جواهر الكلام - ج ١٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المعمول بها بين معظم الأصحاب ، بل لا أجد خلافا في شي‌ء من ذلك سوى ما يحكى عن والد الصدوق من منع اقتداء المسافر وبالحاضر والعكس ، وعنه من منع اقتداء مصلي الظهر بمصلي العصر إلا أن يتوهمها العصر ثم يعلم أنها كانت الظهر ، وهما بعد الإغضاء عن ثبوتهما عنهما خصوصا ما عن الثاني منهما نادران شاذان كما اعترف به في المفاتيح والرياض ، بل لا أعلم مأخذا لثانيهما كما اعترف به في الذكرى والبيان أيضا ، إذ ليس إلا ما قيل من أن العصر لا يصح إلا بعد الظهر ، فلو صلاها خلف من يصلي الظهر فكأنه قد صلى العصر مع الظهر مع أنها بعدها ، وهو كما ترى ضعيف جدا ، ضرورة ترتب عصر المصلي على ظهر نفسه لا على ظهر إمامه ، على أنه إن تم يقتضي المنع أيضا في العكس وفي العشاء والمغرب.

ومن‌ صحيح علي بن جعفر (١) سأل أخاه عليه‌السلام « عن إمام كان في الظهر فقامت امرأة بحياله تصلي معه وهي تحسب أنها العصر هل يفسد ذلك على القوم؟ وما حال المرأة في صلاتها معهم وقد كانت صلت الظهر؟ قال : لا يفسد ذلك على القوم وتعيد المرأة صلاتها » وهو ـ مع أنه مناف لما ذكره الصدوق ، وموافق للتقية ، بل في الوسائل لأشهر مذاهب العامة ـ محتمل لكون الأمر بالإعادة فيه للمحاذاة والتقدم على الرجال المذكورين فيه حتى على القول بكراهتهما ، إذ لعلها للإيقاع على الوجه الأكمل نحو الأمر بإعادة الجمعة لمن صلاها بغير الجمعة والمنافقين وغيره ، ولأن لاعتقادها مدخلية بل لعلها فوت صلاة الإمام التي هي الظهر ، نعم‌ في الكافي أنه في حديث (٢) « إن ، علم أنهم في صلاة العصر ولم يكن صلى الأولى فلا يدخل » لكنه ـ مع إرساله وإعراض المشهور نقلا وتحصيلا عنه ، بل في المنتهى الإجماع على عدم شرطية تساوي الفرضين قال : « فلو صلى ظهرا مع من يصلي العصر صح ، ذهب إليه علماؤنا أجمع » ونحوه في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥.

٢٤١

التذكرة وعن المعتبر لكن بدون « أجمع » واحتماله للتقية ، والدخول بنية العصر كما في الوسائل ، والكراهة ـ قاصر عن معارضة النصوص المعتبرة المستفيضة الصحيحة الصريحة الوارد بعضها (١) في ائتمام المسافر ظهرا وعصرا بظهر الحاضر ، بل ولا لأولهما أيضا بعد الإغضاء عما يدل على خلافه من النصوص المستفيضة حد الاستفاضة ، وفيها الصحيح الصريح والمعتضدة بالشهرة القريبة من الإجماع ، بل هي كذلك عن الفاضلين ، نعم ظاهر بعضها الكراهة ، كخبر البقباق (٢) عن الصادق عليه‌السلام وغيره كما ستعرف ذلك عند تعرض المصنف له ، ولعله هو دليله ، إلا أنه لا يخفى على من لاحظه ظهوره في الكراهة أو صراحته كما قيل وإن اشتمل صدره على النهي الظاهر في الحرمة لو لا التصريح بالصحة والجواز فيه التي لا تجامع الحرمة عند الإمامية ، والأمر سهل ، هذا.

وقد يظهر من إطلاق المتن بناء على عدم رجوع القيد الآتي في كلامه إلى الجميع جواز الائتمام في أي فرض بأي فرض بعد تساوي النظم ، لكن في الدروس الأقرب المنع من الاقتداء في صلاة الاحتياط وبها إلا في الشك المشترك بين الامام والمأموم ، ولعله لأنها معرضة للنفل والإتمام فينبغي ملاحظة الصحيح على كل منهما ، لكن فيه أولا أنه لا فرق في ذلك بين الشك المشترك وغيره ، وثانيا أنه لا يقدح احتمال النفل بعد أن كانت واجبة في الظاهر لا أقل من أن تكون كالنافلة المنذورة بناء على صحة الائتمام فيها وبها ، فالأولى التمسك له بالشك في تناول إطلاقات الجماعة له التي لم تسق لمثل ذلك وإن كان فيه تأمل.

نعم قد يقال هو في محله بالنسبة إلى النافلة المنذورة إذا أريد الائتمام فيها بفريضة يومية أو العكس وإن كان ظاهر من جوز الاجتماع فيها بالنذر مساواتها للفرائض ، فيصح الائتمام بها وفيها من غير فرق بين مجانسها ومخالفها ، ولعله لا يخلو من وجه.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

٢٤٢

أما مع اختلاف النظم كاليومية والجنائز والكسوف والعيدين فلا خلاف أجده بين الأصحاب في عدم مشروعية الجماعة فيها ، بل في كلام بعضهم دعوى الإجماع عليه بل لعله من بديهيات المذهب أو الدين كما قيل ، لا لعدم إمكان المتابعة ، إذ يمكن بنية الانفراد عند محل الاختلاف ، أو الانتظار إلى محل الاجتماع ، أو الائتمام بالركوع العاشر مثلا من صلاة الكسوف كما عن النجيبية احتماله ، وأحد قولي الشافعي جوازه حتى في صلاة الجنازة ، بل لأن العبادة توقيفية ولم يثبت مثل ذلك فيها ، بل لعل الثابت خلافه ، والإطلاقات واضحة القصور عن التناول لمثله ، كوضوح قصورها عن تناول مثل الائتمام في صلاة العيدين بالاستسقاء المتوافقين في النظم وبالعكس حتى لو نذر وإن كان الاجتماع مشروعا فيها ، إلا أنه فيها نفسها لا في المتخالفين.

