جواهر الكلام - ج ١٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

قال : « قلت له عليه‌السلام : رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر قال : يقضي ما فاته كما فاته إن كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها ، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته » بل يومي اليه أيضا عدم اعتبار الترتيب في فوائت غير الفرائض اليومية المصرح به في كلام غير واحد من الأصحاب ، بل في الروض أنه ربما ادعي الإجماع عليه ، بل في المهذب البارع دعواه عليه ، بل قيل : إنه حكي عن شرح الإرشاد للفخر ذلك أيضا ، ولعله كذلك ، إذ لم نقف على أحد اعتبر الترتيب فيها سوى ما يحكى عن بعض مشايخ الوزير العلقمي من اعتباره ، نعم احتمله في التذكرة ، وعن الذكرى نفي البأس عنه كما عن الهادي قوته إن لم يثبت إجماع لعموم الخبر ، وفي المفاتيح فيه وجهان.

إلا أنه لا يخفى عليك ضعف ذلك كله بعد ما عرفت ، خصوصا مع عدم مستند له سوى هذا النبوي الضعيف سندا ودلالة ، لما سمعت كما عن كشف اللثام الاعتراف به.

وأضعف من ذلك القول بالترتيب بينها وبين اليومية كما عن ذلك البعض من مشايخ ذلك الوزير أيضا لهذا الخبر ، وفيه ما عرفت ، بل ينبغي القطع بعدم استفادة الترتيب منه على هذا الوجه ، اللهم إلا أن يراد خصوص الحواضر التي كان معتبرا فيها الترتيب في الأداء كالظهرين والعشاءين ، لكن ذلك ـ مع إمكان منعه بسبب انصراف التشبيه إلى ما عرفت ـ لا يقضي بترتب العصر مثلا على المغرب الفائتة من اليوم السابق ، إلا أن يتمم بعدم القول بالفصل ، وإلا فدعوى ثبوت الترتيب الذي هو من الكيفية فيه أيضا ـ بناء على المضايقة المقتضية ترتب الحواضر على ما تقدمها من الفوائت ، فكل فائتة سابقه ثم دخل عليها وقت حاضرة ترتب عليها وإن كانت فاتت معها ، فيكون الجميع حينئذ كالظهرين والعشاءين ـ يدفعها أنها لا تتم على المختار من التوسعة وعدم الترتيب الذي ستعرف شهرته بين الأصحاب ومعروفيته ، على أن المسألة هنا مما لا خلاف معتد به‌

٢١

فيها ، بخلاف تلك المسألة التي هي المعركة العظمى بينهم ، فكيف يتجه ابتناؤها عليها عند الجميع ، كما هو واضح.

وفي الثاني بعدم دلالته إلا على البدأة بالأول الذي هو أخص من الترتيب المطلق ، وباحتمال عدم إرادة الوجوب من الأمر بالبدأة فيه بالأول ، لجريانه مجرى الغالب في فعل من يريد القضاء ، وسوقه لإرادة بيان الاجتزاء بالأذان لأولهن عنه لكل واحدة واحدة ، كما يومي إلى ذلك الخبر (١) الذي بعده ، وباحتمال إرادة أولهن قضاء لا فواتا ، بمعنى أن المراد ابدأ بأذان لأولهن قضاء في عزمك وإرادتك.

وفي الثالث بعدم دلالته على الوجوب بوجه من الوجوه ، بل لعله مما يشهد في الجملة على ما سمعت ، لظهور اتحاد المقصود من كل منهما.

وفي الرابع بعدم ظهور وجهه الذي هو شرط للتأسي عند جمع من الأصوليين أو جميعهم أولا ، وبعدم ثبوت ذلك عنه عليه‌السلام بطريق معتبر عندنا كي يتأسى به ثانيا ، بل ظاهر حاكيه إرادة الرد على الشافعي بالمروي من طرقهم.

ولعله من ذلك كله أو غيره توقف في الحكم المزبور في الكفاية والذخيرة وإن كان هو في غير محله ، إذ لو قلنا بعدم إمكان دفع هذه المناقشات لكان فيما سمعت من الإجماعات السابقة التي يشهد لها التتبع كفاية ، مضافا إلى‌ صحيح الوشاء عن رجل عن جميل بن دراج (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال : « قلت له : يفوت الرجل الأولى والعصر والمغرب وذكرها عند العشاء الآخرة ، قال : يبدأ بالوقت الذي هو فيه ، فإنه لا يأمن الموت ، فيكون قد ترك صلاة فريضة في وقت قد دخلت ، ثم يقضي ما فاته الأولى فالأولى » والنظر فيما ذكره أهل الرجال في أحوال الوشاء وابن عيسى الذي رواه‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١ ـ من أبواب قضاء الصلوات ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ٦ من كتاب الصلاة.

٢٢

عنه والانجبار بما سمعت يرفع ضرر إرساله ، على أنه حكي عن صاحب العصرة أن ابن عيسى في نوادره التي عن الصدوق عدها من الكتب المشهورة التي عليها المعول وإليها المرجع رواه عن رجاله عن جميل عن الصادق عليه‌السلام بتفاوت يسير غير قادح في المطلوب ، بل عن البحار روايته عن المصنف في المعتبر بإسناده عن جميل كموضع من الوسائل ، وكأنهما فهما منه أنه رواه المصنف من أصل جميل أو من غيره ، إذ قد كان عنده بعض الأصول القديمة ونقل عنها في غير موضع من المعتبر ، فلا ينبغي التوقف في الخبر المزبور من جهة ذلك ، كما أنه لا ينبغي التوقف فيه من جهة الإشكال في ذكر المغرب في سؤاله بعد وضوح الجواب في المراد الذي هو الحجة لا السؤال ، على أنه محتمل لصدوره من السائل سهوا أو غلطا ، أو إرادة مغرب الليلة السابقة مع ظهري اليوم أو ما قبله أو غير ذلك مما لا مدخلية له فيما نحن فيه.

