جواهر الكلام - ج ١٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

أو مأموما ، والأقرب استحباب ذلك لمن صلى جماعة ، واسترسال الاستحباب ، نعم لو صلى جماعة لم يستحب له إعادتها إذا لم يأت مبتدئا بالصلاة ، فلو أتى مبتدئا استحب لإمامهم أو لبعضهم أن يؤمه أو يأتم به ، واستحب للباقين المتابعة » بل قد يظهر من الروض أنه لا إشكال فيه مع الفرض المزبور ، لكن التأمل الصادق شاهد بمعنوية النزاع ، ضرورة ظهور كلام المانع في المنع مطلقا.

نعم وقع خلاف بين القائلين بالجواز فبين مطلق له كالسرائر وغيرها وبين خاص بما إذا جاء مبتدئا كوقوعه بالنسبة إلى التكرير ثلاثا فما زاد ، فقرب منعه في التذكرة بعد أن استشكله ، وجوزه في الذكرى والبيان والمسالك وظاهر الروض وعن الميسية وغيرها ، للإطلاق المزبور أيضا ، وهو قوي جدا ، خصوصا مع ملاحظة قاعدة التسامح التي لم نخصها بما كان كليه مستحبا كالذكر ونحوه ، ولا بما إذا صرح بالنهي التشريعي فيه ، على أن الأخير غير ثابت في المقام من طرقنا ، بل لعل الثابت خلافه بملاحظة‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « الصلاة خير موضوع من شاء استقل ومن شاء استكثر » وما جرت عليه عادة العلماء من قضاء سائر صلواتهم والوصية بها بعد موتهم المعلوم أولوية الإعادة منه.

بل ربما يستفاد من ذلك ومن‌ قوله عليه‌السلام في صحيح زرارة (٢) السابق : « فان له صلاة أخرى » وقوله عليه‌السلام (٣) : « يختار الله أحبهما اليه » و « اجعلها تسبيحا » (٤) وغيرها استحباب الإعادة مطلقا فرادى وجماعة مكررا لها ما شاء إن لم ينعقد إجماع على خلافه خصوصا إذا كان مع قيام احتمال الفساد في الفعل السابق الذي لا ينفك عنه غالبا أكثر الناس ، وإن كان قضية ما ذكرناه الاستحباب وإن لم يحتمل كصلاة المعصوم ، أو لم يأت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب أحكام المساجد ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٨.

٢٦١

إلا بعين ما جاء به أولا ، وبالجملة يمكن دعوى النفل في الفرائض بعد فعلها ، فله فعل ما شاء ، إلا أن الجرأة عليه صعبة خوفا من انعقاد الإجماع على خلافه ، وإن كان قد يستأنس لعدمه بما سمعته من الشهيد من استحباب التكرير المزبور ، ضرورة إمكان دعوى عدم الفرق ، بل قد يقال : إنه منفرد لو أعادها إماما إذا لم ينو الإمامة التي لا يجب عليه نيتها ، ودعوى الوجوب عليه هنا لانتفاء سبب المشروعية بدونها كما عن المحقق الثاني ممنوعة ، وكذا لو عدل المأمومون عن الائتمام به ابتداء فضلا عن الأثناء ، إذ القول حينئذ بانكشاف البطلان مما لا وجه له ، إلى غير ذلك من الصور المتصورة هنا التي يمكن استنباط ما قلناه من استحباب الإعادة مطلقا منفردا أو جماعة متحدا ومكررا منها.

ومن ذلك كله يعلم الحال فيما لو صلى اثنان فرادى ثم أرادا إعادة الصلاة جماعة وإن منعه في الذخيرة والكفاية والحدائق إذا لم يكن معهما مفترض للأصل ، وجعل فيه وجهين في الذكرى والمدارك والرياض لذلك وللترغيب في الجماعة ، بل الظاهر عدم الفرق فيما ذكرنا بين الأدائية والقضائية ، وبين توافق صلاة المأموم وصلاة الامام وتخالفهما ، سواء كان في الأداء كظهر وعصر أو في القضاء ، لكن الاحتياط في كثير من هذه الصور لا ينبغي تركه هنا ، خصوصا بعد النهي عن الجماعة في النافلة.

ثم إن ظاهر الفتاوى وبعض النصوص السابقة نية الندب في المعادة لو أراد التعرض للوجه كما صرح به في السرائر والمنتهى والتذكرة والبيان والمدارك والذخيرة والكفاية وعن المبسوط ونهاية الأحكام ومجمع البرهان ، بل عن حاشية المدارك للأستاذ حكاية روايتين (١) عن غوالي اللآلي صريحتين في الندب ، خلافا للذكرى والدروس وحواشي الشهيد والموجز والروض والمسالك وعن فوائد الشرائع فجوزوا إيقاعها على‌

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣ و ٤.

٢٦٢

وجه الوجوب ، لصحيح هشام السابق (١) وخبر حفص (٢) وغيرهما أيضا حتى‌ مرسل الصدوق (٣) « وروي أنه يحسب له أفضلهما وأحبهما » وفيه أنه لا دلالة في غير الصحيح والخبر المزبور ، ضرورة عدم المنافاة بين كونها نافلة واختيار الله لها ، بل ولا دلالة فيهما أيضا ، لاحتمال إرادة الأمر بجعلها الفريضة التي أوقعها لا أن المراد انوها الفريضة ، خصوصا مع ملاحظة قواعد المذهب القاضية بعدم انقلاب ما وقع واجبا ندبا التي يقصر مثلهما عن الحكم بهما عليها ، فنية الندب حينئذ أحوط وأقوى ، نعم قد يقوى في النظر الاجتزاء بها إذا تبين فساد الأولى وإن كان قد نوى فيها الندب ، لظاهر الأخبار السابقة التي يخرج بها عن قاعدة عدم إجزاء المندوب عن الواجب ، لكن قال الشهيد رحمه‌الله في الحواشي : إن الفائدة في النزاع المتقدم تظهر لو تبين أن صلاته الأولى باطلة فإنها تجزيه لو نوى الوجوب ، وفيه ما عرفت ، فتأمل ، والله أعلم.