أما الائتمام في ركعتي الطواف الواجب باليومية وبالعكس فغير بعيد كما نص على أولهما في البيان وإن كان هو أيضا لا يخلو من تأمل باعتبار توقيفية العبادة ، وقصور الإطلاقات عن تناول مثله ، بل وعبارات الأصحاب التي قد يدعى الإجماع عليها ، لاحتمال إرادة القضية المهملة منها ، بل ينبغي القطع به في عبارة الكتاب وما شابهها بناء على رجوع القيد الآتي في كلامه إلى الجميع ، فتأمل جيدا.

وكذا يجوز أن يأتم المتنفل بإعادة صلاته احتياطا مندوبا أو قضاء كذلك ، أو لإرادة الجماعة ، أو كان صبيا أو تبرعا عن ميت بالمفترض للأصل فيها ، أو في بعضها ، وإطلاق الأدلة ، بل في بعضها الائتمام بالأسماء التي لا مدخلية للفرض والنفل فيها ، مع اعتضاد ذلك كله بنفي الخلاف المعتد به في شي‌ء منه نقلا في الرياض إن لم يكن تحصيلا ، وإن كان معقده فيه ايتمام المتنفل بالمفترض من غير تنصيص على ما ذكرنا ، كمعقد إجماع الخلاف ، ونفي الخلاف بين أحد من أهل العلم في المنتهى وعند علمائنا في التذكرة ، إلا أن ذلك ونحوه مرادهم قطعا ، وإلا فقد سمعت سابقا‌

٢٤٣

عدم مشروعية الجماعة في النافلة عدا العيدين والاستسقاء والغدير على قول ضعيف ، واحتمال إرادة الأولين هنا يمنعه ما عرفته من اشتراط توافق النظم في الجماعة ، فلا يتصور فيهما الائتمام بالفريضة اليومية التي هي مراد المصنف من المفترض هنا ، أو هي والمنذورة في وجه ينقدح منه إمكان إرادة ما يشملهما بالمتنفل إذا فرض وجوبهما على الامام بنذر ونحوه ، فيكون حينئذ مفترضا ومأمومه متنفلا بهما.

كما أنه ينقدح أيضا شموله لنافلة الغدير إن قلنا بجواز الجماعة فيها وقلنا بجواز فعلها كذلك ولو بغير مجانسها من الفرائض وإن كان هو محلا للنظر والتأمل ، إذ لو سلمنا صحة الجماعة فيها فالظاهر اختصاصها بمجانسها ، اقتصارا في العبادات التوقيفية ، فلا تندرج حينئذ في صورة ايتمام المتنفل بالمفترض إلا إذا نذرها الامام كما عرفت.

نعم قد يندرج فيها الاقتداء في ركعتي الطواف المندوب بركعتي الواجب منه وبالفريضة بناء على استثنائها من عدم مشروعية الجماعة في النافلة ، فتأمل.

وكيف كان فالنصوص المعتبرة المستفيضة جدا فيما ذكره المصنف بالنسبة إلى إعادة الصلاة جماعة إذا كان قد صلاها فرادى ، بل أو جماعة كما في الذكرى وسيمر عليك جميعها أو أكثرها عن قريب إن شاء الله ، لكن‌ في بعضها (١) « يجعلها الفريضة » وفي آخر (٢) « إن شاء » وفي ثالث (٣) « يختار الله أحبهما اليه » وفي رابع (٤) « يجعلها سبحة » وعلى الأول يخرج عن موضوع الصورة التي ذكرها المصنف ، بل وعلى الثالث في وجه ، ويأتي إن شاء الله تحقيق البحث في ذلك.

وأما ائتمام المتنفل بالمتنفل فاني وإن لم أجد فيه خلافا أيضا كما اعترف به في الرياض إلا أني لم أجد نصا على صورة من صوره عدا العيدين والاستسقاء منه ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٠.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٨.

٢٤٤

لكنه مقتضى الأصل في بعضه ، والإطلاقات في الجميع ، خصوصا في مثل المتبرع به من اليومية ، والمعاد منها تحصيلا للإمامة أو المأمومية أو للاحتياط ، لقرب انسياقها إلى الذهن منها ، وليس المراد التعميم في المتن وما شابهه من عبارات الأصحاب قطعا ، إذ قد عرفت عدم مشروعية الجماعة في النافلة عندنا ، بل المراد الجنسية التي تتحقق بالعيدين والاستسقاء والمعادة والمتبرع بها والمحتاط فيها بعضها ببعض وبركعتي الطواف المندوب بها وباليومية الندبية ، بناء على جواز الجماعة فيها وإن كان لا يخلو من منع ، بل في الذكرى أنه يجوز اقتداء المتنفل بمثله في الإعادة إذا كان في المأمومين مفترض.

أما لو صلى اثنان فصاعدا فرادى أو جماعة ففي استحباب إعادة الصلاة لهم جماعة نظر ، من شرعية الجماعة ، ومن أنه لم يعهد مثله ، فالنهي عن الاجتماع في النافلة يشمله ، وهو جيد ، بل في التذكرة « الوجه منع صحة صلاة المتنفل خلف مثله إلا في مواضع الاستثناء كالعيدين المندوبين والاستسقاء » وظاهره عدم جواز الإعادة بالإعادة من صوره فضلا عن غيرها وإن كان الأقوى خلافه.