وإلى ما في ذيل‌ صحيح زرارة (١) المتقدم الاستدلال بأوله عن أبي جعفر عليه‌السلام « وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعا فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة ، ابدأ بالمغرب ثم العشاء ، فان خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم الغداة ثم صل العشاء ، وإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة ثم صل المغرب والعشاء ، ابدأ بأولهما ، لأنهما جميعا قضاء ». وفيه دلالة على المطلوب في غير موضع ، نعم يحتاج للتتميم بعدم القول بالفصل إلى غير ذلك من الأخبار المستفاد منها الترتيب للعطف بثم ونحوه ، فتوقف الخراساني حينئذ في الحكم المزبور في غير محله قطعا ، خصوصا في المرتب أداء كالظهرين والعشاءين ، ولعله لم يقف على ما ذكرنا.

نعم قد يقال بسقوط الترتيب عند الجهل به كما في الألفية وشرحها للمحقق الثاني واللمعة والروضة والمدارك والذخيرة والكفاية والمفاتيح وعن الإيضاح وغيره ، بل في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب المواقيت ـ الحديث ١ من كتاب الصلاة.

٢٣

الرياض نسبته إلى الأكثر ، كما عن موضع من كشف الالتباس إلى الظاهر من المذهب للأصل السالم عن معارضة الأدلة السابقة الظاهرة في غيره ، واستلزام التكرار المحال أو الحرج في كثير من موارده المتمم في غيرها بعدم القول بالفصل المحكي في الروضة على الجزم والذخيرة على الظاهر وعن غيرهما ، وموافقته لسهولة الملة وسماحتها ، ورفع القلم عن النسيان ، وأن الناس في سعة ما لم يعلموا ، مع أنه لا يخلو من تردد ونظر كما في القواعد والتحرير والمنتهى وظاهر كنز الفوائد وعن المعتبر ونهاية الأحكام ، بل في البيان والذكرى وجوبه مع الظن ، بل في الدروس والموجز وعن كشف الالتباس والهلالية وجوبه مع الوهم أيضا ، بل في باب الوضوء من الذكرى الجزم بوجوبه حيث لا يكون في مراعاته زيادة فيما يجب عليه إن لم يراعه فارضا له في صورة محتاجة إلى التأمل بل في التذكرة « أن الأقرب فعله حال الجهل به » بل جزم به في الإرشاد ، بل في الرياض « لا ريب أنه أحوط وأولى » بل في المفاتيح نسبته إلى من عدا العلامة والشهيدين ، حيث قال : « والآخرون على وجوب التكرار » ولعله لإطلاقهم وجوبه كالخلاف والسرائر والمتن وغيرها ، وهو مع أنه أحوط في البراءة عما اشتغلت الذمة به من الصلاة بيقين لا يخلو من قوة ، لعدم صلاحية الأصل لمعارضة المقدمة الحاصلة بسبب استصحاب وجوبه ، وإطلاق الأدلة السابقة من معاقد بعض الإجماعات والأخبار التي لا مدخلية للعلم والجهل فيما يستفاد منها ، خصوصا الحكم الوضعي كما في غيره من التكاليف وإن كان ظاهر مواردها هنا العلم ، لكنه ليس ظهور شرطية كما هو واضح.

ودعوى اعتبار العلم في كل حكم وضعي استفيد من أمر ضرورة استلزامه التكليف بالمحال بدونه ممنوعة كل المنع إن أريد العلم التعييني ، ولا تجدي إن أريد ما يشمل الحاصل بالتكرير ، كما أنه لا يجدي تسليم استفادة اعتبار التمكن من كل شرط استفيد‌

٢٤

من أمر أو نهي ، ضرورة حصوله هنا ولو بالمقدمة كما لا يخفى ، وعدم المحالية بل والحرج في التكرار ، ضرورة كونه كمن فاته مقدار ذلك يقينا الذي من المعلوم عدم سقوط الفضاء عنه لمشقته بكثرته ، على أنه لو سلم الحرجية في الجملة فهو سبب ذلك في بعض الأفراد أو أكثرها ، وأقصاه السقوط فيما بتحقق الحرج به دون غيره كما هو ظاهر الأستاذ في كشفه في أول كلامه بل صريحه ، بل قد لا تحتاج مراعاته إلى زيادة تكرير على ما وجب عليه كما في بعض الصور المفروضة في باب الوضوء من الذكرى ، ودعوى الإجماع المركب الذي هو حجة في مثل هذه المسائل عهدتها على مدعيها.

بل قد يقال بوجوب ترجيح إطلاق أدلة المقام على دليل الحرج بناء على قبوله لذلك ، كما أخرج عنه فيما لو كان مقدار هذا المكرر معلوم الفوات ، وإن كان بينهما هنا تعارض العموم من وجه ، لأقلية أفراده منه ، وخروج نظيره من معلوم الفوات بل وكثير من التكليفات من صوم الهجير وقتل النفس ونحوهما عنه دون ذلك ، ومعارضة ذلك كله بتأيد دليل الحرج بعموم رفع المؤاخذة عن الجاهل ، وقوة عمومه من حيث كونه نكرة في سياق الإثبات (١) كما ترى ، بل قد يقال بعدم شمول دليل الحرج له أصلا ، إذ المراد نفيه في الدين لا ما يوجبه العقل عند الاشتباه للمقدمة ، ولعله من ذلك كله حكى في مفتاح الكرامة عن مصابيح أستاذه أنه قال : « المسألة لا تخلو من إشكال وإن كان القول بالسقوط حيث يكون حرج ولا تقصير لا يخلو من قوة » انتهى.

لكن قد يقال بأن قصارى ذلك حصول الشك في اعتبار السقوط (٢) وعدمه‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ، والصحيح « النفي » لأن النكرة في دليل عموم نفى الحرج في سياق النفي ، وهو قوله تعالى ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) مضافا إلى أن النكرة في سياق الإثبات لا تفيد العموم أصلا فضلا عن قوة للعموم ، اللهم إلا أن يوجه بأن الضمير في قوله : « وقوة عمومه » راجع إلى رفع المؤاخذة.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب « الترتيب » إذ لا محصل لشرطية السقوط مضافا إلى أنه قدس‌سره بصدد تقوية السقوط لا نفيه.

٢٥

وما شك في شرطيته ليس بشرط عندنا ، بل قد يرجع السقوط بالسيرة ، وصعوبة معرفة طريق تحصيل التكرار الترتيب في كثير من موارده على أكثر الناس أو عامتهم ، واستبعاد إيكال الشارع مثل ذلك مع كثرة وقوعه ، وشدة التفاوت بين عدد المقدمة وذيها ، ومشقة معرفة طريق الحصول إلى باب المقدمة ونحوه ، ومعلومية الفرق بين الوجوب المقدمي والأصلي بأن مبنى الأول على أن لا يستلزم قبحا وحرجا كما لو اشتبهت موطوءة الإبل في كثير منها وظرف السمن بين ظروف كثيرة وغير ذلك مما يعظم اجتنابه على المكلفين ، بل تمجه عقولهم ، بل من ذلك ونحوه حكم بسقوط مراعاتها في غير المحصور ، إلى غير ذلك.

