جواهر الكلام - ج ١٣

الشيخ محمّد حسن النّجفي

ركوعه مع الامام ، وغير ذلك ، واحتمال احتسابه ركوعا صلاتيا تارة وزائدا أخرى لا دليل عليه في كلامهم.

هذا كله في الرجوع ، أما الاستمرار في صورة العمد فقد سمعت فيما سبق بطلان الصلاة بتركه ، لكن المراد أنه لو ترك الاستمرار وتابع الامام فيما فعله ، وإلا فان لم يستمر بأن رفع رأسه من الركوع مثلا ولم يركع مع الامام لم تبطل صلاته ، لعدم المقتضي وإن أطلق الأصحاب وجوب الاستمرار المشعر بالبطلان مع عدمه وإن لم يتابع ، لكن بقرينة تعليلهم البطلان بالزيادة يجب تنزيله على ما ذكرنا ، إذ ليس في الفرض إلا ترك المتابعة بالرفع معه ، وهو لا يقتضي البطلان وإن كان مسبوقا بترك المتابعة بالركوع كما سمعته فيما سبق من عدم الفرق في ذلك بين الركن والركنين ما لم يخرج عن هيئة الجماعة على إشكال فيه أيضا ، لإطلاق الفتاوى ، بل كاد يكون صريح بعضها ، والله أعلم.

ومما يعتبر في صحة الصلاة جماعة أيضا أنه لا يجوز أن يقف المأموم قدام الامام بلا خلاف أجده بين الأصحاب ، بل في التذكرة والمنتهى والذكرى والمدارك والمفاتيح وعن نهاية الأحكام والغرية وإرشاد الجعفرية وظاهر المعتبر الإجماع عليه من غير فرق بين الابتداء والاستدامة ، كما هو صريح معقد بعضها ، اقتصارا في العبادة التوقيفية على ما علم ثبوته من فعل النبي والأئمة ( عليهم الصلاة والسلام ) والصحابة والتابعين وتابعي التابعين وسيرة سائر فرق المسلمين في جميع الأعصار والأمصار بعد قصور الإطلاقات المساقة لغيره عن تناول مثل ذلك ، ولظهور سياق كثير من أخبار الباب في ذلك ، بل كاد يكون صريح بعضها ، خصوصا بعض ما تسمعه فيها ( منها خ ل ) بل هو كذلك ، ولذا استدل عليه في المفاتيح بعد الإجماع بالنصوص.

فلو تقدم المأموم على الامام بطلت صلاته كما هو صريح معقد بعض الإجماعات‌

٢٢١

السابقة ، وظاهر آخر ، لكن قد ينافيه على الظاهر ما ذكره بعد ذلك في الذكرى من أنه لو تقدم المأموم في أثناء الصلاة متعمدا فالظاهر أنه يصير منفردا ، لإخلاله بالشرط ، ويحتمل أن يراعى باستمراره أو عوده إلى موقفه ، فان عاد أعاد نية الاقتداء ، ولو تقدم غلطا أو سهوا ثم عاد إلى موقفه فالظاهر بقاء القدوة للحرج ، ولو جدد نية الاقتداء هنا كان حسنا ، وكذا الحكم لو تقدمت سفينة المأموم على سفينة الإمام ، فلو استصحب نية الائتمام بعد التقدم بطلت صلاته ، وقال الشيخ في الخلاف : لا تبطل لعدم الدليل ، اللهم إلا أن يريد صيرورته منفردا بالنية كما يومي اليه قوله : « أعاد نية الاقتداء » وإن كان ربما ينافيه ذكر الاحتمال بعده ، أو يقيد البطلان الذي هو معقد الإجماعات السابقة بما لو بقي على نية الائتمام كما يومي اليه قوله أخيرا : « فلو استصحب » إلى آخره ، وإلا صار منفردا قهرا وإن لم ينو الانفراد ، بل لعل ذلك هو ظاهر غيره أيضا ممن ستعرفه في الجماعة في السفينة مع أن كلا منهما لا يخلو من نظر.

أما الأول فلظهور معاقد الإجماعات والفتاوي في تحقق البطلان لأصل الصلاة بمجرد حصول التقدم ، ضرورة لزوم مقارنته لتلبس المأموم في جزء من الصلاة ، إذ ليس في أثناء الصلاة فترة ، وهو منهي عن التقدم فيه ، واحتمال اختصاص الفساد به ـ فيتدارك غيره إن كان ممكنا أو ربما لا يكون فساده مقتضيا لفساد الصلاة كجلسة استراحة ونحوها ـ جيد لو لا ظهور الإجماعات السابقة أو صراحتها بتحقق الفساد متى حصل التقدم في الصلاة ، واحتمال إرادتهم شرطية ذلك في الجماعة دون الصلاة بعيد جدا بل باطل ، بناء على كون الجماعة من المقومات للصلاة كالظهرية والعصرية لا أنها مستحب خارجي كالمسجدية ونحوها ، بل لعله كذلك وإن لم نقل بالتقويم بناء على ظهور الأدلة في أن الأمور المزبورة من التقدم والحائل ونحوهما شرائط للصلاة في حال الجماعة ، فهي حينئذ كاستقبال القبلة ونحوه وإن قلنا بكون الجماعة من الخوارج ، نعم‌

٢٢٢

الشأن في إثبات ذلك في جميع هذه الشرائط من الأدلة ، نعم هو ثابت في مثل الحائل ونحوه مما وردت النصوص به مع احتمال إرادة شرطية الجماعة منها فيه فضلا عن غيره ، إلا أن الذي يقوى في النظر إرادة شرطية الصلاة في هذا الحال ، فنية الانفراد حينئذ أي بعد حصول المانع مثلا لا تجدي ، نعم لو فرض تقدمها على التقدم اتجهت الصحة.

وأما الثاني فلابتنائه على كون ذلك شرطا في الجماعة دون الصلاة ، وانقلاب المنوي إلى غير ما نوى من دون دليل ، وهما معا كما ترى ، بل وكذا النظر والتأمل فيما ذكره من التقدم الغلطي والسهوي لعدم دليل عليه ، بل ظاهر الأدلة من الإجماعات وغيرها خلافه ، والتعليل بالحرج من الواضح قصوره عن إثبات ذلك ، ومعارضته لغيره ، ضرورة عدم تصوره في مثل المقام ، على أن قضيته الصحة وإن لم يعد إلى موقفه بأن استمر سهوه إلى الفراغ ، وهو خلاف ظاهره فضلا عن ظاهر غيره من الأصحاب ممن خرط هذا الشرط في سلك باقي الشرائط من الحائل والتباعد ونحوهما.