وأما المفترض بالمتنفل فلا خلاف فيه أيضا نقلا وتحصيلا ، بل في الخلاف وظاهر التذكرة والمنتهى الإجماع عليه ، والنصوص (١) بعد الأصل والإطلاقات دالة على بعض صوره ، وهي اقتداء المؤدي فرضه بمن أعاد تحصيلا لفضيلة الجماعة ، وأما باقي الصور كاقتداء مصلي اليومية أداء أو قضاء بالمتبرع عن غيره أو المحتاط وبالناذر للنافلة وبركعتي الطواف الواجب ، أو ذي النافلة المنذورة بمصلي اليومية ندبا لإعادة أو تبرع أو احتياط وبالمتنفل نافلة يجوز الجماعة فيها كالغدير على قول ، أو من نذر العيدين والاستسقاء والغدير بغير الناذر فلم أجد بها نصا بالخصوص ، لكنه مقتضى إطلاق الأدلة وإن كان بعضها محلا للنظر والتأمل ، كالنافلة المنذورة ولو الغدير باليومية كما‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٢٤٥

سمعته سابقا ، ولعله إلى هذه الأماكن في هذه الصورة وما تقدمها أشار المصنف بقوله : في أماكن معلقا له بقوله : « يجوز ».

ثم قال وقيل بجواز الائتمام مطلقا أي كل متنفل بكل مفترض ومتنفل وكل مفترض بكل مفترض ومتنفل بعد توافق النظم ، لكنه مجهول القائل ، مبناه جواز الاجتماع في النوافل الذي قد عرفت بطلانه بما لا مزيد عليه ، على أنه لو سلم فلا يقتضي جواز الاقتداء في الفرائض بها أو بالعكس ، بل أقصاه بعضها ببعض ، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى الاقتصار على ما سمعت من الصور التي يمكن استخراجها من الأدلة لا مطلقا ، بل في التذكرة أن الأقرب عندي منع اقتداء المفترض بالمتنفل إلا في صورة النص ، وهو ما إذا قدم فرضه ، وإن كان النظر فيه واضحا بالنسبة إلى بعض الصور المتقدمة ، ولعله لا يريد ما يشملها ، نعم ما فيها ـ من أن الأقرب منع صحة صلاة الجمعة خلف متنفل بها كالمعذور إذا قدم ظهره ، أو خلف مفترض بغيرها مثل من يصلي صبحا قضاء أو ركعتين منذورة ـ لا يخلو من وجه ، مع أنه قال في الذكرى ـ بعد أن حكى ذلك عن الفاضل وذكر أنه يتصور فيما إذا خطب وانقضى العدد ثم تحرم واحد بصلاة واجبة فاجتمع العدد سواء كان المتحرم الخطيب أو غيره إن جوزنا مغايرة الإمام للخطيب ـ قال : « وفي هذا المثال مناقشة ، لأن الظاهر إذا اجتمع العدد بعد الخطبة وجوب الجمعة وفساد صلاة المتلبس بها إذا كانت ظهر اليوم ، نعم لو كان قد صلى الظهر وتلبس بالعصر ثم حضر العدد أمكن أن يقال بصحة الفرض ، وأبلغ منه في الصحة أن يكون مسافرا أو أعمى وقد صلى فرضه وشرع في آخر واجتمع العدد » انتهى ، ولتمام البحث في تنقيح ذلك والحكومة بينهما مقام آخر.

ويستحب أن يقف المأموم عن يمين الامام لا خلفه ولا يساره إن كان رجلا واحدا على المشهور بين الأصحاب نقلا وتحصيلا ، بل في المنتهى « أنه مذهب‌

٢٤٦

أكثر أهل العلم » بل في التذكرة نسبته إلى علمائنا ، بل عن المعتبر إلى العلماء ، مشعرين بدعوى الإجماع عليه ، بل في الخلاف « أن عليه إجماعنا وجميع الفقهاء إلا النخعي وسعيدا » وفي المنتهى « لو وقف المأموم الواحد عن الخلف أو الشمال والمتعدد عنه وعن اليمين جاز على كراهة إجماعا » ونحوه ما في التذكرة لكن مع ترك الخلف في معقد إجماعها وخلفه لا يمينه ولا يساره إن كانوا جماعة على المشهور بين الأصحاب أيضا كذلك ، بل في التذكرة نفي الخلاف فيه ، كما عن المنتهى وإرشاد الجعفرية الإجماع عليه ، وفي الخلاف « إذا وقف اثنان عن يمين الامام ويساره فالسنة أن يتأخرا خلفه » مستدلا على ذلك بإجماع الفرقة ، خلافا لظاهر المحكي عن أبي علي من إيجاب الموقف المزبور في الواحد والجماعة في صحة الصلاة ، ولم أجد من وافقه عليه ، بل ولا من حكي عنه عدا ما في مفتاح الكرامة أنه قد يلوح من الجمل والعقود وجمل العلم والعمل وجوب الوقوف عن اليمين ، مع أن الذي أظنه إرادتهم الندب وإن عبروا بما ظاهره الوجوب خصوصا من مثل القدماء في المعروف استحبابه ، بل يمكن دعوى إرادة أبي علي الكراهة من قوله : « لا يجوز صلاته لو خالف » كما هو ديدن القدماء في التعبير عنها بمثله.

ومع ذلك كله فقد أنكر في الحدائق على الأصحاب مبالغا في إظهار العجب وإساءة الأدب تمسكا بظاهر الأمر بقيام الواحد عن اليمين والأكثر خلفا في النصوص المستفيضة التي فيها الصحيح والحسن وغيرهما ، قال أحدهما عليهما‌السلام في‌ صحيح ابن مسلم (١) : « الرجلان يؤم أحدهما صاحبه يقوم عن يمينه ، فان كانوا أكثر من ذلك قاموا خلفه » والصادق عليه‌السلام في الحسن لزرارة (٢) في حديث « نعم ويقوم الرجل عن يمين الامام » جواب سؤاله « عن الرجلين يكونان جماعة » وليت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

٢٤٧

شعري ما أدري إنكاره على من حصل الإجماع على إرادة الندب من هذه الأوامر التي ليست بصيغها ، بل يمكن دعوى ظهورها هنا في مطلق الطلب في مثل هذه الأخبار الخارجة من بين أيديهم ، أو على من كان المنقول منه حجة عنده.