إلا أنه ومع ذلك كله فالاحتياط بالتكرار المحصل للترتيب لا ينبغي تركه ، وهو يحصل كما عن غاية المراد والمحقق الثاني بأن يزيد على الاحتمالات صلاة واحدة ، فمن فاته الظهران زاد صلاة فصلى ظهرا بين عصرين أو بالعكس ، إذ المحتمل فيه اثنان فيزاد صلاة ، لكن قيل : إن فيه زيادة تكليف لو كانت الفرائض الفائتة أربعة مثلا ، فان الاحتمالات فيه أربعة وعشرون ، فينبغي فيه صلاة خمس وعشرين ، أو كانت خسمة فان الاحتمالات فيه مائة وعشرون ، فينبغي أن يصلي مائة وإحدى وعشرين ، وفيه نظر ، لعدم إرادته الاحتمالات العقلية الحاصلة من الضرب قطعا.

لكن على كل حال الأولى ارتكاب طريق آخر ذكره غير واحد من الأصحاب أخصر من هذا وأسهل يحصل به الترتيب أيضا وإن توافق معه في بعض الصور ، وهو بأن يصلي من فإنه ظهران من يومين ظهرا بين عصرين أو بالعكس ، لحصول الترتيب بينهما على تقدير سبق كل واحدة ، ولو جامعهما مغرب من ثالث صلى الثلاث قبل المغرب وبعدها ، أو عشاء معها فعل السبع قبلها وبعدها ، أو صبح معها فعل الخمس عشرة قبلها‌

٢٦

وبعدها وهكذا ، والضابط تكريرها على وجه يحصل الترتيب على جميع الاحتمالات ، وهي اثنان في الأول ، وست في الثاني ، وأربعة وعشرون في الثالث ، ومائة وعشرون في الرابع حاصلة من ضرب ما اجتمع سابقا في عدد الفرائض المطلوبة ، فحينئذ لو أضيف إليها سادسة صارت الاحتمالات سبع مائة وعشرين ، وصحته فيها من ثلاث وستين فريضة بفعل الإحدى وثلاثين قبلها وبعدها ، ولو أضيف إليها سابعة صارت الاحتمالات خسمة آلاف وأربعين ، وتصح من مائة وسبع وعشرين فريضة ، ولو أضيف إليها ثامنة صارت الاحتمالات أربعين ألفا وثلاثمائة وعشرين ، ويصح من مائتين وخمس وخمسين فريضة.

نعم قد يقال بأن الفريضة الزائدة على الخمس لا تكون إلا إحدى الخمس ، وترتيبها على مثلها لا يبلغ في زيادة الاحتمالات إلى هذا المقدار ، ضرورة عدم توقف الترتيب بينها وبين مماثلها من الفريضة على تكرار ، ولذا لو كانت الفوائت المتعددة من نوع واحد كعشاءات متعددة مثلا لم يجب تكرير في تحصيل الترتيب بينها ، وتوضيح ذلك بأن يقال : إن الفائت إذا كان ظهرين وعصرا فالاحتمالات ثلاثة ، وإذا أضيف إليها مغرب صارت اثني عشر حاصلة من ضرب الثلاثة في الأربع ، وإذا أضيف إليها العشاء صارت ستين ، وإذا أضيف صبح صارت ثلاثمائة وستين ، اللهم إلا أن يراد مطلق الاحتمال وإن لم يكن له مدخلية في الترتيب ، لكن دعوى أن صحتها على هذا الطريق من ثلاث وستين فريضة لا تخلو من نظر ، وذلك لأن صحته في الأول من خمس هي ظهران قبلهما عصر ، وبعدهما عصر ، وبينهما عصر ، فلو أضيف إليها مغرب كانت من إحدى عشرة ، فلو أضيف إليها عشاء كانت من ثلاث وعشرين ، فلو أضيف إليها صبح وهو السادس كانت من سبع وأربعين ، واحتمال إرادة نحو صلاة الكسوف من الفريضة السادسة لا اليومية بناء على مراعاة الترتيب بينها وبين الفوائت ، أو المختلفة بالقصر‌

٢٧

والإتمام بعيد في عباراتهم ، بل مقطوع بعدمه كما لا يخفى على من لا حظ الروضة وغيرها مما ذكر فيه هذا الطريق ، نعم لعل المراد إرادة حصوله بالعدد المذكور لا أن المراد أنه أقل عدد يحصل به ، لما عرفت.

بل هناك طريق آخر غير ذلك هو أخصر وأسهل ذكره أيضا غير واحد من الأصحاب ، وهو أن يصلي الفرائض الفائتة أجمع كيف شاء مكررة عددا ينقص عنها بواحد ثم يختمه بما بدأ به منها ، فيصح من ثلاث عشرة فريضة في الثالث ، وإحدى وعشرين في الرابع ، وإحدى وثلاثين في الخامس الذي فرض فيه زيادة فريضة سادسة.

بل في الروضة أنه يمكن الحصول في الأخير بخمسة أيام ولاء والختم بالفريضة الزائدة ، ولعله لأنه إذا صلى خمسة أيام مكررة ففي كل مرة يبرأ من بعضها ولو واحدة لأنه في الأولى يبرأ من واحدة من الأواخر قطعا ، وهي أولها ، وكذلك في الثانية ، لحصول مثل الجميع بعدها ، فيحصل الترتيب بين ما برأ منه أولا وغيره ، ولا أقل من واحدة ، وكذا في الثالثة والرابعة والخامسة ، فيبرأ من خمسة ولم يبق إلا الزائد ، فإن كان ترتب قبل ذلك مع ما بعده فذاك ، وإلا فهو آخر ما فاته فيقضيه ويختم به.