ثم إنه قد يظهر من المتن وما ماثله من عبارات الأصحاب كالقواعد والمنتهى وغيرهما جواز مساواة المأموم للإمام ، بل هو صريح التذكرة والذكرى والبيان وظاهر الدروس والروض وغيرها ، بل في المدارك والمفاتيح نسبته إلى الأكثر ، بل في الروض وعن المسالك وغيرها نسبته إلى الشهرة ، بل في الرياض لا خلاف فيه إلا من الحلي ، بل في التذكرة الإجماع عليه ، وهو الحجة بعد الأصل وصدق الجماعة وإطلاق الأمر (١) بوقوف المأموم الواحد عن يمين الامام والاذن له بالوقوف حذاء الإمام إذا لم يجد مكانا في الصف يقوم به ، وإشعار حكم أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) بصحة صلاة المختلفين في دعوى كل منهما الامام ، ضرورة عدم تصوره إلا مع التساوي ، إذ التقدم إن حصل فهو الإمام‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ و ٥٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

٢٢٣

وإلا بطلت الصلاة ، والأمر بقيام المرأة وسطا لو صلت جماعة في النساء في عدة من أخبار (١) بعضها في الصلاة على الجنازة ، وما ورد (٢) في كيفية إمامة العاري العراة ، وخبر الحسين ابن علوان (٣) عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام قال : « الرجلان صف ، فإذا كانوا ثلاثة تقدم الامام » وما في‌ خبر أبي علي الحراني (٤) الوارد عن الصادق عليه‌السلام في منع الجماعة الذين دخلوا المسجد قبل أن يتفرق جميع من فيه عن الأذان ، ثم قال فيه : « إن أرادوا أن يصلوا جماعة فليقوموا في ناحية المسجد ولا يبدو بهم إمام ».

إلا أنه يمكن المناقشة في الإجماع بأنا لم نعثر على مصرح بالحكم قبله ، بل ولا حكي ، نعم نسب إلى ظاهر الشيخ وابن حمزة والمصنف مع أنه في مفتاح الكرامة قال : قد يظهر من جمل العلم والعمل موافقة الحلي في المنع ، فلا ظن حينئذ به ، بل لعل الظن بخلافه ، وفي الأصل بأنه إن لم يكن مقتضاه العكس باعتبار التوقيفية واستصحاب شغل الذمة ونحوهما فهو مقطوع بما ستسمع ، وإطلاقات الجماعة ـ بعد تسليم صدق اسم الجماعة على الفرض ، لاحتمال كونها اسما للصحيح منها الذي لم يعلم كون الفرض منه ـ غير مساقة لبيان ذلك كما سمعته بالنسبة إلى التقدم ، وكذا إطلاق اليمين ، بل هو أولى ، ضرورة مقابلته بأنه إن كان المأموم أكثر من واحد فخلفه ، بل وكذا الحذاء ، وفي سؤال المتداعيين أولا بما في الذكرى من أنه لا اقتداء هنا حتى يتأخر المأموم ، ومن أن تأخر المأموم شرط في صحة صلاته لا صلاة الامام ، وثانيا الامام عليه‌السلام أراد‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة والباب ٢٥ من أبواب صلاة الجنازة من كتاب الطهارة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب لباس المصلي.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١٣ وهو خبر أبي البختري.

(٤) الوسائل ـ الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٢.

٢٢٤

الجواب حتى لو تداعيا التقدم أو نسياه أيضا ، وبما في حاشية الوسائل من احتمال اغتفار ذلك بالخصوص للتقية ، لأنه لا بد من فرض اقتدائهما بمخالف ظاهرا ، وإلا لزم الدور فان ركوع كل واحد منهما مثلا متوقف على ركوع الآخر وإن كان هو لا يخلو من نظر ضرورة عدم التوقف في الإمامية ، وكأنه اشتبه بالمأمومية ، وفي الأمر بالوسط للامرأة بأنه ـ بعد الغض عن الطعن في هذه الأخبار بما اشتملت عليه من الجماعة في النافلة ، والنهي عنها في المكتوبة ، بل والنهي عن التقدم أيضا ـ يمكن دعوى إشعارها بعكس المطلوب ، بل ظهورها فيه من حيث اشتمالها على الاستدراك المشعر بمعروفية التقدم في الإمامة ، والنهي المعلوم وروده في مقام توهم الوجوب ، وتبادر إرادة الخصوصية للنساء بذلك كما لا يخفى على من لاحظها ، على أنه لا صراحة في الوسطية بالمساواة ، ضرورة صدقها مع التقدم اليسير على من في الجانبين ، بل هذا هو المراد منها قطعا عند التأمل ، وفي خبر الحسين باحتمال أو ظهور إرادة التقدم تماما منه إذا زاد المأمومون على واحد ، فيكون المراد بالصف حينئذ في الاثنين خلافه الذي لا ينافيه التقدم اليسير ، وفي خبر أبي علي بنحو ذلك من احتمال إرادة البدو تماما ، بل يحتمل إرادة غير ما نحن فيه من البدو ، بل يحتمل قراءته بالراء فيه كما هو إحدى النسختين وإن كان المحكي عن نسخة الفقيه الواو ، فتأمل ، وفي كيفية جماعة العراة بأن الموجود في‌ صحيح ابن سنان (١) « أنه يتقدم الامام بركبتيه ويصلي بهم جلوسا » وفي‌ خبر إسحاق بن عمار (٢) « يتقدمهم إمامهم فيجلس ويجلسون خلفه ، ويومي إيماء » إلى آخره ، وهما كما ترى واضحان في الدلالة على خلاف ذلك.

بل منهما يستفاد أولوية الحكم في غير العراة ، ضرورة لزوم (٣) مراعاة التقديم‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب لباس المصلى ـ الحديث ٢.

(٣) هكذا في النسخة الأصلية ولكن حق العبارة « استلزام ».

