرهان نسبته إلى العلماء مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، كالصيمري عند تفسير الكبيرة بكل ما توعد الله عليه النار ناسبا له إلى الأصحاب ، وإن كان التحقيق أنه لا يلتفت إلى دعوى الإجماع في المقام ، لأن القول بأن كل معصية كبيرة وأنه لا صغيرة قول معروف بين الأصحاب محكي عن المفيد والقاضي والتقي والشيخ في العدة في البحث عن حجية خبر الواحد ناسبا له إلى الأصحاب ، كالطبرسي في مجمع البيان حيث قال : « قالوا : المعاصي كلها كبائر ، لكن بعضها أكبر من بعض ، وليس في الذنوب صغيرة ، وإنما يكون صغيرا بالإضافة إلى ما هو أكبر ، ويستحق العقاب عليه أكثر » وأبلغ منه ما في السرائر حيث أنه بعد أن ذكر كلام الشيخ في المبسوط الظاهر في أن الذنوب على قسمين ، صغائر وكبائر ، قال : « هذا القول لم يذهب إليه رحمه‌الله إلا في هذا الكتاب ، ولا ذهب إليه أحد من أصحابنا ، لأنه لا صغائر عندنا في المعاصي إلا بالإضافة إلى غيرها ».

وإن كان الأقوى ما ذكرناه أولا لظاهر قوله تعالى (١) : إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ

__________________

(١) سورة النساء ـ الآية ٣٥.

٣٠٥

ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ) والأخبار ، كصحيحة ابن أبي يعفور المتقدمة ، والحسن بن محبوب الآتية (١) في تعداد الكبائر ، ومحمد بن مسلم (٢) القائلة إن الكبائر سبع ، وأبي بصير (٣) وروايتي الحلبي (٤) في الآية المتقدمة ، وعباد النواء (٥) وحسنة عبيد بن زرارة (٦) وخبر مسعدة بن صدقة (٧) وخبر عبد العظيم بن عبد الله الحسيني (٨) الذي تسمعه إن شاء الله في تعداد الكبائر ، مضافا إلى‌ الخبر « إن الأعمال الصالحة تكفر الصغائر » وفي آخر (٩) « من اجتنب الكبائر كفر الله تعالى عنه جميع ذنوبه ، وذلك قول الله تعالى ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ ) » إلى آخره ، وفي آخر (١٠) « عن الكبائر تدخل في قوله تعالى ( يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ) ، قال : نعم ذلك اليه » وغير ذلك ، بل يمكن دعوى تواتر الأخبار بما يستفاد منه ما ذكرنا ، هذا.

مع اعتضادها بالشهرة ، على أنه لو كان جميع الذنوب كبائر لم يحصل عدل في أغلب الناس بل سائرهم ، ضرورة أنه لا ينفك أحد عن مواقعة بعض المعاصي ، والعدالة محتاج إليها الناس في أكثر أمورهم من عبادات ومعاملات ، وفتح باب التوبة المقدور عليها في كل وقت وحين غير مجد بعد الاحتياج إلى الاختيار ، إذ التحقيق أنه لا تقبل‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ١ من كتاب الجهاد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٦ من كتاب الجهاد.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ١٦ من كتاب الجهاد.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٢ والباب ٤٥ منها ـ الحديث ٣٢ من كتاب الجهاد.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٢٤ من كتاب الجهاد.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٤ من كتاب الجهاد.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ١٣ من كتاب الجهاد.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٢ من كتاب الجهاد لكن روي عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٤ من كتاب الجهاد.

(١٠) الوسائل ـ الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٧ من كتاب الجهاد.

٣٠٦

بمجرد قوله تبت من دون معرفة الندم الباطني منه ، بل ربما قيل بتعذر العزم على عدم المعاودة المتوقفة عليه التوبة أو تعسره وإن كان فيه منع واضح ، ضرورة نهي الله عن جميع المعاصي.