وكذا يستحب أن يسبح المأموم حتى يركع الإمام إذا أكمل القراءة قبله كما في النافع والمنتهى والقواعد والتذكرة والذكرى وغيرها ، بل في الحدائق نسبته إلى الأصحاب ، للموثق عن عمرو ابن أبي شعبة (٤) عن الصادق عليه‌السلام « قلت له : أكون مع الإمام فأفرغ قبل أن يفرغ من قراءته ، قال : فأتم السورة ومجد الله وأثن عليه حتى يفرغ » وآخر عن زرارة (٥) عن الصادق عليه‌السلام أيضا « قلت له : أكون مع الإمام فأفرغ من القراءة قبل أن يفرغ ، قال : أبق آية ومجد الله وأثن عليه فإذا فرغ اقرأها واركع » واحتمال حملهما على خصوص الصلاة مع المخالف كما في المدارك لا داعي له ، وإن كان قد ورد (٦) نظير ذلك فيه أيضا ، إذ القراءة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢ و ٤.

٢٦٣

كما تكون مع المخالف تكون مع الإمام المرضي في الجهرية إذا لم يسمع ولا همهمة ، وفي غير الأولتين ، وفيهما بالنسبة للمسبوق على قول ، وغير ذلك.

ودعوى تبادر إرادة القراءة في الأولتين بل الجهرية منهما بقرينة أمر السائل بإبقاء آية إلى عند الركوع المتوقف على علمه بسبقه بها عدا هذه الآية ، ولا يكون ذلك إلا مع سماع القراءة ، وإلا فلا سبيل غالبا إلى العلم بسبقه في القراءة بحيث يمسك آية من قراءته ، وهو ليس إلا مع المخالف يدفعها إمكان منعها بأسرها ، خصوصا في مثل الموثق الأول ، وخصوصا بعد فتوى الأصحاب ، وخصوصا بعد كون الحكم مستحبا ، وخصوصا في مثل التسبيح والتمجيد ، وخصوصا بعد ما ورد (١) الأمر به للمأموم في الإخفاتية معللا بأنه لا يقوم كما يقوم الحمار ساكتا المشعر بكراهية السكوت مع ذلك ، بل قد يستفاد من الأدلة استحبابه للمأموم في جميع أحواله التي لم يكن مشغولا فيها بواجب حتى في الجهرية المأمور فيها بالإنصات كما تقدمت الإشارة إليه سابقا ، بل يستفاد من موثق زرارة السابق استحباب إبقاء آية ليركع عنها ، ولا بأس به.

وكذا يستحب أن يكون في الصف الأول أهل الفضل إجماعا في الرياض وعن الغنية ، كما أنه في الحدائق حكاه عن بعضهم ، بل في المنتهى نسبته إلى عامة أهل العلم لخبر جابر (٢) عن الباقر عليه‌السلام « ليكن الذين يلون الإمام أولوا الأحلام والنهي ، فان نسي الإمام أو تعايا قوموه ، وأفضل الصفوف أولها ، وأفضل أولها ما دنا للإمام » ونحوه المحكي عن فقه الرضا عليه‌السلام (٣) والأحلام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢ وذيله في الباب ٨ منها ـ الحديث ١.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

٢٦٤

جمع حلم بالكسر : وهو العقل ، ومنه قوله تعالى (١) ( تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا ) والنهي بالضم جمع نهية كمدية ومدى على ما في الحدائق : العقل أيضا ، وتعايا : لم يهتد لوجه مراده أو عجز عنه ولم يطق إحكامه ، لكنهما كما ترى قاصران عن إفادة تمام ما في المتن وغيره إذا الفضل كما في المدارك وغيرها المزية الكاملة من علم أو عمل أو عقل ، وولاء الإمام أخص من تمام الصف الأول.

فالعمدة حينئذ في الخارج عن مدلولهما الإجماع المحكي معتضدا بالاعتبار المقرر هنا الحاصل بملاحظة ما ورد (٢) في فضل الصف الأول وأنه كالجهاد في سبيل الله ، فيختصون به ، لأن الأفضل للأفضل ، بل منه قال الشهيد في الذكرى : ليكن يمين الإمام لأفاضل الصف الأول ، لما‌ روي (٣) « أن الرحمة تنتقل من الامام إليهم ، ثم إلى يسار الصف ، ثم إلى الباقي ، والأفضل للأفضل ، وفي المضمر (٤) « فضل ميامن الصفوف على مياسرها كفضل الجماعة على صلاة الفرد » بل لم أعرف غيره أيضا مما يمكن استفادة استحباب ما ذكر في الذكرى والروض والرياض وعن الغنية وغيرها من اختصاص الصف الثاني بمن دونهم وهكذا ، وإن نسبه في ظاهر الأخير إلى الإجماع والنصوص التي لم نعثر على شي‌ء منها سوى ما في الأول من‌ الرواية العامية (٥) على الظاهر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « ليليني أولوا الأحلام ثم الذين يلونهم ثم الصبيان ثم النساء » مع أنها ليست بتلك المكانة من الدلالة على تمام المطلوب ، والأمر سهل.