٢٢٥

فيهم للتقديم في غيرهم ، فيتجه حينئذ مختار الحلي من لزوم تقدم الامام ولو بقليل ، بل قد يدعى إشعار لفظ الامام بذلك وإن لم أعرف من وافقه عليه عدا الكاشاني في مفاتيحه إلا أنه قوي جدا ، خصوصا مع ملاحظة‌ النبوي (١) « إنما جعل الإمام إماما ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا ، وإذا سجد فاسجدوا » وملاحظة مطلوبية الاحتياط في العبادات التوقيفية زيادة على ما عرفت ، والاقتصار على الثابت المعلوم من فعل النبي والأئمة ( عليهم الصلاة والسلام ) والصحابة والتابعين وسائر المسلمين ، وخبر محمد بن عبد الله الحميري (٢) المروي عن احتجاج الطبرسي عن صاحب الزمان عليه‌السلام « عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهم‌السلام هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت ـ إلى أن قال ـ : وأما الصلاة فإنها خلفه ، يجعله الامام ، ولا يجوز أن يصلي بين يديه ولا عن يمينه ولا عن شماله ، لأن الإمام لا يتقدم عليه ولا يساوى » بناء على أن المراد من الامام فيه إمام الجماعة كما يرشد اليه استدلال المحدث البحراني بخبر الحميري ـ الذي هو عين هذا الخبر ، إلا أن‌ المروي عنه فيه الفقيه عليه‌السلام ، وحذف منه « ولا عن يمينه ولا عن شماله ولا يساوى » ـ على عدم جواز تقديم المأموم على الامام معرضا بالأصحاب حيث أنهم لم يذكروا دليلا للحكم المزبور من الأخبار ، وادعى أنه لم يسبقه إلى هذا التنبه أحد عدا شيخنا البهائي ، وكل ذلك مؤيد لإرادة الإمام فيه إمام الجماعة ، فتأمل.

وملاحظة ما في نصوص الباب (٣) الكثيرة جدا من الأمر بالتقدم والتقديم‌

__________________

(١) كنز العمال ج ٤ ص ٢٥٠ ـ الرقم ٥٢٢٤.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مكان المصلى ـ الحديث ٢.

(٣) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٢٢٦

والخلف ونحوها حتى أنه في الحدائق استصوب ما عليه الحلي فيما لو كان المأموم أزيد من واحد ، قال : للنصوص المتطابقة على الأمر بالخلف في مثله السالمة عن المعارض ، منها‌ صحيح ابن مسلم (١) عن الباقر عليه‌السلام « عن الرجل يؤم الرجلين قال : يتقدمهما ولا يقوم بينهما » وإن كان قد يخدشه أنها محمولة على الاستحباب كالأمر بكون الواحد إلى اليمين في جملة من الأخبار (٢) أيضا كما ستعرف ذلك إن شاء الله مفصلا ، لكن من المعلوم إرادة الندب بمعنى استحباب قيام المأموم إن كان متعددا خلف الامام ، فغير المستحب حينئذ أن يكونوا في أحد جنبيه أو فيهما ، بمعنى (٣) استحباب كون المأموم الواحد إلى جهة يمين الامام وإن جاز كونه على جهة يساره أو خلفه لا أن المراد مساواتهم ومساواته في الموقف ، ودعوى أن غير الخلف المساواة ـ إذ التقديم وإن كان يسيرا خلف ، فيكون أمر الواحد بالكون على اليمين مقابل الخلف نصا في المساواة ، كأخبار الخلف أيضا بناء على الاستحباب ـ واضحة الفساد ، ضرورة إرادة كون تمام المأموم وراء الامام من الخلف بحيث يكون سجوده محاذيا لقدم الامام ، وإلا فالتقدم اليسير ليس من الخلف عرفا قطعا ، ولا ينافي صدق كونه على اليمين ، كما هو واضح.

وكيف كان فمدار التقدم والمساواة العرف كما صرح به في الذخيرة والرياض ، وجعله في المدارك وجها قويا ، وهو فيها ( فيهما ظ ) منقح لا اشتباه فيه ، وكأن ما وقع للأصحاب من تقديرهما في حال القيام أو هو مع الركوع بالأعقاب أو بها والأصابع معا أو بالمناكب خاصة ، أو بأصابع الرجل في حال السجود ، وبمقاديم الركبتين والأعجاز في حال التشهد والجلوس ، وبالجنب في حال النوم لإرادة ضبط العرف ، وإلا فليس في‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ٧.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) هكذا في النسخة الأصلية ولكن الصواب « وبمعنى ».

٢٢٧

نصوص المقام تعرض لشي‌ء من ذلك عدا ما يشعر به ما ورد (١) في استحباب مساواة أهل الصفوف وعدم اختلافهم من تحقق التساوي بتحاذي المناكب ، وما ورد (٢) في كيفية جماعة العراة من تحقق التقدم في حال الجلوس بابراز الركبتين ، لكن في التذكرة أنه لو تقدم عقب المأموم بطل عندنا ، وفي المدارك « نص الأصحاب على أن المعتبر التساوي بالأعقاب ، فلو تساوى العقبان لم يضر تقدم أصابع رجل المأموم أو رأسه ، ولو تقدم بعقبة على الامام لم ينفعه تأخره عنه بأصابعه ورأسه » وفي الروض والمسالك الاكتفاء في البطلان بتقدم عقب المأموم أو أصابعه حاكيين له عن العلامة بعد أن حكيا عن الشهيد اعتبار العقب خاصة ، قالا : « ولو فرض تقدم عقب المأموم مع تساوي أصابعه لأصابع الامام فظاهرهما معا المنع ، لتقدم العقب الذي هو المانع عند الشهيد ، والاكتفاء بأحد الأمرين عند العلامة ، وكذا لو تأخرت أصابع المأموم وتقدمت عقبه » وكأنهما أرادا ما حكي عن العلامة في النهاية الأحكام من أنه استقرب اعتبار التقدم بالعقب والأصابع معا بناء على إرادته بالمعية الاكتفاء بكل منهما في مقابلة اعتبار العقب خاصة ، لا أن المراد شرطية البطلان بتقدمهما معا كما لعله الظاهر من هذه العبارة المحكية ، وقال في الروض : إنه يمكن دخول الركوع في الموقف ، فيعتبر فيه الأقدام حينئذ نسبة ، وعدم الاعتبار بتقدم الرأس الذي حكي عن نهاية الأحكام التصريح به وفي المسالك إلى ظاهرهم ، وقال فيه أيضا : « وأما حالة السجود والتشهد فيشكل عدم الاعتبار حالهما مطلقا ، وينبغي مراعاة أصابع الرجل في حالة السجود ، ومقاديم الركبتين أو الأعجاز في حالة التشهد » وعن الدروس والمسالك « لا يضر تقدم المأموم على الامام بمسجده إلا في المستديرين حول الكعبة » وعن الروضة « أن المعتبر العقب قائما والمقعد وهو الألية جالسا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٥١ ـ من أبواب لباس المصلى.