بل قد يقال : إنا نمنع قلة وجود العدل بالمعنى المذكور ، فان الظن الغالب من جهة مراعاة أحوال الناس في أنه لا يسلم أحد منهم من وقوع الصغيرة ظن إجمالي ، وإلا فليس في غالب أحوالنا في جميع الأوقات نعلم أن الشخص الذي ظاهره الستر والعفاف واجتناب الكبائر وقعت منه صغيرة لا نعلم منه أنه تاب عنها أو لا ، كلا إن ذلك ممنوع ، بل قد يحصل الظن بعدمه في كثير من الناس.

على أنه يمكن أن يقال كون الذنوب كلها كبائر لا يقضي بأنها كلها قادحة في العدالة ، إذ لا دليل على ذلك ، بل القادح فيها الأكبر من المعاصي ، وأما غير الأكبر فلا يقدح إلا مع الإصرار ، لأن العدالة المستفادة من الأخبار هي كون الرجل معروفا بالستر والعفاف مجتنبا للمعاصي العظيمة حسن الظاهر إذا سئل عنه في محلته قيل لا نعلم منه إلا خيرا ، وهذا لا يقدح فيه وقوع بعض الذنوب التي ليست بتلك المكانة إلا مع الإصرار عليها ، ويرشد إلى هذا أن أهل القول الأول ما دعاهم إلى كون العدالة اجتناب الكبائر مع عدم الإصرار على الصغائر أنه عندهم المعاصي تنقسم إلى قسمين إذ من الواضح أن هذا لا يلزم منه ذلك ولا وقوعها مكفرة ، فإنه لا تلازم بين كونها مكفرة وعدم قدحها في العدالة ، فإنه قد يكون استحقاق العقاب قادحا في العدالة ، بل الذي دعاهم إلى ذلك هو ظواهر الأخبار الدالة على أن العدالة لا يقدح فيها مثل ذلك وهو بعينه الداعي لأولئك إن كانت المعاصي عندهم كلها كبائر.

نعم كلام ابن إدريس ينافي ذلك ، لظهوره في أن فاعل الصغيرة لا يحكم بعدالته حتى يتوب ، لكنه ليس هو حجة على غيره ، مع احتمال أنه ذكره في الرد على الشيخ‌

٣٠٧

لبيان أن التوبة علاج له ، وما في‌ رواية ابن أبي يعفور « ويعرف باجتناب الكبائر » لا ينافي ذلك ، لأن المراد بالكبائر هنا قطعا غير ذلك المعنى ، لوصفه الكبائر فيها بالتي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك من المعاصي ، وهو الأكبر ، وليس قولنا إن المعاصي كلها كبائر يوجب حمل هذا اللفظ على ذلك ولو مع القرينة الصارفة ، كما أن جعل الوصف موضحا ليس بأولى من جعله مخصصا ، وعود النزاع لفظيا على هذا التقدير نلتزمه إن كانت ثمرته منحصرة في ذلك ، مع أن الظاهر عدم الانحصار.

بل قد يقال : إن أهل هذا القول لا ينافيهم القول بالتكفير ، لأن المراد بكون الكل كبائر عندهم من جهة القبح واستحقاق العقاب ، خلافا للمعتزلة ، فإنه يظهر من المنقول عنهم أنه لا يحسن المؤاخذة على الصغائر مع اجتناب الكبائر ، ويرشد إلى هذا قوله في مجمع البيان في العبارة السابقة : « إن المعاصي كلها كبائر » من حيث القبح ، بل وقوله : « وإنما يكون صغيرا بالإضافة إلى ما هو أكبر ، ويستحق العقاب عليها أكثر » بل وقوله أيضا بعد عبارته السابقة : « وهذان القولان متقاربان » مشيرا به إلى قول متقدم على القول الذي نسبه إلى أصحابنا هو أن الكبيرة كلما أوعد الله عز اسمه عليه في الآخرة عقابا ، أو أوجب فيه في الدنيا حدا ، إذ لا يكونان متقاربين إلا مع إرادة استحقاق العقاب ، لأن الله قد أوعد على المعاصي كلها النار ، قال عز من قائل (١) ( وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ ) إلى آخره ، فتأمل.