على أنه مع الإغضاء عن ذلك يمكن استفادة الندب منها بمعونة الشهرة العظيمة المعتضدة بالإطلاقات الكثيرة ، ومرفوع علي بن إبراهيم الهاشمي (١) المروي في الكافي قال : « رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يصلي بقوم وهو إلى زاوية في بيته بقرب الحائط وكلهم عن يمينه وليس على يساره أحد » واحتمال إرادة الخلف الذي على جهة اليمين منه بعيد جدا ، خصوصا وأخبار الخصم بمثل هذه العبارة ، وإطلاق خبري أبي الصباح (٢) وموسى بن بكر (٣) عن الكاظم والصادق عليهما‌السلام « عن الرجل يقوم في الصف وحده فقال : لا بأس إنما يبدو الصف واحد بعد واحد » وصحيح سعيد الأعرج (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي الصلاة فلا يجد في الصف مقاما أيقوم وحده حتى يفرغ من صلاته؟ قال : نعم لا بأس يقوم بحذاء الامام » وخبر السكوني (٥) عن أبي جعفر عن أبيه عليهما‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا تكونن في العثكل ، قلت : وما العثكل؟ قال : أن تصلي خلف الصفوف وحدك ، فان لم يمكن الدخول في الصف وقام حذاء الإمام أجزأه ، فإن هو عاند الصف فسدت عليه صلاته » ضرورة ظهوره كسابقه والمرفوع المتقدم في عدم وجوب القيام خلف الامام مع فرض‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١ عن السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام إلخ.

٢٤٨

تعدد المأمومين ، كظهور الأولين قبلهما في عدم وجوب قيام الواحد عن اليمين ، مضافا إلى إمكان دعوى إيماء التعليل في‌ خبر أحمد بن رباط (١) عن الصادق عليه‌السلام إلى الندب في الجملة أيضا ، قال : « قلت له : لأي علة إذا صلى اثنان صار التابع على يمين المتبوع؟ قال : لأنه إمامه ، وطاعة للمتبوع ، وإن الله جعل أصحاب اليمين المطيعين فلهذه العلة يقوم على يمين الامام دون يساره ».

خصوصا بعد تعارف مثل هذه التعليلات للمندوبات ، كايماء الأمر بالتحويل من اليسار إلى اليمين في أثناء الصلاة في خبري ابني سعيد (٢) وبشار (٣) إلى الصحة ، ضرورة أنه لو كان القيام إلى اليمين شرطا في الصحة كما يدعيه الخصم لاتجه الأمر بالاستئناف ولم يجز التحويل ، قال في أولهما : « عن أحمد بن محمد في الصحيح ذكر الحسين ابن سعيد أنه أمر من يسأله عن رجل صلى إلى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا يعلم ثم علم وهو في صلاته كيف يصنع؟ قال : يحوله عن يمينه » وقال في ثانيهما : « أنه سمع من يسأل الرضا عليه‌السلام عن رجل صلى إلى جانب رجل فقام عن يساره وهو لا يعلم كيف يصنع ثم علم وهو في الصلاة؟ قال : يحوله إلى يمينه » فيبقى حينئذ احتمال الوجوب التعبدي الذي لا يقوله الخصم ، ويمكن نفيه بالأصل وغيره.

على أنه قد يبعد الوجوب أيضا زيادة على ما سمعت وعلى السيرة والطريقة إغفال التعرض في الأدلة لما هو الغالب من فروعه ، كتجدد التعدد أو الاتحاد في الأثناء ، وأنه هل يتقدم الامام عليهما أو يتأخران هما عنه في الأول ، أو يتأخر الإمام اليه أو يتقدم هو إلى الامام في الثاني ، ولو فرض التعذر فهل يجب الانفراد أو يغتفر ، ولو كان المأموم واحدا ثم جاء آخر فهل يقف خلف أولا وينوي ثم يتأخر اليه المأموم أو أنه يتأخر‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٠.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

٢٤٩

القديم أولا ثم ينوي الجديد ، إلى غير ذلك ، واحتمال جريان مثله على تقدير الندب أيضا يدفعه معلومية تفاوت حال الوجوب والندب ، وأنه يكتفى في إثبات الثاني بما لا يكتفى به في الأول بأن يقال إنه يومي تحويل الامام من كان على يساره إلى يمينه وعدم تحويله نفسه إلى الحكم في بعض ما ذكرنا ، كاستحباب انتقال المأموم إلى اليمين عند عروض الاتحاد له بعد أن كان متعددا ، وبه صرح في المنتهى ، بل واستحباب تأخره عنه عند عروض التعدد كما صرح به أيضا في الكتاب المزبور والبيان ، ولا فرق بين سبق إحرام الجديد أو تأخر القديم على الظاهر ، كما أنه من الواضح عدم وجوب نية الانفراد عندنا مع التعذر ، لكون الحكم مندوبا وتركه مكروها ، لما سمعته من إجماع المنتهى ، بل منه ومن غيره أيضا بل ومن النصوص أيضا يظهر إرادة الأكثر من واحد من الجماعة هنا كما صرح به بعضهم ، والصبي كالبالغ في هذه الأحكام بناء على شرعية عباداته ، فلو اجتمع معه رجل تأخرا ، وإن اتحد وقف عن يمين الامام كما أشارت إليه النصوص (١) أيضا.

ثم لا يخفى أنه لا منافاة بين ما سمعته هنا من استحباب قيام الجماعة خلف وبين ما ذكره الفاضل من استحباب قيام الامام وسطا ليتساوى نسبته إلى المأمومين ليتمكنوا من المتابعة ، ول‌ ما رواه الجمهور (٢) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : « وسطوا الامام وسدوا الخلل » ضرورة إرادة ما لا ينافي الخلف من الوسط.