٢٢٨

والجنب نائما » وهو صريح في اعتبار عدم التقدم في أحوال المصلي جميعها كما هو ظاهر غيره من الأصحاب عدا المتن وما ماثله الذي قد يفهم منه اختصاص ذلك في الموقف.

ولا ريب في أن الأول أقوى كما أنه لا ريب أيضا في أن الأوجه عدم الالتفات إلى شي‌ء من ذلك وإيكال الأمر إلى العرف الذي معرفة صدق التقدم والمساواة فيه من أوضح الأشياء ، فلا حاجة حينئذ إلى ذكر ما سمعت الذي لا يخلو جملة منه من إشكال ونظر ، بل قد يقطع بفساد بعضه ، كما أنه لا حاجة أيضا إلى ما وقع من بعضهم من تفسير التقدم المانع لصحة الصلاة بأن لا يكون المأموم أقرب إلى القبلة من الامام ، وكأنه إليه أومأ الشهيد بل وغيره أيضا على ما حكي عنه باشتراطهم عدم أقربية المأموم إلى الكعبة من الامام فيما صرحوا به من جواز الصلاة جماعة بالاستدارة على الكعبة مستدلا عليه في الذكرى بالإجماع عليه عملا في الأعصار السالفة ، إذ قد يناقش فيه بأنه لا يتم في الصلاة جماعة في جوف الكعبة بناء على جوازها ، ضرورة عدم تصور القرب فيه إلى القبلة والبعد إلا أن يراد خصوص ما استقبله الامام من الجدار مثلا ، بل قد يدعى عدم تصور أصل التقدم والتأخر في بعض صور الجماعة فيه بناء على جوازها لو تخالفا في جهة الاستقبال فيه إما بأن يكون وجه أحدهما إلى الآخر أو قفا كل منهما اليه ، بناء على أن الشرط في المسألة السابقة عدم الحائل بين الامام والمأموم لا المشاهدة على أنه يمكن فرض تحققها ولو بفرض التعاكس الناقص لا التام ، لعدم إرادة المشاهدة الإمامية منها ، وإلا لما اكتفوا فيها بأطراف العيون في الصف الأول وفي جناحي الامام وفي الصف خلف الباب المفتوح وغير ذلك مما سمعت الإشارة إليه.

اللهم إلا أن يمنع مثل هذه الكيفيات من الجماعة التوقيفية ، لعدم معهوديتها بل معهودية خلافها ، بل هي أولى بالمنع من الاستدارة التي استشكل فيها في المدارك والذخيرة ، بل منعها العلامة في جملة من كتبه على ما حكي عنه ، وخص الصحة بصلاة‌

٢٢٩

من هو خلف الإمام أو إلى جانبه محتجا بأن موقف المأموم خلف الإمام أو إلى جانبه ، وهو إنما يحصل في جهة واحدة ، فصلاة من غايرها باطلة ، وبأن المأموم مع الاستدارة إذا لم يكن واقفا في جهة الإمام يكون واقفا بين يديه ، فتبطل صلاته.

وإن كان قد يناقش أولا بالإجماع الذي سمعته في الذكرى ، وثانيا بإمكان دعوى صدق الخلف والجانب ، إذ هما بالنسبة إلى كل واحد بحسبه ولو بملاحظة الدائرة البركالية ولعله محافظة على ذلك اعتبر المجوزون عدم أقربية المأموم إلى الكعبة من الامام ، بل ينبغي على مختار الحلي من اعتبار تقدم الامام اشتراط أقربية الإمام إلى الكعبة ، لكن قد يشكل بأنه لا تلازم بين كون المأموم خلفا أو جانبا بحسب الدائرة البركالية وبين عدم أقربيته إلى الكعبة من الامام ، ضرورة زيادة جوانب الكعبة فقد يكون قريبا جدا إليها وإن كان هو خلفا بحسب الدائرة كما هو واضح ، وثالثا بإمكان منع اعتبار الخلف والجانب في الجماعة ، نعم يعتبر عدم تقدم المأموم مثلا على الامام وإن كان ذلك يلزمه حيث يكون الاستقبال إلى الجهة الخلف أو الجانب ، ولعل اعتبارهما في كثير من الأخبار مبني على الغالب ، ولا ريب في عدم صدق التقدم في الكيفية المفروضة ، إلا أن المتجه على هذا التقدير سقوط الشرط المزبور أي عدم كون المأموم أقرب مطلقا ، بل يكتفى حينئذ بعدم صدق التقدم ، وكيف كان فالأقوى صحة الجماعة مع الاستدارة ، والأحوط عدم أقربية المأموم فيها إلى الكعبة بحسب الدائرة ، وأحوط منه ملاحظة الكعبة مع ذلك ، وأحوط منه أقربية الامام إليها دائرة وعينا ، والله أعلم.