لكن قد يناقش فيه بأنه لا يتم لو فرض أن الزائدة العشاء ، وفرض أن الفائت في نفس الأمر هو العشاء ثم العشاء أيضا ثم المغرب ثم العصر ثم الظهر ثم الصبح ، فإنه لم يحصل له ذلك بفعل خمسة أيام كيف شاء والختم بالفريضة الزائدة التي فرضنا أنها العشاء ضرورة عدم تحصيله من اليوم الأول إذا فرض ابتداؤه فيه من الصبح إلا العشاء ، ومن الثاني العشاء الثاني خاصة ، ومن الثالث المغرب كذلك ، ومن الرابع العصر ، ومن الخامس الظهر ، فيبقى حينئذ الصبح الذي لا يجدي في حصول الترتيب له الختم بالعشاء الذي فرض أنه الفريضة الزائدة ، اللهم إلا أن يريد الختم بالفريضة الزائدة لكل يوم ، لكنه حينئذ ينقص عن الطريق السابق واحدة ، لأنه كان من إحدى وثلاثين ، وهذا‌

٢٨

ثلاثون ، وهو بعيد جدا ، إذ لو أراده لقال إنه يحصل الترتيب بستة أيام ، كما أنه كذلك في الواقع للعلم بحصول فريضة له من كل يوم ، بل لعل ذلك أوضح الطرق ، والأمر سهل ، إذ المدار على فعل ما يحصل به الترتيب ، وأما كيفيته فليس هو من وظائف الفقيه.

هذا كله إذا كان الفائت مختلفا صنفا أو عددا ، أما المتحد صنفا وعددا كالظهرين فصاعدا أو العصرين كفاه فعلها بنية الأولى فالأولى كما صرح به غير واحد ، بل هو واضح ، بل قد يحتمل عدم وجوب هذه النية ، بل الاجتزاء بنية الخلاف ، قصرا لدليل الترتيب على الأول ، لكنه كما ترى ضعيف جدا ، نعم حكي عن غاية المراد احتمال إلحاق المتحد عددا المختلف صنفا كالظهر والعصر بالمتحد صنفا وعددا ، فيجزي صلاة أربعة مطلقة ينوي بها أولى ما في ذمته إن ظهرا فظهر وإن عصرا فعصر ، والثانية (١) ما في ذمته وهكذا ، وهو لا يخلو من قوة بناء على عدم وجوب نية الظهرية والعصرية إلا للتعيين الحاصل بنيته أولى ما في ذمته وإن كان لم يعلمها بخصوصها ، إذ الواجب التعيين المفيد تعينا واقعا ، ونحو ذلك الظهر المقصورة والصبح أو العشاء المقصورة ، نعم لو فاته مع ذلك مغرب وسطها بين أربع فرائض مطلقة على الطريق الذي سمعته سابقا ، ولو فاته صلوات معلومة سفرا أو حضرا (٢) ولم يعلم السابق منهما كفى في حصول الترتيب صلوات رباعيات كل يوم قصرا وتماما كما هو واضح ، وصرح به غير واحد من الأصحاب.

ثم إن الظاهر عدم الفرق في مراعاة الترتيب في القضاء مع العلم به بين أن يتولاه بنفسه وبين أن يتولاه عنه وليه بعد موته أو متبرع أو مستأجر ، ضرورة تأدية هؤلاء‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية ولكن حق العبارة هكذا « ثانية ما في ذمته ».

(٢) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصحيح « سفرا وحضرا ».

٢٩

تكليفه عنه وتحملهم إياه عنه ، والفرض أنه كان عليه ذلك مرتبا ، فمن أداه عنه غير مرتب لم يكن مجزيا كما صرح بذلك في القواعد ، قال : ولو استأجر ولي الميت عنه لصلاته الفائتة وجب على الأجير الإتيان بها على ترتيبها في الفوائت ، خلافا للأستاذ في كشفه فلم يعتبره للأصل بعد قصر ما دل على اعتباره على المتقن ، وهو القاضي عن نفسه ، وإطلاق ما دل على القضاء عنه ، لكنه قد يناقش فيه بأن النائب ليس إلا مؤديا تكليف غيره الذي من كيفيته الترتيب كالقصر والإتمام والجهر والإخفات ، فلو استأجر أجيرين حينئذ كل واحد عن سنة لم يجز عنه لو أوقعاها دفعة فضلا عن عكس الترتيب بل يصح منهما سنة خاصة كما صرح به في القواعد والحواشي المنسوبة للشهيد والمحكي عن الإيضاح وجامع المقاصد أيضا.

أما مع الجهل بترتيب فوائته فان كان بعد العلم بمعلوميته عنده إلى أن مات اتجه وجوب التكرار لتحصيله ، وإن لم يعلم ذلك كما هو الغالب فالظاهر جريان البحث السابق فيه ، بل لعله أولى منه إذا كان للجهل بحال الميت ، لا مكان القول بسقوطه به بالنسبة للجاهل المؤدي عن نفسه لا المتحمل تكليف غيره المجهول عنده كيفية تكليف من تحمل عنه من الترتيب وعدمه ، وربما كان مرتبا عنده ، بل قد ينقح الأصل كونه كذلك في بعض الأفراد منه أو أكثرها ، فيكون من القسم الأول ، لكن في كشف الأستاذ أن الأحوط عدم مراعاة الترتيب حذرا من طول المدة وبقاء الميت معاقبا لو كان القضاء عن واجب ، ومن تأخير وصول الأجر لو كان ندبا ، ولا بأس به إن كان المراد ترجيح التعجيل على الاحتياط في مراعاة الترتيب بعد البناء على سقوط وجوب التكرار مراعاة له ، وإن كان قد يناقش فيه بالنسبة للثاني ، بل والأول لو كان الفوات لا عن تقصير من المكلف ، بل ومع التقصير أيضا بناء على عذرية الحكم الظاهري الحاصل من ظن المجتهد لا واقعيته ، لاحتمال عدم خلوصه عن العقاب حينئذ إلا بإتيان الترتيب ،

٣٠

بل لا ريب في رجحان ما يحصل به الخلاص المؤبد يقينا على محتمله وإن استلزم زيادة زمان عليه.