نعم قد يناقشون بعدم صلاحية ما ذكروه دليلا لإثباته فضلا عن أن يعارض ما دل على استحباب اليمين ، وخصوص مرفوع علي بن إبراهيم الهاشمي (٣) المتقدم سابقا خصوصا لو أريد منه جهة اليمين وإن كانوا خلفه ، وحمله على الضرورة كما في الذكرى‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) كنز العمال ج ٤ ص ١٣٣ ـ الرقم ٢٩٠٦.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٦.

٢٥٠

لا داعي له ، ومن هنا أنكر في الحدائق استحباب ذلك عليهم ، ولا بأس به لو لا التسامح في المستحب ، ويمكن القول باستحباب كل منهما ، فيخرج اليسار حينئذ خاصة ، فتأمل.

هذا كله في المأموم الرجل ، وأما الأنثى ولو متعددة فالمشهور بين الأصحاب كما في المفاتيح استحباب وقوفها خلفه ، وإليها أشار المصنف بقوله أو امرأة عاطفا له على الجماعة كما هو خيرة النافع والمدارك والذخيرة والمفاتيح وظاهر الدروس والرياض للأمر به في‌ خبر أبي العباس (١) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يؤم المرأة في بيته ، قال : نعم تقوم وراءه » ومرسل ابن بكير (٢) أيضا « في الرجل يؤم المرأة ، فقال : نعم تكون خلفه » ومضمر القاسم بن الوليد (٣) « سألته عن الرجل يصلي مع الرجل الواحد معهما النساء ، قال : يقوم الرجل إلى جنب الرجل ، ويتخلفن النساء خلفهما » وغيرها ، حتى‌ قول الباقر عليه‌السلام (٤) : « المرأة والمرأتان صف والثلاث صف » فإنه كالأمر السابق المحمول على الندب إن قلنا بعدم حرمة المحاذاة ، وإلا فعلى الوجوب كما عن التذكرة والذكرى والروض والمدارك والرياض وغيرها ، لكن قد يناقشون بأنه لا تلازم بين المسألتين ، إذ الجماعة هيئة توقيفية متلقاة من الشارع وقد وردت عنه بهذه الكيفية الخاصة ، ولا معارض لها ، إذ لا إشعار فيما استفيد منه الكراهة هناك بما يشمل الجماعة ، ولو فرض إطلاقه وجب تقييده بما هنا ، خصوصا مع أمر الكاظم عليه‌السلام المرأة التي صلت بحيال الرجال مؤتمة به بخيال أنه العصر فبان ظهرا في صحيح علي بن جعفر (٥) المتقدم سابقا بالإعادة التي لا وجه لها إلا المحاذاة إذ حمله على الندب كما سمعته فيما سبق موقوف على المعارض ، وليس إلا حمل أخبار‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٤.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٨.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

٢٥١

المحاذاة على الكراهة ، لمكان التعارض فيها ، وفيه أن التأخر هنا لا للمحاذاة بل لهيئة في الجماعة ، اللهم إلا أن يثبت إجماع مركب على عدم الفرق بين الفرادى والجماعة فيها كما عساه يظهر من الفاضل والشهيدين وغيرهما ممن بنى المسألة هنا على تلك ، بل في مفتاح الكرامة عن الغنية والتحرير وظاهر التذكرة الإجماع على عدم الفرق بين الجماعة والفرادى إلا أني لم أجده في ثانيها ، بل قد يشك في أصل ثبوته أيضا ، فيتجه حينئذ حمل الأوامر هنا على الندب ، بل في صريح منتهى العلامة وعن ظاهر معتبر المصنف الوجوب هنا مع اختيارهما الكراهة هناك ، اللهم إلا أن يكون ذلك رجوعا منهما ، كما عساه يشهد له بعض الأمارات في كلام الأول منهما لا أنه قول بالفصل ، وفيه بحث ، بل قد يظهر فيما يأتي من كلام المصنف ـ من وجوب تأخر النساء عن الرجال لو جاءوا إلى الجماعة في الأثناء حتى حكي عن معتبر المصنف الإجماع عليه ـ مدخلية الجماعة في الجملة في هذا التأخير ، وأنها غير مبتنية على مسألة المحاذاة التي فتوى المصنف وغيره بل لعله سائر المتأخرين على الكراهة فيها.

لكن ومع ذلك فالذي يقوى في النظر الندب هنا بناء على الكراهة هناك ، عملا بالأصل وإطلاقات الجماعة المعتضدة بالشهرة المحكية ، بل الإجماع المركب ، وبإطلاق الأخبار الدالة على جواز المحاذاة التي بسببها قيل بالكراهة هناك مع قصور أخبار المقام عن إفادة الوجوب سندا أو دلالة ، خصوصا بعد ملاحظة العطف أو كالعطف في بعضها على المندوب أو عطفه عليها ، والأمر بتأخرهن عن غير الامام المحمول على الندب بناء على الكراهة في تلك المسألة ، ومعلومية إرادة الندب من مثل هذه العبارة في المأموم المتحد والمتعدد إذا كان ذكرا ، واستبعاد الاكتفاء في إيجاب ذلك بمثل ذلك بعد حكمهم عليهم‌السلام بكراهة المحاذاة في غير الجماعة ، وغير ذلك ، والأمر بالإعادة في الصحيح‌