ولا بد في صحة الجماعة للمأموم وجريان أحكامها عليه من نية الائتمام بلا خلاف نقلا وتحصيلا ، بل هو مجمع عليه كذلك ، بل في المنتهى أنه قول كل من يحفظ عنه العلم ، إذ من أصول المذهب وقواعده توقف العبادات على النيات ، فلو لم ينوه حينئذ كان منفردا كما صرح به غير واحد من الأصحاب كالفاضل في التذكرة والشهيدين‌

٢٣٠

وغيرهم ، بل لا أجد فيه خلافا ، ولا تبطل صلاته إلا بما تبطل به صلاة المنفرد حتى لو ألزم نفسه بمتابعة الامام وصار كالمأموم ، إذ ليس فيه إلا أنه قرن فعله بفعل غيره ، ولم يثبت إبطال مثل ذلك للصلاة ، بل الثابت بظاهر الأدلة خلافه ، خلافا للشافعية في أصح وجهيها ، لأنه وقف صلاته على صلاة الغير لا لاكتساب فضيلة الجماعة ، ولما فيه من إبطال الخشوع وشغل القلب ، وهو كما ترى مقتض لفساد صلاة من اشتغل قلبه وسلب خشوعه ، ولم يقل به أحد كما في الذكرى ، نعم لو أدي ذلك الإلزام إلى ما يبطل الصلاة الواقعة من المنفرد بأن ترك قراءة أو زاد ركوعا أو سجودا أو سكوتا طويلا للانتظار أو غير ذلك اتجه البطلان حينئذ لذلك لا للإلزام المزبور ، كما هو واضح لكن في القواعد « السابع نية الاقتداء ، فلو تابع بغير نية بطلت صلاته » ولعله يريد جماعة أو إذا أدت المتابعة إلى ما عرفت ، وإلا فقد عرفت أنه لا وجه لفساد الصلاة أصلا.

فما في الرياض نقلا عن المنتهى ونهاية الأحكام والذكرى ـ من الإجماع على وجوب أصل نية الاقتداء. فلو لم ينوه أو نوى الاقتداء بغير معين فسدت الصلاة فضلا عن الجماعة ، قال : وكذا لو نوى باثنين ـ في غاية العجب ، إذ ليس في المنتهى سوى قوله : « مسألة ونية الاقتداء شرط ، وهو قول كل من يحفظ عنه العلم » ومراده الشرطية في الجماعة قطعا ، وفي الذكرى « الشرط الثاني من شروط الاقتداء نية الاقتداء » لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « إنما لكل امرئ ما نوى » وعلى ذلك انعقد الإجماع ـ إلى أن قال ـ : فلو ترك نية الاقتداء فهو منفرد ، فان ترك القراءة عمدا أو جهلا بطلت ، وكذا لو قرأ لا بنية الوجوب ، وإن قرأ بنية الوجوب وتساوقت أفعاله وأفعال الإمام بحيث لا يؤدي إلى انتظار الامام صحت صلاته ، ولم يضر ثبوت الجماعة‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ الحديث ١٠.

٢٣١

وإن تابع الإمام في أفعاله وأذكاره ، وإن تقدم عليه فترك بعض الواجب من الأذكار بطلت صلاته ، لتعمده الإخلال بابعاضها الواجبة ، وإن تقدم هو على الامام كأن فرغ من القراءة قبله والتسبيح في الركوع والسجود وبقي منتظرا فان طال الانتظار بحيث يخرج عن كونه مصليا بالنسبة إلى صلاته قيل يبطل ، لأن ذلك يعد مبطلا ، ويمكن أن يقال باستبعاد الفرض ـ إلى أن قال ـ : وإن سكت اتجه البطلان ، وإن لم يطل الانتظار فالأقرب الصحة ، إذ ليس فيه إلا أنه قرن فعله بفعل غيره ، ولم يثبت كون ذلك قادحا في الصلاة » ثم حكى عن بعض العامة البطلان وأفسده ، وهو صريح فيما قلناه وإن كان في بعض ما ذكره مما لا مدخلية له فيما نحن فيه نظر وتأمل ، وكذا صرح في التذكرة والروض والذخيرة وغيرها.

بل الظاهر الصحة حتى لو اعتقد حصول الجماعة له وصيرورته مأموما من غير نية جهلا منه إذا لم يقع منه ما يخل بصلاة المنفرد ، اللهم إلا أن يدعى اندراجه في التشريع وفيه ـ بعد الغض عن النظر في إبطال مثله هنا ـ تأمل أو منع ، بل يقوى في النظر أنه ليس مما يخل قراءته بنية الندب بناء على عدم قدح مثل ذلك خصوصا في الأجزاء ، نعم يتجه الحكم بفساد الصلاة مع عدم نية الجماعة فيما لو كانت صحة الصلاة موقوفة على الجماعة كالفريضة المعادة لإدراك الجماعة ، بناء على توقف صحة إعادتها على الجماعة كما هو ظاهر الأصحاب ، فلو لم ينو حينئذ الجماعة بطلت الصلاة ، لعدم إمكان صيرورتها فرادى ابتداء.

ولو كانت الجماعة واجبة بالأصل كالجمعة أو بالعارض وجبت حينئذ نيتها شرعا زيادة على الوجوب الشرطي ، واحتمال عدم الوجوب في مثل الجمعة لعدم انعقادها إلا جماعة فيستغني بنية الجمعة حينئذ عن الجماعة لا يخلو من وجه ، وإن جزم في الذكرى‌

٢٣٢

بفساده لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « إنما الأعمال بالنيات ».

ولو شك في نية الاقتداء ففي التذكرة هو كالشك في النية ، فيتلافى مع بقاء المحل ولا يلتفت بعد تجاوزه ، وفي الذكرى يمكن أن يكون بناؤه على ما قام إليه ، فان لم يعلم شيئا بنى على الانفراد ، لأصالة عدم نية الائتمام ، وهو جيد ، إلا أنه يعتبر مع ذلك أيضا ظهور أحوال المأمومية عليه وعدمه ، فتأمل.