وكيف كان فتحصيل الترتيب عن الميت على حسب ما سمعته في الحي بالطرق السابقة ، بل لا بأس بتعدد النواب ، فيصح حينئذ استئجار أجيرين فصاعدا عن ميت واحد لكن بشرط أن يكون فعلهما مرتبا بمعنى وقوع فعل أحدهما بعد فعل الآخر لو أريد تحصيله على الطريق الأول ، ضرورة عدم حصول الترتيب عليه بغير ذلك ، إذ لو أوقعاه دفعة في جماعة أو على الانفراد لم يحصل البينية التي هي من مقوماته ، وكذا الطريق الثاني إذا فرض توزيع التكرير المحصل للترتيب عليهما أياما ، فإنه لو أوقعاهما دفعة لم يحصل منه إلا ما يحصل بفعل واحد منهما ، ويكون الثاني لغوا ، إذ لو فرض أن الفائت خمس فرائض كان حصول الترتيب بينها على هذا الطريق بأربعة أيام والختم بما بدأ به ، لليقين بحصول فريضة له من كل يوم ولم يبق له إلا احتمال تأخر ما بدأ به أولا عن الجميع ، فيختم بها ويبرأ ، فإذا فرض توزيع هذه الأربعة على الأجيرين وأوقعاها دفعة بأن صلى كل منهما يومين مقارنا للآخر جماعة أو على الانفراد لم يحصل اليقين إلا بفريضتين ، لاحتمال كون الفائتة الأخيرة من يوميهما الأولين ، ثم ما قبلها من اليومين الثانيين ، فيكون الأربعة أيام بمنزلة اليومين من واحد ، بخلاف ما لو كانت أيامهم على التعاقب ، إذ هي حينئذ كالأيام الأربعة من واحد بعلم حصول فريضة من كل يوم ثم يختم أحدهما بالفريضة المبتدأة فيحصل الترتيب بين الخمس ، كما هو واضح بأدنى تأمل.

نعم لا بأس على الظاهر بتوزيع فرائض اليوم عليهما بأن يصلي أحدهما الصبح مثلا والآخر الظهر مقارنا له ، ثم العصر والآخر المغرب ، ثم يصلي العشاء أحدهما وهكذا إلى تمام الأربعة ، ثم يختم بابتداء فرائض يومهما ، وهو الصبح في المثال ، فإنه‌

٣١

يحصل الترتيب بين الخمس أيضا.

هذا كله لو قلنا بمراعاة الترتيب حال الجهل ، أما بناء على سقوطه ولو كان من ولي الميت كما لعله الأقوى في النظر لم يجب زائدا على فوائت الميت ، لكن لو استأجر أجيرين على أدائهما وأوقعاها دفعة جماعة أو فرادى ففي إجزائه نظر ، ينشأ من صدق امتثال إطلاق الأدلة بعد سقوط اشتراطه وكونه كالصلاة مع الجنابة في الثوب المشترك في التمسك بأصالة صحة فعله ، ومن أن أقصى سقوط وجوب مراعاته إجزاء غير معلوم الخلاف ، أما معلومة فلا كما في الفرض ، ضرورة أن السابقة إحداهما ، فتصح حينئذ صلاة منهما دون الأخرى ، ووضوح الفرق بينه وبين الثوب المشترك بأن فعلهما معا راجع إلى واحد ، وهو المنوب عنه بخلافه فيه ، ولعله لذا كان ظاهر القواعد والحواشي المنسوبة للشهيد عليها الثاني ، بل كاد يكون صريح الأخير بل والأول بعد التأمل الجيد بل ربما حكي عن الإيضاح والفخر أيضا ، بل لم يحضرني الآن مصرح بالأول عدا الأستاذ في الكشف ، قال في الأول بعد ما سمعت من عبارته السابقة : « فإن استأجر أجيرين كل واحد عن سنة جاز لكن بشرط الترتيب بين فعليهما ، فإن أوقعاه دفعة وجب على كل منهما قضاء نصف سنة » وقال في الثاني : « الترتيب أن يصلي هذا يوما وهذا يوما ، وهذا شهرا وهذا شهرا ، فإن أوقعاه دفعة بأن يقترنا في نية كل صلاة وكذا لو لم يقترنا فنقول هنا : صلاة واحدة صحيحة والأخرى غير مجزية لعدم الترتيب ، فإذا فرضنا صلاة « غانم » صحيحة كانت صلاة « سالم » غير مجزية ، فإذا اختلفا كذلك مقترنين أو سبق أحدهما الآخر بالنية في الصلاة الثانية كانت صلاة « سالم » مجزية ، وفي الثالثة تجزي صلاة « غانم » وفي الرابعة صلاة « سالم » وعلى هذا يكون بين السنة نصف سنة وبين السنتين سنة واحدة ، فيحصل الترتيب ، وكذا الحكم إن جهلا » انتهى. ولا ريب‌

٣٢

في أنه أحوط إن لم يكن أقوى وإن اشتهر في زماننا هذا عدم الالتفات إلى شي‌ء من ذلك ، لكن هل يعتبر في براءة ذمة المؤجر اشتراط التعاقب أو يكفي فيها عدم علمه بالاقتران؟ وجهان أقواهما الثاني.

هذا كله في ترتيب الحواضر والفوائت أنفسهما ، أما البحث فيه بالنسبة إلى بعضها مع بعض فهو المعركة العظمى بين الأصحاب الذي اختلفت فيه أقوالهم ، وتشتتت فيه آراؤهم حتى أن بعضهم كالسيد ضياء الدين بن الفاخر والشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد أفتى به مدة ثم رجع عنه إلى عدمه أخرى على ما حكاه في غاية المرام ، وما ذاك إلا لكون المسألة من المعضلات ، وهي التي أشار إليها المصنف بقوله فان فاتته صلوات متعددة لم يعتبر في صحتها أن تترتب بمعنى تتقدم على الحاضرة ولا في صحة الحاضرة أو غيرها من العبادات أن تتأخر عنها ، ولم يجب فعلها فورا متى ذكرها ، ولم يجب العدول من الحاضرة لو ذكرها في الأثناء إليها ، ولم يحرم التشاغل بسائر ما ينافي فعلها من مندوبات أو واجبات موسعة أو مباحات أو غير ذلك كما هو المشهور بين المتأخرين نقلا وتحصيلا ، بل في الذخيرة أنه مشهور بين المتقدمين أيضا ، كما أنه نسبه في مصابيح العلامة الطباطبائي إلى أكثر الأصحاب على الإطلاق ، كنسبته إلى المشهور كذلك في شرح الموالي ، بل في المصابيح أيضا أن هذا القول مشهور بين أصحابنا ظاهر ناش في كل طبقة من طبقات فقهائنا المتقدمين منهم والمتأخرين ، وهو كذلك يشهد له التتبع لكلمات الأصحاب وجادة وحكاية في الرسائل الموضوعة في هذا الباب ، كرسالة المولى المتبحر السيد العماد أستاذي السيد محمد جواد والفاضل المحقق المتبحر ملا أسد الله وغيرهما من كتب الأساطين المعتمدين كالمختلف وكشف الرموز وغاية المراد والذخيرة ومصابيح العلامة الطباطبائي ونحوها ، إذ المستفاد منه أنه مذهب‌ الشيخ الثقة الجليل الفقيه عبد الله بن علي بن أبي شعبة الحلبي في أصله الذي أثنى عليه الصادق ( عليه‌