٢٥٢

المزبور (١) لعله لأحد الوجوه السابقة ، أو لوجوب التأخر في الجملة في أصل الجماعة كما سمعته سابقا من الحلي أو لغير ذلك ، بل قد يقال بالندب هنا وإن قلنا بحرمة المحاذاة هناك بناء على إرادة المساواة منها لا ما يشمل تقدم الإمام في الجملة للمعتبرة (٢) المستفيضة المذكورة هناك الدالة على الصحة مع تقدم الامام بصدره أو بحيث يكون سجود المرأة مع ركوعه أو بمقدار شبر ، فيكون المندوب هنا كونها خلف الإمام في جميع أحوال الصلاة من ركوع أو سجود ، كما هو ظاهر قوله عليه‌السلام : تكون أي المرأة وراءه وخلفه ، وصحيح الفضيل بن يسار (٣) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أصلي المكتوبة بأم علي ، قال : نعم ، قال تكون عن يمينك يكون سجودها بحذاء قدميك » ودونها في الفضل اجتماع سجودها مع ركبتيه ، لقوله عليه‌السلام أيضا في‌ صحيح هشام بن سالم (٤) : « الرجل إذا أم المرأة كانت خلفه عن يمينه ، سجودها مع ركبتيه » ودونهما غيرهما ، بل لا استحباب فيه وإن كان مجزيا ، بل قد يقال ذلك أيضا في الثاني كما هو ظاهر اقتصار الأصحاب على استحباب الخلف ، وإن كان هو مدلول صحيح هشام السابق الذي يستفاد منه ومن سابقه أيضا استحباب كونها على جهة اليمين في الخلف لا اليسار أو غيره ، خصوصا بعد ما قيل ردا على المفاتيح حيث استدل بصحيح هشام على استحباب اليمين إن قوله : « عن يمينه » إلى آخره ، في الصحيح المزبور من كلام الصدوق ليس من صحيح هشام ، ولذا لم يذكره في الوافي ، لكن رواه في الذخيرة كما سمعت ، والأمر سهل.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلى ـ الحديث ١ و ٩ والباب ٦ منها الحديث ٢ و ٣ و ٥.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ١٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مكان المصلى ـ الحديث ٩.

٢٥٣

ولو كان الإمام امرأة وقف النساء إلى جانبيها ولا تتقدمهن كالرجل في جماعة الرجال وإن كثرن بل تقوم وسط الصف بينهن بلا خلاف أجده فيه بين القائلين بامامة النساء كما اعترف به في التذكرة والرياض ، بل في المنتهى وعن المعتبر إجماعهم عليه للأخبار المستفيضة (١) فيه باللفظ المتقدم حد الاستفاضة ، وفيها الصحيح وغيره ، بل ظاهرها جميعها وجوب ذلك وحرمة التقدم ، إلا أني لم أجد أحدا صرح به وإن أوهمته بعض العبارات المشتملة على الأمر به كالروايات ، بل التأمل الصادق في كلماتهم يعطي إرادتهم الندب منه كما صرح به غير واحد ، بل قد يظهر من الرياض أنه من معقد نفي خلافه ، وما حكاه من إجماع الفاضلين كغيره ممن حكى ذلك أيضا ، ولعله كذلك ، لانصراف النهي فيها إلى رفع الوجوب أو الندب باعتبار وروده في مقام توهمهما ، والأمر إلى إرادة الندب ، لتبادر إرادة ما أريد منه في كيفية جماعة الرجال مؤيدا بفتوى الأصحاب نصا وظاهرا كما عرفت ، وبالأصل وإطلاقات الجماعة ، وغير ذلك ، كما أن المنساق من الأمر بالوسط هنا إرادة عدم التقدم المذكور في جماعة الرجال لا بحيث ما يشمل التقدم في الجملة ، وإن كان هو الذي يوهمه ظاهر النص والفتوى ، وعليه فيحتاج الحلي إلى تخصيص اشتراط تقدم الإمام في الجملة في صحة الصلاة بغير جماعة النساء ، كما أنه يحتاج إلى ذلك أيضا من جعله مندوبا لا واجبا.

والذي يقوى في النظر إرادة ما ذكرنا من النص والفتوى حتى ما صرح فيها بعدم بروزها عن الصف فيراد بروزها تماما في جميع أحوال الصلاة عن تمام أبدان النساء كالنهي (٢) عن أن تتقدمهن ، فتأمل جيدا.

ولو كان المأموم رجلا وامرأة وقف الرجل إلى يمين الامام والمرأة خلفهما ، ولو كانوا أكثر من رجل وامرأة فصاعدا وقف الرجال خلف الرجال ثم النساء خلف‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٢٥٤

الرجال ، ولو كان خنثى مشكلا سقطت الجماعة بناء على وجوب وقوف الرجل على اليمين والمرأة خلف ، لتعذر الاحتياط هنا كتعذر تحصيل الوظيفة بناء على الاستحباب وإن كان الأولى حينئذ وقوفها خلف تجنبا عن حرمة المحاذاة التي هي أقوى من القول بوجوب الموقف المزبور ، ولو كان رجلا وخنثى تعذر الاحتياط مع مراعاة الوظيفة ، وإن كان المتجه وقوف الرجل إلى يمين الامام ، لعدم ثبوت تعدد الذكر ، ووقفت الخنثى خلف ، لاحتمال أنها امرأة ، بل لا يجزيها إلا ذلك بناء على حرمة المحاذاة ومراعاة البراءة اليقينية ، ولو كان رجل وامرأة وخنثى فسيأتي الكلام فيه عند تعرض المصنف له ، كما أنه يأتي تمام البحث في كيفية موقف النساء إذا اجتمعت مع الرجال ، ووجوب تأخرهن عنهم لو جاءوا في الأثناء عند تعرض المصنف له أيضا ، والله أعلم.