وكذا لا خلاف نقلا وتحصيلا في لا بدية القصد إلى إمام متحد معين بالاسم أو بالإشارة أو بالصفة أو بغيرها ، بل يكفي القصد الذهني بعد إحراز جامعيته لشرائط الإمامة في صحة الصلاة جماعة ، بل كأنه مجمع عليه ، لأصالة عدم ترتب أحكامها من سقوط القراءة ونحوها بعد الشك في تناول الإطلاقات أو القطع بالعدم ، لعدم المعهودية ، بل معهودية الخلاف ، نعم لا يشترط استحضار هذا القصد حال نية الصلاة بل يكفي بناء المكلف على أنه زيد أو عمرو فلو كان بين يديه اثنان ونوى الائتمام بهما أو بأحدهما ولم يعين لم تنعقد صلاته قطعا لا لأن التعيين شرط في سائر العبادات ضرورة أنه ليس مما نحن فيه ، بل لما عرفت من عدم ثبوت مقتضي الصحة في النصوص والفتاوى ، بل الأخيرة متطابقة على فساده تطابق فعل الإمامين أو اختلف ، بل يحتمل أنه كذلك حتى لو عين أحدهما بما يعينه في الواقع من الاسم أو الصفة لكن لم يعرف مصداقهما بأن قصد الصلاة خلف زيد أو العالم منهما وكان لا يعرف أن هذا أو هذا زيد أو العالم ، إذ الترديد في المصداق كالترديد في المفهوم يشك في شمول الأدلة له ، وإطلاق الأصحاب الاجتزاء بالتعيين بالاسم أو بالصفة منزل على مفيد التشخيص عند المعين لا في الواقع كما هو المتبادر من اشتراط التعيين في الفتاوى ، نعم لو اقتدى بإمام جماعة ثبتت عدالته عنده وأشار إلى ذاته التي لم يعلم اسمها أو وصفها صحت الصلاة قطعا ،

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥ ـ من أبواب مقدمة العبادات ـ الحديث ١٠.

٢٣٣

لتناول الأدلة له ، أما لو نوى الاقتداء باسمه ولكن لم يعرف مصداق اسمه من بين الذوات المتقدمة عليه الصالحة لأن يكون كل واحد منها إماما له فالظاهر أنه كالترديد في المصداق ، بل يمكن ذلك حتى لو عينه بإمام هذه الجماعة ، ضرورة احتماله كون هذه الذات إمام الجماعة أو هذه الذات ، كاحتمال كون هذا زيدا أو هذا زيدا ، لا أنه كالائتمام بهذا المحتمل أنه زيد أو عمرو أو بكر ، إذ هو في الحقيقة ترديد في الأسماء خاصة أو ما يقرب منه مما لا مدخلية له في حصول تعيين الائتمام بتلك الذات المحتمل أنها زيد أو عمرو أو بكر ، إنما الذي يقدح عدم التعيين في المفهوم كأحدهما أو الصدق فيما نواه بمعنى عدم علمه موضوعه الذي يحمل عليه ، بخلاف ما لو علم موضوعه وهو هذه الذات مثلا ولكن لم يعلم المحمول عليها من زيد أو بكر أو عمرو ، هذا مع احتمال تصحيح الجماعة في سائر هذه الصور بحصول التعيين والتشخيص في الواقع وإن لم يشخصه عند المقتدي ، فيراد من اشتراط الأصحاب التعيين إخراج ما لا تعيين فيه أصلا خاصة ، كأحدهما الصادق على كل منهما ونحوه لا غيره مما ذكرنا ، لصدق الاقتداء بمن وثق بدينه وأمانته فيه دونه ، بل لعله على ذلك عمل أغلب الناس.

ولو نوى الاقتداء بزيد فظهر أنه عمرو بطلت وإن كان أهلا للإمامة أيضا كما في التذكرة والذكرى والروض وعن نهاية الأحكام والروضة وإرشاد الجعفرية من غير فرق بين ظهور ذلك له بعد الفراغ أو في الأثناء ، إذ نية الانفراد هنا كعدمها ، لعدم وقوع ما نواه وعدم نية ما وقع منه ، وفائدة التعيين التوصل به إلى الواقع لا أنه يكفي وإن خالف الواقع ، نعم لو كان قد شك فيه في الأثناء اتجه له نية الانفراد وصحت صلاته ما لم يظهر له أنه خلاف ما عينه ، وفي إيجاب البحث عنه عليه وجهان ، بل قد يحتمل صحة صلاته وإن لم ينو الانفراد استصحابا لحكم التعيين الأول الذي لا يفسده إلا تخلفه لا احتمال تخلفه ، وإن كان فيه أن التعيين كما أنه شرط في الابتداء كذلك‌

٢٣٤

شرط في الاستدامة إلا في خصوص استنابة الامام على احتمال كما ستعرف.

ولو اقتدى بهذا الحاضر على أنه زيد فظهر أنه عمرو قاصدا التعيين فيهما ـ وإلا لو كان ذلك محض اعتقاد لا مدخلية له في تعيين مقتداه صحت صلاته ، لحصول التعيين بالإشارة التي لا يقدح فيها خطأ الاعتقاد المزبور ـ ففي صحة صلاته ترجيحا للإشارة ، وبطلانها ترجيحا للاسم وجهان كما في الذكرى والمدارك والرياض ، أحوطهما بل أقربهما الثاني كما عن كشف الالتباس وإن لم أجده فيه ، واستوجهه في الروض حاكيا له عن العلامة ، خلافا للذخيرة والكفاية فالأول ، بل ينبغي الجزم به لو كان عمرو عنده غير عادل وإن استشكل فيه المولى الأعظم في شرح المفاتيح من ظهور عدم الاقتداء بعادل ومما ورد (١) من صحة صلاة من اقتدى بيهودي باعتقاد عدالته ثم ظهر فساده ، لكن لا يخفى عليك ضعف الوجه الثاني ، لوضوح الفرق بين تخلف الاعتقاد في الصفة بعد تشخص الذات وبين تخلفه بالنسبة للموصوف ، بل هو أولى من المسألة الأولى في البطلان التي نوى الاقتداء فيها بزيد ثم ظهر أنه عمرو وإن كان عدلا ، كما هو واضح.

ومنه يعلم أنه لا وجه لنية الانفراد في الفرض وإن كان قبل ما يصدر منه ما يبطل صلاة المنفرد ، لفساد أصل الصلاة التي هي شرط في جواز الانفراد ، خلافا له أيضا فحكم بها قبل أن يصدر منه ما يبطل صلاة المنفرد كترك القراءة ونحوها بأن يكون ظهر له بعد التكبير ، ولا ريب في ضعفه كما عرفت.

إنما البحث لو ظهر أنه عمرو العدل عنده وقد سمعت أن الأقوى البطلان فيه أيضا إن كان أراد مصداق الحاضر الذي باعتقاده أنه زيد ، فإنه حينئذ لم تزد الإشارة في نظره على الاسم ، بل هو المقصود منها ، كقصد الفرد من الكلي ، فيرجع حينئذ إلى عدم التعيين كما لو اقتصر على الاسم.