وإن أبيت ذلك كله فقد يستدل لهم ببعض الأخبار ، نحو ما دل (٢) على أن‌

__________________

(١) سورة النساء ـ الآية ١٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٣ من كتاب الجهاد.

٣٠٨

كل معصية شديدة ، و‌في بعضها (١) « لا تنظر إلى ما عصيت بل انظر إلى من عصيت » وما دل (٢) على التحذير من استحقار الذنب معللا بأنه قد يكون غضب الله فيه ، وغير ذلك ، وما يقال إن الاستحقار أمر زائد على الذنب فلعله بانضمامه إلى ذلك يكون كبيرة فيه ما لا يخفى ، وبأن الله قد أوعد على سائر المعاصي النار ، وبأن أخبار الكبائر قد اختلفت اختلافا لا يرجى جمعه ، وبأن في ذلك إغراء للمكلف في فعل المعصية ، مضافا إلى إمكان إرادة الأكبر من الكبائر في الروايات كما يومي إلى ذلك بعضها ، وفي الآية إنكم إن اجتنبتم هذه الكبائر التي ذكرناها في هذه السورة نكفر عنكم ما وقع منكم منها في الماضي كقوله تعالى (٣) ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ ) ومثله (٤) ( وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ ).

وإن كان لا يخفى ما في الجميع ، واختلاف الأخبار غير قادح فيما علم منها جميعها من أن الذنوب فيها كبائر وصغائر ، على أن المعروف كون الكبيرة كل ذنب توعد الله عليه تعالى بالعذاب في كتابه العزيز ، بل في الرياض هو الذي عليه المشهور من أصحابنا بل عن بعضهم أنه لم يجد فيه قولا آخر كما عن الصيمري نسبته إلى أصحابنا مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، وعن الدروس والروض تعريفها بذلك ، لكنه في الأول « أنها عدت سبعا ، وهي إلى السبعين أقرب » وفي الثاني « أنها إلى السبعمائة أقرب » نعم في مفتاح الكرامة « قيل : إنها كل ذنب رتب عليه الشارع حدا أو صرح فيه بالوعيد وقيل : هي كل معصية تؤذن بقلة اعتناء فاعلها بالدين ، وقيل : كلما علمت حرمته بدليل‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٨ من كتاب الجهاد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب جهاد النفس ـ من كتاب الجهاد.

(٣) سورة الأنفال ـ الآية ٣٩.

(٤) سورة النساء ـ الآية ٢٦.

٣٠٩

قاطع ، وقيل : كلما توعد عليه توعدا شديدا في الكتاب أو السنة » وكأنه لم يعثر عليها لأحد من المعروفين من أصحابنا ، وإلا لنسبه اليه ، وإن كان ظاهر قوله : « قيل » ينافيه ، لقضائه بالاطلاع على القائل لكن لعله اطلع عليه من العامة.

وفي الحدائق قيل : إنها ما نهي عنه في سورة النساء من أولها إلى قوله ( إِنْ تَجْتَنِبُوا ) الآية ، ومنهم من أو كل أمرها إلى التعداد ، فعن بعضهم أنها سبع : الشرك وقتل النفس وقذف المحصنة وأكل مال اليتيم والزنا والفرار من الزحف والعقوق ، وبعض أنها تسع بزيادة السحر والإلحاد في بيت الله أي الظلم فيه ، وآخر عشر بزيادة الربا ، وآخر اثنتي عشرة بزيادة شرب الخمر والسرقة ، وآخر عشرون : السبع الأول واللواط والسحر والربا والغيبة واليمين الغموس وشهادة الزور وشرب الخمر واستحلال الكعبة والسرقة ونكث الصفقة والتعرب بعد الهجرة واليأس من روح الله سبحانه والأمن من مكر الله عز وجل ، وزاد بعضهم أربع عشرة أخر ، أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والسحت والقمار والبخس في الكيل والوزن ومعونة الظالمين وحبس الحقوق من غير عذر ( عسر خ ل ) والإسراف والتبذير والخيانة والاشتغال بالملاهي والإصرار ـ قال ـ : وقد يعد أشياء أخر كالقيادة والدياثة والغصب والنميمة وقطيعة الرحم وتأخير الصلاة عن وقتها والكذب خصوصا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضرب المسلم بغير حق وكتمان الشهادة والسعاية إلى الظالم ومنع الزكاة المفروضة وتأخير الحج عن عام الوجوب والظهار والمحاربة بقطع الطريق.