وكذا لو صلى العاري بالعراة لعدم سقوط استحبابها عنهم إجماعا محصلا ومحكيا في المختلف والمنتهى والذكرى ، بل في الأخيرين التصريح بالنساء أيضا ، ونصوصا (١) مضافا إلى الأصل وإطلاق الأدلة ، فما في ظاهر المحكي عن المقنع من وجوب الفرادى عليهم لا ينبغي أن يصغى اليه ، كما أنه يجب حمل مستنده مما في‌ خبر أبي البختري (٢) عن الصادق عن أبيه عليهما‌السلام في العاري « فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس ثم صلوا كذلك فرادى » على التقية كما قيل ، أو غير ذلك ، فإذا أرادوا الجماعة حينئذ جلس الامام وجلسوا في سمته كما في الوسيلة والنافع والمنتهى والدروس والمدارك والرياض وعن النهاية والمعتبر ، بل قيل وعن الجامع والإصباح أيضا بل في السرائر والمنتهى الإجماع عليه ، بل عن المعتبر نسبته إلى أهل العلم والثلاثة وأتباعهم ولا يبرز إلا بركبتيه كما صرح به غير واحد من الأصحاب ، كل ذلك‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

٢٥٥

ل‌ صحيح ابن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام سأله « عن قوم صلوا جماعة وهم عراة ، فقال : يتقدمهم الامام بركبتيه ، ويصلي بهم جلوسا وهو جالس » وظاهره كالفتاوى ومعاقد الإجماعات عدم الفرق هنا بين أمن المطلع وعدمه كما صرح به بعضهم ناسبا له إلى المشهور ، وآخر إلى مقتضى النص وفتوى الأكثر ، بل كاد يكون صريح معقد إجماع السرائر بل وغيرها ، وهو الأقوى ، للزوم الفرض خوف الاطلاع كما اعترف به في الذكرى وإن كانوا في سمت واحد ، ولظاهر الصحيح السابق والموثق الآتي (٢) السالمين عن معارضة الأخبار (٣) المفصلة بذلك ، ضرورة ظهورها في الواحد ولئن سلم إطلاق بعضها وجب تقييده بهما ، كإطلاق ما دل على القيام في الصلاة.

فما عن بعضهم من التفصيل هنا أيضا بأمن المطلع وعدمه كالمفرد ضعيف لم أعرف ما يشهد له صريحا في النصوص ، كما أني لم أعرف قائله بالخصوص عدا البيان وإن حكاه في المدارك والذخيرة ، ولعلهما أراداه أو أخذاه من إطلاق بعضهم ، أو من المحكي عن موضع من النهاية « يقف معهم في الصف ».

وكيف كان فضعفه ظاهر كظهور ضعف ما في الوسيلة ، والمنتهى والدروس وعن النهاية ، بل قيل والجامع والإصباح ، بل عن معتبر المصنف الميل اليه من وجوب السجود والركوع على المأمومين والإيماء على الإمام ، للأصل وإطلاق ما دل على وجوبهما في الصلاة ، وقول الصادق عليه‌السلام في الموثق (٤) : « يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه ، فيومئ إيماء بالركوع والسجود ، وهم يركعون ويسجدون خلفه على‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٣ و ٥ و ٧.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٢.

٢٥٦

وجوههم » وأمن المطلع بالنسبة إليهم باعتبار تضامهم وتلاصقهم ، بخلاف الامام لتقدمه عليهم وكونهم خلفه كما هو مفروض الموثق.

خلافا لصريح جماعة وظاهر آخرين ، فالإيماء للجميع ، بل في السرائر الإجماع عليه ، لفحوى ما دل عليه (١) في المنفرد إن لم نقل بشمول إطلاق بعضه له ، خصوصا مع فهم العلة فيه أنه العراء ، بل قد يدعى أولوية المأموم المجتمع مع غيره منه ، بل في حسنة زرارة بإبراهيم (٢) تعليل النهي عن السجود والركوع بأنه يبدو ما خلفهما الظاهر في عدم الفرق في ذلك بين المنفرد والجماعة وإن كان مورده فيها الأول لكن من المعلوم أنه لا يخصه ، ولا ريب في رجحانها على الموثق المزبور سندا بل ودلالة كما عن نهاية الأحكام الاعتراف بأنه مؤل ، لاحتماله كما قيل إرادة ركوعهم وسجودهم على الوجه الذي لهم ، وهو الإيماء ، ولوجوب تقييده بأمن المطلع ، وإلا فاحتمال الإطلاق بعيد ، بل ينبغي القطع بعدمه ، بل لا يقوله الخصم كما يومي اليه كلام الفاضل منهم ، وحينئذ يتجه بناء عليه الركوع والسجود للصف الآخر والإيماء لغيرهم كما اعترف به في الذكرى لأمن الأول المطلع دون الثاني ، وهو كيفية غير معهودة ، كما أنه قد يشكل أيضا بما في الذكرى من أن المطلع هنا إن صدق وجب الإيماء للجميع ، وإلا وجب القيام ، وإن كان قد يجاب عنه بأن التلاصق في الجلوس أسقط اعتبار الاطلاع بخلاف القيام ، فكان المطلع موجودا حال القيام وغير معتد به حال الجلوس ، فتأمل ، بل واعتضادا بالإجماع المحكي الذي يشهد له إطلاق كثير من الفتاوى كما قيل ، بل واعتبارا ضرورة اقتضاء الموثق المزبور كمالية صلاة المأموم دون صلاة الإمام ، بل قد يدعي إمكان تصيد منعه من الأدلة ، فتأمل ، بل في الذكرى « يلزم من العمل بالموثق أحد أمرين ، إما اختصاص المأمومين بهذا الحكم ، وإما وجوب الركوع والسجود على كل عار إذا أمن المطلع ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٦.

٢٥٧

والأمر الثاني لا سبيل اليه ، والأمر الأول بعيد » وهو جيد مضافا إلى ما في استبعاد اختصاص الإمام بالإيماء مع أنه يستحب أو يجب عليه القيام في وسطهم ، ومعه يكون آمنا من اطلاعهم ، بل حاله كحالهم ، واحتمال اختصاص الإيماء بما إذا كان جلوسهم خلف خلاف ظاهر الخصم بل والموثق أيضا الظاهر في وجوب الإيماء على الامام وجلوسهم خلف ، وهو مضعف آخر للموثق الآخر (١) ضرورة استحباب الوسط كما هو ظاهر الكتاب والقواعد وعن غيرهما ، أو الوجوب كما هو ظاهر الجمل والعقود والوسيلة والمنتهى والذكرى وعن المراسم والمعتبر ونهاية الأحكام والروض والذكرى وغيرها ، بل هو معقد النسبة إلى أهل العلم في المعتبر والمنتهى كما قيل ، وإن كان الأقوى في النظر الأول للأصل وإطلاقات الجماعة ، والجمع بين الصحيح والموثق بناء على إرادة الخلف حقيقة منه لا التأخر في الجملة ، بل قد يدعى إرادة الاستحباب أيضا من أولئك أيضا وإن عبروا بما ظاهره الوجوب ، لكن بقرينة المقام وذكرهم البروز بركبتيه المعلوم استحبابه كما قيل حتى على مذهب الحلي الذي أوجب التقدم في الجملة يقوى إرادة الندب من ذلك ، خصوصا في مثل عبارات القدماء التي هي كالأخبار ، بل والمتأخرين في مثل هذه المقامات المعدة لبيان الوظائف ، فتأمل جيدا.