٣٣

السلام ) (١) عند عرضه عليه وصححه واستحسنه ، وقال : « إنه ليس لهؤلاء أي المخالفين مثله » وعده الصدوق من الكتب المشهورة التي عليها المعول وإليها المرجع ، بل أمر المرتضى بالرجوع اليه وإلى رسالة ابن بابويه مقدما لهما على كتاب الشلمغاني لما سئل عن أخذ ما يشكل من الفقه من هذه الثلاثة ، والحسين بن سعيد الأهوازي الذي هو من أصحاب الرضا والجواد والهادي عليهم‌السلام ، وحاله أجل من أن يذكر مصنف الكتب الثلاثين الحسنة التي يضرب بها المثل في الإتقان والجودة ، وقد عده المحقق طاب ثراه في المعتبر في جملة الفقهاء المعتبرين الذين اختار النقل عنهم ممن اشتهر فضله وعرف تقدمه في نقل الأخبار وصحة الاختيار وجودة الاعتبار ، والشيخ الجليل العظيم النبيل أحمد بن محمد بن عيسى القمي في نوادره والصدوقين والشيخ أبي الفضل محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليم أو سليمان المعروف في كتب الرجال بالصابوني ، وبين الفقهاء بالجعفي تارة ، وبصاحب الفاخر أخرى في كتابه الفاخر الذي ذكر في أوله أنه لا يروي فيه إلا ما أجمع عليه وصح من قول الأئمة (ع) عنده ، والشيخ الجليل الحسين بن عبيد الله ابن علي المعروف بالواسطي أستاذ الكراجكي ، ومشاهد ( معاهد خ‌ل معاصر خ‌ل ) الشيخ المفيد وقطب الدين الراوندي الذي صنف رسالة في المسألة كما في الفهرست ، وعماد الدين محمد بن علي كما في المصابيح ، والعماد الطوسي كما في الغرية ، ونصير الدين أبي طالب عبد الله بن حمزة الطوسي غير صاحب الوسيلة ، وسديد الدين محمود الحمصي صاحب التصانيف الكثيرة علامة زمانه في الأصوليين كما قال تلميذه منتجب الدين ، وهو شيخ ورام بن أبي فراس أيضا ، وكذا فخر الدين الرازي كما في القاموس ، وكان معاصرا لابن إدريس ، وكان يطعن عليه بأنه مخلط لا يعتمد على تصنيفه ، والشيخ أبي علي الحسن ابن ظاهر الصوري ، وعلي بن عبيد بن بابويه منتجب الدين ، وقد صنف في المسألة رسالة‌

__________________

(١) رجال النجاشي ص ١٧٠.

٣٤

سماها العصرة ردا على بعض من عاصره ، ولعله ابن إدريس ، وقد رأيتها ، والشيخ يحيى نجم الدين بن الحسن بن سعيد ، والشيخ نجيب الدين يحيى بن أحمد بن يحيى المذكور ابن عم المحقق ، والسيد الأجل علي بن موسى بن طاوس صاحب الكرامات ، والعلامة طاب ثراه في جملة من كتبه ، ووالده وولده وابن أخته السيد العميد ، والسيد ضياء الدين ابن الفاخر ، والشهيدين والمقداد وتلميذه محمد بن شجاع القطان ، والشيخ السعيد أبي العباس أحمد بن فهد وتلميذه علي بن هلال الجزائري والصيمري والكركي وولده والميسي وابن أبي جمهور الأحسائي والأردبيلي وتلميذه المحقق أبي منصور الشيخ حسن صاحب المعالم في الاثنى عشرية ، وولده الشيخ محمد في شرح الرسالة المزبورة ، والشيخ أبي طالب شارح الجعفرية ، وشيخنا البهائي ووالده وتلميذه الشيخ جواد بن سعيد الكاظمي ، والمحدث القاشاني في المفاتيح وغيرها ، وابن أخيه الشيخ هادي ، والفاضل الخراساني والسيد ماجد والشيخ سليمان البحرانيين ، وفيض الله بن عبد القاهر ، والعلامة المجلسي ووالده ، والمحقق الشيرواني والفاضل الماحوزي وأكثر علماء عصرنا هذا وما قاربه ، كالمولى المحقق المدقق مجدد مذهب الشيعة في المائة الثانية بعد الألف محمد باقر الأصبهاني الشهير بالبهبهاني ، والعلامة الشريف الذي انتهت إليه رئاسة الشيعة في زمانه السيد محمد مهدي الطباطبائي ، وأستاذي المحقق النحرير الذي لم يكن في زمانه أقوى منه حدسا وتنبها الشيخ جعفر ، والفاضل المتبحر المحقق المدقق ملا أسد الله وغيرهم ، بل حكاه العلامة عن أكثر من عاصر من المشايخ ، والحلي عن جماعة من أصحابنا الخراسانيين والشهيد نسبه إلى أكثر من علمه العلامة من المشايخ ، بل نسبه في الجملة الواسطي المزبور في كتاب النقض على من أظهر الخلاف لأهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أهل البيت عليهم‌السلام كما حكاه عنه ابن طاوس في رسالته المنقول جملة منها في الذخيرة‌

٣٥

وغيرها هنا وفي المواقيت ، وهو أقوى من الإجماع (١) ، بل قد يظهر من الفاضلين في المعتبر والمنتهى والمختلف دعوى إجماع المسلمين عليه في الجملة ، مضافا إلى ما سمعت من ذكر الجعفي له في كتابه الذي ذكر في خطبته أنه لا يروي فيه إلا ما أجمع عليه وصح عنده من قول الأئمة عليهم‌السلام.