__________________

(١) سورة الطور ـ الآية ٣٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) البحار ـ ج ١٨ ص ٦٣٤ من طبعة الكمباني وكنز العمال ج ٤ ص ١٢٥ الرقم ٢٦٩٥.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٥) كنز العمال ج ٤ ص ١٣٣ ـ الرقم ٢٩٠١ و ٢٩٠٤ وليس فيهما « ثم الصبيان ثم النساء ».

٢٦٥

والظاهر كون ذلك مستحبا في نفسه في الجماعة لا يختص الخطاب به بأهل الفضل خاصة ، بل يشترك فيه باقي المأمومين معهم أيضا بالنسبة إلى تقديمهم ونظم الجماعة بالنظم المزبور.

ثم لا ريب في ظهور العبارة باستحباب الصف الأول في الجماعة كما دلت عليه النصوص والفتاوى ، بل في الرياض أن إطلاقها يقتضي عدم الفرق في ذلك بين صلاة الجنازة وغيرها وإن كان قد يناقش فيه بأن الظاهر منها هنا إن لم يكن المقطوع به الثانية ولذا صرح بعضهم بأن الأفضل الأخير في الأولى ، بل في الرياض نفسه أنه ربما عزي إلى الأصحاب جملة ، ولا بأس به للمعتبرة المستفيضة (١) وتمام البحث فيه في محله.

نعم ظاهر الإطلاق عدم الفرق بين جماعة الرجال والنساء مع إمكان دعوى تبادر الأول ، خصوصا بملاحظة بعض‌ النصوص العامية (٢) « إن خير جماعتهن أواخرها وشرها أولها » عكس الأولى ، لكن الأولى العمل على الإطلاق الأول.

وكيف كان فـ ( يكره تمكين الصبيان منه أي الصف الأول )كما في القواعد والإرشاد والروض والمدارك والذخيرة ، بل في مفتاح الكرامة نسبته إلى تصريح الأصحاب ، كما أن في الروض إلحاق المجانين والعبيد بهم بذلك ، بل فيه وفي المدارك وعن غيرها إلحاق غير أولى الفضل مع وجودهم أيضا بهم ، وزيادة كراهة التأخر لأولى الفضل عنه أيضا ، لكن لم أجد نصا بالخصوص في شي‌ء من ذلك وإن كان يفهم من الروض وجوده بالنسبة إلى الصبيان ، وجعله وجه تخصيصهم في نحو المتن بها ، كما أنه ذكر أن وجه تعميمه لما سمعت البناء على المعنى الأصولي لها ، وهو ما رجح تركه وإن لم يكن بنص خاص ، وهو كما ترى مبني على كراهة ترك المستحب ، وفيه نظر أو منع ، فتأمل جيدا.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.

(٢) كنز العمال ج ٤ ص ١٣٣ ـ الرقم ٢٨٨٧.

٢٦٦

وكذا يكره أن يقف الرجل المأموم في صف وحده لا لعذر كضيق ونحوه بلا خلاف معتد به أجد فيه ، بل في المدارك الإجماع عليه ، للنهي في‌ خبر السكوني (١) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تكونن في العثكل ، قلت : وما العثكل؟ قال : أن تصلي خلف الصفوف وحدك ، فان لم يمكن الدخول في الصف قام حذاء الامام وأجزأه ، فإن هو عاند الصف فسدت عليه صلاته » ولا يقدح فيه عدم وجدان العثكل بالثاء المثلثة كما عن بعض النسخ أو التاء المثناة من فوق بالمعنى المزبور في اللغة كما عن المجلسي بعد تفسيره في الخبر نفسه بما سمعته ، على أن في مجمع البحرين عن بعض النسخ « الفسكل » بالفاء والسين المهملة الفرس المتأخر في آخر خيل السباق ، وهو مناسب لما نحن فيه كما لا يخفى ، ولمفهوم‌ المرسل عن الدعائم (٢) عن الصادق عليه‌السلام « أنه سئل عن رجل دخل مع القوم في جماعة فقام وحده ليس معه في الصف غيره والصف الذي بين يديه متضايق ، قال : إذا كان كذلك صلى وحده فهو معهم ، وقال : قم في الصف ما استطعت ، وإذا ضاق المكان فتقدم أو تأخر فلا بأس » بل والمرسل الآخر عنها (٣) أيضا عن علي عليه‌السلام « إذا جاء الرجل ولم يستطع أن يدخل الصف فليقم حذاء الإمام ، فإن ذلك يجزيه ، ولا يعاند الصف » إذ المراد بمعاندة الصف قيامه فيه وحده ، بل ومفهوم‌ صحيح الفضيل (٤) عن الصادق عليه‌السلام وإن قال في الحدائق أن فيه غموضا بعد أن ذكر الاستدلال به من بعضهم ، قال : « أتموا الصفوف إذا وجدتم خللا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) المستدرك ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١ و ٣.

(٣) المستدرك ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

٢٦٧

ولا يضرك أن تتأخر إذا وجدت ضيقا في الصف ، وتمشي منحرفا حتى يتم الصف » إذ لا ريب في ظهوره في ترتب الضرر مع عدم وجدان الضيق ، والمراد بالمشي منحرفا المشي متأخرا لا مستقبلا للقبلة ، كما أن المراد بالصف فيه الصف الذي خرج منه للضيق وتمامه خلوصه منه ، ويحتمل إرادة صف آخر رأى فيه فرجة ، فيخرج عن الاستدلال.