ثم الإيماء إنما هو بالرأس ، لأنه المنساق ، ول‌ حسن زرارة (٢) « ويجعل سجوده أخفض من ركوعه » كما في خبر أبي البختري (٣) وتمام البحث وما يتعلق به من الفروع كصورة التعذر بالرأس ووجوب الاعتماد على الركبتين والإبهامين عند إرادته‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٦.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٦ ولكن ليس فيه الجملة المذكورة وانما هي في الفقيه ج ١ ص ٢٩٦ مرسلا مقطوعا.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

٢٥٨

خصوصا للسجود وغير ذلك تقدم في اللباس ، إذ الظاهر اشتراك الفرادى والجماعة في هذه الأحكام ، والله أعلم.

ويستحب أن يعيد المنفرد صلاته التي صلاها إذا وجد من يصلي تلك الصلاة جماعة إماما كان أو مأموما بلا خلاف كما في الحدائق وعن غيرها ، بل في المنتهى والمدارك والذخيرة والمفاتيح الإجماع عليه ، لصحيح هشام (١) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة ، قال : يصلي معهم ويجعلها الفريضة إن شاء » وزرارة (٢) عن الباقر عليه‌السلام « لا ينبغي للرجل أن يدخل مع قوم في صلاتهم وهو لا ينويها صلاة ، بل ينبغي أن ينويها وإن كان قد صلى ، فان له صلاة أخرى » وموثق عمار (٣) سأل الصادق عليه‌السلام « عن الرجل يصلي الفريضة ثم يجد قوما يصلون جماعة أيجوز له أن يعيد الصلاة معهم؟ قال : نعم ، وهو أفضل ، قلت : فان لم يفعل ، قال : ليس به بأس » وخبر أبي بصير (٤) قال له عليه‌السلام أيضا : « أصلي ثم أدخل المسجد فيقام الصلاة وقد صليت ، فقال : صل معهم ، يختار الله أحبهما اليه » وخبر حفص بن البختري (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة ، قال : يصلي معهم ويجعلها الفريضة » وصحيح ابن بزيع (٦) كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام « أني أحضر المساجد مع جيرتي وغيرهم فيأمرونني بالصلاة بهم وقد صليت قبل أن آتيهم وربما صلى خلفي من يقتدي بصلاتي والمستضعف والجاهل فأكره أن أتقدم وقد صليت لحال من يصلي بصلاتي ممن سميت لك فأمرني في ذلك بأمرك أنتهي اليه وأعمل به إن شاء الله ، فكتب صل بهم » والحلبي (٧) عن الصادق عليه‌السلام « إذا صليت صلاة وأنت في المسجد وأقيمت الصلاة فإن شئت‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٩.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٠.

(٥) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١١.

(٦) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٥.

(٧) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٨.

٢٥٩

فاخرج وإن شئت فصل معهم واجعلها تسبيحا ».

واحتمال إرادة إعادة الصلاة بالمخالفين الذين لا صلاة لهم ومعهم تقية من هذه الأخبار كلها ـ كما نص عليه في بعض النصوص ، وخصوصا في صيرورته إماما المدلول عليه بخبر ابن بزيع منها وذيل صحيح زرارة المتقدم الذي لم نذكره بتمامه ، ومرسل الصدوق (١) « قال له رجل : أصلي في أهلي ثم أخرج إلى المسجد فيقدموني ، قال : تقدم لا عليك وصل بهم » ـ ضعيف جدا مخالف لصريح بعضها وظاهر آخر ، والإجماع المحكي على لسان من عرفت إن لم يكن المحصل ، وذكر ذلك في بعض النصوص لا يصلح شاهدا لتنزيل غيرها عليه كما هو واضح.

نعم صريح بعضها (٢) كظاهر آخر استحباب إعادة الصلاة الفرادى ، أما صلاة الجماعة فلا صراحة في شي‌ء منها بها ، بل ولا ظهور إماما أو مأموما ، ومن هنا تردد فيه في المنتهى والتذكرة ، بل في صريح المدارك اختياره ، كظاهر المتن والوسيلة والتحرير والإرشاد والقواعد وعن المبسوط والنهاية وغيرها مما علق الحكم فيها على المنفرد ، بل في الحدائق أنه المشهور تارة ، وأنه الأشهر أخرى ، قلت : والأحوط أيضا في العبادة التوقيفية وإن كان الحكم استحبابيا ، خصوصا إذا لم يكن في الجماعة الجديدة مزية على القديمة بكثرة المأمومين أو فضيلتهم أو فضيلة إمام أو غير ذلك ، خلافا للسرائر والذكرى والدروس والبيان والموجز وكشف الالتباس والروض والمسالك وعن غيرها فتستحب إماما كان أو مأموما ، لإطلاق بعض الأدلة والتعليل في صحيح زرارة (٣).

وربما احتمل لفظية النزاع بحمل كلام المانعين على إعادة تلك الجماعة بعينها إماما ومأموما ، والمجوزين على ما إذا حصل غيرهم وأراد الجماعة وإن انضم معهم ، كما عساه يومي اليه ما في البيان « يستحب للمنفرد إعادة صلاته إذا وجد من يصلي معه إماما كان‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

٢٦٠