وعن العلامة الطباطبائي اختيار ما عليه المشهور من أن الكبائر هي المعاصي التي توعد الله سبحانه عليها النار مستندا في ذلك إلى جملة من الأخبار ، وفيها الصحيح وغيره ، لكن يظهر من المنقول عنه أنه عمم الوعيد بالنار إلى الصريح والضمني ، وأنه حصر الوارد في الكتاب في أربع وثلاثين ، منها أربع عشرة مما صرح فيها بخصوصها بالوعيد بالنار.

٣١٠

الأول : الكفر بالله العظيم ، لقوله تعالى (١) ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) وغير ذلك ، وهي كثيرة.

الثاني : الإضلال عن سبيل الله ، لقوله تعالى (٢) ( ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ، لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ ، وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ ) وقوله تعالى (٣) : ( إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ ، وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ ).

الثالث : الكذب على الله تعالى والافتراء عليه ، لقوله تعالى (٤) ( وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ، أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ ) وقوله تعالى (٥) ( إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ، مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ، ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ، ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ ) وفيه أنه ليس في الثانية ذكر النار.

الرابع : قتل النفس التي حرم الله قتلها ، قال الله تعالى (٦) ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها ، وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً ) وقال عز وجل (٧) ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً ، وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً ).

الخامس : الظلم ، قال الله عز وجل (٨) ( إِنّا أَعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها ، وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً ).

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ٢٥٩.

(٢) سورة الحج ـ الآية ٩.

(٣) سورة البروج ـ الآية ١٠.

(٤) سورة الزمر ـ الآية ٦١.

(٥) سورة يونس عليه‌السلام ـ الآية ٧٠ و ٧١.

(٦) سورة النساء ـ الآية ٩٥.

(٧) سورة النساء ـ الآية ٣٣ و ٣٤.

(٨) سورة الكهف ـ الآية ٢٨.

٣١١

السادس : الركون إلى الظالمين ، قال الله تعالى (١) ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ ).

السابع : الكبر ، لقوله تعالى (٢) ( فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ).

الثامن : ترك الصلاة ، لقوله تعالى (٣) ( ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ قالُوا : لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ).

التاسع : المنع من الزكاة ، لقوله سبحانه (٤) ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ ، فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ).

العاشر : التخلف عن الجهاد ، لقوله سبحانه (٥) ( فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا : لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ : نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ ).

الحادي عشر : الفرار من الزحف ، لقوله عز وجل (٦) ( وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ، وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ).

الثاني عشر : أكل الربا ، لقوله عز وجل (٧) : الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا : إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا

__________________

(١) سورة هود عليه‌السلام ـ الآية ١١٥.

(٢) سورة النحل ـ الآية ٣١.

(٣) سورة المدثر ـ الآية ٤٣ و ٤٤.

(٤) سورة التوبة ـ الآية ٣٤ و ٣٥.

(٥) سورة التوبة ـ الآية ٨٢.

(٦) سورة الأنفال ـ الآية ١٦.

(٧) سورة البقرة ـ الآية ٢٧٦.

٣١٢

وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ، فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ ، وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ).

الثالث عشر : أكل مال اليتيم ظلما ، لقوله تعالى (١) ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ).