فمن العجيب بعد ذلك كله وغيره مما تركنا التعرض له خوف الإطالة والملل وأو كلنا وإلى مظانه دعوى شهرة القول بالمضايقة والإجماع عليها ، ولقد أجاد من منعها على مدعيها ، وكيف وقد عرفت أن ذلك مذهب جم غفير من قدماء الأصحاب ومتأخريهم ممن اشتهرت أقوالهم وكثرت أتباعهم وتفرقت أمصارهم من قميهم وخراسانيهم وشاميهم وعراقيهم وساحليهم واصبهانيهم وكاشانيهم ، وفيهم من هو من أجلاء أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ، ولا يصار إلا بأمرهم عليهم‌السلام ، ومن أدرك الغيبتين ومن انتهى اليه في زمانه أمر الرئاستين ، وأقر له بالفقه وصدق اللهجة ، وإن كان لم يصرح بعضهم بجميع ما ذكرناه في العنوان عند شرح المتن إلا أنه لازم ما ذكره منه ولو بمعونة عدم القول بالفصل أو غيره ، كما يومي اليه ملاحظة كلامهم في تحرير هذا النزاع‌

__________________

(١) قال ما هذا لفظه : « مسألة : من ذكر صلاة وهو في أخرى ، قال أهل البيت : : يتم التي هو فيها ، ويقضى ما فاتته ، وبه قال الشافعي ، قال ابن طاوس ثم ذكر خلاف الفقهاء المخالفين لأهل البيت عليهم‌السلام » ثم قال في أواخر المجلد ما لفظه : « مسألة أخرى : من ذكر صلاة وهو في أخرى إن سأل سائل فقال : أخبرونا عمن ذكر صلاة وهو في أخرى ما الذي يجب عليه؟ قيل له : أن يتمم التي هو فيها ويقضى ما فاته ، وبه قال الشافعي ـ قال السيد ـ : ثم ذلك ما روي عن الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام انه قال : من كان في صلاة ثم ذكر صلاة أخرى فاتته أتم التي هو فيها ثم قضى ما فاته » انتهى إذ قد عرفت وتعرف إن شاء الله ان القائلين بالمضايقة يوجبون العدول من الحاضرة إلى الفائتة لترتبها عليها عندهم فمن لم يوجبه أو لم يجوزه ممن لا يقول بوجوب الترتيب البتة ( منه رحمه‌الله ).

٣٦

قديما وحديثا ، فإنهم ذكروا جملة من أهل القول بالمواسعة المحضة كعلي بن أبي شعبة والحسين بن سعيد وابن عيسى والجعفي والواسطي والصدوقين وغيرهم ، مع أنه ليس في المحكي من كلام هؤلاء إلا التصريح ببعض ما سمعته في العنوان من فعل الحاضرة في أول وقتها ، أو عدم إيجاب العدول منها إليها أو غير ذلك مما لا تلازم بينه وبين القول بالمواسعة المحضة من كل وجه ، وما ذاك إلا لاكتفائهم في القول بها بالتصريح ببعض ما عرفت ، كما أن القول بالمضايقة كذلك ، وإلا لو اقتصر بالنسبة إلى كل عبارة على ما نصت عليه وصرحت به وجعل قولا مستقلا لأمكن إنهاء الأقوال في المسألة إلى عشرين أو ثلاثين لاختلاف العبارات بالنسبة إلى ذلك اختلافا شديدا ، خصوصا عبارات القدماء التي لم يراع فيها السلامة من الحشو ونحوه ، ومن المعلوم خلاف ذلك كله عند كل محرر للخلاف والنزاع في المقام ، فيعلم حينئذ أنه لا قائل بالتفصيل والجمود على خصوص ما نص عليه في هذه العبارات ، فيكتفى بإدراج من نص على بعض ما سمعته في العنوان في القائلين بالمواسعة ونحوه في المضايقة على ما ستعرف ، فتأمل جيدا ، ومع ذلك كله فالمتبع الدليل وستعرف ثبوته على جميع ما في العنوان.

وكذا لا يقدح ما بينهم من الخلاف في أمر غير ما نحن فيه من التخيير المحض في تقديم الحاضرة أو الفائتة كما هو المحكي عن ظاهر الراوندي والحمصي وابن سعيد منهم ، أو استحباب تقديم الحاضرة كما هو ظاهر الصدوقين والجعفي والواسطي وعن الصوري ، بل ربما ظهر من بعضهم وجوبه ، لكن يجب إرادته الاستحباب منه ، للإجماع من الطائفة نقلا وتحصيلا على جواز التقديم وعدم ترتب الفائتة على فعلها ، أو استحباب تقديم الفائتة كما عن العلامة ووالده وولده ومشايخه المعاصرين له وأكثر المتأخرين عنه ، بل ظاهر كشف الرموز الاتفاق عليه في الجملة ، لكن الأمر في هذا الخلاف هين ، بل الظاهر سقوطه عند التحقيق ، فان التخيير في الجملة مشترك بين الكل‌

٣٧

وهو الأصل في هذا القول ، بل لعل ترجيح الفائتة عند من ذكره نظرا إلى الاحتياط الذي لا ينافي ترجيح الحاضرة بالذات من حيث أنها صاحبة الوقت المحتمل إرادة من ذكره له ، كما لا يخفى على الملاحظ المتدبر ، فيكون النزاع لفظيا ، فتأمل جيدا.