لكن لما كان الضرر أعم من الحرمة ـ لحصوله بالكراهة ، والأخبار الأول قاصرة سندا عن إثباتها ، وعن معارضة الأصل والإطلاقات والإجماع في صريح المنتهى والتذكرة وظاهر المدارك أو صريحها وعن الغنية على الصحة ، كصحيح أبي الصباح (١) سئل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يقوم في الصف وحده ، فقال : لا بأس ، إنما يبدو واحد بعد واحد » ونحوه‌ خبر موسى بن بكير (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام بتفاوت يسير ـ وجب إرادة الكراهة من ذلك كله ، حتى قوله عليه‌السلام في خبر السكوني : « فسدت » مع إمكان إنكار كون خصوص هذه اللفظة من الخبر بقرينة حذفها عنه في المروي عن دعائم الإسلام ، وموافقتها‌ للمروي (٣) من طريق العامة « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبصر رجلا خلف الصفوف وحده فأمره أن يعيد الصلاة ».

فما عن الإسكافي حينئذ من الفتوى بها مع عدم العذر له بالضيق ونحوه ضعيف جدا بعد ما عرفت ، مضافا إلى‌ موثق الأعرج (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصف مقاما أيقوم وحده حتى يفرغ من صلاته؟ قال : نعم لا بأس يقوم بحذاء الامام » بناء على ما فهمه منه في الحدائق ناسبا له إلى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤ لكن روى عن موسى بن بكر كما في الفقيه ج ١ ص ٢٥٤ ـ الرقم ١١٤٧.

(٣) كنز العمال ج ٤ ص ٢٥٥ ـ الرقم ٥٣١٨.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

٢٦٨

فهم الأصحاب من إرادة قيامه وحده في الصف الأخير ، لكن يكون موقفه محاذيا لموقف الامام من خلفه ، لوجوب مطابقة السؤال للجواب ، ول‌ قول الرضا عليه‌السلام في فقهه (١) : « فان دخلت المسجد ووجدت الصف الأول تاما فلا بأس أن تقوم في الصف الثاني وحدك حيث شئت ، وأفضل ذلك قرب الإمام » فإن المراد مساوقته في الموقف ، ولتصريح الأصحاب بأنه لا كراهة في الوقوف وحده مع تضايق الصف.

وإن كان قد يناقش بأن الظاهر إرادة وقوفه جناحا للإمام ، وأنه أولى من وقوفه وحده في الصف وإن كان لا كراهة فيه مع التضايق ، ولذا حكي‌ عن الفقيه أنه قال : « سألت محمد بن الحسن عن موقف من يدخل بعد من دخل ووقف عن يمين الامام لتضايق الصفوف ، فقال : لا أدري ، وذكر أنه لا يعرف في ذلك أثرا » واحتمال إرادته ذلك مع امتلاء الصفوف على وجه لا يوجد في ذلك المكان موقف للمصلي كما ترى ، إذ هو كالصريح في أن المراد لم أقف على أثر دل على استحباب محل وقوف الثاني نحو ما جاء في الأول ، وكالصريح في إرادة الجناح من الحذاء ، ونحوه العلامة في المنتهى ، قال : « لو دخل المسجد ولم يجد مدخلا في الصف صلى وحده عن يمين الإمام مؤتما لرواية سعيد الأعرج (٢) » إلى آخره ، ولا ينافي ذلك استحباب كون المأموم خلف الامام لو زاد على الواحد ، لوجوب تقييدها بما هنا ، فتأمل ، مضافا إلى خبر السكوني (٣) المتقدم ، بل قد يستفاد منه كراهة قيامه في الصف وحده ولو مع امتلاء الصفوف إذا أمكنه أن يكون جناحا للإمام ، فإنه حينئذ يكون كتمكنه من القيام في الصف ، فتأمل.

__________________

(١) المستدرك ـ الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

٢٦٩

وعلى كل حال فمما سمعته من موثق الأعرج كخبره الآخر (١) وصحيح أبي الصباح (٢) وخبر موسى بن بكير (٣) وغيرها يستفاد وجه ما ذكره المصنف مستثنيا له مما سبق بقوله إلا أن تمتلئ الصفوف فلا يكره له حينئذ القيام وحده كما صرح به غير واحد من الأصحاب ، بل نسبه بعضهم إليهم مشعرا بدعوى الإجماع عليه ، بل في ظاهر المدارك أو صريحها دعواه عليه ، أما إذا لم يمتل أحد الصفوف بأن كان فرجة فيه سعى اليه ، بل قد يستفاد من صحيح الفضيل (٤) استحبابه ، بل في المدارك تبعا للذكرى وعن المقنع ونهاية الأحكام له السعي إليها وإن كانت في غير الصف الأخير ، ولا كراهة هنا في اختراق الصفوف ، لأنهم قصروا حيث تركوا تلك الفرجة ، نعم لو أمكن الوصول بغير اختراقهم كان أولى ، بل قد يستفاد من صحيح الفضيل بناء على الوجه الذي قدمناه استحباب السعي لتسوية الفرجة وتتميمها في أثناء الصلاة بتقدم كان ذلك أو بتأخر ، بل هو صريح‌ خبر علي بن جعفر (٥) المروي عن كتابه عن أخيه عليه‌السلام « سألته عن الرجل يكون في صلاته في الصف هل يصلح له أن يتقدم أو يتأخر وراءه في جانب الصف الأخير ، قال : إذا رأى خللا فلا بأس » وخبر أبي عتاب زياد مولى آل دعش (٦) المروي عن بصائر الدرجات عن الصادق عليه‌السلام « سمعته يقول : أقيموا صفوفكم إذا رأيتم خللا ، ولا عليك أن تأخذ وراءك إذا رأيت ضيقا في الصفوف أن تمشي فتتم الصف الذي خلفك أو تمشي منحرفا فتتم الصف الذي قدامك ، فهو خير ، ثم قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أقيموا صفوفكم فاني أنظر إليكم من خلفي لتقيمن أو ليخالفن الله بين قلوبكم » ويقرب‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤ لكن روى عن موسى بن بكر كما في الفقيه ج ١ ص ٢٥٤ ـ الرقم ١١٤٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٩.