الرابع عشر : الإسراف ، لقوله عز وجل (٢) ( وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النّارِ ).

وأما المعاصي التي وقع التصريح فيها بالعذاب دون النار فهي أربع عشرة : الأول : كتمان ما أنزل الله ، لقوله عز وجل (٣) ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النّارَ ، وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ).

الثاني : الاعراض عن ذكر الله عز وجل ، لقوله عز وجل (٤) ( وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنّا ذِكْراً ، مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً ).

الثالث : الإلحاد في بيت الله عز اسمه ، لقوله عز وجل (٥) ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ ).

الرابع : المنع من مساجد الله ، لقوله تعالى شأنه (٦) ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها ، أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلاّ خائِفِينَ ، لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ ).

الخامس : أذية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لقوله تعالى (٧) : ( إِنَّ الَّذِينَ

__________________

(١) سورة النساء ـ الآية ١١.

(٢) سورة المؤمن ـ الآية ٤٦.

(٣) سورة البقرة ـ الآية ١٦٩.

(٤) سورة طه ـ الآية ٩٩ و ١٠٠ و ١٠١.

(٥) سورة الحج ـ الآية ٢٦.

(٦) سورة البقرة ـ الآية ١٠٨.

(٧) سورة الأحزاب ـ الآية ٥٧.

٣١٣

يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً ).

السادس : الاستهزاء بالمؤمنين ، لقوله عز وجل (١) ( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ).

السابع والثامن : نقض العهد واليمين ، لقوله تعالى (٢) ( إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ ) ،. ( وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ).

التاسع : قطع الرحم ، قال الله تعالى (٣) ( وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ ) وقال عز وجل (٤) ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ ، فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ ) وفيه أن « أولئك » في الأولى لم يعلم كونه إشارة إلى كل واحد من النقض والقطع والإفساد ، والثانية مع ذلك لم تشتمل على وعيد بالعذاب ، إلا أن يقال إنه يفهم من اللعن وما بعده.

العاشر : المحاربة وقطع السبيل ، قال الله تعالى (٥) ( إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ، ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ ) وفيه أنه قد يرجع ذلك إلى الكفر والوعيد على الأمرين معا.

الحادي عشر : الغناء ، لقوله تعالى (٦) ( وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ ).

__________________

(١) سورة التوبة ـ الآية ٨٠.

(٢) سورة آل عمران ـ الآية ٧١.

(٣) سورة الرعد ـ الآية ٢٥.

(٤) سورة محمد (ص) ـ الآية ٢٤ و ٢٥.

(٥) سورة المائدة ـ الآية ٣٧.

(٦) سورة لقمان ـ الآية ٥.

٣١٤

الثاني عشر : الزنا ، قال الله تعالى (١) ( وَلا يَزْنُونَ ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً ، يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ ، وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً ).

الثالث عشر : إشاعة الفاحشة ، قال تعالى (٢) ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ).

الرابع عشر : قذف المحصنات ، قال الله تعالى (٣) ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ).

وأما المعاصي التي يستفاد من الكتاب العزيز وعيد النار عليها ضمنا ولزوما فهي ستة : الأول : الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ، قال الله عز وجل (٤) ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ ).

الثاني : اليأس من روح الله عز وجل ، قال الله تعالى (٥) ( وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ ).

الثالث : ترك الحج ، قال الله تعالى (٦) ( وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً ، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ).

الرابع : عقوق الوالدين ، قال الله تعالى (٧) ( وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا ) مع قوله تعالى (٨) ( وَخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ ، مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ ، وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ ) وقوله تعالى (٩) ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ).

__________________

(١) سورة فرقان ـ الآية ٦٨ و ٦٩.

(٢) سورة النور ـ الآية ١٨ و ٢٣.

(٣) سورة النور ـ الآية ١٨ و ٢٣.

(٤) سورة المائدة ـ الآية ٤٨.