وقيل والقائل القديمان والشيخان والسيدان والقاضي والحلي والآبي والشيخ ورام وبعض المحدثين وبعض علمائنا المعاصرين على ما حكي عن بعضهم ـ : يجب التشاغل بقضاء الفوائت فورا عند الذكر في سائر الأوقات إلا وقت ضيق الأداء أو الاشتغال بما لا بد منه من ضروريات المعاش من التكسب والأكل والشرب ، ويجب أن تترتب بمعنى تتقدم على الحاضرة مع سعة الوقت ، بل يجب العدول عنها إليها لو كان قد ذكرها في أثنائها ، بل هذا الترتيب شرط في صحتها وصحة غيرها من العبادات ، بل وحلية باقي ما ينافيها من سائر الأفعال والأعمال المباحات إلا ما يضطر اليه مما يتوقف عليه الحياة أو النفقات الواجبات من غير فرق في ذلك كله على الظاهر منهم بين اتحاد الفائت وتعدده ، وبين الفائت ليومه وغيره ، وبين ما كان سببه العمد والتقصير وغيره ، بل صرح بعضهم أو أكثرهم بالأول من ذلك ، نعم لم ينصوا جميعهم على جميع ما سمعته في العنوان ، لكنهم قد اتفقوا جميعا كما قيل على الترتيب ، بل نص المفيد والمرتضى والقاضي والحلبيان والحلي منهم على فورية القضاء ، بل لعله ظاهر القديمين والشيخ والآبي أيضا ، بل حكى المفيد والقاضي وأبو المكارم والحلي الإجماع على ذلك ، فالفورية والترتيب حينئذ متلازمان عندهم وإن كانا ليسا كذلك في نفس الأمر ، بمعنى أن كل من قال بالترتيب قال بالفورية وبالعكس ، لأن هؤلاء عمدة أهل هذا القول ، بل هم أصله وأسه ، ويشهد له تحرير هذا النزاع من بعضهم بالمضايقة والمواسعة ، ومن آخر بالترتيب وعدمه ، ولو لا التلازم المزبور لاختلف الحكم وتعدد الخلاف ، بل عن أبي العباس التصريح بأن الترتيب هو القول بالمضايقة ، وعدمه هو‌

٣٨

القول بالمواسعة كما عن الصيمري ما يقرب منه ، وكذا صرح الشيخ والسيدان والقاضي والحلبي والحلي منهم ببطلان الحاضرة المقدمة على الفائتة في السعة ، بل في الغنية الإجماع عليه ، بل هو قضية تصريح المفيد بالحرمة ، ضرورة لزومها للفساد في مثلها.

بل الظاهر أنه كالفورية عندهم من لوازم الترتيب ، فان المستفاد من كلامهم كونه شرطا في صحة الأداء فيه وفي القضاء ، ولذا أخذه المصنف في المعتبر في القول بالترتيب وعزاه إلى الثلاثة وأتباعهم ، ونص الشهيدان في غاية المراد وروض الجنان على أن المضايقة المحضة بمعنى وجوب تقديم الفائتة مطلقا ، وبطلان الحاضرة لو قدمها عمدا ، ووجوب العدول لو كان سهوا ، وقال أولهما في الذكرى : « ظاهر الأكثر وجوب الفور في القضاء إما لأن الأمر المطلق للفور كما قاله المرتضى والشيخ ، وإما احتياطا للبراءة ، فهؤلاء يوجبون تقديمها على الحاضرة مع سعة الوقت ، ويبطلون الحاضرة لو عكس متعمدا » وهذا صريح في أن البطلان مأخوذ في هذا القول ، وأما العدول في الأثناء إليها فقد نص عليه المرتضى والشيخ والقاضي والحلبيان والحلي منهم وفي المسائل الرسية سؤالا وجوابا والخلاف والغنية وبحث المواقيت من السرائر وظاهر شرح الجمل ، وعن خلاصة الاستدلال للحلي الإجماع على ذلك ، وقد سمعت أن الشهيدين أخذاه في القول بالمضايقة ، وقال في المختلف : « لو اشتغل بالفريضة الحاضرة في أول وقتها ناسيا ثم ذكر الفائتة بعد الإتمام صحت صلاته إجماعا ، ولو ذكر في الأثناء فإن أمكنه العدول إلى الفائتة عدل بنيته استحبابا عندنا ، ووجوبا على رأي القائلين بالمضايقة » وكذا نص المرتضى والقاضي والحلبي والحلي منهم على وجوب التشاغل المزبور ، وهو لازم الباقين حيث قالوا بالفورية التي من لوازمها تحريم التأخير إلا للأمور الضرورية ، والإخلال بها في أول الوقت لا يسقط القضاء ولا فوريته في سائر الأوقات إما لأن الأصل في كل واجب فوري أن يستمر على وجوبه وفوريته مع الإخلال به ، أو للإجماع‌

٣٩

على بقاء الأمرين هنا وإن قيل بسقوطهما في غيره ، إذ لا خلاف بين المسلمين في عدم سقوط القضاء بالتأخير ، ولا بين القائلين بفوريته في وجوب المبادرة به بعد الإخلال ، فعلى قولهم يلزم المؤخر للقضاء تجدد المعصية في كل زمان ، واستحقاق العقوبة على كل تأخير ، قال الآبي منهم : وعند أصحاب المضايقة لا يجوز الإخلال بالقضاء إلا لأكل أو شرب ما يسد به الرمق ، أو تحصيل ما يتقوت به هو وعياله ، ومع الإخلال بها يستحق العقوبة في كل جزء من الوقت.

وأما تحريم الأفعال المنافية عدا الصلاة الحاضرة في آخر وقتها وضروريات الحياة فقد صرح به المرتضى والحلي منهم ، بل يظهر من المفيد والحلبيين القول به أيضا فإنهم رتبوا تحريم الحاضرة في السعة على تضيق الفائتة ، وبنى المفيد تحريم النافلة لمن وجب عليه فائتة على تحريم الحاضرة ، ومقتضاه استناد التحريم إلى التضاد ، فيطرد في جميع الأضداد ، وبناء الترتيب على المضايقة ـ كما صرح به الصيمري في المحكي عنه من غاية المرام ويستفاد من غيره أيضا ـ يعطي دخول تحريم الأضداد في هذا القول عندهم بمعنى الشرطية لا مطلق الوجوب ، فيكون تحريم الضد مطلقا عندهم بمعنى الشرطية لا مطلق الوجوب بل يكون تحريم الضد مطلقا من تتمة القول المذكور ، وتخصيص نسبة القول به بالمرتضى والحلي كما وقع من العلامة والشهيدين وغيرهما لاختصاصهما بالتصريح بذلك ، بل قيل : إنه يلوح من ظاهر عباراتهم ، وإلا فقد عزاه في التذكرة إلى السيد وجماعة ، وهذا صريح في عدم اختصاصه بهما ، وهذه المطالب كلها ساقطة على القول بالمواسعة المحضة ، فإن أصحاب هذا القول يسقطون الترتيب ويجيزون تأخير القضاء مطلقا ، ولا يوجبون العدول في الأثناء ، فهذان القولان على طرفي النقيض ، ولا تصريح في كلام أحد منهم بالفرق بين الواحدة والمتعددة ، أو فائتة اليوم وغيرها وأسباب الفوات‌

٤٠