٢٧٠

منه خبر محمد بن مسلم (١) المروي فيها أيضا عن الباقر عليه‌السلام ، مضافا إلى الأخبار (٢) الكثيرة جدا الآمرة بإقامة الصفوف ، وتسوية فرجها ، والمحاذاة بين المناكب وعدم الاختلاف لئلا يخالف الله بين قلوبكم ، ويتخلل الشيطان بينكم كما يتخلل أولاد الحذف أي الغنم الصغار السود.

ومن هنا نص بعض الأصحاب على استحباب هذه الأمور كلها زيادة على ما ذكره المصنف ، بل وعلى استحباب أمر الإمام بذلك تأسيا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لكن ظاهر خبر أبي عتاب أنه يمشي في الصلاة لسد الفرجة إذا كان الصف الذي هو فيه ضيقا ، ولعله كذلك ، وإلا وقع فيما فر منه صيرورة الفرجة في الصف الذي فارقه كما أن ظاهره وغيره مما سمعت من النصوص المفتي بمضمونها عدم الفرق في ذلك بين كون مشيه إلى الخلف أو الإمام ، لكن في‌ رواية ابن مسلم (٣) « قلت له : الرجل يتأخر وهو في الصلاة ، قال : لا ، قلت : فيتقدم ، قال : نعم ، وأشار إلى القبلة » ولم أجد من أفتى به ، بل حمله في الذكرى على عدم الحاجة إلى ذلك ، فيكره ، ولا بأس به.

والظاهر جريان جميع ما سمعته من الأحكام في جماعة النساء ، لأصالة الاشتراك وغيرها ، نعم لا يكره للمرأة الوقوف وحدها في الصف مع جماعة الرجال إذا لم يكن نساء كما صرح به في الذكرى والمدارك ، بل لعله يستحب على ما تقدمت الإشارة إليه سابقا ، لأنها معذورة.

وكذا يكره أن يصلي المأموم نافلة إذا أقيمت الصلاة على المشهور بين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٨.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ والمستدرك الباب ٥٤ منها.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب مكان المصلى ـ الحديث ٢ والباب ٤٦ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥ ولكن في الموضعين « ماشيا إلى القبلة ».

٢٧١

الأصحاب كما في الذخيرة ، لما فيه من التشاغل بالمرجوح عن الراجح ، ول‌ خبر عمر بن يزيد (١) أنه سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرواية التي يروون أنه لا ينبغي أن يتطوع في وقت فريضة ما حد هذا الوقت؟ قال : إذا أخذ المقيم في الإقامة ، فقال له : إن الناس يختلفون في الإقامة ، فقال : المقيم الذي تصلي معه » وظاهره الشروع في الإقامة ، كما أن ظاهره بقرينة قوله : « لا ينبغي » الكراهة لا الحرمة كما هو المشهور بل المجمع عليه بين المتأخرين ، مضافا إلى الأصل وإطلاق الأدلة ، فما في الوسيلة وعن النهاية من المنع من التنفل إذا أقيم للصلاة ضعيف لا دليل عليه ، ضرورة أنه لا مدخلية لأدلة التطوع وقت الفريضة ، إذ البحث هنا من حيث إقامة الصلاة للجماعة وإن كان وقت النافلة باقيا ، ولذا قال في الذكرى : إنه قد يحمل كلامهما على ما لو كانت الجماعة واجبة ، وكان ذلك يؤدي إلى فواتها ، وعليه فتخرج المسألة عن الخلافيات ، والمراد ابتداء التنفل ، فلو شرع في النافلة قبل ذلك لا كراهة وإن علم حصول الإقامة في الأثناء ما لم يخف الفوات ، فتأمل.

ووقت القيام إلى الصلاة إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة على الأظهر بل المشهور بين الأصحاب كما في الذكرى والمدارك ، وعليه عامة من تأخر كما في الرياض بل صرح به في الخلاف أيضا في فصل كيفية الصلاة ، بل في الرياض وغيره عنه دعوى الإجماع عليه ، لكني لم أجده فيه ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبر معاوية بن شريح (٢) « إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم ويقدموا بعضهم » خلافا للخلاف هنا وعن المبسوط فعند فراغ المؤذن من كمال الأذان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الأذان والإقامة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

٢٧٢

مدعيا عليه في أولهما الإجماع ، ولم نقف له على مستند ، بل قد يريد بقرينة إجماعيه الإقامة منه ، بل قطع به بعض مشايخنا كما يومي اليه ما عن المبسوط بعد ذلك بلا فصل ، وكذا وقت الإحرام ، إذ من المعلوم أنه ليس قبل الإقامة ، ولما حكاه في المختلف والذكرى عن بعض أصحابنا من أنه عند قوله : « حي على الصلاة » لأنه دعاء إليها فاستحب القيام عنده ، وهو كما ترى لا يصلح معارضا لما عرفت ، بل فيه أن هذا اللفظ موجود في الأذان ، وأن قوله : « قد قامت » أولى بالقيام عنده ، لأنه صيغة إخبار أريد منها الأمر بالقيام ، بخلافه فإنه دعاء إلى الإقبال إلى الصلاة ، والله أعلم.

( الطرف الثاني )

يعتبر في الإمام‌ الإيمان بالمعنى الأخص الذي به يكون إماميا ، فلا تصح خلف المخالف بلا خلاف ، بل هو مجمع عليه محصلا ومنقولا مستفيضا أو متواترا كالنصوص التي منها الأخبار (١) الكثيرة الآمرة بالقراءة خلف المخالفين ، وأنهم بمنزلة الجدر ، وقد مر شطر منها. فضلا عن الأخبار الخاصة (٢) في خصوص ذلك ، وعن الأخبار (٣) الدالة على اعتبار العدالة ، إذ لا فسق أعظم من ذلك.