(٥) سورة يوسف عليه‌السلام ـ الآية ٨٧.

(٦) سورة آل عمران ـ الآية ٩١ و ٩٢.

(٧) سورة مريم (ع) ـ الآية ٣٣.

(٨) سورة إبراهيم (ع) ـ الآية ١٨ و ١٩.

(٩) سورة هود (ع) ـ الآية ١٠٨.

٣١٥

الخامس : الفتنة ، لقوله تعالى (١) ( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ).

السادس : السحر ، قال الله تعالى (٢) ( وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ، وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ ، وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ ، وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ ، وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ).

هذا جملة الكبائر المستنبطة من الكتاب العزيز بناء على المختار في معنى الكبيرة وهي أربع وثلاثون ، وقال رحمه‌الله في أثناء كلامه : « إنه قد يتعقب الوعيد في الآيات خصالا شتى وأوصافا متعددة لا يعلم أنها للمجموع أو للآحاد ، فلذلك طوينا ذكرها ، وكذلك الوعيد على المعصية والخطيئة والذنب والإثم وأمثالها ، وهذه أمور عامة ، وقد علمت أن الوعيد لا يقتضي كونها كبائر » انتهى.

وفيه أنه بناء على ما ذكر من حصر الكبائر في هذا العدد يلزم أن يكون ما عداها صغائر ، وأنه لا يقدح في العدالة فعلها بل لا بد من الإصرار ، وبدونه تقع مكفرة لا تحتاج بالنسبة إلى رفع العقاب بها إلى توبة ، فمثل اللواط وشرب الخمر وترك صوم يوم من شهر رمضان وشهادة الزور ونحو ذلك من الصغائر التي لا تقدح في عدالة ولا تحتاج إلى توبة ، بل تقع مكفرة ولا يثبت بها جرح ، وهو واضح الفساد ، وكيف يمكن الحكم بعدالة شخص قامت البينة على أنه لاط في غلام في زمان قبل زمان أداء الشهادة بيسير ، كما لا يخفى على المخالط لطريقة الشرع ، وإن شئت فانظر إلى كتب الرجال وما يقدحون به في عدالة الرجل ، على أن في‌ رواية ابن أبي يعفور السابقة « أن تعرفوه‌

__________________

(١) سورة البقرة ـ الآية ١٨٧.

(٢) سورة البقرة ـ الآية ٩٦.

٣١٦

بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واللسان ونحو ذلك » بل في ذلك إغراء للناس في كثير من المعاصي ، فإنه قل من يجتنب من المعاصي من جهة استحقاق العقاب بعد معرفته أن لا عقاب عليه.

وأيضا قد ورد في السنة في تعداد الكبائر ما ليس مذكورا فيما حصره مع النص عليه فيها بأنه كبيرة ، وقوله عليه‌السلام (١) : « إن الكبيرة كل ما توعد الله عليها النار » لا ينافيه ولو لكونه عليه‌السلام يعلم كيف توعد الله عليها بالنار ، قصارى ما هناك نحن بحسب وصولنا ما وصلنا كيف وعد الله عليه النار ، فنحكم بكونه كبيرة وإن لم نعرف كيف وعد الله عليه النار ، فانظر إلى ما في‌ حسنة عبيد بن زرارة (٢) لما سأله عليه‌السلام عن الكبائر فقال : « هن في كتاب علي عليه‌السلام سبع ـ إلى أن قال ـ : فقلت : فهن أكبر المعاصي ، قال : نعم ، قلت : فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصلاة؟ قال : ترك الصلاة ، قلت : فما عددت ترك الصلاة في الكبائر ، فقال : أي شي‌ء أول ما قلت لك؟ قال : قلت : الكفر ، قال : فان تارك الصلاة كافر يعني من غير علة » كيف أدخل ترك الصلاة في الكفر مع استحضاره عليه‌السلام لقوله تعالى (٣) : ( ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ قالُوا : لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ ) وأيضا قد قال الله تعالى (٤) : « ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ ). ( وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ، ذلِكُمْ فِسْقٌ ) » فإنه إن أريد بالإشارة إلى الأخير أو كل واحد فقد حكم بالفسق ، واحتمال إرادة الإصرار بعيد ، كاحتمال إرادة ما لا ينافي العدالة من الفسق ، بل مجرد المعصية أو من غير مجتنب الكبائر.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٢٤ من كتاب الجهاد.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٤ من كتاب الجهاد.