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٢٣٥

أما إذا قصد من الإشارة مفهومها والاسم تعيين آخر مستقل لكنه تخيل اتفاق موردهما فقد يقال بالصحة ، لحصول التعيين بالإشارة التي لم ينافها تبين فساد التعيين بالاسم ، وتناول إطلاق الأدلة له بصدق الامتثال فيه ، وإشعار إطلاق ما دل (١) على جواز استنابة الامام غيره إذا عرض له عارض في الجملة ، خصوصا في مثل الجماعات المعظمة التي يغلب فيها عدم اطلاع جميع المأمومين على ذلك.

وقد يقال بالبطلان لقبح الترجيح بلا مرجح ، وكون أحدهما خطأ والآخر صوابا غير صالح للترجيح ، بل كل منهما ينبغي تأثيره أثره ، فيتعارضان ، فلا يحصل مقتضي الصحة ، وليس كل منهما مقتضي الصحة حتى يقال تخلف أحدهما لا ينافي اقتضاء الآخر مقتضاه إذ هو بمنزلة العدم حينئذ ، بل هما مع اقتضائهما الصحة تخلفهما مقتضي البطلان ، وللشك في تناول الإطلاقات لمثله إن لم نقل ظاهر مواردها خلافه ، ولا إشعار في إطلاق الاستنابة به أصلا ، إذ أقصاه إن لم ينزل على علم المأمومين بالنائب عدم قدح حدوث غير المعين ابتداء حتى لو علم المأموم بذلك ولم يعينه ، لأنه بمنزلة المنوب عنه ، فيكفي التعيين الأول ، كما أنه يكفي أصل نية الاقتداء به عن تجديدها كما صرح به في التذكرة لكن على إشكال ، وهو على كل حال غير ما نحن فيه قطعا ، كما هو واضح.

فالقول بالبطلان حينئذ لا يخلو من قوة وإن أطنب المولى الأعظم في شرح المفاتيح في ترجيح الصحة ، بل قال : « لا وجه للبطلان لو وقع الكشف في الأثناء قبل عروض ما يضر المنفرد ، وكذا لو وقع الكشف بعد الفراغ من الصلاة ، خصوصا بعد خروج الوقت » لكن لا يخفى على من لا حظ كلامه أنه لا ترجيح في شي‌ء مما ذكره لذلك ، بل منه ما هو خارج عن محل النزاع ، ومنه ما هو ممنوع أو غير مجد ، فلا حظ وتأمل ، ولو أمكن التفصيل هنا بين ما كان الاسم والإشارة على حد سواء في نية التعيين‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٧٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٢٣٦

بهما وبين ما كان العمد ( العمدة خ ل ) فيه أحدهما وذكر الآخر مكملا فيحكم بالبطلان في الأول والثاني إن كان هو الاسم ، وبالصحة إن كان الإشارة كان وجها ، والله أعلم.

ولو صلى اثنان فقال كل منهما : كنت إماما صحت صلاتهما بلا خلاف أجده فيه ، بل في ظاهر الروض والرياض الإجماع عليه ، بل هو صريح المنتهى ، لمساواة صلاة الإمام صلاة المنفرد من كل وجه في القراءة وغيرها ، ونية الإمامة ليست منوعة بل هي كنية المسجدية ، بخلاف نية المأمومية لاختصاصها بأحكام كثيرة ، ول‌ خبر السكوني (١) المعمول به هنا بين الأصحاب كما اعترف به غير واحد عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم‌السلام أنه قال « في رجلين اختلفا فقال أحدهما : كنت إمامك وقال الآخر : كنت إمامك : إن صلاتهما تامة ، قال : قلت : فان قال كل واحد منهما : كنت أءتم بك قال : فصلاتهما فاسدة ليستأنفا » نعم ينبغي تقييد الصحة بما إذا لم تكن صحة الصلاة موقوفة على الجماعة كالمعادة مثلا ، فان فرض نية كل منهما الإمامة يوجب انفرادهما ، وهو مقتض للبطلان.

وأما لو قال كل منهما كنت مأموما بحيث علم صحة قولهما لم تصح صلاتهما بلا خلاف أجده فيه ، بل ظاهر جماعة الإجماع ، بل هو صريح التذكرة للإخلال بالقراءة ، وللخبر (٢) المتقدم المنجبر ضعفه بعمل الأصحاب ، ولأنهما إن اقترنا في النية لم يكن أحدهما صالحا للإمامة كما لو سبق أحدهما ، لفساد صلاته بنية الائتمام بلا إمام بناء على أن ذا ليس من الفساد الذي لا يقدح في صلاة المأموم كتبين الحدث ونحوه ، مع احتماله ، إلا أن الظاهر فرض المسألة في الاقتران الذي من الواضح فيه البطلان لما عرفت ، ولاستلزام صحة صلاتهما عدمها ، ضرورة عدم جواز الائتمام بالمأموم كما حكي في التذكرة والذكرى الإجماع عليه ، بل فيهما التصريح بأنه لا فرق بين أن‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

(٢) الوسائل ـ الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب صلاة الجماعة ـ الحديث ١.

٢٣٧

يكون عالما بأنه مأموم أو جاهلا.

أما إذا لم يعلم صحة قولهما بل كان كل منهما مدعيا محضا ففي حاشية الإرشاد للمحقق الثاني وعن فوائد الشرائع في قبول قول كل منهما في حق الآخر بعد الصلاة تردد ، وعلله في الثاني بأن الامام لو أخبر بحدثه أو عدم تستره أو عدم قراءته لم يقدح ذلك في صلاة المأموم إذا كان قد دخل على وجه شرعي ، وقضية المزبور جريان التردد في الصورة الأولى أيضا التي علم فيها ذلك حتى مع الاقتران ، لأن الحدث ونحوه لا يقدح في صحة صلاة المأموم وإن علم صحة دعوى الإمام في حصوله منه قبل الصلاة ، إذ تكليف المأموم العمل بالظاهر المقتضي لتحقق الاجزاء كتبين الفسق وغيره ، ولعله مراده.