بل ولا من وقف على أحدهم عليهم‌السلام كالواقفية ، أو قال بإمامة أحد أولادهم كالزيدية والإسماعيلية والفطحية والواقفية وغيرهم بلا خلاف أجده فيه أيضا ، بل هو مقتضى اعتبار الإيمان الذي قد عرفت انعقاد الإجماع بقسميه عليه ، ضرورة إرادة المعترف بامامة الجميع منه لا البعض ، إذ إنكار بعضهم كإنكار الجميع ، مضافا إلى ما دل على اعتبار العدالة في الامام ، ولا ريب في انتفائها بذلك ، ولا في تحقق الكفر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٢٧٣

الموجب للخلود في جهنم ، وإلى‌ مكاتبة أبي عبد الله البرقي (١) إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام « تجوز الصلاة خلف من وقف على أبيك وجدك عليهما‌السلام ، فأجاب لا تصل وراءه » وقول الصادق والرضا عليهما‌السلام في خبري الأعمش (٢) والفضل بن شاذان (٣) المرويين عن الخصال والعيون « لا يقتدى إلا بأهل الولاية » إذ من المعلوم إرادة ولاية الجميع.

بل قد يندرج في ذلك أيضا أهل العقائد الفاسدة من الغلو والتجسيم والتجبير والتكذيب بقدر الله ، بناء على تحقق الكفر بها لا الفسق خاصة ، وإلا خرجت بالشرط الثاني ، وعلى التقديرين لا يجوز الائتمام بهم قطعا ، وفي‌ مرسل خلف بن حماد (٤) عن الصادق عليه‌السلام « لا تصل خلف الغالي وإن كان يقول بقولك والمجهول والمجاهر بالفسق وإن كان مقتصدا » وخبر إسماعيل بن مسلم (٥) سأل الصادق عليه‌السلام أيضا « عن الصلاة خلف رجل يكذب بقدر الله عز وجل قال : ليعد كل صلاة صلاها خلفه » وفي‌ المرسل (٦) عن علي بن محمد ومحمد بن على عليهم‌السلام « من قال بالجسم فلا تعطوه من الزكاة شيئا ، ولا تصلوا خلفه » ومكاتبة علي بن مهزيار (٧) إلى محمد بن علي الرضا عليهما‌السلام المروية عن الأمالي « أصلي خلف من يقول بالجسم ، ومن يقول بقول يونس ، فكتب لا تصلوا خلفهم ، ولا تعطوهم من الزكاة ، وابرأوا منهم بري‌ء الله منهم » وفي‌ خبر إبراهيم بن أبي محمود (٨) عن الرضا عليه‌السلام أيضا عن آبائه عليهم‌السلام « من زعم أن الله يجير عباده على المعاصي أو يكلفهم ما لا يطيقون ـ إلى أن قال ـ : فلا تصلوا وراءه » بل‌ عن الطبرسي (٩) أنه رواه في الاحتجاج عن الرضا‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١١.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٨.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٩.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٠.

(٨) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٢.

(٩) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٤.

٢٧٤

عن أبيه عن الصادق عليهم‌السلام بزيادة « ولا تأكلوا ذبيحته ، ولا تقبلوا شهادته ولا تعطوه من الزكاة شيئا ».

بل قضية مرسل حماد (١) المتقدم وغيره ـ كخبر يزيد بن حماد (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام المروي عن رجال الكشي « قلت له : أصلي خلف من لا أعرف ، فقال : لا تصل إلا خلف من تثق بدينه » والمرسل (٣) عن الصادق عليه‌السلام « ثلاثة لا يصلى خلفهم ، أحدهم المجهول » وغيرهما ـ عدم جواز الائتمام بالمجهول إيمانه أيضا ، كما هو قضية اشتراطه وعدم إمكان تنقيحه بالأصول.

نعم لا جدوى بعد ما تسمعه من اعتبار العدالة في الإمام التي لا يمكن الحكم بها إلا بعد معرفة الإيمان ، بل وباقي العقائد التي لا يعذر المخطئ فيها كالتجسيم ونحوه ، بناء على أنها الملكة أو حسن الظاهر ، وإلا فعلى الاكتفاء بظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق فيها يجب إحراز الايمان ، إذ الظاهر إرادته من الإسلام عندهم ، مع احتمال اكتفائهم بإظهار الشهادتين اللتين يتحقق بهما الإسلام في الحكم بايمانه وعدالته ، إذ عدمهما فسق لا يحمل عليه المسلم قبل ظهوره منه ، فتأمل جيدا.

وكذا يعتبر في الإمام العدالة فلا يجوز الائتمام بالفاسق إجماعا محصلا ومنقولا مستفيضا أو متواترا كالنصوص (٤) ، بل ربما حكي عن بعض المخالفين موافقتنا في ذلك محتجا بإجماع أهل البيت عليهم‌السلام ، فما في‌ صحيح عمر بن يزيد (٥) سأل أبا عبد الله عليه‌السلام « عن إمام لا بأس به في جميع أموره عارف غير أنه يسمع‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦ وهو مرسل خلف بن حماد وهو الصحيح كما تقدم في ص ٢٧٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

٢٧٥

أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما أقرأ خلفه ، قال : لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا » محمول على ما لا يوجب الفسق ، أو على التوبة منه ، أو وقوعه مكفرا عنه إذا لم يصر عليه ، أو غير ذلك.