(٣) سورة المدثر ـ الآية ٤٣ و ٤٤.

(٤) سورة المائدة ـ الآية ٤.

٣١٧

وأيضا قد ورد في السنة التوعد بالنار وأي توعد على كثير من المعاصي ، وبناء على ما ذكر لا بد وأن يراد بها إما الإصرار عليها أو من غير مجتنب الكبائر ، وكله مخالف للظاهر من غير دليل يدل عليه.

وأيضا فيما رواه‌ عبد العظيم بن عبد الله الحسني (١) ذكر من جملة الكبائر شرب الخمر معللا ذلك « بأن الله تعالى نهى عنه كما نهى عن عبادة الأوثان وترك الصلاة متعمدا أو شيئا مما فرض الله ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من ترك الصلاة متعمدا فقد برأ من ذمة الله وذمة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » فانظر كيف استدل على كونه كبيرة بما ورد من السنة.

وأيضا نقل الإجماع على أن الإصرار على الصغيرة من جملة الكبائر ، ودفع ذلك كله بأن المراد أن الكبيرة كلما توعد الله عليها النار ، وبعض الأشياء الذي قام عليه الدليل ينافيه جعل ذلك ضابطا ، ومن هنا توقف رحمه‌الله في الحكم بكبر بعض الأشياء الواردة في السنة مع عدم دخولها تحت هذا الضابط.

وأيضا قوله رحمه‌الله أخيرا : إنه قد يتعقب الوعيد في الآيات خصالا شتى وأوصافا متعددة لا يعلم أنها للمجموع أو للآحاد فلذلك طوينا ذكرها فيه أنه إذا كان اجتناب الكبيرة شرطا مثلا في تحقق العدالة وغيرها فلا يمكن الحكم بالعدالة حتى يعلم اجتناب الكبيرة ، ولا يكون ذلك إلا باجتناب جميع ما تحتمل أنه كبيرة ، نعم لو قلنا إن فعل الكبيرة مانع من الحكم بالعدالة لاتجه القول بذلك ، لأنا لم نعلم أنها كبيرة ، ولعله قدس‌سره أراد الشك في الاندراج في التعريف ، فيتجه له حينئذ عدم إجراء حكم الكبيرة على مثله ، لكون المتيقن الأخير في الآية ، وغيره محل شك فيه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٢ من كتاب الجهاد لكن رواه عن عبد العظيم بن عبد الله الحسنى وهو الصحيح.

٣١٨

ولكن على كل حال الرجوع في تفسير الكبيرة إلى ما ذكر ـ من أنها ما توعد الله عليها بالنار ، ورجوع ذلك إلى معرفتنا ، وأن المراد به كون ذلك الوعد في كتابه لا ما يشمل ما كان على لسان نبيه والأئمة ( عليهم الصلاة والسلام ) ، وإجراء الحكم من العدالة والتكفير ونحو ذلك عليه ـ مما يقطع الناظر المتأمل الممارس لطريقة الشرع بفساده » فلا بد إما من القول بهذا التفسير وإيكال ذلك إلى معرفتهم (ع) كما يشعر به حسنة عبيد ابن زرارة المتقدمة (١) ويتجه حينئذ ما نقل عن ابن عباس أنها إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع ، وفي رواية إلى السبعين ، أو يراد به ولو على لسان النبي والأئمة ( عليهم الصلاة والسلام ) كما تشعر به رواية عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، أو يراد تعريف الأكبر من‌ قوله : « هي ما توعد الله عليه بالنار » لا أنه تعريف مساو للكبائر كما يشعر به بعض الأخبار ، وفي بعض الروايات أنها سبع ، وعد منها ما توعد الله عليه النار ، وبذلك يتجه الجمع بين الروايات.