لكن قد يناقش على كل حال أولا بأنه اجتهاد في مقابلة النص المعمول به بين الأصحاب ، وثانيا بما في الروض من أنه يمكن أن يكون شرط جواز الائتمام ظن صلاحية الإمام لها ، ولهذا لا يشترط أن يتحقق المأموم كون الامام متطهرا ولا متصفا بغيرها من الشروط الخفية بعد الحكم بالعدالة ظاهرا ، وحينئذ إن تحققت الإمامة والائتمام لم يقبل قوله في حقه كما في الحدث ونحوه ، وإن حكم بهما ظاهرا ثم ظهر خلافه قبل قول الامام ، لعدم تيقن انعقاد الجماعة ، والبناء على الظاهر مشروط بالموافقة.

وهذا هو مقتضى النص في الموضعين وإن كان قد يخدش الأول بإمكان تنزيل النص على إرادة بيان حكم من ائتم بمن ائتم به في الواقع من دون نظر إلى نفس الدعوى بناء على أن التردد المزبور في الثاني خاصة ، والثاني بإمكان الاكتفاء في هذا الشرط في الجماعة ، وهو أن لا يكون قد نوى الائتمام به بالظن أيضا كإحراز الوضوء ونحوه ، فتتحقق الإمامة حينئذ وإن كان في الواقع قد نوى الائتمام به ، فضلا عن أن يكون ذلك مجرد دعوى منه ، بل قد يؤيد ذلك في الجملة بما دل على عدم الالتفات إلى الشك بعد‌

٢٣٨

الفراغ ، بل هو كدعوى الامام بعد الفراغ بأنه لم ينو الصلاة أو أنه كان في نافلة أو نحو ذلك.

والتحقيق أنه لا ريب في البطلان لو علم نية كل منهما الائتمام بالآخر ولو بعد الفراغ ، لما عرفت من الخبر المعتضد بفتوى الأصحاب ، وأصالة الواقعية في الشرائط السالمة عما يقتضي خلافها هنا عدا القياس على الحدث ونحوه المعلوم حرمته عندنا ، أما مع عدم العلم بل كان مجرد دعوى كل منهما ذلك فظاهر النص والفتوى البطلان أيضا ، وهو الأحوط خصوصا في مثل العبادة التوقيفية وحصول الشك في الفراغ هنا ، بل الأقوى وإن كان الجزم به لا يخلو من نظر ، لإمكان تنزيل النص والفتوى على الصورة الأولى وإن اشتملا على قول كل منهما ، لكن من المحتمل إرادة معلوم الصدق منه عندهما كما هو الغالب ، وربما يومي اليه فرض الفاضل وغيره المسألة في الصورة الأولى ، ومن المعلوم كون الخبر في نظرهم ، اللهم إلا أن يدعى تساوي المسألتين عندهم ، ومن هنا فرضها المصنف بمضمون الخبر ، والفاضل بما عرفت مع عدم معرفة أحد خلافا بينهم في ذلك ، والله أعلم.

وكذا تبطل صلاتهما لو شكا فيما أضمراه لأصالة الشغل السالمة عن معارضة ما يقتضي البراءة ، وإطلاق العبارة والتحرير والموجز وعن المبسوط والمعتبر يقتضي أنه لا فرق في ذلك بين كونه في أثناء الصلاة قبل القراءة أو بعدها أو بعد الفراغ منها ، علما ما قاما اليه من الإمامة أو الائتمام أو لا ، بل علما فعل القراءة أو تركها أو لم يعلما إذ هو لا يفيد تشخيص أحدهما ، لاحتمال السهو والنسيان ، لكنه قد يشكل فيما بعد الفراغ بأنه شك في الصحة بعد الفراغ ، فلا يلتفت اليه ، ولذا اختاره في الروض والمسالك وحكي عن المحقق الثاني أنه قواه وجعله مقتضى النظر ، واحتمله في التذكرة ، بل في المدارك لا بأس به إذا كان كل منهما قد دخل في الصلاة دخولا مشروعا ، وهو قوي‌

٢٣٩

جدا حتى لو علما أنهما قاما إلى الائتمام لكنهما احتملا وقوع غيره ، بل ولو علما ترك القراءة أيضا ، إذ لعله سهوا لا لنية الائتمام ، فيكون المدار حينئذ على احتمال الصحة ، بل قد يتجه ذلك أيضا في الأثناء فيحكم على ما سبق بالصحة بمجرد احتمالها ، ويراعي في الباقي ما يراه من تكليفه.

ولعله إلى ذلك في الجملة أشار في الذكرى والمسالك والروض ، قال في الأولى : « يمكن أن يقال : إذا كان الشك في الأثناء وهو في محل القراءة لم يمض ما فيه إخلال بالصحة ، فينوي الانفراد وصحت صلاته ، لأنه إن كان نوى الإمامة فهي نية الانفراد وإن كان قد نوى الائتمام فالعدول عنه جائز ، وإن كان بعد مضي محل القراءة فإن علم أنه قرأ بنية الوجوب أو علم القراءة ولم يعلم نية الندب انفردا أيضا ، لحصول الواجب عليه ، وإن علم ترك القراءة أو القراءة بنية الندب أمكن البطلان ، للإخلال بالواجب ، وينسحب البحث في الشك بعد التسليم ، ويحتمل قويا البناء على ما قام إليه ، فان لم يعلم ما قام اليه فهو منفرد » واعترضه في المدارك بجواز أن يكون كل منهما قد نوى الائتمام بصاحبه ، فتبطل الصلاتان ، ويمنع العدول ، وفيه أن مجرد احتمال ذلك لا يمنع حمل الفعل على الوجه الصحيح مهما أمكن ، والمراد بالانفراد هنا مراعاته في الباقي من صلاته ما يراعيه المنفرد ، بل لا بأس في نية الانفراد مع ذلك تخلصا من احتمال كون أحدهما إماما والآخر مأموما إن كان هو أحد أفراد الشك ، نعم في عبارة الذكرى نظر من وجوه أخر تعرف بالتأمل فيما قدمناه ، فتأمل جيدا.

ويجوز أن يأتم المفترض بالمفترض وإن اختلف الفرضان عددا كالفصر والتمام ، ونوعا كالظهر والعصر والمغرب والعشاء ، وصنفا كالأداء والقضاء للنصوص (١)

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٥٣ و ٥٥ ـ من أبواب صلاة الجماعة.

٢٤٠