بل ولا المجهول حاله أيضا بناء على عدم الاكتفاء في العدالة بعدم ظهور الفسق كما ستعرف إن شاء الله ، لوجوب إحراز الشرط في الحكم بصحة المشروط ، إذ عرفت أن الإجماع محكي ومحصل على كونها شرطا لا على أن الفسق مانع كما عساه يتوهم من النهي عن الصلاة خلف الفاجر والفاسق ، إذ ذلك وإن كان واردا في جملة من النصوص (١) إلا أن‌ في بعضها (٢) « لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وأمانته » وفي آخر (٣) « وإن سركم أن تزكوا صلاتكم فقدموا خياركم » وفي‌ المروي (٤) عن مستطرفات السرائر نقلا من كتاب أبي عبد الله السياري صاحب موسى والرضا عليهما‌السلام « قلت لأبي جعفر الثاني عليه‌السلام : قوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيقدم بعضهم فيصلي بهم جماعة فقال : إن كان الذي يؤمهم ليس بينه وبين الله طلبة فليفعل ، قال : وقلت له مرة أخرى : إن القوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة فيؤذن بعضهم ويتقدم أحدهم فيصلي بهم ، فقال : إن كانت قلوبهم كلها واحدة فلا بأس ، قلت : ومن لهم لمعرفة ذلك؟ قال : فدعوا الإمامة لأهلها » مضافا إلى الإجماعات السابقة ، وإلى ما دل على النهي عن الصلاة خلف المجهول مما تقدم وغيره ، لاندراج المجهول عدالته فيه أيضا ، بل قد يقال بدلالة تلك النصوص المتضمنة للنهي عن الصلاة مع الفاجر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢ و ٤ و ٥ و ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٧.

(٤) ذكر صدره في الوسائل في الباب ١١ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٢ وذيله في الباب ٢٧ منها ـ الحديث ٤.

٢٧٦

والفاسق على المطلوب أيضا بتقريب توقف امتثال هذا التكليف على اجتناب الواقعي منه ، كما هو مقتضى عدم مدخلية العلم في مفاهيم الألفاظ ، فينقدح حينئذ التمسك بالإطلاقات لتناوله بناء على كون المخصص والمقيد مقسما للعام والمطلق ، فما في‌ خبر عبد الرحيم القصير (١) « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إذا كان الرجل لا تعرفه يؤم الناس فيقرأ القرآن فلا تقرأ خلفه » يجب حمله على التقية بقرينة لفظ « الناس » فيه ، أو على عدم معرفته بالخصوص وإن أمكن تحصيل عدالته بصلاة العدول خلفه مع عدم احتمال التقية وغيرها مما ينافي شهادتهم بعدالته ، أو غير ذلك.

ثم لا فرق في النصوص والفتاوى في اعتبار العدالة بل وغيرها من الثلاثة الأخر في الإمام بين الفرائض الخمس وغيرها من صلاة العيدين والجنائز والآيات ونحوها ، إذ هي شرط في أصل منصبية الإمامة ، كما هو واضح.

نعم الظاهر عدم اعتبار عدالته فيما بينه وبين ربه في صحة نية إمامته إذا كان موثوقا به عند من ائتم به ، للأصل ، وعموم الأدلة ، وإطلاقها بعد عدم الملازمة بين اشتراطها في الائتمام به وبينه في الإمامة ، وعليه ينزل إطلاق الفتاوى اعتبار العدالة في الإمام في مقابل قول العامة بجواز الائتمام بالفاسق ، ولذا فرعوه عليه ، فيكون المراد عدلا عند المأموم ، وهو معنى‌ « لا تصل إلا خلف من تثق به » ولذا تصح الصلاة ولو انكشف الفسق بعدها ، بل لعل الأمر كذلك في الجماعة الواجبة كالجمعة ، وخبر السياري المزبور غير صالح لإثبات ذلك ، لأن راويه ضعيف فاسد المذهب مجفو الرواية كثير المراسيل كما عن النجاشي والفهرست ، مع احتمال إرادة عدم معرفة من ائتم به ذلك منه أو الفرد الكامل كما يومي اليه جواب السؤال الثاني أو غير ذلك ، وكذا‌ المرسل (٢)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٢) سنن البيهقي ج ٣ ص ٩٠ وليس فيها‌ « ولا فاجر مؤمنا ».

٢٧٧

من طرق العامة « لا يؤمن امرأة رجلا ولا فاجر مؤمنا » المحتمل لإرادة المعلوم فجوره عند المأموم ، كمعلومية إرادة ذلك من نحو‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « قدموا أفضلكم » بل لعل العارف بعدالة نفسه من الأفراد النادرة التي لا ينصرف إليها الإطلاق.

ودعوى عدم أهلية الفاسق لهذا المنصب يدفعها عدم كون الفرض من المناصب وإنما هو من الأحكام الشرعية ، ضرورة استحباب صلاة الجماعة للشخصين مثلا مع وثوق أحدهما بالآخر ، وإرادة الواقع من طهارة المولد ونحوها فلا تجوز الإمامة مع علمه نفسه بعدمها لو سلمت لا تستلزم إرادته هنا ، بل لعل الاقتصار في النهي على غيره في نحو خبر أبي بصير (٢) مشعر بعدم كونه منهم.