ودعوى أن حصر الكبائر فيما ذكره العلامة المزبور لا يقتضي عدم انقداح العدالة بغيرها ، وأنه لا بد وأن تقع غيرها مكفرة ، إذ لعل العدالة يقدح فيها ما ليس بكبيرة ، وجميع الصغائر لا تقع مكفرة يدفعها ظهور اتفاق القائلين بأن الذنوب على قسمين صغائر وكبائر على هذين الأمرين ، نعم بعض من لم يقل بذلك كابن إدريس يظهر منه انقداح العدالة بالجميع ، وأنها محتاجة إلى التوبة ، على أنه لا فائدة في هذه المتعبة في حصر الكبائر من دون هذين الأمرين ـ فإنه رحمه‌الله قد ظهر منه بذل الجهد بما لم يسبقه إليه أحد حتى يظهر منه أنه استقرأ القرآن من أوله إلى آخره ولا حظ جميع الأخبار الواردة في المقام وجميع ما تضمنته الروايات ـ بعد حذف المكرر في أربعين وما تضمنه الكتاب العزيز صريحا وضمنا في أربع وثلاثين ، واستشكل فيما تضمنته بعض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب جهاد النفس ـ الحديث ٤ من كتاب الجهاد.

٣١٩

الأخبار من جهة عدم موافقته لهذا الضابط ، وما ذلك إلا ليرتب عليها أحكاما جليلة كالعدالة والاحتياج إلى التوبة ونحو ذلك ، وقد عرفت أن ذلك غير متضح الوجه.

والذي يظهر أن الكبائر لم تثبت لها حقيقة شرعية ، بل هي باقية على معناها اللغوي ، والمراد بها هنا كل معصية عظيمة في نفسها لا من جهة المعصي ، ويعرف ذلك إما من ورود الأخبار بأنه كبيرة ، والذي يحصل منها ـ بعد إلغاء مفهوم العدد في بعضها أو حمله على معنى لا ينافي المطلوب كالأكبرية ونحوها ـ أربعون كما اعترف به العلامة المزبور ، « أ » الكفر بالله ، « ب » إنكار ما أنزل الله تعالى « ج » اليأس من روح الله تعالى « د » الأمن من مكر الله « ه‍ » الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأوصياء صلوات الله عليهم ، وعن رواية مطلق الكذب « و» المحاربة لأولياء الله « ز » قتل النفس التي حرم الله « ح » معونة الظالمين « ط » الكبر « ي » عقوق الوالدين « يا » قطيعة الرحم « يب » الفرار من الزحف « يج » التعرب بعد الهجرة « يد » السحر « يه » شهادة الزور « يو » كتمان الشهادة « يز » اليمين الغموس « يح » نقض العهد « يط » تبديل الوصية « ك» أكل مال اليتيم ظلما « كا » أكل الربا بعد البينة « كب » أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله « كج » أكل السحت « كد » الخيانة « كه » الغلول وعن رواية مطلق السرقة « كو » البخس في المكيال والميزان « كز » حبس الحقوق من غير عسر « كح » الإسراف والتبذير « كط » الاشتغال بالملاهي « ل » القمار « لا » شرب الخمر « لب » الغناء « لج » الزنا « لد » اللواط « له » قذف المحصنات « لو » ترك الصلاة « لز » منع الزكاة « لح » الاستخفاف بالحج « لط » ترك شي‌ء مما فرض الله « م » الإصرار على الذنوب ، وإما بتوعد النار عليها في الكتاب أو السنة صريحا أو ضمنا كما تقدم ، أو من غير توعد ولكن شدد على الفعل أو الترك تشديدا أعظم من‌

٣٢٠