بل لعل الأمر كذلك في المفتي أيضا ، فيصح له الإفتاء الجامع للشرائط مع علمه بفسق نفسه ، إذ لا دليل على اشتراط حجية ظنه بالعدالة تعبدا كالشهادة ، بل مقتضى إطلاق آية الإنذار (٣) وغيرها خلافه ، فإطلاقهم اعتبار العدالة فيه يراد منه بالنسبة للمستفتي باعتبار عدم وثوقه بما يخبر به من ظنه الجامع للشرائط ، وإلا فلو فرض اطلاعه عليه جاز له الأخذ به وإن كان فاسقا ، وليس كذلك في الصلاة ، فإن الظاهر عدم جواز الائتمام به وإن علم منه الإتيان بها جامعة للشرائط ، لظهور الأدلة في اعتبارها نفسها بالنسبة للائتمام لا من جهة عدم الوثوق بما يراد منه ، مضافا إلى نصوص (٤) قدموا خياركم ، وأفضلكم ، وإمام القوم وافدهم إلى الله تعالى ، وغير ذلك.

كما أنه ليس كذلك ظن غير المسلم ، بل وغير الإمامي الاثني عشري وإن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥.

(٣) سورة التوبة ـ الآية ١٢٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٢٧٨

جمع الشرائط ، لظهور النصوص (١) في الاعراض عنهم وعدم الركون إليهم ، والفطحية والواقفية ونحوهم وإن كان فيهم من هو من أصحاب الإجماع وممن أقر له بالفقه ولكن ذلك ونحوه لقبول روايتهم لا آرائهم ، ولذا لم يقبل الأصحاب ما ذكره ابن بكير من الرأي في عدم الحاجة إلى المحلل لو تزوجها بعد العدة ، بل ذكر الشيخ في حقه ما ينقدح منه عدم قبول شي‌ء مما رواه فضلا عما رآه وإن كان المعروف بل المروي (٢) قبول ما رووه دون ما رأوه ، بل هو شاهد آخر للمطلوب ، وكيف كان فالأقوى ما عرفت.

نعم الظاهر اعتبارها في نحو منصب الحكومة ، لمعلومية عدم جواز تولي الفاسق لأمثاله.

ولو سلم الاشتراط في الإمامة فالظاهر عدم بطلان صلاته لو فعل ، لكونه تشريعا في أمر خارج كالمسجدية وإن لم نقل بمثله في المأموم ، لوضوح الفرق بينهما ، كما بيناه في محله.

أما العدالة في شهود الطلاق بالنسبة إلى الزوج وإلى الشاهدين وإلى الأجنبي فالظاهر اعتبار الواقعية فيها ، لقاعدة كون الأسماء للمسميات الواقعية ، ودعوى أن الظاهر في العدالة ونحوها مما لا طريق له إلا هو عنوان الحكم فيها لا الواقع لا دليل عليها فلا يجوز حينئذ للأجنبي نكاحها مع العلم بفسق أحد الشاهدين وإن كان هو عند الغير على ظاهر العدالة ، كما لا يجوز للزوج نكاح أختها والخامسة مع علمه بفسقهما ، ولا للشاهدين نكاحها مع علمهما بفسقهما ، ولا بأس باختلاف الأحكام باختلاف الناس في الموضوع ، نعم لا بأس بنكاح الأجنبي مع الجهل بحالهما ، لأصالة الصحة بخلاف الزوج ، وبذلك كله يظهر لك ما أطنب فيه في الحدائق ، وأكثر من التسجيع والتشنيع ، ولا غر وفإنه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٠ ـ من أبواب صفات القاضي ـ من كتاب القضاء.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٧٨ من كتاب القضاء.

٢٧٩

من المحدثين المخالفين في القواعد للمجتهدين الماهرين ، والله الهادي لنا وله.

وكيف كان فالعدالة في اللغة أن يكون الإنسان متعادل الأحوال متساويا كما في المبسوط والسرائر ، والاستواء والاستقامة كما في المدارك وغيرها ، وربما احتمل أن العدالة من العدل ، وهو القصد في الأمر ضد الجور ، ولما كان الظاهر ثبوت الحقيقة الشرعية فيها ـ كما يظهر من الأخبار (١) وممن نسب تعريفها الآتي إلى الشرع ، إذ احتمال إرادة النسبة إلى الشرع ولو مجازا منه بعيد ـ لم نحتج مع ذلك إلى تحقيق المعنى اللغوي ، ولا يهمنا إجمال ما سمعته من السرائر وغيرها ، وأمر المناسبة سهل ، بل لو لم نقل بالحقيقة الشرعية فيها فالمجاز الشرعي لا شك في ثبوته ، وهو كاف ، وهي في الشرع من متحد المعنى على الظاهر ، لا فرق فيها بالنسبة إلى كل ما اعتبرت فيه من شهادة وطلاق وغيرهما ، وما في بعض الأخبار (٢) من اعتبار بعض أمور في الشاهد غير معتبرة في غيره إنما هو من حيث الشهادة لا من حيث العدالة.

نعم قيل هي فيه الظاهر الإسلام مع عدم ظهور الفسق كما عن ابن الجنيد والمفيد والشيخ في الخلاف ، بل هو ظاهر مما حكي عن مبسوطة أيضا ، بل قربه في السرائر في باب الشهادات ، قال فيها : إن العدل من كان عدلا في دينه ، عدلا في مروته ، عدلا في أحكامه ، فالعدل في الدين أن لا يخل بواجب ولا يرتكب قبيحا ، وقيل أن لا يعرف بشي‌ء من أسباب الفسق ، وهذا أيضا قريب ، وفي المروة أن يكون مجتنبا للأمور التي تسقط المروة مثل الأكل في الطرقات ولبس الثياب المصبغات للنساء وما أشبه ذلك ، والعدل في الأحكام أن يكون بالغا عاقلا ، ومرادهم بالإسلام الايمان ، وإلا فظاهر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٤١ ـ من كتاب الشهادات.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٣٢ ـ من كتاب الشهادات.

٢٨٠